عمرُ روحي

MayamShahid tarafından

30.6K 1K 458

لا تسألني كم عمري ... اسألني كم عمر روحي. لماذا دائمًا ترتبط فرص زواج الفتاة عكسيًا بالعمر؟! ... كلما زاد عمر... Daha Fazla

الشخصيات
الفصل 1 (حديثي مع النجوم)
الفصل 2 (مشاعر هشة)
الفصل 3 (انطفاء الروح)
الفصل 4 (دموع القلب)
الفصل 5 (فرصة أخرى)
الفصل 6 (كابوس مظلم)
الفصل 7 (رماد قلب)
الفصل 8 (هل هي بداية حب؟!)
الفصل 9 (عاصفة سوداء)
الفصل 10 (طريق النهاية)
الفصل 11 (تحت الركام)
الفصل 12 (روح حرة)
الفصل 13 (ملتقى القلوب)
الفصل 14 (روح خلقت لي)
تنويه هام
الفصل 15 (توأم روحي)
الفصل 17 (ليلة وداع)
الفصل 18 (نتيجة اختيار)
الفصل 19 (لقاء الحبيب)
الفصل 20 (فرصة جديدة)
الفصل 21 (على موعد مع الحب)
الفصل 22 (النصيب الجميل)
الفصل 23 (حفل زفاف)
الفصل 24 (مع الشخص المناسب ستزهر)
الفصل 25 (للسعادة مذاق آخر)
الفصل 26 (ظلال من الماضي)
الفصل 27 (لآخر نفس)
الفصل 28 (ارتباك خوف ... أم عشق؟!)
الفصل29 (دقات قلب)
الفصل 30 (ما قبل الطوفان)
الفصل 31 (مزيج غريب)
الفصل 32 (أحتاج إليك)
الفصل 33 (خطوات الشيطان)
الفصل 34 (الكلب الأسود)
الفصل 35 (مكيدة شيطانية)
الفصل 36 (الشر بالمرصاد)
الفصل 37 (كشف المستور)
الفصل 38 (تسوقنا الأقدار)
الفصل 39 (على طريق الحب نلتقي)
الفصل 40 (قريب أم غريب؟)
الفصل 41 (قليل من الوقت بعد)
الفصل 42 (كيد الكائدين)
الفصل 43 (طيف نهاية)
الفصل 44 (الهدوء الذي يسبق العاصفة)
الفصل 45 (روح مهشَّمة)
الفصل 46 (ما بين عشق وظن)
الفصل 47 (دموع خذلان)
اقتباس
الفصل 48 (أزمة ثقة)
الفصل 49 (ما بين أمل وألم)
الفصل 50 (فرحة قلب)
الفصل 51 (دعوة قلب)
الفصل 52 (انهيار)
الفصل 53 (محنة)
الفصل 54 (أمل بالله لا يخيب)
الفصل 55 (رغم الألم)
الفصل 56 (فرصة ... اختيار)
الفصل 57 (معًا ... مهما طال الطريق)
الفصل 58 (أمان القلوب)
الفصل 59 (تقارب القلوب)
الفصل 60 (أمل قلب لا ييأس)
الفصل 61 (سندي وقوتي)
الفصل 62 (الوصال)
الفصل 63 (سحر العناق)
الفصل 64 (لنسرق من العمر ليلة)
الفصل 65 (طريق العودة)
الفصل 66 (قلب عاصف)
الفصل 67 (ملاك وشيطان)
الفصل ٦٨ (فخ محكم)
الفصل 69 (ما بين بداية ونهاية)
الفصل 70 (هدوء .. غضب)
الفصل 71 (الحمل والذئب)
الفصل 72 (نسمات باردة)
الفصل 73 (انتقام شيطاني)
الفصل 74 (جريمة زفاف)
الفصل 75 (ليلة عصيبة)
الفصل 76 (دوامة حيرة)
الفصل 77 (نهاية كابوس)
الفصل 78 (تحطم الجليد)
الفصل 79 (تساقط الأوراق)
الفصل 80 (طريق مسدود)
الفصل 81 (دقات على باب القلب)
الفصل 82 (انتظار وقرار)
الفصل 83 (الأمل في الحب لا ينتهي)
الفصل 84 (صاعقة الموت)
الفصل 85 (أرواح حائرة)
الفصل 86 (فرصة أخرى)
الفصل 87 (ظلال الماضي السوداء)
الفصل 88 (السقوط في وادي الظلام)
الفصل 89 (تلاحم القلوب)
حسابي على تيليجرام
الفصل 90 والأخير (وتستمر الحياة ... بحلوها ومُرّها)
الخاتمة ❤

الفصل 16 (هل هو الفراق؟!)

433 11 11
MayamShahid tarafından

ليالي مشبعة بالأرق عاشتها منذ أن التقت به في الفندق. لا تدري أي صدفة جمعتهما من جديد لتتساءل في داخلها إن كان هذا الرجل هو قدرها ونصيبها الحقيقي. لا زال يطاردها ولا ينفك يحاول إقناعها بالموافقة على زواجها به. لم تعد تستطيع النوم فكل ما تفعله في ليلها هو الصلاة والدعاء طالبة من الله أن يهدي قلبها، ويرسل لها إشارة لتتمكن من اتخاذ قرارها.

قلبها يخفق بجنون كلما رأته وتحدثت معها، فكيف وهو لا ينفك يحاول إثارة إعجابها، ويخبرها كيف كانت حالته في بعدها، وكيف بحث عنها كالمجنون لدرجة أنه كان على وشك استخدام علاقاته رفيعة المستوى ليسألوا له عنها، ويعرفوا أي طريقة توصله لها.

أدهشها وأثار إعجابها، ولكنها لا زالت تخشى الارتباط من جديد، فلعلها محض مشاعر مؤقتة وسيندم لاحقًا. التقطت العديد من الصور لمكان التشوه وأرته له، لكنه لم يأبه، بل كان يتخطى جميع مواقفها الجدية السلبية التي تحاول إبعاده فيها عنها بشكل مرح.

بينما كان يلاحقها في أحد أسواق اسطنبول وهو لا يتوقف عن الحديث كعادته منذ أن التقيا توقفت فجأة ونظرت له بحنق:

- ما الذي تريده مني؟ لمَ كل هذا الإصرار بعد كل ما أخبرتك به.

- لا شيء مما قلته لي يثنيني عن قرار الزواج بكِ.

- وكيف ستنفذ هذا القرار إن لم أوافق عليه؟!

- ستوافقين يا حور.

- رغمًا عني؟

- كلا، برضاكِ بالطبع.

- وكيف يمكن أن يحدث ذلك وأنا أستمر برفضك.

- حور .. أنتِ لم ترفضيني .. أنتِ فقط خائفة من فكرة الارتباط من جديد .. تحاولين صدي بإظهار عيوبك كلها لعلي أبتعد وأرجع عن رأيي.

دمعت عينا حور، فاقترب خطوة منها وقال بلطف: لن أبتعد يا حور .. لا يمكن أن أبتعد بعد أن وجدتكِ .. أنا واثق تمام الثقة باختياري لكِ .. أنتِ لا تعلمين ما فعلته بقلبي الذي ظننته ميتًا .. أليس لقاؤنا هذا دليل على أن الله وضع كلًا منا في قدر الآخر؟! .. لماذا تهربين من الحقيقة؟

طأطأت حور رأسها وقد انسابت دموعها، ثم أشاحت بوجهها بعيدًا عنه لتمسح دموعها وإذا به يقترب ليقف مقابلها من جديد، وأردف قائلًا: يا حور! هل حقًا لم تشعري بأي شيء تجاهي حتى الآن؟ يمكنني رؤية الكثير في عينيك .. أحاديث كثيرة تحاولين إخفاءها عني .. ألم يراودك الفضول حتى بشأني طوال الأشهر الماضية؟

أشاحت بوجهها هربًا منه وقد سارعت الخطى لتتهرب من الإجابة، فابتسم وهتف وهو يسارع الخطى خلفها: اهربي بقدر ما شئتِ .. حتى لو هربتِ لآخر الدنيا سأتبعكِ .. لقد حصلت على إجابتي وسأتزوجكِ يا حور.

ابتسمت خلسة من بين دموعها وهي تهمس قائلة: مجنون!

لم تعد حور تتمكن من صده خاصة عندما تتسع ابتسامته وتظهر غمازتيه. تشعر بنفسها تغرق فيهما، ولا يعود بوسعها رفض أي شيء مما يقوله أو يفعله من أجلها. قبلت منه الورود والهدايا البسيطة التي كان يحضرها لها، والتي كان يتعمد أن تكون بسيطة للغاية كي لا ترفضها حتى لو كانت قطعة كعك أو دمية صغيرة. استمرا على هذا الحال حتى اليوم الأخير لهما هناك، واستطاع في النهاية انتزاع الموافقة من بين شفتيها، ليشعر بأنه ملك الكون بأسره، وعقب سعادته تلك راوده الارتباك وهاتف أمه ليخبرها بأنه تمكن من إقناع حور، وبأنه سيرتب أمر السفر ليذهبوا ويطلبوا يدها للزواج من أهلها.

هتفت أمه مباركة بقلب غمرته السعادة واللهفة وهي تستشعر تلك السعادة بصوت ابنها بعد أن غابت عنه لسنوات. ها هي تراه اليوم يعقد قرانه بمن استطاعت أن تجعل قلبه ينبض من جديد. سعيدة بأن الله استجاب دعاءها، وجمعه بها من جديد بعد أن شق عليها رؤيته بتلك الحالة من التيه والألم عقب عودتهما من العمرة، ومصارحته لها بأنه وقع في حبها.

انتهى الحفل وغادر الضيوف عندما تأخر الوقت مما جعل والدته تهمس له كي يغادروا هم أيضًا، ويعودوا إلى الفندق المتواضع الذي مكثوا فيه عند قدومهم رغم إصرار أهل حور على أن يمكثوا في ضيافتهم. وافق زين أمه على مضض فهو لا زال يريد إمضاء المزيد من الوقت برفقة حور ليتحدث معها.

كانت حور قد ارتدت عباءتها وخرجت إلى الشرفة بعد أن ودعت أقاربها، لتتفاجأ بزين خلفها حيث أمسك بيدها قائلًا: أريد التحدث معكِ.

أومأت له بالإيجاب وقد رمقته باستغراب بانتظار ما سيقوله لها، ثم أرشدته ليذهبا إلى الشرفة الأخرى التي كانا يجلسان فيها قبل الحفل، ولم تشعل الضوء. وقفت أمامه مشيرة له ليتحدث، فأمسك بيدها الأخرى وبات يحتضن يديها بين كفيه، ثم قال بعدم رضى استشعرته في نبرة صوته: لقد تأخر الوقت .. وعلينا أن نعود إلى الفندق .. كنت أود أن نكمل حديثنا .. ولكن ..

قاطعته حور بابتسامة لطيفة قائلة: لا بأس، سنتحدث غدًا بكل ما تريده.

ابتسم زين ورفع يد اليمنى ليضعها على وجنتها، ثم بدأ بتقريب وجهه منها وإذا بصوت الرصاص يشق ظلام الليل مما جعله ينتفض ويعانقها بخوف محاولًا الانخفاض للاحتماء من هذا الرصاص مجهول المصدر، ولكن ما أصابه بالدهشة أكثر من هذا الصوت هو ضحكة حور الصاخبة. رمقها باستغراب وإذا بها تقول من بين ضحكاتها: اهدأ .. لا يوجد شيء .. محض اشتباك مسلح.

رمقها باندهاش وعدم فهم في الوقت ذاته، ليقول باستفهام واستنكار: لا شيء .. واشتباك مسلح؟! .. ما الذي يعنيه هذا؟

أمسكت حور بيديه وجذبته لينهض، فأمسك بها قائلًا: لا تنهضي .. ألا تسمعين؟!

ابتسمت حور وجذبته مجددًا قائلة: لا شيء يدعو للقلق .. إنه بعيد .. لكن الصوت في هذا الهدوء يجعله يبدو قريبًا .. هناك نقطة عسكرية قريبة ويقوم الشبان بإطلاق النار عليها بين الحين والآخر.

رمقها باستغراب وهي تتحدث عن أمر كهذا ببرود كأنه أمر عادي للغاية وهو بالفعل كذلك، ليقول: ألا تشعرين بالخوف؟

أومأت بالموافقة وقالت: بلى، أشعر بالخوف على الشبان بالطبع؛ فهم يجازفون بحياتهم لفعل أمر كهذا. جميعنا نخشى عليهم وندعو لهم.

جذبها وضمها بين ذراعيه قائلًا: حور! ألا تشعرين بالخوف على نفسك .. وعائلتك؟

أومأت برأسها نافية وقالت: اعتدنا على الأمر .. ربما لا تعلم بعد ولكن .. لدي أخ شهيد .. استشهد في بداية الانتفاضة الثانية .. كان يلقي الحجارة وهو عائد من المدرسة، فردوا على حجره برصاصة في رأسه .. كنت صغيرة آنذاك وبالكاد استوعبت ما حدث .. كان شيئًا جديدًا .. لم أفهم لماذا لم يعد، ولماذا لم نعد نلعب سويًا كما مضى، ولم يعد يأخذني إلى الدكان ليشتري لي الحلوى .. وجهه في ذكرياتي بات ضبابيًا .. لولا الصور لنسيت شكله .. هل تصدق هذا؟

شدد زين من ضمه لها وطبع قبلة على جبينها ورغم الدمعة الحارة التي انسابت من عينها ابتسمت قائلة: أنا بخير.

رفعت رأسها حتى تقابلت عينيهما بنظرات قالت الكثير من كلمات التعاطف، والدعم، والتفهم، ليعود ويطبع قبلة على جبينها مرورًا بأنفها ووجنتيها، فاستكانتها هكذا بين يديه تجعله يطمع بالمزيد حتى توقف أمام شفتيها وقرر ألا يحرم نفسه من تذوق هاتين الشفتين الجميلتين. تسارعت دقات قلبها وهي تراه يقترب منها، فأغمضت عينيها باستسلام وإذا بصوت أمها الذي يناديها يقاطعهما من جديد. انتفضت حور وابتعدت عنه بسرعة، فضم شفتيه بحنق وهمس بكلمات لم تصل إلى مسامعها قائلًا: ما هذا الحظ؟!

لا يدري لماذا لم يعد يتحكم بغضبه وتذمره وهو المعروف بثباته الانفعالي وهدوئه وقدرته الكبيرة على التحكم بنفسه. أمامها ومن أجلها يفقد كل ما تعلمه في سنواته الماضية كرجل أعمال ودبلوماسي فذ.

دخلت والدتها الشرفة بعد أن أشعلت الضوء قائلة: أنتما هنا؟ بحثت عنكما كثيرًا .. زين! والدتك تبحث عنك .. شعرت بالخوف عندما سمعت صوت إطلاق النار يا بني.

رد زين باقتضاب: سأذهب لأراها.

بعد خروجه اقتربت أم حور من ابنتها وهي ترمقها بحنق ثم قالت صوت منخفض: لم يجف حبر عقد قرانكما بعد .. لا تكوني سهلة أمامه فيطمع .. حتى لو كنتِ مطلقة ولكن عليكِ مراعاة الحدود في الخطبة.

تزاحمت الدموع في عيني حور وابتسمت باستهجان واستنكار ثم قالت: هل ثقل عليكِ رؤيتي سعيدة أم ماذا؟ لم يحدث شيء لتقولي لي مثل هذا الكلام كما أنني أعرف حدودي جيدًا ولست بحاجة لتذكريني بها.

خرجت حور مسرعة وهي تكفكف دموعها وقد لمحها زين أثناء حديثه مع أمه، لتخرج بعدها والدتها يبدو عليها الغضب، وتنادي عليها محاولة ألا ترفع صوتها. لاحظت أمه الأمر، فالتفتت له ورأت الدماء تغلي في عروقه محكمًا قبضتيه، ليقول: سأعود بعد قليل يا أمي.

أمسكت أمه بذراعه قائلة: زين! لا تتدخل بين الأم وابنتها.

ضم زين شفتيه وهو يرمقها برفض واضح، فأردفت قائلة: يا بني! لم يكن من اللائق أن تبقيا في الشرفة وهي مظلمة .. ألا يوجد غرف لتجلسا وتتحدثا؟ .. ماذا لو رآكما أحد؟

رفع زين رأسه وأغمض عينيه للحظات محاولًا التحلي بهدوء، ثم أمسك بيد أمه وقال: لم نفعل شيئًا يا أمي .. كنا نتحدث فقط .. لمَ عليها أن تدفع حور للبكاء؟! .. لمَ تقسو عليها لهذه الدرجة؟! .. ألا يكفي بأنهم أجبروها على الزواج بذلك المعتوه ودمروا حياتها؟!

ابتسمت أمه وقالت: لا يمكن للأبناء أن يفهموا خوف الأهل عليهم .. قد تكون الطريقة خاطئة أحيانًا .. ولكنهم في النهاية أطفالهم وفلذة أكبادهم .. هل يعقل أن يتعمدوا التسبب بالأذى لهم؟! .. لقد رأيت الحب والسعادة في عيني أمها وأنتما ترقصان معًا يا بني .. صدقني هي فقط قلقة عليها خاصة لأنها لا تعرفنا جيدًا بعد .. يكفي بأنهم وافقوا على الزواج رغم أنهم لا يعرفون عنا شيئًا سوى ما أخبرناهم به .. هل تحسب بأن هذا لا يثير قلقهم على ابنتهم؟!

رطب زين شفتيه وقال: لقد سألوا يا أمي .. والدها وأعمامها لم يدخروا أحدًا ليتصلوا به حتى وصلوا لأشخاص في مصر وسألوا عنا .. لقد طلبوا عنوان سكننا أيضًا .. حتى أن البواب أخبرني بأن هناك من أتى يسأل عنا.

ابتسمت أمه وقالت: هل رأيت؟ اذهب إلى مخطوبتك وودعها قبل أن نغادر .. ولا تتأخر.

قالت جملتها الأخيرة بابتسامة ماكرة، فقال بتذمر طفولي لطيف: وهل أعطاني أحد فرصة لأفعل شيئًا كي أتأخر؟! الجميع يستمر بمقاطعتي.

اتسعت عينا أمه وهي تبتسم باستهجان أما هو فقد أكمل طريقه ليستأذن أم حور مرغمًا كي يدخل إلى غرفة حور في حين همست أمه قائلة: ها قد عادت وقاحته أيضًا.

طرق باب غرفة حور، فأذنت له بالدخول بعد لحظات. دخل ليجدها قد بدلت ثيابها وارتدت منامة صيفية برسوم كرتونية، وشعرها البني الطويل ينسدل على جانبي وجهها. ابتسم واقترب ليأخذها بين ذراعيه، فطوقت هي الأخرى جذعه بذراعيها واضعة رأسها على صدره مستشعرة ذلك الدفء والسكينة. مجموعة مشاعر مريحة تراودها لأول مرة وهي مستكينة هكذا بين ذراعيه. شعور مغرٍ للغاية لا تتمكن من مقاومته مهما حاولت.

قبل أعلى رأسها وقال متسائلًا: هل احمرت عيناكِ؟

لم يشأ سؤالها عما حدث بينها وبين والدتها، وترك لها خيار الحديث عقب هذا السؤال حيث أجابت قائلة: ربما بسبب الزينة .. لست معتادة على التبرج ووضع الكحل وما إلى ذلك .. أضعها في المناسبات فقط بين الحين والآخر.

شعر من نبرة صوتها كم تجاهد لتتحدث بشكل طبيعي مخفية حزنها، فأجبر نفسه على الابتسام ورفع وجهها إليه قائلًا: أنتِ في غاية الجمال ولست بحاجة للزينة.

رمقته حور بحب وابتسمت باستحياء قائلة: أنت أيضًا وسيم للغاية.

اتسعت ابتسامة زين حتى ظهرت غمازتيه وهتف بمرح قائلًا: أخيرًا .. ها قد بدأنا بالكلام الجميل .. قولي وأطربيني.

لم تستطع حور تمالك نفسها وضحكت وهي تسمعه يتحدث بطريقته المرحة هذه، لتتفاجأ به يحثها على قول المزيد، فضمت شفتيها بخجل، ثم نظرت له ورفع سبابته مشيرة إلى إحدى غمازتيه قائلة: أحب هاتين الغمازتين.

اتسعت ابتسامته حتى ظهرت غمازتيه مجددًا وهو يقول: الغمازتين وصاحبهما تحت أمرك.

طأطأت حور رأسها بخجل وإذا به يقول: طالما تحبينهما، فامنحي كل واحدة منهما قبلة.

رفعت رأسها تنظر له بعينين متسعتين، فجذبها من خصرها أكثر وقال مشجعًا وهو يقرب وجنته من شفتيها: هيا.

ابتسمت حور وهي تعلم بأنها لن تستطيع الرفض أو التهرب، وفعلت ما طلبه منها حبًا ورغبة وإذا به يحدق بشفتيها قائلًا: حان دوري.

قربت وجنتها هي الأخرى وهي تبتسم بخجل وإذا به يقول بخبث: ليس لديك غمازتين.

التفتت له حور باستفهام وعندما رأت نظراته وابتسامته الماكرة التي تتراقص على شفتيه فهمت ما يرمي إليه، فرفعت حاجبها وقالت: لكن لدي وجنتين.

قرب وجهه منها وقال بابتسامة ماكرة: ولديك شفتين أيضًا.

ابتسمت حور بخجل وإذا به يقول وهو يقترب من شفتيها: إن قاطعنا أحد الآن فلا يلم سوى نفسه.

ضحكت حور بخفوت، لكنه سرعان ما أسكت ضحكتها تلك متذوقًا رحيق شفتيها وهو يجذبها إليه أكثر وأكثر. الكثير من المشاعر المتداخلة اجتاحت كلًا منهما، فكلاهما لديه تجربة سابقة إلا أن ما يشعران به الآن لم يسبق وأن عاشاه من قبل. دقات قلبيهما باتت صاخبة للغاية، وفقدا الإحساس في كل شيء من حولهما، ولم يبق سوى ذلك الشعور الذي يطالبهما بالمزيد والمزيد من هذه المشاعر الجياشة التي باتت تتملكهما.

تمسكت بكتفيه العريضين وحاولت أن تبادله قبلته الشغوفة تلك، ولم تكن تعلم بأن استجابتها هذه قد شجعته ليتجرأ ويعمق قبلته أكثر وأكثر لدرجة أنها لم تعد تستطيع مجاراته مطلقًا. لم يبتعد سوى عندما شعر بحاجتها الماسة للهواء وبينما كانا يلتقطان أنفاسهما التقت نظراتهما، ثم انفجرا ضاحكين.

بعد أن هدأت ضحكتهما وضعت رأسها على صدره، فاستشعرت نبضات قلبه المتسارعة أسفل يدها بينما كان هو يحاول التحكم بمشاعره ليهدأ بعد هذه العاصفة التي زلزلت كيانه بأكمله. سمع صوتها تناديه برقة، فهمهم بمعنى أنه يسمعها وهو يخلل أصابعه في شعرها، فرفعت رأسها ونظرت له قائلة: أنا أحبك.

كم كان بحاجة لسماع هذه الحروف من بين شفتيها! كم كان بحاجة ليشعر بأن هناك من يحبه بصدق! .. دون مصلحة .. بلا هدف .. لا شيء سوى حب نقي خالص .. تلك الكلمات لامست قلبه بعمق رغم بساطتها .. ربما بسبب الصدق الذي حملته بين طياتها والذي شعر به في نبرة صوتها، ورآه في نظراتها.

تزاحمت الدموع في عينيه الواسعتين، وارتسمت ابتسامة عذبة على شفتيه، ليقول: وأنا أحبك جدًا يا حور.

طبع قبلة طويلة على جبينها وهو يسحب رائحتها إلى صدره وعندما ابتعد رفعت رأسها إليه وابتسمت قائلة: لا أدري ماذا أقول ومن أين أبدأ .. لكن .. ما أشعر به وأنا معك لم أشعر به من قبل أبدًا .. لم أقع في الحب من قبل .. قرأت عنه فقط .. وما يراودني الآن وأنا معك يجعلني أدرك بأنه هو الحب.

كان زين لا يزال يبقيها أسيرة ذراعيه ويرمقها بحب وتأثر، ثم أردفت بنبرة رجاء وقد غامت عيناها بالدموع قائلة: ها أنا أمنحك قلبي وثقتي رغم صعوبة الأمر عليَّ .. فلا تخذلني .. أرجوك.

احتضن وجنتها بكفه ومسح الدمعة الحارة التي انسابت من عينها، ثم قال: لن أخذلك أبدًا يا حور .. ثقي بي يا حبيبتي .. أعدكِ بأن أبقيك سعيدة .. سأتقي الله في حياتي معكِ ولن أظلمكِ أبدًا .. فلنكن عونًا وسندًا لبعضنا البعض في هذه الحياة .. اتفقنا؟!

ابتسمت من بين دموعها وأومأت له بالإيجاب وإذا به يسمع صوت أخيه زيد يناديه، فرفع رأسه وأخذ نفسًا عميقًا، لتدرك بأنه يحاول تهدئة نفسه، فضحكت حور قائلة: لم تكن تبدو لي سريع الغضب؟ ما خطبك اليوم؟

تنهد زين وقال: والله لست كذلك .. الجميع يحسدني على هدوئي وضبطي لأعصابي .. لكن لا أدري ماذا يحدث لي عندما يتعلق الأمر بكِ.

طأطأت حور رأسها وقد ارتسمت على شفتيها ابتسامة خجولة، ليقرب وجهه منها قائلًا: أريد أن أبقى معكِ وحدنا دون أن يقاطعنا أحد.

استمرت عيناها بالهرب منه، فابتسم وأردف قائلًا: لنحدد موعد الزفاف في أسرع وقت ممكن، اتفقنا؟

أومأت له بالإيجاب دون أن تجرؤ على النظر إليه، فابتسم وباغتها بقبلة سرقت أنفاسها، ثم خرج من الغرفة قائلًا بأنه سيأتيها صباحًا ليتناولا الفطور معًا في حين كانت هي تحدق به بعينين متسعتين اندهاشًا وسعادة في الوقت ذاته.

قام والدها -الذي يعمل كسائق سيارة أجرة- بإيصالهم إلى الفندق الذي يقيمون فيه. دخل زين إلى غرفته التي يتشاركها مع زيد بينما تبع زيد أمه إلى غرفتها التي تجاور خاصتهما.

- ماذا هناك يا أمي؟ لماذا أشرتِ لي كي أتبعكِ؟

ردت أمه ببهجة وحماس:

- هل رأيت سعادة زين؟ لم يكن يود المغادرة.

- رأيت ولاحظت جيدًا .. لهذا كنت أناديه كي أغيظه.

- يا لك من ماكر!

- أنا؟! ليس هناك أطيب مني .. ما دمت ماكرًا في نظرك فزوجيني لتتخلصي مني.

- تلف وتدور لتعود إلى نفس النقطة.

- يا أمي زين كان متزوجًا في عمري .. لماذا ترفضين زواجي حتى الآن؟

- لأنك لست جادًا في الأمر .. بنات الناس ليست حقل تجارب لك أو لغيرك .. لا أريدك أن تتزوج فقط لغرض الزواج .. تزوج عندما تجد من تدخل قلبك وتألفها روحك .. الزواج سكن ومودة يا بني.

- يا أمي أنا أفهم كل هذا والله .. ربما لم أجد هذه الفتاة بعد، ولكن ربما إن تزوجت وشعرت بأن هذه الفتاة نصيبي سأشعر بكل هذه الأمور.

- لا يوجد هناك ربما .. عليك أن تكون واثقًا.

- كيف سأعلم إن لم تبحثي لي عن عروس وتمنحيني الفرصة لأتحدث معها وأرى؟!

- لم أبحث لأنك ستوافق على أي فتاة جميلة.

- هل ترينني تافهًا وسطحيًا لهذه الدرجة؟! لا أصدق بأنك لا تفهمينني يا أمي. تفهمين زين ويزيد من نظرات عيونهم فقط، لكن ماذا عني أنا؟! لماذا لا زلتِ ترين بأنني طفلك الصغير المدلل ولا ترين بأنني أصبحت رجلًا أهلًا للمسؤولية؟!

- يا زيد أنا ...

خرج زيد من الغرفة غاضبًا ولم ينتظر لسماع ما ستقوله أمه فقد سئم من مبرراتها لتأجيل الأمر. استدعته فقط لتحدثه عن سعادتها برؤية زين سعيدًا، ليشعر بأنه مهمش. لا يدري لماذا لا يمكنها رؤية بأنه أصبح رجلًا وبحاجة لزوجة تشاركه حياته واهتماماته. تساءل إن كان عليه أن يغير من شخصيته ويبتعد عن تلك الشخصية المرحة الشقية التي يكون عليها في المنزل.

خرج زين من الحمام ليجد زيد يخرج ملابس النوم بوجه متجهم غاضب، فاستغرب الأمر. كان يود سؤاله إلا أن زيد توجه إلى الحمام مباشرة. جلس زين على سريره وهو يجفف خصلات شعره بالمنشفة، ثم أمسك بهاتفه وشرع بمراسلة حور.

خرج زيد بعد دقائق ليجد زين يراسل حور ويبتسم، فتوجه إلى سريره والتحف غطاءه استعدادًا للنوم، ليتفاجأ بزين ينهي حديثه مع حور ويعتدل في جلسته، ليتساءل قائلًا: ماذا حدث؟ ما الذي يزعجك؟

لم يتحرك زيد وبقي صامتًا، فنهض زين وجلس على طرف سرير زيد، وأبعد الغطاء عن رأسه قائلًا: تعلم بأنني لن أتركك قبل أن تخبرني .. هيا تكلم .. ما الذي يزعجك؟

تأفف زيد واعتدل في جلسته، فقال زين بحنق مصطنع: هل تتأفف في وجهي أيضًا؟

قوس زيد شفتيه بحزن طفولي قائلًا: لم أقصد ذلك .. أنا فقط سئمت .. لا أدري ماذا عليَّ أن أفعل كي تفهمني أمي .. أشعر بأنها لا زالت تراني طفلها الصغير المدلل .. في البداية كان يعجبني الأمر .. لكن الأمر زاد عن حده .. لست صغيرًا يا زين .. أرغب حقًا بالزواج وهي لا تراني أهلًا لذلك .. لا تراني على قدر المسؤولية .. حتى حديثك أنت ويزيد معها لم يقنعها .. ماذا أفعل يا زين؟!

ابتسم زين ومسح على رأس أخيه بحنان، ثم قال:

- هل هناك فتاة معينة في ذهنك؟

- كلا، أخبرتك من قبل بأنني لم أجد .. لم يحدث وأن شعرت بأنني وجدت الفتاة التي تناسبني.

- ألهذا السبب فكرت بالزواج التقليدي وتريد منها أن تجد لك عروسًا؟

- أجل، الكثيرون يتزوجون بهذه الطريقة ويقعون في الحب بعد الزواج. الزواج بعد علاقة حب لا يكون ناجحًا دائمًا يا زين، أليس كذلك؟

- أنت محق .. هذا ليس شرطًا .. العديد من قصص الحب الأسطورية انتهت بعد فترة قصيرة من الزواج وبشكل بشع أيضًا.

- ما دمت محقًا فما المشكلة إذًا؟ هل أبدو لك عديم المسؤولية ولن أتمكن من إنجاح زواجي؟

- لا شيء من هذا القبيل يا زيد .. لقد أصبحت رجلًا ومن حقك أن تتزوج وتكون أسرة بالطبع .. أما فيما يخص أمي فكما قلت .. هي لا تأخذك بجدية ليس فقط لأنها تراك صغيرها المدلل .. ربما لأنها لم تلمس جديتك مع أي فتاة من قبل .. لم ترك تقع في الحب .. لذا هي تخشى ألا تكون جديًا بشأن الزواج.

- لكنني لم أجد فتاة يخفق لها قلبي .. لم أجد فتاة لأقول لنفسي بأنها هي المنشودة .. لم أقابلها بعد .. ماذا أفعل؟

- ربما نصيبك لم يأتِ بعد .. لكنك ستجدها بالتأكيد .. حتى لو كان الأمر بطريقة تقليدية .. ستجد شريكتك في هذه الحياة .. ادعُ الله لييسر لقاءك بها.

مضى ثلاثة أيام كالحلم بالنسبة لحور وزين؛ فقد أمضياها في التنزه وزيارة بعض أفراد عائلتها للتعرف إليهم. كان زين وزيد ووالدتهما سعداء للغاية بالجولات التي رتبتها حور من أجلهما لتعرفهم فيها على مدينتها والمدن الأخرى القريبة في الضفة الغربية.

كان زين يخطط للبقاء لبضعة أيام بعد سفر أمه وأخيه إلا أن اتصال يزيد الذي تلقاه أثناء تناوله الغداء مع البقية في أحد مطاعم المدينة دمر خططه بأكملها. عاد إلى الطاولة وهو يحاول التحكم بتعابير وجهه إلا أن الجميع لاحظ اختلاف مزاجه بعد المكالمة.

شعرت حور بضيقه الذي يحاول إخفاءه، فمدت يدها وأمسكت بيده التي يضعها على ساقه أسفل الطاولة، ثم همست له قائلة: هل كل شيء بخير؟

التفت لها زين وضم يدها بين كفيه، ثم قبل جبينها قائلًا: كل شيء بخير يا حبيبتي .. مشكلة صغيرة في العمل.

رمقته حور بقلق قائلة: انزعاجك لا يبشر بخير، هل هي خطيرة؟

ابتسم زين محاولًا طمأنتها قائلًا: كلا، لا شيء من هذا القبيل. مشكلة عادية، ولكن كالعادة يجب أن يعودوا لي في كل صغيرة وكبيرة، وأنا لا أريد التفكير في العمل في الوقت الذي خصصته من أجلك.

ابتسمت حور وقالت بلطف: لا بأس، لا تهمل عملك. لدينا متسع من الوقت لنمضيه معًا، أليس كذلك؟

ابتسم وهو يرى ابتسامتها العذبة وتفهمها لظروف عمله التي تجبره على متابعة العمل عن بعد. لا يعلم كيف سيخبرها بأنه مضطر للسفر بحلول الغد ليحل مشكلة هامة تستدعي وجوده، وبهذا الحال لن يعود قبل موعد حفل الزفاف الذي حددوه بعد شهر ريثما يكون قد انتهى من تجهيز الشقة. لقد اضطر لأخذ شقة زيد التي تقابل شقة يزيد كونه لا يريد العيش في شقته السابقة التي عاش فيها مع كارمن، وقرر أن يبادلها بشقة زيد الذي أبدى موافقته على ذلك.

بعد انتهاء الغداء ودعت حور وعائلتها أم زين وزيد كونهما سيسافران غدًا، وبعد أن عانقت حور أم زين قالت بأسف: كنت أود البقاء معكِ حتى المساء، لكنني أعلم بأنكِ يجب أن ترتاحي قبل السفر. سأشتاق إليكِ.

ضمتها أم زين بحب قائلة: وأنا سأشتاق لكِ ولكلامك الجميل هذا .. إنه محض شهر وستأتين للعيش معنا يا حبيبتي.

أثناء انشغالهما بالحديث أشار زين لأخيه ليتحدثا على انفراد، وطلب منه تحضير حقيبة سفره هو أيضًا لأنه سيسافر معهما، فاستغرب زيد الأمر، ليخبره زين باختصار أن هناك مشكلة في توقيع أحد العقود، وعليه مقابلة أصحاب تلك الشركة بشكل عاجل ليرى سبب تراجعهم عن التوقيع في اللحظة الأخيرة.

وضع زيد يديه على خاصرتيه وقال بحنق: لا أستبعد أن تكون الأفعى التي تدعى ندى خلف الأمر .. لقد فعلتها من قبل.

ربت زين على كتفه وقال: الأولوية هي حل المشكلة الآن .. خسارتنا لهذا العقد ليست بالأمر السهل.

أومأ زيد برأسه موافقًا، ثم قال: ماذا عن حور؟ ألم تخبرها بعد؟

تنهد زين بتعب وقال: لا أدري كيف سأخبرها .. ولا أعلم ماذا ستكون ردة فعلها .. كانت تحدثني عن الأماكن التي ستأخذني لها غدًا .. كيف عساي أخبرها بأنني سأسافر غدًا؟ .. ولن أراها قبل موعد حفل الزفاف.

رمقه زيد بتعاطف وقال: ألا يمكنك العودة بعد حل المشكلة؟

ابتسم زين بتهكم وأسى قائلًا: هل حقًا تظن بأنه سيكون بمقدوري العودة؟! سأجد العمل متراكمًا، وسأمضي هذا الشهر في العمل من جهة، ومتابعة العمال لينهوا العمل في الشقة من جهة أخرى.

أخفى زيد ابتسامته وهو يرى زين يتحدث بغيظ وحنق، ثم قال ليغيظه أكثر: لا بأس .. سيمر الشهر بسرعة.

رمقه زين بحنق وقال باستنكار: يمر بسرعة؟! بالطبع .. فأنت لم تجرب الأمر.

رد زيد بغيظ: زوجوني لأجرب.

ابتسم زين وهز رأسه باستنكار، ثم مد يده ليداعب مؤخرة رأس أخيه وعاد إلى البقية، ليطلب من والدي حور أن يخرجا معًا واعدًا إياهما بأن يعيدها في المساء قبل تأخر الوقت.

غادروا المطعم وبقي حور وزين يتجولان في المدينة، وأخذته لأحد المحلات التجارية الفاخرة لتشتري له قميصًا وسروالًا.

- حور .. أنا من عليه أن يشتري لكِ وليس العكس.

- أريد أن أهديك شيئًا فقد قدمت لي الكثير .. لذا أردتك أن تختار هديتك بنفسك .. أعلم بأنك لا ترتدي سوى ملابس العلامات التجارية الفاخرة .. لكن هنا ستجد ملابس من أهم العلامات التجارية التركية .. إنها رائجة جدًا هنا وخامتها جيدة للغاية.

- يا حبيبتي أنا لا آبه بشأن العلامات التجارية .. كل ما في الأمر أنني لا أجد الأمر لائقًا .. اهدني شيئًا بسيطًا ما دمتِ مصرة.

- أنا أملك المال .. لا تقلق .. كوني عاطلة عن العمل الآن فلا يعني بأنني مفلسة.

- كم لديكِ من المال؟

قالها ممازحًا وهو يتظاهر بالجدية، فضحكت بخفوت قائلة: لن أخبرك، ولكن معي مبلغ لا بأس به .. لا يقارن برجل أعمال ثري مثلك بالطبع.

اقترب وهمس بالقرب من أذنها: رجل الأعمال الثري هذا وكل ما يملكه يكون ملكك أنتِ.

اختار زين مجبرًا قميصًا وسروالًا نظرًا لإصرار حور التي كانت تريده أن يأخذ المزيد إلا أنه رفض، ليتفاجأ عند دفع الحساب بارتفاع السعر. خرج كلاهما من هناك ليقول: الأسعار هنا ليست مزحة .. سواء المطاعم أو المواصلات وحتى المحلات التجارية بأنواعها .. كل شيء مرتفع الثمن .. عندما أحول العملة وأقارن الأسعار تبدو لي كبلد أوروبية .. التكاليف المعيشية باهظة للغاية.

ابتسمت حور بتهكم وقالت: أجل، التكاليف أوروبية، لكن الحياة ... آه .. على أي حال .. نعيشها مرغمين .. العيش والصمود هو الخيار الوحيد.

بينما كانا يتجولان بعد أن شربا شيئًا باردًا في مكان ما سمعا صوت أذان المغرب، فقال زين: هل من مسجد قريب؟ لنصلي ونذهب إلى مكان ما لنجلس ونتحدث.

أخذته حور إلى مسجد قريب وقالت بأنها ستنتظره في مدخل مصلى النساء. استغرب زين وسألها قائلًا: ألن تدخلي لتصلي؟

بدا عليها الحرج وبدأت نظراتها تدور في الفراغ، ثم همست له قائلة بأن لديها عذرها، ليسارع بالاعتذار وهو يراها محرجة ويقول: لو أخبرتني لما جعلتك تمشين كل هذا الوقت .. أنا آسف للغاية .. لا بد من أنكِ متعبة.

ابتسمت حور بحرج وقالت: أنا بخير .. هيا اذهب ستبدأ صلاة الجماعة وأنت لم تتوضأ بعد.

بعد انتهاء الصلاة توجه كلاهما لأحد المتنزهات، واختارا مكانًا هادئًا ليجلسا. كانت إطلالته مرتفعة وذات منظر طبيعي خلاب لدرجة أن زين ابتسم وهو ينظر من حوله قائلًا: كل مكان ذهبنا إليه كان أجمل مما سبقه .. فلسطين جميلة للغاية .. رغم أننا في المدينة وهناك مبانٍ سكنية وما إلى ذلك إلا أنها لا تزال خضراء، وتحتفظ بأشجار الزيتون وغيرها .. مزيج جميل للغاية .. عدا عن أن الجو منعش وجميل رغم أننا في الصيف.

رمقته حور باستنكار قائلة: الجو منعش؟ ليلًا ربما .. لا أدري كيف علمونا في الجغرافيا بأن مناخ فلسطين معتدل .. أي اعتدال هذا؟!

ضحك زين وقال: عندما تجربين حرارة الصيف وجو الصحراء ستفهمين.

أمسك زين بيدها وقال بجدية: حور! أنتِ لم تسأليني حتى الآن عن زواجي السابق .. لم أخبركِ بقصتي بعد .. ألم نتفق أن نتحدث في كل شيء كي نغلق أمر الماضي للأبد؟ .. لماذا أشعر بأنكِ تتهربين من الحديث في الأمر كلما حاولت فعل ذلك؟

طأطأت حور رأسها، ثم قالت: أشعر بأن لدينا أشياء أهم لنتحدث بشأنها في الوقت الحالي .. أشياء تخص حياتنا ومستقبلنا بدلًا من الحديث عن الماضي الذي انتهى .. كما أنني .. أخشى أن أشعر بالغيرة .. أخشى أن أشعر بشيء من الحب أو الندم منك تجاهها أثناء حديثك عنها.

ضم زين يديها بين كفيه وقال: حور! يا حبيبتي .. أنا لم أقع في حبها رغم سنوات الزواج التي عشتها معها .. كنت عادلًا معها، وعاملتها بكل ود واحترام واهتمام، ولم أظلمها مطلقًا .. لكن لم أستطع أن أحبها .. على أي حال ليس لدينا وقت لأحدثك بالتفاصيل .. فهناك ما أود إخبارك به.

نظرت له حور باهتمام والتساؤل واضح في عينيها الجميلتين، ليزداد ارتباكه وهو يخبرها بتردد بشأن سفره غدًا. صمتت للحظات تحاول استيعاب ما قاله، ثم قالت بحزن واضح: حقًا؟ ستسافر صباح الغد معهم؟

أومأ لها بالإيجاب وهو يشعر بغصة في قلبه بعد أن رأى تعابير الحزن المرسومة على وجهها، لتردف قائلة: لكنك قلت بأنها مشكلة عادية .. ألهذه الدرجة يتطلب الأمر وجودك؟

رد زين بأسف: أنا آسف للغاية .. لكن وجودي ضروري للغاية .. لو لم يكن كذلك لما سافرت .. أنتِ لا تعلمين مدى سعادتي بقربك يا حور .. لم أشعر بشيء كهذا منذ زمن طويل .. أتمنى لو كان بوسعي البقاء بجانبك، لكن الأمر خارج عن إرادتي .. تفهمي موقفي من فضلك.

طأطأت رأسها وقد بدأت دموعها تنساب بصمت رغم محاولتها عدم السماح لها بذلك، ثم قالت: أنا أتفهم ذلك .. عليك الذهاب بالطبع ...

رفعت رأسها لتنظر إليه وقالت متسائلة: لكن .. متى ستعود؟ .. ستأتي قبل حفل الزفاف، صحيح؟

ضم زين شفتيه لا يدري بماذا عساه يجيب، ثم قال: لا يمكنني أن أعدك بذلك .. سيتوجب عليَّ إنهاء الكثير من العمل قبل حفل زفافنا .. كي أتمكن من أخذ أسبوع على الأقل كإجازة ...

عندما رأى دموعها ونظرات الحزن التي ترمقه بها سارع ليردف قائلًا: سأحاول أن تكون أكثر من أسبوع وسنسافر لأي مكان تريدينه .. أعدك بذلك.

لم تأبه لأمر السفر هذا فعقلها توقف عند عدم تمكنها من رؤيته بعد الليلة .. هل سيسافر حقًا ولن تراه وتجلس معه أو تلمسه بعد هذه الليلة؟! .. كيف ستحتمل هذا البعد والفراق كل هذا الوقت؟! .. ماذا لو تأجل حفل الزفاف أيضًا؟! .. بل باغتتها فكرة أسوأ .. ماذا لو عدل عن رأيه وشعر بتسرعه بشأن زواجهما؟! ماذا لو تركها هكذا ولم يعد بوسعها الاتصال به؟! ماذا ستفعل حينها؟! هل حقًا سيندم على ارتباطه بها عندما يعود إلى حياته ويفكر بالأمر بروية؟! لقد رأى ندبتها .. تشاجر مع مصطفى بسببها .. رأى حياتها وعيوبها .. قابل عائلتها البسيطة المتواضعة .. هل سيغير رأيه حقًا؟!


..............................................................................

أتمنى أعرف رأيكم في الفصل وإذا نال إعجابكم وتوقعاتكم للأحداث القادمة؟!


لا تنسوا التصويت فضلًا


Okumaya devam et

Bunları da Beğeneceksin

4.2K 250 29
انا التائهة و الضائعه بين الماضي والحاضر واقفه في المنتصف ولا اعلم ما يكون لي في المستقبل
18K 691 29
ممنوع النقل أو الاقتباس ..الرواية حقوق النشر محفوظة ✋✋ .. الحب الحقيقي والصادق لن يؤثر عليه الفراق ..بل يزداد الحب أكثر بفضل الاشتياق ويبقى في القلب...
17.3K 1.1K 23
أصعب شئ أن تتعرض للخيانة من الشخص الذى تحبه ومن المقربين وقتها تفقد التوازن وتفقد أيضا الثقة بكل الناس والأكثر تفقد الثقة فى الحب فهل يمكن ان تستعيد...
34.5K 1.3K 33
تبدو لك الحياة أحيانا حزينة بائسة، تظن أنك تحب أحدهم ثم يأتى الزمان يخبرك بمنتهى الخفة أنك لم تكن ذلك الشخص وأن العشق خلق ليكون من أجل شخص أخر.