الفصل الثامن من الجزء الثاني

3.3K 162 27
                                    

ازيكم عاملين ايه
ركزوا معايا، في صعوبة جامدة في يوم الخميس و الاتنين وعلشان كده هخلي الأيام التلات والجمعة، يعني كده لقاؤنا الآخر يوم الجمعة مش الخميس

جاهزين؟؟

يلا نبدأ





_ منة مين؟ عايزة إيه أنتي؟

هتف في ضجر



زفرت في ضيق ثم ردت:

_ أنا كل شوية هفكرك بيا يا عمو ولا إيه؟ مانا كنت لسه عندكم من كام يوم يعني!

صمت برهة يجمع أفكاره، ثم تحدث:
_ اه، وعايزة إيه بقى يا ترى تاني؟
_ عايزة اتجوز ابنك، بصراحة كده بحبه من زمان وهو كان كاريفلي
_ عارفة
_ نعم؟
_ كان فيه مثل بيقول اللي اختشوا ماتوا، صدقته فعلا أما شفتك في حياتنا.. إيه يا بت البجاحة وقلة الحياء والتربية اللي متجمعين فيكي دول؟ مش مكسوفة على دمك؟!

ابتسمت وردت:
_ إيه يا عمو اللي بقوله غلط؟ علشان بتقدم لابنك للجواز! وايه يعني إيه الغلط في ده؟ في أوروبا والدول الغربية المتقدمة عادي أما البنت تطلب من حبيبها الجواز، أنتوا بس اللي هتفضلوا متخلفين

صاح في غضب:
_ إحنا مين يا قليلة الأدب أنتي؟

_ انتوا، المجتمع الشرقي الذكوري المتخلف اللي بيفرض عادات وتقاليد مختلفة زيه ظالمة للستات، يعني بنت بتحب واحد تفضل قاعدة تحت رحمته هو لا عارفة تقوله بحبك ولا عارفه تقوله اتجوزني علشان عيب! إيه التفرقة العنصرية دي! اشمعنى هو اللي من حقه يعبر عن مشاعره ويقول اللي جواه، وهي لو اتكلمت يبقى عيب!

_ بت بت كفاية قرف، أنا بكلم مين بردو يعني! إنسانة لا عدى عليها تربية ولا عندها أخلاق عديمة الدين، هنستنى منها إيه يعني غير كلام هابط وعبث ملوش معنى! اقفلي اقفلي

_ كلام هابط وملوش معنى! ليه إن شاء الله؟ التساوي بين الرجل والمرأة بقى في كل حتة إلا في المجتمع المختلف ده اللي عايش في القرن التاسع قبل الميلاد باين!

_ الأدب والأخلاق بيتولدوا مع الإنسان بالفطرة على مر العصور والقرون، بس الإنسان بقى هو اللي بقرون وبيتخلى عنهم تحت مسمى الحرية. نصيحة يا بنتي من أب علشان شكلك معندكيش أب، مهما دخلنا في انحلال أخلاقي ومهما فضلوا يسموه الحرية، افضلي ديما فاكرة إن التمسك بعقيدتك وأخلاقك مش هينقص من حريتك حتة، هما ضحكوا عليكي وقالوا كده علشان نبدأ نشوف الانحلال الأخلاقي على أصله تحت مسمى الحرية والمساواة

ابتسمت ساخرة من كلامه ثم تحدثت:
_ ماشي يا عمو حلوة النصيحة، مش موضوعنا بقى الحوار ده، موضوعنا إني عايزة اتجوز وليد

_ غشيمة، ماهو ده محور موضوعنا أصلا! هو وليد الشخص الأخلاقي المتدين ده ازاي ممكن يتجوز واحدة زيك منحلة أخلاقيا وعايزة تتساوى ببتوع أوروبا؟!

_ عادي يا عمو بتحصل ماهو اتجوز واحدة خانته وكانت منحلة أخلاقيا هي جت عليا يعني؟!

_ اديكي قلتي، احنا بقى مش عايزين نصلح الغلط بغلط، وليد هيتجوز واحدة تشبهه وابعدي انتي وصاحبتك دي عننا خالص بقى!

_ أولا هي مش صاحبتي، ثانيا لا مش هبعد عنه هتجوزه ولو حضرتك وهو فضلتوا رافضين الموضوع ده أنا هفضحكم بالفيديوهات اللي معايا

صرخ في جنون:
_ انتي مجنونة ولا إيه يا بت انتي؟ ما تغوري في داهية تحلي عننا بقى عايزين منه إيه تاني الله يحرقكم بجاز!

_ أنا عايزة اتجوزه، مش عارفه بقى الباقي عايزين منه إيه؟!

أنهى المكالمة بعدما شعر بغصة في حلقة بدلًا من التلفظ بأي ألفاظ مسيئة أو خارجة وما إن أنهى المكالمة، حتى صاح:

_ يخربيتك ويخربيت جبروتك يا قليلة الكرامة والرباية انتي! ربنا ياخدك يا بعيدة

اقترب منه جاسر وهتف مستغلًا الوضع:
_ في إيه يا عمي؟ مالك؟

صاح في وجهه مما جعله يتراجع إلى الخلف مُختضًا:

_عمى الدبب انت التاني جتكم القرف كلكم مليتوا البلد

_ في إيه يا عمي بس!! انت جاي حد مزعلك خالص ولا إيه؟

اقترب منه وأمسكه من ياقة قميصه، ثم أخذ يقربه إليه وهو يحدق في عينيه:

_ انت يالا مش ناوي تحل بنتي يعني وتحترم نفسك أنت كمان! يعني مش كفاية آخر مرة أما اتهجمت على بيتي في غيابي وفضلت هربان لحد النهاردة علشان ماعلمش على وشك!

_ يا عمي أنا مش هربان ولا حاجة أنا بس مش ناقص تهزيق وقلة قيمة قصاد الخلق وبنتك أساسا ضرباني على وشي بالقلم

شدد على مسكته من ياقته وتحدث في نبرة أكثر حدة من السابقة:

_ ضربتك بالقلم ليه؟ وانت أصلا كنت في الأوضة بتاعتها بتعمل إيه؟ هو يصح إنك تدخل على بنت عمك اوضتها الخاصة؟

_ يا عمي أنا بحبها بقى والله العظيم بحبها، أنا عايز هنا في الحلال أنا معملتش حاجة غلط

_ وهنا مش طيقاك لا في الحلال ولا في الحرام، نعمل إيه احنا بقى!!

_ يا عمي جوزهالي يا عمي أبوس ايدك


ترك ياقته بدفعة للخلف قوية بعض الشيء، ثم تحدث محاولًا أن يسيطر على هدوء نبرة صوته:

_ اسمع، أنا عمري في حياتي ما هجوز بنتي غصبن عنها، ومادام هي رفضاك بكل الطرق دي، يبقى أوعى تعترض طريقها تاني، انت عايز تطلع على بنتي سمعة، ولا عايز تفضل تنط لها علشان تثبت نفسك معاها والناس تفضل شايفاك انت رايح جاي معاها في الحارة فتاخدها بقى وكده؟!

_ يا عمي أرجوك أبوس ايدك متقولش كده في وشي، أرجوك قدر حبي ليها وتمسكي بيها، يعني أنا أفضل ولا الزفت اللي هي بتحبه ده؟!

عقد شعبان حاجبيه في استغراب وهتف:
_ زفت بتحبه؟ تقصد مين؟

_ الشاب اللي دافع عنها امبارح وهي راجعة من الدرس، أنا اعترضت طريقها علشان شفته ماشي وراها بقاله فترة، فخفت عليها وروحت قلت لها هوصلك، أما فضلت ترفص وتقول لا لا وهي مش فاهمة إني بعمل كده خوف عليها

راح هو ضربني، حتى بص مناخيري!

قالها وهو يشير إلى أنفه، ينظر إليه شعبان جيدًا ويوازن كلامه ثم تحدث:

_ ضربك في نص الحارة؟

_ أيوة يا عمي، شوف بقى الناس هتفهم إيه! واحد بيضرب ابن عمها ليه؟! بنتك هي اللي هتجبلك العار يا عمي هي والشاب اللي معاها ده، قعدها من التعليم بقى وجوزها واخلص من مسؤوليتها، وعلى رأي المثل، يا مخلف البنات يا شايل الهم للممات..
             ******
بعدما أخبرتها العاملة أن ابنة عم طليقها تنتظر في الأسفل، لم تنتظر كثيرًا حتى ذهبت إليها.

تنتظرها جومانة في غرفة الاستقبال قلقة من مجيء أمير في أي وقت.
دخلت عليها الغرفة وما إن رأتها، حتى ابتسمت، بادلتها الأخرى الابتسامة نفسها، ثم اقتربت منها كي تحتضنها، ولكن شاهستا ابتعدت عنها في سرعة معللة:

_ عندي برد شديد يا روحي أخاف اعديكي أما تقربي مني

_ آه، لا ألف سلامة عليكي يا قلبي، ليه مالك كده؟ شكلك فعلا آخدة دور برد شديد واضح على عينك و صوتك

سارت شاهستا جهة أقرب كرسي لها وجلست، ثم أشارت بيدها لجومانة كي تجلس وتحدثت ما إن جلست:

_ اتفضلي يا جومانة اقعدي

جلست الفتاة وتحدثت:
_ قعدت أهو يا قلبي مالك بقى؟

_ مفيش والله جالي برد من الغباء اللي بعمله في نفسي

_ مش فاهمة!

_ يعني شوية اعيط شوية أنسى اتغطى.. ولسه امبارح تقريبا حطيت نفسي تحت الدوش بهدومي


تعقد جومانة حاجبيها في شفقة على حال شاهستا، وتحدثت شاعرة بالأسف:

_ ليه كده طيب يا شاهستا مش تاخدي بالك من صحتك علشان خاطر أولادك؟

_ بسبب ابن عمك يا جومانة، بسبب جحوده عليا وقسوته.. مصدومة ده مش وليد بجد!

_ والله يا شاهستا الحق يتقال يعني وليد عمره ما كان جاحد صراحة ولا قاسي حتى، بس اللي حصل فيه مش قليل

_ حتى انتي كمان يا جومانة؟!

_ يا شاهستا اكدب يعني؟ وبعدين باباه وعمي محرم بهدلوه وطردوه بره البيت وهو حتى الآن مرجعش


نهضت شاهستا مندهشة مما سمعته وتزامن مع نهوضها، هتافها:

_ إيه؟ قولي والله! ليه ليه كل ده؟!


نهضت الأخرى وأخذت تقترب منها وتحدثت ما إن وقفت جوارها:

_ صراحة بقى كده يا شاهستا، بابا وليد مش عايز يعترف بأولادك وعمال يضعط على وليد في الحتة دي

_ يعني إيه؟!

صمتت لمدة ثواني ثم هتفت في صوت عالي:
_ يعني إيه يعني مش عايزين يعترفوا بأولادي؟ والله هما احرار بس دول أولادهم، أنا ماكنتش ماشية مع ابنهم في الحرام يعني علشان يقولوا كده!

سكتت جومانة لبعض من الوقت ثم أجمعت قواها واطلقت زفيرًا طويلًا ثم تحدثت:
_ بتوجع صح؟

نظرت إليها شاهستا بقليل من الاستيعاب وردت مستفسرة:
_ هي إيه اللي بتوجع؟!

_ إن جوزك ميعترفش بأولادك

_ انتي بتقولي إيه يا جومانة؟ لا طبعا وليد هيعترف بأولادي.


اطرقت وأخذت تسير بضع خطوات إلى الأمام شاردة تفكر في شيء وأثناء سيرها تكلمت:

_ اه يمكن وليد قالي الولاد دول ميلزمونيش دلوقتي، اه يمكن شكك في أخلاقي، اه قال فعلا كلام يدايق..

التفتت إليها تارة أخرى متوقفة عن السير وتابعت:
_ بس أنا متأكدة إن دي فترة بس وكل حاجة هترجع زي الأول وأحسن، أنا متأكدة إنه أكيد هيتعرف بأولاده مني، انا واثقة

عقدت جومانة ذراعيها أمام صدرها وتحدثت في جدية:
_ بس يمكن بعد اللي أنا كمان أقوله الدنيا تخرب اكتر يا شاهستا

عقدت حاجبيها في استغراب وتسألت:
_ بعد اللي انتي هتقوليه؟!

اقتربت منها ووقفت أمامها تنظر إلى عينيها وتابعت:
_ وانتي عايزة تقولي إيه يا جومانة تاني ناقص يخرب الدنيا اكتر ويشعلل الأجواء!

ابتلعت ريقها وهتفت في ثقة:
_ عايزة اقول إني حامل..

ضربت شاهستا صدرها وشهقت صارخة:
_ من وليد؟!

_ وليد إيه بس!! ده أنا خايفة أروح أقوله أنا اسمي إيه يكون ناسي!

_ اومال من مين؟

خطت جومانة بضع خطوات نحو الطاولة وفتحت حقيبتها الموضوعة فوقها وأخرجت منها ورقة، ثم غلقت الحقيبة وعادت مرة أخرى متجهة نحو شاهستا وتحدثت وهي تضع الورقة في قبضتها:
_ دي ورقة الجواز العرفي اللي بيني أنا وأمير، أنا حتى الآن مراته وحامل في ابنه وهو رفض يعترف بيا أنا والطفل، رفض يتجوزني بعد ما وعدني، كدب عليا وقالي بس نتجوز عرفي الأول وأول ما نرجع القاهرة هطلبك رسمي، وماعملش أي حاجة من دي!
شاهستا، أنا ماشية في الشهر التالت وحرفيا مش عارفة أعمل إيه! اخوكي حاططني في مأزق وحش أوي..
ومش بس كده لا، ده أنا أما فكرت أنزل الجنين بناءً على نصحته، لقيته بيخوني في نفس اليوم.. و... و...

قاطعتها دموعها التي أخذت أن تتساقط بغرازة على خديها..

لا تصدق شاهستا ما فعله أخاها بالفتاة، تنظر إليها في صدمة وما إن رأتها تبكي حتى اقتربت منها وأخذت تربت على كتفيها وهي تقول:
_ بس بس اهدي يا جومانة بليز اهدي

تابعت وهي تزيل أدمعها:
_ وبعدها فكرت أنزل الطفل فعلا بس بنت خالتو نصحتني ماعملش كده علشان حقي مايضعش، وكنت لسه بفكر في الموضوع ده لقيته بيتصل بيا وبيقولي بكل بجاحة انزلي موقع التصوير علشان الفيلم

_ انتي كنتي مشتركة معاه في فيلم؟

_ اه بس على أساس إن الفيلم هيتعرض لسه في عيد الأضحى وأحنا بنصوره من قبل رمضان يعني كان المفروض اتجوزني علشان أقدر أظهر في الشاشة، دلوقتي لا عارفة أروح أعمل العملية لأني بحضر المشاهد بتاعتي بدل ما أدفع شرط جزائي مبلغ وقدره مش جاهز معايا حتى حاليا، ولا عارفة هقول لأهلي إيه أما يشوفوني في الفيلم!

اخوكي دمرني بالمعنى الحرفي وأنا مش عارفة إيه، أنا أنا كل الحكاية إني حبيته ووثقت فيه وسلمتله نفسي بناءً على الثقة دي.. عارفة إني غلطانة واني ، وإني إني...

عادت دموعها إلى السيلان على خديها تارة أخرى مقاطعة حديثها..

تربت شاهستا على كتفها وهي تقول:
_ بالله عليكي اهدي، كل ده يا بنتي شيلاه جواكي وساكته! نفسي احضنك والله بس أما عرفت إنك حامل كمان ومناعتك أكيد زي الزفت، خفت احضنك أكتر من الأول

_ مفيش داعي يا شاهستا، أنا مش عايزة اتحضن ولا احس بشفقة، أنا عايزة حل، فكرت أقول لوليد بس

صاحت مقاطعة إياها:
_ لا لا وليد لا، فكرة تقرف طبعا، ارجوكي يا جومانة الدنيا و العلاقة بينا وبين وليد وأهله زي الزفت وكلها توترات مش ناقصة خالص إنك كمان تروحي تشتكي من أمير!
سيبي الموضوع ده عليا وأنا إن شاء الله هجبلك حل قريب جدا متخافيش

هتفت وهي تزيل دموعها:
_ ياريت ياريت يا شاهستا بجد، أنا فعلا مش بنام، ومعملتش أي حاجة لاخوكي هو اللي غدر بيا ظلم وافتراء

_ لا خلاص بجد سيبي الحوار ده عليا وأنا هتصرف بجد، تشربي إيه؟

_ لا أنا مش جاية اضايف يا شاهستا، جيت بس علشان أقولك الكلمتين دول وخلاص، لازم أمشي ورايا مذاكرة كتير

_ تمام as you like
بس بليز متجبيش سيرة لوليد عن الكلام ده، أنا هتصرف زي ما قولتلك تمام؟

_ تمام..
            ******
_ انجز يا أسر وقول دفعت كام لعلاج عاليا؟

هتف وليد محدثًا أسر والذي قد أبى مرارًا أن يأخذ منه المال أو يخبره عن العدد الذي دفعه، وجاء رد أسر عليه كالتالي:
_ بس يا حبيبي ألعب بعيد، مش هقول سعر حاجة ولا هاخد حاجة

_ انجز يا أسر متهزرش، وبعدين تعالى هنا، انت مال وشك، حاسس إنك زي ما يكون خير اللهم اجعله خير دخلت اشتباك مع حد؟

_اه بصراحة دخلت اشتباك مع ابن عمك وضربته

رد وليد عليه في تلقائية:

_ أحسن

ابتسم أسر ورد:
_ طب مش هتسأل ضربته ليه؟ هو مين أصلا ابن عمك اللي ضربته ده ولا أي حاجة كده خالص؟

_ لا الحقيقة لأن كل ولاد عمي عاوزين الضرب عادي ومعاهم عمي شخصيا

ضحك أسر ورد مازحًا:
_ ما أنت لازم تقول كده مش اطردت بسببه وحفل عليك!

_ ما خلاص بقى يا أسر هو كل أما انسى هتفكرني؟ يا أخي مش كده!

ضحك أسر وصمت شاردًا تارة أخرى في أمر عاليا، وكذلك صمت وليد برهة ولكنه عاد إلى الحديث تارة أخرى:

_ صحيح اتخانقت فيه ليه؟

قاطع تفكيره لذلك تضايق وصاح:
_ ما تخرس بقى يا وليد الله! كل أما أسرح الاقيك ناطط في خيالي اخرس شوية وذاكر بقى علشان تطلع الأول


رفع وليد أحد حاجبيه في استغراب وهتف:
_ لا والله وسرحان في إيه بقى؟

_ في خبتي، سرحان في خبتي

_ كلنا لله يا أسر، طب ما ترد عليا وجرب تسرح في خيبة تانية غير خبتك؟

_ بقولك إيه انت لكاك بشكل! بص يا زفت هو جاسر الزفت ابن عمك ده ضايق هنا وصاحبتها واعترض طريقهم، روحت أنا عملت فيها بطل وشجاع وكده ودافعت عن البطلة اخت صاحبي صاحب الدور الثانوي في الرواية و كلمته بالحسنى بس هو كان نفسه يضرب، لذلك الحسنى ماجبتش نتيجة، مش أسكت أنا بقى وازق عجلي وأروح؟! لا روحت بقى إيه مناوله بوكس في مناخيره جابت دم.

هو شاف الدم من هنا وقلب شبه الطور أما بيشوف حاجة حمرا، بتلاقيه اتجنن واتحول، مش أسكت بقى بردو! لا، روحت غايظه اكتر وقاليله شفت أهي مناخيرك جابت دم، راح هجم عليا زي الطور مانا قولتلك قبل كده، وراح ضربني، بس
Thanks God  حميت وشي والضرب كله جيه في كتفي وكده

تضايق وليد بشدة رغم أن صاحبه قد قص عليه ما حدث بشكل مضحك، وتحدث:
_ وهو الحيوان ده بيعترض طريق أختي ليه؟

_ بيقول مراتي، ده عيل متخلف يا عم

_ مراته!! وقسما بالله أما أشوفه الزفت ده كمان

_ يا عم أقعد انت بدل ما عمك محرم يجي يرنك علقة

_ عيب يا أسر عيب الكلام ده أنا مسيطر بردو

_ واضح يا حبيبي، من قعدتك هنا واضح السيطرة صراحة

_ وانت بقى شفتهم فين؟

_ وأنا رايح السوبر ماركت أجيب العشا شفتهم

أطرق وليد برهة يفكر في الأمر، ثم صاح فجأة:

_ آه، عشان كده مرضتش تخليني آجي معاك، أسر متهزرش بجد


نهض بعدما قال تلك الجملة واتجه نحو الخزانة وأخرج بعض من المال وعاد متجهًا تارة أخرى نحو صديقه وهتف وهو يضع المال على الطاولة:

_ خد يا زفت انت، أنت عمال تدفع تمن الغدا والعشا على حسابك مش هينفع بجد يا أسر وقولي كمان دفعت لعاليا كام؟


نظر أسر إلى المال وتحدث:

_ شيل يا عسل فلوسك دي يلا

_ أسر والله ما بهزر خد الفلوس

_ اترزع يا وليد في الأرض بقولك مش هاخد حاجة

_ والله ما ينفع يا أسر خد الفلوس

_ مفيش بينا فلوس يا حيوان أنت، شيل فلوسك

_ لا يا أسر لا عيب والله أنا مش هقعد كده باللي أنت بتعمله ده!

نهض أسر و أمسك بالمال واقترب جهة صديقه كي يعطيه له، امتنع وليد عن أخذه، و ظل الحوار بينهما حول من سيأخذ المال لفترة طويلة، حتى شعر  وليد بالملل وصاح:

_ شوف يا أسر لو مأخدتش الفلوس أنا همشي بجد ومش هقعد في البيت ده ثانية واحدة

_ امشي، أساسا هترجع تاني زي الكلب، وهو أنت ليك مكان تاني غير عندي؟! أنت مطرود يالا فوق!!

نظر إليه وليد بشيء من التحدي ثم تحدث:
_ كده؟! ماشي حلو أوي أنا هروح احجز أوضة في فندق ولا الحوجة ليك أنت و أبويا

_ اتنيل، تعرف تتنيل؟! أنت كحيان يا وليد اوضة في فندق إيه أنت فاكر نفسك نجيب ساويرس؟!


عقد وليد ذراعيه أمام صدره وهتف في تفهم:

_ معاك حق بالأخص إن الأسعار ولعت الفترة دي كمان!
_ اه طبعا

زفر وليد في ضيق وهتف:
_ استغفر الله العظيم، اومال أروح أغضب أنا فين دلوقتي؟!

ابتسم أسر ورد ساخرًا:
_ ملكيش إلا الرجوع لبيت حماتك يا شابة

ضحك الآخر ورد عليه:

_ صدقيني يا حبيبتي، حماتي سر خراب حياتي

انفجر أسر من الضحك من رد فعل صديقه التلقائي والغريب، ولما توقف عن الضحك:
_ ارجعي لجوزك بقى يا أختي هتعملي إيه! أو خليكي مرزوعة مانتي آكلة شاربة أهو ببلاش بس انتي وش فقر زي ابوكي

_ ولا، بطل تأنثني وإلا أقسم بالله مش هحلك وهفصل أقولك أسورة طول الأسبوع

_ لا لا وعلى إيه! أهو خرست هعمل كل اللي أنت عايزه، بس أبوس إيدك كله إلا أسورة دي!

_ ماشي يا أسورة سماح المرادي

_ وليد!!

رد وهو يبتسم ابتسامة عريضة شاعرًا بالنصر:
_ خلاص يا عم مش هقولك يا... تاني

ينظر إليه أسر في ضيق بينما هو لا يتوقف عن الضحك من تعبيرات وجه أسر بالأخص.
             ******
_ ادخل

هتف أمير بعدما سمع صوت أحدهم يطرق باب غرفته، دخلت لما أذن لها، ابتسم ما إن رآها وتحدث:

_ شاهي، إيه المفاجأة الحلوة دي!

أخذت تقترب منه، وأمسكت بالكرسي سحبته للخلف ثم جلست عليه وتحدثت:

_ أمير، أنا هاجي معاك دغري ومن غير لف و دوران

عقد حاجبيه في استغراب متعجبًا من نبرة تحدثها، ولكنه رد:

_ خير؟ في إيه؟!

_ إيه اللي أنت عملته في جومانة ده يا أمير؟ بجد بجد أنا مش مصدقة اللي سمعته منها


ينظر إليها وأدرك سريعًا أن جومانة قد أخبرتها بكل شيء ورد:
_ هي قالتلك؟

_ اه قالت، قالت وهي منهارة وأنا حاسة بيها، يعني إيه أبقى حامل من جوزي وحبيبي اللي اترجيته من الدنيا وفي الآخر هو يرفض طفله ويرفضني كده! كمان هي ماعملتش حاجة يا أمير ليه عملت معاها كده ليه؟

_ شاهستا، مؤخرا أدركت إن جومانة متناسبنيش، واللي حصل بينا ماكنش غلط إحنا متجوزين وهي معاها ورقة إثبات وبالنسبة للطفل أنا رفضته مش لأنه من جومانة لا، لاني مش عايز عيال في الوقت الحالي وأنا مقولتش إني عايز عيال وهي كانت المفروض تعرفني الأول مش تحطني في الأمر الواقع و تقولي أنا حامل!

_ ماشي هي غلطت وغلطها الوحيد يمكن إنها سلمت نفسها ليك ووثقت فيك لأنك مش أهل ثقة، بس أنت متخيل كم الضغط اللي أنت حطيت البنت فيه عامل ازاي!
متخيل إنها بجد خست وشكلها تعبان خالص من الهم اللي شيلاه يا عيني، حرام عليك يا أمير، لا وايه خونتها قبل ما تنزل البيبي حتى، وكمان عايزها تمثل معاك في الفيلم رغم كل الضغط اللي هي فيه ده!!

زفر في ضيق شاعرًا وكأنه طفل صغير يلومه أحدهم، وعليه تحدث غاضبًا:

_ هو في إيه! انتي عمالة تعاتبيني كده ليه؟ هو حد كان قالك إيه اللي انتي بتعمليه في وليد ده؟ ولا حد كان عاتبك حتى! اشمعنى جاية عليا أنا؟!

نهضت صارخة:
_ أمير بعد اذنك متتكلمش معايا في موضوع أنا ندمانة فيه ومتقطعة وكل يوم بلوم نفسي علشان الحوار ده، ولا عارفة أنام ولا عارفة آكل ولا عارفة أعيش زي البني آدمين.
فأرجوك متساونيش بيك أنت أساسا مش حاسس بأي ندم ولا كأنك عملت حاجة أصلا!

_ شاهستا، جومانة مش صغيرة، جومانة حرة واختارت، أنا قولتلها انتي بس اللي قادرة تختاري بكامل حريتك وارادتك وهي اختارت التمثيل واختارت تتجوزني وهي لوحدها اللي اختارت تحمل مني، محدش ضربها على أيديها علشان تعمل أي حاجة

_ هي اختارتك، خد بالك من كلامك هي اختارتك أنت، وأنت خدعتها، يبقى أنت المُلام دلوقتي قدامي

_ وليه متلوميهاش هي على اختيارها؟

زفرت في ضيق وصاحت:
_ هي اختيارها زفت صراحة ومن حقنا كلنا نلومها عليه ألف مرة بس بردو أنت مش خارج اللوم والعتاب ده

رفع عينيه إلى الأعلى مستنكرًا اتهامات أخته له، ثم تحدث لما ضاق به الحال:

_ طب انتي عايزة إيه يا شاهستا دلوقتي؟

جلست على الكرسي تارة أخرى وأخذت تهدأ ثم ردت في هدوء:

_ أيوة كده نيجي للمهم، أنا عايزاك تتجوز جومانة فترة حتى وتفضل واقف معاها لحد أما تجهض الجنين ده، وتفشكل العقد اللي بينك وبينها ده نهائي بلا تمثل معاك بلا زفت

_ ولو رفضت؟!

اقتربت منه ووضعت كف يدها فوق كف يده وتحدثت في نبرة صوت تحمل في طياتها الاستعطاف:
_ هو أنا مش صعبانة عليك خالص؟ يا أمير أنا هموت وأرجع لوليد بجد ولو أهله عرفوا حاجة زي كده الدنيا هتتعقد أكتر والكره بين العيلتين هيزيد وأنا عايزة أهدي الدنيا شوية يا أمير...
بص لو عملت كده هسامحك، هي دي الحاجة الوحيدة اللي ممكن تخليني اتغاضى عن خيانتك ليا ووقوفك مع منة ضدي.

نظر إليها وصمت.. تابعت:
_ علشان خاطري أنا يا حبيبي


وضع يده الأخرى فوق يدها وتحدث:
_ بصي أنا اللي هقدر أعمله إني أعفيها عن الفيلم ومش عايز منها شرط جزائي وهطلقها ومش عايز اشوف وشها تاني صدفة في المقر عندي

_ طب وجوازك منها والطفل؟ أنت لازم تتجوزها في العلن علشان حتى تقدر هي تتجوز بعدك
_ ما تتجوز بعدي!
_ وهتقول ايه لأهلها أما يكتشفوا إنها مش بنت بنوت؟
_ وهما أهلها هيعرفوا منين الحوار ده؟
_ من جوزها يمكن!
ردت في سخرية

_ ياه يا شاهستا هو أنتوا لسه بتعتمدوا الجهل ده! بجد بجد مش مقياس نهائي

زفرت في ضيق وهتفت:
_ أمير...

قاطعها متحدثًا:
_ مقدرش والله اتجوزها أنا مواعد سها بالجواز وهيحصل في أقرب وقت، ولو روحت اتجوزت جومانة وسبتها هبقى توكسيك، يرضيكي أبقى توكسيك؟!

_ جومانة مراتك أصلا يا أمير ركز!! دي كده قمة التكسكة

_ تكسكة؟! انتي القعدة في الحي أثرت على لسانك وحياتك..

تنهد وتابع:
_ بصي يا شاهستا ده اللي اقدر أقدمه ليها، وكفاية اني بدمر فيلمي ولسه هندور على سيناريو جديد علشان نحذف أم مشاهدها ولسه هجيب حد ياخد دورها بس هنشوف حل بحيث نقلل المشاهد دي أو نخليها مهمشة لأننا فعلا مش هنلحق، وأنا في مأزق واللي هيشيل الفيلم كله البطل يعتبر وهيطلب فلوس اكتر والمنتج هيبهدل الدنيا ولسه هتعارك معاه
فبجد اللي هقدمه ليها ده كتير أوي وصعب عليا، وكمان إني اتحمل مبلغ الشرط الجزائي بتاعها ده كتير أوي، فأنا كده عملت اللي عليا لأجلك، لأجل تصالحيني و نرجع زي ما كنا.

أما بقى حوار إني اتجوزها في العلن ده مش هينفع لأني زي ما قلت مواعد غيرها، وأنتي أكيد يعني يا شاهستا مش هتدمريلي حياتي المهنية والشخصية كمان علشان خاطر عيون الست جومانة يعني!!
             *****
كانت تجلس على الأرض واضعة كل مستلزمات وجبة المحشي أمامها، تشاهد التلفاز وهي تغمس الارز داخل الباذنجان تارة وداخل الفلفل تارة أخرى، وكان ابنها يلعب حولها بدأ أن يمشي ليفتعل الكوارث أخيرًا، كانت مشتتة بين عدة عوامل( عوامل المحشي و مناداة وتحذير ابنها طوال الوقت حتى لا يخرب لها الأشياء ولا يلقيها على الأرض وأخيرًا تلك المشاهد التي تفوتها من فيلمها المفضل ولا تستطيع أن تراها بتركيز وحب من كثرة المشتتات حولها) وبينما هي تصرخ لا صغيرها حتى يترك الباذنجان وشأنه، خرج سيد من غرفة النوم واضعًا المنشفة فوق رأسه وتحدث في نبرة صوت تحمل الضيق:
_ بس بس صويت طول الوقت أنا صدعت يا شيخة

_ والله! بقى أنت اللي صدعت؟! وأنا اللي متنيلة صاحية من الساعة ستة الصبح وواقفة على حيلي من ساعتها وابنك ده مش راضي يسكت خالص وعمال يخرب الحاجات، بس معاك حق مانت عايز تنام وهو مدايقك بصوته طبعا!!

_ الله ينور عليكي أنا عايز أنام وهو مزعج زيك

نظرت إليه في قرف ولم ترد، بل عادت إلى استكمال وجبة المحشي، اتجه الآخر ناحية الأريكة وأمسك بريموت التلفاز وأخذ يقلب القنوات، زفرت في ضيق وصاحت:
_ هو في إيه يا عم أنت، سيب الفيلم اللي كنت بتفرج عليه!

_ لا، فيلم وحش وملل

_ بس أنا بحبه سيبه

صاح في غضب وهو يعود إلى القناة في سرعة رهيبة:
_ اهو يا ستي اهو أم الفيلم أهو على الله ترتاحي بقى وتتهدي!

أطرق الاثنان ولم يكن بينهما أي محادثة تذكر لمدة دقائق، حتى تحدث سيد:
_ علا

التفتت إليه في ضيق، تابع:
_ بقولك معاكي ١٠٠ جنيه أجيب علبة سجاير؟

_ وأنا اجيب ١٠٠ جنيه منين إن شاء الله؟!

_ بطلي اللقم ده بقى، ما خالي شعبان ومحرم بيدوكي علطول وأمك بتبعتلك

تنظر إليه ليست قادرة على إدراك ما يقوله، لا تصدق ذلك الجبروت المُشَكل على هيئة إنسان!

واصل حديثه:
_ إيه مالك مصدومة ليه؟

_ جبروتك ابهرني الصراحة! بقى يا راجل بدل ما تنزل تشوفلك شغلانة زي باقي الرجالة، ده انت فاتح بيت، عندك زوجة و طفل، قاعد عايز تسحب مني حتى الفلوس اللي خالي وأبويا بيدوهالي!
طب هما بيدوهالي علشان وقت زنقة، في طفل رضيع ولبنه خلص فجأة، نفسي في حاجة اجبها على رأي خالي شعبان، قالي خلي الفلوس دي معاكي لو نفسك في حاجة، لكن مش بيدوهالي علشان تجيب بيها سجاير انت مش مُرفه يا سيد!!

_ هاتي بس ال١٠٠ جنيه دي وأول ما أنزل شغل هديهالك

_ لا، معيش ميات

_ انجزي يا علا عايز سجاير والله دماغي هتفرقع من الصداع

_ما تفرقع أنا مالي! ده حتى محل خالي شعبان الفرع اللي هنا قولتلك روح اشتغل فيه تقولي لا مبحبش اتعامل مع زباين تحرق الدم وخلقي ضيق!


صاح غاضبًا:

_ أيوة خلقي ضيق، الزبونة بالذات تلاقي فستان ب ٣٥٠ مثلا تقوم تقولي بكل جبروت هاخده ب ١٥٠ اللي هو مش فاهم ازاي! و بذمتك مش عايزاني اتعصب!

_ قولها ماينفعش وخلاص واديها آخره

_ ماهي بتفضل واقفة تبته عمالة تزن، والنبي ادهولي عايزة أفرح البت ولسه هجيب عليه جذمة وشنطة وحزام والله، ده لو جاسر أو أسامة اللي كانوا هنا كانوا فصلوا معايا أحسن منك، ده أنا زبونة الحاج محرم من زمان، ده أنا جارة الحاجة سعاد وزن زن زن والله ما بتفصل غير أما اشتمها.

_ طيب يا سيد طيب أفضل أنت اتحجج وكل شغلانة تجيلك تقعد تطلع فيها القطط الفاطسه وأحنا في قبل القرش

_ لا لا إن شاء هنزل قريب شغل

_ ده اللي هو امتى! أنت من أسبوع قولتلي نفس البوء!

_ ما أنا مستني الراجل يكلمني


ألقت الأرز داخل الوعاء في ضيق وصاحت:
_ متبقاش مُحبِط كده يا سيد ومتفضلش قاعد محلك سر، انقش في الحجر زي ما بيقولوا وهات شغل ومتقعدش تستنى حد احنا اللي هنموت من الجوع مش هما!

_ محدش بيموت ناقص عمر يا علا متخافيش

_ ماهو ربنا ميرضاش باللي احنا فيه ده يا سيد، ده أنا أقسم بالله بطني وجعتني من البطاطس المحمرة في الزيت والبيض المقلي، وأما اشتكيت لأمي في التليفون وصعب عليها حالي، راحت بعتالي المحشي ده والرز أطيبه وأكل أنا والواد.

_ وأنا مش هاكل معاكم يعني ولا إيه؟!

طرقت شاعرة أنه يستخف بأمرها ويتفه من موضوعها رغم أن الأمر لا يستدعي الضحك أبدًا.. وعادت إلى عملها تارة أخرى وتمتمت وهي تغمس الأرز داخل الباذنجان:
_ والله شكلها فعلا طلاق يعني طلاق..
               *****
كانت تسير بجانب والدتها مطأطأة الرأس، في شارع الحي عائداتان إلى المنزل، وأثناء سيرهما، تركت بائعة الخضار الجالسة على الرصيف لترزق، عملها، واتجهت في سرعة إلى البائعة الأخرى التي تجلس جوارها في نفس الصف، كانت البائعة الأخرى تهتف في صوت عالي باحثة عن رزقها:

_ يلا الجرجير الصابح يلا البقدونس يلا الشبت

ولم يقطعها سوى تلك الفضولية التي تركت عملها وجاءت إليها وتكلمت:
_ اهو زي ما قولتلك يا أم توفيق البت زينة راجعة اهي مع أمها بعد ما الجوازة بتاعها من الشاب المتهندس باظت


انتبهت السيدة أم توفيق إلى زينة ووالدتها وردت:
_ آه صح، ابوها الحاج عبدو قال محصلش نصيب

_ محصلش نصيب ليه بقى! ده الشاب ميتعايبش هما كونوا يطولوا!

_ مش عارفه، بس هما قالوا كده وكمان البت زينة سمعت إنها راحت المستشفى

رفعت السيدة أحد حاجبيها ثم هتفت في نبرة صوت تحمل في طياتها الخبث:

_ اقطع دراعي من هنا لهناهو، إما كان جوزها مسك عليها حاجة، وبعد كده مسكها كلها علقة رقدها في المستشفى طول المدة دي، يا هو يا ابوها، متصدقيش خرافة مفيش نصيب دي، اه هو مفيش نصيب وكل حاجة بس لازم إن ورى الموضوع خلته يبقى مفيش نصيب..


_ ماما
هتفت زينة بنبرة صوت تحمل في طياتها التعب والندم

_ إيه

ردت في أسلوب حاد

_ هو أبويا في البيت؟

_ لا لسه مواعيد شغله

_ طب هنعمل إيه أما يجي ويشوفني؟

_ هنعمل إيه يعني! ما انتي قدرنا ونصيبنا اللي اتكتب على جبينا، كنت مخلفة الولاد كان لازم انتي أوي يعني!!

زفرت في ضيق وهي تفتح باب شقتها وتحدثت:
_ خشي يا ختي خشي، خشي ياللي خربتي حياتك وجبتلنا الكلام، وقسما بالله ما كنت عارفة أمشي في الحي من كتر ما أنا حاسة إن كل عيونهم بتاكل فينا طول ما إحنا ماشيين


تضع يديها على أذنيها غير قادرة لا تتحمل سماع بمثل ذلك الكلام وصرخت مقاطعة توبيخ أمها:
_ كفاية بقى يا ماما كفاية كفاية

وانصرفت راكضة من أمام وجهها وهي مصابة بهيسترية الصراخ ذاته تتجه نحو غرفتها تردد في نبرة صوت تُعاني:
_ كفاية كفاية كفاية..
            ******
عاد شعبان إلى منزله وفتح الباب مغاضبًا وغلقه خلفه في قوة ثم نادى على ابنته في عصيبة وضجر:
_ هنا، هنا بت يا هنا

لبت النداء شهد وذلك عندما خرجت مسرعة من المطبخ وتحدثت في خوف:
_ إيه يا حاج في إيه؟!

_ فين هنا؟

_ في دروسها، ليه خير؟

صاح بشكل أكبر:
_ هما العيال دول عايزين إيه؟ عايزين يجلطوني؟! مين دافع عنها! هو مش أنا قلت خلاص الموضوع ده؟!

صرخ بشكل أكبر وأكبر:
_ عيالك عايزني امشي مش عارف ابص في عين الناس، واحد اتجوز زانية فاسقة وفي الآخر تجيلي عيلة تقولي يا تجوزهولي يا افضحكم في الحي، والتانية كل شوية ألاقي خناقة شباب عليها في الشارع!
أنتوا عايزين مني إيه؟ عايزين مني إيه؟

أسرعت مقتربة منه بشكل أكبر وأخذت تربت على كتفيه وهي تحاول أن تهدئه وتحدثت:
_ اهدى يا حاج بالله عليك اهدى أكيد سوء تفاهم والله و...

_ كلمي البت دي وقوللها ترجع من دروسها خلاص ملهاش تعليم عندي تاني، والشيخ التاني الفالح، كلميه يجي علشان نشوف هنعمل ايه في وكسته اللي وكستهلنا مراته وغباؤه


ضربت بيدها صدرها شاهقة مرتعبة من ذلك القرار الذي اتخذه بشأن مستقبل ابنتها التي لا تبغى إلا التعليم وها قد اقتربت الامتحانات! وعليه صاحت:
_ يالهوي يالهوي ، طب بالله عليك يا حاج ا...

صرخ مستأنفًا غضبه:
_ قلت كلميها يعني كلميها هي وأخوها، أرجع من المحل اللي الحيوان ابنك سايبه، ألاقيهم مشرفين وإلا قسما بالله ارتكب فيهم جناية واخلص

وهكذا أنهى كلامه ولم يسمع منها ولم يترك لها فرصة كي ترد وذهب مغاضبًا مثلما جاء.
ارتمت على الأريكة تبكي حالها وحال ولديها على كل تلك المصائب التي تلحق بهما على التوالي...
               *****
"يُثقّل الذنب قلبي كالجبل."
لا تعرف ماذا تفعل سوى البكاء! لا حيلة لها غيره، وليست قادرة على حبسه أسيرًا داخل عينيها، فالدموع حرة طليقة كالمشاعر تمامًا ولكن تلك المشاعر الحرة دون ضوابط، هي السبب في المقام الأول لتلك الدموع الطليقة..
لا يفيد الندم في كثير من الأحيان، لا يبقى لها سوى الشفقة على نفسها كلما تذكرت أنها سلمت نفسها بين يديه ووثقت به واكتملت السذاجة عندما فرحت ولمعت عيناها بعدما عملت أنها تحمل طفله داخلها..
تتعاظم الأحزان داخلها كلما تذكرت خطاياها.
بالفعل لقد أخطأت وها هي الآن تذوق عواقب خطئها، ليس لديها أي خطط ولا حلول حول مستقبلها القادم وكيف سيسير، تهرب من أهلها وحسب! أم تواجه الجميع؟ أم تنتقم منه؟!
خطر في بالها أن تتخلص من جنينها ولكنها تود أن تعاقب أمير معها وتذوقه من نفس كأس الظلم والخذلان، لا أحد معها في تلك المحنة الفريدة، سوى ابنة خالتها والتي لم تشجعها قط على الاستسلام
والجدير بالذكر أن الخوف من أهلها وعمها لم يكن هو سبب ندمها الوحيد، بل كل ما يشعرها بالذنب والخوف، هو سذاجتها وحماقتها رغم أنها كانت تعتقد أنها ذكية بما فيه الكفاية.

"كلما نظرت إلى المرآة، تذكرت أفعالي وحبي له وثقتي فيه وأدركت مدى عظمة ذنبي."

كانت تلك الجملة هي التي تتكرر بشكل كبير داخل عقلها وذلك بالأخص عندما قامت تاركة فراشها واتجهت نحو المرآة تنظر إلى شعرها الذي تدهور وإلى الحبوب التي تبعثرت في كل ملامح وجهها بسبب هرمونات الحمل والحزن المدسوس داخل قلبها، فبكت...

كشفت عن بطنها تنظر إليها في المرآة وأخذت في هدوء تلمسها كأنها شاعرة بروح ذلك الجنين المتألم، واختلطت مشاعر الحب والكره في آن واحد تجاه طفلها، أتحبه لأنه ابنها؟ أم تكرهه لأنه ابن أمير خادعها؟


يسكن الشعور بالذنب في كل خطوة أخذها، كلامًا قليلًا أقوله، وكل فكرة تتبادر إلى ذهني."

كانت تلك الجملة ما خطر في بالها حتى ودت أن تخبر بها جنينها، فهي تشكو إليه همها لعله يستجيب أو بالأحرى لعله يدرك ما تتحمله بداخلها من آلام بسبب فعلة والده بها...

انتهت من النظر إلى المرآة والشكوى إلى جنينها، ونظرت سريعًا إلى مستقبلها الموضوع فوق مكتبها فهي لم تذاكر بعد، حتى الانفراد بآلامها عجزت على أن تحققه، حتى ذلك مستقبلها هي لم تعد تريده، فلقد كرهته بعدما كانت تتمنى كل يوم أن تصبح مخرجة مشهورة ولكن الفضل كله يعود إلى مُحطمها الأول، وذلك عندما دونت:
"تحاصرني شعرات الندم والذنب كل لحظة، فأشعر وكأنني لا أستحق السعادة"



وعلى الصعيد الآخر، مثيلتها ساجدة بين يدي الله تخبره عما يلوج في عقلها وقلبها، تبكي وتبكي شاعرة بالندم في حق الله قبل كل شيء، فهي تتمنى منه أن يسامحها ويغفر لها ما قد سلف، تتمنى أن يتقبل توبتها النصوحة ويفتح لها باب رحمته وغفرانه و قالت:
"يا الله أشعر بثقل الذنب يسحقني ويسلبني السلام الداخلي فاللهم هون...
يا الله كلما يأتي الليل ويحمل معه عبء ثقيل من الذنب يعكر صفو نومي..
تبكي بشكل أكبر وتحكي له ما داخلها:
أشعر بأنني عالقة في دوامة من الذنب لا مفر منها، كدت أكره نفسي بسبب ذلك الذنب الذي لا يفارقني، بسبب ماضيّ الذي يلاحقني، يارب يارب تقبلني واقبلني و ارزقني عفوك عني و لا تتركني اذوب في المعاصي فتهلكني..
يا الله .... تقاطعها أصوات شهقاتها المتعالية... يا الله..  "كلما نظرت إلى وجوه أحبتي بصدق وأحبوني بكامل صدق يزداد شعوري بالذنب والندم على أفعالي."
قالتها وانهارت متذكرة نظرات وجه وليد لها عندما سمع عن أفعالها
تابعت في تدهور أكبر: يا الله أضحى الشعور بالذنب يحتل كل زوايا حياتي، لا يفارقني سواء كنت وحيدًا أو في وسط الناس..

انتهت من شكواها إلى الله، فأخذت تزيل أمطار عينيها، لا تصدق أن وليد قد أغلق كل أبواب التوبة في وجهها، برفضه أن يغفر لها ويسامحها فهي تدرك أن الله يمكن أن يغفر في حقه ولا يغفر في حقوق الناس، فمن ظلمته وجب أن يسامحك أولًا وقبل كل شيء..
كانت شاهستا تعتقد أنها سعيدة في حياتها وكانت تعتقد أن لعبتها تلك هينة، لم تتخيل قط أن كل شيء قد انقلب فوق رأسها أولًا ولا مفر ولا هروب..

قامت تاركة سجادة الصلاة وأخذت تطوف في أرجاء الغرفة لا تعرف ماذا عساها أن تفعل حتى تتخلص من الشعور بالذنب و عذاب الضمير اللذان يحيطها من كل اتجاه... وبينما هي غارقة في التفكير ذلك العميق خطر على بالها شيء ما، ابتسمت وذلك عندما شعرت أن هناك أمل...
               ****
خرج أسر من الخلاء، فوجد وليد يعد أغراضه ويعدل ملابسه وشعره، عقد حاجبيه في استغراب وتحدث:

_ إيه يا وليد أنت مهاجر ولا إيه؟
_ الدنيا شكلها اتقلبت تاني يا أسر وشكلي هتهزق تاني والله

اختض أسر ورد:
_ إيه ده إيه ده؟ ليه كده؟ حصل إيه ؟

_ ماما رنت عليا أما انت كنت في الحمام وقالتلي إن البت لعنة الله عليها منة الكلب راحت لبابا وهددته زي ما جت هنا هددتني، ومش عارف في حوار بردو مع هنا وهو عايز يقعدها من التعليم

_ أبوك شكله اتجنن خالص يا وليد

_ مش عارف ماله أنا الفترة دي ولا مين اللي بيلعب في دماغه بس!! يلا هروح أنا أشوف الدنيا

_ ماشي حبيبي ابقى طمني عليك ولو احتاجت أي حاجة اطلب بوليس النجدة، أنت عيلتك مختلفة

_ حاضر والله شكلي هطلب بوليس الآداب علشان دي عيلة عايزة تتربى من أول وجديد

_ ماشي يلا سلام يا حبيبي


سار أسر في المقدمة وتابعه وليد وفتح له الباب وخرج وليد وتحدث أسر أثناء نزول وليد:

_ لو طردوك تاني أبقى تعالى وهات معاك هدومك بقى علشان مش هرجعك ليهم تاني يا شابة مش كل شوية يطردوكي كده يا اختي

صاح الآخر في صوت عالي بينما خطى بيمينه آخر درجات السلم :

_ لو مش عاجبك طلقني يا أسورة

غلق أسر الباب غاضبًا، ليلحق مسامعه ضحكات وليد في الأسفل، ونظر خلفه فوجد أمه تقف وعلى وجهها الكثير من علامات الاستفهام بعد ذلك الذي سمعته بين ابنها وصديقه، اختض أسر ثم هتف في ابتسامة:
_ أوعي تفهمي غلط، مش معنى إنه قاعد معايا طول الفترة دي في اوضة واحدة يبقى إحنا فيه حاجة،اطلاقا يا أمي إطلاقا ابنك شريف، ثقي فيه.. روحي كلي بلح يلا..
            ******
_ أدخل

هتف الطبيب النفسي الجالس داخل مكتبه في صوت عالي حتى يسمعه الطارق ويدخل، وبالفعل استجاب الطارق ودخل، نظر الطبيب نحو ذلك الذي جاء، فوجده فايز، ابتسم واردف:

_ ازيك يا فايز، تعالى أقعد

جلس فايز

تابع الطبيب:
_ ها إيه أخبار منة المرشدي الحالة اللي عينتك تعالجها؟

أجاب فايز آسفًا:

_ أنا للأسف أخباري مش أحسن حاجة، الحالة ميؤوس منها بشكل كبير، البنت فقد حاجات كتير أوي وبتعمل عمايل بشعة، فعلا هي محتاجة تعديل سلوك...
يا دكتور صدقني منة لازم تعرف إنها محتاجة علاج ولازم تآمن بده، إيمان المريض بمرضه وقبوله بيه هو نص العلاج، أنا حاسس إني بعمل على الفاضي هي مفيش استجابة هي ماشية بردو بمزاجها تدايق الناس وأنا عارف إنهم هيأذوها زي ما آذوها قبل كده.

_ وايه هي اقتراحاتك يا فايز؟

_ اقتراحاتي يا دكتور، إني أواجه منة بالحقيقة بس مش كاملة علشان الصدمة، يعني هقولها إني درست علم النفس بجانب دراستي في الكلية وكنت خايف أقولك تفهميني غلط أو تخافي تفضفضي ليا وكده، أنا عارف هقولها إيه، ولازم احببها في الحياة الطبيعية ولازم أقولها إني جنبها علشان نبدأ رحلة العلاج مع بعض من الأول خالص.
أنا جاي علشان آخد الأذن منك فإني اغير الخطة وأبدأ أعمل أنا واحدة جديدة من خلال دراستي لحالتها

أشار إليه الطبيب بيده بحركة تعني أفعل ما تراه صائبًا ثم هتف:

_ اوكيه أعمل كده، بس خلي بالك أنت بتلعب بنفسية إنسانة يعني خطواتك لازم تكون محسوبة

_ أكيد يا دكتور فاهم، كنت عايز أقول لحضرتك حاجة أخيرة
_ قول

_ اقول لوالدها إننا غيرنا الخطة ولا لا؟ يعني أنا صراحة متخوف يقولي لا ويفكر بمشاعر الأبوة وكده

_ لا لا هو مش هيرفض خالص طالما ده في مصلحة بنته ليه لا!

_ تمام يا دكتور، عن أذنك

_ اتفضل ...
             ******
_ حاضر حاضر جاية أهو

هتفت سيدة ما، وذلك بعدما سمعت صوت جرس باب منزلها يصدح، وضعت الحجاب على رأسها وفتحت الباب، وما إن فتحته، حتى وجدت شاهستا، ابتسمت السيدة واردفت:

_ أنا متذكراكي كويس، مش انتي شاهستا؟

ابتسمت شاهستا رغم أوجاعها وردت:

_ اه أنا، بصراحة كنت بستفيد جدا من محاضرات حضرتك اللي كنتي بتديهلنا في المسجد في رمضان قبل الصلاة، وصراحة كده أنا وصلت لعنوانك بصعوبة وكنت طمعانة في شوية وقت من وقتك علشان محتاجة أتكلم عن موضوع مهم اوي ومش لاقية أي حد يسمعني ويفهمني، وآسفة إني جيت من غير معاد..

_ ولا أي حاجة يا حبيبتي ولا اسف ولا مدايقة ولا أي حاجة، اتفضلي ادخلي، بيتي مفتوح لك...
             ******




كان وليد يسير في الشارع عائدًا إلى المنزل يتحدث عبر الهاتف مع شخص ما وبينما هو منتبه بكل حواسه مع مُحدثه، سمع صوت عمر ينادي عليه، توقف وليد واستدار وطلب من محدثه أن ينهي المكالمة ولاحقًا سيحدثه.
اقترب منه عمر وعلى شفتيه ارتسمت ابتسامة تحمل في طياتها الشماتة والغل وما إن توقف أمامه بالضبط حتى تحدث:

_ بس خلي بالك النهاية دي كانت معروفة للجميع، يعني كلنا اتعلمنا إننا مانطمحش أوي لفوق ونخلينا في مستوانا.. اومال انت فاكر إيه! فاكر إن شاهستا فعلا كانت في يوم من الأيام ممكن تتجوز فلاح فقير زيك وتحبه وتعيش معاه كمان!! إيه الوهم ده يا ابني؟!



ابتسم وليد واقترب منه أكثر ورد:

_ مش عيب نهائي أما أكون فلاح طالما راجل شريف، ولا عيب أكون فقير، العيب الوحيد أما أكون غني وحقير زيك..

اوعى تقارن نفسك بيا تاني انت مهزأ وبلا كرامة



ابتسم عمر ساخرًا منه واردف:

_ طب بلاش انت طيب تتكلم عن الكرامة يا وليد، يعني انت واحد استنى على مراته كتير علشان يدخل عليها، انت واحد اتهزأ بما فيه الكفاية بعد ما الجميع اكتشف اللي هي عملته فيك.. تقدر تقولي كانت فين كرامتك أما منعتك عنها وخلتك عيل قصاد الجميع؟!



حدق وليد عيناه في عيني عمر جيدًا ورد عليه في ثقة: كنت راكنها جمب كرامتك علشان ماحسسكش بالنقص..



قالها وابتسم وتابع طريقه تاركًا عمر خلفه، والذي سرعان ما صاح في صوت عالي:

_ شاهستا سابتك خلاص يا وليد شاهستا هترجعلي أنا



توقف وليد أثناء سيره ونظر إلى عمر ورد:

_ أنا اللي رميت شاهستا يا حبيبي أنا.. وأنا مش برجع ابص تاني على حاجة رمتها خلاص، افتكر إني مش زيك؛ بطل تعاملني على إني قلة زيك.. اولعوا ببعض ولا فارق معايا..

يرمقه عمر في غضب شديد يود أن ينقض عليه أثناء سيره ويبرحه ضربًا وبالأخص لأنه يعلم مدى حب شاهستا له ويعلم أيضًا أنها رفضت ولا زالت ترفض مقابلته يومًا بعد يوم، الأمر الذي كاد أن يجعله يفقد صوابه

أنهى وليد المكالمة والتي كانت مع أحد العاملين في المحل والذي سرد له كل ما حدث في غيابه، وما إن انتهى حتى تمتم:

_ الله يخربيتك يا عمر الكلب عكرت صفو ذهني أنت ومشاكل الشغل والبضاعة.

فتح هاتفه مرة أخرى وطلب رقم أخته والتي لم ترد عليه، زفر في ضيق وتابع سيره..
            *****
_ مين اللي عايزني يا دادا رجاء؟
هتفت منة وهي تجلس على سريرها تضع طلاء الاظافر، ردت العاملة:

_ فايز

_ تمام،قوليله يطلع

_ حاضر

مرت دقائق معدودة ودق فايز الباب ثم دخل، ما إن رأته حتى ابتسمت له وتحدثت:

_ تعالى أقعد، بص اللون الأحمر ده؟ شكله أحلى على أيدي ولا اللون الأسود؟

يقترب منها في بطء وينظر إليها دون كلام، تنظر إليه لا تفهم ما به هذا، ولما ينظر إليها هكذا، لذا تحدثت:
_ فايز هو في حاجة؟

ابتلعت ريقه ونطق جملته دفعة واحدة:

_ منة أنا بحبك...
               *****
_ وحشتني يا حبيب قلب أمك، حياتي كانت مضلمة من غيرك والله
هتفت شهد في ترحيب حار ملئ بالأحضان والدموع والقبل، مستقبلة ابنها داخل حضنها.

_ وانتي يا حبيبتي والله وحشتيني أوي أوي

هتف منكبًا على يديها الاثنين يقبلهما، وما إن انتهى من تقبيل يديها حتى أخذ يزيل أدمعها وهو يقول:
_ طب بس بس يا حبيبة قلبي خلاص أنا كويس اهو ومفيش حاجة، اهدي بقى كده اومال!

_ حاضر حاضر أنا أهو هسكت

قالتها وأخذت تهدأ، نظر وليد حوله وتحدث متسائلًا:

_ اومال فين هنا؟

_ لسه في الطريق، رنيت عليها وسابت درسها يا حبة عيني وجاية

نظر وليد إلى ساعة يده وتحدث:

_ جاية لوحدها في الوقت المتأخر ده؟ دي الساعة بقت ٩ هروح اجبها أنا

_ أبوها هيجبها هو قالها أما ترجعي متأخرة رني عليا اجي اخدك

_ طب هو بابا كل ده في المحل ليه؟ هي المشاكل رجعت تاني؟

_ رجعت يا ابني وأنا مبقتش عارفة المشاكل عايزة مننا إيه!

_ طيب يا أمي أنا هطلع بس اجيب هدومي من فوق  واغير التيشرت ده وأروح المحل أشوف الدنيا

_ متروحش بدل ما يتكلم معاك بطريقة وحشة قصاد الناس

صمت يفكر في الأمر ورد:

_ صح معاكي حق، هطلع أنزل هدومي محتاج أغير لبسي الداخلي

_ طيب يا حبيبي، أطلع بس متتأخرش علشان عملالك إيه حبة محشي يرموا عضمك من اللي قلبك يحبه

ابتسم لها واردف:

_ تسلم ايدك يا غالية


وفتح الباب وصعد الدرج ثم أخرج مفاتيح شقته وفتح الباب ثم أشعل الإضاءة وما إن اشتعلت الأنوار في شقة، حتى وجد شاهستا تجلس على الأريكة تضع ساق على ساق، تراجع إلى الخلف مختضًا من وجودها المفاجئ أمام وجه، وما إن استوعب الأمر وأنها بالفعل داخل شقته تجلس على أريكته، عقد حاجبيه في استغراب وهتف:

_ انتي بتعملي إيه هنا؟ ودخلتي ازاي؟

_ دخلت من الباب عادي، معايا المفتاح

_ اه صح، الغلط عندي أنا، أنا اللي مغيرتش الكالون ... يلا بسرعة لو سمحتي لمي حاجاتك وامشي

_ مين قالك اني جاية علشان أخد حاجاتي؟

عقد ذراعيه أمام صدره واردف:
_ اومال جاية ليه؟


ابتسمت وهي تنظر إلى الحقيبة الصغيرة والتي وضعت بها كل مستلزماتها، وقالت:

_ أنا مطلقة طلاق رجعي، وجاية اقضي عدتي في بيتك زي ما ربنا أمرني، وعدتي دي حتى أضع مولودي.. في مانع عندك يا شيخ وليد؟
               ******
بس كده متنساش تقول رايك وتوقعاتك واتفاعل وشارك برأيك
دمتم بخير
سلمى خالد احمد

















الجعة يشوبها الأخلاق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن