عاشقة في الظلام

By _ibriz_

20.5M 714K 1M

لم يكن بزعيم مافيا و لم يكن الدون أو الزعيم على الإجرام...بل كان شيئا مختلفا...هو كان قاضي المافيا...كان الرج... More

هل أنت قاتل ؟
Part 1 : رُويْ (Roy)
Part 2 : بين الظلال
Part 3 : توقيع بإسم الحب
Part 4 :ألم عاشقة
Part 5 دمعة الحب
Part 6 مشكلة قلب
Part 7 هيوغو آندريس
Part 8 قوة الحب
Part 9 ظهور الروي
Part 10 إشتياق
Part 11 خسارة عظمى
Part 12 سِرٌّ مقابل سِرّْ
Part 13 الملكة والشطرنج
Part 14 مخالب أنثى
Part 15 إرمي أوراقك
Part 16 تسديد دين
Part 17 ابتسامة قاتلة
Part 18 معجزتكَ
Part 19 قانون التسعة
Part 20 شبح الماضي
Part 21 تناقضكِ جذاب
Part 22 ميلادها
Part 23 أسطورة العشق الأولى
Part 24 قاضي العالم السفلي
Part 25 تمردات العشائر
Part 26 قلب الوحش
part 27 جريمة حب
Part 28 أورلوف
Part 29 مَلِكُ الْجَحِيم
Part 30 القفص الذهبي
Part 31 دوق إيطالي
Part 33 صرخة الموتى
Part 34 جريمة الليل الأولى
Part 35: حب على الصّليب
Part 36: الإرث الأسود
Part 37 :حين يصطاد الملك
Part 38: أميرة وسط الذئاب
Part 39 : الرقص مع الشياطين
Part 4×10 : الرابع من أكتوبر
Part 41: كأس الملك
Part 42 : دم على ثلج
Part 43 : Heikō
Part 44 : فخ منتصف الليل
Part 45 : موعد مع الأميرة
Part 46: الثور في إسبانيا
Part 47 : الأمير و الأميرة
Part 48 : الوريث الحقيقي
Part 49 : النهاية
الخاتمة
فقرة الأجوبة عن الأسئلة

Part 32 خنجر في يد ملك

411K 12.3K 22.7K
By _ibriz_

كنت حديقة الملح ...

و أنا مشيت نحوك حاملا كل جراحاتي...

...............................................................................

عاد آزارِيا للخلف قليلا دون أن يزيح أعينه عنها بعد أن نطق جملة امتصت مرارتها من الروح ما تمتصه البذرة عطشا من أرض دموية..

العشق...كان ضريح عبادة لم يجدر بشيطان مثله أن يصعد نحوه ..فالشياطين لا يجب تعميدها لأنها إن ارتبطت بروح عدا الجحيم سينتحر ملك الرقعة..ذلك لأن القلوب ترتبط بديانة روح واحدة...لهذا لم تنظر له ملكته يوما...و حل لعنة ارتباط الأرواح ليس رش المياه المباركة...سيكون عليه رش دماء وحوش قدمت معه من الجحيم...

ملكته كانت ترتكب خطأ فادحا...الجلوس على طاولة مع الألم..حيث جلس هو قبلا و رأى الوجبة التي يتم تقديمها وكيف أنها خناجر لقطع شريان القلب و سكاكين لفصل الروح و العقل....كان يعلم أنك حين تنهي وجبتك على تلك الطاولة سيتحتم عليك شرب دموعك و الثمالة بها...و أنك حين تحمل منديلا فلأنك ستمسح به آخر قطرات من نفسك...و بعدها حين رفع الوجبة سيأتيك أحد ظلال الألم و هو الجنون ليسحب كرسيك من أجلك و يخبرك أن تنام في أحد غرف قصرهم الموقر...غرف عشق في الظلام..

الشيطان اعتاد على عرش لوحده بين النيران...فكيف يشاطره الألم وجبة و غرفة ؟...الحقيقة أنه جلس على تلك الطاولة حاملا تصريحا ذهبيا خاصا بلون أعينها...جلس على تلك الطاولة مرتديا جلد شيطان أحمر كلون شعرها..و أنه حين جلس عزف لنفسه صوتها حتى لا يسمع أنين الألم 'سيد الوليمة'...

فكيف لها الآن أن تنظر له بنظرة عشق الظلام تلك و التي لم تكن من أجله ؟ كيف لها ألا تخفيها لأول مرة عنه كما جعلته يعيش أعمى عن ذلك لسنوات ؟...أتراها وصلت فائضا من العشق فلم تعد براعة تنكرها كافية لتخفيه؟ ..

ذلك جعل الدم داخله يفور و أخفى ذلك من خلال النظر لها بملامح بدت ثابتة و نظرات سوداء جعلتها تحدق به بصمت كذلك ثم أبعدت نظراتها عنه و قالت بهدوء :

" و ما الذي يجعلك واثقا من ذلك آزاريا ؟..هل تختلف نظرة عشق الظلام عن عشق النور؟..."

كان سؤالها ليس فقط بسبب ما قاله آزاريا...حتى إيرا فاديتا رأت ذلك و ألكانتارا رأى ذلك...تود أن تعرف هل هناك شيء في أعينها يجعل المرء يكتشف عشقها ؟...أما أعينها فهي تتأكد يوما عن يوم أنها خائنة ...ترفض قول حقائق عدا حقائق القلب...

آزاريا كان الآن يجد نفسه في دوامة لم يحبها...أن يتحدث معها عن الحب لرجل آخر كان شيئا يجعله يود وضع رصاصة في رأس القاضي....و رصاصة في رأس القدر...

كان يشعر بفكه منقبضا لذا مرر أنامله عليه ماسحا ذقنه كمن يحاول الطبطبة على منطقة تؤلم...ثم أجابها و هو يحدق بها :

" من رأى العشق يميز نظراته و يميز ألوانه...أعينك ضائعة و الحب من المفترض أن لا يتظلل تحت شجرة الضياع و المتاهة...لذا أخبريني ما يحدث ؟.."

ما الذي يحدث؟...

أيصف المرء دوامة كالتي هي فيها...؟ كانت تنظر لكرة الحب تلتف و تتدحرج حولها لتقودها نحو حفلة تنكرية...كان الحب كالحياة كروي الشكل...كلما تهرب منه يلتف بدورة ليلتقي بك نهاية المطاف و تعيد أنت و هو نفس اللعبة ... هي لا تود لحبها أن يكون رقصة لحفلة تنكرية...الأقنعة في الحب كانت تخيفها...قناع الكذب الذهبي و قناع الوهم الفضي ... ألوان لم تدرك أنها ابتعدت عنها سوى حين زينت وجوه الحب ...

ما هي فيه الآن يشبه أمواج البحر...حب تم نسجه من أمواج بحر هائج...لا تدرك إن كان تصادم الموج بالصخر هو طريقة مواساة و التحام أم أنه نحت عظيم ...

و عيشها في قصر جليدي طوال حياتها جعلها تدرك أن احتواء البرودة يكون بالغلق عليها....و لاحتواء الحب يلزمه مساحة مغلقة بين قلبين دافئين...مساحة لا يدخلها هواء بين شقوق الأحاديث...و لا طرف ثالث....

آزاريا كان صديقا...لكن حبها لوولف ليس نقاشا مع صديق ..كان خاصا بها و دوما لا تبوح به مباشرة...تتركه معلقا في الهواء كسؤال عن اللانهاية و النهاية مع أي شخص...

لم تبح به لزعيمة فاديتا علنا و لم تبح به لألكانتارا علنا...كانت تلتف حوله و حول حقيقته كأم تحاول حماية جنينها من رياح الشتاء الذي يعض...

لذا راوغته و هي تبتسم له بهدوء إبتسامة لعلها لم تصل لأعينها كون آزاريا و صراحته أشبه بورقة فائزة فوق كل نقاش...يصر دوما على رمي الأوراق الرابحة صديقها الدوق هذا...ثم قالت له بهدوء و هي تنظر له هذه المرة حارصة ألا تجعل أي نزيف أعين يظهر ...فكل لعبة يلعبها إثنان :

" بعض العواصف لا تأتي لتدمر آزاريا...بعض العواصف تأتي لتزيل غمامة تسكن مدينة عاشت أسفل الحياة أكثر مما تستحق...."

العاصفة الأولى كانت عاصفة مشاعر قبل يومين..مارينا تعتبره أول اختبار لحبهم و ان كان سيصمد ...

أما الثانية...فكانت عاصفة تخص مارينا لوحدها..و هي ما مرت به في اليومين الماضيين...عاصفة لم تنجح في قتلها و لا مس قلبها...هذا تدركه جيدا...لكن بعض الشظايا كان لا بد و أن تلمس قفص القلب فتخلف خوفا كالذي جلس في ركن من أركان قلبها المظلم...سحبه كان أشبه بسحب صغير من محل سكاكر صعبا و لكن غير مستحيل....

الخوف يحب أن يقتات على الحب و ينهش من لحمه كما تقتات الضباع على جثث الأسود...كأنها حين تلطخ أنيابها بدم ملك الغابة تكون بذلك انتصرت على حكم بأكمله و كأنها ارتدت تاجا لا يليق بحجم رأسها...لكن التاج صنع من الأساس للأسد و للحب...

كان آزاريا سيدون كلامها في كتاب قلبه كما يفعل دوما و كما يدون كاتب عدل أمور قضاء القلب...لكن رائحة الحب في صفحة هذا الكتاب و آثار الإحتراق في نهاية الورقة و التي كانت من لهب الحب ..لم ترق له بتاتا...كيف لرجل أن يضع في قلب إمرأة يحبها وسام رجل آخر ؟...أهذه طريقة السماء في وضع الملح على نذوب الشيطان ؟...ألا يعلمون أن الملح على جلد الشيطان شبيه بالوقود على حافة النار ؟...لا يردعه بل يصنعه....

لهذا رأى أن اللعب على الحافة لم يكن طريقته مع وضع كهذا...ليس الآن إطلاقا ...و بالتالي شبك أصابعه أين كان يظهر خاتم عائلته الملكية و حدق بها بجدية راميا الحقائق :

" وولف سييرا....تزوجت بقاضي العالم السفلي إذن ؟..."

لم تكن هذه عبارة قد يقولها أي دوق أو أي شخص من عائلة ملكية...الإجرام لم يكن يوما طبقا يقدمونه على طاولات الذهب خاصتهم...كانوا يعلمون بأنه تم طبخه لكن لا يضعونه على لائحة الطعام....

لذا حين رفعت مارينا حاجبها بقليل من الدهشة دون ردة فعل كبيرة محاولة أن تترك ما قاله يحتل القليل من مساحة المكان و ربما تمنحه فرصة ليبرر ما قاله دون حاجتها هي لمنح جواب فوري متسرع على موضوع كهذا...

آزاريا فهم ذلك...و مرة أخرى لم يتردد في منحها الصراحة بجدية و بنظرات قاسية وسط حديث يجرح من صدقه أكثر من حدة أعينه :

" نحن نعلم ما يجري...لا ننطقه كي لا نمنحه واقعية أكثر مما اتخذه في عالم غير واقعي لينافس النور... من تزوجته يا أميرة هو رجل عبث بإسبانيا و الكثير حولها و لست الوحيد الذي يريد اختفاءه ..."

هذا جعل مارينا فجأة ترفع كتفيها وتتحول ملامحها للجدية  و هي تنظر له بأعينها التي بدت داكنة كأن ما قاله جعل نوعا من الدفاع داخلها يستشعر الخطر تجاه زوجها...كأنه هددها حين قال ما قاله...

فهمت تماما ما يلمح له ...و أن العائلات الملكية أو من يحكمون القانون يعلمون بما يجري أسفلا...لكنهم يدعون غير ذلك حتى لا يمنحوه مصداقية الظلام الذي يحاول به إطفاء نور عالمهم...

كانت تعلم أيضا أن وولف شخص على لائحة القتل للكثيرين ملوكا في العالم الأسود...أم ملوكا على العروش الحقيقية ...لكن قول ذلك عن أسد يجعل مخالب اللبؤة تقاتل للخروج...

قبل حتى أن تتحدث تابع آزاريا بنفس الجدية دون أن يزيل أعينه عنها و دون أن يغير من جلسته الخاصة بدماء حاكم :

" هذا هو ما جعلني أدرك أنك في الجانب المظلم للحب...لأن عمى المرء هو عرض من أعراض حمى الحب... و كنت أعتقدك شخصا لا يمرض بسهولة يا أميرة روسيا..."

بالنسبة لآزاريا كانت محاولة سحب الحقيقة منها...فقوله أن مارينا على الجانب المظلم ليست سوى طريقته في التعبير عن أنه يمقت وولف بالضبط و ليس الظلام...فالحقيقة أن آزاريا كان من الظلام أيضا...و ما يريد فعله هو جعلها تتراجع لآخر مرة عن اختيار القاضي بالذات...فهو سيضرب ضربته على أية حال...

و مارينا الآن أثناء تحديقها به لاحظت أن نظرة أعين آزاريا تشبه أصابع الإتهام التي يتم توجيهها ناحية ساحرة يتم حرقها مصلوبة وسط قرية من الضلالة...مصر هذا الدوق على محاولة سحب الحقيقة منها كما يسحبها من أعين البشر حوله ...و مصرة هي على عدم النطق بقسم الإعتراف...

الأمر مع آزاريا أنه بقدر ما يشبهها بقدر ما لا يشبهها...وولف كان يشبهها و في هذه اللحظة بالذات أدركت أنه حتى للتشابه أنواعا...تشابه يطابق الروح وحدها و تشابه يطابق الفكر وحده ...وتشابه يطابق كلاهما ....الأخير هو المختار و الأخير هو قاضي محكمة قلبها...

لذا هذه المرة و مع تصاعد الأحداث و تصاعد قراراتها و اكتشافها لطريقها وسط العاصفة وجدت نفسها تبتسم فجأة بهدوء و تخبره :

" لما تقولها كأنها خطيئة آزاريا ؟..المرض للبشر رفيق سواء من كانوا في الظل أو في النور...فهل سيفرق شيئا إن كنت أنا على جانب دون الآخر ؟...."

الدوق كان فطنا و يدرك محاولاتها في إبعاد الضوء عن حقيقة ما كان يريد إيصاله أو معرفته منها عن سبب زواجها بشخص من المافيا بينما هي لا تمت لذلك العالم بصلة ...

كما كان تلميحه السابق عن أن إمرأة مثلها إذا ما تزوجت بشخص كوولف ذلك ليس إلا دليلا أن حمى الحب هي من تحكم العلاقة... و أنها كانت الخيط الذي قاده لاستنتاج أنها عاشقة في الظلام ...

و الآن هي تسأله إن كان الأمر خطيئة ؟ بل لا....لم تسأله...كانت تستغرب من كيف له أن يراه خطيئة و هو لا يعني سوى أن هذا الحب بالنسبة لها ليس كذلك...

كان الأمر بالنسبة له كصب حديد ساخن في دمه و الشعور به يمر لكل إنش داخله يحرق كل ما في طريقه من قلب و كبد و أفئدة...فكه للآن منقبض و لأول مرة كان يجد صعوبة في منع نفسه من إظهار أية مشاعر....لا تدرك هذه الملكة حتى أنها توشك على جعل فنان يفقد فنه أمامها...

معرفته بها جعلته يفهم ما تريد إيصاله من معنى...و عما كانت تستفسر عنه بسؤالها الخفي هذا كخفية مشاعرها التي رآها تنسحب من أعينها بمهارة أنيقة ...كانت تنافسه في فنه الآن...لثوان سمحت له برؤية ذلك و في ثوان سحبته بعنف ..

لذا أجابها بهدوء لا يمت بصلة لما داخله من اضطراب :

" لن أعتبرها خطيئة...أعتبرها خطأ....الأولى من الصعب مسحها لأنها تترك أثر حرق على الجسد كما يترك الصليب على جسد شيطاني...أما الثانية فيمكن مسحها ...و يعتمد عمن سيفعلها..."

اتسعت إبتسامة مارينا رغم ما قاله و ابتسامتها كانت متعجبة و نوعا ما تحمل من عدم التصديق ما لا يمكن صرفه بسهولة ...

تشبيهاته كانت غريبة جدا...يربط الأمور دوما بالدم و الظلام و الشيطان بطريقة لبقة تجعلك تشك أن ما تسمعه ليس هو ما يقصده و ربما العكس....يجعلك متشوشا...

تلميحاته...شيئ فيها جعلها فجأة تشير له بيدها بكل هدوء و تقول بحجاب مرفوع بتحدي :

" تتحدث كأنك ستكون المنقذ أو الجلاد...و تلقبه بالخطأ و لكن من نظراتك أرى كيف أنك تراه خطيئة ...أحقا ترى جانب الحب هو ما يحدد إن كان خطأ أم خطيئة ؟..."

كالزلزال كانت تصيبه...كالزلزال...لوهلة أراض أن يعترف بأنها سببت له دوخة هو الذي كان كظل لا يميل و إن مال غصنه...حديثهما بدأ به هو يرمي الأوراق الرابحة و الآن صارت هي تسحب منه كل فوز ببراعة...

كيف وصلت لنقطة أن تتهمه هي بدل أن يتهمها؟...و كيف للحديد الذي انصهر لوعة داخله أن يتجمد فجأة بينما أعينه تحدق بخاصتها...

كانت تلف و تدور عليه مصرة على ضربه كعجلة الزمن ..من الأمام كل مرة يعتقدها خلفه و العكس لذلك أيضا..

لكنه يدرك أنه عليه وضع حد لهذا و حده كان حين و دون أن يزيل أعينه عنها تلك السوداوية و مد يده ممسكا بكفها الذي أشارت به ناحيته...ثم مسح بإبهامه على إصبعها أين كان المفترض أن يوضع خاتم زفاف يليق بأميرة مثلها و في نفس تلك الوضعية و هو ينظر لها قال بهدوء فجأة :

" خطيئة الحب هي التحفظ..أن يتوقف المرء ليسأل نفسه إذا ما كان عليه العودة للخلف أو فقط التوقف...الحب اندفاع....تعتقدين مثلا أنا حين أحب سأفكر بالأمر مرتين حيال السبب أو النتيجة...؟ لكن مجددا جلوسك هنا الليلة و بتلك النظرات الثلاثة داخل أعينك و بيد خاوية لم يبد صائبا..."

كانت ردة فعل مارينا المرة الأولى هادئة جدا أكثر من العادة و لم يتوقعها منها..وضعه لإبهامه موضع خاتم لم يجد يوما مكانه لإصبعها كانت مفاجئة لها...مفاجئة لقلبها و مفاجئة لعقلها...كانت حركة فائزة منه...

آزاريا دوما يجعلها في حالة دفاع لسبب ما...كأنها تحاول الركض خلف اتهاماته و رمي دفاعاتها ...الدفاع عن الأفكار لم يكن يوما مشكلة عند مارينا...قلة من يفهمون قصدها الحقيقي...و النتيجة لا تهمها فالمرء لا يستطيع دوما إقناع الغير بفكره...لكن المشاعر عندها أمر حساس...شخص يجبرها دوما على المشي على حافة الدفاع في المشاعر كان أمر لا تستلطفه....و آزاريا لا يدرك أن مجموع ما قاله مع نظرته كان سيجلب نتيجة عكسية معها...

كان ينتظر انفعالا منها ربما...أو دليلا على أنه فاز لكنها لم تمنحه ذلك....فهي سحبت يدها و ابتسمت له بطريقة لأول مرة سيتجرأ و يقول أنها غامضة..كأنها تعرف أمورا لا يعرفها و أيضا لن يعرفها....

المشكلة أنه للثوان الأولى أرادت أن تنزعج...كان يقول الحقيقة و أن نظرة التردد التي قصدها بسبب تحفظها هي الخطيئة و ربما هي ما قادتها للوصول لوضعها الليلة...

لا تعلم إن كان ما قاله عن سبق تفكير أو عفويا لكنه بطريقة أو بأخرى ساعدها دون أن يعلم...لقد أراها حل مشكلتها التي حرصت ألا يعلم هو بها....

خاتم الزواج بالنسبة لها لم يكن مشكلة...إمرأة غيرها قد تعتبر ما قاله آزاريا توا خادشا لها...لكنه لا يدرك أن اليد نفسها التي لا تحمل خاتما الآن هي نفسها اليد التي وضعتها على قلب وولف قبل يومين و استشعرت نبض قلبه أسفلها...ما حاجتها لخاتم تريه للعالم إن كان ما أراه لها ملك الجحيم أكبر من ذلك بكثير...

آزاريا بقوله ما قاله جعلها تنتبه لحقيقة لم تكن لتنتبه لها لوحدها وسط عيش عقلها في صراع كهذا...منحها ضوءا..هذا ما فعله الدوق الإيطالي توا....

و لسبب غريب ابتسمت الآن...ابتسمت كأنها فجأة لم تعد تهتم و لم تعد تريد رفع دفاعاتها ضد أقوال آزاريا...الوحيد الذي قد تقاتل للدفاع عن مشاعرها أمامه يوما كان وولف...و الجميل في الأمر أنه لم يدفعها يوما للدفاع عن ذلك...بل أخبرها أن تكون كما هي فقط و أكثر من مرة....

و مجرد تذكر ذلك توا جعلها تدرك للمرة المليون لأي درجة كانت تحبه و لأي درجة كان المختار لقلبها و روحها...

في الحب لا يجب أن يكون هناك شيء يسمى الحاجة للدفاع..لا يجدر بالمرء الوصول لمرحلة أن يدافع عن كل تصرف عاطفي وضعه على طاولة الحب...لأن الحب بحد ذاته هو دفاع المرء تجاه العالم و لايصح وجود قتال داخلي ضد قتال في وجه العالم...

في الحب إذا وجدت نفسك تقاتل نفسك و تضع عنوانا لكل حركة من أجل رضى الطرف الآخر...اقتل الحب بأقرب رصاصة لأنه انتهى قبل أن يبدأ....

الجميل في الأمر أن وولف لم يترك يوما مجالا لا لرصاصة بينهما و لا لمسدس انتحاري....كان دوما يخبرها عن أهمية مشاعرها و حبها دون أن تنتبه هي لذلك يوما...

يا إلهي...هي حقا تحبه لدرجة لم يعد بإمكانها تصورها...و تشعر بالحماقة لجلوسها الآن في مكان بعيد عنه...

و هي لا تجرأ القول أنها تقارن وولف بآزاريا...آزاريا كان صديقا تخبره البعض عنها و تخفي الكثير...أما وولف فكان كل شيء منها... لا يمكن مقارنته بالكون بأكمله فكيف بشخص...

لكن احترامها ناحية صديقها الآن جعلها تمتنع عن أي تصرف غير محترم ...لذا بابتسامتها تلك التي كانت تعلن انسحابها من نقاش كهذا مع آزاريا ليس لعدم قدرتها على المواكبة بل لأنه بعد ما قاله أدركت أنه حين ينتصر وولف في محادثة كهذه دون وجوده حتى ...تصبح كل المحادثات دون قيمة...

و بالتالي الفوز فيها أو الخسارة لا يملك طعما على أية حال...لذا قلبت دفة الكلام حين سألته فجأة متجهة نحو شيء غفل ربما أنه نطقه وسط حديثه :

" لقد قلت توا أنك حين تحب ستحب دون تحفظ...هذا جعلني أتذكر حين أخبرتني أنه لا يجب على المرء أن يطلب اختفاء الألم ...لأنك إن كنت تؤمن أنك أحببت كما يجب فعليك أن تؤمن أنك ستتألم كما يجب أيضا....هل لا زلت تؤمن بهذا ؟..هل لا زلت مستعدا لهذا ؟..."

الآن ما تفعله مارينا كانت أنها تخبره بطريقتها أن أقوال آزاريا قبل سنة ليست كأقواله الآن...كأنها بتذكيره بكلام قاله لها من قبل يناقض ما قاله توا هي بذلك تمنحه جوابا عن أن الاتهام من بدايته كان غير صائب ذلك الذي وجهه نحوها...و أنها بطريقتها تخبره أنها استشعرت شيئا ما تغير فيه و في أقواله منذ آخر لقاء لهما حد هذا اللقاء...

و التأكيد حيال صحة ما قالته أتاها مباشرة حين لم يزح أعينه اللاذعة السوداء عنها و لو لثانية ثم أجابها:

" بت أؤمن أنه حين تحب كما يجب و تتألم أكثر مما يجب.. على أحد ما أن يدفع ثمن ذلك...و ذلك الأحد ليس أنت..."

استمعت مارينا لذلك و هي تنظر لأعينه التي لا تزال حد اليوم غير قادرة على فك شيفرتها من شدة ظلامها كظلام بئر ان ابتعدت عنه يجذبك و ان اقتربت منه يبتلعك...

عادة تستطيع فهم الأشخاص خصوصا من تعرفهم من فترة ليست بقصيرة...لكن آزاريا و لنكون صادقين ليس شخصا يمكن فهمه بسهولة...كان متناقضا غير مفهوم و يحمل من التعقيد ما لم يحمله بشري قبله... كلما اجتهدت و اجتهدت لفهمه و اقتربت من نهاية طريق النجاح في ذلك تكتشف أنه قبل وصولك غير الطريق فتعيد أنت الكرة مرة أخرى...

لذا حين قال ما قاله حيال جعل من سبب الألم يدفع الثمن...كان ما جعلها تطرح تساؤلا لم يسبق أن فكرت بطرحه على نفسها يوما...

هل هي تعرف آزاريا حقا ؟ هل آزاريا صديق حقا؟...

لا تقصد الشك...لكن غموضه المتزايد و اليوم لأول مرة يجعلها تتوجه نحو الشك...

لا تعلم كيف و لماذا...لكنها قالت التالي فجأة و هي تحدق به بهدوء شديد من أعينها العسلية :

" يقال أن الشخص الحزين هو الذي يحب الشعر...فلما تحب الشعر سيد إيفيريا ؟...."

هكذا...هكذا فقط أنهت مارينا المحادثة و جعلت الأمر واضحا لآزاريا أن زوجها هو موضوع لن تناقشه معه مهما كان صدق ما يقوله و مهما كان يرى الأمر خاطئا و حتى إن رآه خطيئة...

مع ذلك تغييرها للموضوع لم يكن بطريقة لا معنى لها...بل كان هادفا ...هادفا نحو رغبتها في تحسس بعض من أفكار آزاريا الجديد...و هي تقول جديدا لأنها لاحظت تغييرا...

الشيء الذي لم يتغير لحسن الحظ هو فهم آزاريا لنقطة النهاية و حين تضعها لحديث فهي لن تعود له و بالتالي فقد اعتدل في جلسته و رأت نظرته تتغير لأخرى هادئة و هو يعبث بخاتم إيفيريا في إصبعه قائلا :

" من لا يفهم الشعر يعيش دون شك في حياة غير مظلمة و من يفهمه سيحصل على ضريبة مقابل ذلك...لا يشترط بها أن تكون الحزن..."

" ماذا قد تكون مثلا ؟ الضريبة أعني..."

سؤالها كان فوريا سريعا على ما قاله كأنها تود جوابا سريعا منه دون تفكير منه و قد أجابها كما تريد حين تابع بنفس النبرة :

" الضريبة نتيجة...و السبب شيء آخر...أما الحقيقة فهي حين تدرك أنه طوال حياتك لم يخبرك أحد أن ساعة اليقظة من العالم هذا تكون مرهقة..."

عبثت مارينا بخصلات شعرها دون أن تبعد أعينها عنه و نظراتها الهادئة عنه و لأول مرة تجد نفسها عاجزة عن فهم شيء يقوله آزاريا ...هذا إن كان يثبت شيئا فهو يثبت أنه فعلا يخفي الكثير و أن شكها في محله...شيء ما حدث معه...عادة النقاشات مع الدوق حول سائر المواضيع تكون جميلة و كلاهما يفهمان بعض...لكن حين يصل الأمر له يصبح هناك حاجز يمنعها من الوصول لحقيقته...عادة تتجاهل الأمر...لكن الليلة شيء في كل حديث تبادلاه كان يرسل تحذيرات لها لأول مرة ...

تحتاج شيئا واحدا يجعلها تكسر وعدها بألا تبحث عنه ...شيئا واحدا أو تلميحا واحدا و ستبحث خلف الدوق...كان آخر قرار لها الآن...

اهتز هاتفه في جيبه بعد سكون التحديق بينهما فمد يده للجيب الداخلي لمعطفه مخرجا إياه ثم نظر لشاشته بهدوء بينما هي تراقب ذلك بهدوء و كيف أنه قرأ محتوى رسالة ما بكل جدية ...ثم أغلقه و أعاده لجيبه...آنذاك استغلت هي الفرصة تلك و سألته دون تردد :

" كم ستبقى في إسبانيا آزاريا ؟..."

سألته تود جوابا ما منه حول وجوده المفاجئ الليلة في مكان كهذا و في دولة كهذه...رغبة منها في معرفة ذلك منه...عادة هما يلتقيان و يفترقان دون تفاصيل بينهما عن لقاء آخر و لا يسألان عن الوقت و المدة ...لهذا وصفت صداقتهما بالغريبة...لأنها لم تكن تحت أي تأطير واقعي...

لو كان يوما آخر لم تكن ستسأله...ستدع الأمر للقاء آخر يجمعهما صدفة أو قدرا أو أيا كان ما يندرج تحته اللقاء...لكن آزاريا حين طرحت عليه السؤال الغير معتاد بينهما أدرك أنها ستضيف شيئا ما بناء على جوابه ..لذا رد عليها بابتسامة هادئة هذه المرة لا تعلم هي سببها حتى :

" سأظل لفترة...لدي واجبات مهمة في إسبانيا..."

أومأت مارينا برأسها له و ردت له ابتسامته الهادئة و هي تطرق بأصابعها على سطح البار...آنذاك نظر هو للمكان حولهما و الذي كان خاليا ممن يعملون عنده بعد أن صرفهم و كل من تبقى كانوا أشخاص غرباء قليلون و بالتالي نطق بهدوء دون أن ينظر لها:

" دوما لقاءاتنا تكون قصيرة حين لا نكون في موطنك..."

مع آخر كلمة قالها التفت لها يحدق بأعينها العسلية ليجدها تحدق به كذلك جاعلة من خلاياه تنصهر ..كان شيطانا و الآن ينصهر كحمم الجحيم..بسبب لون العسل داخل أعينها..

و مارينا في هذه اللحظة فهمت ما قاله...فعادة حين يلتقون في روسيا تكون لقاءاتهم طويلة ..أكثر راحة و متكررة...لكن حين يلتقون في دول أخرى يكون لقاءا سريعا لدقائق كلقاء الليلة...أحاديث غريبة ...حادة ...عميقة و لا تبدو لشخصين عاديين ...

الشيء الثاني الذي لمح له حين قال ذلك....كان أنه فهم أن لقاء الليلة انتهى و أنها ستغادر...فهذا أصلا أحد أسباب استفسارها عن مدة بقاءه في إسبانيا...

و هذا فعلا جعلها تستقيم مكانها تؤكد له ذلك حين نهضت و ابتسمت له حاملة معطفها و ملفها في يد واحدة و نظرت له واقفة و هو جالس يرفع نظراته السوداء ناحيتها و سألها بابتسامة هادئة :

" لم تخبريني عن سبب سؤالك ؟..."

قصد بذلك سؤالها عن مدة بقاءه...و ردها كان فوريا حين ابتسمت له بطريقة شديدة الهدوء و نوع من الغموض يلتف حولها و هي تردف :

" كنت سأخبرك أنني سأجعلك تتعرف على زوجي و تدرك أن عشق الظلام أو عشق النور كلاهما ينبعان من مكان واحد...سواء تم اعتبار ذلك خطئا أم خطيئة ...."

أول ما ركز معه آزاريا أنها قالت ستعرفه على زوجها بقدر ما كره الكلمة الأخيرة ' كلمة زوجي ' و كيف قالتها بطريقة تملأها ثقة عظيمة و هدوء أعظم...بقدر ما أراد أن يخبرها أنهما لا يحتاجان تعريفا...

هو و وولف أراقا دماء بعض ألف مرة...إن لم يكن ذلك تعارفا من الطراز الدموي فلا يعلم كيف يكون التعارف صراحة !...

لكن و لأن كلامها كالعادة يعلق في ذهنه ظل صدى ما قالته يتكرر في ذهنه و بقدر ما لم يعجبه بقدر ما ظهر على ملامحه التي صارت جادة و هو يحدق بها و مرة أخرى يعبث بخاتمه بأنامل غاضبة منقبضة قائلا بهدوء يخالف صلابة تعابيره:

" كنت ستخبرينني ؟...هل غيرت رأيك في تعريفنا على بعض؟..."

سؤال طرحه وسط سكون المكان حولهما سوى من صوت الموسيقى الخافتة جدا في الخلفية و الذي أكسبه إبتسامة هادئة أخرى من مارينا و هي تنسحب عائدة للخلف و تقول له بنبرة لم يميز مقصدها و لا الهدف منها :

" لا.....لأنني الآن متأكدة أنكما ستلتقيان..."

و مع آخر حرف لآخر جملة ابتسمت له و التفتت مانحة ظهرها له و قالت بهدوء بنبرة لا يسمعها سواه :

" أراك لاحقا أيها الدوق ...."

هكذا فقط ابتعدت عنه تحمل معطفها في يد مع ملفاتها و اليد الأخرى دستها في جيب سترتها السوداء....كعبها و طرقاته كان يشق مكانه على أرضية الرواق و شعرها الأحمر خلفها هادئ مستقيم بثبات...

راقب آزاريا مغادرتها إنشا بإنش دون أن يزيل أعينه عنها و لو ليرمش حتى...فقط اكتفى بالتحديق بها حتى اختفت من ناظريه آنذاك ابتسم و نهض من مكانه بكل هدوء و نفس هالة الوقار التي كانت تلفه أحاطته الآن أيضا...

وضع أيديه داخل معطفه الطويل و عبث بالإسوارة هناك...إسوارة تذكره كل مرة بهويته...العبث بها أشبه بإنعاش ذاكرة للشيطان...

تقدم آزاريا و استدار يدخل ناحية البار أين كان هناك ساقي بار قبل دقائق قليلة ...تقدم من المكان الذي كان يقف فيه ذلك الشاب أين لاحظ منديله مرميا أرضا فأبعده بقدمه بهدوء ثم مد يديه لإحدى قارورات الشراب ...تفقدها مديرا إياها بين أيديه ثم فتحها و سكب لنفسه كأسا...

هنا واقفا في بار ينظر لكرسيها الفارغ...احتسى الشيطان كأسا حارقا من شراب لاذع دفعة واحدة ثم ابتسم بخفة...إبتسامة بقدر جمالها بقدر اضطرابها و ما تحمله من غموض...

حسنا ..حسنا..أحد ما اتخذ قراره النهائي توا...

يقال حين تريد مواجهة الجنون واجهه بخطة حتى لا يغادرك أشلاء...و هو سيفعل..سيعبث بالجنون و بين اللامنطقية و الهوس بخطة لن تلائم سوى شيطانا مثله ...الجنون العفوي خطير و المخطط له أخطر بكثير...

سيلعب....ما المانع في ذلك....سيلعب مع أخيه الأكبر !..

اهتز هاتف آزاريا مرة أخرى و هذه المرة ليس لوصول رسالة بل مكالمة هاتفية...فوضع تبعا لذلك كأسه الفارغ جانبا و أخرجه مرة أخرى و أجاب ما أن تعرف على هوية المتصل...

وصله من الطرف الآخر صوت إمرأة شابة تقول باحترام :

" جلالتك...هل أرسل رجالا خلفها ؟..."

" لا....رجال وولف حولها كالنسور...ابتعدوا عن المكان..."

" أمرك..."

كانت آخر كلمة لاتصال قصير جدا...لمساعدته الخاصة ساهارا و هي تسأله أن يرسل بعضا من رجالهم خلف مارينا...كانت ساهارا تعرف الكثير و تفهم الكثير لكن لا تقول الكثير...تماما ما يحتاجه كمساعدة خاصة...

سؤالها دوما يكون جوابه نفسه...ديافول لا يرسل رجالا خلف مارينا ذلك ليس أسلوبه..و بالتأكيد لن يرسل خلفها في بلد وولف...يكاد يقسم أنه يشتم رائحة وولف حولها تنبع من رجاله المنتشرين قربها...الكثير سيتغير الليلة هذه....هو بدأ اللعب توا....

و طلبه من رجاله الإنسحاب...حتى لا يجذبوا أنظار من يعمل لدى القاضي...رغم أنه واثق أن الأمر لن يؤخر شيئا في الحقيقة...ما تم تأخيره قد انتهى وقته...

وولف سيعرف قريبا جدا من هو ديافول...أصلا هو لم يراهن على ذلك من البداية...

لذا سكب آزاريا كأسا آخر لنفسه و التفت يضع يدا داخل جيبه و بالأخرى يحمل الكأس ثم حدق بالمرايا التي غطت البار بإضاءة صفراء...و حدق بانعكاسه هناك...و بالضبط لوشم الآيفا في رقبته....

أول مرة لا يخفيه في وجود مارينا...كانت مخاطرة...مخاطرة يود رؤية نتيجتها و كيف سيتصرف كل شخص بناءا على ذلك ...الوشم دوما يخفيه لكن الليلة كانت أول مرة يأتي و يجلس بجانبها حاملا جزءا من حقيقته....لنرى أين سيقع الإختيار هذه المرة...

عند هذه الفكرة ابتسم الشيطان...يحرك كأسه بين أصابعه و ينظر لأعينه السوداء في المرآة مقابله...هو يستمتع !

هل هذا جيد؟...

❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄

بعد فترة من الزمن و داخل منزل سييرا...مشت مارينا داخل غرفتها المظلمة حافية القدم بعد أن نزعت كعبها قبلا... و من هدوء حركتها و خطواتها الغير مسموعة كان حتى شعرها الطويل هادئ الحركة خلف ظهرها...تقدمت حتى وصلت أمام نافذة في آخر طرف الجدار من الجهة المظلمة و اتكأت عليها بكتفها...

كانت ملامحها و رغم ثباتها تبدو غير مألوفة لمن تعود على رؤية أميرة روسيا كل يوم...كان هناك نوع من القسوة و الظلام داخل عسليتاها التي اعتادت حمل الهدوء...

هنا و وسط ظلام غرفتها بثيابها السوداء و شعرها الذي تمت حياكته من لهب النار حملت الأميرة خنجرا في يدها...كان خنجرا فضيا مطرزا بالأحمر و كانت تحركه بين أصابعها بمهارة و بخفة و تنظر خارج النافذة...

بدت كأنها ليست مجرد إمرأة...لعبها بالخنجر بتلك الطريقة و نظرة قاسية داخل أعينها جعلتها تبدو كمن تعود على إسقاط الأجساد...و على حمل كؤوس الدماء و صنع إكسير الجحيم..

كانت قد نزعت سابقا سترة بذلتها السوداء لهذا كان هناك وشم ظاهر يظهر من فتحة قميصها الخلفية و التي تمتد من منتصف ظهرها لأسفل خصرها....هناك و في المكان أين تتوقف حافة صدريتها كانت هناك كتابة صغيرة جدا بخط أفقي..صغيرة لدرجة لن يراها إلا من وضع بصره هناك لإنشات...

" Dagger in a hand.. blood on the enemy.. thus the king rises..."

' خنجر في يد..دم على العدو..هكذا ينهض الملك..'

كان الوشم الوحيد في جسمها الذي يمجد الروي..ملك روسيا..الوحيد في جسمها و الذي لا ينتمي لها كليا و لا لحبها بل لملك يعيش داخلها....فحين يحمل الروي خنجرا يسقط الدم على جسد العدو و يبقى حكم الملك دوما صامدا...

و الآن خنجر في يد ملك...بنظرتها تلك و هي تحدق من النافذة كانت تدرك ماذا سيحدث...أعداء سيتم محيهم...ستريق الدماء من جديد و على جسمها الذي تعود لأشهر على مباركة الحب أن يتعود من جديد على أن يتبارك بدم الشياطين...

ظلت تلعب بالخنجر بين أصابعها بمهارة كما يحرك رسام بارع فرشاته و كما يحرك نحات بارع الطين بين كفيه...كان فنها الحب و القتل.. و مهارتها في الثاني أكبر بكثير...كانت وراثة..

لا أحد في العالم قادر أن يخمن أن الروي من أصحاب الدماء الزرقاء في المافيا...أن الروي حامل دماء نبيلة و ليس فقط شخصا مجهولا دون أصل...كان الروي ملكا إبن ملك...لكنهم لا يرونه سوى ظلا..

الروي لا ينام...الروي فقط يمشي في الظلال...لتراه عليك أن تلهب نارا حوله...و عكس العقرب هو لن يلسع نفسه...بل سيغرق من حوله سمية... و النظر ناحيته سيكون آخر ما ستفعله في حياتك...

فجأة أوقفت مارينا الخنجر من الدوران باحثا عن روح تسقيه ثم اعتدلت في جلستها و هي تحدق أسفلا بنفس النظرات الغامضة القاسية داخل أعينها...

رأت ثلاثة من رجال وولف يتقدمون من طاولة و يفتحون جهازا محمولا و أحدهم يتحدث عبر الهاتف بطريقة مسرعة لم يسعها سوى استنتاج ذلك من سرعة تحرك شفاهه و كيف أشار لرجلين آخرين ليتقدما منهما...ثم فجأة خمستهم نظروا لنفس الجهة و استقاموا في وقفتهم واضعين أيديهم على شعار الإتحاديات أعلى بذلاتهم موضع قلوبهم...لتعلم من أتى..

رأت وولف يتقدم نحوهم بهدوء و ملامحه تبدو باردة منفصلة...كأنه غاضب لكنه يتحكم في ذلك ...لم يكن يرتدي أي بذلة بل فقط سروالا أسود و قميصا أبيض بإهمال... كان فقط على طبيعته و أكمامه الطويلة مفتوحة الأزرار بإهمال أيضا...كما هي أزرار القميص الأولى من الأعلى و التي تظهر امتداد قلادة القاضي أسفل القميص....

الجو كان باردا ...رجاله بمعاطفهم الكثيفة و أنفاسهم من برودة الجو كانت تترك آثار بخار حولها...بينما هو يقف بقميص واحد خفيف و ملامحه القاسية ازدادت قسوة حين انحنى واضعا قبضتيه على سطح الطاولة و هو ينظر لشاشة الحاسوب المحمول كأنه يمسك نفسه كي لا يحطمه ....بدا كأنه كان في الداخل و رجاله قاموا باستدعاءه لأمر طارئ و خطير فخرج كما هو دون تردد...

أعين الروي القاسية المظلمة رقت لوهلة و في ثانية عادت ملامح مارينا للهدوء أثناء تحديقها به...كأنه بوجوده يختفي الروي داخلها فجأة...و باليد التي كانت تحمل أثر أول لقاء لهما و وشم السنونو الذي يشير لموطن المرء...بنفس اليد وضعتها على زجاج النافذة تماما أين يقف كأنها تود لمسه هو أو انعكاسه من هذا البعد و من خلف هذا الحاجز...

هنا و هي تقف تنظر له من هذا المكان ..هي أعلى و هو أسفل يبعد عنها بالكثير بينما في الحقيقة صارا أقرب بكثير ...مع ذلك لأنها كانت هنا الليلة بدل أن تكون معه...صار الشعور داخلها أقرب لشعور قطار دون مقاعد و دون ركاب في محطة مهجورة دون وجهة...خاوية بشكل فظيع...و دون حياة بشكل رهيب...

كانت يومان فقط مدة الفراق الأليم هذا و مع ذلك جعلتها تشعر أنها دهرين من الزمن...تماما كامتداد لعنة غجرية تتجول دون حليها الفضية و تلعن المارة بحياة دون عشق و موت دون حياة...أتراها سارت في الدهرين الماضيين بجانب غجرية دون فضة ؟...ألهذا تعاني سكرات الموت منذ يومان ؟...

ربما عليها أن تتوقف عن قتل نفسها و قتله...و بدل ذلك قتل المرارة حولهما...و قتل التردد و نحر عنق الخوف ثم دفن الألم معهم لتتلو فوق قبورهم أشعار ملك روسيا العاشق..

كانت كلما تنظر له بعيدا هكذا و قريبا في نفس الوقت تتذكر حين كانت في موطنها دون موطنها الأصلي...حين كان لمسه صورة و صوته ذكرى و رائحته حلما...لذا لا بد على الخوف ألا يأخذ منها كيانه..صوته و رائحته و الأهم قلبه...لا تعلم مقدار النبضات التي تملكها داخل قلبه...لكن ستحاول الإحتفاظ بها داخل روحها كما هي لعلها تتزايد كما ضربات الموسيقى...

كل ما فعلته طوال اليومين هو محاولة بائسة لتحنيط قلبها لتكتشف بعدها أنه حتى الفراعنة لم يحنطوا قلبا لا يزال نابضا...فكيف تدفن الحب بعدما أزهر ؟ و كيف تحاول الطبطة على جراح التئمت...؟ أليس هذا بدليل فشل محاولتها إنهاء جريمة الحب هذه ؟...

كان لا بد دوما و أن تدرك أن الحب كان اللاعب الأفضل بين كل لاعبي الحياة و الزمن....و أنه حين يرمي النرد يرميه أعدادا زوجية...فتسقط القلوب ثنائي ثنائي...أما الفرادة فللألم بعدما يتغلب عليه القلبان...

جعلها هذا تتنهد بخفة و بصعوبة أبعدت أعينها اللامعة المحبة عنه و أناملها المتمردة التي تركت أثرا على الزجاج البارد كأنها محاولات لتتشبث به لآخر مرة ...بعدها عادت خطوة للخلف و استدارت و بنفس الهدوء الغير مسموع وسط غرفتها المظلمة توجهت نحو سريرها ثم انحنت أمام وسادتها معيدة خنجرها لمكانه و بعدها حملت السترة السوداء ثم ارتدتها مغلقة أزرارها بملامح هادئة ...

حين أنهت ارتداء كعبها مرة أخرى مشت ناوية الخروج من غرفتها لكن فجأة وقعت أعينها على ذلك الباب...الباب الذي يفصل بين غرفتيهما في المنتصف و الذي إذا ما فتحته يقودها لغرفته...لم يسبق لها يوما الإقتراب منه أو حتى محاولة فتحه طوال الأشهر الماضية ...لكن الآن رغبة منها لفعل ذلك جعلتها تحدق به لثوان بصمت ثم و بنفس الهدوء تتقدم ناحيته بملامح هادئة و دون تردد أدارت مقبضه و فتحته...

كان أول ما استقبلها هو الظلام و البرودة مع ذلك هذا لم يستوقفها فتقدمت و أغلقت الباب خلفها...و فقط بخطوة كهذه انتقلت من عالمها لعالمه ...أو ما كان عالمه...فمع بعض ما تسلل من الإضاءة خارجا نحو الغرفة رأت كيف أنها كانت خالية منه ....أشياءه لم تكن هنا...يمكنها أن تعلم بذلك من مجرد النظر حولها....كانت الغرفة تبدو كأنها لم تكن يوما لشخص عاش هنا...باردة ...عادية ليس كما كان هو إستثنائيا....

رائحته غير موجودة ثيابه غير موجودة...الصور التي اعتادت ملأ الغرفة لم تكن معلقة...لاحظت مارينا كل ذلك و هي تدور حول الغرفة و تتقدم بضع خطوات نحو عدة بقع منها تحاول التأكد منها....

و لأن النتيجة نفسها سارت بكل هدوء و تقضيبة بين حاجبيها زينت ملامحها و هي تجلس على سريره دون إحداث صوت و أعينها لا تزال تتفقد الغرفة الخالية...

تفكيرها بأكمله كان يدور حول أنه بكل تأكيد غير غرفته منذ فترة ....فذلك يفسر بقاءه في الطابق العلوي مؤخرا و كيف أنه يستخدم المكتب هناك و غرفة النوم هناك بدل غرفته و مكتبه هنا ...

متى بالضبط فعل هذا ؟ لما رفض البقاء في غرفة أقرب لها ؟...هي طبعا لا تلمح لكونه يريد الإبتعاد عنها فهو أوضح لها قبل يومين أن نيته عكس ذلك تماما ...لكن تساؤلها جدي ..فلما قد يود شخص الانتقال فجأة لطابق آخر ...وولف ليس شخصا عشوائيا...لذا هناك سبب ...

ظلت مارينا على تساؤلاتها و تفكيرها و أعينها تحاول استيعاب حجم الغرفة الشاسعة التي كانت خالية لأول مرة من الحياة و من آثار آنجل ...اعتادت الغرفة على أن تصرخ باسم زوجته السابقة في كل إنش منها...لكنها الآن ليست كذلك....لا صورها و لا أغراضها هنا...

الغرفة كانت تبدو كغرفة خالية سوى من الأثاث من النوع الذي يتم وضع الضيوف فيها و ليست لأهل القصر...و بالتالي نظرت مارينا لها مزيدا من الثواني قبل أن تتنهد بخفة ..

أرادت المغادرة فاستقامت ناوية النهوض فجأة من السرير لتغادر لكن قبل حتى أن تنهض كليا رأت شيئا جعلها تجلس مرة أخرى و عقدة حاجبيها تنفك و لمحة سريعة من التفاجئ تدخل عسليتاها و تغادر أسرع كذلك...

كان خاتم زواجه موضوعا على الطاولة بجانب السرير...

هي متأكدة...متأكدة جدا....الخاتم قريب منها لدرجة تراه بوضوح رغم ظلام الغرفة و من شدة لمعانه تحت أي انعكاس ضوء ...كان خاتم زواج وولف الذي اعتاد ارتداءه دوما حتى بعد وفاتها...و الآن كان موضوعا هنا وسط غرفة مهملة...

كان قلب مارينا يخفق بقوة و أفكارها تتسارع حيال متى نزعه و لما لم تنتبه يوما...أتراها أعينه و ثمالتها بأعينه أنستها ذلك ؟ كيف لم تنتبه لغياب برودة الخاتم حين كان يمسك بيدها...؟ لما لم تنتبه لغيابه كل مرة كان يمد يده للمسها ؟...أي عمى حل بها ؟...

هو نزع الخاتم ؟ أي جرم ارتكبته في حقه...كان طوال هذه الفترة يخبرها بطريقته عما يجري و الآن فقط فهمت ما قصده حين أخبرها أنه سمح لها بلمس روحه و ألا تسحب يدها...الآن فقط فهمت ما قصده حين أخبرها أنه أرادها أن تملك الحرية للوصول لروحه قبل أن يخبرها بمشاعره...

حريتها كانت أيضا في تحرره هو...لم يرد أن يمسك يدها قبل التخلص من ماضيه لأجلها...كل هذه المدة كان يزيل بقايا ماضيه بينما هي لم تر ذلك حتى....

لم تعلم كيف و لما لكن دمعت أعينها فجأة لوهلة و هي تبتسم بحب و قبل حتى أن تسقط دمعة يتيمة مدت مارينا يدها و مسحتها من طرف عينها سامحة فقط لأعينها باللمعان في الظلام و إبتسامة صادقة واسعة تزين شفتيها بملامح متأثرة دامعة...

من الغريب كيف أن الخاتم نفسه الذي قيده و قيدها سابقا كان هو من حررهما الآن ... حملت هي بين أصابعها قيدهما السابق و نظرت له بين أصابعها بابتسامة دامعة و كيف أنها كانت طريقة وولف للتحدث معها دون كلمات...لم تعلم حتى كيف يجب عليها الرد على ذلك...لكن قلبها كان يخفق بقوة و نوع من السعادة شعرت به يمسح على روحها التي كانت مظلمة قبل دقائق...

ظلت تنظر لذلك الخاتم بابتسامة صادقة و تحركه بين أناملها تتفقده و تلمسه لأول مرة ... كان باردا كالغرفة و دافئ المعنى كالدفء الذي حل بها توا...

تنفست مارينا بقوة محاولة إعادة أنفاسها التي لم تستطع مواكبة قلبها النابض معيدة الخاتم مكانه و بخفة مسحت دمعة أخرى حاولت التسلل من عينها لوجنتها و بعدها فلتت منها ضحكة خافتة صوتها بدا عذبا لروح تحاول صيد السعادة...

نهضت حينها فجأة من مكانها و تمسح على وجهها و على أرنبة أنفها الذي دون شك صار ورديا كعادته كل مرة تدمع أعينها....

كانت تشعر بسعادة حمقاء...هكذا فجأة...كانت تود تقبيله ..احتضانه و اخباره كيف أن الحب كان هو ...هل من الطبيعي تغير حال المرء فجأة ؟...هل من الطبيعي إزهار المرء فجأة ؟ أتراها المشاعر حقا تتدفق فجأة باتجاهات غير متوقعة....لأنها كانت تشعر بمزيج غريب من العاطفة كأنها كانت تبحث عن حافز صغير جدا لتكسر الفراق ...و لا تعلم إن كان ذلك الحافز هو تحرر وولف فعلا من ماضيه و إثبات صدق ما قاله...أم أن الحافز لم يكن ضروريا و أن الرمل في ساعة الفراق كان ليومين فقط و انتهى بالفعل...

تقدمت مارينا من النافذة بنفس تلك الإبتسامة من نافذته التي كما خاصتها كانت تطل على نفس المكان أين تواجد هو الآن و أين استطاعت رؤيته بشكل أقرب مما كانت ستفعل من غرفتها...

بابتسامة هادئة ساحرة و ملامح متأثرة عاطفية وضعت مارينا جانب جبينها على النافذة و هي تتكأ عليها و تضم يديها لصدرها و فقط تنظر له منحنيا ينظر للشاشة و يتحدث على الهاتف بينما رجاله حوله متأهبين....

رغم خطورة الوضع و رغم كل ما يحدث لم يستطع ذلك إطفاء الحياة التي اشتعلت داخلها توا...كمن تحرر من شيء ما ...أو كمن ولد من جديد ...كان هو البداية و الحرية...

كان على قافلة الحب يوما أن تتوقف وسط صحراء المشاعر حين تجد أن من كان لها بالمرصاد هو أسوار مملكة مزينة بالصعاب...كل من خاضوا مخاض الحب عرفوا الصعاب...يا ترى حين يتحتم على القافلة عبور بوابة ما خلف الأسوار...أيكون هناك وحوش كالوحوش الأسطورية التي قاتلها هرقل؟ كأسد بأنياب تضغط على القلب فينزف حبا أسود...أو كثعبان يعصر الروح ليصنع سما عاطفيا ؟...

لا ينفك المرء يتساءل أحيانا عما تحمله هدايا القدر...تساؤلات لا تكون بنفس حماس صغير يركض لشجرة الميلاد فاتحا هدايا كان يدعو سرا كل ليلة أن يحضرها له عجوز ما يدعونه سانتا....تتمنى لو كان حماس المرء لخوض صعاب الحياة كحماس الطفولة...كان العالم سيكون أكثر شجاعة و لن يتم القول أن كل الطرق تؤدي لروما...فروما تم إحراقها أولا فصارت قلبا متشعب الأطراف يقود الجميع لطرق اللانهاية انتقاما على ليلة حرق روحها و مناجاتها اللانهائية أيضا...

في الجرائم ...يقف القاتل دوما لمقطع معين نراه فيه يحمل بيده ما يمسح به بصمات الجريمة و هويته....يخشى قضبان القانون ذلك الذي لم يخش شيئا حين أراق الدماء...تناقض رهيب...نفسه في جرائم الحب...دوما من يرتكب الجريمة أولا يمسح البصمة أولا محاولا بذلك طمس آثار تشهد بأنه قاتل في الحب...و في الحب نحن نخشى العاقبة و الزمن...أتراها ارتكبت الجريمة أولا ؟ ألهذا أول ما فعلته كان الهرب ؟ هل طبيعتها القاتلة كانت متأصلة فيها حتى في الحب ؟ ألهذا كانت مندفعة نحو طريق يجعلها تهرب من الزمن هذه المرة ؟...

كانت تتمنى لو كانت الرجفة التي تشعر بها الآن في جسمها...رجفة الجسم نلفها بوشاح الدفء أما رجفة الروح فلا تستكين سوى بوشاح الحب...و رجفتها الآن كانت من نوع آخر...ليست من الذي يدفعك للف وشاح بل للقفز في وادي الجنون...بارد كان لكنه يعالج الرجفة....للأبد..

لنقل أن الجنون انتصر...لنخف الحقيقة...حقيقة أن الحب من البداية كان المنتصر و هو سيد اللعبة هذه بينه و بينها...فقط حتى يغمض القلب أعينه و ينفذ ديانة الحب ' الجنون ' دون النظر خلفه لمخالب الشياطين و وحوش ما خلف الأسوار...

هذا ما كانت ستفعله مارينا اليوم و غدا و للأبد....لا مزيد من التراجع...

الحياة واحدة و الفرصة واحدة ...هو و هي يعيشان في عالم مظلم أين القتل يطرق بابهما كل دقيقة...الخيار أمامها بات واضحا الآن...ستموت على يد الحب و لن تموت على يد العالم...

لذا إبتسمت بخفة ثم أغمضت أعينها و أمسكت قلادتها التي تحمل حرف إسمها و إسمه مقلوبا و رددت بهمس كعادتها نفس الدعاء :

" ألمي بدل ألمه...روحي بدل روحه..دماءي من أجل كله...دوما و أبدا..."

كان دعاء الحب لمارينا و هذه من المرة من أجل الحرب أيضا...فملك الجحيم جعلها تجلس بجانبه و عليها أن تفعل...

لذا بابتسامة غريبة نظرت له ثم همست مرة أخرى بصوت خافت بين شفتيها :

" سنتجاوزه سويا..كما نفعل دوما..في الظلام أو في النور "

و بهذه العبارة حدقت به لمزيد من الثوان بنفس النظرات التي تحمل من الحب و القسوة ما لا يجدر بلون العسل حمله..ثم التفتت بهدوء و غادرت من الباب الذي جمع عالمهيهما لفترة و عادت منه ناحية غرفتها...مدركة أنها عنت كل كلمة قالتها...فسابقا كانت تسانده في الظلال و الآن و لأنها معه ستسانده بحقيقتها و بظلامها الكلي...

كانت مارينا تنوي المغادرة قبل قليل لتزور نيكولاي...لكنها الآن قررت التحدث معه أولا...لذا وقفت وسط غرفتها بملامح هادئة هذه المرة ثم ابتسمت إبتسامة غامضة تخفي الكثير متوجهة لتجلس على حافة سريرها ثم أخرجت هاتفها و ضغطت على رقم نيكولاي دون مزيد من التأخير...

نيكولاي كعادته لا يطيل في الرد عليها ...بضع رنات حتى وصلها صوته قائلا بهدوء و باحترام :

" مساء الخير زعيمة .."

" أهلا نيكولاي...هناك أمر ضروري سنتحدث به...أخبرني أولا هل أنهيت ما طلبه منك ؟..."

قالتها مارينا بكل هدوء تسأل نيكولاي عن الأعمال التي كلفه بها وولف...فبعد تلك الليلة التي زار بها وولف نيكولاي و أخبره بما أخبره ...كان من البديهي أن نيكولاي أخبرها بكل شيء و بكل التفاصيل ...طبعا ما ذكره وولف و كيف اكتشف هوية نيكولاي و لما ساعده في الآيفا... و رغم تفاجئ مارينا مما علمته عن وولف و ما فعله هناك إلا أنها فكرت بذلك لأيام و رأت أنه التفسير المنطقي الذي كان ينقصها للعديد من الأسئلة..

مهارة وولف كانت دون شك السبب الذي كان يسمح له بالاختفاء و الإفلات من أي رقابة...و مهارته أيضا تسمح له بتعقب الأشخاص و فرض رقابة على إسبانيا...و هي التي لطالما تساءلت عن كيف نجح ذلك ...

لا بد و أن وولف يملك صلاحيات لأمور دولية و مهاراته أضافت لذلك بكثير...

لأن نيكولاي و معرفتها به جعلتها تفهم أنها أمور تتطلب خبرة كبيرة..فهو شرح لها بعض الأمور حيال المخترقين و أنه أحيانا حتى المهارة العالية تتوقف في حدود معينة حين يصل الأمر لحواجز دولية و أمنية خطيرة و ذلك يتطلب تصريحات عالية الشأن للوصول إليها....

لهذا أيضا اكتشفت لاحقا أن وولف أيضا يملك أعمالا في الظلام خاصة به لوحده....لكنه لا يظهر ذلك....لا يظهر بتاتا أنه قادر على الاختراق و العمل على الأجهزة ببراعة ...حين تراه يمشي أمامك تعتقده الشخص الذي يلقي الأوامر لمن يجلسون أمام الحواسيب و ليس من النوع الذي يجلس أمامهم بدوره.....ربما كان يتعمد إخفاء ذلك....جعل نفسه يبدو عاجزا عن القيام بذلك...

طبعا إضافة لهذا ..أخبرها نيكولاي أن وولف يود غلق الآيفا من جديد و هو أمر توقعته منه...توقعته منه من اللحظة التي سمع بها عن فتح الآيفا...رغم أنها تؤمن أنها ليست مهمته كل مرة القيام بهذا...لكن أيضا حتى هي ليست مطمئنة لهذا بتاتا....

وولف أخبر نيكولاي أنه سيحتاجه في عمله القادم...كان نيكولاي بقوله ذلك لها ليس فقط يبدي ولاءه بل أيضا يطلب إذنها حيال ما يجدر به فعله مع وولف...و لأي درجة يجدر به استخدام مهاراته في العمل...

مارينا منحته الإذن الكامل ليساعده...و مؤخرا وولف فقط يمنحه أعمالا خفيفة ...كأعمال رقابة...كأنه بذلك لا يضغط عليه بسبب عمله معها و في نفس الوقت يمنحه مهمات بسيطة ليعلمه أنه كان جادا في جعله مقترنا بما سيحدث قريبا...

وصلها جواب نيكولاي الهادئ و هو يقول :

" أجل تقريبا أنهيته...أعمال خفيفة...تعلمين زعيمة أن غدا سيتم فتح مبنى الإتحاديات مرة أخرى لهذا أنا كنت أنهي آخر الأمور ...الزعيم كان يجهز لهذا منذ فترة....غدا سيجلس على كرسي المحكمة لعقد أول اجتماع ...."

أجابها نيكولاي بجدية و وصل لمسامعها صوت لوحة مفاتيح تدل أنه يتحدث معها و يعمل في نفس الوقت...و هي بالفعل تدرك أن غدا يوم هام جدا لوولف....غدا سيعقد اجتماعا مع أعوانه و عما قريب ستبدأ اجتماعاته مع الدماء النبيلة ...

الكثيرون في العالم يعيشون يومهم بشكل طبيعي و لا يعلمون ما يحدث في المافيا و أن الغد لن يكون عاديا...فغدا سيذهب وولف لفتح الركن الرئيسي للإتحاديات بصفته قاضي العالم السفلي...و بقدر حماسها بقدر شعورها بالفخر لذلك...أنه سيستعيد شيئا مهما كهذا له..

لكنها الآن تود معرفة شيء آخر...شيء على الروي معرفته من أجل مساعدة قاضي العالم السفلي...لا مزيد من كبح ما في داخلها..

لذا مررت يدها على خصلات شعرها ببطء و فجأة من اللامكان سألت نيكولاي بهدوء و جدية :

" سأسألك شيئا عن الآيفا نيكولاي..."

توقفت أنامل نيكولاي عن الكتابة و رفع رأسه بتفاجئ و هي سمعت ذلك ...توقف أنامله الفجائي.. و تدرك أنه موضوع حساس حتى بالنسبة لنيكولاي....لقد أخبرها عن الآيفا و عما يحدث فيها و عن وولف هناك لكن نيكولاي لم يمنحها يوما تفاصيل ذلك ...فالألم حين كان يسرد ذلك يجعلها تتراجع و تنهي المحادثة...لذا كل مرة تسأله عنها تسأله بحرص شديد...

لعل الآيفا كانت فعلا كابوسا سيئا جدا للجميع...مهما قال لها نيكولاي تؤمن أنه لا شيء مقارنة بالحقيقة...لأنه دوما يتجنبه و تتفهم لما وولف يتجنبه أكثر....نيكولاي عاش في الآيفا أقل بكثير من وولف و تراه لحد اليوم يعاني من ذكريات المكان...فما بالك بوولف...

أخرجها من أفكارها صوت نيكولاي و هو يجيبها بجدية لكن بنبرة هادئة خافتة هذه المرة لا تعلم إن كانت صادقة أو محاولة منه لإخفاء شعوره الحقيقي :

" ماذا عنها زعيمة ؟..."

لم تعرف مارينا كيف يجدر بها صياغة هذا دون أن تقود نفسها لنهاية غير منطقية أو تسيء فهم الوضع بأكمله ..مع ذلك ردت عليه بنفس النبرة :

" أخبرتني عن وشوم الآيفا و كيف أن كل عضو يحمل وشم حرف بداية لقبه في رقبته لكن داخل كل وشم رموز خفية تسلسلية تحمل رمزا عنه بأشكال صغيرة ...هذا ما يميزه.."

كان هذا ما وصفه لها نيكولاي سابقا عن وشم الوحوش...و أنه أسود بحرف أو حرفين في الرقبة على الجهة اليمنى و في أطراف كل حرف فراغ يحتوي على أشكال صغيرة متبعة برموز كل واحدة هي تسلسل رقمي يعرف عن حامله...أخبرها أن الوشم يمنح لك داخل الآيفا...و إن كنت صغيرا جدا سيتم انتظار سن معين...كوولف مثلا كان رضيعا حين تم إحضاره و لم يحمل الوشم سوى بعد سنوات...

مع ذلك و رغم معرفة نيكولاي بهذا و عدم فهمه لسبب تكرارها لهذا...إلا أنه أجابها قائلا :

" أجل...هذا هو وشمنا...."

أومأت مارينا دون أن يراها و مرة أخرى قالت بهدوء :

" أخبرتني أيضا أنك و وولف الناجين الوحيدين من الآيفا...هل أنت متأكد من هذا ؟..."

من الطرف الآخر ظهر التشوش على ملامح نيكولاي و نهض من مكانه بهدوء شديد كمن ينتظر خبرا ما لن يعجبه و كمن يجلس على أرض من الحمم ثم أجابها بحذر :

" على حد علمي.. أجل...نحن الوحيدان...لما تسألين زعيمة ؟...هل حدث شيء؟..."

بدا جادا بسؤاله كأنه اعتقد أن هناك خطرا عليها و على حياتها و هو مستعد للتدخل في أية لحظة و هذا لوهلة جعلها مترددة في أن تطرح عليه هذا السؤال على الهاتف بدل محادثة وجها لوجه فهي غير متأكدة من ردة فعله...

لكن صوت أنفاسه على الهاتف و هو ينتظر جوابه جعلها تنسى الحاجز و تنطق بجملة أحدثت وقعا مغايرا :

" ربما لأنني أعتقد أنني رأيت الليلة وشم آيفا آخر مطابق لخاصتك و خاصة وولف ..."

اتسعت أعين نيكولاي دهشة من الجانب الآخر كأنه لم يتوقع هذا...توقع كل خطر محتمل من الآيفا...إلا أن يكون هناك وحش آخر ثالث من ذلك الجحيم...

كان واقفا مكانه و على الأغلب أوقف أنفاسه أيضا محاولا جعله عقله يستوعب هذا...

ماذا ؟...

كانت كلمات مارينا ترن في ذهنه و هو يقف مكانه يحاول تجاوز تفاجئه و لا يعلم حتى كيف أوقف أفكاره من الإنشطار و استجمع صوته و سألها السؤال التالي بحساسية كأنه يقف فوق لغم أرضي:

" أي حرف كان زعيمة ؟..."

قالها نيكولاي و هو يبتلع ريقه كأنه لم يشرب ماءا لسنوات من الجفاف الذي أصابه فجأة خصوصا و هو يعلم أن الجواب سيحدد مدى الكارثة التي ستحل عليهم...

فحروف الوشم لا تكرر...كل وحش له لقب خاص به مختلف و يستحيل تكرار الألقاب...لكن في حالات إستثنائية جدا و نادرة إذا ما كانت بداية اللقب نفسها يضاف حرف آخر ..كما حدث مع نايت و نيكولاي...نايت أخذ الحرف الأول و نيكولاي أخذ إثنين....

كان يأمل ألا يكون الحرف الذي ستخبره به ينتمي لوحش من وحوش المرحلة السابعة أو الثامنة أو التاسعة فذلك سيء جدا....تقريبا أخطر المراحل هي الأربعة الأخيرة...و لأن العاشرة لم يصلها سوى إثنان فقط فهو يأمل أن يكون الوحش من مراحل أقل من السادسة ...ذلك سيكون أشد وطأة...

لكن حين أقول لا شيء...لا شيء جعله مستعدا لسماع ما أجابته به مارينا فأنا أعنيها فهي حين فتحت شفتيها بعد ذلك و أجابته بالتالي :

" كان حرف D ...كان الحرف لوحده...في الرقبة من اليمين و نسخة عن خاصتك و وولف...."

حينها لم يصلها أي صوت من نيكولاي...لا شيء ...ذلك لأنه من الطرف الآخر شحب وجهه...

لم يشعر نيكولاي سوى بنفسه يمسك و دون وعي منه ظهر كرسيه بقبضته بقوة و ظهرت داخل خضراويتاه لمحة ألم سريعة سرعان ما اختفت حين أغمض أعينه كمن تذكر شيئا مريعا وعرضت ملامحه ألما استجابة لما يعرضه عقله ...

كانت قبضته على الكرسي تزداد قوة و أحنى رأسه لوهلة على متنفسا و هو يفتح أعينه التي بدت مشتتة منكسرة ...بدا يحارب شيئا من ماضيه...بدا يحارب ألما ما ...بدا ضائعا و لأول مرة مساعد الروي بدا ضعيفا ...كانت أنفاسه دليل على ألم عميق في روحه...

نيكولاي لم يكن بخير و لا يعتقد أنه سيكون بخيرا....ما أن قالت حرف ال D ...كل ما تذكره هو ما حدث في الآيفا...الذكريات البشعة ...الآلام...عذاب الروح....القتل...الدماء...و الأسوء هو قتل النفس...

صاحب حرف ال D هذا كان جزءا كبيرا من كره نيكولاي للآيفا...كان لوحده نصف كابوس ماضيه....كان من المفترض أنه ميت..فلما نيكولاي يشعر الآن أن ماضيه قادم لقتله ؟...

هو ليس مخطئا...لا يخطأ من عاش في الجحيم التعرف على الشيطان و لا أحد يقلد وشم الشيطان..في الآيفا بأكملها عضو واحد فقط كان يملك ذلك الوشم...و دون وعي منه خرج همس من بين شفتيه و هو لا يزال منحنيا على كرسيه :

" ديافول..."

قالها و هو يبتلع ريقه و بطريقة جعلت مارينا غير مرتاحة و هي تسمع نبرته...استشعرت خطبا ما...شيئا سيئا يحدث و لا علاقة له بظهور وحش آخر فقط ...بل هويته في الآيفا...لما ردة فعل نيكولاي تبدو كمن تم تسميمه و لفظ إسم ديافول بطريقة كأنها آخر كلمة سيقولها قبل وفاته...

و وضع نيكولاي في الحقيقة لم يكن أفضل من ذلك ...فهو اعتدل في وقفته ثم سار بخطوات هادئة و ملامح مهتزة و جلس على أريكة في غرفة عمله الخاصة...

أبعد الهاتف من أذنه و وضعه بجانبه على الأريكة دون أن يغلق الخط كأنه يحتاج ثوان ليستعيد نفسه أولا...ثم و بكلتا يديه مسح على وجهه بعنف وهو يزفر بقوة محاولا العودة لصوابه و النجاة من دوامة ما ....دوامة الماضي....كان ضائعا يحاول إيجاد طريق المنزل...منزله الوحيد كان مارينا...و الخطر عليها الآن أكثر بكثير مما توقعه...

ما الذي يحدث بحق الرب ؟...ديافول من المفترض أنه ميت ....الشيطان من المفترض أنه ميت ...لما بدأت الآن لعبة مقيتة كهذه...لما الماضي يكرر نفسه...و وضع الوحوش الثلاثة في دوامة واحدة...؟

مارينا .....مارينا كيف التقت به ؟..ما اللعنة ؟...

عند هذه الفكرة أبعد يديه عن وجهه و حدق بالهاتف فوق الأريكة بجانبه لثوان مدركا أن مارينا لم تتحدث....لا شك و أنها تنتظر شرحا منه خصوصا و أنها تتفهم صعوبة ذكر ماضيه و مع قالته له توا ...الأمر تجاوز ذلك بكثير....

لذا بيده حمل الهاتف و أعاده لأذنه...ثم وبيده الأخرى مررها على خصلات شعره الأشقر و حين تحدث فاجئ مارينا بإسقاطه الرسميات بينهما و هو يقول فجأة بهدوء شديد جدا :

" مارينا...أخبريني أين و كيف التقيته و من هو ؟..."

قضبت مارينا جبينها من قوله و وقفت من مكانها تضم يدا واحدة لصدرها ....فنيكولاي حين يسقط الرسميات تعني أنه يحدثها كأخ لها و كصديق و ليس كمساعد...و هذا جعلها تقلق أكثر من السبب الحقيقي و ردة فعله الغريبة ...

مع ذلك كانت تعلم أنها ستجيبه عاجلا أم آجلا..لهذا أصلا اتصلت لحل هذا الموضوع....لكن مجرد تذكرها للأمر يزعجها بشدة...لا تعلم أيهما أشد إزعاجا...فقدانها لصديق أم خطورة هذا الصديق...

لذا إجابتها كانت جادة جدا بعدما سارت في الغرفة بهدوء و هي تحدق بالأرضية المفروشة و قالت كلمتين فقط بثقل مجرتين عند نيكولاي :

" الدوق آزارِيا..."

قالتها مارينا بطريقة و ملامحها جعلت الأمر يبدو كأن قولها لهذا الإسم و ربطه بالآيفا في ذهنها بدا خاطئا للسانها و غريبا جدا...رغم أن ذلك في ذهنها لم يمنعها من الإدراك التام لما حدث و ما سيحدث...

أخبرها نيكولاي أن وولف علم بهويته حين رأى الوشم صدفة في رقبته في تركيا...كيف و من الغريب أنها نفس الطريقة التي عرفت بها هوية آزاريا الليلة ...!

لم يسبق لها أن رأت الوشم من قبل ...لكن الليلة رأته و هذا جعلها تدرك أن آزاريا إما يكون اقترب منها لإيذاء وولف أو لسبب آخر أسوء ..و في كلتا الحالتين هذا قلب الأمور...

الصديق فعلا قد يتحول لعدة في ثوان !..

لذا تجاهلت ذلك مؤقتا و حاولت التركيز أكثر فركزت سمعها على نيكولاي لعلها تستشعر شيئا ما منه....ردة فعل ربما...لكن كل ما حدث أنها استمعت لتحركه من الطرف الآخر حول المكان و بنبرة جادة قال جملة واحدة :

" أنا قادم...علينا التحدث...نفس المكان المعتاد...توخي الحذر مارينا..."

عبارته الأخيرة قالها بجدية لا تخلو من التحذير و بدا مسرعا كأن الأمر خطير لدرجة لا يقبل التأجيل...و نيكولاي لم يسبق من قبل نهائيا أن تخلى عن الرسميات بينه و بينها في العمل مهما كانت الظروف...الرسميات بينهما تسقط فقط داخل القصر في روسيا....لذا كل ما يحدث الآن جعل ملامحها جادة و أكثر تقبلا لموضوع الخطر هذا...

" هذا ما كنت أريده...سنتدخل هذه المرة في اللعبة أخي..."

كانت آخر عبارة قالتها مارينا بكل جدية لنيكولاي الذي سمعها تخاطبه على أنه أخيها و تجعله يدرك فورا أن الليلة سينهيان شيئا هاما جدا...لذا هز رأسه بموافقة و أنهيا المكالمة على عجل....

ظلت مارينا تمسك هاتفها في يدها و تقف وسط غرفتها المظلمة تضم يدا لصدرها و بالأخرى كانت تلعب بأصابعها التي كانت تنغزها ككل مرة يقترب سفك الدماء...

كان الأمر غريبا...هذه العادة عند مارينا و التي تجعلها تستشعر اقتراب القتل...كان الأمر غير منطقي لكن جسدها دوما يمنحها إشارات....أناملها كانت تشتاق للدماء و كل مرة يفكر عقل مارينا بذلك تبدأ أصابعها العمل....التفسير لذلك غير موجود لكنها حقيقة كحقيقة الحاسة السادسة...

و سأكذب إن قلت أنها لم تبتسم توا بهدوء...

أما من الطرف الآخر حين انتهت المكالمة بينهما أعاد نيكولاي هاتفه لجيبه و توجه نحو مسدسه فوق الطاولة...تأكد من خزانه و بعدها وضعه خلف ظهره ...و خرج من الغرفة هذه متوجها لغرفة نومه بخطوات سريعة لكن غير مسموعة....

فعل كل هذا بملامح جادة جدا و دون أي مماطلة....ارتدى معطفا أسود قصير لكن سميك بياقة سميكة و مرة أخرى عاد لغرفة عمله أين المكان بأكمله كان عبارة عن أجهزة حواسيب متطورة و شاشات مراقبة و أدوات تجسس ...

أين و في تلك اللحظة جلس على مقعده أمام حاسوبه الرئيسي و مد يده ليضغط على لوحة المفاتيح...لكن شيء في تصلب أصابعه منعه....كانت أنامله متجمدة كما هو عقله الآن...كلاهما رفضا العمل ...كان سماع أن ديافول حيا أشبه بالغطس في بحيرة متجمدة...أوعيتك بأكملها تتوقف عن العمل...

الأسئلة كانت هائلة...

كيف فعل هذا ؟ كيف نجا ؟...هل هو من أعاد الآيفا ؟ و الأهم من كل هذا هل وولف سييرا كان يشك بأن من فتح الآيفا وحش منهم لهذا بدأ عمله مبكرا و لجأ له ؟ ربما أدخل نيكولاي في هذا لأنه كان منهم أيضا...يريد من أعضاء من الآيفا إنهاء الآيفا للأبد....

عليه أن يخبر وولف...سيتحدث مع مارينا و بعدها يخبر وولف...فإن كان ديافول وصل لمارينا بالفعل...إذن مشكلته مع وولف أكبر بكثير مما توقع....بحق الرب كيف له طوال هاته السنوات أن يكون حولهم و هم لا يعلمون ؟...منذ متى ديافول دوق في إيطاليا بحق الرب ؟ و لما كان نيكولاي أحمقا و نفذ أوامر مارينا...لأول مرة يندم لأنه نفذ أوامرها...كان يجدر به البحث عن الوغد بنفسه و ليس رجاله...

الليلة كان يعلم أنها التقت بالدوق...هو علم متى بالضبط دخل لإسبانيا و لا شك أنه حتى وولف سييرا علم بقدوم الدوق ...لكن من بحق الرب سيتوقع أن الدوق هو شيطان الآيفا وأنه على معرفة بمارينا ؟....الدوق من العائلة المالكة و لا أحد كان سيخمن ذلك...حتى نيكولاي و الذي كان يعلم به منذ سنوات لم يكلف نفسه عناء البحث عن هويته لأنه لم يشك أصلا...لا أحد يشك في أن الموتى أحياء...لا أحد سيبحث عن خلفية شخص ميت..هذا هو المنطق ...والآن هو فقك يدرك أن هذا غباء تام منه لن يكرر مستقبلا...

اللعنة ! ...اللعنة !...

الماضي فقط يعيد نفسه...تماما كتلك الليلة....نيكولاي ..نايت...و ديافول...ضعهم في غرفة واحدة و ينتهي الأمر بالدماء ....

مرة أخرى كان نيكولاي يمتن داخله لوولف سييرا بسبب الليلة التي جمعت ثلاثتهم...أعني هو يدين بحياته للرجل أكثر من مرة لو كنا صادقين و ليس فقط ليلة الإنفجار...

مجرد تذكر نيكولاي لتلك الليلة جعله يزفر نفسا و بأصابعه الباردة يدعك أعينه....ما جال في ذهنه أنه عليه حماية مارينا...ماضيه بالفعل دمره و لن يسمح له بأن يصل لها ...

لذا نظر لشاشة حاسوبه ثم و بأعينه الخضراء التي ظهرت حادة ...بدأ يكتب الأوامر للرجال حول الحماية و مواقعهم بالضبط...لقاءه بمارينا دوما عليه أن يكون عالي الحماية و في منطقة لا يمكن التجسس عليها و تكون آمنة من أجهزة التنصت أو اختراق نطاق الأراضي عن بعد... و حاليا هناك مكان واحد ...نفسه الذي التقى فيه مارينا أكثر من مرة ...

حين أنهى إرسال التعليمات...شغل نظام المراقبة و الكاميرات ...و فعل نظام أمن منزله ليعمل بعد مغادرته...و تأكد من أمن كل الطريق الذي يقود إليها....

كان ينجز كل ذلك بسرعة و بجدية و استغرقه مدة ليست بالقصيرة ....لكن ما أن أنهى ذلك حتى نهض مباشرة و غادر تاركا كل أنظمة الحماية تعمل حارصا على غلق الباب عالي الحماية للغرفة ....ليس و كأنه سيكون هناك شخص سيخترق الغرفة...فتلقائيا ما أن يتم اختراق الحماية من الباب الخارجي سيتم تعطيل كل أنظمة أجهزته و مسح البيانات في ظرف دقيقة...

نفس الشيء حدث المرة الماضية حين دخل وولف سييرا ...كل البيانات تم مسحها...الجيد في الأمر أن نيكولاي دوما يملك احتياطات سرية في كل مكان و إعادة بيانات هو من وضعها في بادئ الأمر ليس بالشيء الصعب عليه...

❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄❄

في نفس ذلك الوقت كان وولف واقفا بملامح باردة و بجانبه على اليسار خمسة من رجاله و هم يرتدون معاطفهم التي تحمل شعار الإتحاديات...كل رجاله غيروا ثيابهم منذ عودة الإتحاديات كما كانوا يفعلون قديما....

كان وولف يحمل الهاتف بيد و يمرر يده الأخرى على فكه بينما أعينه الحادة تنظر لشاشة الحاسوب و للمقاطع التي تعرض هناك واحدة تلو الأخرى...كانت انفجارات في شتى دول أوروبا و بالتحديد على الأقل خمسة انفجارات في كل دولة و كلها لأماكن تعود لوولف...

كان يشاهد ذلك بنظرات باردة غلفت أعينه الزرقاء و يستمع لصوت أوناي من الطرف الآخر ...حتى نطق فجأة يسأله ببرود :

" لا يهمني البناء ...أخبرني كم مجموع خسائرنا الليلة ؟..."

نظرا لأن كل ما تم تفجيره هو مستودعات تخزين غير قانونية و من المفترض أنها سرية و بعد الليلة هي ليست كذلك...فإن وولف يود معرفة كم خسروا من أموال في ليلة واحدة ...

و قد وصله صوت أوناي يجيبه بجدية :

" إن تحدثنا بالدولار...فقد خسرنا 400 مليون دولار توا....الشحنات كلها كان من المفترض نقلها في الأيام المقبلة...تخميني أن من استهدفنا كان يعلم بذلك ففجرها لضمان خسارة الأموال ...و ليس هذا فقط لقد عبثوا ببعض أملاك عائلتك في أمريكا وولف..."

ما قاله بدا غير فعال في تحريك ملامح وولف لأنه استمر يحدق بالنيران التي يراها من الفيديو الذي يعرض...لكن هذا لم يمنعه من سماع ما قاله أوناي ...و الذي أضاف أيضا يسأل بجدية لكن بنبرة هادئة :

" من فعل هذا وولف ؟... أبي أخبرني أنه لا يجدر بي التدخل كونك تعلم ماذا تفعل...لكن هذا لم يفعل شيئا في جعلي مرتاحا...أنت تتعرض لهجوم من شخص يعلم بأسرارك ... المستودعات سرية وهو فجر ثلث ما نملكه في أوروبا وحدها في ليلة...لو منحناه يومين سيأخذ راحته...لذا أخبرني من هو ؟..."

تقدم وولف ببرود و أغلق الحاسوب ثم و بيده أشار لرجاله بالابتعاد قليلا لمنحه الخصوصية و بعدها جلس على حافة الطاولة ببرود يضاهي الجو حوله و الرياح الخفيفة الباردة كانت تحرك خصلات شعره الذي يلامس عنقه من الخلف...مجيبا أوناي و هو يحدق بأرضية الحديقة بشرود :

" أحمق ما غاضب ...سأتولى أمره..."

قضب أوناي جبينه لهذا كون الإجابة لم ترضه و ليست ما كان يرغب في سماعه...و قبل أن يعترض تابع وولف بنفس النبرة :

" الأموال ليست مشكلة...الأمن هو المشكلة...لذا أريدك أن تفعل ما سأقوله أوناي...سأمنح رقمك لشخص إسمه نيكولاي ..لن تلتقيا لكن عليكما أن تبقيا على تواصل.. هو سيمنحك استراتيجيات أمن عالية جديدة و أنت أنقل التعليمات لتنفيذها على كل مواقع أعمالنا القديمة و الجديدة..ما تفجر منها و ما لم يتفجر..."

" من هذا نيكولاي؟ هل هو أحد رجالنا الجدد ؟ "

" لا....هو فقط شخص سيعمل على تأمين المواقع لأنني منشغل و لا أستطيع العمل على خطط أمنية أخرى ...."

أجاب وولف بجدية رافضا الإفصاح عن هوية نيكولاي الحقيقية...و كله ثقة أن أوناي سيفعل ما طلبه منه بالضبط ...فقط يتواصل معه على الهاتف و يعملا لحل المشكلة....عادة وولف من يقوم بالتأمين و وضع الاستراتيجيات...لكن غدا لديه عمل مهم جدا ...غدا سيتم فتح مبنى الإتحاديات...و هذا ليس العمل الوحيد القادم...الكثير منها قادم...و بالتالي تأمين مستودعات بضائع غير قانونية ليس في لائحة أولوياته حاليا....خصوصا و أن أميرة ما لا تزال هاربة ...و يومين صارا دهرا عليه...

" حسنا...علم و سينفذ...سأسهر الليلة على الاتصال برجالنا و بضباط الشرطة ليتستروا على محتوى المستودعات التي انفجرت ...في ذلك الحين أنا متأكد سيصلك اتصال من حكام العالم السفلي بخصوص هذا...لا أعلم كيف ستشرح الأمر لهم...لكن أريدك على الأقل ألا تفكر الليلة بهذا..قم بتأجيله و اهتم فقط بحدث الغد...ارتح الليلة...فغدا يوم مهم جدا لإسبانيا..و سأكون خلفك كالعادة أخي..."

كان أوناي محقا ... غدا أهم بكثير مما حدث توا...رغم أن الانفجارات ليست بالشيء السهل و العادي...و أيضا بالفعل سيصله اتصال من حكام العالم السفلي...ما حدث في أوروبا الليلة سيتم تصنيفه كتهديد على حكم المافيا ...العشائر بأكملها تعرف بهذا...لذا أجل...مشكلة أخرى تمت إضافتها للائحة مشاكل وولف سييرا...

ألقى وولف آخر كلمات في المكالمة ينبه أوناي حيال بعض الأمور تخص الحماية و آخر إضافات لبرنامج الغد ثم
أنهيا المحادثة و حينها ضم وولف يديه لصدره و ظل يحدق بالأرض بشرود و بدا غير مهتم بأن الجو بارد جدا ...بل فقط كان مهتما بأفكاره...

يعرف جيدا الوغد الذي فعلها..

ديافول كان يلعب معه...و السيء في الأمر أن ديافول علم بأماكن مستودعات سرية مما يعني أنه يعلم كيف يفكر وولف...و عدو يعرف كيف تفكر هو أخطر عدو قد تحصل عليه...

وولف غاضب جدا الآن...غضب من شدته كان متجمدا داخله و هو كان يتوقع حركة ما من ديافول لكن سيكذب إن قال أن الوغد لم يحسن اختيار الوقت...لأنه فعل...ديافول اختار الوقت الخاطئ بالنسبة لوولف...و لا بد أنه خطط لهذا عمدا....غدا يوم مهم جدا له كقاضي العالم السفلي...و حين كان في الأعلى في مكتبه يعمل على أمور تخص الغد علم بلعنة كهذه ...

رن هاتف وولف مخرجا إياه من أفكاره فنظر لشاشته و حين رأى هوية المتصل أبعد أنظاره عنها بانزعاج ...و الإنزعاج كان أول تعبير عدا البرود ظهر على وجهه طوال اليوم...شخص واحد في العالم يسبب له انزعاجا كهذا ...

ما أن ضغط على زر الإجابة ووضع الهاتف في أذنه وصله صوت مرتفع يتحدث بالإسبانية بغضب :

" وولف دي إيسكيفال سييرا ....كيف تجرؤ ؟..."

أجل..ترحيب لطيف بالنسبة لشخص لم يسمع صوته منذ أشهر ! لاحظوا السخرية رجاءا....

أبعد وولف الهاتف لثوان من أذنه من شدة علو الصوت ثم و بانزعاج أعاده مجيبا :

" مرحبا بك أيضا جدي...."

كان يقولها وولف ببرود كون جده دوما يختار الوقت الخاطئ و الطريقة الخاطئة للتحدث معه...فمناداة وولف بإسمه الكامل ليست أفضل طريقة لتحسين مزاجه لأنه يكره إسمه الثلاثي...لا يعلم ما الذي كان يدور في رأس جدته لتسميه إسما إسبانيا أمريكيا غريبا كهذا...من الجيد أنها ميتة...على الأقل ستبقى هيبة بقية أجيال سييرا القادمة محفوظة...

" آل سييرا لم يسبق لهم أن تعرضوا لمهزلة كهذه...أخبرتك احتفظ بأعمالك الإجرامية لنفسك...نحن لا نود التورط معك...لذا ما ذنب أبناء عمك ليتم استجوابهم كمجرمين حول سبب تفجير بعض ممتلكاتنا ؟...سمعتنا كانت بخير حتى أتيت أنت و صارت الشرطة تحوم حولنا....هل تود قتلي في هذه السن بمصائبك يا فتى ؟..."

أراد وولف أن يقلب أعينه بملل لكنه بصعوبة امتنع عن فعل ذلك تماما كما امتنع عن إخباره بأن عمره اقترب من التسعين و من الأفضل أن يموت و يريحه من الإزعاج لكن لا يعتقد أن ذلك سيساعد...

فمهما قال وولف جده سيظل ينظر له كمجرم لا ينتمي لآل سييرا....و هو محق في هذا ..الجميع يعلم بهذا..حتى والديه يعلمون أن وولف و ما يفعله خاطئ....ربما لم يفترض به العودة لعائلته الحقيقية أصلا...

أجل ..راودته فكرة كهذه يوما...أنه ربما لو لم يعد لهم يوما و ظل يعمل في الأعمال الغير قانونية دون لقب سييرا لما وضع لطخة على سلالة أرستقراطية نقية كخاصته و لما وضع كل العائلة في خطر....وولف الآن و في سن الثانية و الثلاثين يدرك أن هذا كان التصرف الأفضل لفعله آنذاك...لكن وولف في سن السادسة عشر ...كان فقط يود رؤية عائلته الحقيقية التي تم إخباره منذ طفولته أنهم أموات بسبب إنجابهم لوحش مثله...

أتراه كان آنذاك يحاول أن يثبت لنفسه أنه لم يذنب حين كان صغيرا و أنه ليس السبب في مقتل عائلته؟....أتراه كان يحاول أن يثبت لنفسه أنه ليس الوحش الذي صنعوه؟...

لاحقا طبعا أدرك أنه هو من اختار هذا...هو من اختار أن يكون ما يكونه...لا الظروف و لا الآيفا...الماضي كان شعلة لإيقاظ شيء كان داخله بالفعل...شر سيء جدا...لهذا دوما كان الأفضل في ذلك الجحيم....لأنه خلق من أجله و يستحق أن يموت فيه ... لم يقل يوما أنه ملاك...و لم يقل يوما أن الآيفا صنعته...هو من صنع نفسه ليدمر الآيفا و الظروف...

" أخبرني من الضابط الذي كان يستجوبهم..سأتولى أمره..."

ما أن قال هذا حتى وصلته من الطرف الآخر سلسلة شتائم بالإنجليزية جعلته يرفع حاجبه و هو يستمع لها بلامبالاة و يحدق في ساعة يده و كم أن الوقت تأخر و هو يضيعه مع عجوز بقيت له خطوة نحو القبر مع ذلك يشتم دون خجل ببذاءة...أرستقراطي نعم.. لكن وولف لن يقل يوما أنه محترم أثناء غضبه...

حين أنهى الجد المحترم شتم و سب وولف ...سمعه يزفر من الطرف الآخر محاولا التحكم في غضبه ...كما سمعه يشرب شيئا ما ....مشكلة كبار السن مع الضغط المرتفع كما تعلمون...

بعد كل ذلك تنهد و صمت لثوان قائلا بتحذير:

" إياك و قتله...لا أصدق أنني أتحدث مع حفيد لي عن القتل أصلا...ما الذي حل علينا بحق الرب...و أنا جاد في تحذيري...الضابط إبن صديق قديم لي و أنا أحذرك يا فتى...كوبير سيتحدث معه لا أود تدخلات غير قانونية ..."

كوبير كان إبن عم وولف و على عكس وولف الحفيد الخارج عن القانون ...كان كوبير الحفيد الأمثل لرئاسة أعمال سييرا كلها...و وولف ليكون صادقا لا يزعجه هذا و لا يحتاج أموال سييرا و لا رئاسة عائلته....لكن جزء صغير داخله ينزعج حين يرى نظرات والده لذلك و كيف أنه كان يتمنى لو كان وولف مكان كوبير...فبالنسبة لوالده العائلة هي كل شيء و مكانة المرء في عائلته مهمة ...و حبه للعائلة أيضا هو ما جعله يرفض التخلي عن وولف من قبل حين أتاهم غارقا بدماء الإجرام...

لو كان لوولف ندم عن حياة الإجرام هذه فسيكون ندمه الأعظم أنه لم يكن الإبن المثالي لوالده الذي كان يعتز بنسل سييرا....لعله خيب له ظنه رغم أنه لم يظهر له ذلك يوما ...لكنه سؤال يسأله وولف لنفسه دوما....هل كرهه والده يوما يا ترى و لو بنسبة ضئيلة ؟ هل تمنى والده يوما لو لم يعد وولف لحياتهم و لو لمرة واحدة على الأقل كل هذه السنوات ؟....

طبعا كلها تساؤلات لا تبدو كتساؤلات قد يطرحها قاضي العالم السفلي على نفسه...لكنه لا يخجل من قول أنه فعل و أكثر من مرة....المشكلة أن الإنسحاب صار صعبا بل غير ممكن حتى...ربما لو كان بهذا التفكير الآن قبل سنوات لكان قد قرر أن يظل دون عائلة طوال حياته....

لذا مسح على فكه بإبهامه و استقام من مكانه حاملا الحاسوب الذي كان على الطاولة في يده ثم أجاب جده بجدية و بطريقة مختصرة كأنه لا يملك وقتا له :

" لما اتصلت إذن إن لم يكن لتطلب حل المشكلة ؟..."

سار وولف داخلا المنزل بهدوء و بعد سؤاله وصله هدوء شديد من الطرف الآخر ...هدوء شديد لدرجة أن وولف اعتقد لوهلة أن العجوز جده أغلق الهاتف و قبل حتى أن يبعده ليتأكد وصله جواب :

" لأي حد أنت واقع في المشاكل يا فتى ؟..."

كانت نبرة غريبة...لم يفهم وولف إن كانت تساؤلا صادقا أم أنه استشعر تعبا مفاجئا من نبرة الجد سييرا المزعج هذا...و بالتالي رفع حاجبه باستغراب و أجابه بنفس البرود :

" لما ؟...تود المساعدة مثلا ؟..."

كان يسير وولف داخل القصر يمر ببعض رجاله الذين كانوا يدخلون و يخرجون من غرف المراقبة لأداء عملهم فيحيونه أثناء ذلك حتى وصله جواب من جده بهدوء :

" ربما ..."

هذا مزعج...جده مزعج...لما لا يغلق الهاتف في وجهه و يريح نفسه بدل هذا ؟...

هز وولف رأسه بقلة حيلة و ملامحه لا تزال تحمل بعض البرود و لم يمنح أي إجابة للعجوز...فقط اكتفى بالسير داخل الأروقة بصمت و يستمع لصوت أنفاس من الطرف الآخر...

بدا كلاهما عنيدان ..لا أحد يرغب في التحدث أولا و بالتالي الصمت استمر لأكثر من نصف دقيقة بينهما و المكالمة فقط متواصلة دون سبب...حتى نطق جده و هو يقول فجأة بهدوء حين كان وولف يصعد الدرج الذي يؤدي للطابق العلوي :

" كيف لم تخبر أحدا من عائلتك عن زواجك الثاني ؟..."

هذا السؤال استوقف وولف للحظة و توقفت خطواته وسط الدرج لثانيتين بصمت قبل أن يستكمل صعوده و تحولت ملامحه الباردة لأخرى جادة مرة ثانية يجيب جده دون تردد:

" دعنا لا نكذب على بعض...لا أنا مهتم بالسييرا و لا هم مهتمين بي...لذا زواجي لا أعتقده سيهم أحدا منكم...لذا لننهي المكالمة ..."

ما قاله وولف قد يبدو غير لائق و ربما وقح فوولف عادة لا يستخدم هذا الأسلوب في التحدث مع أي كان...لكن كلاهما كانا يدركان أنها الحقيقة عارية...

وولف قال توا الحقيقة...آل سييرا لا يهتمون بوولف...لم يكونوا في زفافه الأول و بالتالي لن يسمعوا بالثاني منه...لطالما كانت حياته معهم هكذا و هو كان جادا حين أخبر مارينا أنهم رجال يتبعون القانون و هو نظريا عدوهم كونهم لا يعتبرونه منهم...ليس حزينا على ذلك...لكنه أيضا لا يلعب بخصوص ذلك...هو أبعدهم لسبب و أخرجهم من حياته...إعادة المياه لمجاريها بعد اختفاء مسار النهر من الأساس لم يبد منطقيا...

جده الآن و في نهاية عمره لعله يحاول بطرق خفية محاولة معرفة المزيد عن حفيده البعيد عنه ..لا يدرك بعد أن الأوان فات لذلك...هذا ليس لعب أطفال و الأمور من الأفضل أن تبقى كما هي ...ديافول بمحاولته العبث مع آل سييرا في أمريكا كان يحاول معرفة مكانتهم عند وولف ليعرف إن كان سيستخدمهم في حربه ضده أم لا...و بالتالي كلما أثبت وولف عكس ذلك كلما خفت المشاكل عن رأسه...

" سآتي لإسبانيا يوما أيها ****** و سأريك كيف تتحدث مع جدك باحترام..."

ها قد عاد الإزعاج....لما فقط لا يكتفي بأخذ الإهانة و يغلق المكالمة ؟...و لما عليه إزعاج وولف أكثر كل مرة يحدثه على أساس أنه لا يزال فتى صغير...؟

و بالتالي رد وولف كان تلقائيا حين قال له بجدية :

" و من أخبرك سأسمح لك بدخول إسبانيا ؟..."

" لما ؟...هل صارت بإسمك و أنا لا أعلم ؟...."

قالها جده بسخرية جعلت وولف يجيبه بجدية رغم ذلك :

" أجل...نسيت أنك لا تعلم....لذا لا تحاول حتى إزعاجي أنت و أحفادك هنا..و في المرة القادمة التي تود فيها معرفة أخبار أبي...لا تستخدم هذه الطريقة...اتصل به مباشرة و لا تحاول سحب حديث مني....وداعا الآن لدي عمل مهم..."

هكذا أغلق وولف المحادثة دون أي أدنى خجل مما فعله أو حتى تعابير على ملامحه...فقط أغلق المكالمة معيدا هاتفه داخل جيب سرواله مواصلا صعوده للأعلى ببرود...

محادثة عادية بينه و بين جده كالعادة...لا داعي لتكبير الموضوع...

جده لا يزال عجوزا مزعجا...فهو و والده لا يزالا متخاصمين و لم يتحدثا منذ أشهر...كل مرة خصامهما لسبب معين و جده دوما يفتعل شيئا أو يدعي أنه غاضب من عمل قام به وولف أو خبر انتشر عن وولف في الصحف حتى يتصل به...يشتمه و بعدها يلف و يدور و يسأله عن والده....

طريقة حمقاء جدا...وولف ليس متفرغا ليكون الوسيط بين رجلين راشدين متخاصمين...أعني بحق الرب ذاك ليس عمله !

و لا شك أن جده الآن يشتمه من الطرف الآخر...أخبرتكم رجل أرستقراطي بلسان بذيء !...

بالطبع وولف تجاهل كل هذا و واصل طريقه حتى الطابق الذي يستقر فيه حاليا لوحده حيث كان يشغل غرفة نوم كبيرة هناك و يعمل في المكتب الموجود بقربها بينما بقية الغرف في الطابق فارغة ...

دخل غرفة عمله بعد مدة أين وجدها مظلمة صامتة كبقية الطابق بأسره..و قد تركها مظلمة أيضا مغلقا الباب خلفه...

تقدم نحو مكتبه جالسا على الكرسي و وضع الحاسوب الذي كان في يده على الطاولة ثم فتحه و فتح بجانبه حاسوبه الخاص و أنار مصباح المكتب فحسب و بعدها توقف يشبك أصابعه سويا و يحدق بالشاشات بصمت مسترخيا بظهره على المقعد....

كان ينظر لهما بصمت كأنه يحاول التفكير أولا قبل بدأ العمل الجاد....ظل شاردا بملامح حادة يحدق بالشاشة و أفكاره تتراكض داخل ذهنه...

الشيء الإيجابي فيما حدث الليلة أنه سيجد ديافول بعد دقائق... !

هذا ما فكر به وولف أولا...ذاك لأن الإنفجارات كانت رسالة من ديافول لكن رسالة كهذه مثلها مثل أي رسالة تكون دوما متبعة بعنوان...وولف كان ينتظر حركة كهذه ....الجيد في الأمر أيضا أن ديافول لا يعلم بأن وولف قادر على فعل الكثير بأصابعه ما أن يمسك حاسوبا ما...الآيفا دوما أخفت ذلك و لأول مرة يعتقد وولف أن ذلك إيجابي عليه...

بإصبع واحد ضغط وولف على زر سمح له بفتح صور أرسلها له رجاله عن مارينا...كان يراقبها دوما كالظل أينما تذهب و لا شك أنها تعلم بذلك لكنها لم تحاول الإفلات من رجاله كما كانت تفعل سابقا و لم يحاول هو الضغط عليها ...

كانت الصور تعرض عليه و التي تخص مساء الليلة...فصور بقية اليوم قد تلقاها بالفعل...لذا حمل علبة سجائره التي كانت مرمية على سطح المكتب ثم أبعد خصلات شعره السوداء التي غطت أعينه مشعلا سيجارته بعد ذلك و التي لم يمهلها ثانية حتى بدأ باستنشاقها و الدخان يلتف حوله...

كانت تبدو جميلة في الصور كما هي في الحقيقة حتى و هي ترتدي لون الظلام كانت لا تزال جميلة و شيء في نظره لذلك جعل أعينه تسقط برودها لوهلة و تستبدل ذلك بنوع من الهدوء و لمحة ابتسامة على جانبي أعينه ...

كانت أول شخص يجعله يقف في المنتصف..لا هو قادر على أخذ خطوة للأمام و لا للخلف...كان ينتظر قرارها هي...كان جادا حين أخبرها أنه يمنحها حرية الزمن و يملك حرية المسافة ...لن يحرمها من ذلك و إن كان غيابها يجعل الدم داخله يثمل و يتساقط كنبيذ سال من قارورة خمر مفرقعة...

كيف كان الفراق عنده ليومين شديد المرارة هكذا بينما هي عانت منه لسنوات ؟....يتساءل إن كانت هذه كفارة ذنب ارتكبه و لم يعلم به حتى...

يؤمن أنه لم يعد هناك علاج منها...كانت كشخص أتى غارسا جذوره مع شرايين قلبه بالذات ..سحبها كان الموت...صارت أعلى شجرة في غاباته التي ستحترق باحتراقها و تنبت اخضرارا بإزهارها...

الآن و هو يحدق بصورتها كان يدرك أن النظر لها أشبه بقراءة تعويذات ضد السحر و بدل إبطاله كانت ترفعه و تمزجه مع الروح أكثر حتى يصبح دخان كل شمعة يملأ رئتيه كما تملأ أعينها عقله...

كانت الصور تتغير أمامه كتغير الفصول في السنة...تارة يراها تبتسم فيكون ربيعا و حين يراها هادئة يصبح الخريف في ثانية...تقضب جبينها فيسقط مطر الشتاء أما حين يتحرك شعرها يزيد من لهب الصيف معه...

كان يدخن و هو يرى ذلك بينما في الحقيقة لا يدرك أيهما كان أشد سمية عليه...دخان التبغ أم لون الدخان فوق جفنيها...لما لم يرها واقفة أمامه ترتدي لون الظلام فوق عسل أعينها؟ كيف تحرمه من ذلك و من تأمل جمال الأسود عليها...؟..

فجأة قضب وولف جبينه حين توقفت الصور تماما كمن يحرم مريض تنفس من أوكسجينه ...هذا لم يكن المطلوب...يحتاج المزيد للتأكد من حمايتها....رجاله حولها دوما لكنه ليس هناك حولها...لذا ترك سيجارته بين شفتيه و بأنامله قرب الحاسوب منه و قرأ ملاحظات رجاله المكلفين بحراستها حيال تفاصيل عملها في الفندق و اجتماعها مع بعض العملاء و معلومات عن العملاء و هوياتهم و كيف أنهم لم يشكلوا أي خطورة عليها ...ثم و أخيرا قضاءها بعض الوقت على البار تحدث شخصا ما بدت تعرفه و لم يرغبوا في انتهاك خصوصيتها...

ماذا ؟...

انتظروا لحظة...

هذه الملاحظة الأخيرة جعلت وولف ينزع سيجارته يطفأها فورا و يعتدل في جلسته نافثا آخر دخان استنشقه من سيجارة غير منتهية...

رجاله كعادتهم أرسلوا كل التفاصيل فقرأها وولف أكثر من مرة مدققا على كلمة..و مع التفاصيل تم إرسال تسجيلات شاشات الكاميرا في الفندق أين كانت تجلس...

دون تردد فتح وولف الفيديو بملامح جادة راقب عملها و كيف سار الإجتماع بسلاسة و أعينه لم تغفل عن أي تفصيل من تفاصيل المكان حولها و الجالسين حول المكان...

انتهى الاجتماع ...غادر مساعدها و بعدها توجهت هي نحو البار...كل هذه المدة و للآن وجهها لم يظهر للكاميرا...كانت تدرك اتجاه الكاميرات و تعطي ظهرها لهم دوما و بمهارة عالية خفية تجعلك لا تشك بها إطلاقا...و هذا وسط جديته جعله يبتسم بخفة...

حين تكون زوجتك أيضا من المافيا و تعلم كيف تسير في المناطق العمياء لكل كاميرا و كيف تتفادى إظهار وجهها دون أي حركة خاطئة ! مبهر...

المشكلة في هذه أنها جلست على البار في نقطة عمياء أيضا و بالتالي لم يستطع رؤية سوى جزء صغير جدا من ظهرها...فرغم حجم البار إلا أن المكان الذي اختارته كان دقيقا...لهذا لم ير أي شيء يقابلها...كل ما رآه من هذه الشاشة هو الأشخاص الذين كانوا جالسين خلفها على طاولات الطعام..

لكن وولف و رغم هذا لم يتوقف عن المشاهدة حتى رأى ظلا ظهر انعكاسه على الأرضية فقام بتكبير حجم الشاشة و علم أن هذا الشخص جلس بجانبها...

من هذا ؟ و لما قال رجاله أنها بدت تعرفه ؟...

لم تكن هناك أي صور له ...كان يجلس في منطقة عمياء للكاميرا كذلك طوال المدة ؟...هل هذه صدفة ؟...

مرر وولف إبهامه على فكه و لم يرمش للحظة يشاهد الفيديو الذي لم يتغير منه أي شيء سوى بعد دقائق حين نهض الكثير من الحاضرين فجأة و غادروا ....

حسنا...الآن لم يعد الأمر عاديا...هذا غريب...نهوضهم في نفس الثانية و مغادرتهم بنفس الطريقة جعلته يدرك أنه رجال و نساء خاصين متنكرين للعمل...

هذا الإنذار الأول ...

قست ملامح وولف عند إدراكه لهذا و بسرعة ضغط بأنامله على لوحة المفاتيح آخذا صورة لكل من نهضوا و أرسلها للحاسوب الآخر الخاص به و الذي سحبه بدوره مدخلا الصور لقاعدة بياناته ليتعرف على هوياتهم...ثم ترك البحث جاري و أعاد أنظاره لشاشة المراقبة بملامح جادة ...

سيتم التعرف على هوياتهم في ظرف دقائق مهما كانوا يعتقدون أنهم مخفيين عن العالم...حين يملك وولف صورتك و يبحث عنك...انتهى الأمر في دقيقة...كانت التكنولوجيا و كانت أنظمته بين يديه...

مرة أخرى راقب وولف ذلك لدقائق أخرى لا يعلم من معها و ما يجري سوى أن ذلك الشخص مهم دون شك ... شيء في حدسه يخبره بذلك...لهذا ظل صابرا يحدق بالشاشة و في الحاسوب الآخر البيانات بدأت تصطف أمامه فانتقل له و بدأ يقرأ...

كانت بطاقات هوياتهم...أصلهم...تعريفهم...كل شيء عنهم...من ولادتهم لعناوينهم و حتى الطول و الوزن....الشيء الغريب جدا أن جميعهم يملكون جنسيات مختلفة ...و لا جنسية تم تكرارها...و لا واحدة إسبانية...

حسنا..ما مدى احتمال جلوس أشخاص من دول مختلفة و بلغات مختلفة على طاولات طعام سويا كأنهم يعرفون بعضهم  مغادرتهم في نفس الوقت في نفس المكان ؟...

الإنذار الثاني...

الآن عليه أن يجد القاسم المشترك بينهم و الذي هو ' متى دخلوا لإسبانيا؟'....مرة أخرى نقل وولف بياناتهم و ربطها ببيانات مطارات المدينة بأكملها يبحث عن وقت دخولهم لمنطقته...

أقل من دقيقة و كان الجواب أمامه و هذا جعله يرفع حاجبه ببرود و فك منقبض مما قرأه...

حسب ما قرأه سنعيد  صياغة السؤال...

ما مدى احتمال جلوس أشخاص من دول مختلفة على طاولات طعام سويا و مغادرتهم سويا و الذين صدف أنهم أتوا جميعهم لإسبانيا في يوم واحد و الذي هو قبل ثلاثة أيام لكن من مطارات مختلفة كأنهم يتعمدون فعل ذلك و إخفاء أثر قدومهم ؟....

كان ذلك سينجح لو لم يكن وولف يملك يدا على أمن المطارات...و الجيد أنه ليس الجميع على علم بذلك...

و الآن هذا هو الإنذار الرابع....الأمر صار جادا الآن...

ألقى وولف نظرة سريعة على الشاشة أين لا تزال تتواجد مارينا على البار تحدث الشخص المجهول فاستغل هو ذلك و فكر لثوان بسرعة يحاول إيجاد ثغرة ما ليبحث فيها...

فكر و فكر و فكر حتى وجد أنامله فجأة تتوجه نحو حاسوبه أين نظر له بصمت لثوان و بعدها قام بالبحث عن لائحة كل القادمين لإسبانيا قبل ثلاثة أيام من كل المطارات...

هذا قد يستغرق أكثر من ساعة لتظهر له لائحة بآلاف الأشخاص...لكن ليس هذا هدفه....فكرة فجائية لمعت في ذهنه...

ماذا لو قلص الاحتمالات لتطابق شخصا ما يشك وولف فيه في مل شيء يحدث مؤخرا ؟ لنفترض فقط هذا...سيجرب و يرى إن كان تخمينه صحيحا....

غير وولف من البيانات و جعلها عن لائحة الرجال القادمين لإسبانيا من إيطاليا و العمر ثلاثون سنة...

تماما كبيانات ديافول الوحيدة التي يملكها عليه حاليا..

كان يرى دائرة البحث جارية و هو بدأ يطرق أصابعه على الطاولة و يحدق بالشاشة كمن ينتظر نتيجة حاسمة...كان على حافة أعصابه و بدت له الثواني التي استغرقها البحث ساعات و ساعات لكنه لم يتحرك..فقط أنامله من فعلت...

ظهرت اللائحة فجأة أمامه فاقترب من الحاسوب...

كانت لائحتين أمامه...الأولى لائحة  من مئة شخص يطابقون المواصفات...أسماءهم تم تسطيرها أمامه...و بجانبها لائحة مصغرة عن الشخصيات الهامة التي يتم حفظ معلوماتهم و صورهم من قبل دولتهم...

اللائحة المصغرة كانت من أربعة أسماء فقط لأشخاص إثنان منهم أتوا في طائرة خاصة و إثنان في طائرة عادية...وولف كان يملك الصلاحيات لذلك طبعا لذا فتح الملف بعد إدخال شيفرة معينة فظهر الجواب...

الأول إيميليانو دي مايو....عميل مخابرات خاصة إيطالية صورته موجودة ...

الثاني آزاريا إيفيريا ...دوق إيطالي غير رسمي...صورته غير موجودة...

الثالث سانتينو كالديرون عضو من أعضاء البرلمان...صورته موجودة...معلوماته الكاملة غير موجودة...

الرابع بافيدو سانتينو...يظهر هنا صورة معدلة تخفي بعض ملامحه الحقيقية و مهنة ترتبط بالسفارة لكن وولف يعلم أنه قاتل مأجور...

كان هؤلاء الأربعة من الشخصيات الهامة التي دخلت إسبانيا قبل ثلاثة أيام و من إيطاليا....

مع ذلك لم يغفل وولف حتى قرأ كل اللائحة الأخرى التي تتكون من مئة إسم و التي وضعها أسفل اللائحة الصغيرة و ظل يقرأ في الأسماء و الألقاب و يحاول ربطها بشيء يعرفه...كان يربط كل إسم كل هوية كل لقب...بالكثير من الأمور ....ظل يقرأ الأسماء كلها و ينظر للصور محاولا تحفيز شيء في ذاكرته...يعلم أنه لن يتعرف على ديافول...آخر مرة رآه كان في الثالثة عشر حين اعتقده ميتا و تجاوزه ناسيا أمره...

لكنه لم يزل إصراره محاولا ربما إيجاد خيط آخر عنه...لا يعلم لما ربط هذا الشخص الذي يجلس مع مارينا بديافول...لكن حدس داخله أخبره أن يجرب....

كل ما يعرفه عن ديافول هو إسم والده فارسيا...لم تسنح لوولف يوما الفرصة للبحث خلف ديافول...بحث فقط خلف نيكولاي لأنه قرر إنقاذه و احتاج معلومات عنه...لكن ديافول بالنسبة لوولف كان شخصا ميتا...و لا أحد ينبش قبور الموتى...

طبعا هذه القاعدة لا تنطبق حين يتضح أن الموتى عادوا للحياة !...

جذب أنظار وولف حركة من الشاشة الأخرى...فنظر لها ليجد مارينا وقفت من مكانها فجأة لثوان و بعدها التفتت لتغادر لكن وجهها لم يظهر بشكل واضح للكاميرا...كانت تسير بين الطاولات و بين كل نادل يمسح الطاولة و كل نادل يحمل صينية طعام...كانت تمر بينهم بخفة و مهارة كي تظلل على نفسها و لا تظهر وجهها مباشرة لأي كاميرا...

كانت بارعة عليه الإعتراف....لو لم تكن زوجته و يحفظ كل إنش منها و من مشيتها و حركتها و شعرها و طول كل شيء فيها لما علم من تكون...

طبعا هذا لم يكن كل شيء ...وولف حتى و بعد مغادرة مارينا ظل يحدق بالكاميرا يحاول إيجاد شيء يبعد شكوكه عن ذلك الشخص...شيء يجعله يصدق أنه فقط شخص تعرفه و ليس شخصا خطيرا...كأن يسير مثلا و يراه أو يرى وجهه و مظهره ....

كان وولف فقط ينتظر هذه الفرصة ...و حين رأى انعكاس ظله على الأرضية و حين اعتقد أنه سيقف و يظهر للكاميرا حدث عكس ذلك تماما...

لقد إنطفأت كل الكاميرات في المكان و تحولت الشاشات لسواد...

انطفأت الكاميرات و آخر تسجيل للكاميرات كان بعد ثوان من مغادرة مارينا و بعدها تم إعلان عطل في الكاميرات....

قبض وولف على فكه و يده بقوة و هو يحدق بالشاشة التي صارت سوداء و التسجيل الذي انتهى مخلفا خلفه عبارة واحدة في ذهن وولف...

الإنذار الخامس اللعين...انتهى الموضوع...هذا الشخص صار في اللائحة السوداء...

ظل وولف ينظر للشاشة المظلمة كأنه يود تحطيمها و أفكاره لم تكن تساعد ...مارينا الآن متواجدة هنا بأمان في القصر و هو يعلم....لكن هذا لن يجعله يتجاهل كل الإنذارات التي رصدها من فيديو مدته أقل من ربع ساعة لجلوسها مع شخص كرهه وولف دون أن يراه...

أمال وولف رقبته لثوان ثم قضب جبينه و دون مزيد من التفكير أزال تسجيلات الشاشة و فتح ملفا آخر سريا لا يفتحه عادة ...ضغط على كلمة مرور معينة فتم فتح قاعدة بيانات أخرى صنعها هو بنفسه ليحفظ فيها معلومات خطيرة و مهمة ...

فتح لائحة معينة و كان فيها رموز مشفرة كثيرة لا يمكن لأحد قراءتها أو فهمها عدا وولف...لأنه كان يكتب كل معلومة خطيرة بطريقة مشفرة...هو يقرأها بسهولة كما يقرأ أي لغة يجيدها لكن غيره لن يفعلوا قد تبدو لهم كالصينية....كيف تتقن لغة أنت لا تعرف أبجديتها أو صانعها...هكذا هي الشيفرة...

ظل يقرأ تلك الرموز الغريبة أمامه و التي دونها ...أين ذكر إسم ديافول و إسم والده و إسم آيبار آندريس...والد ديافول كان إسمه فارسيا....فارسيا إيفيريا...وولف ليكون صادقا اكتشف ذلك صدفة في آخر ليلة للآيفا...لقب فارسيا كان دوما مجهولا لكن وولف علمه قبل أن يقتله بلحظات...و بعد الآيفا وولف حرص على كتابة كل شيء كي لا ينساه مع مرور السنوات....كلقب إيفيريا الذي نساه تماما...

كيف له أن ينسى لقبا لعينا كهذا... دوما في ذهنه كان فارسيا هو فارسيا دون لقب....لم يبالي يوما بذلك...

توقف وولف عن القراءة فجأة و توسعت أعينه بقليل من التفاجئ حين كرر نطق اللقب داخل عقله...إيفيريا..؟...إيفيريا؟...لقد قرأه توا ....

نظر وولف بسرعة للائحة الأشخاص القادمين من إيطاليا و مباشرة وقعت أنظاره على لقب واحد ...لقب واحد من شدة تركيزه عليه كان يشعر بأنه صار كبيرا يغطي حجم الشاشة....

آزاريا إيفيريا....

من سابع المستحيلات أن يقنعه أحد الآن ...أن رجلا في سن الثلاثين من إيطاليا يحمل لقب فارسيا و أتى لإسبانيا قبل ثلاثة أيام هو مجرد صدفة ...

ضغط وولف على ملفه بفك منقبض و أعصابه على الحافة ليقرأ الشيء الوحيد الذي أكد له كل ظنونه....

إسم والد الدوق الإيطالي هذا أي الدوق السابق هو :

فارسيا إيفيريا....

بمعنى آخر...ما رآه وولف الآن كان إسم ديافول الحقيقي  و والده الأكثر شيطانية منه...

ظل وولف لدقائق يحاول إستيعاب ما قرأه و ما رآه و ما اكتشفه في هذه الدقائق الماضية....عدة أفكار ركضت في ذهنه...

أولها...لو لم يكن وولف قاضي العالم السفلي لخسر اللعبة ضد ديافول...فكرة كهذه جعلت الدم يتجمد في عروقه...فقاضي العالم السفلي وحده يملك سلطة على بيانات أمنية كهذه تخص الدولة...غيره كان من المستحيل الوصول إليها...و إكتشاف أمر كهذا...

ثانيا...ديافول الوغد طوال هذه السنوات موجود حوله و هو لا يعلم....كان يمثل الدوق للعالم ....مما يعني أن والده اللعين كان من العائلة المالكة؟...ربط وولف كل هذا بتاريخ تأسيس الآيفا و تأسيس تغير النظام الملكي....في إيطاليا تحولت المملكة إلى جمهورية في نهاية الخمسينات...الآيفا تأسست في نهاية السبعينات...و وولف قتل فارسيا في التسعينات و هو نفسه زمن إعلان وفاة دوق إيطاليا الأخير...كل هذا كان أمامه لسنوات ....ما الذي يحدث بحق الرب ؟...

و الأهم من كل هذا ....مارينا تعرف ديافول ؟ أم تعرف آزاريا ؟ و كيف حدث هذا ؟...

شعر وولف بعقله يحمل ضغطا هائلا فجأة و هو يعيد لنفسه كل المعلومات كأنه يحاول التأكد من كل ما اكتشفه....

كانت الحواسيب أمامه....بحث سريع قام به مستخدما سلطة القاضي و النتيجة كانت كارثية...كان يريدها لكنها كانت كارثية...

ما جعله غاضبا أكثر كان أن ديافول وصل لمارينا أسرع مما توقع وولف...ديافول كان يريه أنه يسبقه بخطوة...وولف لم يحب هذا بتاتا...أن يكون قد تعرف على مارينا قبله...تعني خطرا أكبر عليها و على الجميع...

هنا...رفع وولف رأسه و مد يده فاتحا صندوقا صغيرا فوق مكتبه و أخرج هاتفا معينا..

كانت ملامحه باردة قاسية و أنامله ضغطت على الهاتف و هو ينظر له بتفكير....سيتأكد لآخر مرة ليقطع الشك باليقين مرة أخيرة و للأبد...

الآن بات يعرف إسم ديافول الحقيقي...لكنه لا يعرف وجهه و لن يستطيع إيجاده بسهولة ...الشيء الوحيد الذي لن ينساه عنه هو صوته...صوت ديافول كان محفورا في ذهن وولف للأبد...منذ سنوات و حتى قبل يومين من تلك المكالمة...

لذا نظر وولف لملف آزاريا إيفيريا اللعين و تمكن بسهولة من الصور لبياناته الخاصة أين يتواجد رقم هاتفه...دوقا كان أم لا...لقد وقع العاهر بين يدي وولف...

الهاتف في يد وولف كان هاتفا على الخط الآمن...يستحيل تعقب المكالمة من هذا الهاتف...تماما كما اتصل به ديافول قبل يومين...بخط لا يمكن تعقبه...وولف يفعل هذا ليس ليمنع ديافول من تعقبه...فالوغد دون شك يعلم بعنوان وولف...لكن الخط الآمن لأن وولف لا يريد لشخص ثالث من القانون أو اللاقانون تعقب أو التنصت على مكالمة كهذه بينه و بين شخص من ماضيه...

ضغط على الرقم الظاهر أمامه ببرود و وضع الهاتف على أذنه ينتظر الرد و الصوت الذي ينهي كل شيء...

رنة بعد رنة و وولف ينتظر و أنامله تطرق على سطح المكتب...يعرف ديافول و يعرف أنه سيجيب...لا شك أنه كان يعلم بأن هذا قادم...

لذا حين تم رفع المكالمة فجأة و حل الصمت من كلا الطرفين لثوان... وولف كان بإمكانه أن يكون مخطئا و لا يكون هذا ديافول...لكن عقله يخبره أنه ليس مخطئا و أن من على الطرف الآخر هو فعلا الشيطان...

لذا و ببرود كسر الصمت و كسر اللعبة قائلا جملة وحيدة بالإيطالية :

" وجدتك أخي..انتهت اللعبة..."

كانت مخاطرة...مخاطرة على الموت بينهما و كلاهما يعلمان بهذا ...و وولف حين قال أخي كان ساخرا منه و طريقته في الرد على مكالمة ديافول السابقة...

نتيجة هذا كان ضحكة خافتة باردة من الطرف الآخر و هذه الضحكة كانت نقطة النهاية...

كان صوت ديافول الذي أراد وولف سماعه... و وولف الآن بات يعلم من هو ...سيلعبان على سكتان متوازيتان الآن و لنرى من سيسقط أولا...

" استغرقك الأمر يومان...أنا منبهر...رقم قياسي جديد لك أخي....لنرى الآن إن كنت ستتعرف علي حين أنظر مباشرة لعينيك...هذا تحدي آخر لك.."

كان جواب ديافول بنبرة باردة جدا و ما أن قاله حتى انتهت المكالمة بينهما دون مماطلة منهما...المكالمة لن تكن سوى لغرض واحد...وولف يتأكد و ديافول يعلم بأنه وجده ...لذا أطفأ وولف الهاتف و أعاده لمكانه ببرود..

كانت ثوان حتى إستقام من مكانه بكل بطئ واضعا يديه داخل جيوبه و من اللامكان ظهرت إبتسامة باردة على شفتيه....

يومان ؟...وجده في يومان ؟ ..الأصح دقائق...وولف في اليومان انتظر ديافول ليثبت حضوره...هكذا فقط يستطيع بدأ البحث عنه...لكن طبعا إيجاد شخص متوفي من الآيفا و دوق سري للعالم هو أمر قد يستغرق البعض فترة طويلة...

ما يهم الآن ....أن التأكيد صار بين يديه و أن الشيطان وقع في منطقته ....

الشيء الصحيح لفعله الآن هو التحدث مع أميرة هاربة ما ليعلم كيف و متى و لماذا تعرف شيطانا كآزاريا...

بقدر خطورة ما حدث بقدر خطورة ما سيحدث...دوما معاركه و ديافول تنتهي بالدماء أرضا....و لا شك أنه حتى هذه المرة سينتهي الأمر بنفس الطريقة...

الدم في كل مكان...

🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬

مرحبا يا رفاق ❤🤭

فصل طويل آخر في الموعد❤

آمل أن يكون قد نال على إعجابكم...أخبرتكم الفصول القادمة مهمة جدا...ليست العاطفية التي تنتظرونها لكنها مقدمة للأكشن القادم😁❤

الفصل القادم و الذي بعده مهمان جدا جدا جدا جدا لأنهما يحملان أجوبة كان الجميع يريدها منذ مدة😏❤

امتحاناتي اقتربت...هي هذا الأسبوع...لذا لا أعلم إن كان سيجهز الفصل القادم بحلول الخميس...لدي دراسة مهمة...لكن هذا لا يعني أنني سأغيب...سأكون هنا و على الإنستغرام و قد أنزل فصلا أو إثنين من نظارات و وشوم...فعاشقة في الظلام فصلها القادم حساس جدا 🤦‍♀️❤

المهم...رأيكم بالفصل ؟😁

وولف و نيكولاي كلاهما باتا يعلمان من هو ديافول👈👉❤

حتى مارينا اكتشفت ذلك...أخبرتكم الوشم مهم جدا و آزاريا كان يجيد اللعب على الجميع 🤡

عما ستتحدث مارينا و نيكولاي؟

عما ستتحدث مارينا و وولف ؟😏😏

من هي ساهارا و ما الذي تعرفه بالضبط ؟ 🙂🙂

توقعاتكم نوعا ما عن القادم 🙂👈👉

الفصل طبعا لم يضم أي صدمات...أخبرتكم سأخفف عليكم قليلا لذا أنا أفي بوعدي😂😂

من طلب الأكشن ...الأكشن قادم....دموي..عنيف😂😂

هل سيتدخل الروي ؟

و بخصوص ظهور جد وولف...هناك فتاة واحدة توقعت الإجابة بشكل صحيح 😂😂

إسم وولف الثلاثي😂😂 الآن علمتم لما إسمه نصف إسباني ..نصف أمريكي...جدته السبب😂😂

المهم نسيت ما كنت سأقوله كالعادة...سنكمل لاحقا على الإنستغرام 🙇🏻‍♀️❤

نلتقي في الفصل القادم بحول الله يا رفاق 🤭❤

أحبكم جميعا يا رفاق واحدا واحدا ❤❤

Continue Reading

You'll Also Like

596K 19.9K 35
فتيـات جميلات وليالــي حمـراء وموسيقـى صاخبة يتبعهـا آثار في الجسـد والـروح واجسـاد متهالكـة في النهـار! عـن رجـال تركوا خلفهم مبادئهم وكراماتهم وأنس...
13.8K 1.9K 15
مع كل خطأ نرتكبه نتعلم درسا يقِينا من تكرار ذات الخطأ طوال حياتنا، فالأخطاء تبنينا، تعلمنا، تجعلنا نبكي أحيانا للننهض بعدها بقوة أكبر نمسح تلك العبرا...
805 190 13
لكلِّ كتابٍ أو روايةٍ أو حتَّى أقصوصةٍ جوانبٌ تختلفُ من شخصٍ إلى آخر، بحسبِ وجهةِ كلِ واحدٍ، فتعال معنا نأخذكَ إلى وجهةٍ لم تكن تراها في كتابٍ قرأتَه...
58.1K 3.6K 45
بقلم noor💚 (مكتملة) كان علي العيش كفتى وذلك بناءاً على طلب والدي لكن ملامحي الأنثوية تمكنت مني ، فلم يكن لدى والدي حل غير التوجه نحو أخي الذي يكره و...