30|اقتحام|

1.1K 109 444
                                    

- كتب أحدهم في وصفِ صديقِه: 

بَشوش الوجهِ، حَزين الروح.

اقتباس

_ _ _

الليل الطويل بعتمته يلقي بأثوابه الهادئة على هلسنكي.

رياح بحر البلطيق تلفح المكان بنوع من الإنتعاش والبرودة، رفقة الرطوبة التي تبثها في المكان.

رغم ذلك فقد خرج العديد للتجول في هذه الساعة، والمصابيح التي تبقى مضاءة طوال الليل جعلت المكان كلوحة فنية خلابة المنظر.

يجلسان هما داخل السيارة مفتوحة السقف يلفحهما الهواء البارد، يتجاذبان بعض أطراف الحديث تارة ويخيم عليهما الصمت والسكون تارةً أخرى.

وكان ياسين كلما رأى الآخر يغرق بعيدًا عنه فتح مجالًا لموضوع آخر يجذب انتباهه، حتى تحدث غائم العينين فجأة بما بخاطره «في كل مرة أحدق بما حولي أفكر.. أن رفاقنا كانوا يستحقون ولو قليلًا من هذه الحياة»

كادت الأنفاس تتوقف في صدر ياسين إثر كلماته وهو يحدق به، رنين هاتفه لم يصدح لأقل من ثانية قبل أن يقوم بكتم النغمة للمرة الثالثة، قبل أن يعود يحدق بالمياه الرقراقة البعيدة عنهما بعينين زجاجيتين وصدرٍ منقبض، وهو يسمع همسات رفيقه «كانوا يستحقون حياةً حقيقية، بعيدًا عن الوهم، وواقعٍ زائف»

سحب نفسًا عميقًا، بدا به أنه يحاول كبت دموعه به، قبل أن يضحك بحسرة مردفًا «أنا فجأة.. فجأة أكتشف أن حياتنا لم تكن سوى وهم. رفاقنا ماتوا لأجل وهم»

ضحكة قصيرة غادرت شفته قبل أن تنسحب الإبتسامة من وجهه، وتتحرر دموعه بصمت.

ملامحه بدت باهتة، أقرب لشخصٍ منكسر، وهو يتكئ بصدغه على زجاج النافذة المرتفع بجواره ويحدق بحركة الأشجار حول السيارة بنظرات كئيبة.

لا يستطيع إخراج الأفكار من رأسه، الأفكار السوداء، اليأس، الألم والحقد. لا شيء يتركه.

هو لم يرد شيئًا من حياته، لم يطلب شيئًا عدا أن يكون سعيدًا مع من يحبهم.. 
من يحبهم ذهبوا، ولم يكن سعيدًا.. بل في قمة تعاسته.

«لقد ضحوا لأجلنا»
صوت ياسين جاء يجلب شيئًا من انتباهه، فيرفع رأسه نحوه قليلًا يراه يتحدث «من المُخزِ أن نعيش حياةً بائسة بعد ذلك»

التفت له، وتقابلت عينيهما.
لطالما كان هناك حزنٌ وأسىً دفين في عيني عزام وإن اشتعلتا اصفرارًا، ولطالما كان هناك شعلة متوهجة في عيني ياسين وإن غامتا حزنًا.

||خذلان : نسيجُ وهم||Where stories live. Discover now