عاشقة في الظلام

By _ibriz_

20.5M 714K 1M

لم يكن بزعيم مافيا و لم يكن الدون أو الزعيم على الإجرام...بل كان شيئا مختلفا...هو كان قاضي المافيا...كان الرج... More

هل أنت قاتل ؟
Part 1 : رُويْ (Roy)
Part 2 : بين الظلال
Part 3 : توقيع بإسم الحب
Part 4 :ألم عاشقة
Part 5 دمعة الحب
Part 6 مشكلة قلب
Part 7 هيوغو آندريس
Part 8 قوة الحب
Part 9 ظهور الروي
Part 10 إشتياق
Part 11 خسارة عظمى
Part 12 سِرٌّ مقابل سِرّْ
Part 13 الملكة والشطرنج
Part 14 مخالب أنثى
Part 15 إرمي أوراقك
Part 16 تسديد دين
Part 17 ابتسامة قاتلة
Part 18 معجزتكَ
Part 19 قانون التسعة
Part 20 شبح الماضي
Part 21 تناقضكِ جذاب
Part 22 ميلادها
Part 23 أسطورة العشق الأولى
Part 24 قاضي العالم السفلي
Part 25 تمردات العشائر
Part 26 قلب الوحش
part 27 جريمة حب
Part 28 أورلوف
Part 29 مَلِكُ الْجَحِيم
Part 30 القفص الذهبي
Part 31 دوق إيطالي
Part 32 خنجر في يد ملك
Part 33 صرخة الموتى
Part 34 جريمة الليل الأولى
Part 35: حب على الصّليب
Part 36: الإرث الأسود
Part 37 :حين يصطاد الملك
Part 38: أميرة وسط الذئاب
Part 39 : الرقص مع الشياطين
Part 4×10 : الرابع من أكتوبر
Part 41: كأس الملك
Part 42 : دم على ثلج
Part 43 : Heikō
Part 45 : موعد مع الأميرة
Part 46: الثور في إسبانيا
Part 47 : الأمير و الأميرة
Part 48 : الوريث الحقيقي
Part 49 : النهاية
الخاتمة
فقرة الأجوبة عن الأسئلة

Part 44 : فخ منتصف الليل

412K 12.5K 24.2K
By _ibriz_

فقط لأنك لا ترى الوحش

لا يعني أن الوحش لا يراك..

.........................................................................................................................................

كان عليها أن تترك المرش مفتوحا لفترة حتى تنتهي منالإستفراغ كليا و لا يسمعها أحد...

جديا لقد كانت كل ايامها تبدا بنفس المشهد...دوما منحنية أمام المرحاض و تقضي كل ساعاتها المتبقية طوال النهار تقاوم الغثيان و لا تشتم اي من العطور حولها..

هي كانت بالفعل قد أنهت استعدادها لكن من الحمام لوضع ملمع الشفاه استفرغت ثلاث مرات و فقط حين شعرت أنها أفضل غسلت أسنانها جيدا ترتب شعرها و تغلق المرش و أخيرا ...لحظتها انتبهت أن هناك آثار أسنان واضحة عند موضع النبض مما جعلها تهز رأسها بابتسامة و هي تحمل خافي العيوب و تضع القليل عليها تخفيها عن الأعين ..

لقد كان يحب نبضها و لا يضيع فرصة إثبات ذلك ..

الحمام بالماء البارد أفادها خصوصا و أنها لم تنم للحظة طوال الليلة الماضية مع ذلك كانت تشعر بالتعب خصوصا و أنها منذ اسابيع و هي متعودة على نوم أكثر..لكنها كانت سعيدة و قلبها ينبض بالحياة لهذا لم تمانع و ابتسمت لانعكاسها في المرآة..

كانت ترتدي فستانا ورديا و شعرها الأحمر كان منسدلا باستقامة يصل لأسفل ظهرها بينما هناك ظفيرتين صغيرتين جدا في مقدمة شعرها كل واحدة في جهة و كعبها كان منخفضا قليلا و بنفس اللون لكن بدرجة أفتح..لقد اختارت هذا المظهر لسببين..الأول لأنها عائدة لروسيا اليوم و تحتاج منحهم مظهر الأميرة اللطيفة و الثاني لأنه يوم جميل و تشعر أن الوردي يلائمه..

حين خرجت من الحمام وصلتها أصوات ضحك من الغرفة الأخرى تدفع إبتسامة تتسلل لوجهها ...فالجناح هنا في الفندق كان أشبه بشقة و لولا ذلك و لو لم تكن هناك غرف أخرى أين نام أرتورو و أديلينا لما كان سيحدث ما حدث أمس على سريرها هي و وولف و الذي كان يقابلها ببعثرته و الملاءة المرمية.. لذا رمشت بأعينها العسلية تبعد نظراتها عن ذلك السرير حتى لا تتذكر ما حدث فيه و أخذت نفسا عميقا..

لقذ كانت بحاجة ماسة لزيارة الكنيسة .. ما يقوله وولف و ما تفعله هي معه في الليل يلزمه جلسات و جلسات عند الرب..

تقدمت بهدوء لمصدر الأصوات نحو الغرفة البعيدة جدا عن مكان نومهما و هناك وجدت الباب مفتوحا و قابلها منظر شيء ظريف جدا..شيء جعل قلبها ينبض بعنف لعدة أسباب و عوامل..

وولف كان يرتدي منشفة فقط يلفها حوله من الأسفل..جسده و شعره مبللان بينما هو يحاول إمساك أديلينا ليجفف لها شعرها بينما هي كانت تركض تقفز من سرير لآخر و تضحك كأنها فراشة في الربيع و حين أمسكها صرخت بضحك بينما رماها هو بحجمها الصغير على كتفه بطريقة مقلوبة و بصعوبة يحاول تجفيفة وجهها و شعرها من قطرات الماء....بينما أرتورو فكان بالفعل قد قد أنهى و ارتدى ثيابه يجلس على أريكة في الزاوية يأكل تفاحة خضراء و يراقب الأمر بضحكة طفولية خافتة..

لم تعرف مارينا أي شيء يجدر بها التركيزعليه أكثر..نظرات أرتورو و هو يتبع كل حركة من والده أو أديلينا التي كانت تضحك كأنها تملك كل العالم بينما هي ملتفة في منشفة صغيرة بنفسجية أو وولف الذي كان يناظرها كأنه منشطر بين رغبته في تأنيبها أو فقط الإستسلام لظرافتها لأنه كان يرتدي إبتسامة جانبية خافتة و لمعة في أعينه لا تخفى عنها...

حين أرسلت لها إيرا فاديتا رسالة كانت واضحة مختصرة..

' ما إحتمال مجيئك لتهدئة ذئب غاضب لو تم فتح الطرق أمامك خلف الستار ؟..'

كلمات بسيطة بمغزى مبطن..كانت تسألها هل تستطيع تهدئة وولف و تأتي لألمانيا لتغيير ما يحدث معه و ستقوم بتأمين الطرقات سرا لتدخل الدولة دون علم أحد...

' مئة بالمئة '

هكذا ردت هي عليها..ثم كأميرة لطيفة مطيعة سمحت لإيرا فاديتا بتولي كل الأمور و إدخالها للدولة سرا و دون فوضى و بالكثير من التسهيلات..

كانت تشك أن حالة وولف لم تكن ممتازة لكن رسالة من إيرا جعلتها تعتقد أن الأمر أكبر مما كانت تتوقع و تأكدت حين شعرت بألم عظامها حين عانقها أمس.. كأنه يود إدخالها و نحت جسدها بجسده ليصبحا واحدا .. و لم تتمالك نفسها حين سقطت دمعتها لما استشعرت رجفته ..

وولف..الرجل الذي قبل ستة عشر سنة كانت ستقول أن إحتمال وقوفها معه في مكان واحد منعدم تقريبا...الرجل الذي في أول يوم زفاف لهما أخبرها أن صفقة الزواج بينهما هي ألا يقع بحبها..الفتى الذي تبعته في الظلال يوما و أراها عالما جديدا و الرجل الذي أخبرها أنه سيضرب الشخص الذي آلم قلبها ...نفسه ارتجفت يده حبا لها هي..

الحب كلأعياد..يأتي بيومه و بلونه و بفرحته..لا يمكنك اللعب بزمنه و لا بدقاته و هي صبرت طويلا حتى باتت كل ثواني حياتها أعيادا..

لهذا و بينما تنظر له الآن أعينها العسلية تحمل نوعا مختلفا من الحب.. حبها كان يُقبل سطح القدسية و يغوص في عمق الهوس و القدر كان بين الأمرين .. قلبها كان يضرب بقوة و مشاعر معينة تسببت في انقباض أسفل معدتها و فقط حين أخذت نفسا عميقا تشعر به مضطربا و متثاقلا التفت هو صوبها حين شعر بها خلفهم..

و هناك و بينما خصلاته المبللة ملتصقة بجبينه منحها إبتسامة..ليس واحدة مزيفة و لا جانبية و لا طيفا منها ..بل إبتسامة حقيقية كما لو كان ينتظر قدومها طوال حياته ... و ظلت هي فقط واقفة عند المدخل تراقب ذلك كأنها عالقة في بعد من الزمن..

" ماري..أنقذيني من أبي "

صوت أديلينا المتحمسة و هي تركض صوبها أجبرها أن تقطع تواصلهما البصري و لم تكد تبتسم لها حتى ارتطمت الصغيرة بأقدامها تدفعها لتنحني من أجلها على قدم واحدة تمسح على خصلاتها السوداء المبللة قبل أن تخبرها بضحكة :

" لماذا ؟.."

" هو يود أن يجمع شعري للأعلى و يدمر حلمي .."

رفعت مارينا حاجبها تمثل الجدية و تلقي نظرة سريعة على وولف كأنها تؤنبه على فعل شيء مماثل و راقبت كيف مسح على شعره المبلل بينما يهز راسه لذا عضت لسانها كي لا تبتسم و أخبرتها :

" أعتقد أنني أنا و أنت يجب أن نرتدي ثيابا مشابهة اليوم ..."

هكذا فقط اتسعت أعين أديلينا بحماس قبل أن تسارع القول :

" يعني يُسمح لي بارتداء الفستان الوردي بدبوس شيشي ؟.."

شيشي هي شانيل لكن من هي لتصحح لها اللقب ؟..لذا اكتفت بالإيماء لها تضيف :

" حتى الشعر كذلك.."

حينها انجرفت أعين أديلينا لتسريحة مارينا وعلى إبتسامتها المضيئة علمت أنها نالت موافقتها لذا لم تتفاجئ حين شعرت بها تركض فورا خارج الغرفة متجهة للمكان أين تتواجد حقائبهم لترتدي ثيابها و تعود لها لتصفف شعرها...في حين أرتورو اللطيف وقف من مقعده و هو لا يزال يتناول التفاحة مقتربا منها كذلك..

ثم لمفاجئة وولف تمتم لها بالروسية :

" صباح الخير .."

و بنفس اللغة ردت عليه مارينا تبستم باتساع حين وضع قبلة على وجنتها قبل أن يعود ليتحدث بالإسبانية و هو يزم شفته بظرافة :

" سأحرص ألا تخرب الحقيبة مجددا أعدك..."

" فتاي اللطيف.."

" شكرا 'ما'...أحبك "

رغم وجود احمرار طفيف على وجنته و هو يقول ذلك يغادر المكان إلا أنه لم يكن هناك تأتأة و لا توتر أو أي علامات في لغة جسده تدل على اضطراب كأنه بات مرتاحا و متعودا على كل و فعل كل شيء طبيعي معها..

و بينما وولف كان يحدق بها و بما حدث كانت هي تدير رأسها للخلف تتاكد من أن أديلينا متوجهة نحو الغرفة الصائبة دون أن تتدحرج و دون أي إصابات في طريقها من شدة ركضها و اصطدامها بكل ما هو أمامها..

لقد كانت فتاة جد نشيطة لكن ربما عليهم العمل على مكابحها فهي لا تملك أيا..دوما ترتطم بعد ركضها..

" هم ينادونك باختصار مامي.."

عبارة وولف أوقفت أنفاسها و جعلتها تسارع بإعادة أعينها صوبها تقف فجأة معتدلة مكانها..لم تعتقد أنه لاحظ ذلك و للحقيقة هي ليست واثقة إن كان الأمر جيدا أم سيئا..فملامح وجهه كانت هادئة رغم اختلاف نظرة أعينه لحظتها ..لذا تقدمت منه بخطوات بطيئة تجيبه بنبرتها الهادئة :

" ليس حرفيا..و لا أنتظره كاملا منهم..هي ستظل دوما والدتهم.."

قالت هذا و هي تضم يديها لصدرها بينما تتقدم منه أعينها عليه كليا بترقب كما لو تملك بعض التردد حيال الأمر أو كأنها متأسفة لأن الأمر لم يتم مناقشته معه أولا لكن حين وصلت أمامه و تسنى لها رؤية كامل ملامحه واضحة و كيف أن قطرات الماء كانت تمر من شعره للأسفل قررت ألا تركز سوى على أعينه..

و وولف لم يتحدث بل منحها نظرة مطمئنة و بعدها إبتسامة خافتة تكاد لا ترى مما جعلها تأخذ نفسا لم تكن تعلم أنها تحبسه ثم رفعت نفسها قليلا و وضعت قبلة على فكه كنوع من الشكر الصامت على تفهمه..خصوصا و أن وضع الصغار حساس..

" هل أنا أخوك لأحصل على قبلة بريئة كهذه ؟..."

فورا إرتسمت إبتسامة على وجهها و شفاهها لا تزال تلامس فكه لذا كان من السهل أن تنقلهم لفمه و تقبله تماما كما يريد..قبلة غير أخوية و غير بريئة دون أن يلمسا أجساد بعض..فقط أفواههما على بعض لهذا حين أراد التعمق فيها أكثر و سحبها من فستانها نحوه رفضت ذلك تبعده بعبث في أعينها و هي تمسح على شفاهه تراقب كيف انسدلت رموشه يتبع حركتها ...

" دعني أمنحك تسريحة شعر سيد سييرا أنت تحتاجها.."

مرر وولف لسانه على شفاهه بينما مسح على شعره الأسود الميلل الذي لا ينفك يسقط على جبينه لكن ما كان يضايقه هو طوله من الخلف و الذي صار يلامس أسفل رقبته لدرجة يمكنه جمعه برباط..مع ذلك أخبرها بعكس ذلك تماما و أعينه تلمع بنفس العبث الذي استخدمته معه تمنعه من تقبيلها أطول :

" لماذا؟...الجميع يحبه هكذا.. "

" الجميع من ؟.."

" كل شخص قابلته.."

" رجالا و نساء؟.."

" ربما "

هكذا فقط اختفت إبتسامة مارينا و تحولت ملامحها لهدوء شديد..هدوء غير مطمئن حين أومأت له و هي تقترب منه أكثر حتى كانت تشعر بأنفاسه عليها فحملت يدها تمرر على صدره العاري المبلل تلمس كل وشومه ..

بعدها أخبرته بنبرة خافتة :

" بعد لحظات سيكون مقصي قريبا من عنقك لذا ربما يجب أن تختار كلماتك القادمة بحرص سيد سييرا..."

و بينما كان هذا تهديدا مبطنا و هو يعلم تماما أن زوجته تكون خطيرة في هدوئها إلا أنه لم يستطع ألا يلعب بالنار فأخفى إبتسامتها و هو يشعر بها تصل بحركة يدها لعضلات بطنه فأجابها :

" هل يمكنكِ قتلي يا أميرة ؟..."

سؤاله كان من كل النواحي..عاطفيا و جسديا و هي لم تتردد سوى لثانيتين رفعت فيها أعينها العسلية صوبه بنظرة معينة قبل أن تعترف بالحقيقة :

" سألتهم قلبك حيا و أجعله آخر وليمة.."

و ما أن تفوهت بهذا حتى وضعت قبلة على جانب شفته و ابتعدت عنه تتركه واقفا مكانه يرمش كشخص لم يتوقع هذا الجواب..

لقد كانت تبهره دوما بقدرتها على قول شيء عنيف و عاطفي في نفس الوقت وهو منشطر بين إعتبار هذا إعتراف حب أو بين إعتباره تهديدا..فهي بطريقة ما كانت تخبره أنها تستطيع قتله لكن ذلك سيكون آخر شيء تفعله في الحياة لأنها لن تحيا بعد ذلك..

لذا ظل صامتا يراقبها بشيء من الإعجاب في أعينه بينما هي التفتت تتقدم نحو الحمام في هذه الغرفة فأوقفها في الطريق حين قال جملة واحدة :

" أنتِ تعلمين أليس كذلك ؟.."

تعلمين أنني أعبث معك و لا أنثى في القضية..هذا كان مغزى ذلك و جوابها أتى فورا حين أجابته دون أن تنظر له :

" أعلم لكن هذا لا يعني أنك معاقب سيد سييرا..."

" ماذا ؟..."

" حتى لا تلمس غيرتي مجددا ..."

" جديا ؟..."

" كليا..."

" ما الذي أفعله لتسحبي العقاب ؟."

" أنت مبدع و وسيم و تملك شعرا يحبه الجميع..جد طريقة بنفسك..."

" Agent provocateur "

توقفت مارينا عندما وصلت لمقبض باب الحمام فالتفتت له بحاجب مرفوع لكن هناك طيف إبتسامة على ملامحها و هي تساله :

" كيف تعرف علامة ملابسي الداخلية ؟..."

" هل حقا تسألينني هذا ؟ لأنه يمكنني أن اخبرك بمقاسك أيضا و لما هو مثالي حسب رأيي .."

أبعدت مارينا وجهها عنه فعلم أنها تخفي إبتسامتها و استغل هو ذلك يتقدم منها أكثر قائلا مع كل خطوة :

" أعرف حتى أنك تفضلين الوردي الفاتح منها و التي مزقتها كالعادة حين كنا خلف المطعم تلك المرة.."

تفرقت شفاهها و هي تسمعه يذكرها بالليلة التي ذهبا فيها لتناول العشاء مع العائلة قبل رحيل أورورا و جرها هو لخلف المطعم متحججا بأنه يرغب بسؤالها عن العمل...ما فعلاه لم يكن عملا رسميا بل جسديا..

" و تفضلين كذلك الزرقاء الداكنة التي رميتها حين كنا عائدين للمنزل..."

الزرقاء التي رمقته بنظرة حادة حين رماها من نافذة السيارة بينما هو يقود و يفعل أمورا غير بريئة...

لقد فرت الكلمات منها وهي تراه يتقدم منها كالذئب الذي يحمل إسمه و صفاته و لوهلة شعرت بجفاف في حلقها لكنها تماسكت من الخارج..

حين وصل وولف أمامها و أخيرا أمال رأسه و هو يتفحص ملامحها بطريقة أوقفت قلبها و سألها فورا :

" إذن هل توافقين ؟..."

" ها ؟.."

الطريقة التي تمتمت بها ذلك الحرف كما لو أنه سبب لها دوخة فجأة حين اخترق مساحتها الشخصية و أمال رأسه جعلت إبتسامته تتسع مما جعلها تتماسك سريعا ..

" إحضار ملابس داخلية لي سيفيدك أكثر مني وولف .."

اتسعت إبتسامته لحظتها كما لو تم إمساكه بالجرم المشهود و حين رأت نظرة الإستمتاع في أعينه و هو يقترب منها أكثر ينوي فتح فمه قاطعته :

" اخرس و الحق بي..."

لو لم تقاطعه كان سيخبرها عن فوائدها هي كذلك حين ترتدي تلك الثياب الداخلية..لهذا أمرته بنظرة جانبية و هي تغادر و تشير بإصبعها ليلحقها نحو الحمام ..

" حاضر سيدتي.."

أرفق حديثه بتحية جنود جعلتها تعض لسانها لتخفي ضحكتها و هي تدخل الحمام تشعر بخطواته خلفها...

لقد كان الوغد الإسباني الذي يملك عقلا قذر..لكنه الوغد الإسباني الذي تحبه

......

بعد حوالي ثلاث ساعات كانت مارينا تجلس داخل السيارة السوداء الرئاسية أمام قصر الكابوني مع أديلينا و أرتورو بينما ترسل بعض الرسائل الإلكترونية المتعلقة بالعمل حين جذبت حركة ما انتباهها فنقلت أعينها لها لتجد وولف و أندريه يقتربان من السيارة بينما يتحدثان سويا و هناك فتاة من الكابوني معهما...فتاة إسمها سانيا و تملك أعينا مختلفة اللون بينما ثيابها كانت رسمية جدا كأنها محامية في شركة مرموقة لكن الحقيقة كانت أنها المسؤولة عن تجارة الأسلحة في عشيرتها..

حدثها نيكولاي عنها مرة...كانت تقريبا في سن مارينا لكن حقيقة أنها ارتقت في ظرف سنوات فقط لتصبح مسؤولة منصب كهذا في عشيرتها كان شيئا مهما...فالكابوني عادة يلجئون لاختيار مناصب ثلاثية و رباعية لعمل واحد لتغطية كل شيء بمثالية و لا يرتكب أحد الأخطاء...لكنها كانت تملك شغفا بالأسلحة و لا تعاملها معاملة عمل بل عمل موهبة و هواية..

لهذا كانت تسير معهما و ملاحها جدية و رسمية تستمتع لما يدور و أومأت بخفة حين سألها وولف عن شيء ما ثم ردت عليه بشيء مختصر جعل وولف يهز رأسه كذلك ثم صافحا بعض هو و هي و رأت مارينا كيف منحت تحية لأندريه رغم أنه ابن عمها لكنها عاملته كزعيم عليها و فقط حين أومأ لها لتغادر فعلت تتركهما وحدهما و تترك مارينا لتركز عليهما...

وولف كان يحمل الملف الذي أتوا هنا من أجله..توقيع الكالفالي و ختمهم و أخيرا على قبول عودة الإتحاديات و الآن سيأخذون هذا الملف للفاديتا و يسلموه لإيرا و بعدها يتوجهوا لمطار فرانكفورت ليستقلوا طائرة مباشرة نحو موسكو ستستغرقهم حوالي أربع ساعات..

لكن و بينما أرتورو و أديلينا كانا منشغلان باللعب سويا في المساحة الكبيرة للسيارة من الداخل كانت هي تحدق بوولف كليا و دون خجل...و هي للأسف لا تملك حيلة لأن الأزرق كان لونه..كما لو صُنع خصيصا له و قد كان يرتدي قميصا بلون أزرق حيادي أسفله قميص أبيض لا تظهر سوى ياقته من الأعلى و في الأسفل سروال جينز فاتح و حذاء أسود...

لم يرتدِ ثياب القضاء و لا ثياب تساعده في مهامه الإجرامية بل ارتدى ثيابا تمثل وولف سييرا إبن عائلة إسبانية مرموقة و قادم من أموال متوارثة..كان يبدو محترما جدا لو لم ينظر المرء خلفه و ينتبه لوجود مسدس خلف قميصه أو لم يعرف المرء معنى القلادة الفضية في رقبته..

لقد كان سيلتقي بوالدها بعد ساعات و هو لم يعتقد أن فكرة لقائه بثياب القضاء ستكون فكرة جيدة لهذا حسب ما شرحه لها سيلعب دور الذئب اللطيف في روسيا..

قال وولف شيئا بملامح جدية و هو يقلب أعينه مما جعل أندريه كابوني يضحك بخفة مظهرا غمازة جانبية ..و بالرغم من كوته حاكم العالم السفلي و الرجل صاحب أنقى دم في عالم النبلاء خاصتهم إلا أن ما يجمعها به ليس حقيقة أنه صديق لزوجها و لا أنها التقت به بضع مرات في مناسبات حول العالم بل حقيقة ماض مشترك بينهما و على عكسه هو ..هي كانت مدركة تماما لما يجمعهما..

هي و هو تدربا على يد نفس المدرب لذا تقنيا هما ينتميان لنفس عائلة التنين رغم أنها شخصيا لم تذهب لليابان للقيام بأي من التدريبات هناك بل أتمتها كلها في روسيا..كما أنها صنف يوكونيري مختلفة عنه كليا و على عكسه هو حين كان كل العالم الإجرامي تقريبا يعرفون لقبه و عشيرته و طقوسهم في التدريبات إلا أنها هي كانت سرا دوما...

حين اختارت هي أن تكون يوكونيري لم تكن تعلم أن التدريبات التي ستمر بها ستعيد صقل روحها و جسدها كما حدث معها...و رغم أنها كانت في بلدها و مع والدها إلا أن لا شيء خفف من ذلك العذاب الذي اضطرت دوما إخفائه عن والدها و التحجج بأمور تبعده عنها طوال اليوم...

بينما بالنظر لأندريه كابوني لا تستطيع تخيل أنه مر بذلك ثلاث مرات..فهي مرت بتدريبات واحدة و هو بثلاثة منذ أن كان صغيرا مع ذلك كان يتعامل مع الجميع كأنهم سواسية معه و لن تنصدم لو اكتشفت أنه يلعب الورق و الدومينو مع رجاله بينما يمازحهم في سهراتهم..

هي تعرف أمورا قاسية عنيفة فعلها مع ذلك حين تنظر له الآن لا تستطيع سوى رؤية شخص هو و هي تعرضا لنفس الأذى من نفس المدرب...لكن و بينما هي أنثى اضطرت لإخفاء آثار ذلك من جسدها هو لم يفعل...يستطيع المرء دوما رؤية بعض الجراح الظاهرة اسفل وشومه و إبتساماته...

تحرك وولف و أندريه و أخيرا يقتربا من السيارة و حين وصلا عندها قامت بخفض زجاج النافذة لحاكم العالم السفلي الذي انحني يستند بمرفقيه على النافذة باعتيادية بينما يبتسم لها مادا يده و مباشرة قال :

" مارينا..حين تقررين هجر وولف من أجل شخص يقدر جمالك تواصلي معي.. لدي 38 إبن عم و كلهم صناعة ممتازة.."

هذه تحيته لها و اول عبارة يقولها لها بعد أن لم يلتقيا لأشهر..قالها لها فورا و ببساطة كأنه شخص لا يحب المقدمات و يدخل دوما صلب الموضوع .. و ما قاله جعلها تضحك بخفة بينما تصافحه تجيبه :

" حسنا...سآخذ ذلك بعين الإعتبار.."

" حتى أنا سآخذه بعين الإعتبار...38 ليس رقما كبيرا حين يتعلق الأمر بالدفن..."

وولف من قال هذا بجدية و هو ينظر لأندريه كأنه فعل الشيء الوحيد الذي حذره ألا يفعله ألا و هو مدح جمال زوجته بطريقة أو باخرى ..و رغم أن شيئا في نظرات أندريه كان يخبر الجميع أنه مستمتع بإغاظته إلا أن مارينا لم تمانع رؤية وولف يفتح و يغلق قبضتيه ...

" عمي أندريييه...يا إلهي أنت جميل جدا..."

تجمد أندريه مكانه على النافذة حين قفزت أديلينا من مكانها و ارتمت في أحضانه بوضعية غريبة بحيث هو خارج السيارة منحني و هي داخل السيارة تعانق رقبته و تصعد على المقعد...

تمتم أندريه بشيء بين أنفاسه بالألمانية قبل أن يحمل أديلينا يخرجها من السيارة كليا و بخفة و سلاسة حتى باتت بين أيديه يحملها قريبة لصدره و بدا حجمها صغيرا و ظريفا و هي ترتدي الوردي بينما هو ثيابه كلها سوداء و نظر لها كأنه ليس متأكدا مما ستقوله لاحقا..

لكن الصغيرة فاجئتهما مجددا و فاجئته كذلك حين وضعت يديها أسفل ذقنها تنظر له بحالمية تسأله :

" لنتزوج أرجوك ؟..لنتزوج لنتزوج..."

قالتها و هي تلعب بأقدامها التي تتدلى في الهواء بسبب طوله بينما أندريه نظر لها لثوان قبل أن يعيد أعينه لوولف يخبره :

" أحيانا لا أصدق أنها ابنتك..كنت أفضلها كثيرا حين كانت صغيرة و لا تُجيد التحدث.."

" و أنا كنت أفضلك دون حس سخرية لكن للأسف.."

ظهر شبح إبتسامة على شفاه أندريه سرعان ما أخفاه حين وضع قبلات على وجنتي أديلينا جعلتها تضحك تنسى تماما ماقالته له خصوصا حين حاولت الهرب منه بضحكة عن طريق تسلق كتفيه و قام هو بقلبها بين يديه كأنها بوزن ريشة يجعلها تضحك أكثر وشعرها يسقط يغطي كل وجهها..

فقط ذلك المنظر اللطيف هو ما جعل وولف يتخلى عن ملامحه الجدية و يبتسم قليلا بينما ينظر لهما و لعل مارينا تعلم ما يفكر به...هو كان يحب أندريه كصديق حتى لو لم يعترف بذلك علنا لكنها تدرك مكانته عنده..و عادة في المافيا زعماء العشائر ينجبون الوريث في سن مبكرة لأمور أمنية و لتكبير السلالة...عادة كل عشيرة لها اعتقاد و الكابوني و الفاديتا باعتبار هم الأكبر و الأعلى مرتبة فدوما يحرصون على الإنجاب المبكر و الإنجاب الكثير..

لكن أندريه كابوني لم يتزوج حد الساعة في حين والده الزعيم قبله كان بالفعل يملك ولدين في سنه...هي شخصيا لا تهتم بالأمر لأنه عائلي و شخصي لكن باقي النبلاء لا يتفهمون ذلك لأنهم يريدون وريثا و حاكما مستقبليا للمافيا...يريدون إسما بالفعل ليسجله تاريخهم على أنه سليل دم نقي في المافيا..

فتحُ وولف للباب أخرجها من تفكيرها ترى أديلينا تعود لتدخل السيارة مجددا بينما أندريه مسح على شعر أرتورو الذي كان يجلس بصمت و لطافة و فورا انتشر احمرار طفيف على وجنتيه إثر ذلك..

" ستتبعكم سيارة في الأمام و أخرى في الخلف طوال الطريق لكن حين وصولكم لأراضي الفاديتا..."

قال أندريه هذا يتوقف لثوان قبل أن يشير للصغار يخبر وولف :

" لا تدع أبنائك يلتقوا بصغارهم..صدقني سيفروا باكين بعد دقيقتين و في أسوء الأحوال سيشهدون انفجارات أو إطلاق نار بينهم.."

قضب وولف جبينه على ذلك يردف :

" ليس لتلك الدرحة.."

" بل اسوأ صدقني...أنا أراهم عباقرة إجراميين لكن صغارك سيروهم كابوسا.."

حينها فورا نقل وولف أعينه لمارينا التي كانت تبتسم بطريقة فهمها هو جيدا..طريقة إمرأة تعرف تماما ما يفكر به و كيف أنها حذرته من قبل حول جنون الفاديتا الدي سمعت عنه و الآن ذ أخته أورورا صارت ضمن نطاق واحد منهم..

لذا اكتفى بالإحتفاظ بذلك بينه و بينها فأومأ له بهدوء قبل أن يصافحه للمرة الأخيرة و لحظتها ركزت مع مارينا مع الوشوم في يد أندريه ...وشوم اليوكونيري التي كانت ظاهرة عنده بينما مخفية خلف رقبتها و أسفل شعرها بحيث لن يراها شخص لن يرفع شعرها بنفسه..و في تلك الحالة وولف ذ رفع شعرها من الخلف يكشف عن رقبتها بالكامل لكنها لا تعتقد أنه يعرف معناها..

..........

لا تدع أبنائك يلتقوا بصغار الفاديتا ...هذا ما قاله أندريه كابوني و هو ما يفسر لما كانت مارينا تتحدث في الهاتف قرب السيارات بينما أديلينا و أرتورو يلعبان قرب نافورة قصر الفاديتا و الحديقة حولهم مزهرة بالورود بعدما أخبرهما وولف أن يظلا خارجا ليلعبا بينما يدخل هو للقيام بعمله و يعود...

عمل كان من المفترض أن يدوم ثلاث دقائق لكن مرت ربع ساعة و هو لم يعد لهذا قررت هي أن تجري بعض الإتصالات و تستنشق بعض الهواء الصافي..و رغم أنهما في الربيع و الجو ليس باردا لكن قصر الفاديتا كان مختلفا عن الكابوني كونه محاط بالكثير من الأشجار المرتفعة الداكنة و الكثيفة بحيث يبدو الأمر كأنهم يعيشون في قلعة وسط الغابة من علو الأشجار و الظلال التي تتركها على المكان مع الرياح التي تسببها..

نيكولاي في روسيا بالفعل و قد وصل قبلها أمس و حين رآه مايكل عرف فورا أن مارينا قادمة لذا من السهل التخمين أنه سعيد لدرجة لم ينم أمس و هو ما أثر على تناوله لأدويته...روميو سيفقد صوابه معه و هي تتصل به كل ساعة لتتأكد من أنه بخير و لم يقتل روميو مساعده اللطيف الذي يتحمله ..

لكن و بينما هي تفعل ذلك..الصغار كانا يملكان خططا أخرى..أو بالأحرى واحد فقط.. فلأن أديلينا كانت فتاة مختلفة كلية عن توأمها فهي شعرت بالملل سريعا من مراقبة السمك الملون في النافورة تلك لذا سرعان ما نقلت أعينها الزرقاء في المكان حولها تحاول رصد شيء مثير للإهتمام آخر ثم و بعد ثوان بدأت تتجول تبتعد عن أرتورو و تتبع الورود المنتشرة حول المكان ترسم مسارا رويدا رويدا قادها نحو مدخل ما للقصر..

قبل أن تخطو للأمام ترددت قليلا لأن والدها أخبرها ألا تبتعد عن المكان ثم هي لا تود أن تكون وقحة وت دخل لمنزل أشخاص لا تعرفهم...لكن منظر المدخل و الجدران و الأسقف العالية التي تبدو واضحة جعلت فضولها يحكها لفعل نقيض كل ذلك...المكان أشبه بقلعة أميرة في القصص لهذا عضت على وجنتها تنظر للخلف تتأكد أن لا أحد سيلاحظ...

أرتورو كان لا يزال منبهرا بالسمك و مارينا تتكأ على السيارة تتحدث في الهاتف بينما تطرق بأصابعها على سقف السيارة بملامح هادئة..هي فقط ستدخل قليلا تنظر للقصر الجميل ثم تغادر..فقط ثوان لتشبع فضولها..

هذا ما فكرت به الصغيرة و هي تمسح على خصلاتها السوداء الناعمة قبل أن تتقدم بحذائها الأبيض و تصعد السلم الصغير الوحيد و تعبر المدخل..

هواء بارد منعش استقبلها على عكس حرارة الشمس في الخارج ..خطواتها كانت بطيئة و هي ترفع رأسها تنظر للسقف العالي جدا كقلعة بانبهار كأنها تعيش أحلامها و من سعادتها بهيئته و منظره دون شعور منها ابتسمت بوسع و هي تمسك فستانها الوردي تحاول تقمص دور الأميرة التي تطمح أن تكونها.. حتى الجدران كانت مرسومة و مزينة كالقصص تماما ..

لكن هذا كان حلما قصيرا دام لثوان حين استمعت فجأة لباب من الجانب يُفتح و يغلق بقوة فانتفضت مكانها بتوتر و سارعت تلتفت معتقدة أن أصحاب المكان سيعاتبونها لكن أعينها وقعت على فتيان إثنان..

الأول كان أسمرا قليلا بأعين خضراء و يبدو أكبر منها بسنوات و رغم أنه كان يتحدث بطريقة سريعة بكلمات لم تفهمها إلا انه كان يبتسم و هو يمرر قارورة ماء للآخر كما لو يحاول تهدأته بينما يربت على كتفه.. لحظتها فقط مررت هي أعينها للفتى جانبه..

كان يتحدث بشيء ما بحدة و هو يفتح قارورة الماء بعنف فانتبهت لوجود خدوش و كدمات على يديه بسائل أحمر جاف هناك ..كان يفوقها طولا و يرتدي ثيابا رياضية سوداء بالكامل بينما شعره مبلل يجعل أعينه تبدو داكنة حتى من بعيد..

وتلك هي اللحظة التي قررت فيها أديلينا سييرا أن هذا الفتى بالذات لم يعجبها..

كان يبدو عنيفا..شخص لن يتردد من إيذائك لو أخبرته أنه مزعج ..حتى الفتى جانبه كان يحاول إزالة الإنزعاج من وجهه كأن ذلك مهم لاستمرار يوم الجميع بخير ..

ثم بعدها انتبها لها و أخيرا ينقلا نظراتهما صوبها دفعة واحدة و حينها وجدت هي سببا آخر لتكرهه..فهي لم ترمش بعيدا عنه و لم تنظر للفتى الألطف منه جانبه...بل كانت تحدق به هو فقط..كيف توقف عن شرب الماء محاولا تنظيم أنفاسه ثم كيف حدق بها فجأة يختفي عبوسه كما تباطئت وتيرة مشيه..

لا تعلم لما لكنها شعرت أن هناك فرقا بين الإثنين..واحد يلقي الأوامر و الآخر يتلقاها..و هي كانت تنظر للآمر بين الإثنين و رفضت أن تتحرك من مكانها كما لو تنتظر ردة فعل منه بالضبط ..إما لطيفة أو عنيفة لتجرأها الدخول لمكان غريب عنها و لا تنتمي له ..

لكن و لأنه ظل مكانه دون حراك فقط يحدق بها أخذت هي خطوة للخلف تستعد للمغادرة ليفاجئها بتقدمه منها بخطوات أسرع هذه المرة و قبل حتى أن تستوعب كان قد توقف أمامها و انحنى لينظر لوجهها عن قرب لحظتها أصدرت هي ردة فعل حين قضبت جبينها تخبره بالإسبانية سريعا :

" لا تقترب و لا تلمس.."

طريقتها في ذلك أتت بنبرة فتاة تخبره كيف تتجرأ حتى في اختراق نطاق أنفاسي و لا تعلم لما ابتسم فجأة...إبتسم و هو يعتدل في وقفته ثم تمتم بشيء بلغته الأم للفتى معه لكنها لم تفهمه و لم تحاول حتى فهمه لأنه ببساةو لم يبعد أعينه و هو يتفحصها من حذائها لشعرها لدبوس شيشي في فستانها..

كانت تعلم أنها جميلة..على الأغلب هي أجمل فتاة في العالم..و والدها أخبرها أنها تبدو كالأميرة اليوم و عادة هو لا يمدحها كثيرا متحججا بأن ذلك غير مفيد لصحتها..هي لا تفهم قصده بذلك لكنك الإستنتاج واحد ..

فاكتفت أديلينا بالتحديق بالفتى الذي يفوقها طولا و سنا و لا يبدو عليه الألم و لا الندم على الخدوش التي تلاحظها في فكه و ما هو ظاهر من جسده لذا كشرت على ملامحها كأنها رأت أسوأ شيء في حياتها ثم قالت له :

" أنا لم أحبك بتاتا.."

بعدها مسحت على فستانها تعدله كالأميرة التي تكونها و رمقته بنظرات معاكسة تماما لما يرمقها به..

الفتى كان ألمانيا لهذا لم يفهم حديثها لكن ابن عمه جانبه كان لاتينيا ..لذا باولو انحنى و ترجم له ما قالته و لحظتها فورا اختفت إبتسامته أسفل رقابة الصغيرة.. كأنه توقع سماع كل شيء عدا هذا..

من يرفض شخصا من الفاديتا ؟...

باولو فاديتا فكر بهذا و هو ينقل نظراته لجولة التحديق المثقلة بين الفتاة الجميلة التي تبدو كدمية من قصص الأميرات و بين ابن عمه بيروي الذي اختفت ابتسامته كأنه شهد أغرب شيء في التاريخ..رفض شخص ما له..

بيروي كان في العاشرة من عمره و بين أحفاد فاديتا الصغار لم يكن هو الأكبر لكنه كان يقودهم جميعا..كان هو من يضع الخطط و هم من ينفدونها..حين يكون هناك شيء أخطر من كل المقالب التي قاموا بها قبلا كان هو أول من يتطوع بابتسامة مختلة..لم يسبق أن صرح بأنه متعب أو أنه سيستسلم ..كل ضغط يمرون به في التدريبات و كل شيء يرغب به..كان يفعل المستحيل ليحصل عليه..

الآن أخبره أنه وجد الفتاة ...لا أحد يفهم ما يقصده بذلك و لوهلة اعتقده يمزح لكن نظراته لها حين رفضته كانت غير مازحة بتاتا.. فبيروي كان أكثر الأحفاد تلقيا للمديح من زعيمتهم في التدريبات..و حين تمدح إيرا فاديتا فتى بهذا السن لا تعني أنه لطيف و لا انه يملك مستقبلا باهرا في الطب و التمريض..بل ذلك يعني أنها وجدت شخصا يرتقي لمستوى أفكارها الجنونية..

لا أحد يرفض بيروي..كل طلب طلبه من العشيرة تم تنفيذه..ليس لأنه أمير مدلل و ليس لأن الفاديتا يقدمون لأحفادهم كل شيء على طبق من ذهب...بل لأن جميعهم يعرفون طينة بعض..و بيروي منذ صغرهم كان الفتى الذي حين يخبرك امنحني 1000 يورو و بحلول يومين ساضاعفها ثلاث مرات ستمنحها له دون تفكير و كلك يقين أنه سيفعل بالضبط ما وعدك به..

لا أحد يرفضه لأنه لا يمنحهم فرصة لرفضه .. و الآن فتاة صغيرة غريبة لا يعرفون أصلها و لا كيف دخلت المكان حتى فعلت ذلك دون تفكير..بل كانت ترمقه من الأعلى للاسفل كأنها تفضل النظر لكوابيس إيطالية و لا النظر له..

باولو لم يعرف إن كان يجدر به الضحك كونه يشهد بيروي يتعرض لأول رفض في حياته أو فقط الهرب من المكان..لذا ألقى نظرة سريعة على ابن عمه يتفحصه يتأكد أنه لا يزال يبدو جميلا جدا كعادته و أنها لا تملك حجة لتمقته دون سبب هكذا ثم أخبره و هو يستعد للمغادرة...

" سأسأل عمن هي و لما هي هنا ثم سأعود.."

قال باولو هذا و هو يغادر يخفي ابتسامته بينما يرفع قميصه ليمسح العرق من جبينه بعد التدريبات الصباحية و كله نية ليبحث عن باقي أبناء و بنات عمومته ليخبرهم بمأساة قائد جماعتهم الوغد..

في حين لمغادرته رفضت أديلينا البقاء مع الفتى الذي لم يعجبها و قررت المغادرة..و هو ما فعلته في الحقيقة حتى توقفت فجأة تتصنم مكانها حين و في المدخل ولج كلبين يركضان نحوها و حجمهما كان ضخما لدرحة لو فتحا فكهما سيبتلعانها كليا وحينها ارتجفت شفتها السفلى و امتلأت أعينها دموعا فورا بينما هي متجمدة مكانها خوفا تنتظر أن تموت..

كان الكلبين يركضان بسرعة صوبها يستعدان للإنقضاض عليها و أنيابهما ظاهرة كلسانهما الذي يتدلى و حين بدأت دموعها تسقط فور وصولهم عندها سمعت نبرة حادة آمرة من خلفها لم تفهم فحواها لكن كنتيجة لها توقفت الكلاب فجاة عند أقدامها دون عضها لكن كانوا يكشرون أسنانهم صوبها..

لم تستوعب شيئا وسط دموعها سوى حين شعرت بيد تمسكها من فستانها بلطف تعيدها للخلف و كانت ثوان حتى وجدت الفتى ذاك ينحني أمامها يقابل الكلاب في حين يدفعها لتقف وراءه..و دون تفكير اختبأت خلف جسده و أمسكت قميصه بقبضة يدها الصغيرة تطل على الكلاب بأعينها الزرقاء الواسعة المغطاة بالدموع..

لمفاجئتها كان الفتى يلمس الكلاب..داعب رؤوسهم و تمتم لهم ببعض العبارات في حين هي كانت تقسم أن الكلاب تفوقها حجما بضعفين كان هو ببساطة يلعب معهم و أمرهم أن يجلسوا بطاعة..

و قد جلست.. تلك الكلاب المتوحشة المخيفة جلست أرضا و لسانها يتدلى كأنها تحولت لجراء مطيعة عند أوامره ..فقط نتيجة ذلك التفت هو لها و قبل أن ينظر لوجهها نظر ليدها الملتفة حول قميصه الأسود تمسكها مختبأة بخوف فانتبهت هي و سارعت تسحبها بينما توردت وجنتيها خجلا و هي تدعك أعينها من الدموع...

وعند مظهرها ذلك تفرقت شفاه بيروي كما لو يود قول شيء لكن الكلمات علقت في حلقه ..حتى أنه رمش عدة مرات و هو يحدق بوجهها كما لو صفعته...لكن في أعينه كانت هناك لمعة شيء مختلف..

صوت نباح الكلاب دفعه ليخرج من شروده بها و بكيف كانت ملامحها دامعة محمرة بظرافة لذا قرر ان يجلس أرضا أمام الكلاب و يزيل خوفها..

لهذا فتح فمه و تحدث معها مباشرة لأول مرة :

" يمكنكِ الجلوس..هي لن تؤذيكِ لأنها تخاف مني .."

الشخص الطبيعي يسأل نفسه عما فعله فتى في العاشرة بكلابه حتى تخاف منه لكن الشخص الطيعي الوحيد هنا هو الأميرة الصغيرة و هي لم تفهمه اصلا..

لحظتها أمالت أديلينا رأسها للجانب بتقضيبة ظريفة في ملامحها التي لا تزال دامعة كالدمية..

فكر لحظتها أنها لم تفهمه لذا مسح على رقبته يقع في حيرة اختلاف لغتهما و كحل أوسط اشار لها بيده لتجلس جانبه..دون تردد رفضت هي بخوف تنفي برأسها و هي تعود لتختبأ خلفه رغم أنه جالس و هي ولا..

هذا فقط دفع إبتسامة لتزين ملامحه حين سدل رموشه و هو يداعب رأس الكلاب كما لو يطمأنها أن لا شيء سيحدث و راقبت هي ياهتمام مفاجئ كيف أحنت الكلاب الوحشية رأسها و هي تلعق له يده ..

ثم و بدفعة خافتة من بيروي ربت على المكان قربه و هو يمنحها إبتسامة و جسده يحصنها كليا من وصول الكلاب لها..بعد تفكير و تردد كبير تقدمت هي بحجمها الصغير تخرج من خلفه قبل أن تنظر لفستانها ثم للأرض بعبوس كما لو ترفض أن يتسخ شيء فيها لكن بتأكدها من نظافة الأرض عضت على وجنتها و جلست تلتصق به كليا و بدل الإمساك بقميصه أمسكت بسرواله بقوة و هي تنظر للكلاب بجسد متصلب..

كان قلبها ينبض خوفا و الدموع تهدد بالإنسياب مجددا كلما تحدق بالحيوانات المخيفة أكثر من ثوان لهذا سارعت تبعد نظرها عنهم و حدقت به هو لتجده ينظر لها بالفعل بابتسامة خافتة و لانتباهها نحوه رفع يده يشير لنفسه و قال كلمة واحدة :

" بيروي.."

لا يحتاج الأمر ذكاء خارقا و لا مترجما للتعرف على ما يقصده لهذا رمشت أميرة السييرا بأعينها الواسعة قبل أن تشير لنفسها كذلك و تتمتم بخفوت له :

" أديلينا.."

رأته يكرر إسمها كما لو يجرب نطقه قبل أن يبتسم و يعيد نظره للكلاب يمسح عليها و للمرة الثانية أمالت رأسها بتقضيبة بينما تراقب وجهه من الجانب و كيف أنه دون خوف كان يلمس كائنات متوحشة كأنه يلمس الورود..

لما قررت أن تكرهه ؟..

" أديلينا.."

من نادى إسمها هذه المرة ليس بيروي بل أرتورو الذي كان يقف مقابلها بعيدا عنها بأمتار عند المدخل ..شعره و ثيابه مرتبان بمثالية لكن كانت هناك تقضيبة تزين حاجبيه وهو ينظر لها جالسة أرضا مع فتى غريب في مكان غريب.. و رؤيته جعلتها تبتسم له فورا كأنها سعيدة بوجوده..

لكن بيروي فاديتا كانت له ردة فعل مختلفة..لأنه وقف من مكانه و لحركته بدا كما لو أن الكلاب استشعرت الخطر فوقفت بتأهب كذلك وهم يكشرون أنيابهم..

أرتورو عند المدخل ظل متوقفا ينقل نظراته بين أخته و بيروي كما أنه عاجز عن تحديد غن كانت في خطر أم لا و إن كان يجدر به دخول منزل لا يعرفه أو لا..

لكن طبعا رغبته في حماية أخته و استرجاعها تغلبت على قلقه و مخاوفه لأنه أخذ الخطوة الأولى ليتقدم لكن الكلاب تحركت لتهجم عليه قبل أن يوقفها بيروي فاديتا مجددا حين صفر لها ينادي كل كلب باسمه و بيده اشار للبهو خلفه يأمر الكلاب أن تدخل ..

و بطاعة ركضت الكلاب فورا للداخل تخلي المكان من الخطر على صغار السييرا و أخيرا..

بيروي كان أطول و عمره ضعف الأخوين..و أستغرقه الأمر نظرات بينهما ليجد التشابه و كيف أنهما نسخة طبق الاصل عن بعض و استنتج فورا علاقتهما...

لكن عند مغادرة كلابه شعر بأديلينا تفلته و تركض من جانبه نحو أخيها الذي مد يده لها يمسكها و وقف هو هناك يدس يديه داخل جيوب سرواله الرياضي بينما ملامحه عادت لنفس الملامح التي خرج بها من صالة التدريب..راقب الفتى الصغير يسحبها معه يخرجان من القصر نحو الحديقة بضيق غريب داخله ..

حتى اللحظة التي توقفت هي فيها توقف خطوات أخيها ثم التفتت له تحدق به للمرة الأخيرة تميل برأسها للجانب و بعدها رمشت بأعينها الجميلة و رفعت يدها بقليل من التردد و لوحت له..يكاد يقسم أنه يلمح توردا خفيفا في وجنتيها لكنه لم يتأكد لأنها سرعان ما التفتت تغادر هي و أخيها مبتعدين عنه تماما ..

لفترة تتجاوز الدقائق لم يتحرك بيروي من مكانه حتى استمع لخطوات ركض من خلفه و لم يرمش حتى حتى توقف باولو جانبه قائلا بأنفاس متسارعة بعد ركضه :

" اقطع الأمر..اقطعه...لقد عرفت من هي تلك الفتاة.."

أثار هذا انتباهه لذا نقل أعينه لابن عمه بتساؤل مرسوم جليا على ملامحه و الآخر لم يتردد حين هز رأسه بنتفاجئ يضيف :

" هي إبنة وولف سييرا...هو هنا في الداخل مع أبناء العم و يبدو مخيفا أكثر مما سمعته عنه.."

اتسعت أعين بيروي بتفاجئ عند سماع هذا و دون تردد نقل أعينه للمدخل يتقدم خطوات سريعة للامام حتى بات بإمكانه رؤية الحديقة بالكامل و رؤية السيارات المركونة خارجا و الرجال أمامها..

بذلات سوداء ..أسلحة في اليد و بنيات قوية..كلها أمور معتادة على عكس الشعار في ثيابهم..

هناك رجل واحد في المافيا أين يحمل التابعين له شعار ذئب في بزاتهم...

قاضي المافيا..

و على عكس باولو بيروي لم يتردد أو يتوتر أو حتى يفكر بالإنسحاب بل ضحك فجأة و هو يمسح على شعره قائلا بلمعة حماس :

" كنت أعلم...لدي مستشعرات عظمة اقسم لك..ذوقي ممتاز..."

صفع ابن عمه جبينه كانه يعلم لأين ستؤول الأمور بعد هذه الضحكة و كان محقا حين رآه يقترب منه باستمتاع قائلا :

" حضر لي كأس حليب دافئ و انتظرني في المطبخ..إن لم أعد حيا بعد ثلاثة دقائق فلقد قتلني وولف سييرا.. و إن عدت سأشربه و نخرج مع أبناء العم للمدينة و نراقب الطرقات كما اتفقنا..."

ثم هكذا ببساطة غادر يتوجه للداخل و هناك خفة في خطواته...ببساطة و باعتيادية ارتدي قناع الفاديتا...عاد للفتى الذي يملك خططا و يعقد صفقات دون أن ينسى شرب كأس حليبه...يمكنه أن يكون فتى العاشرة الطبيعي و يمكنه أن يكون فتى الفاديتا المختل..بيروي دوما يتبع مصالحه و على اساسها ينفذ خططا ناجحة...

ما الذي سيفعله مع وولف سييرا ؟ ..

من الأفضل ألا يقتل القاضي بيروي...هم يحتاجونه..أحفاد الفاديتا يحتاجونه لأن غدا هم متجهون لزيارة المتحف و الإستيلاء على مخططات هندسة المكان كنوع من التدريبات في خفة اليد و السرقة..الزعيمة ستقوم بتعليقهم من خصياتهم لو لم يحصلوا على تقييم جيد..و بيروي هو من يضع خططا احتياطية دوما..

......

" نجوت من الموت بصعوبة هذا كل ما سأقوله عن وضعي الصحي حاليا.."

" ماذا ؟.."

سألت مارينا باستغراب تحاول فهم ما تقصده أديلينا بينما تراقب بللا لا يزال عالقا في رموشها لهذا سارعت تنقل نظراتها لأرتورو الذي كان يعض على وجنتيه بتقضيبة بين حاجبيه...

كانت مارينا تضم يديها لصدرها تراقب التوأمان يقفان مقابلها بحجمهما الصغير بعد أن قدما من الحديقة ينهيا اللعب و أخيرا لكن على إثر الإستفهام في وجهها تحدث أرتورو بخفة :

" كان هناك فتى و كلاب.."

" كيف ؟..."

" ليس فتى و كلاب أرتورو..هو إسمه بيروي و الكلاب تخاف منه.."

همست أديلينا هذا الجزء بأعين متسعة كأنها لا تصدق أنها شهدت ذلك مما جعل مارينا ترفع حاجبها لهما..

ليوضح أرتورو سريعا مجددا :

" بيتبول بني ضخم..عدائي و مدرب على الهجوم و هو من الكلاب التي تملك أعلى حصيلة قتل للبشر في الولايات المتحدة مما يعني أنه ليس خيارا مثاليا للأطفال.. أما الثاني فهو دوبرمان بينشر فصيلة ألمانية تماما مرتفع لحوالي 70 سم و مدرب على الصيد و الحراسة...لكن ذلك الفتى على الأغلب قام بتدريبهم بطريقة أسوأ لأن تصرفاتهم كانت اشد عدائية..الفتى خطير..هذا هو تفسيري..."

هنا حاولت مارينا كبت إبتسامتها على العبوس اللطيف في وجهه كما لو أنها توا استوعبت ما يحدث..لقد التقوا بفتى من الفاديتا..لقد رأوا و لأول مرة أطفالا غير طبيعيين لهذا أديلينا تبدو منصدمة و أرتورو كما لو يود الهرب لمكان بعيد عن هذا...

" ما الذي حدث بالضبط ؟"

و هكذا قصت عليها أديلينا الأمر من البداية للنهاية أين قاطعها أرتورو عدة مرات حين كانت تصف الفتى الذي استنتجن أن اسمه بيروي و كات ينفي أقوال أخته حين تتحدث عن وجهه و يقول بكل حزم أنه سيء تماما و نظراته شريرة على عكسها هي التي كانت تتحدث فقط عن كيف أنه شجاع و لم يخف من الكلاب المخيفة..

مارينا طبعا كانت تستمع باهتمام تراهما يتجادلان بطفولية عن الأمر و هي لم تعرف إن كان يجدر بها القلق أو الضحك..القلق من حقيقة أن هناك فتى من الفاديتا تعامل بهذه الطريقة مع أديلينا أو الضحك على الوضع بأكمله...خصوصا و أنها ترى لأول مرة أرتورو الصغير و هو يُظهر جانبه الدفاعي ناسيا تماما توتره و مشاكله في التواصل الإجتماعي..

لذا فضلت التعامل مع الأمر بحيادية و قالت توجه حديثها لأديلينا بعدما انحنت لتمسح لها بعض الدموع الجافة من وجنتيها :

" عديني أنك لن تدخلي لمنزل شخص غريب دون إذن مرة أخرى.."

ظهر الندم سريعا على ملامح أديلينا و هي تعبس تومأ :

" أعدك.."

" و حين يخبرك شخص غريب أدخلي للمنزل معي ماذا تخبرينه..؟.."

" شكرا لك..لكنني مضطرة لأرفض كون هذا غير لائق.."

" و حين يصر عليك أكثر ماذا تقولين ؟.."

" سأفضل أن يرافقني فرد من عائلتي من فضلك.."

" و حين لا يعجبكِ شخص ما هل تقولين له هذا في وجهه ؟.."

" لا...بل أذكر نفسي أنه لا يجب علي إستخدام ألفاظ مسيئة للمشاعر و أبتسم بصمت.."

" لماذا ؟.."

" لأنه من الإحترام ألا نظهر قلة إحترام.."

" أحسنتِ أديلينا..ستتذكرين هذا دوما أليس كذلك ؟.."

" سأفعل أعدك..."

منحتها مارينا إبتسامة مطمئنة لتزيل نظرة الندم تلك في وجهها...أديلينا و ارتورو صغار وُلدوا في وضع مالي ممتاز و يمكن وصفهم بالدلال في كثير من الأحيان...لكن لا يمكن لشخص ما أن يقول أنهم لم يحسنوا تربيتهم ...لهذا حين يرتكب أحدهما خطئا يشعر بالندم فورا ..

و أديلينا متسرعة أكثر من أرتورو ..في العائلة هم يروا تصرفاتها طفولية و ظريفة و مارينا تحب جانبها المشرق جدا المختلف عن اخيها لكن مع الغرباء هي دوما تعلمها دروسا للتعامل معهم..و أهمها ألا تقول اشياء قد تسيء للغير..

قبل أن يتحدث أحدهم مجددا دخلت ثلاث سيارات للمكان واحدة رمادية و البقية باللون الأسود...اشارت مارينا للصغار ليدخلوا السيارة بعيدا عن الشمس ففعلا فورا دون اي اسئلة بينما هي حدقت بالسيارات معتقدة أنهم أحد أحفاد الفاديتا يدخلون بشكل عادي..لكن حين نزل من السيارة الثانية حرسين شخصيين بشعر أشقر و ثياب سوداء تُظهر بنيتهم عرفت فورا من ستنزل بعدهم..

و لم يخب تخمينها حين نزلت بعد ثوان إيرا فاديتا و بارتياحية استندت تمسك الباب المفتوح بينما تتحدث بشيء ما مع ملائكتها السوداء..و عادة حاكمة العالم السفلي ترتدي ثيابا تجعل الاسئلة حول سعرها تتصاعد دوما لكن اليوم من الواضح أنها أتت من مكان عمل أو مهمة لأنها كانت ترتدي سروال جينز ضيق و فاتح مع قميص قطني أبيض دوم أكمام و ضيق كذلك يظهر تقاسيم جسدها بينما الوشوم المنتشرة على ذراعيها بشكل مميز كانت ظاهرة...

في الأسفل كانت ترتدي احذية قتال سوداء خاصة الرباط المتشابك و هناك مسدس خلف ظهرها و آخر مخفي في حذائها في جهة و خنجر في الأخرى..لكن ما جعل مظهرها أفضل بكثير من المتوقع كان شعرها...لقد صار طويلا مقارنة بآخر مرة التقتها فيها..كان طويلا لأسفل ظهرها و كانت تصففه على شكل ظفائر إفريقية رفيعة جدا لدرجة تبدو خيوطا خيوط ..النصف الأول كانت تجمعه من الاعلى بكعكة و الباقي كان منسدلا حولها..

في لحظة من اللحظات انتبهت إيرا لها تنقل أعينها الزرقاء صوبها و منحتها إبتسامة جانبية تحمل لمعة عبث و إستمتاع و شيء في نظراتها كذلك كان يخبرها أنها كانت تعلم بوجودها هنا في أراضي الفاديتا منذ الثانية التي دخلت فيها السيارات المكان..

لم تضيع إيرا الوقت بتاتا و فورا تقدمت منها بنفس بسمة العبث تلك و على عكس مارينا التي كانت تمشي بهدوء و إبتسامة محترمة..إيرا فاديتا كانت تسير كأن كل العالم محظوظ لوجودها..كما لو أنها ترفع إصبعها الوسط للجميع أو كأنها تعلم بأن كل الأعين عليها..

" هل هذا يعني أنني لن أجمع الجثث خلفه من الآن فصاعدا ؟.."

قالتها إيرا لها بشيء من العبث فور وصولها أمامها تشير لوولف و حقيقة أنه بالفعل قضى لقاء هادئ مع الكافالي هذا الصباح بعد ساعات من قدومها هي عنده..

لذا إبتسمت مارينا لها و أعينها العسلية تلمع تحت الشمس تجيبها :

" هذا مؤقت .. الذئب المبتسم يظل ذئبا بأنياب.."

إتسعت إبتسامة إيرا المستمتعة و أعينها الزرقاء المزينة بكحل أسود و لون دخاني فوق جفنيها منحتها نظرة قاتلة و حين تبتسم كانت تصبح أجمل بكثير ..

" لما لم تدخلوا ؟ نحن لم نرحب بكم جيدا حتى ..."

" لدينا طائرة بعد قليلا لنلحقها لكن وولف تأخر قليلا..."

" ممتاز.."

حين قالت إيرا الحملة الأخيرة قالتها بشيء شبيه بالحماس الجنوني لشيء كارثي لكنها كانت تحاول إخفائه بابتسامتها.. و هذا جعل مارينا تشك في أنها أحبت حقيقة تأخر وولف في الداخل لكونها تعتقد بأنه على الأغلب سيفقد أعصابه على فرد من الفاديتا بل بدت كأنها ستكون سعيدة لو قام بشيء جنوني في الداخل ..

لذا حين فتحت فمها لتقول شيئا وصلهما صوت إطلاق عدة رصاصات بعيدة من الناحية الغربية و هو ما دفع مارينا لتلتفت صوب الصوت و رجالها حول المكان يتحركون بحذر و استعداد..

لكن إيرا فادينا نفت ذلك بيدها تقول بنفس نبرة الجنون تلك التي ترافق كل الفاديتا :

" لا شيء خطير..تلك ناحية غرف الأطفال..هم يلعبون فقط.."

رمشت مارينا عدة مرات تحدق بها و على ملامحها ضحكت إيرا فاديتا بخفة قبل أن تحمل أصابعها و تعيد الظفائر الرفيعة التي تملأ شعرها بالكامل و أعادتهم للخلف بعدما سقطوا على وجهها ثم تحركت تنوي المغادر قائلة :

" ربما من الأفضل أن أدخل حتى لا تتاخروا أكثر..سعيدة بلقاءك ..متأكدة هذا لن يكون الأخير.."

منحتها مارينا واحدة من ابتساماتها الجميلة الناعمة وح ين بدات تتحرك لتبتعد عنها تقدم منها حراسها الإثنين فورا ليتبعوها من الخلف لكنها لم تكد تتقدم مترين حتى توقفت فجأة تلتفت لها ..

" بالمناسبة...هنيئا لكِ.."

" على ماذا ؟.."

سألتها مارينا باستفهام و هنا إيرا فاديتا لم تجبها بل نقلت أعينها من وجهها لبطنها ثم لها مجددا و هذا أوقف قلبها مكانه لأن الإشارة واضحة و صريحة..

بعدها رفعت إيرا يدها و أشارت لفمها كأنها تغلق السحاب الخاص بشفاهها ثم رمت مفتاحا وهميا كما لو تخبرها أنها لن تقول لأحد..فعلت كل هذا بابتسامة مستمتعة قبل أن تغادر جديا هذا المرة و أجسد حارسيها الضخمة كانت تخفيها كليا بينهما...

أما مارينا فظلت واقفة مكانها دون حراك..

حين التقت بإيرا فاديتا في تركيا في دقائق اكتشفت سرها بخصوص أنها واقعة في حب زوجها..

و الآن هنا عرفت أنها حامل....

ما الذي تتناوله هذه المرأة ؟..جديا...

مارينا قلبها توقف لأنها لم تود لأحد أن يعرف قبل وولف و ستخبره بالأمر في روسيا بطريقتها الخاصة ليس قبلا و لا بعدا..هي تدرك أن إيرا فاديتا لن تخبر أحدا لأنها ليست النوع التي تدردش أسرار الناس بل هي النوع التي تملك اسرار كل الناس لنفسها لكن حقيقة أنها عرفت فورا كانت مثيرة للقلق..

هل هناك شيء واضح جدا على مارينا يثبت أنها حامل ؟ إن كان كذلك لما لم يعرف وولف مثلا ؟..بل لما لم يعرف احد من كل من التقتهم طوال الفترة الماضية ؟..

إيرا كانت أكبر منها بسنوات لكن لم يكن ذلك ما يهم ...بل حقيقة أن مارينا عاشت في الظلال كأميرة و كملك لروسيا بينما هي عاشت كل لحظة من حياتها في المافيا و في الشوارع و الحروب تتعلم و تقاتل و تتفاوض فوق و تحت الطاولة لهدا استطاعت أن تكون أول إمرأة زعيمة في عالم النبلاء...

مارينا تدرك هذا لان أول يوم التقت فيه بوولف رأته يفعل أمورا في الشارع علمتها دروسا لم يفعلها اي كتاب...لهذا لا تستطيع تخيل كمية المعرفة التي يملكها النبلاء أمثال إيرا في عالم الجريمة هذا..

......

بعد حوالي 35 دقيقة كان أربعتهم في السيارة الرئاسية المتجهة لمطار فرانكفورت ..كل مقعدين متقابلين أين أرتورو قرب وولف يلعب بمكعب الروبيك و أديلينا تجلس في حضن مارينا تسند راسها على نهديها و تلعب بشعرها بينما تتحدث معها بنبرة خافتة و مارينا بدورها تجيبها بنبرة خافتة في أذنها كأنهما تملكان أسرارا بينهما فقط..

وولف ظل يراقب ذلك باهتمام طوال الطريق..كل حركة و كل همس كانا بالنسبة له أكبر من ذلك بكثير..الآن و بالرغم من أنه يعرف بحقيقتها إلا أنه لا يزال غير مستوعب كليا كيف أن زوجته هذه الأميرة الروسية مقابله التي تبدو وديعة لطيفة عاشت بين الحرير و الريش هي نفسها مقاتلة يوكونيري خطيرة تستطيع إحداث الفوضى بدقائق في اي مكان تدخله..

لقد كان مختلا لكنه مختل يود رؤيتها تقاتل مجددا و حين ينظر لها هذه المرة سيفعلها و هو يعلم كليا أنه يحدث و أن تكون الجميلة هي الوحش..

لقد كان يعبث بالخاتم بين إصبعه و الذي لم يسألها بعد عن سبب منحها إياه إن كان متعلقا باليوكونيري...لكن ليس هذا ما كان يشغل تفكيره حاليا بل عدة أسئلة أخرى...

هو لا يعلم الكثير عن اليوكونيري و اصنافهم و تقسيمات عوائل التنين لكنه يود معرفة كيف استطاعت أن تكون يوكونيري و تحافظ على هويتها سرا؟...كيف دفعت المال لهم بينما أخبرته قبلا أن والدها مايكل لم يعرف ما تفعله سوى حين اصبحت الروي؟ في أي سن بدأت تدريباتها ؟ كيف تم قبولها ؟ ..لما اليامي نوها أمس أخبره أنه سدد دينه ؟ أي دين ؟ كلها أسئلة تشغل باله و بالنسبة له تمثل حانبا مهما من ماضي زوجته...

لهذا لسبب ما قرر أن يسألها و دون تردد فتح فمه يغير من الإسبانية للروسية حتى لا يفهمها أحد ثم قال :

" لقد التقيت أمس بشخص مهم قال أنه يعرفكِ و أنه سدد دينه لكِ.."

نقلت مارينا أعينها له بتقضيبة بين جبينها بينما أديلينا تلعب بالخواتم في اصابعها و من راحة ملامحها دون شك هي كانت تعتقده يقصد رجلا من عالم الأعمال لكنه راقب ردة فعلها عن قرب حين تمتم كلماته التالية :

" يامي نوها السامارو .."

لوهلة اتسعت أعينها تفاجئا قبل أن تسارع بإخفاء ملامحها بقناع هادئ حجا كما لو تدربت على هذا ألف مرة..لهذا لم ينصدم حين صمتت لثوان تفكر قبل أن تتحدث كالعادة..

" إذن لقد علمت..."

" أنكِ يوكو ؟..أجل.."

لسبب ما طريقة اختصاره لذلك باعتيادية جعل لمعة إبتسامة تلمع في أعينها لكنها رفضت إخراجها للإبقاء على جدية الموضوع..لهذا القت نظرة سريعة على النافذة حين وجدت أنهم دخلوا نطاق المطار ثم اعادت تركيزها له قائلة :

" إسألني و سأخبرك..."

كل مرة تقول له هذا ينتهي به الامر بسماع أمور غير متوقعة و جديدة عنها..لكنه كان مستعدا لأنه لا يعتقد ان هناك شيء في حياتها سيصدمه أكثر من حقيقة أنها يوكونيري أليس كذلك؟.. لن يعرفها عليها يوما ما حقيقة أخرى صادمة لتلك الدرجة اليس كذلك ؟..

Flashback

كان يامي نوها السامارو يجلس في سيارة مظللة سوداء مع ثلاثة من مقاتلي اليوكونيري و يراقب من النافذة كيف أن الثلج يفرش الغابات في موسكو و حتى في الليل كان يبدو نقيا ناصعا..

ثيابه كانت بذلة سوداء آسيوية الصنع و أعينه الضيقة لثوان حملت لمعة إبتسامة و هو يعرف أن ابنته يامورا الصغيرة كانت ستحب رؤية الثلوج و اللعب بها لهذا ظل يحدق بالغابات المظلمة حولهم باهتمام كبير و كل الرجال معه في السيارة صامتين جالسين بوقفات ثابتة ليس و كأنهم غفي تلك الوضعية منذ ساعات..

اليوكونيري لم يكن مجرد صنف قتال بل كان أسلوب حياة..أنت تستطيع قتل الشخص لكنك لا تستطيع قتل اليوكونيري داخله..و هو يعلم ذلك أشد معرفة لأنه كان يدربهم..كان يامي نوها في سن الثالثة و الأربعين و أحلامه في صنع أفضل مقاتلي اليوكونيري في العالم لا تزال كبيرة..

عما قريب سينتهي من تدريب الوريث القادم للكابوني و سيكون عليه قبول مجموعة في مقرهم في قلعة ماتسوموتو..أمامه الكثير من الخيارات و الكثير من أبناء المافيا الذين يودون الشرب من نهر التعاليم الآسيوية لكن الأمور لا تنجح دوما..

الفرق بين أبناء اليابان الذين يتدربون على القتال منذ صغرهم و بين أبناء المافيا الذين يتدربون لسنوات كان شاسعا..فالصنف الأول كانت القيم تنغرس بهم حد النخاع أما الأخير فليس العمل عليهم دوما ناجحا..لقد درب التنانين رجال مافيا استسلموا للألم و للظلام داخلهم و فشلوا في ترويضه...رجال استخدموا تدريباتهم في أمور سيئة للغاية..و قلة فقط من أبناء المسدسات نجحوا حقا في التحلي بصفات التنانين..

لكن القانون في عالمهم كان واضحا..للحفاظ على السلم بين عالم السيوف و عالم المافيا على العُقود التي يتم ربطها ألا تُكسر..لهذا هم لا يستطيعون طرد أبناء المافيا إن لم يرتكبوا جريمة واضحة نافية للقوانين..عدا عن ذلك هم ملزمون بتدريبهم للأخير حتى يعودوا لمنازلهم..

لهذا هو هنا في روسيا..لقد كان يزور ملوك الجريمة الأربعة الذين قدم كل واحد منهم ملفات عن مترشحين للإنضمام لبرنامج اليوكونيري و هو كان ملزما بهذا تجاه كل رؤوس الجريمة الآسيوية..على عكس النبلاء في أوروبا عادة..فالعشائر الكبرى في المافيا كانوا يوقعون أحيانا عقودا تدوم لأجيال و أجيال..كالكابوني و الكافالي مثلا..

من القلة التي كان يفضلها هو ..كان الحاكم القادم للكابوني..أخبره اليامي نوها قبله أن عشيرة الكابوني يملكون التزاما قويا و وثيقا مع السامارو و أنه سيحب أداء الحكام القادمين منهم و لحسن الحظ كان محقا..

أندريه كابوني كان حاليا من أفضل تلاميذه و سيكون من الصعب عليه تركه يرحل قريبا و استقبال شخص مكانه..التعود على مهارات ذلك الفتى تجعل من الصعب تقبل شخص آخر من المافيا بتلك السهولة..

من سيحل محله هذه المرة ؟..

انقطع حبل أفكاره فجأة حين انتبه لشيء في الغابة و دون تردد طلب من السائق إيقاف السيارة يجعل كل رجاله يتأهبون في حين هو و بهدوء شديد نزل يلامس حذائه الطريق المبللة و الثلوج المفروشة على حافتها و في ثوان نزل اليوكونيري من السيارات الأخرى يتقدمون منه بحذر و سيوفهم تلمع في ظهورهم بينما أقنعتهم تخفي وجوههم كما يفعل زي النينجا الذي يرتدونه..

أما هو فكان هادئا جدا كما أنه لو وقعت قنبلة من السماء توا لن يتوتر أو يقلق..شيء فيه يشبه مياه المحيط الهادئة و التي رغم احتضانها لمخلوقات مخيفة عميقا إلا أنها تظل رمز الصفاء..

أعينه الضيقة مررها على الأشجار في الغابة المفروشة بالثلوج على عكس شجرة واحدة..شجرة كانت مختبأة خلف الأشجار على قارعة الطريق و كانت مُزهرة بأزهار حمراء بلون قرمزي و لا أحد يستطيع تجاهل مظهرها المميز الجميل حتى و هي مخفية خلف البقية..

لهذا سار هو كأنه يمشي فوق المياه..بخفة و برقة يبتعد عن السيارات مقتربا من الأشجار عميقا في الغابة بينما المقاتلين خلفه تحركوا في الظلام بسرية..أربعة وقفوا خلفه و البقية ممن يرتدون زي النينجا اختفوا في الظلام يحاوطون المكان كأنهم خُلقوا للتجسس و لا شخص يدخل المكان سيكون قادرا على رصدهم..كل هذا بدافع الإستعداد..

لم يتوقف اليامي نوها حتى اتضحت الشجرة مقابله بعدة أمتار لكن قبل الوصول لها لاحظ زهرة واحدة منها مرمية على الثلج أسفل قدمه و لونها الأحمر كان مناقضا للبياض حولها فانحنى و حملها بين اصابعه..

حين رفعها أمامه و تحسسها بين أنامله شعر بشيء مبلل فيها فقربها من أنفه يشتم تلك اللزوجة و لمفاجئته كانت غراء..الأزهار الحمراء التي تلتف حول أوراق الشجرة الجميلة كانت تحتوي غراء لهذا نقل أعينه للشجرة يحدق بها...أزهار كهذه وسط الشتاء في روسيا و كل الأشجار حولها مغطاة بطبقة ثلج عداها..

شخص ما قام بتركيب كل أزهار الشجرة بالغراء واحدة بواحدة..آلاف الأزهار تم تركيبها بغراء لتجذب انتباهه وسط الثلوج ..

لهذا أفلت الزهرة و بهذوء تمتم لرجاله :

" تم نصب فخ لنا.."

و مع جملته تم سحب السيوف من مكانها و تقدم اليوكونيري ليحيطوا به من كل جهة و أخفض الجميع أقنعتهم يخفون وجوههم و يرصدون الحركة..

لكن الحركة التي حدثت كانت صدور صوت أقدام فجأة و كالسحر و الشياطين تم استحضار جسد من الظلام يظهر من خلف الشجرة الحمراء ..

ثوان حتى تقدم منهم جسد فتاة مدت يدها تشعل قنديل الضوء الزيتي التقليدي بين يديها و تتقدم منهم بهدوء..

لو ظهر تنين من الشجرة لم يكونوا سيشعرون بالخطر كما شعروا توا و فتاة في عمر كهذا تتقدم منهم لوحدها منتصف الليل في غابة مظلمة مليئة بالثلوج...

كانت ترتدي فستانا أسود و معطفا طويلا بنفس اللون بينما ترتدي قبعة روسية من الفرو فوق رأسها تخفي بعضا من خصلاتها النارية..لم تكن تحمل شيئا معها سوى نظرة خاوية في أعينها جعلت أحد المقاتلين يشهر نصل الكاتانا خاصته بإشارة لها لتتوقف مكانها ففعلت..

توقفت تلك الصغيرة التي لا يتجاوز سنها الثانية عشر مكانها تقابلهم دون أي تعابير واضحة في وجهها و اعينها لم تفارق اليامي نوها الذي كان هادئا جدا مكانه دون حراك كذلك يراقبها منتظرا أن تتحدث هي أولا ليعرف منها سبب تواجدها هنا..

و بالفعل كانت ثوان حتى سمع صوتها الهادئ الناعم كرياح دافئة في شتاء جليدي :

" لم يرسلني أحد.."

كانت هناك لكنة ثقيلة في لغتها و خفة في نطقها كأن الحديث ليس شيئها المفضل في العالم و لا تفعله كثيرا..

لكن حديثها بحد ذاته و كيف قالت كل شيء بجملة واحدة مختصرة كان يوضح أنها ليست طبيعية و علمت بالضبط ما يفكرون به..

لهذا قرر التماشي معها في الحوار و سألها قائلا :

" لماذا إذن ؟.."

بينما هو هادئ و يجري محادثة معها كان رجال اليوكونيري في الظلام يسيرون بتسلل يحاطون الأشجار حول المكان من كل زاوية يحصرونها دون أن تنتبه بحيث لن تفر منهم مهما حدث ..

" اليوكونيري...أود مقعدا..."

من كل ما توقع اليامي نوها سماعه كان حديثها هو ما فاجئه و كونه يوكونيري كان كفيلا بإخفاء أي ردة فعل حقيقية له..لأن هناك العديد من الشكوك حول ما قالته..

من أين تعرف روسية صغيرة تبدو ثيابها كثياب أميرة شيئا عن صنف المقاتلين ؟

كيف لروسية صغيرة أن تملك ذلك الخواء في أعينها ؟

كيف لفتاة صغيرة أن تأتي لهذا المكان لوحدها في هكذا وقت و جو دون خوف ؟

" من أنتِ ؟.."

" أميرة روسيا الآن..يوكونيري عما قريب.."

جوابها كان مباشرا دون تأخير و بنبرة فتاة تخبره بالحقيقة و لا تترك مكانا للفرضيات لهذا رفع حاجبه لها يتمتم :

" من أخبرك عنا ؟.."

" كتاب يوتشي مانا ...سبب قدومي هو السطر الثالث من الصفحة 21 : على العقد بين اليامي نوها و تلميذه أن يُوقع بإسم فنون الأوساما الأعظم على أن يستمر الوثاق بينهما حتى يفرغ القدر بالنصفين و الثمن نصل بالألف و للألف لمعة أسفل القمر.."

كانت تقول الكلمات دون أن ترمش كأنها تحفظ الكتاب عن ظاهر قلب و لا تحتاجه أمامه لتكرره على مسامعه توا لكن ليس هذا ما جعله يرمش بتفاجئ بل حقيقة الكتاب نفسه.. يوتشي مانا كان أحد المقاتلين الذين عاشروا الأوساما الأعظم و عاشوا في عصره..هو من ألف كتاب ' النصل الذي يقطع القمر '..كتاب يتحدث عن فنون اليوكونيري و تاريخها من البداية للنهاية..المشكلة أن ذلك الكتاب توقف إصداره منذ سنة 1870 و لم تعد تتوفر نسخ منه سوى عند كبار التنانين يخفونها ككنز ..و حتى هو لا يملك نسخة حقيقية منه ..

لذا قبل أن يتجاوز تفاجئه حركت الفتاة يدها تُدخلها لجيب معطفها الداخلي و تحت أنظاره سحبت كتابا قديما بغلاف صلب يبدو أن الدهر تآكله لكنه لا يزال يقاوم التاريخ داخله..

عند رؤية ملماحه و طريقة تحديقه بذلك الكتاب ظهرت إبتسامة جانبية على ملامح الفتاة..إبتسامة بدت مدربة و غير حقيقية لأنها لا تصل بتاتا لأعينها الميتة..

" في روسيا المستحيل لا يملك تعريفا.."

" من أرسلكِ ؟ "

هذه المرة حين سألها فعلها بجدية كأنه يود إنهاء الأمر دون العبث العقلي الذي بدأ يحدث..

" لا أحد ...أخبرتك بالفعل .."

و رغم أن نبرتها كانت لا تزال ذاتها إلا أن هناك نظرة في وجهها أخبرته بوضوح أنها بدأت كذلك تنزعج من حقيقة أنهم لا يصدقونها..و للحقيقة أجل هو لا يفعل..

فتاة صغيرة جميلة جدا في غابة مثلجة لوحدها في مكان مخيف و قاسي كروسيا و تتحدث كأنها عبقرية أو مختلة عقليا و نصبت له فخا ؟...هو يملك ألف شك..

في اليابان يملكون مقولة..لا تخشى الألف طريق الذي عبرت منهم بل الطريق الواحد الذي عبرته ألف مرة..و هو يعني أن أكثر الأشياء التي نستخف بها لسهولتها الواضحة هي الأشياء الأشد خطرا عادة...

ظهر مقاتلي النينجا من الظلام و حاوطوا المكان يُظهرون أنفسهم بصمت شديد و باتت الفتاة الصغيرة محصورة بينه و بين رجاله من كل زاوية لكن حين نقل بصره للمقاتلين خلفهم تلقى إيماءة من أحدهم تؤكد له خلو المكان و غياب أي إشارة للخطر أو لوجود بشري آخر سواها..تماما كما زعمت هي..

لقد أتت لوحدها...

هذا كان مريبا أكثر من اي شيء آخر...

لذا قرر التعامل مع الأمر بجدية و حدثها بنفس الهدوء :

" لنفترض أنني قبلت ..كيف ستدفعين الثمن ؟.."

المقطع الذي تلته من الكتاب ينص أن ثمن تدريب اليوكونيري و حصوله على كاتانا من التنانين ليقاتل بها يعادل ثمن ألف نصل آخر ..و ثمن الألف نصل هو ألماسة تلمع تحت القمر...أي ألماسة نقية خالية من الشوائب...

سيف بسعر ألف سيف...و الألف سيف بسعر ألماسة..

هذا هو ثمن صنع أسلحة بشرية من المقاتلين ..

و هو لا يعتقد أن فتاة صغيرة سيمنحها والديها سعر ألماسة..لكنها فاجئته حين مدت يدها لمعطفها تسحب قلادة حول رقبتها ..قلبتها و بسحبة من إصبعها نزعت ألماسة من خلفها ثم رفعت المصباح الزيتي الكلاسيكي في يدها ترفعه لتريه الألماسة و لمعانها و بكل صمت و نظرات خاوية..

هو لا يود حتى معرفة مصدرها..

و لأنه عرض الخيار الأول عليها قرر أن يعرض الخيار الثاني حين و بنفس الثبات في الصوت أخبرها :

" لنفترض أنني رفضت ..كيف ستغادرين من هنا حية ؟.."

لوهلة صمتت فشعر أنه أنهى الأمر...ظلت صامتة و لم لم تكن أنفاسها تخرح ضبابية باردة حولها لقال أنها ميتة و غير حقيقية...

لكنها أخفضت المصباح تبعد النور عن أعينها حين تمتمت له :

" إما أحياء أنا و أنت أو أموات أنا و أنت..."

على التهديد الذي أفصحت به تقدم المقاتلين بالزي الأسود منها فحركت قدمها تطرق على الأرض أسفلها ثلاث مرات و لصوت شيء أسفل حذائها توقفت حركة الجميع ...لقد كانت تقف فوق شيء ما معدني...قرص معدني مخفي أسفل الثلج قليلا و حين تمكنوا من رؤيته ابتعدت هي عنه تفلته تتنحى خطوة لليسار ثم قالت بنبرة خاوية..

" أنتَ تقف في المكان الذي أردتك أن تقف فيه تماما..."

أخفض اليامي نوها بصره للثلج أسفله و حين أراد رفع قدمه ليطرق و يتأكد مما أسفله منعته قائلة :

" لا تفعل...اللغم بكفتين...لقد أبعدتُ ثقلي عنه مما يعني لو فعلت أنت سنموت جميعا هنا...لا تتحرك.."

تلك ال....

لقد قامت بتعليق ألف زهرة حمراء بالغراء في أغصان شجرة ميتة لتجذب انتباهه و حين فعل وضعت زهرة مرمية على الثلوج في المكان الذي أرادته أن يتوقف فيه كما يضع القناص علامة على ضحيته..قامت هي بوضع علامة عليه بزهرة حمراء ...لقد نصبت له فخا و اصطادته...

و بينما اكتشاف هذا جعل رجاله يتقدمون منها أكثر بحذر فعل هو عكس ذلك تماما...لقد ابتسم...

ابتسم و أعينه الضيقة ضاقت أكثر بينما وضع يديه خلف ظهره و حدق بها...حدق بها حقا هذه المرة..

شعرها الأحمر و لون أعينها غير الظاهر بسبب الظلام...كيف كانت تقف بحجمها الذي يصل لصدره مرتدية قبعة من الفرو و تحدق به دون خوف من حقيقة أن هناك احتمال بموتهم جميعا الآن في أي لحظة لو تحرك هو فقط ..دون شك كانت مختلة..مختلة عبقرية..

و هو لا يحكم على هذا لأنهم دربوا مجرمين مختلين و صادفوا الكثير من هذا النوع..لكنها أول مرة في حياته يصادف هكذا موقف أين تم نصب فخ له و تهديده من أجل قبول الإنضمام..

" ما الذي يضمن لكِ أنني سأوافق و بعد أن تغادري سأغير رأيي ؟..."

" لم أقرأ شيئا إسمه الغدر و الخيانة في كتاب اليوكونيري..."

رفع اليامي نوها حاجبه و لا يزال هناك طيف شيء مغاير في أعينه..طيف إعجاب...

" هل والديك يعلمان ؟.."

" أريد مقعدا بين الصامتين.."

لم تجبه عن سؤاله بطريقة مباشرة لكن فعلت في نفس الوقت...

اليوكونيري كانوا أربعة أصناف..

الصنف الأول أساسي و هم اليوكونيري الذين يتدربون للقيام بالمهام اليومية العاملة داخل اليابان فقط..كالحراسة و الإشراف على بعض التدريبات و حتى حماية الشخصيات المهمة في الدولة..

الصنف الثاني قياسي و هم اليوكونيري الذين يتدربون للقيام بالمهمات خارج اليابان و يتلقون أموالا و أعمالا من أشخاص أجانب لينفذوا لهم المستحيل كالتجسس و القتل عالي الدقة..

الصنف الثالث تميزي و هم اليوكونيري الذين يعتبرون مميزين لكون معلوماتهم و هوياتهم تظل سرا عن العالم و حتى تدريباتهم تتم سرا و البعض يُطلق عليهم الصامتين لأن لا أحد يعرفهم و لا يراهم و لا يشاركون في القتالات العلنية..سعرهم يكون الأغلى..

الصنف الرابع و الأخير هو النخبة و هم اليوكونيري الذين يتدربون تدريبات المتميزين لكن لسنوات أطول و يعرفهم الجميع لأن عقودهم اقوى تلزمهم بعشر سنوات قتال حتى بعد التدريبات و هو أشبه بصقل لمهاراتهم و عادة هؤلاء الأفضل و من النادر أن يكونوا غير يابانيين.. آخر متدرب من هذه الفئة حاليا كان أندريه كابوني..

و للحقيقة لقد توقف عن التفاجئ من معرفة هذه الصغيرة لهذه المعلومات دامت قد شرحت قرائتها للكتاب و مع طريقة حديثها و انعدام الخوف في عظامها فهو لن يتفاجئ لو كانت تملك كتبا محرمة سرية أخرى..

ما يهم كان أنها تريد تدريبا من الصنف الثالث مما يعني هويتها ستظل سرا و لن تذهب لليابان بل سيتم تدريبها هنا في روسيا على يده و على يد ثلاثة تنانين مشرف يتم وضعهم هنا للعمل معها يوميا..

طبعا في حال قبل..

" سعر المقعد في التصنيف الثالث أغلى من مجرد الماسة ..أخمن أنك تعرفين ذلك.."

مجددا كل ما قدمته له هو الصمت الذي دام لفترة و هي فقط تحدق به و هي ترمش بشكل يكاد يبدو لطيفا لو لم يكن يعلم أنه يقف على لغم وضعته له ...

" أنتم تستخدمون معدن التاماهاغاني لصناعة الكاتانا التقليدية حاليا.."

" أجل.."

" لكن الأوساما الأعظم كان يستخدم كاتانا مصنوع بأسلوب أماكوني..الكاتانا تكون بجودة أرفع.."

اليامي نوها كان منبهرا..هذه معلومات ليست في يد الجميع..الفتاة الصغيرة كانت تعرف عما تتحدث..لهذا أومأ لها بابتسامة يسمح لها لتتابع..

" لما لم تستخدموا أسلوب الأوساما ؟.."

" لأن لا أحد يملك الطريقة الصحيحة لصنع نصل كما كان يفعل الأماكوني..الأوساما كان يملك الطريقة لكنه رفض تقديمها .."

" لماذا ؟.."

" لأنها كنز..و الكنوز لا تُقدم للجميع..."

" خطأ..."

حدق بها اليامي نوها دون إبتسامة هذه المرة حين رفضت صحة تصريحه لكنها لم تمنحه فرصة التفكير في الأمر كثيرا حين رفعت الكتاب في يدها مجددا و قالت :

" لقد ترك لكم شيفرة في النسخ الاصلية هنا...شيفرة عن موقع إخفائه لطريقة صنع الكاتانا الأصلي باستخدام معدن التاتارا ..."

شيفرة؟..الأوساما ترك شيفرة في الكتاب ؟..

سماع هذا لم يفاجئ اليامي نوها فحسب بل المقاتلين حوله الذين تبادلوا نظرات حتى و هم يخفون وجوههم بالاقنعة ..

" كيف تعرفين عن هذا ؟..."

" معدن التاتارا ؟ .. ينتج عن تسخين رمال الحديد والفحم في فرن طيني لعدة أيام فيتحد الحديد والكربون في الفحم لتشكيل حديد منخفض الكربون ثم بعد ذلك ت.."

" ماذا ؟..."

" هذه طريقة تحضير معدن التاتارا ..."

" من يخبرك بكل هذا ؟..."

" الفيزياء و الكمياء البسيطة .."

صمت اليامي نوها و حدق بها بجدية لفترة معتبرة...

لقد كانت بنصف حجمه لدرجة يخمن المرء أن عقلها لم يكتمل بعد لكن ما كانت تقوله كان ينفي كل ذلك..

لقد وضعته أمام عدة خيارات و فتحت أمامه عدة أبواب..المشكلة لم تعد قبولا أو رفضا..لم تعد لغما أسفله و لا خطرا يحوم حولها..ليست عن المال و لا نوع التدريب الذي تطلبه..بل اليوكونيري داخله كان يطالبه بقبول أي شيء للحصول على طريقة صنع الكاتانا الأصلي و الذي كان يستخدمها مؤسس فنونهم القتالية ..

هذا الأمر كان الكنز الذي بحث عنه الكثيرين و لن يكون وحده السعيد بالحصول عليه..سيد السيوف و كل عشائر التنين مستعدين لدفع أي ثمن من أجله..

لذا مد يده لها قائلا بهدوء :

" سلميني الكتاب إذن..الموقع مقابل القبول .."

و كإجابة رفعت الصغيرة يدها تمدها له :

" الميثاق أولا..."

كانت ذكية...لا تقبل الصفقة حتى تضمن جانبها...جيد...على الأقل لن يدرب فتاة غبية..

لذا أشار لأحد الرجال خلفه ليذهب للسيارة و لم يحتج أن يتحدث بالكلمات ليفهم الآخر أنه يطلب منه إحضار عقد تدريب من الصنف الثالث ..و بينما غادر المقاتل ليفعل ذلك اعاد اليامي نوها تركيزه لها و حدق بها من الأعلى للأسفل دون ان يبعد أعينه عن وجهها كما لو يرى بأكثر من مجرد حدقيتاه..

و ظلت هي هناك تقف بمعطفها الجميل و شعرها الأحمر التي كانت تليق بالثلوج حولها و بالشجرة خلفها و التي أعدتها هي فخا في منتصف الليل...

لم يكن هذا مجرد تحديق بين رجل و فتاة و لا بين مدرب و تلميذة مستقبلية...بل كان بين صيادين..أحدهما كانت هذه مرته الأولى في الصيد و الآخر مرته الأولى في الوقوع بالمصيدة..

عاد المقاتل يحمل بين يديه لفافة من الورق العتيق و شوكة حبر لكن دون حبر ثم وقف قرب رئيسه دون أن يضغط على أي مكان في الدائرة حوله خوفا من لمس اللغم..

أخذ اليامي نوها الشوكة الماصة التي تملك رأسا حادا ثم سألها :

" ما إسمك ؟..."

العقد كان مكتوبا و جاهز مثله مثل كل العقود هناك فقط فراغ في الأعلى و الأسفل..الأول أين ستتم كتابة إسمها و الآخر اين سيضع هو ختمه...

" مارينا باربوزا.."

بصوتها الخافت أجابته و راقبت كيف و دون أن يرمش إستخدم تلك الشوكة الحادة و قام بجرح يده حتى سال الدم ...و بدل أن يستخدم حبرا كالأناس الطبيعيين استخدم دمه كحبر..لذا الشوكة امتصت الدم و بها كتب إسم مارينا باربوزا أعلى الصفحة و بالدم الباقي وضع بصمته في الأخير...

عقد المدرب و تلميذه هو ميثاق دم لا ينقطع لهذا قبل أن يسلم اللفافة لها قام بلفها على شكل أسطوانة و رفع يده المجروحة لتسيل قطرات من دمه عليها كنوع من الختم الأخير ..

" سيظل العقد عند التنانين محميا و مخفيا بموجب القانون و ستحصلين عليه في اليوم الذي تنهين فيه تدريباتك...هذا هو شهادة تخرجك الوحيدة مستقبلا..."

أخبرها بهذا و هو يمرر العقد للمقاتل قربه ليمرره لها...ففعل الآخر يمررها لها و دون تردد مدت هي يدها تأخذ اللفافة تفتحها تتأكد من أن إسمها في الأعلى قبل أن تمرر الألماسة و الكتاب لنفس المقاتل لينقلهم لليامي نوها...

مسح اليامي نوها يده الدموية بمنديل ينظفها قليلا قبل أن يمسك ذلك الكتاب لأول مرة في حياته يتفحصه من كل الجهات و يفتحه على بعض الصفحات ليتأكد من أنه حقيقي و ما كُتب به نفس تعاليم فنونهم..

لقد كان حقيقي..الورق ..التغليف و الحبر داخله كله حقيقي...حتى التوقيع في الصفحة الأخيرة كان بحبر أثر عليه الدهر و سال قليلا لكنه نفس الشكل الموجود في النسخ العصرية..ما كان يحمله بين يديه هو كتاب كُتب بيد شخص عاش في زمن الأوساما و خطه بأنامله بينما ينظر و يتحدث مع مؤسس فنونهم الأعظم..

لهذا ظل ينظر للكتاب بنظرات شخص يحمل التاريخ و ما هو أغلى منه..

و الصادم أن فتاة صغيرة حصلت عليه قبله...كيف ؟..هل هناك مكان يبيعون فيه الأمور المحرمة في روسيا أو الكتب الخطيرة ؟..

من أين لها بالمال ؟...

سيكون على جواسيس اليوكونيري إيجاد معلومات عنها و عن مصدر أموالها و أين تعيش و كل شيء..

تحركت مارينا للخلف تنوي الإنسحاب بعدما حصلت على ما تريده لكنه أوقفها بصوته الهادئ بينما يلف أيديه الباردة على الكتاب الذي غير الكثير الليلة :

" الموقع..."

كان يسألها أن تكمل الإتفاقية و تقدم له الموقع الذي أخفى فيه الأوساما السر و راقبها تتوقف مكانها بينما نور لهب المصباح الزيتي في يدها كان يتحرك بفعل تحركها...

هذه الفتاة كانت أغرب فتاة التقاها في حياته و هو التقى بالمختلين و المرضى نفسيا أكثر مما التقى بالطبيعيين..

تشبه الألعاب المرعبة التي يتم وضعها في زوايا الغرف في أفلام الرعب...لهذا سيقضي وقتا جيدا في إذابتها و كسرها..

لأنك إذا أردت سيفا حادا عليك صهر المعدن و كسره حتى تقوم يتشكيله و اليوكونيري هم أبناء السيوف و عليهم أن يمروا بصعوبات تصقلهم كما يفعل اللحام مع المعدن و السيوف..و أول شيء سيعمل عليه هو تدريبها على التحكم بالخواء الذي كان يراه في أعينها و على الظلام الذي كان يحيطها..

فإذا أراد المرء أن يصبح وحشا غير قابل للهزيمة عليه أن يكون وحشا بمظهر جميل و ابتسامة لطيفة..لأن اليوكونيري أبناء الظلام و لعبتهم هي حكم الظلال..

" في الكتاب ذُكرت كلمة الكنز 15 مرة..رقم كل سطر لكل كلمة يمثل تسلسل الإحداثيات التي يتواجد بها.."

قالت مارينا هذا باعتيادية و هي تمنحه نظرات أخيرة فهمها جيدا..هي بالتأكيد لم تكن لتخبره عن الموقع ببساطة حتى لا يغدر بها هنا و هي لوحدها...بل أخبرته بالطريقة التي اكتشفت هي السر به حتى يبقي على حياتها في حال لم يجده ..بل الآن يغادر يتأكد من الأمر..حينها فقط سيعرف أنها محقة و أنها لم تكن تكذب منذ البداية..

إذن عليه أن يجد كل كلمة كنز عشوائية في الرواية و يسجب كل مرة رقم السطر الذي وُجدت فيه حتى يجمع تسلسل أرقام...بعدها يضع احتمالات لما يمكن أن يكون خط الطول و خط العرض ثم يحدد الدرجة شرقا و غربا ..

هي لم تمنحه الأمر على طبق من فضة..

لهذا حين راقبها و هي تغادر بهدوء تمشي برقة و شعرها الأحمر خلف ظهرها بمصباح يدوي قديم ينير طلاقها في الظلام أخبرها :

" سنلتقي قبل رأس السنة الجديدة...استعدي ايتها اليوكونيري الصغيرة.."

لم تستدر له لكنها توقفت مكانها و منحته إيماءة كما لو توافق على أن يباشرا التدريب في ذلك الوقت..أي بعد اسبوعين...لهذا ردت عليه :

" 11 دقيقة..."

لم تحتج التفسير أكثر..11 دقيقة و يصبح بإمكانه التحرك..وقت كاف لخروجها من المكان و لإطفاء مفعول اللغم..هي لم تترك شيئا للصدف كانت محصنة كليا بأكثر من خطة بديلة و جهزت جوابا لكل سؤال..

فتاة مختلة لكنه راقب اختفائها في الظلام و بين الثلوج بابتسامة خفية يرى أكثر من ذلك بكثير.. كان يستطيع رؤية و بوضوح ما يمكن لعقل عبقري كهذا أن يفعله بالظلام حين يتعلم ترويض ما بداخله..

القوة الحقيقية ليست قوة الجسد بل قوة عقلك في التحكم بكل فكرة و بكل حركة تصدر منك ..هذا ما يجعلك لاعبا بارعا في كل لعبة للحياة.. و هذه الصغيرة ستتعلم ذلك على الطراز الياباني..

End of flashback

وولف كان منصدما على الأغلب لأنه لم يتحدث لفترة بعدما سردت كل هذا..

لقد كانا داخل الطائرة الخاصة و كانت هي تجلس على حضنه لوحدهما في المكان في مقعد قرب النافذة التي تظهر السحب و السماء..

تعرف أنه يمر بموجات ارتفاع و انخفاض كل مرة تسرد له شيئا عنها لكن لقد وعدته بالحقيقة و لا شيء سوى الحقيقة...لهذا لم تقاطعه تتركه ليأخذ كل الوقت الذي يحتاجه لاستيعاب كل الأمر..

و حين فعل بعد مدة فتح فمه و سألها و اخيرا :

" لم تخافِ ؟.."

" كنتُ مرتعبة ..حين غادرت تلك الغابة كان قلبي سيتوقف من شدة تسارعه.."

قالتها مارينا بابتسامة هادئة و هي تحدق بوولف بينما فستانها الوردي جعل وجهها مضيئا بينما هو يضع يدا على فخذها و بالأخرى يمرر إبهامه على فكه يمنحها نظرات جميلة فتابعت هي :

"لكنها كانت فرصتي الوحيدة ...اليامي نوها لا يزورون الدول الأجنبية إلا كل سنتين قبل رأس السنة لاستلام طلبات العقود لذا كان علي التنفيذ...وضعت الكثير من السيناريوهات و الكثير من الإحتمالات و نصفها كانت على الأغلب ستنتهي بموتي لكن مقعد بين اليوكونيري برأيي كان يستحق..."

كانت تجلس على حضنه بهدوء و هي تعبث بالخواتم بيديها بابتسامة جميلة تغطي تماما حقيقة أنها فعلت كل ذلك و هي صغيرة..زوجته كانت عبقرية متخفية في زي أميرة ظريفة و هذا جعل إبتسامة خافتة تزين وجهه بينما يسدل رموشه السوداء أثناء تمريره لأعينه على كل تفصيل يخصها...

" لما قال أنه سدد دينه إذن ؟.."

" لأنني أخبرته بعد سنة و نصف في التدريب بأنني أخطأت حين أبقيت على حياته بينما هو لم يسدد دينه بالشكل الصائب.."

" حقا ؟..."

" التدريبات تجعلك غاضبا و متألما دوما قبل أن تحول طاقتك الداخلية لشيء هادئ..لذا لقد كنت فتاة غاضبة لحوالي سنتين و أفعل أمورا خارجة عن السيطرة..."

" و هو ببساطة تجاوز لكِ ذلك ؟.."

" بالتأكيد لا...لقد أجبرني على النوم ليلة خارجا في الثلوج قائلا أن أعصابي تحتاج أن تتجمد..و ما تجمد كان أطرافي و دورتي الدموية حقيقة.."

" هل مايكل كان على دراية بذلك ؟..."

توقفت مارينا لثوان كما لو تحاول صياغة الجواب الملائم لذلك قبل أن تتمتم :

" هو لم يعرف ..أخبرته أنني أريد التسجيل في برنامج علاج ياباني يفيد الصدمات النفسية و النوبات العصبية .. أبي نقطة ضعفه هي مشاكلي النفسية لهذا كان يعتقد أن اليابانيين الذين يأتون عندنا أحيانا و أذهب لمقرهم أحيانا هم اطباء..."

و مع عقد اليوكونيري في السرية هم تماشوا مع الأمر و أبقوا الأمور بينهم و بينها..لكنها كما أخبرت وولف قبلا..لقد اعترفت لمايكل بعد سنوات بالأمر و هي مراهقة تعمل على بناء مملكة الروي..

" أعتقد أن جزءا كبيرا منه كان متخوف دوما من أنني لن أصبح يوما طبيعية..طريقته في النظر لي أحيانا كانت تُشعرني أنه يملك حدسا بما أنوي فعله لكنه لم يتجرأ و يعترف به يوما..."

حين قالت ذلك أعينها العسلية حملت لمعة إستمتاع كأنها قضت وقتها تلعب مع والدها لعبة من سيعترف بشكوكه أولا..و نظرا لمعرفته قصيرة الأمد بمايكل فهو يجزم أنه كان فاشلا في لعبة الإحتفاظ بالأسرار...

لهذا لم يتردد من طرح السؤال الذي لطالما أراد معرفته :

" كيف كنتِ تدفعين لقاء كل ما تقومين به إذن ؟.."

" هذا هو المهم.."

مع قولها رفعت قلادتها التي كانت آخر ذكرى من والديها و التي تحمل حرف م و راقبت عدم الفهم في أعين وولف لذا نزعتها ثم أمالت جسدها تأخذ هاتفها من الطاولة الصغيرة خلفها و أشعلت الإضاءة ثم قربتها منه..

و تحت أنظاره المتفحصة وضعت القلادة أسفل النور لتظهر عليها و أخيرا بعض الطبعات الصغيرة جدا التي لا يمكنك رؤيتها في الوضع الطبعي و دون إنعكاس ضوئي عليها..

" هذه رموز.."

كلمتين هو كل ما قالته ليرمش وولف بينما يأخذ القلادة منها يتفحصها و لم يلزمه سوى ثوان ليتحدث :

" دعيني أخمن..أجريتِ مسحا ضوئيا لتجميعها و اكتشفتِ أنها كلمات السر التي تسمح لكِ بالولوج لكل أمواله المخبأة "

" نوعا ما ..."

بابتسامة أخذت القلادة منه مجددا و أرتها له تتحدث :

" في البداية هي تبدو حرف م يعني إسمي..لكن حين كنتُ ألعب بها و قلبتها هكذا..."

توقفت تريه بإصبعها كيف ضغطت على حرف الميم تقلبه للجهة الأخرى و بدل أن يكون حرف ميم ذهبي حين انقلب للجانب الآخر من الأعلى للأسفل أصبح حرف دابل يو فضي..

" كنتُ أعتقده مجرد حرف حتى ذهبت مع أبي لبرشلونة و مكثنا في فندق تابع لسلسلة فنادق دابل يو..هذا الحرف الأبيض بنفس الطبعة هو شعار الفندق.."

رمش وولف كأنه لم يتوقع سماع هذا..قلادتها كانت تبدو بسيطة جدا و ذهبية بحرف ميم يتوسطها لكنه بالنظر لها الآن و كيف حين قلبتها صارت تحمل معنى آخر فكر بالأمر من زاوية أخرى..

فنادق دابل يو هي سلسلة تملك فروعا في العديد من الدول ..من أمريكا لأوروبا لآسيا..أي أن والدها الحقيقي لو أراد ترك ثروات لها فسيتركها في عدة أماكن في العالم تتيح لها السحب دون رقابة و تعقيد..و تلك الطريقة هي خزنات الفنادق التي تُصنع خصيصا للزبائن...

ماركوس روي ترك لها اموالا في كل خزنة له في فنادق دابل يو...

و لعل مارينا رأت الفهم في أعينه لأنها أومأت له بابتسامة هادئة تضيف :

" لذا أجل..الرموز كانت كلمات السر لفتح الخزنات و التي كانت تحمل نفس طبعة قلادتي.."

صمت وولف للحظات ينقل أعينه بينها و بين القلادة ثم و دون تفكير قال بنبرة خافتة يعنيها وحدها بهذا :

" والدكِ كان رجلا ذكيا ...أرى و بوضوح كيف أنكِ ابنته.."

كان يقصد والدها الحقيقي ماركوس و لسبب ما سماع ذلك جعل نظرة أعينها ترق قليلا كما لو من النادر لها سماع شيئا كهذا لأنه و ببساطة قلة من يعرفون أنها ابنة ماركوس و لم يسبق لشخص أن مدحها لكونها إبنة والدها الحقيقي...لكونها ورثت كل هذا من والدها الذي مات و بات مجرد أسطورة في عالمهم...

سمعت الكثيرين يصفونه بأنه كان أحد أقوى و أذكي المجرمين في العالم و أن البرازيل أصعب منطقة سيطرة في عالم الإجرام لكنه قام بطيها بين يديه..لكن لا أحد كان ينظر لها هي و للفرو الروسي و إبتسامة الأميرة فيخمن أنها وُلدن من صلب رجل مثله...لم تحصل يوما على فرصة سماع ذلك..

لذا تهربت من أعين وولف تمرر لسانها على شفتها السفلى تعيد ارتداء القلادة تخبره بنظرة في أعينها شبيهة للحنين لشخص لم يعد موجودا :

" كل ما كنت أجده في الخزنات هو ألماس و مجوهرات..لم يترك لي شيئا يمكن لأحد معرفة هويتي منه..لا أموال في البنك يمكن تعقبها و لا مشرف قانوني يخاطر بهويتي و بتدخل حكومي..فقط أحجار كريمة ...كان يعرف تماما عواقب وفاته و أنها لو حدثت سيكون علي العيش في الظلال للأبد.."

مجددا حركة ذكية متوقعة من رجل ذكي..

لكن ليس هذا ما ركز عليه وولف ..بل ملامحها و هي تقول ذلك كما لو أن الحديث عنه هو سر خطير جدا..أبسط حقوق أي إبنة هو أن تملك القدرة على معرفة والدها الحقيقي و على التحدث عنه..لكنها لم تملك تلك الفرصة و على الأغلب الشخص الوحيد حولها الذي كان يعرف والدها شخصيا هو مايكل ..

لذا أعاد لها بعض خصلاتها للخلف يجذب انتباه أعينها له قبل أن يسألها بهدوء و بكامل اهتمامه :

" ما الذي تعرفينه عنه ؟ شاركي ذلك معي .."

" تود معرفة أمور عن أبي الحقيقي ؟.."

علم أنه اتخذ القرار حين و رغم ثبات ملامحها الهادئة إلا أنه كانت هناك لمعة في أعينها و تغير في وضعية جلوسها على حضنه..لذا أومأ لها يوضح :

" أجل..ما القصص التي تعرفينها عنه مثلا ؟..."

فكرت مارينا قليلا قبل أن تبتسم و تعتدل في جلستها بحيث صار ظهرها لصدره تشعر به يضع قبلة على وجنتها بين ضم كلتا يديه يضعهم فوق بطنها لإحاطتها بينما يعبث بقماش فستانها هناك بعفوية غير عالم أن ابتسامتها اختفت فجأة و أن قلبها توقف...

وولف كان يضع يديه على بطنها باعتيادية و يمسح على المكان يكتب عبارة أنا أحبك على موضع الجنين دون أن يعلم اصلا بوجوده معتقدا أنه يكتب الإعتراف لها كما يفعل دائما...

لقد كان قلبها ينبض بسرعة و أأنفاسها اضطربت فجأة كما لو أن حركته أخذتها على حين غرة ...لذا ابتلعت ريقها و حاولت ترتيب أفكارها و مشاعرها تتذكر ما كانت ستقوله..

و حين وجدت صوتها و أخيرا رمشت تركز كليا على موضوع والدها و بسبب عبثه بأفكارها لم يكن ما قالته هو أول ما أرادت الإفتتاح به :

" حين التقى بأمي أول مرة في السوق كانت تعتقد أنه بائع فواكه و شاجرته حول سعر البطيخ ..."

شعرت بتوقف في كامل جسد وولف لسماع ذلك قبل أن يدفن رأسه في عنقها ليس إلا ليكتم ضحكته قدر الإمكان رغم شعورها باهتزاز صدره الصامت دليل على ضحكه مما جعل إبتسامة حقيقية لتتسلل لوجهها بينما هي تنظر لنافذة الطائرة و للشمس المشرقة بين السحب..

" هو كان هناك لفعل شيء إجرامي على الأغلب و هي هناك لشراء بطيخ ملائم لتخفي فيه الكحول ..مايكل دوما يخبرني أن كلاهما مختلان و مجرمان و أنني محظوظة لأنني ورثت الهدوء منه هو.."

جدها من أمها كان رئيس كارتل مخدرات مهاجر من كولومبيا للبرازيل...لكن هي كانت مهتمة فقط بتهريب الكحول و لم تكن تعرف أن ماركوس هو الحاكم الصاعد لعصابات البرازيل...لقد كان كلاهما يافعان حينها..

ابتسم وولف على ما قالته و هو يستطيع تخيل مايكل و بكل وضوح يقول لها ذلك..فهو من كثر ما يعتبرها ابنته الحقيقية كان ينسب صفاتها له كما لو هي تنتمي له وراثيا و بيولوجيا..

" إذن أمك أيضا كانت مجرمة ظريفة ؟.."

" أيضا ؟..من المجرمة الظريفة الأخرى التي تعرفها سيد سييرا ؟.."

سألته هذا بهدوء مريب جدا و هي تدير وجهها له تحدق به بطريقة جعلت شبح ابتسامة يظهر على شفاهه قبل أن يجيبها :

" واحدة التقيتها قبل سنوات.."

همهمت مارينا و هي تعود للتحديق بالنافذة بصمت مريب جعل إبتسامته تتسع لذا عاد لحمل ايديه يلفهم حول بطنها لتثبيتها قبل أن يسألها :

" أنتِ لا تفكرين بقتلها أليس كذلك ؟..."

" لما أنت مهتم ؟.."

" لأنني وعدتها هذا الصباح أنني ساشتري لها ملابس داخلية جديدة و لا أودها أن تموت قبل أن رؤيتي أمزقها مجددا..."

لم يحتج النظر لها حينها لمعرفة أنها ابتسمت فهي ببساطة حين تفعل تتغير وتيرة تنفسها و تأكد طبعا حين التفتت له تريه وجهها الجميل و تلك البسمة هناك قائلة :

" أنا لست ُ ظريفة..."

" أتفق..أنتِ بدوتِ مثيرة حين قمتِ ب..."

أكمل لها باقي الجملة في أذنها يراقب كيف اتسعت أعينها قبل أن تضحك بتفاجئ و هي تلكمه بمرفقها بمزاح قائلة :

" هل هناك زر لإطفاء هذا النوع من الأفكار في عقلك ؟..."

" أجل و أنتِ تعرفين بالضبط موضعه لأنكِ ل..."

لم يكمل كلامه لأنها التفتت تخرسه بيدها على فمه بينما تضحك و تهز رأسها بغير تصديق :

" وولف...اخرس.."

و هذا جعله يضحك بخفة حتى و هي تغطي فمه بيدها لدا سارعت تنزعها فقط حتى يتسنى لها السماع لصوت ذلك .. وولف حين يكون مرتخيا كان يبتسم و يضحك اكثر فيبدو أجمل و اسعد.. و حقيقة أنه قبل ايام فقط كان في وضعية اسوا و الآن هو هكذا كانت تجعلها سعيدة بدورها..

تبا...هي حقا كانت تحبه و كل مرة تنظر له تصفعها تلك الحقيقة عميقا..

و قد كان قلبها يتفاعل بعنف مع نظراته حين حدق بها بنفس نظرات الحب توا قبل أن يضع قبلة على فكها بينما يعبث بخصلاتها و بينما يحدقان ببعض كانت ابتساماتهما تنطفأ تدريجيا حتى كان كل ما يتواجد هناك في نظراتهما هو حب دون صافي خام من كل ما هو سيء..لذا هي اقتربت منه تضع قبلة على أعينه التي جفنيه فلا تزال أعينه هي من سببت الضرر الأكبر لقلبها دوما ..

و فقط حين وضعت جبينها على خاصته و شعرت به يأخذ نفسا غير ثابت الوتيرة تمتمت له :

" Я скучал по тебе я даже скучал по твоей грязной болтовне"

( افتقدتكَ...حتى حديثك القذر افتقدته..)

جعله هذا يبتسم و هو يضع قبلة على شفاهها هذه المرة يجيبها بنفس لغتها :

" Смотришь на меня, любящего со всеми моими недостатками "

( أنظري لكِ و أنت تحبينني رفقة كل عيوبي )

هذا جعلها تبعد جبينها لتنظر لوجهه تردف :

" من قال أنه عيب ؟.."

" إذن تحبين أفعالي القذرة ؟..."

" لم أقل ذلك .."

" حقا؟.."

سألها هذا بجدية لكن لمعة مكر في أعينه الزرقاء جعلتها تشك في نواياه حتى رمشت بتفاجئ و هي تشعر بأيديه تتحرك من على فخذها لما أسفل فستانها تدريجيا و حين باتت يده كليا في الداخل حبست أنفاسها و مدت يدها تمسكه من رسغه بقوة تمنعه..

لقد كانا في طائرة و الأطفال في الغرفة بعيدا عنهما بأمتار...لو دخل شخص ما الآن فسيرى بوضوح يده أسفل فستانها و رغم أنها أمسكتها له بقوة تمنعه من الحراك إلا أنه رفع حاجبه يتحداها بابتسامة أن تسحبها و تمنعه..

" أنت تغير اتجاه المحادثة سيد سييرا..."

" هناك اتجاه واحد أود محادثة فيه..لذا افتحي.."

دون خجل و بكل صراحة قالها..و لوكان والدها حيا و رأى نوع المحادثة التي يود أن يقيمها مع ابنته لأطلق عليه النار...لكن وولف لم يتردد...بل نظر صوب أعينها دون اهتزاز ينتظر أن تنفذ و رأى تغيرات المشاعر في أعينها واحدة تلو الأخرى حتى اللحظة التي أطلقت نفسا و أفلتت يده فقبلها..

الشرارة ..الإحتراق و سرعة دم يضخها قلبها كل مرة تشعر بشفاهه على خاصتها..

وولف أحيانا كان يقبلها كأنه يملك كل الوقت في العالم و كل الليل لفعل ما يريده و أحيانا أخرى كالآن مثلا كان يقبلها كأنه يتنفس..كأنه يستهلكها و يسمح لها لإستهلاكه و هذا النوع يجعل قشعريرة تمر في عمودها الفقري..لذا أمسكته من فكه و فتحت فمها له لتشعر بلسانه سريعا يسحب ما تبقى من أنفاسها حين مرره على كل ثغرها في مرة واحدة..

لكن قبل أن تتحرك يده أسفل الفستان سمع كلاهما صوب باب يُفتح فابتعدا عن بعضهما فجأة و بسرعة أبعدت مارينا يدها من الأسفل تخفض فستانها تعتدل في جلستها بأنفاس متسارعة بينما هو مسح جانب شفته و أخفى وجهه في شعرها تشعر باهتزاز صدره ضحكا لذا سارعت تعض على لسانها بينما تلكمه بمرفقها..

لا يوجد موقف سيء كموقف دخول أطفالك و أنت تدخل يدك اسفل فستان زوجتك على بعد إنشات من هدفك..

" اخرس و لا كلمة..."

مع نهاية حديثها فورا ظهرت أديلينا و ارتورو من الرواق الصغير الذي يفصل بين الغرفة و و باقي الطائرة بينما أنظارهما مصوبة على الجهاز بين يديهما..و حين أرادت مارينا أن تقف من مكانها لتبتعد عنه تجلس في مكان آخر منعها من الحراك بقبضته على خصرها فالتفتت له و هي لا تزال تحاول تنظيم أنفاسها كما لو تطلب منه أن يفلتها حتى لا يرى الصغار وضعية جلوسهما..

لكنه دون حديث رفض السماح لها..كل ما فعله أنه فرق أقدامه حتى تجلس على قدم واحدة بدل إثنتين و تبدو الجلسة طبيعية أكثر..

أرتورو و أديلينا كل واحد منهما كان يسير و اعينهما على الجهاز اللوحي بين ايديهما ولم يرفعا أعينهما حتى وصلا عندهما ...و حين فعل كل واحد منهما كانت له ردة فعل مختلفة...

هما لم يسبق أن شاهدا وولف و مارينا سويا أو رأوا وولف يتعامل معها بحميمية بشكل مباشر لذا رأى كيف رمش أرتورو عدة مرات بينما أديلينا امالت راسها للجانب تنقل نظراتها بينهما...

مارينا بين احضانه كانت متجمدة مكانها و حتى انفاسها كانت تحبسها كأنها لا تتوقع ردة فعل جيدة منهما عند رؤيتها تجلس على قدمه و يده على خصرها...لكن هو كان يفعل و يعرف تماما ما يفعله...

عليه جعلهما يريا علاقته بيها كشيء طبيعي و ليفعلا ذلك عليه أن يعامل مارينا كزوجته امامها و بشكل طبيعي ...لذا كان هو اول من تصرف بطيعية حين منحهما إبتسامة هادئة يسألهما :

" هل تشاجرتما على اللعبة مجددا ؟..."

و هكذا بسهولة غير كل شيء حين عبست اديلينا فجأة تنظر لأرتورو قم لوالدها بطريقة ظريفة تشكو همها له :

" أرتورو يغش.."

و بدفاع تحدث أرتورو و هو يقلب جهازه اللوحي لمارينا و وولف ليريهما الشاشة بينما يرد :

" لا لم أفعل...لقد وصلت للموقع قبلها لأن الخريطة كانت مبرمجة بطريقة سهلة جدا...هذا ليس ذنبي..."

نفت أديلينا برأسها سريعا تجعل غرتها السوداء تتحرك مكانها :

" ليست سهلة...أنا أحاول منذ مدة الوصول للنقطة الوردية صدقني أبي..."

" النقطة الوردية هي المرحلة الأولى أديلينا و قد أخبرتكِ عن موضعها حتى تلحقي بي لكنك لم تفعلي..."

" لقد تشوشت..كنت أنظر للثعلب يتحرك أسفل الخريطة.."

" إذا أنا لم أغش..."

" بلى بلى فعلت..."

" لا لم أفعل..."

" بل فعلت.."

" لا.."

" أجل.."

" أجل..."

" لا.."

هنا ابتسم أرتورو الصغير و هو يعض على وجنتيه بينما أديلينا رمشت بتفاجئ حين استوعبت أنه خدعها فنظرت لوولف و هي تجعل اعينها دامعة قليلا كأنها على وشك البكاء...

في هذه اللحظة لاحظت مارينا كيف أنه و كالسحر و بمجرد مظهرها الحزين اختفت إبتسامة أرتورو و تحولت ملامحه لشيء قريب من الشعور بالذنب بينما وولف تنهد كانها عبثت بنفقطة ضعفه و دون تردد أخذ جهازها اللوحي و غير اللعبة للعبة رسم يسلمها لها ثم أخذ خاصة أرتورو و وضع له لعبة صعبة و معقدة تعتمد على الحساب الذهني المتطور ثم أعادها له كذلك..

" الآن العبا بهذا و لن يغش أحدكما..."

قال وولف هذا لهما يراهما يحدقان بشاشات الجهاز قبل أن يوافقا سريعا و يركضا مجددا للعودة للغرفة ..

فلا يمكن وضع أديلينا و أرتورو في منافسة واحدة..لهذا منحها هي ما تبرع به و هو الرسم الذي ستنجزه سريعا و منحه هو ما يبرع به..لذا سيلعبا في نفس الوقت و يتما الأمرين سويا دون أن يعتقد أحد أن هناك غش في القضية...

و فقط حين تأكد أنهما غادرا يغلقا باب الغرفة خلفهما تماما أعاد انتباهه لمارينا فوجدها تحدق به بالفعل و هناك هدوء في ملامحها لا ينفك يلمح لتساؤلات و فضول حول ما حدث..

لذا اعاد ظهره أكثر للمقعد بوضعية إسترخاء بينما يده تمسح باشكال وهمية على خصرها من الجانب قبل أن يجيبها عن أسئلة لم تطرحها :

" أنتِ زوجتي مارينا و لستِ سرا أخفيه..عليهما أن يتقبلا مبكرا تلك الفكرة و هما صغار على ألا يتشوشا لاحقا...هما بالفعل يملكان فكرة عن هويتك و الآن يجب أن يريا ما يعنيه ذلك.."

مسحت مارينا على خصلاتها بعادة تفعلها حين تحاول كسب الوقت ليفكر عقلها أسرع قبل أن تتنهد و تعيد أعينها له تخبره عما كان يجول في ذهنه :

" لا أود أن يشعروا أنهم سيفقدون اهتمامك الكلي لو فهموا نوع العلاقة بيننا.."

" بل أنتِ تشكين في حبهما لك.."

تشك في انهما لا يحبانها بالقدر الكافي الذي سيسمح لها هي بالتصرف على طبيعتها معهما دون أن يروها غريبة..

علم أنه قال الحقيقة حين صمتت و استغل هو ذلك ليعبث بالظفيرتين الصغيرتين اللتان تحيطان بوجهها يخبرها بصدق فقط :

" أنا أراه كل يوم..حبهما لكِ سيدة سييرا صادق...أنتِ تقضين وقتا معهما أكثر مما أفعل أنا لذا ما تخشينه لن يحدث..."

رغم أن نبرته كانت هادئة حين قال هذا إلا أنها نوعا ما مسحت على مخاوفها و وجدت نفسها تتنهد كما لو تزفر نفسا لم تعلم أنها تحبسه...بعدها وضعت رأسها على كتفه تستلقي عليه تريح جسدها ...

لقد تعودت منذ الحمل على روتين يسمح لها بالنوم لساعات إضافية كل يوم لكن منذ لقائها بوولف أمس و هي لم تنل قسطا من الراحة بما يكفي و الآن حين تضع رأسها على كتفه كانت تود غلق أعينها فقط و تركه يتولى كل الأمور لأنها دوما تشعر بذات الشيء معه...أنه لا يجدر بها حراسة نفسها..

لكن حين أرادت أن تغلق أعينها شعرت به يلف ذراعيه حولها لتعديل جلستها و وضعيتها و توقفت يديه فوق بطنها مجددا فطار النوم من أعينها و فتحت جفنيها ..

" إذن أنتِ تجيدين تحديد نقاط الضعف في جسد الإنسان ؟.."

سألها وولف فجأة سؤالا عشوائيا فوجدت نفسها تومأ برأسها توضح :

" أجل..إنها تقنيات الشاولين بالإضافة لتعلم التشريح..."

" ما هي نقاط ضعف جسدي إذن ؟.."

هذا السؤال جعلها تبتسم بلمعة في أعينها و هي تعتدل في جلستها على حضنه ..

" من أي ناحية ؟.."

" ناحيتك المفضلة .."

حتما ليس الناحية القتالية الفيزيائية..ستلعب معه لعبته في التفكير المنحرف..

لذا اتسعت إبتسامتها عند سماع ذلك و رفعت يديها تضعهما على كتفه ثم بدأت تحركهما على طول جسده كما لو أنها تقوم بتدليكه و راقب هو ذلك بحرص يتبع كل حركة منها بلمعة إستمتاع في أعينه الزرقاء جعلتها تفعل ما تفعله باستمتاع كذلك و حين وصلت لحدود سرواله رفع حاجبه لها بإبتسامة جانبية ففعلت عكس ما يتوقعه حين أحاطت جذعه من الخلف تنقل يديها من سرواله لخلف ظهره و أسفل عموده الفقري و توقفت..

" حين أمسكك من هنا و اخدشك بأظافري تتثاقل أنفاسك سيد سييرا ..هل يعقل أنها نقطة حساسة في جسمك؟.."

رمش وولف يجيبها فورا :

" غير ممكن.."

" حقا ؟.."

" أجل.."

اقتربت منه أكثر حتى كادت تتلامس شفاههما و تمتمت :

" واثق ؟.."

" أجل.."

همس بجوابه قبل أن تنجرف اعينه لشفاهها في نفس اللحظة التي قبلته فيها قبلة لم يكن فيها لعب و لا مراوغة..بل قبلة استخدمت فيها شفاهها و لسانها تلتصق به كليا و تعتدل على حضنه و حين بادلها بنفس الطريقة أدخلت أيديها اسفل قميصه لأسفل ظهره تمرر أظافرها على طول عموده الفقري دون أن تتوقف قبلتهما و لو لثانية بل كانت تصبح اقوى و اسرع حتى اللحظة التي خدشت بأظافرها جلده أسفل ظهره بقوة توازيا مع عضها للسانه و تماما كما توقعت تثاقلت أنفاسه و تغيرت وتيرتها..

و حين علم ما فعلته قبلها بشغف أكبر حتى انقطعت أنفاسها ثم و انتقاما منها عض على شفتها السفلى بقوة جعلتها تأن في فمه..

" me vuleves loco "

كانت نفس العبارة التي قالها لها من قبل ..أنتِ تدفعينني للجنون..

لهذا منحته إبتسامة جميلة و هي تضع قبلة سريعة اخيرة على شفتيه بأنفاس متسارعة قبل أن تعود للخلف قليلا حتى يتسنى لها رؤية ملامحه جيدا و حينها رأته يرمش قبل أن يميل براسه للجانب فتسقط خصلات من شعره على جبينه و تسقط هي في حيه لمرات لم تعد قادرة على عدها..

و لم يبد عليه الإنزعاج من حقيقة أنها أثبتت صحة اعتقادها بل على العكس كان يبتسم و عضلاته مرتخية اسفلها..

" الرحلة أربع ساعات ..ماذا تقترحين أن نفعل في كل تلك المدة الطويلة ؟.."

سألها وولف بابتسامة جانبية جعلتها تهز رأسها تخبره :

" أفكارك جديا..."

لم تضطر أن تكمل وصفها لأنه يعلم ما تقصده لهذا اتسعت ابتسامته ..

" كنتُ أقصد الإنضمام لجمعية .."

" الإنضمام لجمعية ؟.."

" جمعية ' الجنس بين السحاب'.."

ضحكت مارينا تهز رأسها بقلة حيلة منه و من لسانه و افكاره ثم استدارت تعطيه بظهرها تستلقي عليه و تعيد راسها للخلف على كتفه بابتسامة مما جعله تلقائيا يعيد ايديه لبطنها قائلا بتنهيدة مزيفة :

" أنتِ دوما تشوشين ذهني...أعتقد أن الشيء الوحيد الذي سيمنعني من التقكير بما ترتدينه في الأسفل هو والدك...لذا حدثيني عنه و كيف أنه كان يقتل الرجال حتى أعقل و أحترم نفسي .."

اهتز جسد مارينا بضحكة خافتة قبل أن تتحدث :

" هل أخبرك عن المرة التي أرسل فيها لرئيس البرازيل قض** إبنه مع كيس ارز بعدما علم أنه يخون زوجته و التي تكون ابنة عم أبي ؟.."

فورا شعرت بتجمد جسد وولف قبل أن يخبرها بجدية :

" إختيارك للمواضيع ممتاز سيدة سييرا...لقد وجدتِ و أخيرا زر الإطفاء..."

و على ذلك تردد صوت ضحكتها مجددا في الطائرة كما لو أنها تحلق بين السحاب رغم أنها تقنيا بين السحاب...

.......................

وولف كان يراقب ردة فعل مارينا عن كثب حين توقفت السيارات أمام منزل الباربوزا..شكليا هو لم يكن منزلا بل اشبه لقصر باللون الابيض يدل تماما على كون لقب الباربوزا قائم على مجال الهندسة المعمارية المختلفة..لكن هي تحب وصفه بأنه منزل لهذا هو يستخدم نفس اللفظ معه..

مارينا طبعا لم تنظر للمكان بل طرقت بأصابعها على أقدامها كما لو أنها لا تطيق صبرا لفعل شيء ما و لاحظ كيف أن أعينها انجرفت لمجموعة من البستانيين الذيم كانوا يهتمون بالحديقة و بكل تركيز و لحظتها ظهرت إبتسامة جميلة على ملامحها جعلت يضرب بعنف و لم يتوقف عن مراقبتها و لو للحظة حتى حين فتحت الباب و نزلت دون تردد..

تقدمت بفستانها الوردي الفاتح الجميل و خصلاتها الطويلة تتحرك خلفها بينما هي بابتسامة مستمتعة كانت تحاول المشي فقط على العشب حتى لا يصدر كعبها صوتا رغم أنها كانت تتقدم من بستاني يضع سماعات الأذن يدندن مع الموسيقى و يزرع بعض البذور الجديدة...

نزل وولف من السيارة كذلك يشير للرجال بأن يعودوا للخلف حتى لا يكتظ المكان بهم بينما أمسك أديلينا بيد و أرتورو بالأخرى و راقب ثلاثتهم كيف انحنت مارينا خلف البستاني الذي يضع سماعات و بابتسامة نزعت سماعاته تهمس له بشيء و فورا اتسعت أعينه يلتفت لها بتفاجئ و اتضحت ملامحه..لقد كان مايكل والدها..

و فورا ما أن وجدها خلفه حتى وقف يفلت كل ما بيده و يصرخ بسعادة بكلمات روسية سريعة لم تتضح كثيرا بسبب بعدهم عنه خصوصا حين اختفى صوتها لما عانق مارينا بقوة يرفعها لدرجة لم تلامس أقدامها الارض و ادارها بسعادة كأنها لا تزال فتاته الصغيرة يدفعها لتضحك بقوة..

نتيجة لضحكتها أمال وولف و أديلينا رأسهما سويا على المنظر و كيف أن مايكل رجل طويل و صحي البنية رغم كبره و ملامح وجهه و جعل عناقه الهائل لمارينا يبدو روتينا يوميا..

بعد لحظات لاحظ ثلاثتهم مارينا تقبل والدها من كلتا وجنتيه قبل أن تمسح دمعة سعادة نزلت من عينه و هي تمتم له ببضعة أمور بابتسامة بينما كان هو يمسك وجهها بين يديه الكبرتين كما لو لا يصدق أنها هنا...

استغرقهم الأمر دقائق للتعبير عن اشتياقهم و طوال ذلك الوقت لم يتحرك لا وولف و صغاره..و لم ينتبه لهما مايكل حتى ابتسمت مارينا تلتفت لهما و اشارت بيدها لهم تخبره بشيء ما و هناك اضاءت ملامح مايكل اكثر و اتسعت ابتساماته فسارع ينزع قفازاته الخاصة بالزراعة و رماها أرضا قبل أن يلف ذراعه حول كتف مارينا يطبع قبلة أخيرة على رأسها و يدفعها لتسير معه ..

حين وصلا عند وولف أفلت الأخير يد أديلينا و مد يده لمايكل يقول بهدوء :

" سيد باربوزا ..يشرفني لقاؤك.."

ضحك مايكل و نظر لمارينا بنظرة كما لو يخبرها ' ما خطب زوجك هذا هل هو جاد ؟.'و بعدها أفلت مارينا و تقدم من وولف الذي كان يمد يده في الهواء ثم من حيث لا يتوقع عانقه بقوة يعصره بين ذراعيه لدرجة أن وولف رمش بتفاجئ ينظر لمارينا كأنه لم يتوقع هذا..

والدها رجل من الخارج يبدو رجل أعمال بهيبة و سمعة خطيرة و هو بالفعل يتعمد إظهار نفسه كذلك احيانا في الأعمال..لكن هنا في المنزل هو يصبح شخصا مختلفا تماما ..شخص يتحدث و يعبر عما في باله..يعمل مع البستاني .. يساعد الطباخة و يغسل جواربه بنفسه..حتى أنه يتجول في المنزل مرتديا شبشب كروكس بألوان فاقعة من الأصفر و الأخضر و البرتقالي..

لهذا حين عانق وولف عانقه كأنه هو من رباه و هو من أورثه جماله.. أو كما لو يعرفان بعضهما من أرحام أمهاتهما.. و رؤية ذلك جعلها تبتسم..

ابتعد مايكل هن وولف و اخيرا يسمح له بالتنفس ثم ربت على كتفه قائلا بابتسامة :

" مرحبا بك في روسيا بني..كنت أرغب برؤيتكم هنا دوما.."

قال كلامه و هو يمرر أعينه بين وولف و مارينا بابتسامة لعدة ثوان قبل أن ينظر للصغار و أخيرا و فورا لمعت أعينه و هو ينحني لطولهما و كيف فعلا شيئا لا يفعله سوى التوأم ألا و أنهما سويا و في نفس اللحظة قاما بالإختباء خلف أقدام وولف بخجل..

فلتت ضحكة من مايكل و هو يرتدي ثياب البستاني الملونة و سماعاته تتدلى حول رقبته كأنه فتى عشريني من التسعينات ثم نادى عليهما بروية :

" توتو..آدي أميرتي..ألن تعانقاني ؟..."

إسبانيته كانت متقنة جدا لشخص عاش بالفعل في البلد لسنوات و على صوته و ألقابه لهما أطلا عليه من خلف اقدام والدهما يدفعا إبتسامته لتتسع و أول من تحركت كانت أديلينا التي تقدمت منه بخجل طفيف مرتدية الوردي و شعرها مصفف كمارينا بالضبط تجعل قلب مايكل باربوزا يتحول لهلام و أعينه ترق بلطف على ذلك..

كانت أديلينا قد تعودت على التحدث عبر الكاميرا لكن رؤيته شخصيا بطوله المهيب جعلتها تخجل فحاول طمأنتها بابتسامته و هو يمد يده لها لتقترب ففعلت و لحظتها انحنى أرضا على ركبة واحدة حتى يعانقها كما أراد دوما و حينها سمعها تتنفس براحة كأنها ارتاحت لكونه لطيف كما تعودت عليه لذا لفت يديها حول عنقه تبادله الحضن رغم تورد طفيف في وجنتيها

حينها ألقت مارينا نظرة على أرتورو الذي كان ينظر لأخته بين ذراعي مايكل بينما لا يزال مختبئا بخجل فأومأت له برأسها ليتقدم و دون أن تتحدث حركت شفاهها تتمتم له بانه والدها و لا يجدر به أن يخاف..رأته يتردد لثوان قبل ان يعض على وجنته و يتقدم ببطء و على مهل من مايكل بينما يعبث بحدود جيب سرواله..

انتبه له مايكل فظل ممسكا أديلينا بذراع و مد الأخرى لأرتورو ينتظر منه هو ان يقرر متى ينضم لهما لعناق الجد الخاص به.. مجددا بتردد ظريف من الصغير و هو يعض على وجنته نظر لوولف الذي منحه إبتسامة و لمارينا قبل أن يقترب من مايكل يمسك يده و يسمح له بمعانقته بلطف و وضع قبلات على وجهه قائلا بصوت هادئ لطيف :

" توتو تاتاري..اشتقت لك أيها الذكي.."

هذا دفع الإحمرار لينتشر أكثر على وجنتي أرتورو سواء على اللقب أو على القبلات لكن مايكل سرعان ما وقف و هو يحمل أديلينا و أرتورو كل واحد في ذراع و هو يتوجه نحو الباب للداخل يحادثهما بسعادة تاركا مارينا و وولف ليلحقا به من الخلف...

" توتو تاتاري ؟.."

همس وولف بهذا لمارينا بعدما ابتعد مايكل مما جعلها تضحك بخفة و هي تلف ذراعها داخل خاصته تسير معه للداخل تجيبه :

" انتظر و سترى كيف سيختار لك لقبا كذلك.."

نظر لها وولف كما لو أنها تمزح دون شك لكنها هزت كتفيها بابتسامة و ذلك ردها الوحيد عليه و لم يملك فرصة التحدث مجددا حين وصلهما صوت مايكل و هو ينادي عليهما ليسرعا قبل أن يدفع الباب بقدمه و يدخل..

تواجد مارينا الأميرة الروسية في منزل وولف بإسبانيا كان شيئا جديدا على الجميع و ألآن سيحدث العكس و يقضي وولف أربعة أيام هنا معها في روسيا موطنها هي و سيتسنى له رؤية أماكنها المفضلة و أجوائها و الأشخاص الذين تعرفهم و على الأغلب سيرى كيف يعمل الروي عن كثب...

طبعا هو كان يفكر بهذا لكن مارينا و هي تسير جانبه نحو المنزل و ذراعه حول ذراعها كانت تفكر أنها ربما وجدت و أخيرا المكان و الزمان الذي ستخبره فيه بحملها..

تبا.

🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬

الواتباد دوما يعلق حين تكون الفصول طويلة😭😭

المهم اشتقت اشتقت اشتقت لكم 1023 مرة لقد قمت بحسابهم😭😭

الفصل القادم ستتلقون شيء أسميه خازوق مخزوق تخزويقي😂😂

وش وضع اللي كانوا ينتظرون وولف يعرف بهذا الفصل..أنا أريد شيء يبقى راسخا في الذاكرة بعدما مرمطت مارينا 16 سنة 😭😭😭💀

المهم و الأهم هل نتحدث عن أندريه ؟ أم عن إيرا و تغير شعرها أم عن دخول سانيا المتماسك؟😭😭😭

لا ؟..فلنتحدث عن بيروي صاحب كاس الحليب و باولوا صاحب معضلة الرشاش 😂😂 قراء صراع يفهمون

الفصل القادم على الأغلب واحد من فصولي المفضلة بالرواية كذلك..لماذا؟ لأنها روسيا يا حبيبي و في روسيا المستحيل لا يملك تعريفا 😂😂🤸‍♀️

مارينا بنتنا طلعت صيادة منذ الصغر ما شاء الله عليها ..صنعت شجرة مزيفة لتصطاد 😭😭

آمل أن بعض الأمور توضحت لكم بخصوص اليوكونيري و إنتماء مارينا و أندريه لنفس التنين لكن صنفين مختلفين 💀💀 

المافيوزا الذين كانوا يتوقعون أندريه يعرفها أو قاتل معها ..🤡🤡

ربنا يسامحكم...

لنتحدث عن اندريه مجددا ؟🤭🤭

او ربما عن إيرا و الفاديتا ؟..أود أن أكون أريكة في قصرهم🤡

أديلينا و بيروي فاديتا 😂😂

حرمتكم من مشهد بيروي و وولف و مشهد وولف و إيثان و الفاديتا لأنني شريرة 🤸‍♀️

هيهيهي أمزح..بل لأنكم سترونهم في صراع المافيا..تعرفون أنني لأوازن بين الروايتين يجب أن أقسم المشاهد بالتوزيع على الروايتين و كل واحد يكون من زاوية مختلفة...يعني هنا رأينا ما حدث في الخارج في صراع سنرى ما يحدث في الداخل لأن كل واحد مهم في روايته😩❤

ماركوس روي الفخم زعيم البرازيل الذي كرش عليه العالم و أنجب لنا الروي 😭😭

منحتكم لمحة فقط عنه و ستعرفون شيءا آخر إضافي مهم عنه 😭😭😭

لقاء والدي مارينا الأول 😂😂

مايكل باربوزا العسل ؟😭😭

ماذا تتوقعون سيكون لقبه لوولف ؟😂😂

المهم الفصل القادم بحول الله لن يتأخر لأنني سانزل فصل صراع و بعده عاشقة أيضا لأنها اولوية بسبب قرب النهاية😭😭

تصدقون بقيت 6 فصول ؟😭😭😭

يا رب نكملها على خير دون خسائر نفسية و بشرية و إرهاقية زفتية 😂😂

آمل أن يكون الفصل قد أعجبكم يا رفاق..

نلتقي الفصل القادم بحول الله..أحبكم جميعا واحدا بواحد..😭😭

و للمافيوزا الذين كانوا ينتظرون معرفة وولف بالحمل هذا الفصل فأنا أعتذر لكن مخطط الرواية يمشي وفق ترتيب و توافق زمكان 😭😭

Continue Reading

You'll Also Like

13.8K 1.9K 15
مع كل خطأ نرتكبه نتعلم درسا يقِينا من تكرار ذات الخطأ طوال حياتنا، فالأخطاء تبنينا، تعلمنا، تجعلنا نبكي أحيانا للننهض بعدها بقوة أكبر نمسح تلك العبرا...
1.6M 32.4K 83
اشد الجروح الما ليست التي تبدو اثارها في ملامح ابطالنا بل التى تترك اثر ا لا يشاهده احدا فى اعماقهم. هي✨ لم تخبره بمخاوفها ...ولكن نقطه نور فى اعم...
128K 13.7K 123
{كتاب تعليمي للمبتدئين}. تقرأ الكثير من الروايات وتتمنى أن تصل الى هذا المستوى لكن البداية صعبة. تحتاج لمن يشذبك لتسير في الطريق. هذا الكتاب سيساعدك...
333K 26.9K 55
من رحم الطفوله والصراعات خرجت امراءة غامضة هل سيوقفها الماضي الذي جعلها بهذة الشخصيه ام ستختار المستقبل المجهول؟ معا لنرى ماذا ينتضرنا في رواية...