Part 3

8.2K 417 163
                                    

مستلقٍ على سريري، أبحث في ذاكرتي عن حدثٍ أو حتى صورةٍ تجمعني بذلك الوسيم. لا شيء.
أسبوعٌ قد مرّ على تلك المناسبة التي جمعتي به، ولا زال ذاك الحنين يسكنني، اشتاق رؤيته مع إني لا أذكره! أودّ محادثته.

ألم يخبرني بأنه سيجعلني أتذكره بطريقته؟

إذًا ماذا يُسمي الأسبوع الفائت الذي أهلكت فيه ذاكرتي بحثًا عنه في زواياها!

"بني، هناك من يودّ رؤيتك" صرخ بها أبي.
"قادم" وأنا أركض نازلًا من الدرج وإذا بقدمي اليُمنى تعقف وأفقد توازني، أغمضت عيني بقوة خوفًا من الآت.

'لا أشعر بأي ألم، هل مت من سقطة؟' أنفاس تصتدم بأنفي وشفتاي، وصوت ضحكات أختي يعلو 'أنا حي' فتحت عيناي ببطء، وإذا بها تصتدم وتهيم بعينيه.

من قد يكون غيره؟ ابن العم المنسيّ.

والحنين الذي ما اختفى إلا ليعود.

فتحت عيناي على وسعها وأنزلتها للأرض مُحرجًا "آسف" همست.
"لطيف" بعثر شعري واتجه للغرفة التي يجلس بها والدي وأختي على مقعدها بجانبه تحاول التقاط أنفاسها بين قهقهاتها.
'ما زالت تضحك! أكان شكلي سخيفًا لهذه الدرجة؟'

"لوسي أعجبك شكل أخيك وقد كاد يسقط على وجهه؟" سألها أبي وعلى وجهه ابتسامةٌ واسعة؛ لم يرها تضحك هكذا منذ مدة، فهي غالبًا ما تشعر بضيق منه بسبب اهتمامه الزائد بها.
"اه .. نعم" أجابت بابتسامة صغيرة، وخديها قد احمرّا.
"تعال اجلس معنا فقد أتى من أجلك، كالأيام الخاليات" غمز أبي لي.
ابتسامة مزيفة زُرعت على شفتي. "لم لا تأتِ لغرفتي لنتحدث؟"
"بالطبع لمَ لا!" أجاب بسرعة، وسبقني للدرج.

لحقت به وأراه يدخل غرفتي 'يعرف مكان غرفتي!'
دخلت للغرفة وإذا به يجلس على سريري ومجرد ما رآني ربت على السرير بجانبه مشيرًا لي بأنه يريد مني الجلوس بجانبه.
جلست وبدأت ارتبك وألعب بأصابعي وأنا منزلٌ رأسي فهو لم ينطق بشيء وأشعر بعينيه تحدقان بي.

"أحقًا لا تتذكرني؟" قتل الصمت بسؤاله، وفاجأني.
"أنا لا أكذب!" رفعت عينيّ لأواجه تلك الفاتنتين اللتان تحدقان بي.
"لكنك تكذب الآن !" أجاب مبتسمًا.
'أهو أحمق؟ ما الخطب معه!'
" أخبرتك أني لا أكذب! إن كنت لا تصدقني فيمكنك الرحيل" قلتها بحدة وأنا أقف وأتجه للأريكة الموجودة بغرفتي؛ قربه يوترني.
أمسك بمعصمي، سحبني وجعلني أواجهه "إذًا تريد مني بقاء الليلة عندك؟"
'لم أكن أقصد هذا يالي من غبي!!'
"لا..أعني لم أقصد هذا" أجبت والحمرة تكسو خديّ، أشعر وكأن وجهي على مقربة من فرن مرتفع بدرجة الحرارة.
"لا أذكر أنك كنت خجولًا هكذا! ترى مالذي تغير بغيابي؟"
"لست خجولًا، ثمّ كيف لك أن تذكرني ولا أفعل؟"

اقترب أكثر حتى بدأت أتنفس أنفاسه التي يخرجها، وقبل زاوية عيني "حتى هذه لا تذكرها؟ هيا! لا أحد كان يُقبلك بهذا المكان غيري"

وللحظة بدأت المشاعر تتزاحم وتخنقني أشعر برغبة في البكاء لسبب مجهول. لم أعد أشعر بتلك الرغبة فدموعي لم تستأذني في نزولها، وبدأت أشهق وأحاول التقاط أنفاسي كي أتوقف عن البكاء ولكن لا شيء يوقفه.
'ما خطبي! أبكي جرّاء هذا الألم في قلبي الذي سببه الواقف أمامي وأنا حتى لا أذكر اسمه!'

يمسك يدي ويحاول ابعادها عن عيني، " توقف أنت تؤذيها"
"ما الذي تريده مني؟ لمَ عدت الآن؟ ما الذي تروه مني بعودتك هذه؟ "
" أنت"
"أنا لا أتذكرك أقسم أني لا أكذب"
"أصدقك فقط توقف عن البكاء صغيري"

'صغيري؟ من يقصد بالضبط؟ أتمنى أنه لا يقصدني فأنا كنت أكره من يناديني بصغيري منذ فقداني لذاكرتي'

'بالطبع أنا لم أفقدها، بل أوهمت نفسي أني فقدتها من صدمتي بما حلّ بي وبوالدتي، لم تكن تعلمُ بمثليتي حتى رأتني أقبل صديقي اللذي انتقلنا سببه للعاصمة تاركين خلفنا المنزل وروح والدتي التي لم تحتمل تلك الصدمة'

'لم أعلم ما الخطأ في كوني مثليًا لكن قلب والدتي كان يعلم بالطبع فخانها ووافتها المنية وهي تضع أختي وكان لذلك أثر في تعسّر ولادتها وقدوم أختي الصغيرة لهذه الحياة بعجزٍ في النصف السفلي من جسدها'

'هذا كان ما جعلني أفقد هذه الذاكرة اللعينة، التي تملك أسوء ذكرياتٍ ، وبالطبع أفقد معها كل ما يتعلق بهذا الشخص الذي يمسح أدمعي ويربت على رأسي راجيًا مني التوقف البكاء الذي عدت إليه بمجرد عودة هذه السلسلة من الذكريات في رأسي'

"أرجوك توقف، سأرحل إن لم تردني هنا، أرجوك"
"لا ترحل" قلتها وأنا أشهق بخفة، محاولًا التوقف عن البكاء.
"لن أرحل لكن توقف"

هدأت نفسي واستكن جسدي، 'لم اعتد على البكاء لهذه المدة الطويلة، أشعر وكأني بذلت مجهودًا كبيرًا!'
"أحسنت صغيري" قالها وربت على رأسي.

أعلم الآن سبب بكائي وتهيج مشاعري وفيضان الذكريات الذي استولى عليّ حين سمعتها "صغيري" للمرة الأولى؛ هو من كان يقولها لي حين كان يزورنا في طفولتي، هو من كان يقبل زاوية عيني ولا أحد كان يفعلها غيره.

لم أكن أعلم أن بكائي على هذه الكلمة سيلازمني لستّ سنواتٍ بطولها، لم أكن أعلم أني سأظل أبكي عليها حتى وأنا بالخامسةِ والعشرين من عمري.

Not Now - Larry Stylinson.Όπου ζουν οι ιστορίες. Ανακάλυψε τώρα