عاشقة في الظلام

By _ibriz_

20.5M 715K 1M

لم يكن بزعيم مافيا و لم يكن الدون أو الزعيم على الإجرام...بل كان شيئا مختلفا...هو كان قاضي المافيا...كان الرج... More

هل أنت قاتل ؟
Part 1 : رُويْ (Roy)
Part 2 : بين الظلال
Part 3 : توقيع بإسم الحب
Part 4 :ألم عاشقة
Part 5 دمعة الحب
Part 6 مشكلة قلب
Part 7 هيوغو آندريس
Part 8 قوة الحب
Part 9 ظهور الروي
Part 10 إشتياق
Part 11 خسارة عظمى
Part 12 سِرٌّ مقابل سِرّْ
Part 13 الملكة والشطرنج
Part 14 مخالب أنثى
Part 15 إرمي أوراقك
Part 16 تسديد دين
Part 17 ابتسامة قاتلة
Part 18 معجزتكَ
Part 19 قانون التسعة
Part 20 شبح الماضي
Part 21 تناقضكِ جذاب
Part 22 ميلادها
Part 23 أسطورة العشق الأولى
Part 24 قاضي العالم السفلي
Part 25 تمردات العشائر
Part 26 قلب الوحش
part 27 جريمة حب
Part 28 أورلوف
Part 29 مَلِكُ الْجَحِيم
Part 30 القفص الذهبي
Part 31 دوق إيطالي
Part 32 خنجر في يد ملك
Part 33 صرخة الموتى
Part 34 جريمة الليل الأولى
Part 35: حب على الصّليب
Part 36: الإرث الأسود
Part 37 :حين يصطاد الملك
Part 38: أميرة وسط الذئاب
Part 39 : الرقص مع الشياطين
Part 4×10 : الرابع من أكتوبر
Part 42 : دم على ثلج
Part 43 : Heikō
Part 44 : فخ منتصف الليل
Part 45 : موعد مع الأميرة
Part 46: الثور في إسبانيا
Part 47 : الأمير و الأميرة
Part 48 : الوريث الحقيقي
Part 49 : النهاية
الخاتمة
فقرة الأجوبة عن الأسئلة

Part 41: كأس الملك

331K 10.9K 24.6K
By _ibriz_

يدمن المرء طعم الدم
حين يتعود على لعق جراحه
..........................................................................

هل تفضل ريال مدريد أم برشلونة ؟..

كل محبي كرة القدم يطرحون هذا السؤال على من في محيطهم كما لو أنهم يحددون المعيار للقبول بهذا ...بينما في بطولة كأس الملك الإسبانية فالتاريخ يحدد...

و التاريخ يقول أن نادي برشلونة كان الأكثر فوزا بكأس الملك طوال امتداد عريق لهذا البلد في كرة القدم ...

مع ذلك فملعب لاكارتوخا هذه الليلة كان يستضيف النهائي بين فالنسيا و ريال بيتيس في مدينة إشبيلية التي كانت مضاءة و تستعد للإحتفال بالتتويج...

المدرجات كانت صارخة بالألوان و الأصوات المرتفعة و هتافات المعجبين كانت قوية تجعل الحماس يتراكض داخل دماء اللاعبين في غرف تبديل الثياب...

و بينما الكاميرات كانت تصب اهتمامها على تصوير الأجواء و تصوير الافتتاحية كان هناك في الأعلى في غرفة الشخصيات المهمة ملك إسبانيا...الملك الشرعي السادس الذي يحضر نهائي هذه البطولة منذ أن تُوج ملكا و بالتالي مقعده كان مخصصا له فقط ..بجانبه أعوانه و خلفه حراسه و ما أمامه هو زجاج مضاد للرصاص يحميه و في نفس الوقت يسمح له بمشاهدة ما يجري بأريحية تامة سواء بعينه أو من الشاشة الخاصة المزودة في الغرفة...

شعبه كانوا يستطيعون رؤيته و كل حوالي عشر دقائق أو ربع ساعة كانت تنتقل الكاميرا له فيبتسم و يحيي الجمهور يسمع ارتفاع هتافهم  أكثر ترحيبا به...

الأجواء كانت كالمعتاد...الاحتفالات في الأرضية .. العزف ...إدخال الكأس و وضعه في الملعب ليرى الجميع أن هذه هي جائزة الأقوى الليلة...التنظيم كان مثاليا كالعادة و الكل ينتظرون بدأ عرض  الألعاب النارية  لأنه إعلان البداية للنهائي... و الملك من حين لآخر كان يتحدث مع المستشار بجانبه و بعض من رؤساء الإتحاديات و يشعر بحركة حراسه خلفه يتحدثون عبر السماعات ينقلون التحديثات....

في العالم هناك الكثير من الجدل حول القوة...

البعض يُعرِّفون القوة على أنها منصب عال...البعض يعرفون القوة على أنها ميزة فيزيائية متعلقة بالجسد...و قد يجادل القلة و يصفون القوة بأنها خوف الناس منك و على العكس قد يصفونها بأنها حب الناس لك...

و هذا التعريف مختلف و قابل للتغير مع الزمن...فقبل قرون كانت القوة هي تعداد الجيش و امتداد المملكة و بعدها أصبحت القوة هي الأسلحة النووية ثم الشهرة و التأثير في المواقع و الكثير مما لا نهاية له...

بينما في الحقيقة القوة الثابتة حقا و التي لم تتغير يوما هي ثلاثة أمور لا غير و حتى الزمن غير قادر على الجدال فيها...

المال..السمعة...و شبكة المعرفة...هذه هي القوة حقا ..

إن كنت تملك المال و تملك شبكة معارف و سمعة لترافق كل ذلك فأنت في منصب قوة لا يهتز...

و في حين أن الملك السادس الذي يجلس هنا لحضور نهائي مباراة كأس إسبانيا كان يملك هذه الأمور الثلاثة إلا أنه و في عقر داره و في بلده الوحيد كانت الهمسات تتعالى دوما على أنه هناك ملك سفلي إسباني آخر أقوى منه...

و بالتالي يمكننا تحديد الأقوى بين أي طرفين متضادين في هذا العالم بطريقة واحدة ...أي من يملك مالا أكبر و معارفا أخطر و سمعة أسوء...ذلك هو الفائز في ميزان القوة...

و لإثبات هذه النظرية ما على المرء سوى أن ينتبه لأن صمتا مفاجئا حل في قاعة الشخصيات المهمة في مدرج الملعب...صمت كان ليس إلا موجة من أمواج بحر القوى أين أتى ملك ما ليثبت أنه الأقوى من غيره..

شعر الملك بهدوء يعم القاعة بعد أن كان يركز مع الاحتفالات فنظر جانبه لمستشاره ليجده ينظر لباب القاعة خلفهم شاحب الوجه و علامات التفاجىء صارخة داخل أعينه و كذلك ملامح الآخر من جانبه الأيمن و هنا ضرب الحذر داخله و لم يفتح حتى فمه ليسأل...

 لذا قرر أن يلتفت خلفه لحراسه و يستفهم منهم لكن لأن مقعده الملكي الجلدي الأسود كانت خلفيته مرتفعة تغطي رأسه بالكامل ..لم ينجح في ذلك فتحرك ليقف مكانه لكن استوقفه صوت بارد خلفه يمنعه من الحراك :

" جلالتك...لا أنصحك بالتحرك من مقعدك...طبعا لا نود إثارة الفوضى و شعبك أسفلا يراك..."

مع  ما سمعه فورا شعر الملك بشخص يجلس في المقعد خلفه مباشرة...المقعد الذي لا يستطيع أحد أن يراه لأن كرسيه يخفيه بحجمه...و تبعا لذلك رأى أعوانه و من حوله يقفون بحذر و التوتر على ملامحهم يغادرون المكان كما لو يرفعون أيديهم باستسلام خفية فعلم أنهم تحت تهديد السلاح...

حينها اعتدل الملك في جلسته بملامح هادئة دبلوماسية و أعينه على الجمهور أسفلا رغم إدراكه التام بأن غرفة جلوسه في الملعب تم الإستيلاء عليها من قبل رجال المافيا...

لذا صوته كان جديا ثابتا حين قال بتخمين واثق :

" دعني أخمن....وولف دي إيسكيفال سييرا..."

و لسان الملك كان صائبا ذلك لأنه مهما أنكر و مهما فعل...فداخله يعلم أن الهمسات حيال وجود ملك آخر في إسبانيا و تلك الشائعات حقيقية...فلا أحد يتجرأ على فعل ما يحدث توا سواه...

المافيا كانت و لا تزال خطيئة إسبانيا التي عجزوا عن تطهيرها و وولف سييرا كانت جذوره أعمق من الخطيئة التي أنبتها...

آنذاك نطق الصوت من خلفه مجددا بنفس البرود يحمل نوعا من الظلمة في طياته :

" أتيتُ إليك بعد أن حاولت إرسالي للمقبرة...لقد آذيت مشاعري ...كنت أعتقد أننا على وفاق جلالتك..."

و في الحقيقة لم يكن هناك شيء في صوته يدل على أذى مشاعر بل صقيع لا مبالي...و  لا أحد كان يرى وجه الملك لأنهم خلفه و مقعده يخفيه و حتى هو لم يستطع النظر لوجه الرجل الذي كان  يعيث الفوضى في إسبانيا تحت حكم الظلام و باتت أمواله لوحدها قادرة على جلب عروش له...لكن في الزجاج مقابله كان يرى انعكاس رجال بالأسود مقنعين يقفون عند الباب و يحاصرون الغرفة...

و رغم كل هذا التهديد الذي يقع خلفه إلا أن الملك لم يتأخر في الرد بتاتا و حتى مع غياب ملامحه كانت نبرته غير خائفة أو مترددة..تماما كملك لعرش حقيقي :

" سأمثل أنك ضيعت العنوان و أتجاوز عثرتك في حركتك هذه و في الإتهام الذي تحاول تلفيقه لي إن أخفضت مسدسك الذي توجهه لظهري..."

" و أنا سأدعي أنني صدقتك و سأنتقل للموضوع المهم .."

حين قال وولف هذا ببرود و هو يحرك مسدسه في يده بينما يستند بمرفق واحد على ذراع مقعده ...

كان يرتدي بذلة القضاء بلون أزرق مخملي داكن لدرجة تبدو سوداء و فوقها معطف أسود طويل لامس الأرض حين جلس هو...الشعار فوق قلبه و القلادة تتدلى من منتصف صدره مع ذلك لم يكن أشد سوادا من هالته حوله ..

نبرته كانت غير رحيمة حين قال عبارة واحدة لا تُقال لشخص ينحني له الشعب في هذا البلد :

" هناك قنبلة في الملعب و أخرى أسفل مقعدك جلالتك.."

و لأول مرة حصل على ردة فعل منه حين رأى يده على مقعده الملكي تشتد دليل على تجمد جسده ...

لكن ذلك لم يدم طويلا لأنه سارع يقول بنفس الثبات في النبرة  :

" هذا عمل إرهابي يمكنني إدانتك به...كيف تتجرأ و تتجاوز حدودك لتعترف بهذا بعد أن ارتكبته  أصلا؟. ..."

رفع وولف حاجبه ببرود وهو يتكئ بظهره في المقعد يرتخي كأنه في منزله ثم رد و أعينه تنتقل للجمهور أسفل الملعب و صياحهم يستمتعون غير عالمين بما يجري ..

" مع كامل احتراماتي جلالتك ..أنا لم أقرر بعد  إن كنت سأسمح لك بالنجاة من القنبلة أم لا...و أنت تقرر إدانتي؟.. مشاعري تنزف..."

السخرية الباردة جعلت الملك يغمض أعينه يحاول التحكم في أعصابه مما يسمعه و كان على دراية أنه ليس وحده  في الغرفة مع وولف دي إيسكيفال سييرا وإنما رجال الآخر كانوا في الغرفة أيضا فهو يكاد يشعر بهالتهم السوداء تحيط زوايا الغرفة ..

و لن يستغرب صراحة لو أن الكاميرات مرت عليه و صورتهم سيعتقد الشعب بعدها أنهم حراسه فقط...لا أحد سيعتقد أن ملكهم جالس على مقعد أسفله قنبلة و تحت التهديد...

لكن عند هذه الفكرة وجد نفسه يركز أعينه على الكاميرات و الجمهور أسفلا يقول فجأة يحاول سحب النار من البساط أسفله :

" ألا تخشى من أن تنتقل كاميرا الملعب و تصورك خلفي ؟.."

كان يعلم أن هذا حقيقي...لو انتقلت الكاميرا له فسيرى الناس أن هناك شخص خلفه بمسدس في يده لكن كل أمل له  اختفى حين وصله الصوت البارد من الخلف :

" لقد قضيتَ سنوات و أنتَ تحاول الحصول على صور لي و مقاطع تدينني مجرما جلالتك..هل حصلتَ عليها ؟.."

تكراره لكلمة جلالتك كان يغضب الملك أكثر مما قاله...كما لو أنه يسخر من حقيقة أنه و برغم كونه الملك فهناك شخص أقل رتبة منه يضيق الخناق عليه...

و لا ينفك يذكره بأنه يحكم شوارع الجريمة الإسبانية لدرجة أن كل مكان تطأه أقدامه تنطفأ كاميرات التسجيل فيها..هذا كان تلاعبا من الظلام لشخص عاش في الأزقة القذرة...

تعتقد أن النظام عادل حتى تضع المال في كفة ميزانه...كل دولة كانت تملك ثغرات في حكمها و إسبانيا ليست مختلفة...

" ما الذي تريده ؟.."

الآن بدأ ينفذ صبر الملك لذا حين وجه سؤاله لوولف كان بنبرة غير صبورة و تكاد تظهر غاضبة ...مما جعل شبح إبتسامة باردة تظهر على شفاه القاضي يجيبه ريثما يعدل كاتم الصوت في سلاحه :

" هل تعرف كم مليون أورو دفعت و كم رقبة نحرت مقابل الجلوس خلفك لخمسة دقائق ؟.. لطفا كن ممتنا جلالتك فأنا لا زلت غاضبا منك..."

و في هذا صدق كبير...من الصعب جدا الوصول لملك إسبانيا وسط أمن مكثف...لو كانت لقطة في فيلم لبدا الأمر غير منطقي...اختراق أمن ملك دولة لكن وولف قام بدفع رشوة قادرة على بناء مدينة مدريد جديدة في قرية في زيمبابوي كما قتل أشخاصا في اليومين الماضيين دمهم سيرسم نهرا جديدا في الخريطة... بعدها عقد صفقات مع آخرين يكرههم يجعل نفسه مدانا لهم  فقط ليحصل على خمسة دقائق مع الملك قبل أن تصل قوات الجيش للمكان...

كل هذا بسبب غضبه من تجرأ الملك على خرق وفاق صامت بينهما...منذ سنوات لا أحد منهما يتدخل في الآخر دون أن يلتقيا حتى...متأكد أن جلالته لا يعرف وجهه أصلا و مع ذلك ها هو هنا حاول اغتياله ببساطة...

لكن من غضب الآن على ما يبدو هو الملك في كل ثانية يستشعر السخرية و البرود الصاقع في نبرة عدوه خلفه...لقد أتى ليحوله هو و أمنه و نظام حمايته لمهزلة...أتى ليريه أنه أقوى و قادر على فعل أكثر بكثير من الجلوس خلفه في ملعب مكتظ و أمام أعين العالم يضع قنبلتين على المحك أثناء ذلك...

و كل هذا و هو لا يعلم ما يريده أصلا...لكن تفكيره الداخلي لم يطل كثيرا حين شعر بنبرة وولف الجادة تأتي من خلفه و صوت تحرك جسده في مقعده كما لو يعتدل في جلسته :

" لقد أتيت لأتفق أنا و أنت على شيء مهم حتى نكمل ما تبقى من حياتنا في سلام و أمن داخل إسبانيا..."

وضع الملك كلتا أيديه على مسندي مقعده و بذلته الرمادية كانت قريبة من لون بعض الخصلات في شعره يحافظ على ملامحه هادئة تماما كشخص تربى على كيفية التعامل مع أمور مشابهة ثم قال :

" ما الذي يخولك لتعتقد أن هناك احتمال بحدوث اتفاق بيني و بينك ؟.."

" للأسف أنا لا أعمل بالاحتمالات جلالتك..."

" بماذا تعمل ؟.."

" بتوقيت القنابل ..."

جوابه استوقف الملك لثوان و نظرته راكزة أكثر حين أردف:

" بالتهديد إذن...هذا مستواك؟..."

" بل بالمواجهة...فلست أنا من حاولت اغتيالك مستخدما 78 رجلا من القوات للخاصة للجيش..الفرقة 105 للكتيبة السابعة ؟ حقا ؟.. هؤلاء الرجال لم يكن يفترض بك التضحية بهم سوى في خدمة بلدنا الأم جلالتك و ليس لدغدغتي..."

رد الملك كان الإنكار التام..

" اعتقدتك سليم العقل...هل توجه اتهامات كاذبة لملك إسبانيا بناء على أوهام..."

وولف كان يعرف ما يحدث جيدا...الملك دبلوماسي و من المنطقي أنه لن يعترف بارتباطه بقاضي العالم السفلي أو محاولة اغتياله في حال تم تسجيل صوته و استغلالل الأمر ضده...لذا سيواصل النفي...الجيد في الأمر أن وولف لا يهتم..لأن الدليل الصوتي لا يهمه ...

" الوقت يمر و أنا حقا لا أود تضييعه..."

و ما أن قال وولف هذا حتى ضغط على زر خفي في قلادته و بعدها مباشرة صدر صوت طنين يخرج من أسفل المقعد الملكي و لا يتطلب الأمر عبقريا ليكتشف أنه توقيت القنبلة و عدها التنازلي...

علم القاضي أنه قام بالحركة الصحيحة حين تحرك الملك في مقعده بغير راحة بحركة تدل على توتر حقيقي كما لو استشعر التهديد توا مما دفع ابتسامة جانبية باردة تزين ملامح وولف حين انحنى قليلا يقرب جسده من الملك ليهمس له بحديث بارد و بكل بطء:

" الآن...بما أننا تجاوزنا الترحيبات الحارة دعنا نتحدث عن العمل...العمل الخيّر و العظيم الذي تقوم به من أجل بلدنا و الذي سأحزن حقا لو اضطررت لتخريبه ..."

" ما قَصدك و مَقْصدك ؟.."

مباشرة تحدث جلالته بنفس النبرة الدبلوماسية التي لا تعكس جلسته الحذرة و قبضته التي تشتد مع كل طنين الموقت أسفله لذا حمل وولف فوهة مسدسه و مررها على حواف المقعد ليزيد من لعب الأعصاب هذا ثم قال له :

" قصدي سهل و بسيط جلالتك... ربما أقصد حادث مفاجىء أدى لوفاة السفير الأمريكي على يد رجال الملك فتتوتر العلاقات مع أمريكا...ربما رصاصة طائشة تخترق جمجمة الأميرة الإسبانية الصغيرة...ربما ملفات سوداء تُدس على طاولة رئيس الوزراء و مستشاريك...أو أصفاد فجائية تعرقل الشراكة مع الصين...ربما أقصد تفجير أنابيب الغاز القادمة من إفريقيا و حتى ربما قد أقصد قنبلة في ملعب راح ضحيتها 45 ألف متفرج و ملك عزيز للبلد سيحزن الكثيرون على وفاته..."

كل كلمة ..كل تهديد...كل همس أتى باردا قاسيا غير رحيم جعل الملك في مقعده يتجمد و فقط أنفاسه كانت الدليل على أنه حي و لم يتوقف قلبه...

ما سمعه توا لم يكن من السهل على ملك سماعه و لم يكن من السهل عليه  التخيل أن هناك أشخاص بظلام و حقارة وولف سييرا قادرين على فعلها دون التفكير بالعواقب...

لكنه ملك لهذا البلد...لا يستطيع المغامرة بوفاة شخص من الشعب ما بالك ب 45 ألف منهم...لا يستطيع المخاطرة بغاز يحتاجه شعبه و لا العلاقات الآسيوية التي تطلعت لها إسبانيا منذ عقود لتسهيل حياة التجار و الصناع...لا يستطيع المخاطرة بسمعته و سمعة رئيس وزراءه فيؤثرا على سمعة إسبانيا و الأهم من هذا....لا يستطيع المخاطرة بحياة ابنته الصغيرة...

و هو كان ملكا...ملك خاض تدريبا عسكريا و مر بمخاطر و تهديدات كبرى طوال حياته...لكن كلها كانت لفظية لذا الآن و لأول مرة تتسارع ضربات قلبه يشعر بالخطر لأول مرة...

لم يحتج أن يلتفت و يرى وجه الوغد...و لم يحتج أن يلتفت أيضا ليعرف أنه جاد جدا فيما قاله...نبرته كانت ميتة لشخص قادر أن يفعل هذا و أكثر...

لا أحد يأتي و يهدد ملكا بسهولة...قد تهدد الملك و تخرج من القاعة حيا لكنك لن تعيش للصبح لتسرد ما حدث...بروتوكول امني للعائلة الحاكمة...لكن لو كان هناك شخص في العالم سيتجرأ و يجلس خلف الملك و يهدده بهذه الطريقة فسيكون هذا المجرم...

ليس من السهل تهديد سلامة أميرة و ليس من ااسهل التهديد بتفجير أنابيب غاز من شمال إفريقيا و التدخل في أمن دولي خطير ...لكن وولف دي إيسكيفال سييرا يستطيع فعلها..لأنه ليس رجلا وحيدا...هو رجل بجيوش سفلية و نظام فاسد للمافيا خلفه...شبكة إجرام عالمية أكبر من دولة كإسبانيا..

و لسبب ما الآن فقط تذكر لما حافظ هو على سنوات من التجاهل و غض البصر عنه...كيف كان قبل سنوات و ما فعله مِن قتل و أعمال إرهابية في إسبانيا ليصل لما هو عليه الآن كلها مرت كشريط في ذهنه بصوت التلفزة في نشرة الأخبار تتحدث عن الفوضى في إجرام البلد ..كل صبيحة كان يقرأ في الجرائد عنه دون أن يكون إسمه مرفقا...لأنك لا تحتاج إسما على صحيفة لتفعل ما فعله هو من إجرام و أعمال إرهابية...

لقد هدده بوضع ملفات غير قانونية عليه و على رئيس وزراءه و هذا كان تهديدا كبيرا...

لقد هدده بقتل أميرة إسبانيا التي تأتي الثانية في خط الحكم بعد أختها الملكة...و هذا تهديد أكبر...

هدده بتخريب صفقات و شراكات ستؤثر على اقتصاد البلد ...لقد كان أسوأ مما توقع...

وولف سييرا كان وحشا...

و لم يعد هناك مجال للتهرب من الأمر...

لذا بجدية و دبلوماسية حملت اهتزازا في نبرته كأن ثقته الاولى بدأت تقل تحدث :

" كملك يرفض الخضوع لمجرم لكنه ملك يرفض المخاطرة بشعبه...أود معرفة ما تريده لإيقاف هذا ..."

استخدم وولف فوهة كاتم الصوت في المسدس ليمسح على فكه يميل برأسه للجانب مغلق الأعين كما لو أنه يفكر فيما سيتناوله على العشاء وسط منزله في هاواي...

كان مرتاحا جدا فيما يفعله و ظهر ذلك في نبرته الجدية الهادئة حين قال و هو لا يزال مغمضا :

" لا شيء صعب أو مستحيل...أريد أن تعود صداقتنا كالمعتاد جلالتك...أن تعيش أنت حياتك تستيقظ كل يوم على الخامسة والنصف لتركض قليلا لمدة 38 دقيقة ثم تتناول كأس شاي مرتديا  حذائك المفضل الذي صنع خصيصا من أجلك قبل أربعة سنوات ...بعدها تتناول صحن سلطة فواكه مع كأس عصير قليل السكر لأن طبيبك السيد برامز نصحك بذلك...و حين تحمل صحف الصباح و ترى أخباراعني أتاجر بالسلاح أو أقتل شخصا أزعجني قليلا حينها ستمثل أنك لا تعرف من أكون و تقلب الصفحة و تتابع باقي الأخبار باعتيادية..."

لقد كان يملك جواسيسا في قصره...وولف سييرا كان يملك جواسيسا في القصر الملكي و كل ما قاله توا أكد له ذلك و ذكره مجددا بأن خط النهاية اقترب مما جعله يسمع طنين موقت القنبلة بشكل اقوى كأنه يتعمد أن يزيد من توتره...

لكن القاضي لم يمنح ملكه فرصة الإستيعاب و التقرير حين فتح أعينه الزرقاء فجأة بنظرة خاوية و تحدث هذه المرة بتهديد يدس السم داخل الفنجان الحارق الذي قدمه توا :

" أفضل طريقة للسلام هي أن يكون المرء خارج رأس وولف سييرا...لو وضعتك في رأسي جلالتك صدقني سأضطر لقلب عالمك ...و الرؤية من الأسفل لا تليق بشخص تربى على النظر لغيره من مكان مرتفع ..."

الملك فهمه بوضوح...تقليب عالمه يفصد بها قلب جسده و تعليقه جثة ميتة...و الإتفاق بات واضحا...

لا مطالب جديدة و لا اتفاقية مستحيلة...العودة للوضع المعتاد...كلاهما يمثلان أنهما لا يريا بعض و يغضا البصر عن أعمال بعض...

مع ذلك لم يستطع منع نفسه من طرح سؤال واحد بدل منح جواب واحد :

" أنتَ تعلم أنك تخون بلدك أليس كذلك؟.. سمعت أن الأشخاص الذين تطيعونهم أجانب ..هم ليسوا إسبانا حتى .."

رفع وولف حاجبة بنظرة غير واضحة المعالم يدرك أنه يشير لحكام العالم السفلي مع ذلك غاب عنه سبب فضوله تجاه هذا و سبب تغييره للموضوع...

لكنه أجابه في كل الأحوال يقول له :

"في الإجرام نحن لا نعترف بالعملة الوطنية..عملتنا واحدة بجهتين...تعيش  وفيا..تموت قويا...واثق أنكم لا تملكون هذه العملة في عالمكم ...فلو لم يكن من في الملعب الليلة من شعبك لما مانعت خسارتهم أليس كذلك ؟.."

توقف وولف لثوان يترك لسؤاله فرصة أخذ مكانه في المسافة بينهما قبل أن يقف من مكانه فجاة يجعل رجاله يتأهبون و الملك يتحرك بحذر يرفض حتى الآن الإلتفات خلفه حتى حين سمعه يضيف:

" لكنني لا أحكم عليك طبعا فلستُ قديسا بدوري...لكل منا شياطينه ..."

و ما أن أنهى هذا حتى أعاد مسدسه لمكانه ثم انحنى بطوله على مقعد الملك الجلدي ليخبره هذه المرة بنبرة خافتة تهديدا و هو قريب جدة منه لدرجة أن انعكاسه ظهر لأول مرة على الزجاح المقابل للملك رغم عدم توضح ملامحه بسبب أضواء الملعب..

" الآن ...كما ترى..وقتي الذي اشتريته قارب على الإنتهاء...لذا سأمنحك فرصة أخيرة...غدا صباحا ..الساعة الثامنة تماما...حين أحمل الجريدة أود أن أقرأ بعنوان عريض رسالة الملك العزيز لشعبه يقوم بتهنئتهم على نجاح نهائي الكأس مع إضافة صغيرة تخبرهم فيها أنكَ ممتن لوجودهم و تحضرهم  في احتضان بطولات كهذه...سأعتبر رسالة الإمتنان تلك موجهة لي تشكرني فيها على منحك فرصة حياة جديدة و إعلانا صريحا تؤكد فيه قبولك عرضي الكريم..."

ضغط الملك على  قبضته فوق مسند المقعد بعد سماع هذا  و لاحظ وولف ذلك يجعل إبتسامة جانبية باردة تزين ملامحه ...

لقد فاز في لعبة القوى و للأسف لا يملك فرصة الإستمتاع بخساره خصمه لأن وقته على وشك النفاذ...بعد دقيقة و نصف بالضبط ستتدخل فرقة القوات الخاصة لإنقاذ الملك من الهجوم الذي سيعتبرونه إرهابي و على الأغلب سيعدمون وولف بسببه لو أمسكوه...

لذا حان وقت رحيله و رجاله تحركوا بالفعل يستعدون لمرافقته و حمايته لمهبط الطائرات أعلى  الملعب و التي يفترض أنها مخصصة للملك ...

اعتدل وولف في وقفته و سأله هذه المرة باختصار شديد و الوقت يكاد ينفذ :

" أشر لي بموافتك..."

كان مجددا يفهم حركات الملك...يرفض التأكيد اللفظي بحركة دبلوماسية يقظة...لذا هو سيقبل بإشارة منه فقط و تلك لن تؤذيه دون شك حتى و هو يدعي التماسك أمام انهيار قراراته مقتبل التهديد الحقيقي...

الثواني كانت تمر سريعا و جنود شيرني خلف وولف كانوا يتحركون في دوائر كحيوانات مقيدة بدأت تشعر بالخطر خصوصا مع اقتراب تدخل قوات الجيش..

مع ذاك وولف لم يتحرك من مكانه خلف مقعد الملك حتى رأى يده الأخير تتحرك على المسند و بإصبعين طرق عليه ثلاث طرقات متتالية...و تلك حركة إستسلام شهيرة تستخدم في الرياضات القتالية ..

 بينما لوولف تلك كانت إشارته في أنه أنجز ما أتى لفعله منذ البداية و المتمثل في إزاحة الملك من طريقة مرة و للأبد...طوال حياته لم يقابله و يهدده أن يفعل ما فعله توا...لكن حركة ديافول لم تثبت فقط أن الوغد وصل لمستوى كبير في القوة بل نبهت وولف بأن هناك احتمال أن يفعل شخص غيره نفس ما فعله و يستخدمون الملك ضده...لذا ضمانا لأي حركة رديئة كهذه مستقبلا كان من الضروري أن يأتي للملك بنفسه و يعرفه عما هو قادر على فعله له و يضيق الخناق عليه قليلا...

فالبشر دوما يؤمنون بالدليل الملموس و سمعة وولف وحدها لم تكن لتكون كافية و دائمة لسنوات طويلة...لذا ها هو قد منحه تجربة مريبة ليتذكرها كل مرة يسمع إسمه أو يفكر فقط في الوقوف ضده...

التفات وولف للمغادرة بعد حصوله على الموافقة كان سريعا لكنه حين  تجاوز المقاعد و وصل لباب الخروج توقف فجأة و دون ان يلتفت قال للملك بتحذير جاد وهذه المرة دون أن يستخدم الألقاب و الرسمية :

" إن أردت العيش لا تقف من مقعدك حتى بعد مرور خمس دقائق...لو خف الثقل ستنفجر قنبلتك و قنبلة الملعب دفعة واحدة..."

و هكذا فقط غادر و أخيرا غير مهتم بردة فعل الملك لسماع هذا لكنه دون شك لن يتجرأ على الوقوف و اللحاق به  أو حتى استدعاء الأمن...قنبلة أسفل مقعدك ليست مزحة خصوصا و هي مرتبطة بقنبلة أخرى...

طبعا وولف سيستغل ذلك ليخرج من المكان كليا...

لذا مد يده يفتح أزرار معطفه الأسود و خطواته سريعة في الرواق و جنود شريني بزيهم المزين بشعار الإتحاديات مع أقنعتهم التي تغطي وجوههم كانوا منظرا يجعل كل شخص يبتعد عن طريقه...

57 ثانية متبقية للتدخل من الجيش و محاصرتهم داخل المكان...

تحرك الجنود حوله يحيطونه يصنعون طريقا لهم و هم يحملون رشاشات بين أيديهم  و أسلحة أخرى حولهم و دفعوا باب درج الطوارىء يصعدونه سريعا و خطواتهم جميعا أحدثت صدى في السلالم الخاوية ...

40 ثانية متبقية ...

بعد فترة وصلوا للطابق الأخير و الباب الأخير الذي كان وفق خطة الخروج التي وضعوها بعد دراسة مخطط الملعب من مداخله و مخارجه ...

و في اللحظة التي دفع فيها أحدهم الباب للسطح ضربهم الهواء البارد لوجههم بعد الضيق في الداخل و ساعاتهم جميها كانت تشير للثوان المتبقية وفق الخطة الآمنة...

22 ثانية للحصار...

من النادر وجود مهبط طائرات مروحية في الملاعب لكن الملاعب التي يحضرها الملك كل سنة تتوفر عليها في حال مرضه أو إصابته يتم نقله سريعا كنوع من الطوارئ...طبعا وولف استخدم ذلك لصالحه...

لذا البرد لم يكن فقط كل ما استقبلهم بل أصوات مرتفعة لمروحيات طائرات الهيليكوبتر...أربعة كانت تحلق بأبوابها المفتوحة قريبة من السطح داخلها مزيد من الجنود القناصين الذين كانوا يحرسون المكان يستعدون لأي هجوم قد يحدث في أية لحظة...

وهي نفسها التي سيستقلها رجال شيرني الذين يلتفون حوله بينما واحدة مخصصة للقاضي كانت قد هبطت بالفعل على السطح تسبب رياحا قوية في المكان جعلت معطف وولف يتحرك رفقة خصلات شعره الأسود بينما أعينه الزرقتء تجري مسحا دقيقا جدا على المنطقة حوله...

جنديين كانا في الداخل عند مدخلها يفتحون الباب له و يشيرون له بالتقدم و بأنهم مستعدين للتحليق فتقدم هو دون تأخير منها و بحركة من يده يخبر من معه بالمغادرة كذلك يستقلوا مروحياتهم..ففعلوا يتقدمون من الحافة ليقفزوا بينما القناصين يصوبون على باب السطح خلفهم في حال دخل أحد...

صعد وولف الهيليكوبتر في نفس اللحظة التي صدح صوت الألعاب النارية القوية تعلن بدأ النهائي و انعكست أنوارها على الطائرات ما ان ارتفعت بعيدا عن الأرض تحلق و صوت دوران محركاتها قوي جدا...

ما حدث الليلة كان مجرد محادثة الليلة مدتها خمسة دقائق...خسر فيها ملايين الأموال و فاز فيها بسنوات من السلام....في أي عمل تكون هناك خسارة كهذه لفوز غير مسبوق...

و في الحقيقة هناك تعريف عسكري لما فعله وولف توا بحركته...

تهديد أمن الدولة...

ما فعله مع الملك يُصنف جريمة أمن و هو لا ينفك يجد نفسه في مواقف ضخمة كهذه يفتح على نفسه جبهات مشاكل لا حد لها من الرصاص...

رجال المافيا البسطاء أقصى مشاكلهم تكون مع الشرطة و جنود الحدود..يفكرون في طرق التهريب و يحددون الرشاوي...و هو هنا هدد ملك دولته بحرب مع الصين و دول شمال إفريقيا ثم خرج حيا من المكان في طائرة هليكوبتير ...

ربما هو حقا غير طبيعي كما يقول الناس عنه ...

" أنت لم تكن ستفعلها حقا أليس كذلك ؟.."

صوت أوناي جعل وولف يبعد اعينه عن النافذة و منظر الملعب باحتفالاته و بدل ذلك حدق بالأعين الخضراء للآخر الذي يقابله في مقعد المروحية يرتدي السماعات و يعمل على الحاسوب...

أوناي كان مبتسما و هو يسأله كما لو يمازحه في حقيقة أنه طيب القلب  و لا يضع قنبلة في الملعب حقا...

لكن للأسف ابتسامته اختفت سريعا و اتسعت أعينه تفاجئا حين لاحظ أن وولف لا يبتسم و ظل يحدق به بصمت و جدية و ذلك بحد ذاته جواب...

وولف كان حقا يضع القنابل هناك...و أوناي بدا منصدما من حقيقة كهذه لذا ابتلع ريقه و سارع يحدق بشاشته مجددا يمثل اهتمامه الكلي و تركيزه بالعمل ...

الحقيقة هي...إذا دخلت قفص الأسد فادخله  بأنياب و مخالب  أو لا تفعل...

بالتأكيد قاضي العالم السفلي لم يكن ليغامر بحياته و حياة رجاله و يخسر كل تلك الأموال فقط ليقدم تهديدات من فراغ...و ذلك لسببين..

الأول...في حال فشلت الخطة و رفض الملك الانصياع أو تدخل الجيش أسرع من الوقت ااذيالذي  حدده هو لعرقلتهم...حينها لن يخرج خالي الوفاض...سيموت ملك آخر معه...

الثاني...في حال نجحت الخطة و خرج حيا كما هو الآن و تأكد رجال الدولة من القنبلة أسفل المقعد و داخل المدرجات...حين يجدونها حقيقية سيفهم الملك أنه كان جاد و ينصاع له دوما...و لو وضع قنابل مزيفة أو لم يضعها أصلا كان كل عمله سيذهب سدى و سيراه الجميع مزحة هو و تهديده...

لذا مجددا القاعدة تقول...إذا دخلت قفص الأسد أدخله بأنياب و مخالب أو لا تفعل...

❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄

وضعت ميا سييرا ظرفا أبيض داخل علبة التبرعات و الذي كان يحتوي داخله على صك من الأموال الخاصة بسهرة الليلة...

" أواثقة أنكِ لن تظلي حتى تقديم العشاء؟.. لم يتبق الكثير أصلا ..."

ابتسمت ميا بلمعة في أعينها الزرقاء لصديقتها السيدة بييرو التي استضافت حفل جمع التبرعات الخاص بحماية الطيور التي على وشك الإنقراض...

" أعتذر على هذا ميلينا...تعلمين  أنني أتيت فقط لإيصال المال من أجل القضية و الإلتقاء بكن قليلا...هناك عشاء عائلي مهم الليلة و يتوجب علي الحضور ..."

سارت ميلينا رفقة ميا نحو باب الخروج تمسح ذراعها و فستانها البنفسجي الحريري الطويل المحتشم يلائم إمرأة في سنها رغم اللمعة المبالغ فيها لعقد الألماس حول رقبتها و هي تعبس قليلا قائلة :

" إن كنتِ ستغادرين الحفل مبكرا فعلى الأقل عِديني أن تحضري حفل الشاي في منزل السيدة آرينا الأسبوع المقبل...تعلمين أنها عادت من سفرتها قبل يومين و قد دعت جميع أعضاء النادي..سمعت أنها تملك بعض النميمة الجديدة حول أسبوع الموضة في نيويورك..."

همست ميلينا الجزء الأخير بحماس و هي تغمز لميا التي هزت رأسها تضحك قليلا...فصديقتها في سنها هذا لا تزال تستيقظ و تنام على أخبار النميمة كدودة تتغذى على تفاحة طازجة...

مع ذلك هي تحب نسوة النادي و تربطها بهم علاقة صداقة ممتدة لسنوات...لذا الإقتراح ليس سيئا بتاتا...تحتاج أمورا لتغير بها الجو ...

وصلتا سويا للباب الخارجي و تقدم الحراس التابعين لوولف سريعا من ميا واحد منهم قدم لها معطفها و الآخر حمل حقيبتها...في حين الثالث وقف جانبها ينتظر تحركها ريثما البقية ينتظرون قرب السيارات...

و ككل مرة يجذب هذا الأنظار لها...لذا الضيوف الجدد للحفل كانوا يمرون من الدرج و يرمقون ميا و حراسها الكثر باستغراب ..خصوصا أنه حفل خيري لا يضم كل هذه الخطورة...

الحقيقة ميا تعودت على هذا و باتت تحفظ تبريراتها التي تقدمها للناس ...لن يستطيع أحد أن يتفهمها لو قالت أن ابنها فتح الاتحاديات من جديد و بالتالي الخطر صار محدقا بهم جميعا و بالتالي تضاعفت الحراسة و لهم مدججين بالأسلحة الخطيرة...

هي حتى لا تزال لا تستوعب كيف أن جميع نساء الجمعية لم يسألوها يوما عن مهنة وولف في الإجرام...بعضهن كانت غافلات حقا عما يجري لانفصال عالمهن و انشغالهن الكلي بأحدث نميمة في مجتمع المال المدريدي...لكن بعضهن أحيانا يرمقنها بنظرات شك كأنهن يملكن تخمينا لكن ليس أكيد حول احتمال تورط لقب السييرا في عالم اللاقانون...

وولف كات يخفي جرائمه جيدا عن الأنظار لكن الإشاعات القديمة لا تنفك تظهر للسطح من حين لآخر...

لذا من الطبيعي أنها منحت إبتسامة لميلينا التي راقبت الحراس و أشكالهم المخيفة كأنهم جنود بنظرات مريبة و أخبرتها ريثما تغلق معطفها تتلو كذبتها كشخص حفظ الدرس :

" وولف دوما يقلق علي حين أخرج ليلا لذا لا يهدأ حتى يعين لي حراسا...ليس و كأن هناك شخصا سيختطف عجوزا مثلي على أية حال ..."

جملتها الأخيرة نجحت في تشتيت ميلينا التي ضحكت تهز رأسها نافية و تشير لميا قائلة بلمعة لطيفة داخل أعينها البنية التي اكتسحتها التجاعيد :

" هراء كلي...لا تزالين جميلة كاليوم الذي التقينا فيه وسط الحفل الصيفي الذي أقامه آل بريانا و اغتبنا السيدة نامو و كعكها الغريب..."

ضحكت ميا بخفة مجددا و أنفها بدأ يحمر من البرد الذي جعل أعينها تكاد تبدو زجاجية من بهتان لونها و هي تتذكر ذلك اليوم بالفعل ...

" أتذكر...لكن ذلك حدث قبل ثماني سنوات ميلينا...جسدي الآن صار غير قادر على أكل الكعك المُحلى الذي تنمرنا عليه...أنا في حمية لذا لا تحاولي إغرائي..."

" هراء كلي..."

مجددا تمتمت ميلينا بهذا تكرر عبارتها المفضلة...شتيمة لطيفة بالنسبة لسيدة مجتمع راقي مثلها تعتقد أنها لو شتمت ستبدو جريئة...من الجيد أنها لا تملك إبنا إسمه وولف يملك لسانا بذيئا جدا...

اكتفت هي حينها  تودعها بيدها بنظرة عبثية مستمتعة تخبرها أنها ستفكر بخصوص حفل الشاي المقبل ثم راقبت صديقتها تومأ بابتسامة قبل أن تلتفت و تغادر نحو الداخل...

و تلك هي اللحظة التي استدارت فيها ميا لتنزل الدرج الصغير بابتسامة تدهل أيديها داخل جيوب معطفها و آنذاك خانها كعبها الذي لم يكن مرتفعا كثيرا لكنه التوى يجعلها تنزلق كذلك تشهق بتفاجىء لكن قبل أن تقع أمسكتها يد رجل من ذراعها  ...

علمت فورا أن الذي أنقذها من وقعة في الدرج هو شخص غريب حين تقدم حراسها منها ينوون اتخاذ إجراءات ضده لكنها سرعان ما رفعت نظرها له لتقابلها أعين سوداء داكنة و جميلة جدا جعلتها تبتسم بلطف تسارع القول و هي تعتدل في وقفتها  :

" يا لحسن حظي...ليس كل يوم نلتقي بشخص وسيم كالأمراء مثلك ينقذ عجوزا مثلي من السقوط..."

قالتها ميا و هي تهز رأسها تتفحص ملامحه التي كانت وسيمة بغير اعتياد لكن حين ابتسم لها أرادت أن تنصهر كفتاة مراهقة خصوصا حين أجابها و يده لا تزال على ذراعها يثبتها و لمحت لكنة أجنبية في صوته :

" صدقيني لو وجدتُ إمرأة بنصف جمالك سيدتي..سأكون أسعد رجل في الكون.."

و من حسن الحظ أن الوقت كان ليلا و أن وجهها محمر من البرد بالفعل لأن ميا سييرا شعرت بالإطراء توا خصوصا و أن المدح قادم من شخص بجماله ...

لكنها حاولت ألا تبدو حمقاء تتأثر كما تفعل بالرومانسية في مسلسلاتها و بدل ذلك عدلت معطفها من جديد ليحميها من البرد في نفس وقت سحبه ليده ...

و آنذاك لاحظت ثيابه المختلفة و وقفته...شيء يوحي برجل قادم من أموال طائلة نظرا لأن الطرز في ياقة بذلته و على كتفي معطفه الطويل كان جميلا وجدت نفسها تنظر له من الأعلى للأسفل و لمعت أعينها بمكر ظريف معتاد منها تخبره:

" مع هذا الوجه..و هذا الجسد...و هذه الوقفة...صدقني يمكنني أن أصنع لك الآن لائحة بالنساء في مدريد اللاتي سيمتن لعشاء معك...هل أنت عازب؟.."

الآن حان دوره هو ليضحك بخفة مما جعل شعره الأسود يسقط على جبينه و راقبت هي ذلك بنفس الابتسامة المستمتعة ..حتى قاطعهما صوت رجل ببذلة حراسة مختلفة عن حراس عاديين حين تقدم منه ينحني قائلا برسمية و احترام :

" جلالتك..تم إيداع المال بأمان...السيد و السيدة بييرو يرسلان تحياتهما لك.."

أومأ الرجل برأسه له كإشارة ليغادر في حين ميا ارتفع حاجبيها بتفاجىء...أولا لأنه تمت مناداته بجلالتك..و ثانيا لأنه يعرف السيدة بييرو..و التي هي ميلينا صديقتها...

و هي طبعا لم تمنع نفسها من طرح سؤال كهذا في قالب تلفه إبتسامة صادقة مازحة :

" جلالتك؟.. أنت أمير حقا إذن؟..هل أدعوك أيضا بجلالتك..؟"

ابتسم المعني بأمره يصفعها بجمال ابتسامته من جديد و جمال أعينه السوداء ثم رد عليها يهز رأسه نفيا :

" إنهم يبالغون أحيانا...أفضل إسمي فقط...آزاريا..."

اتسعت إبتسامة ميا أكثر قبل أن تتنهد بطريقة لطيفة ألطف من أن تلائم سنها حين قالت :

" حتى إسمك جميل...من سوء الحظ أن ابنتي سافرت ..كنتُ حتما جعلتك صهري..."

و صدقوني آنذاك حين ضحك آزاريا فكانت ضحكة صادقة  ..ليس سوى لأن الأمر كان ممتعا بالنسبة له...والدة نايت توده صهرا لها؟.. لو علمت من هو حقا لما ابتسمت له أصلا و هذا كان موقفا طريفا و توقيتا ممتازا له...

لأنه استغل انشغالها بالتحديق بوجهه حين مد ذراعه لها بنبل و قال :

" اسمحي لي إذن أن أرافقكِ لسيارتك و أكون صهرك لثوان.."

دون تفكير و دون تردد أمسكت ميا  بذراعه بابتسامة واسعة تسير معه ببطء و الحراس خلفها يلحقون بها و لم يشك عو حينها و لو للحظة في أنها انجذبت لأسلوبه في التعامل...جانب الدوق منه دوما كان قادرا على كسب الناس له لكن لو أراهم ربع حقيقته لما صمد أحدهم معه لربع الثانية...

لهذا يتنكر بعض الشياطين في زي ملوك...لأن الناس حولهم يكرهون رائحة احتراق الجحيم الصادرة من عظامهم فيغطونها هم بورود من بساتين الملائكة...

" إذن...كيف تعرف ميلينا ؟..و لما لم تلتق بها دمت قد أتيت هنا بالفعل..."

" السيدة بييرو ؟.. أعرف زوجها في الحقيقة...التقينا في لقاء عمل في حفل على جزيرة يونانية و بقينا على تواصل..."

" ميلينا لم تخبرني يوما أنها تعرف شخصا من عائلة مالكة..."

استغراب ميا في قول هذا دفع إبتسامة جانبية أخرى لتزين ملامحه يخبرها :

" أنا إيطالي سيدتي..و لا عائلة مالكة تبقت في إيطاليا...الناس متمسكين بلقب قديم لي و حتى أنا توقفت عن تعريف نفسي به...لعل هذا ما يجعل ذكري كأمير أقل من المعتاد..."

طبعا هذا كان تبريرا نصف حقيقي فقط...فهو بالفعل لا يستخدم لقبه و لا يخبر الناس ب' مرحبا أنا آخر حامل لدم دوق إيطاليا و يجب أن تنادوني جلالتك ' ...هو لا يفعل هذا و لا يحبه كثيرا...البروتوكولات مجرد بروتوكولات ...

مع ذلك فالحقيقة خلف أنه ليس الكثيرين يتحدثون عنه كان قلة وجود المعلومات عنه و الصور...و في عالم المال هذا...من المهم الصور و ملف التعريف في الطبقة الإجتماعية حتى يتم تداولك على لسانهم...هو لا يفضل ذلك بتاتا و لسنوات أبقى نفسه أسفل طاولة النميمة...

" لكنك تحمل كل صفات الأمراء...لذا لا عجب حقا..."

مجددا مدحته ميا و هما يقتربان أكثر من موضع الركن جانب المبنى فاستغل هو فرصته تلك ليقول :

" من المؤسف أنني سأسافر غدا مبكرا في رحلة مستعجلة...كنت أود الحصول على موعد غذاء مع السيدة بييرو لكن سيتحتم علي إلغاء الأمر..."

" آمل ألا تمانع سؤالي لكن...فيما تحتاجها ؟.. الأمر ليس خطيرا أليس كذلك؟.. يمكنني التحدث معها من أجلك..."

قابلها آزاريا بابتسامة ممتنة بارعة و متقنة التمثيل في لحظة وصولهما قرب السيارة ...لذا نفى برأسه يجيبها دون مماطلة:

" لا...ليس خطيرا الموضوع...سمعت فقط أنها أكثر إمرأة لها علاقة بعوائل المجتمع المدريدي...و أنا كنت أبحث عن صديق لي فقدت التواصل معه قبل سنوات و أرغب بشدة بلقائه..."

مع حديثه فتح الباب لها لكنه كان يعلم أنها لن تدخل...الفضول الذي لمع داخل حدقيتاها كان سيمنعها من أن تفعل خصوصا و أنه منحها نظرة متقنة جدا تعكس ضياعا تامة و قلة حيلة...

لطالما كان هو بارعا في التمثيل على من حوله...يجعل هذا من السهل عليه الحصول على ما يريد من أي شخص...طبعا عدا شخص واحد لكن هذا ليس موضوع اللحظة...

" الأمر مؤسف...خصوصا و أنك لست من هنا...سأود مساعدتك بالطبع..."

دراسته لميا سييرا منذ فترة و كيف تتعامل مع من حولها و كيف تتحدث جعله يحيط علما بطريقة عنل قلبها و عقلها ...هناك دوما أشخاص منطقيين و أشخاص حسيين  وهي دون شك كانت إمرأة بعاطفة لذا توقع ما قالته ...

لهذا منحها ابتسامة هادئة يهز رأسه بطريقة متقنة التمثيل :

" أقدر لكِ ذلك لكن لا أعتقد أن الأمر بتلك السهولة...كل مرة أسأل عن إسمه إما يخبرني الناس أنهم لا يعرفونه أو فقط يخافون بطريقة غريبة..."

كل ما كان يفعله أنه يزيدها فضولا بطريقة فعالة..

" حقا؟.. ما هو إسمه؟ لعلي سمعت به.."

" وولف سييرا..."

في اللحظة التي فلت فيها الإسم من بين شفاهه و بنفس السرعة اتسعت أعينها هي بتفاجىء فضحك يسند يده المغطاة بالقفاز على الباب يخبرها:

" بالضبط هكذا...كل مرة أخبر أحدهم عن إسمه ينصدم هكذا و لا أعلم السبب..."

رمشت ميا حينها تخرج من صدمتها و لاحظ كيف بللت شفاهها كما لو انها تحاول إيجاد الكلمات الملائمة لكنه سبقخا لذلك يقول بتلاعب يؤثر على مشاعرها :

" الحقيقة لا أعتقد أنه سيء لتلك الدرجة و لا مبرر يجعل الناس يخشونه...هو صديق قديم لي منذ الطفولة افترقت أنا و هو في إيطاليا...لهذا لا أتقبل بصدر رحب من يحاولون جعله سيء أو يمتنعون عن إيصالي له..."

صدمتها السابقة تحولت لنظرة ناعمة في أعينها و لمحة من الإنبهار كما لو لا تصدق أن هناك شخص يمدح وولف أمامها و يدافع عنه...

طبعا نفسيا ما فاز الآن هو عاطفة الأمومة خاصتها...لو ركزت قليلا لعلمت أن شخصا بمكانته من عائلة ملكية لن يحتاج مساعدة صديقتها في إيجاد شخص ما...لكن رغبتها الدفينة في إسعاد إبنها أو التعرف على أحد من ماضيه و حتى لم شملهما تغلبت على منطقها...

لذا علم قبل أن تتحدث أنها ستقول ما قالته تاليا  :

" أنا أعرفه و أعرف أين يعيش ..."

نبرتها أتت مترددة نوعا ما كأنها غير واثقة إن كان يجدر بها الإفصاح عن شيء كهذا لذا علم أنه سيكون عليه كسب راحتها لذا تلقائيا اتسعت أعينه ببعض التفاجىء المزيف يسألها :

" أنتِ تعرفين وولف؟.."

أومأت ميا بخفة تمرر يدها على شعرها بحركة تدل على انعدام ثقة في أخذ خطوة معينة مع ذلك نظرت صوب ملامحه و سألته تبحث عن جواب صادق في ملامحه :

" كيف تعرفت عليه.. ؟.."

الآن ليجيب على هذا السؤال هو لم يكن واثقا من مدى معرفة والدي نايت بماضيه في إيطاليا لكنه شبه متأكد من أنهم لا يعرفون شيئا عن الآيفا لذا فإجابته عبثت بالطرفين و علقت في المنتصف :

" في شوارع إيطاليا..كنا كالإخوة لا نفترق..."

نصف حقيقة ربما لمنها كانت تذكرة وصول حقيقية له...

❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄

حين فتح آزاريا باب السيارة و نزل منه يحدق بالمنزل أمامه و بكثرة الحراس الذين يحيطونه من كل الجوانب آنذاك لمعت أعينه بلمعة انتصار بعدما حقق ما أراده و أخيرا...

الدخول لمنزل وولف...

الوغد كان يملك كل التلة و يغلق عليها بالأمن لسبب غريب...قبل سنة لم يكن المكان مؤمنا لهذه الدرجة بالحراسة و كان سهل الإختراق .. لا يعلم ما الذي حدث و جعله يغلق التلة بأكملها لكنه جعل الأمر صعبا على أي أحد دخولها...

الرقابة و الكاميرات في كل مكان...الحرتس يتفقدون كل سيارة تدخل و يحرسون على أن تطابق هويات الزائرين لائحة ساكتي المنازل حول المكان...و حتى الدخول من المرتفعات و المنحدرات كان به مخاطرة كبرى لذا كان أمامه طريقة واحدة...

أن يلجأ لإستخدام شخص من الداخل يساعده على الولوج بأمان تام...مارينا كانت مستبعدة تماما ..السيد سييرا كان رجل أعمال محنك و لن يكون من السهل إقناعه فرغم لطافته مع عائلته إلا أنه مع الغرباء حذر جدا...لذا فرصته كانت تكمن في يد ميا سييرا و طيبة قلبها و غريزتها كأم...

و لحسن الحظ و التخطيط نجح ذلك بشكل مثالي...

لذا فقد التفت لها يمنحها إبتسامة و يراقب لمعة أعينها المتحمسة كما لو تترقب ردة فعله حيال هذا لذا أخبرها دون تأخير :

" لقد اعتقدت سابقا أنكِ تمزحين سيدتي...أنتِ والدة وولف حقا..!.."

التعجب في نبرته جعلها تضحك كأنها فازت في لعبة ما و ضربت ذراعه بمزاح تقول :

" أما أنا فلا زلتُ أعتقد أنك تمزح حيال أن وولف يحب العناق...صدقني يفضل قطع ذراعيه على معانقة أحد..."

لم تتسن للدوق منحها حواب لأنه راى كيف لمعت أعينها لما انتبهت لشيء خلفه فاستدار يراقب باب المنزل أين وقفت مارينا هناك تضم يديها لصدرها تراقبهما بهدوء...

علق قلب آزاريا في حلقه عندما رآها و حاول ألا يُظهر لمن حوله كيف أن أنفاسه تثاقلت و كيف أن أعينها العسلية أحرقته حيا مكانه ز بات بمكن الرياح أن تحمل رماده صوبها  أخيرا...

كانت ترتدي قميصا صوفيا فضفاض باللون الرمادي مع سروال جينز داكن و كعب عالي أسود...مع ذلك طريقتها في رفع خصلاتها للأعلى على شكل ذيل حصان كانت أشبه بتصريح على أنها حتى و مع منظر بسيط كانت لا تحتاج لفعل شيء لتبدو بهذا الجمال...

و من هذه المسافة و هو ينظر لها كان يشعر أن العالم اختفى من حوله و تحديقاتها الهادئة المتفحصة له تثبته مكان وقوفه...

" هذه كنة السييرا و زوجة وولف..."

ها قد تم فقع مرارته بهذه العبارة الواحدة لا غير و وجد نفسه يرمش بعيدا عنها يضغط على قبضتيه و يلتفت مجددا لميا يمنحها إبتسامة لم تصل لأعينه من كثر ما هي غير صادقة ..

حتى سمعها تضيف و هي تمسك ذراعه لتقوده للداخل معها :

" هيا الجو بارد...و في هذا الوقت نحتاج لوجبة عائلية دافئة..."

استمع لها آزاريا بينما أعينه سارعت برصد عدد الرجال الذي تحركوا يرمقونه بنظرات شك و حاولوا الإقتراب منه لكن حركة من يد ميا منعتهم من التقدم و هي تقول :

" لا داعي لتفتيشه...هو معي..."

و الآن جديا ابتسم بصدق...لم يدرك أن خطته كانت ممتازة سوى هذه اللحظة و حين نطقت هي بهذا...بالفعل  هو محق...لو كان هناك شخص سيمنحه إذن الدخول للمنزل دون تفتيش و بسهولة فهي ميا سييرا الأم الحنونة...

توقفا عند الدرج أمام مارينا و حينها فقط أفلتت هي ذراعه ليس إلا لتمسك مارينا بحضن جانبي تعرفهما على بعض:

" آزاريا أعرفك...هذه مارينا...مارينا...هذا آزاريا و هو صديق قديم لوولف  أتى في زيارة لطيفة غير متوقعة..."

ابتسم آزاريا يمد يده نحو مارينا يمثل أنه لا يعرفها في نفس اللحظة التي فعلت فيها هي نفس الشيء تمنحه بسمة هادئة جدا و تصافحه تجعله يلعن اللحظة التي ارتدى فيها قفازات منعته من لمسها مباشرة...

" تشرفت بالتعرف عليك سيد آزاريا..."

كانت متماسكة جدا...ماريما كانت أكثر إمرأة متماسكة قابلها الدوق في حياته...هادئة بشكل مريب أحيانا و حين تريد تصبح قادرة على إخفاء حقيقتها بألوان مزيفة...كالآن بالضبط...

لو لم يكن يعرف لقال حقا أنها أول مرة يلتقيان فلغة جسدها بالكامل عكست ذلك ...

لذا منح يدها مصافحة أخيرة قبل أن يفلتها بقلب ينبض بعنف يرد :

" الشرف كله لي..."

رفض أن يضيف لقبها في الأخير و يرفض أن يناديها باسم رجل آخر...السيدة سييرا هي الحروف التي ستتشكل على شكل ختاجر تمزق لسانه و حلقه لو ابتلعها لذا اكتفى باسمها خام..

و عند نهاية تعرفهما تقدمت سيا بسعادة في هيىتها تفتح الباب تسبقهما و تتحدث بشيء ترحيبي غفل هو عنه لأن تأحر في خطواته يبقى خلفها مع مارينا و التي بدورها ما أن تأكدت أن ميا قبلهما بخطوتين حتى همست له بثبان في نبرتها تحافظ على هدوء ملامحها :

" ما الذي تفعله هنا ؟.."

دون أن ينظر لها الدوق امتناعا عن جلب الشكوك له أجابها بنفس الخفوت :

" لا شيء خطير لتقلقي بشأنه ..."

" أنتَ لوحدك هنا...القلق يجدر به أن يكون من نصيبك.."

كشف جانب شفته على إبتسامة جانبية لهذا...و الحق أنها محقة...هو دون رجاله الليلة...أتى لوحده لمنزل عدوه دون أي دعم و هي تعتقد أن تلك نقطة ضعف لشخص مثله...

وحوش الآيفا لا يحتاجون رجالا أو أسلحة للقتل و هذه إحدى أسباب تسميتهم وحوشا و بيعهم كأسلحة أصلا...

لهذا لم يجبها عن ذلك و اكتفى بابتسامة صامتة حين دخل للمنزل كليا تستقبله الأنوار و أصوات تلفاز قادمة من مكان ما و خادمتين لتأخذا معطفه و معطف ميا...

و في حين انشغل هو ينقل أعينه للمنزل حوله سحبت مارينا هاتفها من جيبها دون أن ينتبه لها أحد و قامت بسرعة بالرد على رسائل نيكولاي تمنحه التعليمات الملائمة و التي تمثلت في عدم التدخل حاليا و الإكتفاء بالمراقبة ..

نيكولاي أخبرها بقدوم آزاريا منذ اللحظة التي استقل فيها السيارة مع ميا و توجهوا نجو المنزل...و دون شك وولف قد علم بذاك أيضا  ...الفرق فقط أن نيكولاي كان قريبا هو و الرجال مستعدين للتدخل في حين زوجها كان بعيدا و سيستغرق الأمر مدة حتى يصل هنا...

لكنها لا تعتقد أن الأمور ستتطور بشكل سيء لتلك للدرجة...فآزاريا أتى لوحده و هذا ليس استخفافا به و إنما بالنسبة لها انعدام رجاله و ساهارا يعني عدم اضطرارها لمراقبتهم و مراقبة ما قد يفعلونه خلف ظهورهم...

آزاريا لوحده تعني أنها تملك شخصا واحدا لمراقبته...

لذا حين أنهت ..أعادت هاتفها لمكانه بهدوء شديد و تقدمت تلحق بميا التي كانت تجر آزاريا للداخل نحو غرفة الجلوس و تبدو محبة لما تفعله...

ليتها فقط تعلم...إن هذه حقا لهي واحدة من سلبيات أن يجهل والدي وولف عن ماضيه في الآيفا و أعدائه الحقيقيين...لا تعلم سبب قدوم الدوق هنا و لا ما يود كسبه من هذا لكن حقيقة أنه أتى مع ميا دون غيرها تعني أنه درسهم جميها دون شك و أحسن اختيار ضحيته...

الآن كل ما عليها فعله هو الحرص على بقاء الأمور بخير ريثما يأتي وولف و يتولى الأمر بما يوافق ما يخطط له كلاهما...

❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄

" آرثر على الأغلب سيستغرق وقتا لينهي القراءة و ينزل لذا من المستحسن أن نتفقد نحن العشاء..."

قالت ميا هذا و هي تضع هاتفها على أقرب طاولة فأومأ لها آزاريا يضع كأس الماء الذي جلبته الخادمة جانبا و لم يغفل عن كيف أن مارينا منذ دقائق دخوله حتى اللحظة و هي ترمقه بنظرات مترقبة لا تسمح له بأن يغيب عن ناظرها و هذا الأمر بدا له ظريفا يكاد يجعله يبتسم...

لقد كانت تبدو حريصة على حراسة الوحش الموجود في منزلها و لا تنوي إفلاته من قبضتها...

لكن المخطط لم يسر كما تشاء لأن ميا تحدثت تطلب منها بلطف :

" هلا ترافقينني مارينا...أحتاجكِ معي في المطبخ..."

نقلت مارينا أعينها العسلية تجاه والدة نايت و كانت مجرد ثوان حتى رآها تمنحها إبتسامة جميلة صادقة تختلف عما منحته له عند رؤيته...ثم و دون تأخير وقفت من الأريكة تتقدم منها لترافقها و في طريقها مسحت على شعر التوأم الذين يشاهدون التلفاز تتمتم له بعبارة قريبة من ' أحسنوا التصرف '...

ثم غادرت مع ميا...

طبعا هذا كان ما رآه هو ...لأن مارينا حين توجهت للمطبخ مع ميا أين كانت العاملات يعملن بجد بالفعل سارعت تسحب هاتفها و تقوم بتشغيل كاميرات المراقبة الخاصة بغرفة الجلوس...

إن كان الدوق يعتقد أنها ستتركه مع الصغار لوحده فهو مخطأ...قد لا تراقبه شخصيا لكنها ستفعل إلكترونيا...لذا نظرت للشاشة في هاتفها تراقب ثم قلبتها كي لا ينتبه أحد و تبعت ميا نحو القدر لتفقد الطعام ...

...

في الداخل و في اللحظة التي غادرت فيها ميا تسحب مارينا معها و راقب آزاريا اختفائهما على مهل...حينها فقط أعاد أعينه السوداء للتوأم يراهما يجلسان جلسة قرفصاء فوق طاولة الجلوس و يشاهدا التلفاز و يرتديا نفس ثياب النوم لكن بألوان مختلفة فقط ...

آنذاك وضع هو قدما فوق قدم و ضم يديه لصدره يرخي ظهره على الأريكة يلقي نظرات سريعة عليهما ثم على المكان حوله...المنزل كان للغرابة غير ما توقعه...طرازه كان أندلسيا من الداخل و مختلف تماما عن شكله الخارجي و شكل حدائقه حوله...

عدة نباتات في زوايا المنزل... أرضية فسيفساء و جدران برسومات هندسية دقيقة...و أهم شيء هو تيار الهواء داخل المنزل لكثرة الفتحات فيه...سواء الشرفات الكثيرة أو الاسقف المرتفعة و و كيف أن كل الطوابق تطل على بعض...

لهذا المكان لم يكن دافئا كثيرا في الداخل و جميعهم يرتدون ثيابا أثقل ...لكن رغم كل هذا كانت هناك حياة...و هذا جعل مرارة تمر في حلقه تحرقه...

كانت هناك حياة لم يتوقع أن يجدها في منزل الأخ الذي حرمه من الحياة...أصوات التلفاز...أصوات الموسيقى الهادئة من الطابق العلوي و أصوات الضحك قادمة من المطبخ لميا تتحدث مع الخدم...

حتى العاملات اللاتي كن يجهزن طاولة العشاء كانت تتحدثن سويا بمرح مع بعض كما لو أنهن في منزلهن و ليس في منزل رب عملهن...لا شيء خاوي كقصره الإيطالي...لا شيء ميت كقصره الإيطالي...و لا حديث مزيف كالوسط الإيطالي الملكي...

انقبض فك آزاريا و هو يرى كل هذا مما دفعه ليبعد أعينه عن المكان حوله و يفتح أزرار سترة بذلته ليخفف من ضيقه و تلك كانت اللحظة التي وصل لمسامعه صوت همس طفولي..

" أليس من الأدب أن نتحدث معه ؟.."

كانت الفتاة تقول هذا عند أذن أخيها بصوت واضح تعتقد أنها نجحت في الهمس لكن سكان أمريكا يستطيعون سماعها من مكانهم نظرا لنبرتها...

و فورا أجابها الفتى و هو يعض على وجنته بحركة متوترة يهمس بشكل صحيح وهو يقرب رأسه منها كي لا يسمعهما هو :

" لا...نحن لا نعرفه بعد و لست واثقا إن كان شخصا جيدا بعد. ..."

رفع آزاريا حاجبه بهدوء عند ذلك كأنه توا اكتشف أي التوأمين أذكى من الآخر لأنه من الواضح كونه ليس شخصا جيدا يثق  الصغار به...هو حرفيا كان يحمل وشم الشيطان في رقبته...و للأطفال ذلك كابوس  ..

مع ذلك لم يستطع ألا يلاحظ كيف عبست الفتاة التي تحمل أعينا نسخة عن أعين وولف ثم أدرات رأسها للخلف قليلا تلقي نظرة سريعة عليه و حين وجدته يراقبهما بالفعل سارعت تتهرب تعطيه ظهرها بسرعة كمن تم الإمساك بها تفعل جرما كبيرا...

لوهلة اعتقد أن جواب أخيها قد أخرسها كليا و ستصمت تشاهد الكرتون الأحمق عن باربي و الأحضنة الملونة لكن خاب ظنه حين لم تمر سوى أربعة ثوان ثم تنهدت و همست مجددا بفشل :

" لكنه وسيم أرتورو...لا أستطيع النوم لو لم نتحدث معه..."

مجددا رفع الدوق الإيطالي حاجبه يراقب بسوداويتاه تلك الصغيرة التي لا تصل لنصف قدمه و تتحدث عنه كأنه لا يجلس في أريكة خلفها بمترين و يسمع صوتها الفاشل في الهمس...

طبعا هو منذ الآن حدد مفضله...لا يتجرأ و يقول أنه يفضل أولاد وولف أصلا لكن لو حدثت كارثة طبيعية ما و انتهى به الأمر مسجونا في مكان واحد مع إحداهما فسيختار الفتى لأنه شخص صامت أكثر و من الواضح أنه لا يتدخل فيما لا يعنيه...

أما الفتاة....تلك الفتاة الصغيرة كانت تزعجه أعينها...حين تنظر له كأن ذلك الوغد ينظر له  بالضبط...

" لا أديلينا...الصغار لا يزعجون الكبار...هو ضيف..."

أترون ؟... آزاريا كان محق...الفتى أفضل بكثير و غير مزعج بتاتا...

أما هي ...تلك المدللة كانت عنيدة لأنها ما أن قال لها أخوها لا حتى تنهدت بدرامية من جديد و استدارت بكامل جسدها نحوه هذه المرة دون أن تنزل من الطاولة أو تغير من جلستها...

و بعدها لمفاجئته قامت بتعديل ثيابها و غرة شعرها الأسود ثم ابتسمت له بطفولية و قالت :

" مرحبا...أنا أديلينا سييرا...يمكنك مناداتي بالأميرة أديلينا لأنني حين أكبر سأتزوج أميرا لهذا أنا أتدرب منذ الآن من أجل الدور ...ماذا عنك ؟..."

لحركتها و ما قالته ظل آزاريا صامتا دون حراك لثوان لكن داخله كان حقا مستغربا و يتساءل من أي طينة صنعت هذه الفتاة ؟..هل هي حقا إبنة نايت ؟.. هل ذلك  الوغد قادر على إنجاب أولاد سليمين كليا ؟.. لما لم يُظهر أحدهما آثار صدمة نفسية أو آثار تعذيب غريب؟...

الأمر كان مريبا رؤية صغيرة تتحدث بهذه الطريقة و والدها من الآيفا ....

مع ذلك سرعان ما تجاوز صدمته و بدبلوماسية سياسية أجابها بنبرة حيادية هادئة تدل على عدم اهتمامه :

" أنا آزاريا...أمير إيطالي..."

و في اللحظة التي اعتقد فيها أن تعريفه بنفسه كان عاديا جدا حتى أخذته هي على حين غرة لما شهقت بتفاجىء تنزل بسرعة من على الطاولة و تركض نحوه تجعله لوهلة حذرا مكانه كما لو أنه شعر بالخطر من فتاة في سنها...

لكنها توقفت أمامه تنظر له من الأعلى للأسفل بأعين متسعة و فم مفتوح بصدمة و أراد الدوق أن يخبرها بغلقه لكنه امتنع و ظل فقط مكانه دون حراك ...قدم فوق قدم و أيديه يضمهما لصدره ببذلته السوداء الفخمة تمنحه هالة مظلمة حوله...

لكن هالته لم تفشل يوما في إبعاد المتطفلين كما فشلت في إبعاد هذه الأديلينا التي رفعت إصبعين تجاهه تسأله بنفس الملامح المنبهرة :

" كم إصبعا أرفع ؟؟.."

آزاريا لم يجب هذه الفتاة و كان قد قرر ألا يتحدث معها لكنه لسبب أحمق وجد نفسه يتحدث معها يجيبها بسخرية لا يعلم من أي حفرة عميقة داخله خرجت :

" ستة أصابع..."

بغباء منه اعتقد أن جوابه الخاطىء سيبعدها عنه لكنها صدمته حين أومأت برأسها بابتسامة حماسية سعيدة تقول :

" هذا صحيح...إذن أنت حقيقي...أنت أمير حقا .."

 قلب آزاريا أعينه بملل يفنح فمه ينوي إخبارها أنها فاشلة في العد و أنه كذب عليها لكنه توقف حين فجأة و دون سابق إنذار تسلقت الأريكة بحجمها الصغير و تعطل قلبه لحظة ارتمائها فوق أحضانه تعانقه...

ما حدث بعدها أن شيطان الآيفا الذي يستطيع قتل رجل كامل البنية بأيديه العارية تصلب مكانه و اتسعت أعينه السوداء بصدمة و هو يشعر بجسدها الصغير يضمه بطريقة فوضوية و أيديها تلفهما حول عنقه تدفن رأسها هناك...بينما هو كقطعة خشب ميتة...

حتى أنها قتلته أكثر حين همست بحماس و سعادة :

" أنا أحبك...لنتزوج .."

الدوق الإيطالي كان متجمدا مكانه حرفيا بعد هذا ...

ما حدث لم يكن أن فتاة صغيرة عانقت الشيطان...

ما حدث لم يكن أن الإبنة الصغيرة لعدوه عانقت الشيطان...

ما حدث في الحقيقة كانت أنها أول مرة في حياة الشيطان يخبره أحدهم أنه يحبه...لأول مرة في حياته يسمع كلمة كهذه موجهة له و الأمر جعل شيئا حارقا يقبض على قلبه بقوة...

و لثانية فقط...لثانية واحدة رقت أعين آزاريا بنظرة صادقة لشخصه الحقيقي الذي دفنه داخله لسنوات يمنعه  من التنفس...لثانية سمح لنفسه أن يعيش الوهم في سماع كلمة كهذه موجهة له و لثانية هزم الألم الذي كان ينهشه كالسرطان داخله لسنين...

لما من بين سبع ملايير شخص في العالم كان عليه هو أن يحمل برودة الوحدة و حرقة الألم و مرارة الحرمان و قساوة الخذلان ... 

لحظة واحدة هي كل ما سمح لنفسه الحقيقية أن تعيشه قبل أن يسارع بإخفائها يبتلع ريقه كمحاولة منه ألا يتأثر بحركة كهذه ...محاولة فاشلة جدا...

لكن جسده كان له رأي آخر لأن أيديه ارتخت من تلقاء نفسها بعد أن كانت تشكل حاجزا بينهما مما جعل أديلينا تعتدل أكثر في حضنها و صارت تضع أقدامها الصغيرة الحافية سوى من جوارب خضراء فوق فخذيه ...

فاستوعب هو أنه في موقف ضعيف في يد فتاة أضعف من ذراع واحدة عنده لذا سارع يرفع أيديه و أمسكها من جانبيها يبعدها عن حضنه ثم و بسهولة رفعها من خصرها للأعلى كأنه يرفع كتابا للاعلى ينظر له أسفل إضاءة جيدة...

و في حين كان هو ينظر لها بملامح هادئة مسالمة هذه المرة يحاول معرفة من أين يمسك الناس كائنات غريبة كالأطفال و هل يجوز حملهم بهذه الطريقة؟.. ماذا لو ضغط قليلا و حطم أضلاعها ؟.. لما على الأطفال أن يكونوا بهذا الحجم الضئيل ؟...هل وولف الوغد لا يطعم أولاده ؟..

طبعا هو كان يفكر لهذا في حين أديلينا أحبت كيف أنه رفعها للسماء بأيديه و بكل سهولة و بدأت تضحك باستمتاع و تحرك أقدامها في الهواء بطريقة ظريفة ...

آنذاك أمالها هو قليلا كأنه يميل بمروحية يتفقدها من كل الزوايا لمعرفة موضع العطب بالضبط و لما هذه الفتاة تمنحه شعورا متناقض بين الإنزعاج و اللا إنزعاج...

ضحكت هي أكثر على ذلك و صوت ضحكتها ارتفع في المكان و حدثته بصعوبة وسط ضحكها :

" أنت..أ..أنت تدغدغني..."

يدغدغها ؟.. هل الصغار يستطيعون الشعور بالدغدغة ؟.. ما اللعنة ؟.. هو في حياته لم يشعر بشعور الدغدغة هذا كيف تتجرأ هي على ذلك؟..

تقضيبة زينت حاجبي آزاريا عند هذه الفكرة...و لأنها ازعجته بتجربة شيء لم يجربه هو في حياته قرر أن يبعدها عنه لذا وقف يحملها و وضعها في أبعد مكان في الأريكة كأنها فيروس خطير أو كائن فضائي غريب...

لكن في اللحظة التي عاد و جلس فيها مكانه برقي و أناقة وجدها تزحفةعلى ركبتيها نحوه على الأريكة بسرعة كبطريق مزعج و هي تضحك بطفولية و أعينها الزرقاء تلمع ثم عادت و قفزت في حضنه تجلس عليه هذه المرة...فرفع هو أيديه بحركة تشير للاستسلام لكن بالنسبة له هو فعلها كي لا يلمسها و تصيبه بعدوى غريبة أو تقول شيئا مريبا آخر هذه الفتاة ح...

" إذن...هل نتزوج سريعا ؟.. أنا لا زلت صغيرة لكنني فتاة رائعة ...روبن الطالب الجديد في مدرستنا أخبرني بهذا ...لكنه ليس وسيما مثلك و ليس أميرا مثلك لذا لقد خسرني...و الآن...كم حصانا أبيض تملك ؟.. هل هناك أحصنة وردية لنستخدمها في زفافنا ؟.. باربي كانت تصفف شعر حصانها في الكرتون الذي كنا نشاهده و قالت لأختها أن هناك صنفا م..."

رمش آزاريا كأن دوخة أصابته و هو يستمع لثرثرة هذه الفتاة ..

الآن فهم السر...وولف لا يطعمهما فواكه و خضر صحية...بل يطعمها راديوهات و شرائط ثرثرة مريخية...لأنه من غير الطبيعي أن يكون كائن فضائي غريب بهذا الحجم و مع ذلك يقول أمورا بهذا الحجم...

أي ورطة علق فيها...؟..

وسط كل ثرثرتها و حماسها في الحديث و هي تجلس في حضنه براحة و سعادة التفت الدوق يمينا و شمالا كما لو يبحث عن شيء يستخدمه ليبعدها عنه... لكن الأريكة كانت فقط خالية و لا يعتقد أن تهديد كائن مثلها بمسدسه سينفع...على الأغلب ستعتقده مشطا سحريا أحضره لها كهدية قبل الزواج أو..

قطع عليه أفكاره صوت حركة قادمة صوبه فرفع رأسه ليجده الأخ التوأم الآخر يتقدم منهما ببطء شديد ..وجنتيه محمرة يعض عليها من الداخل و يعبث بحافة قميصه بتوتر خفيف...حتى أنه لاحظه يأخذ أنفاسا عميقة و يتمتم بين أنفاسه بشيء كما لو يشجع نفسه على فعل خطوة خطيرة جدا...

و لوهلة آزاريا اعتقد أنه مثل أخته سيفاجئه بحركة غير متوقعة أو يسحب مسدسا خلف ظهره و يتشقلب في الهواء...

لكن هذا الأرتورو حركته الخطيرة و الغير متوقعة و المدمرة للأكوان كانت أنه توقف قرب المسند الجانبي للأريكة بخجل و بعض التردد ثم قال له بهمس:

" أهلا.."

هذا كل شيء؟... هذا كل ما لديه ليقوله؟... استجمع شجاعته بأكملها ليقول هذا فقط ؟...

آزاريا كان محقا ..هذا الفتى أعجبه منذ البداية قبل أن يفعل شيئا أصلا...لذا أجابه و أخيرا بهدوء يقول نفس الشيء لعله يحفزه ليتحدث أكثر و يعرف عن نفسه :

" أهلا..."

على إثر صوته توقفت أديلينا عن التحدث و أخيرا و الشكر للرب و التفت لأخيها تمنحه ابتسامة قبل أن تعيد أنظارها لآزاريا و تتحدث مجددا للأسف الشديد :

" هذا أخي أرتورو...هو رائع لكنه لا يتحدث كثيرا لذا امنحه فرصة أطول و ستحبه...أنا و هو توأم لذا ولدنا مع بعض و على الأغلب هذا هو السبب في أنه رائع...ربما نقلت له بعض الروعة حينها لكن يظل أخي المفضل حتى أنه سمح لي الليلة بمشاهدة باربي و أحصنة الكريسماس بدل ذلك الشيء الغريب عن فيزيئا نوني و ..."

قبل أن تكمل أديلينا كلامها و للغرابة قاطعها أرتورو و آزاريا سويا يقولا :

" فيزياء نووية .."

هزت هي كتفيها كأن الأمر سيان عندها في حين الصغير نظر لآزاريا بأعينه الواسعة و خصلات شعره المرتبة و فتح فمه كما لو يود أن يسأله شيئا لكنه خجل فأمتنع و تهرب بأعبنه يعبث بالأريكة بأصابعه الصغيرة...

راقبه آزاريا بأعينه السوداء و أتته رغبة غريبة في لمس وجنته لكنه أخبر نفسه ألا يفعل و بدل ذلك أعاد انتباهه لأديلينا التي سألته قائلة بحماس لا يعلم من أين تحضره فهو شخصيا لا يتحمس حين ينظر لوجهه في المرآة بينما هي تنظر له كأنه أكلة لذيذة..

" هل يمكننا أن نطرح عليك بضعة أسئلة بما أنك ضيف هنا الليلة ؟..."

بدا السؤال مفخخا لمسامعه مع ذلك ضيق أعينه بشك عليها و أومأ في انتظار سماع ما ستقوله...حينها نظرت هي لأخيها تمنحه موافقة برأسها كما لو تأذن له بطرح أسئلة كذلك..

 و لوهلة أراد هو أن يصدر صوت سخرية من ذلك لكنها أوقفته أولا حين طرحت استفسارها :

" هل أنت متزوج؟ و هل تقبل الزواج بي ؟.."

لا يعلم لما لكن حين قالت شيئا متوقها منها لهذه الدرجة التفت الدوق لأخيها كما لو يستفسر منه عن سبب كونها غريبة هكذا ليجده احمر خجلا...

العالم مريب حقا...أخوها خجل عنها و شعر بالإحراج مكانها و هي لم تفعل بتاتا...لذا النظرية الحقيقية تقول أنها لم تسرب له بعض الروعة في بطن والدتهم...بل سربت له كل خجلها كفتاة و صارت هي فقط معطوبة الإعدادات...

كيف علق  بين ورطتين كهذه ؟... و هو يقول ورطتين لأن أديلينا لوحدها ورطتين فأخذت كل المشاكل عن عاتق أخيها و صارت لوحدها بجهاد و مشاكل توأمين دون أن تترك للآخر فرصة...

لكن تم إنقاذ الموقف حين همس أرتورو يطرح سؤاله بنبرة مترددة خجولة جدا :

" ما هي الرتب الملكية في دولة فرنسا عند آخر حكم ملكي لهم ؟..لم أستطع القراءة عن هذا بعد..."

هو كان محقا...هذا الفتى أفضل بكثير و سيفضل لو يعلق معه في جزيرة لو حدث أن انفجر بركان و دمر العالم...

❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄

في اللحظة التي رُكنت فيها سيارة وولف و قبل حتى أن تتوقف كليا كان هو قد فتح الباب بقوة ينزل بخطوات سريعة جعلت رجاله يعتقدون أن هناك شيئا خطيرا لكنه لم يتحدث معهخ و ام يسع أحدا لمرافقته و هو ما جعل الحرتس يتحرحون أماكنهم بغير راحة بسبب انعدام اوامر واضحة... خصوصا و أنه صعد سلالم المدخل بركض و هو يضع يده خلف ظهره كما لو يستعد لسحب مسدسه...

و الحقيقة كانت كذلك ..وولف كان يضع يدا على مسدسه خلف ظهره و بالأخرى دفع باب المنزل يفتحه بقوة...فكه منقبض و أعينه تبحث عن شخص واحد ينوي وضعه في قبر الليلة...

لكن في الثانية التي خطا فيها للداخل بخطوات سريعة يستعد لسحب مسدسه توقف فجأة مكانه عند مدخل غرفة الجلوس أين تتعالى أصوات ابنته تضحك فسارع بإبعاد أصابعه عن سلاحه كي لا تراه  و رمش للمنظر غير المتوقع الذي استقبله...

ما رآه آنذاك كان عدوه..الأحمق ديافول كان جالسا على الأرض ببذلته الملكية تلك أمام لوحة الشطرنج المبعثرة يشرح لأرتورو القطع و معانيها في حين أديلينا كانت بغرابة تتسلق كتفيه كقردة و تلعب بخصلات شعره الأسود تمشطها له...

مجددا رمش وولف يحاول إستيعاب ما يراه و أن عدوه وسط منزله يلعب مع أولاده...

و من شدة ما كان المنظر غير متوقع ظل هو مكانه هناك بغير حراك و نسي تماما قبضته على المسدس كونه أفلته تماما و ظل فقط يحدق أمامه ...

لكن لعل شيئا في دخوله المباغت المخالف عن خطواته الصامتة المدربة كان هو ما جعلهم ينتبهون له سريعا و أول من رفع رأسه كان آزاريا ينقل أنظاره له و سرعان ما لاحظ وولف أنه كانت هناك لمحة ابتسامة خافتة على وجهه سىعان ما اختفت ما أن نظر له...

و ككل مرة يلتقيان...الآن أيضا دخلا في جولة تحديق صامت يمنحان بعضهما نظرات خاوية و لو كان ديافول مرتخيا قبل أن ينتبه له فهو الآن بات عكس ذلك كليا...انقبضت عضلات كتفيه و اعتدل في جلسته يمد ذراعه لينزل أديلينا عنه كل هذا و هو لم يرمش بعيدا عنه كأنه استوعب توا موضعه و هويته...

منحه وولف نظرة باردة تحمل مشاعر قاسية حين رأى ولديه حوله كأنه يلومه على تجرأه الدخول هنا و لمس أبنائه حتى و ذلك لم يعجب الشيطان هناك...لم يعجبه بتاتا ..فرغم صمته إلا أنه ضغط على كفيه المغطيتان بقفازات سوداء جلدية ...

و لحسن الحظ آنذاك تدخلت أديلينا تكسر النظرات المظلمة بينهما حين ركضت نحو وولف بسرعة بابتسامة سعيدة و صوت أقدامها الصغيرة يُحدث طرقات قوية على الأرضية من شدة ركضها...لكن قبل أن تصل له و ترتطم به كان وولف قد أبعد أعينه عن عدوه و انحنى صوبها يمسكها بخفة يحملها من على الأرض يشعر بها تلفةذراعيها حوله بعناق قوي تقول بسعادة تكاد تفوح منها عطرا :

" عدت مبكرا اليوم  أبي...لقد اشتقت لك كثيرا حتى أنني رفضت تناول الكعك اشتياقا لك..."

و رغم أن وولف ليس في مزاج جيد و رغم أن عدوه أمامه بأمتار فقط  إلا أنه لم يستطع ألا يضع قبلات متفرقة على وجنتها يجذب أعينها نحوه حين أخبرها و هو يضيق أعينه عليها :

" لكنني رأيت لسانك...هو بنفسجي...أنتِ تناولت الكعك.."

اتسعت أعين أديلينا بتفاجىء و سارعت تسحب لسانها تمسكه بيدها كمحاولة فاشلة في تفقد لونه مما سمح لوولف حقا أن يرى لونه دون أن يطلب ذلك منها...

لسانها لم يكن بنفسجي حقا...هو فقط يعبث معها..

و أديلينا كونها أديلينا استغرقها الأمر عدة ثوان لتستوعب أنه خدعها و انها لم تحتج للدفاع عن نفسها اصلا دامت لم تتناول الكعك...و حين فعلت عبست تضم يديها لصدرها مما جعلها ظريفة أكثر فابتسم وولف إبتسامة تكاد لا تُرى قبل أن يقبلها من وجنتها مجددا ثم قبلة أخيرة على أرنبة أنفها و أنزلها أرضا ...

تلك كانت اللحظة التي قررت فيها والدته دخول المكان و هي تحمل منديل المطبخ في يد و ملعقة خشبية في الأخرى فسارع آزاريا يقف مكانه ينفض غبارا وهميا من ثيابه و ظهرت ابتسامة جانبية على ملامحه جعلت وولف غير مطمئن لها بتاتا...

من خلف ميا أتت مارينا كذلك تتقدم و من وقفتها الهادئة الصامتة و طريقتها في منحه نظرات معينة علم أنها كانت تتكفل بالموضوع في غيابه و ذلك كان الشيء الوحيد الذي جعل بعضا من ضغط عضلاته يخف و منحها إيماءة خافتة لم ينتبه لها أحد سواها...

" وولف...من الجيد أنك أتيت في الوقت الملائم  ...للعشاء و لتلتقي بشخص آخر مهم..."

قالتها أمه بنبرة متحمسة كما لو أنها تملك في جيبها الشخص الذي سيمنحه أكبر سعادة في العالم و نظرا لأنها تقصد ديافول فلا شيء مرتبط بالسعادة في إسمه...و لعلها تعتقد أنه لم يره بعد كونه لا يزال يقف عند الباب...

من الجيد إذن أنها لم تره حين دخل و يده على المسدس ينوي قتله...فما منعه كان أمران...صوت ضحكات أديلينا و منظر أرتورو جانبه...و هذا القاضي هنا ..إن كان هناك شيء محرم في سجلاته فهو جعل ولديه يريا أشياء مؤذية..كالدم و الأسلحة و من أجلهما سيوقف قنبلة بيديه و في هذه الحالة القنبلة كانت علاقته هو و ديافول التي ستنفجر في أية لحظة ...

طبعا وحده من كان يرى الأمر من هذه الزاوية...فآزاريا أحب تماما حقيقة أن والدته تجهل كل هذا بل و ابتسامته الجانبية إن دلت على شيء فسيكون استمتاعه بما يجري خصوصا حين و بعد حديث ميا تقدم هو نحوه كشخص قادم ليمثل دوره...

و للحقيقة وولف ظل ينظر له بأعينه تلك بترقب و دون حراك يراه خطوة بخطوة يسير نحوه و يكاد يقسم أن أمه تكاد تقفز حماسا و ترقبا للحظة هذه معتقدة أنها لحظة اتحاد صديقين بعد غياب طويل...

توقف ديافول أمامه و مجددا توقفت نظراتهما على بعض...لم يكن يتوقع حركته القادمة  و لم يكن يفكر في شيء عدا التدر لوجهه الذي يود ضربه لكن دون أي ثانية فاصلة تسمح له بالإستيعاب و من حيث لا يتوقع قطع ديافول المسافة بينهما و عانقه..

لقد تجرأ ابن العاهر و عانقه و حركة كتلك أخذت وولف على حين غرة كمن سحب بساطا أسفل قدميه لذا من المنطقي أنه تجمد و انقبضت عضلات جسمه مكانها يشعر بديافول يربت على ظهره  بقوة كأنه اشتاق له و لسبب مثير للشفقة حبس وولف أنفاسه لثوان...

و في لحظة ضعف أوشك على رفع أيديه يبادله العناق لكن توقفت أيديه مكانها يغلق القبضة عليهما يمنعهنا من التمرد و بذكر نفسه أنه ليس الفتى الصغير...أنه صار بطوله و أنه صار الوحش الذي أرادوا منه أن يكونه...تماما مثله هو...

لذا رفع أعينه من على كتف آزاريا و وقعت مباشرة على مارينا التي كانت تراقب الأمر بهدوء و ملامحها مبهمة بإتقان...و لطالما فعلت هذا...دوما تمتنع عن منح رأيها في علاقته بالوغد...لا تمنحه إشارة لقبولها أو لرفضها تترك زمام الأمور له...لكنه الآن في لحظة فاصلة فقد فيها زمام الأمور في عناق غبي...

لكنه لم يكن الوحيد في هذا...فالدوق الإيطالي كان يربت على ظهره في عناق قوي خارجيا لكنه من الداخل شعر برجفة في أضلعه جعلته يكره نفسه لهذا و في نفس الوقت ابتلع ريقه يحاول محو ألم تشكل في حلقه...

 لثانية هناك شعر بالإمتنان لقفازاته الجلدية التي تخفي رجفة أصابعه...و أغمض أعينه بقوة يمحي ذكريات تحاول التصاعد لكل مرة عانق فيها نايت داخل الآيفا و شعر به يبادله العناق على عكس ما يجري الآن...

في اللحظة التي اكتفى فيها آزاريا و فتح أعينه السوداء التي حملت عواصف مبعثرة تعكس مشاعره أراد أن يتحرك للخلف ينسحب من العناق لكنه توقف حين شعر بوولف يحمل يديه و يبادله العناق و أخيرا و يكاد يقسم أن طريقته في التربيت على ظهره كانت بنفس الوتيرة و الطريقة التي اعتاد أن يعانقه بها في صغرهما...بذلك الدفء ذاته...

مما جعل ألما ينغز قلبه حتى و هو يسمعه يهمس له عند كتفه بالإيطالية :

" سأقتلك..."

ظهرت إبتسامة على ملامح الدوق مناقضة للنظرة الغريبة المنكسرة في أعينه و هو يجيبه :

" ذلك شاعري جدا أخي..."

و بهذا فقط أعاد ارتداء قناعه يخفي كل حقيقته و ضعفه و انكساره من وجهه و ينسحب من العناق يُري نظراته المزيفة الخاوية لأخيه دون أن يزيل أيديه من على كتفيه يتبادل كلاهما نظرة واحدة عن أنهما سيمثلان الليلة سويا كما اعتادا أن يفعلا حين يقوما بمهمات تجسس على عصابات أزقة إيطاليا...

لذا حين وقف آزاريا بابتسامة واسعة بارعة جانب وولف يعانقه من الجانب بذراع واحدة كعناق أخوي يلتفت لميا التي راقبتهما بابتسامة سعيدة و القلوب تتطاير من أعينها تكاد تنصهر من لطافة المنظر...خصوصا حين أكمل وولف التمثيلية على والدته و لف ذراعه على جذع الدوق كذلك يبادله العناق الجانبي و هما كتف لكتف كما لو يخبرانها ' أترين ؟.. نحن إخوة و أصدقاء حقا ..'

ربما بالنسبة لها كان هذا الننظر اللطيف نادرا نظرا لأن وولف لم يسبق أن أحضر شخصا من ماضيه لهذا المنزل و عرف عائلته عليه...لكن لا شيء لطيف هنا...لأنه في هذا العناق الجانبي وولف استغله ليلمس ما خلف بذلة آزاريا يبحث عن أساحة يحملها الوغد أسفله و آزاريا فعل نفس الشيء حين لمس مسدس وولف يحدد موقعه خلف المعطف بالضبط...

آنذاك ابتسم لميا و دون أن يزيل أعينه عنها همس لوولف قربه :

" لا تحاول...أنا لا أضع أسلحتي أين يمكن الوصول لها أخي...على عكسك أنت..."

نظر له وولف بجانبية لوهلة قبل أن يجيبه :

" لا يمكنك الوصول لمسدسي حتى لو حاولت.."

اتسعت إبتسامة آزاريا و نظر له بلمعة تحدي في أعينه السوداء :

" هل تراهن؟.."

" لن أضع بنسا واحدا في شيء تافه مثل جيبك.."

" يقولها الشخص الذي يضع لوحة بمليون يورو في غرفة جلوسه..."

" تلك اللوحة أجمل من وجهك لو رصعته بالذهب..."

" هل تقول هذه العبارة لنفسك كل يوم في المرآة ..."

" يقولها الشخص الذي لا يملك مرآة في بيته...ألا تخشى أن يفر الأطفال من وجهك البشع كل مرة تخرج للشارع..."

" أديلينا لها رأي مخالف...لقد عرضت علي الزواج...يمكنك أن تبكي على حقيقة كهذه لما تبقى من حياتك .."

و مجددا فعل وولف نفس الحركة غير المتوقعة حين قلب أعينه بملل يهز رأسه يتمتم بشيء بين أنفاسه يدفع إبتسامة الدوق لتتسع أكثر دون أن ينتبها اصلا لما يفعلانه...

 على عكس ميا التي راقبت ذلك بانبهار كأنها تشهد شيئا عجيبا و نادرا جدا و لم يزدها ذلك سوى إعجابا بآزاريا تنظر له كأنه معجزة حدثت لها اليوم...

أما مارينا فقد كانت صامتة و أعينها العسلية تحاول تحليل ما يجري و ما يُقال...فمجددا حركة شفاههما كانت غير مفهومة و لن تستغرب إن كانا يتحدثان بلغة مغايرة كليلة الحفلة...

مع ذلك الأمر غريب...كانت تشعر أنه كل مرة يفتح آزاريا فمه ليتحدث يحدث تغيير في لغة جسد وولف كما لو أنه ينسى من هو و ينسى أنه عدوه..هذا كان يشوشها لكنها لا تزال عازمة على عدم التدخل و الاحتفاظ برأيها لنفسها..

لذا ألقت نظرة سريعة على الأطفال لتجد أرتورو بوجنتين محمرتين يراقب من الأريكة لقاء والده و آزاريا كمن يرى شيئا ما لأول مرة في حين أديلينا كانت مشغولة بالجلوس بطريقة غريبة و أقدامها في الهواء تشاهد التلفاز مجددا بطريقة مقلوبة...

و لأن ميا بدت غير مدركة لخطورة ما يجري و خطورة الشخص الذي أحضرته للمنزل ...كانت مارينا تأمل أن يفعل آرثر نفس الشيء حين ينزل من الأعلى و ينتهي من قراءة كتابه على صوت الموسيقى...

فهي رغم عدم رغبتها في تواجد الدوق هنا إلا أنها لا تود منهما أن يشكا به أو يشكا بماضي الآيفا فذلك سيقلب حياتهما حرفيا...لذا على هذا العشاء أن يمر بخير ريثما يتولى وولف هذه المشكلة و يُخرج آزاريا من المكان أو على الأقل يعرف سبب مجيئه...

لا تصدق أن هذا حدث..من بين كل الأمور التي كان بإمكان آزاريا فعلها قام بهذا..القدوم لِعقر دارهم..

❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄

" لم أكن على علم أن وولف له علاقة بشخص من العائلة الحاكمة!.."

بنبرة متعجبة تحدث آرثر سييرا و هو يترأس طاولة العشاء و شيء في أعينه حمل الفضول قليلا لكن بعض الشك كذلك...

كان على يساره من الجانب الآخر وولف و مارينا و الصغار و على هذا الجانب جلست ميا و هو جانبها...لذا كان من السهل عليه النظر له بنظرات ثابتة غير متأثرة بالشك الذي غلف ما قاله...بل بثقة أمير إيطالي أجابه :

" وولف لا يغير من عاداته سيد سييرا...لا يخبر أحد شيئا عنه..اعتاد أن ينام على جانبه الأيسر دون حراك لساعات فقط لأنه اعتاد على الأمر.."

عند  كلامه ارتخت التقضيبة في جبين آرثر و رمش بتفاجىء كأن المعلومة هذه حقيقية و أن يقولها آزاريا تعني أنه فعلا يعرف ابنه جيدا لدرجة يحفظ عاداته...

و نجح الأمر في دفع ابتسامة تكاد لا تُرى  لتزين شفاه الدوق برضى...

الأمر سهل جدا...هذه الأمور و الأحاديث هي أشياء روتينية...لقد تربى على فعل هذا و مراوغة الملوك و الأمراء المدللين و خداعهم بتمثيله...الأشخاص العاديين أشبه بقضمة من قطعة كعك...

" من المؤسف أنك ستسافر سريعا..لم تسنح لنا فرصة التعرف عليك أكثر..."

هذه المرة تحدثت ميا من جانبه و هي تفتح المنديل تبسطه على حضنها تزم شفتيها كما لو أنها الوحيدة حقا التي ستحزن على حقيقة عدم رؤيته مجددا..و لوهلة دفعه ذلك لينظر لها بغرابة لعدم توقع الأمر ...

لكنه تفادى ذلك سريعا حين شعر بوولف و مارينا يرفعان رأسهما يحدقان به...لذا ابتسم يضع أعينه على أعين القاضي و يخبره بنبرة تحمل معنى مغاير :

" هذا مؤسف بالفعل...أنا لن أقدر على القدوم  هنا مجددا..."

ما كان يعنيه طبعا أنه لن يكون قادرا على دخول المنزل هذا مجددا...اختراق أمن أرض السييرا يحدث مرة واحدة و الوغد بعد الليلة سيضع وجهه في اللائحة السوداء و سيحذر كل رجاله منه ليمنعوه من الإقتراب من أفراد عائلته أو من أراضيه...لذا الليلة كانت فرصته الوحيدة ...

و وولف فهم قصده..فهمه جيدا لأنه منحها نظرة جادة و هو يمرر إبهامه على فكه ...

قطع مستوى نظره و جولة التحديق بينهما الخادمات و هن يضعن الطعام على الطاولة فحمل آزاريا المنديل يفتحه على أقدامه لينتبه بعدها أنه لا يزال يرتدي قفازاته و هذه حركة لم يحسبها جيدا...لم يفكر في موضوع أيديه و من غير اللائق ارتداء القفازات في العشاء...

لذا انقبض فكه و حدق بأيديه لثوان قبل أن يرفع رأسه يمثل عدم الاهتمام يخفي مشاعره جيدا ثم نزع قفازاته واحدة تلو الأخرى ببطء شديد يأمل ألا ينتبه أحد له ...

لكن للاسف و قبل حتى أن يضع قفازاته على الطاولة جانب كأسه حتى شعر بميا تمسك أيديه بشهقة خافتة جذبت الأنظار له و ليديه...

كان يرتدي ضمادات طبية بيضاء تلف كفيه بالكامل لكنها ملطخة ببضع نقاط حمراء للدم تدل على انفتاح جروحه من جديد ...

لكنه لم يحب الاهتمام و النظرات عليه لذا منحها إبتسامة لم تصل لأعينه و حاول سحب أيديه منها يخبرها :

" لا شيء خطير...تعرضت لحادث بسيط و الأمر غير مهم..."

لم تعر ميا ما قاله اهتماما لأنها أمسكت أقرب خادمة لها و حدثتها :

" بعد العشاء أحضري لنا علبة الإسعافات و مرهم الأعشاب الذي اتركه للطوارىء..."

أومأت الخادمة لها تغادر و حين فتح آزاريا فمه ليعترض التفتت له من جديد و قطعته بنظرة حازمة يملأها الاهتمام الصادق:

" لا بد أن الأمر مؤلم لذا سأساعدك في الطعام..."

رمش آزاريا بتفاجىء حقيقي لا يستوعب ما يحدث و رأى  كيف أفلتت يده برفق رحيم و بدأت تسكب الطعام في صحنه و حملت الشوكة تضعها بين أصابعه بخفة و لطف كأنه طفل صغير ...

كان الشيطان يراقب ذلك بقلب ينبض بقوة و لم يستطع سوى أن يبعد أعينه عنها سريعا ليخفي النظرة التي ظهرت هناك   يبتلع ريقه و يمثل انشغاله بمراقبة الأكل في صحنه...

على الجانب الآخر من الطاولة وولف لم يرمش و لو لثانية ..

كان يرى أمه تتمتم لديافول بأسماء الأكلات بلطف تعامله كإبن لها و تمسح على يده المجروحة في حين هو كان يخفض رأسه كي لا يرى أحد ملامحه..لكن بالنسبة له هو يكاد يقسم أنه يشعر بأمواج ألم صادرة منه...

لقد حدث نفس الشيء مع وولف سابقا...بعد سنين من جحيم الآيفا يصبح مؤلما اختبار مشاعر كهذه و معاملات أمومة مليئة بالحب ...وولف اختبر الألم و الصدمة من تلقي الحب قبل ستة عشر سنة أما ديافول فكانت هذه مرته الأولى...

لم يدرك وولف أنه كان يضغط على كأسه بقوة أثناء مراقبته لملامح آزاريا و جراح يده حتى وضعت مارينا يدها على قدمه تربت عليها فرمش ينقل نظراته نحوها و لكيف منحته إيماءة هادئة أعادته للواقع و جعلته يضع كأسه جانبا...

راقب آرثر باهتمام  زوجته و هي تعامل الضيف كأنه فتى صغير لذا ابتسم و عبر عن ملاحظته لميا :

" عزيزتي...إنه ينزع الذرة من صحنه لذا توقفي عن وضعها له..."

ملاحظة بسيطة عفوية منه جعلت ززلف يتجمد مكانه و بنقل أعينه لصحن آزاريا ليتأكد...

لقد اعتاد الوغد أن يحب الذرة ...كان مهووسا بها و يأكلها كل الوقت وبكل الأشكال...حتى في مهماتهم في الأزقة اعتاد سرقة الذرة ليتناولها كمقرمشات في الطريق...كات يحفظ اغاني أطفال لعينة عن ااذرة و يغنيها أثناء استحمامه يزعجه بها طوال اليوم...لونه المفضل كان الأصفر فقط  لحبه للذرة... كما أنه قضى ليال طويلة في الآيفا في صغره يطالع مقالات عن ظراعة الذرة...

ديافول لم يكن يحب...ديافول حين يحب شيئا كان يُصبح مهووسا به دفعة واحدة...لا يعترف بشيء إسمه مراحل العشق...كان من الحب ينتقل للهوس في كل شيء...إما كل شيء أو لا شيء...

 أما الآن فكان ينزعها من صحنه حبة بحبة كأنها تحوي جرثومة خطيرة و القاضي فقد شهيته في تناول الطعام فجأة خصوصا حين سمعه يقول بهدوء شديد يرفض رفع رأسه من صحنه:

" أنا أكره الذرة ...تؤلمني..."

لنبرته ضغط وولف على قبضته بقوة يتزقف عن الأكل في حين مارينا و من بين كل من في الطاولة وحدها من كانت تفهم ما يجري بينهما حقا...

هذا كان عتاب أخ لأخيه و ليس عدو لعدوه...

آزاريا بات يكره الذرة لأنها تؤلمه...ذكرياتها تؤلمه...لأنها جمعته يوما بوولف في صغرهما...

و الآن تحول العشاء لشيء أكبر من مجرد عشاء...الماضي وقف عالقا في الطاولة و هي لا تدري ما يحدث...

هل هذه حرب أعداء أم حرب إخوة ؟..

ما الذي يجري بحق الرب هي باتت لا تفهم شيئا ..؟

🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬

فصلين في نفس الليلة قل سبحان الله قبل أن تغادر 😂😂

نهاية الفصل كانت لطيفة لأنها طلب اعتذار مسبق مني على قفلة الفصل القادم التي ستقتلوني بسببها 😂😂

المهم و الأهم😩😩 اشتقت لكم و ربي خذوا قلبي😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭

الرواية مليوني مشاهدة و صدقا لا كلمات تصف الشعور....أحس أن القراء صار عددهم كبير جدا و هذا يأتي مع ضغط أكبر خصوصا أن الرواية لم تكتمل بعد و حققت هذا العدد 😩😩

نعود للفصل حتى لا أطيل عليكم 🤭🤭

حركة وولف و الملك😂😂 آزاريا يضرب من جهة و وولف يضرب من الأخرى ...أحب كيف أن لعبهم لعب كبار😂😂😂

أوناي انصدم في عيشته ..اعتقد أن وولف لطيف😢😢

لا يعرف أن مفهوم وولف في اللطافة مغاير😂😂😂

آزاريا استخدم ضربة أخرى و وصل لميا 🙂🙂🙂🙂🙂🙂 أحس أنكم كرهتموه بعد هذا🗡🗡

لكن على الأقل استطعتم ررية صغار وولف مع عدوه😭😭😭😭😭😭

أديلينا و أرتورو التقيا بشخص كان بالإمكان أن يكون عمهما في الماضي لكن القدر له مخططات أخرى 😭😭😭😭😭😭 دموووع

أديلينا حدث و لا حرج...إن كانت هناك فتاة في العالم قادرة على صدم عدو والدها فهي أميرة السييرا دون شك😂😂😂

وولف و آزاريا 😩😩😩😭😭

العتاب الصامت😩😭😭

لا أهتم بما تقولون لكن الدوق يظل واحد من شخصياتي المفضلة 😩😩😭 يمثل المأساة عندي و هذا أقرب وصف له😭😭

السؤال المطروح :

حسب رأيكم لما أتى لمنزل وولف بالضبط؟..

و هل الحرب بينهما حرب أعداء أم حرب إخوة؟..

آمل أن يكون الفصل قد أعجبكم يا رفاق 🤭❤

نلتقي في الفصل القادم بحول الله...

خذوا قلبي قطعة بقطعة😭😭

Continue Reading

You'll Also Like

1.2M 95.9K 77
‏لَا السَّيفُ يَفعَلُ بِي مَا أَنتِ فَاعِلَةٌ وَلَا لِقَاءُ عَدُوِّيَ مِثلَ لُقيَاكِ لَو بَاتَ سَهمٌ مِنَ الأَعدَاءِ فِي كَبِدِي مَا نَالَ مِنَّيَ م...
60K 5.3K 24
"بكل قوة لنجمة ميته سوف اجدك إن كنتِ قريبة او بعيدة اينما كنتِ"
33.6M 1.9M 47
اثناء دوراني حول نفسي بالغرفة بحيرة انفتحت عليه الباب، اللتفتت اشوف منو واذا اللگه زلم ثنين طوال لابسين اسود من فوك ليجوه وينظرولي بأبتسامة ماكرة خبي...
2.3K 93 13
الجميع يقول الصدفة جمعتنى بكى وانا اقول الجريمة جمعتنى بكى الجميع يقول احببت هذه الصدفة لانها جمعتنى بكى و انا اقول احببت هذه القضية لانها جمعتنى...