Part 2

10.7K 450 52
                                    

هنا كانت البداية، نظرات تتبعها ابتسامات، والأخيرة كانت همسات.
هكذا بدأنا.
تصادفنا في مناسبة تخص قريبًا لكلينا من جهة الأب، أبناء عمومة تلك هي صلة القرابة بيني وبين حبيبي أو زوجي بالأصح.
تلا القسّ تلاواته لمباركة ابن عمتي وزوجته، "بارك اللهم لكما." هتف الموجودون بسعادة ورفعوا كؤوسهم قاصدين بها نخب المباركة للزوجين.

أخذت أدفع أختي التي لم تتحمل ازدحام المكان وتريد مكانًا به هواء صالحٌ للتنفس كما تقول.
خرجنا للحديقة التي تلف قصر عمتي، وأشارت أختي للجهة الأخرى حيث تستقر أرجوحة صغيرة متدلية من شجرة 'أظنها تخص ابنة عمتي المتوفاة، فالمكان يبدو وكأنه لم يُلمس أو يقترب منه أحد لسنوات' اقتربنا من مكان الأرجوحة وحاولت بكلّ قوتي رفع أختي كي أستطيع إجلاسها على الأرجوحة التي أتينا من أجلها. بدأت أدفعها وهي تضحك بصوتٍ مرتفع مستمتعةً بما أفعله وفي كلّ مرةٍ أدفعها بها تصرخ ويزيد ارتفاع ضحكاتها وتشتدّ ابتسامتي، كل تعبي يختفي بابتسامةِ هذه الصغيرة؛ فكيف بضحكاتها.
"تعبت" قلتها وأنا ألتقط أنفاسي وأستلقي على الأرض المخضرة اللي تستقر فيها هذه الأرجوحة.
"ولكن لم أشبع بعد، أرجوك أكمل" قالتها بنبرةٍ حزينة وأكملت عندما لم ترى أي ردة فعل مني "تعلم أن أبي لا يسمح لي باللعب بهذه الأشياء خوفًا علي من السقوط" ختمت كلامها بتنهيدة تجبرني على فتح عينيّ والنظر نحوها بابتسامة، "وكيف لي أن أرفض لأختي الجميلة طلب؟"
وعدت لدفعها مرةً أخرى، وعادت ضحكاتها تصدح بالمكان.
وبينما أنا أدفعها لفت انتباهي فتىً يتكئ على الشرفة المُقابلة لنا ويحدق بكلينا. لم أعلم ما أفعل؛ فابتسمت بخفة وردّها لي وفي الثانية التي أنزلت بها عينيّ لأختي ورفعتها كان قد اختفى.
لم أستغرق وقتًا للتفكير بمن كان، فقد لاحظت أبي خارجًا من القصر يبحث عنّا فرفعت أختي بسرعة ووضعتها على عربتها كي وأخذت أدفعها للجهة المقابلة للقصر رغبةً في ألا يأتي بظن والدي أني خالفت أوامره وجعلت ابنته تحظى بما كانت ممنوعةً منه منذ خرجت لهذه الحياة.
ما جعلني ابطئ من سرعتي هو رؤيتي نفس الفتى الذي كان متكئًا على تلك الشرفة، وارتفاع صوت أبي بمجرد اقترابنا منهم بقوله تعريفًا لمن معه "هذا ابن عمك أتذكره؟ كنت تتعلق به كقردٍ على شجرة حين كان يزورنا"
'أي ابن عم كان فأنا لا أذكر أحدًا بهذا الملامح التي لا تشوبها شائبة'
"تعلم أني لا أذكر من طفولتي شيئًا أبي"مُحرجًا.
"أنا سأجعلك تتذكرني بطريقتي" همس بها المزعوم بأنه ابن عمٍ ولكنّي الوحيد من سمعه. أظن.
"هذه ابنتي التي أخبرتك عنها"
"لا تشبه أحدًا فيكما، ربما والدتها" أجاب، مبتسمًا بلطف لأختي.
"أكنت تعرف والدتي؟" سألت متفاجئًا!
"أخبرتك أنه كان يزورنا أيام طفولتك كثيرًا، واختفى لتسع سنواتٍ بعدها لانتقاله لأمريكا و..."
قاطعته قائلًا بحدة "أبي أنا بالفعل لا أذكر من كان هذا الشخص، ولا أحمل أدنى اهتمام" أكره أن تُذكر والدتي في حديثٍ يخص الذكريات، فما أحمله من ذكرياتٍ يكفيني.
وجهت كلامي لابن عمي "شرفٌ لي رؤية ابن العمّ الذي لا أذكره ولكن يجب علينا الرحيل؛ فأختي لم على تعتد السهر خارجًا" لم أعلم لما كنت أبرر له!
تقابلت أعيننا وارتبكت بسبب مشاعري التي فاضت فجأة.
حنين لم أعلم من أين أتى، وكيف أتى.
'كيف أحنّ لشخصٍ لا أتذكره؟'
"قلت لك سأجعلك تتذكرني بطريقتي" همس مرةً أخرى. 'أيقرأ أفكاري؟'
ابتعدت عنه وبدأت بدفع أختي متجهًا لحيث تقف السيارة بداخلها السائق. التفتّ وقلت "أبي يجب علينا الرحيل؛ لوسي بدأ يغلبها النوم"
أسرع أبي وحملها من عربتها المتحركة وحضنها لصدره ودخل بها السيارة.
التفتّ مرةً أخرى وتلاقت أعيننا للمرة الثانية، ولا زلت أجهل سبب هذا الحنين الذي يؤلم قلبي! وفي تلك اللحظة بالذات تجمعت تلك اللعينات على شفا عينيّ لسببٍ أظن أني بدأت أعلمه الآن.

حنينٌ لسبب مجهول قبل ست سنواتٍ حين تلاقت أعيننا، وحنينٌ لسبب معلوم أشعر به الآن كلما لمحته أمامي.
ذاك الحنين كان بداية قصتي مع حبي الأول والأخير لأكون صريحًا وواقعيًا معكم.

Not Now - Larry Stylinson.Where stories live. Discover now