السابع و الثلاثون

3.1K 139 35
                                    

ازيكم عاملين ايه
جاهزين؟؟؟
يلا نبدأ



تراجعت للخلف في خوف مصحوب بتوتر تكد تبكي من شدة الرعب الذي احتل قلبها لوهلة...
_ اتكلمي يا شاهستا، ليه معرفتنيش؟؟؟ ردي متفضليش واقفة بصالي كده!!
صاح في ضيق

_ أنا... أنا... أنا
_ انتي ايه اتكلمي بقى، انتي إيه؟!!!
صاح مرة أخرى

ترتجف شفتاها ويداها، وأحست بثقل لسانها الذي يأبى أن ينطلق حتى.... لحظات وهو ينظر إليها في ضيق وغيظ، مرت عليها ودهست قلبها وردت في صوت خفيض:
_ أنا.. أنا والله.. كنت... كنت..ناوية يعني أقولك.. بس.. بس
_ ناوية تقوليلي؟؟ وده امتى إن شاء الله؟! انتي عارفة احنا بقالنا كام يوم متجوزين وانتي منعاني عن حقي الشرعي علشان خاطر السبب العبيط ده!!! مش حرام عليكي طيب؟!

_ سبب عبيط؟!
ردت في استغراب..

_ ايوه عبيط وكان لازم أعرفه منك انتي قبل ما نتجوز كمان مش اعرفه من اخوكي!!!

تعقد حاجبيها في استغراب، حتى هي لا تفهم عن ماذا يتحدث هذا؟! وقبل أن تعترف على نفسها قررت أن تستفسر حول الذي فهمه، لذلك ردت:
_ هو إيه ده يا وليد؟!

_ شاهستا أنا مش عايز استعباط كفياكي كده هبل، علشان انتي عارفة أنا بتكلم عن إيه
_ لا مش عارفة حقيقي
_ والله؟!
_ والله

صمت لحظة وزفر في ضيق واضعًا يده على خصره ورد في هدوء:
_ بتكلم عن الندبات اللي في بطنك، الجروح اللي مازالت موجودة بعد حادثة المية السخنة اللي وقعت عليها، عرفتي بتكلم عن إيه؟!!

اطرقت.. فهي في الحقيقة لم تعرف بماذا يمكنها أن ترد.. عن أي ندبات يتحدث؟! هي لم يكن لديها ندبات من قبل، ولم تحترق بأي مياه حتى.. إذًا، لماذا أخبره أخوها بهذا؟! هناك خطب ما... خطأ ما.. شئ ما يحيك خلف ظهرها..

_ تنحتي تاني طبعا!!
هتف بنفس نبرة الضيق

_ وليد... أنا معنديش ندبات.. اه أنا وقع عليا مياه زمان، ولكن ملهاش أي أثار على جسمي خالص، جايز أمير نسي إني اتعالجت منها وإنها راحت وفكر اني مكسوفه اوريهالك علشان السبب ده...

ردت وهي تتفق مع أمير في كذبته حتى تراه وتفهم لماذا قال ذلك الكلام لزوجها..

عقد حاجبيه في استغراب وهتف:
_ بجد؟! اومال ليه قالي الكلام ده؟! أستغفر الله العظيم جنني على الفاضي.. أنا بردو حسيت إنه لا من جوايا.. أصل مش انتي اللي تخدعيني أو تكدبي عليا بردو يا شاهستا...

صدمها؟! بالفعل لقد فعل.. يا الله كم آلمتها تلك الجملة!! كيف لها أن تفعل به ذلك، إذ لم يثق سوى فيها!! تلك الجملة الصغيرة هي لم تتحملها حتى، فماذا سيحدث عندما يكتشف؟! انهالت الدموع على خديها وتعالت أصوات شهقاتها.. ما إن رآها في تلك الحالة حتى شعر بانتفاضة جسده عليها، وجذبها إلى صدره وأخذ يعتذر مئة مرة:
_ شاهستا أنا آسف والله أنا آسف ما تعيطيش كده ارجوكي، أنا وعدتك إني عمري ما هكون سبب في بكاء عيونك، انا بستفسر بس من اللي اخوكي قاله مش قصدي ازعلك، ولا قصدي ادايقك.. أنا عارف وصدقتك خلاص، انتي بس محتاجة وقت بسبب اللي عمله الحيوان عمر، تمام أنا فهمت، ممكن بقى تهدي وتبطلي عياط؟!

حتى هذا لم يمنعها من مواصلة البكاء المصحوب بندم شديد وشعور بالذنب، بل جعلها تبكي أكثر وأكثر، كلما لفظ وأكد أنه يثق بها لهذا الحد، كلما انهالت دموعها.. لم يفهم وليد لماذا تبكي بهذه الطريقة!! فهو اعتذر آلاف المرات، ما بها؟! لذلك حملها واتجه نحو السرير وجلس واضعًا إياها على فخذيه، وأخذ يتلو القرآن بصوته العذب في هدوء حتى يزيل خوفها وتوترها الذي أصابها فجأة وهو يضع يده على شعرها وجبينها:
_ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا..
أخذ يكرر الآية نفسها، مرة تلو الأخرى دون أن يتوقف عن ضمها إليه وملامسة شعرها في حنان.. بالفعل اخذت تهدأ واحدة فواحدة وهي تتشبث بملابسه بشدة.. يلاحظ هدوء شهقاتها وتوقفها عن هيسترية البكاء، أغمضت عيناها مطمئنة فلا داعي للخوف أو التوتر فإن الأمان كله ملكها الآن متشبثة بملابسه قريبة من قلبه، تستشعر به..

همس جانب أذنها:
_ حتى يا عبيطة لو كان عندك ندبات في كل حتة في جسمك عمري عمري ما كنت هتخلى عنك، أنا بحبك انتي .. انتي روحك، حركاتك، وجودك.. جسمك ده آخر حاجة بفكر فيها، واعتقد إني اثبتلك ده فعلا، فأوعي تخافي أنا متعلق بشاهستا مش بجسم شاهستا..
              ****
_ الله الله يا حماتي، إيه الجمال ده كله يا ست الكل!!

هتف أسر وهو يجلس على السفرة بجانب زوجته وأمه، في منزل الحاج عبدو الذي دعاهما للإفطار معهم اليوم.

_ بالهنا والشفا يا حبيبي، استنى بس المدفع قرب اهو والمغرب هيأذن، اوعى تنسى يا أسر وتأكل قبل المغرب

ضحك ورد:
_ والله مش بعيد يا طنط، إذا كان الأكل اخترق مناخيري كده، اومال هيعمل ايه في معدتي؟!
ضحك الجميع على طريقته، ثم هتفت سامية أمه قائلة وهي توجه حديثها إلى زينة:
_ وانتي يا حبيبتي، عملتي ايه بأيدك، عايزين ندوق عمايل ايديكي

ردت زينة وهي تشير إلى الأصناف التي عملتها هاتفة:
_ أنا عملت صينية البطاطس المحمرة بالفراخ دي، وصينة المكرونة بالبشاميل دي، وساعدت ماما في عمايل المحشي

_ الله بجد، ريحتهم باينة يا حبيبتي تسلم إيدك، المغرب يأذن وهتلاقي الصنيتين اتنسفوا

هتف أسر وهو ينظر إلى الطعام بحماس
_ يلا يا جماعة ضرب المدفع، المغرب أذن افطروا
هتف الحاج عبدو وهو يشير إليهم ليتناولو الطعام

أمسك أسر كوب العصير أولًا وكسر صيامه به، وما إن انتهى حتى نظر إلى زينة واردف:
_ يلا هدوق أكلك حالا أهو وأعرف نفسك في الأكل وانتي صايمة عامل إزاي!!
_ لا متقلقش عملت الاكل كتير وأنا صايمة قبل كده مش أول مرة
_ ماشي بس دي اول مرة ليا أنا ادوق أكلك
_ دوق أنا واثقة إن أكلي تحفة
_ ده كده كده يا قلبي

مد يده ليتذوق، وعادت سامية مرة أخرى إلى الحديث هاتفة:
_ إلا قوليلي يا زينة يا حبيبتي، انتي لابسة الطرحة ليه وانتي قعدة وسطنا؟! مين غريب يا بنتي؟! ده والدك وده جوزك، اقلعي اقلعي، خدي راحتك كده وانتي بتاكلي

ابتسمت ابتسامة خفيفة وهتفت:
_ معلش يا خالتي لسه مش متعودة على أسر أوي..
_ البت بتتكسف بردو، بس اوعدك بكرة تاخد عليه وتقلع كله
قالتها هدى في مزاح، ليضحك الجميع ماعدا عبدو الذي شعر أن هذا قد خدش حياء ابنته، بالأخص عندما لاحظ أنها لم تبتسم وتضايقت بشدة..
             ******
_ الحمدلله كلت، هطلع أخد دوش وتجهز علشان صلاة التراويح النهاردة

هتف وليد وهو يقوم من على كرسي السفرة بعدما كسر صيامه، لترد والدته:
_ ماشي يا حبيبي بالهنا والشفا على قلبك
_ تسلم ايدك يا قلب وليد يا أحلى أم في الدنيا كلها
رد عليها بتلك الجمل اللطيفة، واضاف وهو ينظر إلى زوجته:
_ ما تيجي معايا يا شاهستا تجربي صلاة التراويح؟ انتي كمان مش هتصلي ورى أي حد، انتي هتصلي ورى جوزك حبيبك

صمتت برهة واردفت بعد حين:
_ أنا.. عمري يعني ما صليت تراويح قبل كده.. و ..
_ مفيش مشكلة، جربي لأول مرة عادي، صلاة التراويح جميلة وفيها روحانيات لازم تحسي بيها بجد.. تعالي جربي معايا يلا، متأكد إنها هتعجبك..
                ******
_ تسلم ايدك يا عيوني، الأكل كان تحفة بجد، أنا كده اطمنت على مستقبلي معاكي

هتف أسر أثناء دخوله غرفة استقبال الضيوف بجوار زينة

_ بالهنا والشفا المهم إنه عجبك
ردت في ابتسامة بسيطة، وما إن دخلا وجلسا، حتى هتف أسر:
_ وحشاني يا بت والله، بقالي كتير مش بقعد معاكي
_ احترم نفسك يا أسر احنا في رمضان
_ الله!! هو أنا عملت إيه يعني؟! ده انا بقولك وحشاني بس، ده أنا حتى الآن مؤدب ومحترم اصلا، اسألي بره واعرفي ياختي بيعملوا ايه بعد كتب الكتاب..
_ ملناش دعوه بحد

نظر إليها في برود وصمت.. ولم تتحدث هي الأخرى، وعم الصمت في الإرجاء لعدة دقائق، حتى شعر أسر بالملل لذا أردف في ابتسامة عريضة ممسكًا بكفي يديها ناظرًا إلى عينيها:
_ بحبك موت يا زينة، ولو انقلبت الباء عين والحاء خاء.. و ال وال.. والميم راء باين ...
صمتت لحظة تستوعب ما قد قيل، واردفت مستفسرة:
_ ايه ده؟! انت بتقول ايه انت؟!!
_ والله ما أعرف، شوفي بحلفلك
_ يا عم احنا ناقصين لبخة في الكلام ما تتكلم عدل، انت هتسمعني كلام حلو ولا هتخليني أحل الكلمات المتقاطعة
_ طب جربي كده نحط بدل الميم قاف كده يمكن تنفع؟! أو بدل الحاء جيم بما إن الخاء منفعتش!!
_ إيه أصله ده؟! ما تقول كلام حلو زي البني ادمين، هو إيه اللي بحبك ولو انقلبت الباء ذاء والحاء ماء ده؟!
عقد حاجبيه في استغراب وعلق :
_إيه حرف الذاء ده انا أول مرة اسمع عنه؟؟
منهم لله بتوع السوشيال ميديا.. خلاص يا زينة بحبك ومتقلبيش حاجة، خلي كل حرف في مكانه، المحتوى ضاع... 
             ******
_ اه يا رجلي يانا

تأوه شعبان ناطقًا بتلك الجملة وهو يستلقي على سريره
_ معلش يا حاج ارتاح وبكرة تبقى زي الفل، ده بس من إرهاق السفر النهاردة

قالتها وهي تجلس جواره
_ اه جايز.. هنام اهو أريح شوية وابقي صحيني الساعة ١٢ اصلي التهجد بما إني مش هقدر اصلي التراويح النهاردة

_ من عنيا يا حاج.. كنت يعني عايزة افاتحك في موضوعين كده يا حاج
_ قولي يا شهد، انتي لسه هتستأذني؟!
_ الأول، كنت يعني عايزة اعزم أهل شاهستا عندنا على الفطار مرة، واهو فرصة نولد المودة والمحبة بينا، قلت إيه يا حاج؟!
_ أنا أصلا مستغرب جدا الناس دي، بنتهم عندنا بقالها شهر وهما ولا مرة فكروا يجوا يزورها ولا حتى يبصوا عليها، وخايف نعزمهم يكسفونا لأنهم أصلا واخدين جمب مننا بقالهم فترة
_ طب والعمل يا حاج؟!
_ قولي لوليد وهو ادرى بنسايبه اللي مبيفهموش في الأصول دول
_ على قولك يا خويا، والله ما بيفهموا في حاجة خالص
_ ما علينا يا شهد منهم، إيه الموضوع التاني؟!
_ إيه!! اه.. الموضوع التاني، كنت يعني.. يعني..
_ ما تنحزي يا شهد عايز أنام
_ حاضر هقول اهو.. كنت عايزة أخذ شاهستا لدكتورة نسا
_ ليه؟؟
_ علشان أعرف ماحملتش ليه لحد دلوقتي.. ابنك سكتم بكتم، كل أما أسأله يِتوّه أو يقولي ربنا لسه مأردش يا أمي
_ طب ما يمكن معاه حق، هما مش بقالهم فترة كبيرة متجوزين
_ بقالهم شهر يا حاج وزيادة إيه، البنات بتدخل من هنا، تحمل من هنا، وبعدين.. أصلي بصراحة كده يعني.. مش مطمنة للبت دي

عقد حاجبيه في استغراب وهتف:
_ مش مطمنلها ازاي يعني؟!
_ يعني.. هي بت مدلعة كده ومسهوكه، وبتاعت تعليم وشغل وحقوق الوليّة وكده
_ حقوق الولية؟!
_ ايون.. المهم يعني، البنات دي بيبقوا بقى مش عايزين خلفة بدري كده، علشان تقعد تنتبه لحياتها.. علشان كده.. علشان كده..
_ علشان إيه يا شهد والله زهقت
_ اخص عليك يا حاج زهقت مني؟!
_ يا حبيبتي أنا راجل تعبان وعايز أنام، فقولي بسرعة متقعديش تعطلي!!
_ حاضر، حاضر.. حاسة إنها بتاخد موانع الحمل
_ يا شهد البت لا بتاخد موانع ولا حاجة المدة بتاعت جوازهم قليلة أصلا، اهدي وبلاش نشك فيها على الفاضي
_ اوف بقى.. وفرضنا بتاخد موانع بقى يا حاج!!
_ ما تاخد موانع هو ابننا ولا ابنهم؟!
_ ابننا طبعا، وأنا متأكدة إن ابني يا حبة عيني عليه، ميعرفش إنها بتاخد موانع وحرماه من إنه يبقى أب

نظر إليها في برود وأمسك بالغطاء وسحبه على ساقيه وبطنه واردف وهو يغمض عيناه:
_ متنسيش تصحيني زي ما قولتلك، وطلعي مرات ابنك من دماغك شوية، وكفاية تأليف حوارات..
              ******
_ انتي مش بتردي على تليفوناتي ليه؟! بقالي فترة عمال اتصل، أخيرا افتكرتي تردي؟!
هتف أمير محدثًا جومانة عبر الهاتف

_ كده كيفي كده..

زفر في ضيق وهتف:
_ انتي لسه مقموصة زي الأطفال؟! ما تكبري بقى يا جومانة
_ أمير متفضلش تتفه من مشاعري وأحاسيسي بالأسلوب ده بعد اذنك تمام!!
ردت في جدية

_ ما خلاص يا جومانة بقى
_ هو إيه اللي خلاص يا أمير؟! إيه اتحل يعني علشان يبقى خلاص؟!  بطلت حركاتك يا ترى مع البنات اللي في الموقع؟! ولا بطلت مرقعة مع اللي اسمها سها حديد دي، اللي عملالي فيها بيلا حديد!! ولا جيت اعلنت عن جوازنا زي ما وعدتني واحنا في الغردقة؟! ولا إيه ولا إيه يا أمير؟! مفيش حاجة اتحلت، عايزني ابقى مبسوطة منك على إيه؟!!

تحدث في ضيق، محاولًا أن يسيطر على هدوء صوته:
_ جومانة، أنا قولتلك ميت مرة، مبحبش شغل الغيرة اللي ملوش لأزمة ده، إنتي مرات مخرج مش أمام جامع، طبيعي هيكون فيه تعاملات مع البنات، طبيعي ممكن يحصل تجاوزات -من وجهة نظرك يعني-، علشان أمشّي شغلي أو علشان أشرح المشهد بطريقة صح..

صاحت في غيظ مما قاله:
_ وهي ست الهانم أما تبوسك ده هيفيد شغلك في إيه؟!
_ يا جومانة يا جومانة، دي صاحبتي عادي أما تبوسني، وبعدين هي باستني من خدي، بوسة صحاب أوي يعني
_ لا والله!!!
_ اه والله

أطلقت زفيرًا طويلًا محاولة أن تهدأ وردت:
_ ماشي يا أمير هعدي الحوار ده، ممكن أعرف هنفضل متجوزين في السر لحد امتى؟!
_ لحد أما ربنا يسهل
_ يسهل إيه؟! وانت إيه مشكلتك!! معندكش شقة يا عيني!!!
_ لا معنديش استعداد

صدمها بجملته تلك، لذلك ردت في خوف:
_ معندكش استعداد ازاي يعني؟!
_ لسه معنديش استعداد أعلن إني متجوز وإني خلاص ارتبطت قصاد الملأ
_ متهزرش معايا يا أمير بعد اذنك
_ مش بهزر والله يا جومانة، دي حقيقة أنا مش مستعد دلوقتي

صاحت:
_ ايوه بس ده ماكنش كلامك ليا من الأول يا أمير، انت قولتلي أول ما ننزل القاهرة هنعلن جوازنا..
_ مانا أما نزلت القاهرة غيرت رأيي عادي
_ أمير انت بجد استغفلتني
ردت في ندم
_ يا حبيبي هو انا بقولك مش هعلن خالص؟! لا، أنا بقولك مش مستعد دلوقتي بس.. خدنا الكلام ونستيني كنت برن ليه... اه صح افتكرت... جومانة انتي معايا؟!

كانت تسمعه وهي تبتلع ريقها، تشعر بتعسر موقفها..
_ جومانة!! الو.. ألو...
_ معاك
ردت في صوت خفيض
_ المهم، كنت برن علشان أقولك إنك وحشتيني وتعالي يلا علشان نقعد مع بعض شوية

لم تصدق كم الاستفزاز والوقاحة التي وصل لها، ولم تتحمل أكثر لذلك صاحت:
_ أقفل يا أمير علشان مقفلش في وشك، علشان انت راجل بجح..
_ إيه ده إيه ده!! انتي بتتكلمي معايا كده ليه؟! عيب كده على فكرة، وعمتا براحتك انتي ليكي حق القبول أو الرفض، وأنا بقى مش هقولك حقي ولا بتاع، مش عايز منك حاجة، بس أما أبوس غيرك بقى متبقيش تزعلي..

أنهى مكالمته معها بتلك الطريقة.. ما إن وجدته أنهى المكالمة، حتى صرخت في غيظ:
_ يا مستفز يا مستفز، أنا كان عقلي فين أما اتهببت عملت كده!!
             ******
ما هذا المجتمع!! لقد كانت بعيدة كل البعد عنه... دخلت المسجد قبل بدء صلاة التراويح، يشهد المسجد تبادلًا للأحاديث الودية بين النساء، حيث تنقل البهجة والسرور في أجواء مليئة بالتضرع والتواصل. يتبادلن التحية والضحكات الهادئة، ويشاركن تجاربهن وأخبارهن، البهجة والسرور يعمان المسجد ، حيث اتخذن البعض منهن جانب وقد شكلن حلقة دائرية وأخذت أصواتهن تتناغم مع تلاوة القرآن، مما خلق أجواءً روحانية تملؤها الخشوع والتأمل. واتخذ البعض آخر زاوية أخرى وأخذن يسبحن ويهللن ويذكرن الله. ومنهن من تصلي، ومنهن من توزع على الجميع الحلوى حتى يتبادلن ابتسامة جميلة صافية تدخل القلوب وتستقر بها لتصفا..
يا الله!! كم من راحة نفسية تستشعر بها تطرق قلبك، عندما تسمع وترى ذلك المشهد الروحاني، وترى ذلك الحب يعم المكان، حب يوزع بلا مقابل أو هدف..
بالتأكيد كان ذلك العالم غريب عليها وبعيد عنها كل البعد، ولكن الانخراط به، تجربة تستحق أن تعيشها.
أخذت تقترب منهن في بطء واندهاش وهي تلتفت حولها في كل اتجاه حتى لا يفوتها جمال ما يفعلن، عدّلت حجابها تتأكد أن جميع خصلات شعرها بالداخل، وساوت عباءتها حتى تتأكد أن جميع أطرافها مغطاه، وجلست على الأرض وهي لا تزال تنظر إليهن في اندهاش.. مرت دقائق واقتربت احداهن منها واردفت في ابتسامة بسيطة:
_ كل سنة وانتي طيبة يا اختى، ممكن تيجي تشاركينا تلاوة القرآن قبل ما نبدأ نصلي؟! تعالي معانا أستاذة في علم التفسير بنقرأ وبنفسر الآيات

ابتسمت شاهستا، وقامت حتى تذهب معها وهي لا تزال مندهشة، وصلتا المكان وجلستا في الدائرة وما إن جلست، حتى سمعت احداهن تهمس في أذن الأخرى:
_ تعرفي مين هيصلي بينا النهاردة؟! الشيخ وليد ولا الشيخ عبدالله؟!!
_ الشيخ وليد النهاردة
_ الحمدلله الله بجد، بحب صوته أوي باجي اصلا مخصوص علشان اصلي وراه

نظرت إليها شاهستا شاعرة بالغيرة إلى حد ما وتحدثت مع نفسها:
_ يعني هي بتيجي من آخر الدنيا على كلامها علشان بس تسمع صوته، وانتي معاكي هو كله ومش عارفه تستفادي بده ولا تحافظي عليه!!

حتى هي لم تعرف لماذا خطر في بالها ذلك التفكير في ذلك الوقت بالأخص، ولكن الذي تأكدت منه أن فكرة الانفصال عن وليد تصبح مستحيلة كل يوم بالنسبة لها..

_ كان نفسي نطول أكتر في الدرس ولكن للأسف الإمام هيقيم الصلاة دلوقتي، يلا بينا نساوي صفوفنا والمرة الجاية حاولوا يا جميلات تنزلوا بدري شوية علشان نلحق نخلص كل يوم درس قبل انتهاء شهر رمضان إن شاء الله
هتفت معلمة التفسير.

ذهبن الجميع إلى الصفوف وذلك بعدما أقام المؤذن الصلاة، لتسمع شاهستا صوت زوجها والذي كان يملأ الإرجاء:
_ استقيموا واستووا يرحمكم الله.. الله أكبر..
وقفت بجانب السيدات وأخذت  تقلدهن حتى الآن هي لا تعرف ماذا عليها أن تفعل، في الحقيقة هذه هي المرة الأولى التي تصلي بها في حياتها..

يتلو زوجها الفاتحة، تستمع إليه متأملة حتى تستدرك ما يقول، لعلها تفهم...
وبعدما انتهى من تلاوة الفاتحة أخذ يتلو تلك الآيات في خشوع وصوت عذب يدخل القلوب فيحركها..
وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا(٧٥) الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا( ٧٦)أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ۚ وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ ۗ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ

عاد تلك الآية مرة أخرى ( قل متاع الدنيا قليل) مما جعل البعض يبكي، وتابع في خشوع أكبر:
وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا( ٧٧) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ۗ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۖ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78).
( اينما تكونوا يدرككم الموت..)
أثرت تلك الآية على نفسيتها، كأنها تُليت كي تخبرها، أن الموت قادم لا محال ولا هروب منه لذلك راجعي نفسك مرة أخرى وأساليها ماذا قدمتِ لآخرتك؟! وكيف ستقفين بين يدي الله!! وبما ستخبرينه يوم يبعث عباده.. لذلك بكت.. لا شيء في حصيلتها.. لا شيء ادخرته لآخرتها.. والجدير بالذكر أن الله يهدي من يشاء في أي وقت يشاء، وقد تأتي رسالته  على هيئة آية أو شخص أو موقف حتى تفهم وتدرك أنك في غفلة، وتجد نفسك صدقتها واستوعبتها بل تأثرت بها دون أن تعرف كيف ومتى، ولكن الجميع يعلم الجوانب المقصرون بها في حق الله..
             ******
_ مش عارفه يا حنان، جايز حبيته ولا إيه مش عارفة.. أسر لطيف وبيحاول يراضيني بكل الطرق، وانا صدقيني بقيت أحاول معاه، حسيت إني فقدت الأمل في ان وليد يحبني

هتفت زينة محدثة صديقتها، داخل غرفتها الخاصة..
_ طب حلو ده
ردت حنان بفم ممتلئ بالحلويات
_ يعني يا زينة إنك تدي فرصة لأسر وإنك بدأتي بده دي حاجة حلوة جدا، وليد خلاص انسيه بقى يا بنتي ده واحد اتجوز وبيحب مراته ومفيش أمل يبعد عنها أصلا..
قالتها وهي تبتلع قطعة من الكنافة

اطرقت زينة.. تشعر أن ما تقوله عكس ما يكن داخل قلبها.. وأخرجت هاتفها وفتحت معرض الصور لتلقي نظرات مليئة بالحب إلى حبيبها الذي افتقدته.. ولكنها دائمًا ما ينتابها شعور أنه سيعود لها لا تعرف لماذا يأتيها ذلك الشعور ولكنها تود أن تنتظر أكثر.. ما هذا التناقض!! لقد لفظت عكس ما ستنفذ!!!
            ******
_ ادخلي.. كنت عارف إنك جاية
قالها أمير بعدما فتح باب شقته الخاصة لجومانة التي طرقت بابه..

خطت خطوات سريعة نحو الداخل واردفت:
_ لا أمير ماهو خلاص اللي حصل حصل، وأنا متعودتش أقعد ابكي على الأطلال، أنا أخترت أكون مراتك وهفضل محتملة نتيجة قراري ده
_ جدعة.. بيعجبني تفكيرك يا بنتي والله فلسفة من الآخر يعني، مش يلا بقى، ولا هنقضيها رغي؟!
               ******
_ إيه يا عمر.. ازيك.. قابلني في النادي بسرعة بس أنا مستنياك هناك
هتفت منة محدثة عمر عبر الهاتف وما إن انتهت من المكالمة معه، حتى اردف فايز -الجالس أمامها حول إحدى الطاولات المتمركزة في النادي-:
_ منة، ممكن افهم أي يا ترى سبب التغيير المفاجئ ده؟!
_ تغيير؟! تغيير إيه؟!
_ يعني حاسس إنك مبتسمة الفترة دي اكتر، متفائلة أكتر ومبسوطة كده ووشك منور
_ مش فهماك يا فايز بجد، يعني انت عايزني أفضل منكدة؟!
_ لا يا روحي طبعا، بس ده على غير العادة يعني، فكنت عايز أعرف يعني، لو مافيهاش غتاتة وفضول أوفر إيه السبب ورى المود القمر ده يا ترى؟!

وضعت ساق على ساق واردفت في ابتسامة:
_ أصلي هتخطب قريب

عقد حاجبيه في استغراب وهتف:
_ إيه!! اقصد يعني بجد!! ده مين ده؟! وامتى؟!
_ مالك ارتبكت كده ليه؟!
_ اطلاقا.. أنا بس يعني استغربت ولا مرة شفته معاكي أو كده.. وحاسس الموضوع جيه فجأة وكمان كنت فاكر إننا صحاب أكتر من كده يا ست منة يعني!!
_ لا ده انت كده صاحبي جدا، محدش اصلا يعرف إني هتخطب غيرك، حتى داد لسه هعرفه قراري ده
_ امتى طيب؟!
_ على العيد
_ ومين صاحب النصيب؟!

ضحكت وتمهلت ثواني، ثم أجابت:
_ خليها مفاجأة، ومتقلقش قريب أوي هعرفك عليه، لازم حبيبي يتعرف على صديقي الحالي بردو
_ شوقتيني اعرفه ابن المحظوظة ده
_ متستعجلش كل شيء في وقته حلو.. أنا بس كل اللي طلباه منك الفترة دي، إنك تكون جمبي اكتر علشان أنا بجهز لخطوبتي ومحتاجة دعم..
              *******
قد انتهوا من تأدية الصلاة وذهب الجميع.. وبينما يسير وليد بجانب شاهستا ممسكًا بيدها أردف:
_ إيه رأيك يا قلبي في تجربة النهاردة؟!

تمشي بجانبه شاردة الذهن داخل عقلها ألف حديث وحديث وألف هم وهم، لا تعرف ماذا تصنع حول أفكارها المتخبطة والمتناقضة، لا تعرف ماهي خطوتها القادمة حتى.. كل ما كانت توده في تلك الفترة هو أن تفقد ذاكرتها للأبد، أو تعود بالزمن كأن شيئًا لم يكن..
_ يا دلوعة انتي معايا ولا سرحتي في إيه؟!
_ معاك يا حبيبي بس أنا حاسة إني عايزة أنام
_ إيه؟!

قالها وتركها وشأنها، وسار بجانبها دون أن يتكلم.. دقائق ووصلا المنزل، وأخذا يصعدا السلم، وأثناء صعدوهما، فتحت شهد باب شقتها ونادت في صوت عالي:
_ يا وليد
_ نعم يا ماما
رد في صوت عالي لتسمعه.
_ تعالى يا حبيبي، صاحبك هنا اهو مستنيك تخلص صلاة من بدري
_ حاضر جاي...
قالها ووجه حديثه إلى شاهستا:
_ هروح اشوف أسر وجايلك شوية بس ها، اوعي تزعلي
_ لا لا خد راحتك
_ تمام
قالها وذهب كل منهما إلى طريقه..

دخل وليد غرفة استقبال الضيوف ليجد طارق جالسًا وقد يبدو على وجهه الارتباك، تعجب وليد بعض الشيء واقترب منه وجلس هاتفًا:
_ ازيك يا طارق عامل إيه؟!
_ الحمدلله
_ مش باين يا طارق مالك في حاجة ولا إيه؟!
_ صراحة كده يا وليد فيه، ولازم أقولك كفاية انتظار اكتر من كده
_ في إيه يا طارق قلقتني..
  


كانت تسير داخل الغرفة لا تستطيع أن تجلس أو يهدأ لها بال، التفكير يكد يفتك برأسها، وصوت ضميرها لا يرحمها من العذاب.. لا تجد الراحة في أي مكان.. لا مكان يناسبها من بين كل الأماكن، فأين تذهب عندما تجد أن كل الأماكن والظروف لا تناسبها!! وفجأة دون أن تشعر وجدت نفسها تسير جهة المكتب وتضع يدها في بطء واستحياء على المصحف الموضوع فوقه، واردفت تحدثه:
_ هو يا ترى الراحة اللي مش لقياها في أي حتة دي هلاقيها عندك؟! يا ترى الدوشة والصراع اللي جوايا هينتهي أما اقرأ آياتك زي ما كنت بهدى أما وليد كان بيقرأها ليا وقت انهياري؟!
قالتها وامسكت به وأخذت تقلب صفحاته في أمل على أن ترتاح، بالأخص عندما علمت أنه فيه شفاء لما في الصدور.. وبالفعل جلست وأخذت تقرأ أول سورة قرأها وليد عليها في أول يوم لهما، أو بالمعنى الأصح في أول يوم خداع له..( سورة يوسف)
التي تعلم الصبر على البلاء والشدائد.. تتعلم كيف صبر يوسف وكيف تحمل يعقوب، وهما يحملان يقينًا بالله أن كل ذلك سيمضي..

سافرت إلى عالم آخر روحاني وهي تتلو الآيات وقد نست كل ألم وأرق داخلها... مرت نصف ساعة على الأقل على هذا الحال، ولم تشعر بأي شيء حولها إلا عندما وجدته يأخذ المصحف من بين أيديها، ثم وضعه على المكتب، وفي نفس اللحظة ألقى بنفسه داخل حضنها خافيًا وجهه بين عنقها و كتفها، أصابها الخوف والتوتر وهي لا تفهم ما الذي أصابه واردفت وهي تحتضنه بقوة:
_ مالك يا حبيبي مالك؟!!
_ هو ليه عمل فيا كده يا شاهستا؟! أنا عملت فيه أي؟!
رد محاولًا أن يمنع دموعه من التساقط..
_ هو مين ده يا حبيبي، وعمل إيه؟؟!
_ أنا طول عمري كنت جدع معاه، طول عمري بعامله بالحسنى والله، شاهستا أنا مستاهلش منه ده

أخذت تضمه أكثر وهي تلمس بأطرافها شعره وتحدثت:
_ طب اهدى يا حبيبي وقولي عملك إيه ده!!
_ هو اللي سلمني لمنة، هو اللي كان بيقولها أخباري كلها، هو اللي كان بيخوني هو يا شاهستا هو .. أنا آمنتله أنا اعتبرته أخويا، أنا اديته وظيفتي، أنا فضلته عني.. أنا.. أنا عملت إيه علشان استاهل اتخان، أنا علمت إيه علشان يعمل معايا كده..

اطرقت تستمع إلى دقات قلبها، الذي كاد أن يخرج من بين صدرها من هول ما أحست به بعدما سمعته يقول بمثل ذلك الكلام، تتخيل أن كل تلك الأسئلة تطرح عليها، تتخيل أن كل ذلك اللوم يلقى عليها، وأن دموعه تلك ستسقط على كتفها ذات يوم بسبب خداعه لها..

أبعدته عن حضنها، وجعلت عيناها تخاطب عيناه عن كثب، واردفت وهي تضع وجهه بين كفيها:
_ حبيبي اهدى، ها، اهدى، أكيد ماكنش قصده، أكيد لازم تسامحه، طارق بيحبك بجد، منة أثرت عليه، أكيد الظروف بتاعته كانت صعبة، لازم نسامحه لازم نسمعه لازم نديله فرصة تانية لازم مانبعدش عنه، ارجوك يا وليد بلاش تزعل نفسك كده وتخسره، كفاية إنه اعترف على نفسه كفاية إنه حس بالذنب وإن عذاب الضمير ماكنش رحمه، كفاية إنه... إنه.. إنه عايز يحاول مرة تانية

رد وهو يهز رأسه بالنفي أولا ثم تحدث وهو يزيل ادمعه:
_ لا يا شاهستا.. لا مش هقدر أسامح بالبساطة دي، ماكنش في أي داعي للي عمله، ماكنش ينفع يخدعني ويحضني وهو من ورايا بيطلع أسراري وياخذ وظيفتي وهو مسلمني تسليم أهالي... شاهستا أنا ممكن أسامح في أي أي حاجة إلا الخيانة... سمعته لحد أما خلص كلامه، ولما حضني واعتذر ألف مرة معرفتش احضنه، معرفتش أقوله مسامحك، لأني هكون كداب أنا من جوايا مش صافي مش صافي خالص.. سبته بيعيط وندمان بس مش فارق معايا.. هو كسرني أوي

تزداد دقات قلبها وجحظت عيناها وأخذت أنفاسها تتلاحق، فهو يرفض أن يسامح طارق الذي كذب لمرة واحدة، فما بال أكاذيبها؟!! تشعر أنها أضحت تخسره الشعور الذي يقتلها ببطء، تحدثت في خوف وبنبرة صوت مضطربة:
_ يعني إيه؟! خلاص مفيش أمل خالص تسامحه؟!! كل حاجة كده خلصت؟! ازاي؟! ازاي يعني؟؟؟ مستحيل ده؟!! أنا.. أنا.. أنا كنت فكراك أطيب من كده، أنا كنت فكراك متسامح وبتعدي
_ شاهستا غلط عن غلط يفرق
_ يعني إيه؟! ماينفعش القصة تخلص كده
_ قصة إيه يا شاهستا، أنا جاي أقولك إني زعلان وانتي عمالة تلومي فيا بس؟! ما تبصي للي عمله، بصي لجريمته اللي ارتكبها في حقي..

وضعت وجهه بين كفيها وقربته منها أكثر واردفت:
_ أنا أول مرة اخاف منك أوي كده وأخاف عليك في نفس الوقت.. جايز شعور متلغبط وكله تناقض بس انا جوايا خوف كبير، وصراع نفسي انهيه
_ خوف من ايه؟!
_ خوف من بكرة من الأيام من الدقايق والثواني اللي قادرة في لحظة تسلب مني فرحتي وأحلامي للمرة التانية زي ما سلبتها مني قبل كده
_ انا مش فاهم حاجة
_ ولا أنا.. بس لازم تعرف إني بحبك أوي ودلوقتي لأول مرة أتأكد إن حياتي من غيرك ملهاش لا طعم ولا لون، وجودك جمبي بيطمني وبيخليني أحسن.. وليد.. أنا نويت اتخلص من صراعي وخوفي النهاردة ودلوقتي

قبل أن يرد ليستفسر، قبّلته و....
              ******
_ اتأخرت ليه كل ده يا عمر؟!
هتفت منة وهي تلومه

تحدث وهو يعدل الكرسي حتى يجلس:
_ كنت بجهز نفسي، ما علينا مش المهم إني جيت؟!
_ ماشي، ندخل في المفيد
_ اومال فين فايز بتاعك ده؟!
_ مشي، قولتله عايزة أكون مع عمر لوحدنا
_ بالسلامة، اتفضلي قولي اللي عندك
_ أنا هتخطب بعد العيد
_ ألف مبروك
_ عمر ما تتريقش
_ وانتي متهزريش
_ انا مش بهزر يا عمر، أنا بتكلم جد
_ ومين العريس اللي أمه داعية عليه في ليلة القدر ده؟! فايز!!
_ اه بالظبط كده فايز...
              *******
ومع اقتراب الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل، كان وليد نائمًا بجوار زوجته يهمسان، حيث تحدث هو:
_ أنا بجد مبسوط أوي إنك قدرتي تتغلبي على خوفك وتخطيتي صدمتك مع عمر، وقدرتي تاخدي قرار زي ده.. من النهاردة أنا هعتبر اليوم ده هو يوم جوازنا الحقيقي

ردت وهي تسند رأسها إلى صدره:
_ وليد.. هو انت بجد مش هتسامح طارق تاني خالص خلاص؟!
ابتسم واردف:
_ إيه خالص خلاص دي؟! أنا ملاحظ إنك مش عارفة تجمعي من الصبح
_ دي حقيقة فعلا.. يعني مش مصدقة إنك مش قادر تسامحه
_ مش عارف يا شاهستا لسه الأيام مخبية إيه، جايز حاليا لأني شايل منه اوي ولسه زعلان، لكن بعدين أنسى.. ولكن اللي متأكد منه، إن الثقة وقعت خلاص، عمر طارق ما هيكون محل ثقة بالنسبالي أبدا حتى لو اتصالحنا
_ ايوه يا حبيبي، بس هو اعترف يكفي إنه اعترف
_ لا مش يكفي، لأنه أعترف علشان منة كانت مهدداه هو مقدرش يعيش في التهديد أكتر وقع بلسانه وهو بيتكلم، هو اعترف لأنه زهق من كتر ما حد عمال يقوله أعمل وإلا هقول لوليد فقال أريح نفسي أنا وأقول لوليد، ده لو كان بيحبني حتى ولو بس شوية ماكنش عمل فيا اللي عمله ده مقابل الفلوس، باع صاحبه علشان خاطر الفلوس. خلي الفلوس تنفعه وتطبطب عليه وتسمعه وقت همه وشكوته زي ما كنت بعمل أنا..

_ بس...
_ مبسش يا شاهستا، أنا مش ظالم هو اللي ظلمني.. وقومي يلا ناخد دوش ونتوضا ونصلي التهجد وبعد كده نتسحر ونعمل مقرأة كده وحلقة ذكر لحين آذان الفجر.. بسرعة يلا قبل الفجر.. الله يسامحك معرفتيش تخلي الموضوع ده قبل رمضان!!!


بالفعل قاما كل منهما وفعل ما قال وليد، وبعدما تناولا السحور، ارتدى عباءته البيضاء وضع سجادة الصلاة، ووقف في المقدمة... وقفت خلفه وهي ترتدي الاسدال وابتسمت لأنها قد حفظت الفاتحة وسورة الإخلاص لكي تستطيع أن تصلي بهما وقد تعلمت عن طريق فيديو قصير كيفية الصلاة.. بدأت الصلاة وأخذت تستمع في تأمل وخشوع إلى الآيات، محاولة أن تستشعر بها.. ركع فتابعته، سجد، فسجدت وأخذت تخبر الله في سجودها أن يُبقي وليد معها وقد جددت نيتها ولا تريد أي شيء آخر سوى أن تُحل أمورها وتظل مع زوجها الذي اخترته دون عمر اليوم كي يصبح زوج لها معنى وقولًا.. هذه المرة هي صادقة مع نفسها أكثر من أي شخص أو شيء آخر، هذه المرة قد دخلت توب زوجها ورضيت بحياته وطريقته وتتمنى من الأيام أن تدعها وشأنها وأن يمهلها القدر فرصة أخرى...
              *****
ومع صباح اليوم التالي، كانت عاليا تسير في الشارع متجهة نحو السوق حتى تشتري ما يحتاجه البيت، وأثناء سيرها، صدح صوت هاتفها، أخرجته للتو من الحقيبة وردت:
_ ألو يا سماح، ازيك يا حبيبتي عاملة إيه؟
_ أنا كويسة يا عاليا، وانتي إيه اخبارك يا قلبي؟!
_ أنا الحمدلله يا تمام، فينك كده يا موحة؟!
_ أنا في البيت يا بت، وانتي؟!
_ انا في السوق ياختي بشتري طلبات
_ ربنا يقويكي في الصيام ده كمان.. بقولك
_ قولي
_ جبتلك عنوان طليقة الراجل اللي انتي هتتخطبيله قريب ده زي ما قلتي، مش عارفه ياختي انتي عايزاه ليه!!  قال هي طليقته هتقولك الحقيقة!!
_ يا سماح يا حبيبتي، كريمة قالتلي إنها من فترة كانت ماشية في منطقتهم وسمعت عنه اسوء الكلام من الجيران وكده، وانتي عارفة أمي لا هتسأل ولا هتعمل وأنا يا ختي مش عايزة أرمي نفسي لأي واحد بشنب
_ طب هتعملي إيه؟!
_ هقولك بس هاتي عنوان بيتها الأول..
             ********
_ انت رايح فين يا وليد؟! شايفاك لابس كده
_ نازل الجامعة يا دلوعة، عندي بروجيكت ولازم أقدمه
_ اه طب ربنا معاك يا حبيبي، أنا هنزل عند ماما النهاردة ينفع؟!
_ اشمعنى؟! هتفطري هناك يعني؟!
_ لا لا دي زيارة سريعة كده وهاجي على قبل المغرب بإذن الله
_ خير حصل حاجة ولا إيه؟!
_ خالص، بس وحشوني وعايزة أروح اشوفهم، ها يا حبيبي قلت إيه؟!
_ تمام روحي وأما تخلصي قعدتك هناك أبقي كلميني علشان اجي اخدك
_ مفيش داعي تتعب نفسك يعني ، أنا معايا العربية
_ لا أنا عايز اتعبها
_ خلاص براحتك، هخلص واكلمك
_ تمام..

قالها وحمل حقيبته لكي يذهب، وطبع قبلة على خدها وذهب، تتبع أثره وتمتمت:
_ أرجوك يا وليد أوعى تسبني..


وها قد وصل الجامعة، وذلك بعدما استأذن والده وأخذ سيارته حتى لا يرهق في المواصلات، ودخل الحرم الجامعي وما إن دخل حتى أخرج هاتفه كي يحدث أسر، طلب الرقم ووضع الهاتف على أذنه، ليقع عليها صوت منة قبل صوت أسر والتي كانت تقف خلفه وهي تقول:
_ وليد..

التفت إليها في سرعة فهو قد نسي أمرها منذ زمن واردف:
_ نعم، عايزة تعمليلي مصيبة أي تاني؟!
_ لا يا وليد، أنا المرادي لا جاية اهددك ولا جاية اعملك حاجة تدايقك.. اعتقد حتى اللي هقوله هيفرحك، وهتقول يارتني كنت سمعته من زمان..

أنزل الهاتف من على أذنه واردف:
_ عايزة تقولي إيه؟!
             *******
بس كده متنساش تقول رايك وتوقعاتك واتفاعل
وكالعادة البارت الجاي هقول امتى على الفيس، لحين ما أخلص امتحانات بس وهرجع اثبت أيام..
دمتم بخير
سلمى خالد احمد

    






      

الجعة يشوبها الأخلاق Tempat cerita menjadi hidup. Temukan sekarang