الفصل الخامس

6.3K 237 50
                                    

ازيكم عاملين ايه، البارت ده كبير وانا تعبت فيه شجعني بفوت وقول رايك.

جاهزين؟؟؟
يلا نبدأ

ولما أدرك وليد ما يحدث.. ابتعد عنها، وقد ألقت هي بصرها على الأرض في خجل وتمتمت: شكرًا
_ العفو، على إيه بس، أهم حاجة إنك بخير

وعقب بضع ثوان يجدا الاثنان آية التي ركضت بقوة تجاههما وهي تهتف: انت كويسة؟؟
اومأت برأسها: آه
امسكتها آية من ذراعيها واخذت تسير بها ناحية محل وليد، وعندما رأى وليد ما تفعله آية لم يعقب، لربما تحتاج الفتاة لمساعدة يمكنهما أن يقدموها لها،ودخل خلفهما..
جلست الفتاة على الكرسي وأخذت تهدأ، بينما أسرعت آية لجلب بعض الماء لها.
الفتاة تزيل دموعها في حسرة ولم تتوقف عن تلك الشهقة التي تخرج منها أثناء محاولاتها بأن تهدأ ولكنها تفشل في بعض المرات.
لا يعرف وليد ما الذي أصابها ولكنه فسر من حالتها أن شيئًا ما خطيرًا قد حدث لها. وخرج عن صمته عندما هتف: أنتِ كويسة؟ انا ممكن اقدر اقدم أي مساعدة ؟... صدقيني جربي وانا مش هتردد اساعدك مهما كان.
جاءت آية وفي يدها كأس الماء وهتفت: اشربي ده وهتبقي كويسة باذن الله، واي حاجه مزعلاكي الشيخ وليد يقدر يساعدك وانا هنا اختك آية تقدري تحكيلي اللي أنتِ عوزاه.

ابعدت الفتاة عنها الكأس قليلًا ثم هتفت وهي تنظر إلى وليد: شيخ ؟ هو حضرتك شيخ ؟؟
_ الحمدلله عندي معلومات كتيرة عن الدين وده طبعًا من فضل ربي وبجتهد عشان اعرف اكتر

وضعت الكأس على الطاولة التي كانت بجانبها وأخذت تعدل حجابها وتزيل دموعها وتتنهد... كأنها أخيرًا قد حصلت على الحل، لذلك ابتسمت رغم سوء حالتها وقامت من مكانها واخذت تقترب منه في هدوء إلى أن توقفت أمامه وقالت: هو يرضي ربنا اللي بيحصل معايا ده يا شيخ ؟ هو ربنا يرضيه الظلم اللي بيحصلي ده؟؟

وليد ينظر إلى الأرض ولكنه يستمع إليها وكل أذن صاغية، لذلك هتف في هدوء: اهدي بس يا اختي وفهميني براحه أي اللي حصل، وطبعا لا أكيد ربنا ما يرضى بالظلم ابدًا، حشاه، اسمه العدل
تنهدت كأنها ارتاحت لما سمعته وتابعت: الحمدلله لا شك في ذلك ولكن...
_ كملي يا اختي سامعك

ترد آية: احكي احكي ده الشيخ وليد هيريحك على الأخر بجد
نظرت إليها باسمة وردت: تأكدت من ده بجد شكله بشوش وربنا بعتهولي في الوقت الصح
ابتعد وليد عنها قليلًا وذهب وهو يردد: تعالي نقعد هنا يا اختي عشان مش هنتكلم واحنا واقفين، اقعدي ارتاحي واحكي.
ثم جلس وتابعته هي، وبعدما هيأت نفسها أخرجت زفيرًا طويلًا وقالت: أنا من التجمع الخامس واسمي هو (شاهستا)، انا اسرتي يعني مش متدينة أوي ولكنهم بيحاولوا.. انا مكنتش محجبة لكن الحمدلله ربنا تاب عليا واتم عليا هداه بفضله ورحمته، واتحجبت في أولى كلية، لكن مش لاقية أي دعم من أي اتجاه، اهلي مش قصدي بيهم بابا وماما لا اقصد عمامي وخلاني وهكذا..) بيتنمروا عليا وبيقولولي شكلك وحش بالحجاب والفلاحين بس هما اللي بيلبسوه.. غير تنمر اصحابي عليا وفي منهم كتير اللي سابني وبعد عني قال إني شكلي مش بقى مناسب لخروجتهم وفسحهم والأماكن اللي بيرحوها..

يسمع وليد ذلك الكلام وهو يستغفر ربه عما تواجهه الفتاة، وأخذ يعقد حاجبيه في ضيق وكست ملامحه شعور عدم الرضا والغيظ.
تكمل شاهستا: كمان بيقولولي اني مش هلاقي شغل حلو في مكان حلو أبدًا وأما بلبس فضفاض بيقعدوا يقولوا الشوال راح الشوال جيه، وصراحة كده اخدني تريقه طول الوقت حتى مسميني شاهستا الكلاون.

لم تستطع الفتاة أن تحبس دموعها أكثر التي سرعان ما خانتها وتسللت على خديها..
وليد يستغفر ربه وبعدما سمع صوت بكاؤها هتف محاولًا أن يواسيها: لا حول ولا قوة الا بالله، اهدي يا اخت شاهستا بالله عليكِ، إنما ما أنتِ فيه هو بلاء والله اعلم، وإن لكِ لاجرًا لما تتحملينه ولما تسمعينه.. ربما هي ذنوب يريد الله أن يخلصكِ منها حتى يتم نعمته عليكِ ويرضى عنك كامل الرضا، وإني والله اعلم جيدًا أن الأهل هم الضلع الأساسي الذي يستمد منه الأبناء القوى والثقة بالنفس وعليه فأنا أشعر بما تقولينه واعلم أن قلبكِ تحطم بسبب الخذلان الذي أتاه من ذلك الضلع الأساسي الذي تستمدين منه قوتك . ولكن ما أود أن أقوله هو إنما الدنيا فتنة وبلاء وشقاء لم نخلق حتى ننعم دائمًا. وأقسم لكِ أن مشكلتك ليست تلك التي ليس لها أية حلول، فهناك العديد من الآباء يزوجون بناتهم قسرًا ومنهم من يقلل من شأنهن دائمًا ومنهم من يحرمونهن من حقوقهن في الحياة معللين أنهن فتيات ويجب أن يبقين في بيوتهن دائمًا وابدًا حتى يتوفاهن الله ( ليس لها حق في التعليم، الخروج، وملذات الحياة بصفة عامة) . أراد الله أن يفتح لكِ طريقًا للهدايا لا تتخلي عنه أبدًا وانما أنتِ قادرة على التصدي لعوائق هذا الطريق.

أغمضت شاهستا عيناها وتتنهد في راحة لما تسمعه كأنه يزيل هم كبير من على قلبها و افتحت عينيها تارة أخرى هاتفة: انا عارفه كل ده بس انا مش عارفه اعمل ايه، مبقتش قادرة اسمع كلامهم اكتر ولا اتحمل المسخرة اللي بيعملوها عليا.

_ ثقي بالله وهو لن يخذلك ابدًا، واعلمي أنكِ إذا تركتِ باب لأجل الله لفتح هو لكِ ألف باب لأجل صبرك وايمانك به. سيرونكِ قريبًا في عملك دون أن تنزعي حجابك، سيرونكِ قريبًا في افضل حال، وأسأل الله الهدايا لهم أيضًا جميعًا، ادعي الله لكِ ولهم وهو المستعان على كل شيء. واستمعي إلى تلك الآية القرآنية وقومي بتطبيقها في حياتك يقول الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما).

_ يعني العمل يا شيخ؟؟ اصبر بس عليهم؟ وافضل استمع للكلام والتنمر ده اللي هيموتني؟

_ ارفضي انك تقابليهم بما ان اهلك والدك ووالدتك متقبلين الحجاب ومش بيضايقوكي فهو ده المهم، بالنسبة لأهلك أي تجمع هما فيه حاولي تتجنبيه ولو اضطريتي أنك تقابليهم ردي عليهم متسكتيش لحد بيحاول يقلل منك ويفقدك الثقة في نفسك، بس بطريقة مهذبة نظرًا لفرق السن بينك وبينهم ونظرًا لان هما اهلك بردو، غير كده حاولي تتجنبي الجلوس معاهم حتى، يكفي بس الاطمئنان عليهم من بعيد، وده طبعًا بعد ما تعرفيهم اكتر من مرة أنهم لو مبطلوش اللي بيعملوه انك هتقومي بقطعهم وخلي والدك ووالدتك ياخدوا موقف على التنمر اللي بتتعرض ليه بنتهم. وبالنسبة لاصحابك خلاص معتقدش انكم ينفع تكملوا مع بعض ادام هما مش محترمين رايك ولا متقبلين فكرة جديدة انتِ اتخذتيها، لأن الصاحب الجيد هو اللي بيشجع ديما صاحبه على قرار صح اخده او على قرار يخصه، ادام مش بيعملوا كده يبقى اكتفي بانك تطمئني عليهم من بعيد. واتعرفي على حد شبهك مؤمن بيكِ زي ما أنتِ، واكيد هتلاقي من البنات كتير زيك و هيفرحهم جدًا إن اخت فاضلة زيك تبقى صديقة ليهم... الكلام سهل و التطبيق صعب، اه انا عارف بس معلش الإنسان اللي بياخد قرار جديد في حياته وبالذات قرار مصيري كده هيغير مجرى حياته هيلاقي صعوبات لازم بس يصبر حبه ويكمل وبأذن الله هيوصل وكل شيء سيكون على ما يرام والله أدهى واعلم.
تنهدت في ارتياح وارتسمت على وجهها ابتسامة عريضة وهتفت: انا مش قادرة اقولك انا ازاي ارتحت اما فضفضت ولقيت حد فهمني كده شكرا، شكرا بجد،على كل كلمه وكل حرف طالع من قلبك عشان يهون عليا
ابتسم وليد وهتف: الشكر لله، ربنا يرضى عنك ويراضيكي يا اخت شاهستا.
تدخلت آية هاتفة: وانا اهو يا شاهستا أول حد هيدعمك ويؤمن بيكِ وسيبك من اصحابك دول اللي بيحطموكي وصدقيني هما اللي خسروكي مش أنت خالص.

لم تكن آية محجبة في الأصل ولكنها كانت إنسانة على الأقل، تؤمن بأن كل واحد حر وهي ترفض بقوة عدم احترام وجهات النظر وترفع شعار ( لا للتنمر ضد المختلف عنك)
                ******
ومع حلول المساء، يجلس شعبان على كرسيه الخاص به في منزله، وهو يحتسي كوب من القهوة ممسكًا بجريدة ما ليطلع على الاخبار.
أتت له شهد وفي يدها بعض من الملابس التي تحتاج إلى الحياكة وجلست على الكرسي الذي يوازي كرسي زوجها وأخذت تحيك الملابس في صمت تام... وبعد مرور قليل من الوقت هتفت: ها يا شعبان في اخبار جديدة؟
_ لا لسه الدنيا غلا زي ما هي والاقتصاد في ذمة الله
_ يلا، ربنا كريم.. إلا قولي يا حاج
_ اممم
_ مش أن الأوان نجوز الواد وليد بقى ونفرح بيه؟
ابعد عن وجهه الجريدة قليلًا ونظر إليها في استغراب ورد: الواد لسه متخرجش، مالك مستعجلة علل ايه؟
_ الله!! ما شقته فوق اهي جاهزة وهو كان بيتشغل معاك كل إجازة وبيحوش الفلوس وغير انك هتساعده يا حاج هو انت عندك غيره؟؟
ألقى شعبان بالجريدة جانبًا وأخذ كوب القهوة وتذوق رشفة منها وظل ممسكًا بالكوب ورد: الله، تسلم ايدك
ابتسمت خجلًا وهتفت: تعيش يا حاج ديما كده مفرحني ومدلعني
_ الله!! ما تدلعي هو انت كبرتي ولا أي ؟؟
وضعت يدها على فمها تتظاهر أنها شعرت بالاحراج وهتفت: اهو ضيع انت الموضوع اللي كنت عاوزة اتكلم فيه. براحتك يا حاج

ضحك من طريقتها التي تبدو له بعض الأوقات طفولية ورد: طب قولي يا عيون الحاج ليه طقت في دماغك كده فجأة إنك تجوزي الواد؟؟

تركت مافي يدها من عمل وهتفت في جدية: ابننا شيخ وانا اخاف عليه من الفتنة ثم اسم الله عليه ويحرسه ديما بقى شاب اد الدنيا واكيد ليه احتياجات. فاهمني يا حاج ؟؟
_ اه فاهم والله منطق اللي بتقوليه، بس ماهو جومانا رجعت اهي وهنفتح  بقى تاني في الموضوع إياه

ظهر على وجه شهد الضيق لما تسمعه وردت في غيظ: لا بصراحه بقى وبعد اذنك يا حاج انا مش عاوزة بنت اخوك دي تبقى مرات ابني

تعجب شعبان ورفع أحد حاجبيه وهتف مستفسرًا: ليه مالها البت ماهي زي الفل.
_ عارفة ربنا يحفظها لشبابها، بس هي دلوعة كده وبتاعت بابي ومامي وراحت منحة فترة في بلاد برة وهتتنك علينا، وانا يخويا عاوزة بنت كده من الحي تساعدني في البيت وتبقى ايديها معايا. ثم إننا اتكلمنا في الموضوع قبل وبعد ما كنا هنقرأ الفاتحة قالت لا اجلوا عندي سفر.. يا حاج شعبان دي مش من توبنا بتاعت المعادي دي مش زينا وأمها بتتكلم كده  وهي قرفانة وكل كلامها لغات بره نفسي افهمها مرة.

يشعر شعبان بأن ما تقوله زوجته صحيح ولكن ماذا عساه أن يفعل؟؟ لذلك اقترب منها وانحنى ناحية رأسها وقبّل جبينها وهتف: حقك عليا انا عارف كل ده بس والله محرم ما هيسكت انا عارف اخويا.

صمتت شهد ولم تنطق بكلمة أخرى فهي تعلم من هو محرم وتعلم ما مدى غضبه وقوته وعزمه في كل أمور العائلة ولكنها كانت لا تطيق ذلك التحكم فإلى متى سيظل محرم المتحكم بشأن عائلتها واختيار زوجة وزوج أبنائها؟؟؟! ولكنها تعلم جيدًا أنه لا هروب...
لذلك أومأت برأسها موافقة في غيظ يشوبه انكسار...
ينظر إليها شعبان في ضيق مما هي فيه ولكن لا مفر.. ثم تحدث: عالفكرة رمضان قال لمحرم إني عازمه يوم الجمعة الجاية ومحرم زعل واتصل بيا وقالي بقى تعزم رمضان وانا لا! فأنا قلتله تنور وبتاع على وقلتله اني كده كده كنت هكلمه يعني.. لو شايفة إن العدد بقى كتير اوي هجيب أكل جاهز عشان متتعبيش

رفعت إليه رأسها محاولة أن تتجنب اظهار تلك الملامح التي يكسوها الغضب والغيظ أمامه وردت: لا يا خويا متكلفش نفسك انا هعمل عادي هي أول مرة نعزمهم!! كده مين جاي؟ محرم و رمضان بس؟

_ هكلم تهاني بقى تيجي بالمرة ويبقى كده كل أخواتي عشان متزعلش.

نظرت إليه وردت: لا يخويا كلف نفسك وهات أكل من بره
           ******
يجلس وليد مكان والده تارة أخرى ويقوم بعمل الاتصالات اللازمة حتى يتأكد من أن كل شيء على ما يرام وأن البضاعة قد حملت وها هي في طريقها إلى المحلات.
وعلى الجانب الآخر تقف آية بجوار شاهستا حتى يختارا ما سيشترونه من ملابس، وقعت عين آية على فستان جميل بعدما تخيلته على جسد شاهستا كأنه صمم لها وهتفت في فرحة وهي تشير إليه: بصي، بصي التحفة ده، بجد انا تخيلته عليكِ هيكون قمر، روحي يلا حربيه هيليق جدًا

ابتسمت شاهستا وردت : بس انا قصيرة وبحس إن الدريسات مش بتليق عليا ولا هي ولا الجيب. عشان كده بفضل البناطيل الواسعة و البلوزات الطويلة

هتفت آية في تعجب: قصيرة؟؟ ليه انا شايفة طولك حلو، هو انت طولك أد ايه ؟؟
_ ١٦١ سم
_ طب ما يا ستي حلو،هو انتي كده قصيرة؟ فكرتك مية حاجة وخمسين
وبعدين ابقي البسي كعب تحت الفستان هيرفعه ومش هيبين قصرك

ابتسمت شاهستا وردت: ماشي يا ستي هجربه عشان خاطرك.
ثم اتجهت ناحية وليد في هدوء ونظرت إليه في ابتسامة بسيطة وهتفت: ممكن تجبلي الفستان ده عشان اقيسه لو سمحت؟
نظر وليد تجاه اصبعها حتى يعلم إلى اي فستان تشير، ثم رد: حاضر
وقام من مكانه وأخذ العصا الطويلة تلك التي لابد من وجودها في أي محل ملابس حتى يستطيع البائع جلب الملابس إذا كانت بعيدة او معلقة في الأعلى، جلبه وليد واعطاها إياه وهتف: اتفضلي.
_ شكرًا انا تعباك معايا والله
ابتسم بسمة صغيرة: مفيش تعب ولا حاجة انتِ تؤمري.
ثم ذهب ناحية مكتب والده تارة أخرى.
نظرت شاهستا إلى آية وردت: طب انا هروح اقيس الفستان ده في البروفا وخليكي واقفة لحد اما اجي عشان تقولي رأيك.

_ من عنيا، مستنياكي اهو.
                *****
ومع اقتراب الساعة التاسعة مساءً، تظهر لنا منة وهي تجلس على الأرجوحة في الحديقة الخلفية لڤلتها
تهز منة نفسها بالارجوحة في هدوء إلى الأمام تارة وإلى الخلف تارة أخرى، شاردة الذهن تفكر في شيء ما... تفكر بصوت عالي محدثة نفسها من الداخل: انا طول عمري كنت بحلم بأي حاجه فيها suspense
( تشويق) كده، راجل متدين صعب حتى يبص في وشك، تفضلي تجادليه وتجبريه وتتفجري عليه وأنتِ منتصرة.. أنتِ زهقتي من الرجالة اللي تحت ايدك وبيسمعوا كلامك.. وكلهم يأما طمعانين في فلوس ابوكِ ياما ميقدروش يقولولك لا، اما وليد شعبان ده غريب الأطوار... ازاي قادر يصمد قصاد جمالك من غير ما يرفع حتى عينه؟؟ اول مرة اقابل رجالة من النوع ده.. معقولة معقولة لسه فيه رجالة بتغض البصر والكلام ده؟؟! ليكون جاي من زمن تاني غلط ولا حاجة!!! انا مش بس هخليك تبصلي لاني بالفعل عملت كده، لا انا هخليك تعمل حاجات تانية....
وقاطع تفكيرها، صوت صراخ والدها الذي يملأ جميع أركان الڨيلا، انتفضت من مكانها واخذت تركض إلى داخل الڤيلا لترى لماذا يصرخ والدها؟؟

وكان مصطفى والدها يقف في بهو الڤيلا وأمامه يقف عمر مطأطأ الرأس
حيث أن عمه كان يوبخه ويسمعه ما لا يرضيه عندما صاح في وجهه:
_ انت، أنت راجل أنت، أخص.. بقى ما صدقت أنها قالتلك هسيبك عشان تروح تسرح مع البنات
يحاول عمر أن يرد: عم..
_ اخرس متقولش عمي، انت عاوز تحرق دم بنتي وخلاص؟؟ عاوز تخليها في اسوء حالاتها تاني بسبب البنت دي؟؟ مش عارف هي اد ايه كانت مسببالها تعب اعصاب و خلتنا نروح لدكتور نفسي؟؟؟

يحاول عمر أن يتحدث تارة أخرى: عمي أن...
_ اخرس، ولا كلمة مش هسمعك اصلا، من بين كل البنات دي يا عمر ملقتش غير اللي دمرت بنتي؟؟ بنت عمك؟؟ الفكرة انك عارف اللي فيها انت مش غريب، انت كنت معانا وموجود وعارف أنها ازاي كانت فترة صعبة على منة، انت عارف ده كويس

ارتفع صوت عمر قليلًا عندما صاح مرة واحدة محاولًا أن يتحدث ليسمع عمه صوته: يا عمي حضرتك ومنة عارفين كويس اوي اني كنت بحبها ومازالت واني سبتها عشان...
وقبل أن يكمل، تظهر منة وهي تقف كالشيطان الذي يظهر فجأة، تنظر إليهما بنظرات حارقة، تحمل بداخلها الانتقام، رآها مصطفى لذا سريعًا وضع يده على فمه وحدق بعينه في عين عمر مشيرًا له أن يخرس، توقف عمر عن الحديث ونظر بجانبه ليجد شبح منة يقف أمامه، حيث كانت تقف وهي تعقد حاجبيها بشدة والحنق قد كسى ملامح وجهها، وقد امالت رأسها إلى الأسفل بينما عيناها تحدق في عين عمر.

هتف والدها في سرعة: منة حبيبتي أنتِ لسه صاحية؟؟ عندك كلية يا روحي بكرة روحي نامي يلا

رفعت راسها قليلًا وأخذت تقترب تجاه عمر في هدوء ، يبتلع عمر ريقه ويتراجع إلى الخلف خائفًا من ردة فعلها، فهو يعلم جيدًا أنها مجنونة ويمكن أن ترتكب جناية الآن ومن الذي سيمنعها؟؟
هتف عمر الذي يتراجع بحذر إلى الخلف: منة، أنتِ اللي سبتيني صح؟ نسيتي؟؟ مش انا اللي عملت كده، أنتِ في الجامعة قولتيلي مش عوزاك وزهقت منك...
ابتسمت ابتسامة خفيفة وردت: ارجع ليها يا عمر.. او انا هسيبك ترجع ليها بس مش دلوقت، يعني استنى اذني..

اغتاظ مما قالته له ولكنه لم يبديها لها ورد محاولًا أن يسيطر على الغيظ والغضب اللذان ملأن قلبه الآن: امتى يا منة، انا حتى مش عارف إذا كانت ها...
صاحت: خلصنا.. واحمد ربنا اني هخليك ترجع لعدوتي اللدودة..
كان ذلك آخر ما قالته له، وبعدها تركته يقف مكانه مكتف اليدين لا يستطيع أن يفعل أي شيء يخص مستقبله إلا بإذنها. الأمر الذي كان يقتله بالبطيء ولكن ما الذي يمكنه فعله؟؟ لا شيء، هو حقًا مضطر إلى ذلك حتى يصل إلى ما يريد.

صعدت منة غرفتها راكضة في غضب وأغلقت الباب بقوة كان على وشك أن ينكسر من شدة الحركة..
ووالدها يقف في الاسفل ناظرًا إليها مرددًا: استر يارب، استر.. الجيران هيجيبوا البوليس دلوقتي بسببها.

وبعدما أغلقت الباب وسمعت بأذنها قوة الخبطة التي مصدرها قوتها، ظلت واقفة خلفه تتنفس في سرعة وغيظ كأن بركان ما سينفجر الآن... وبالفعل انفجر البركان وأخذت تجري في الغرفة كالمجنونة تمسك بيدها البوم ملئ بالعديد من الصور تنظر إليه في حنق تقلب صفحاته في قوة وسرعة غير طبيعية كأنها تستعرض شريط حياتها الآن امام عينيها، ثم صرخت فجأة وأخذت تقطع تلك الصور في غضب شديد تكاد عيناها وحدها تحرقها، ولم تكتف بل ألقته بقوة على الأرض وأخذت تقفز فوقه مرارًا وتكرارًا كالمجنونة لا تهدأ ولا تتوقف ولا تتعب، بل يزداد غضبها وتزداد قفزاتها... كانت تصرخ مرددة: موتي.. موتي بكرهك... بكرهك...

قد سمع والدها كل ذلك، وعليه انكب على وجهه مسرعًا إلى غرفتها، وكان عمر في غرفته يجلس على سريره، يسمع صراخها ويبتسم في هدوء كأن شيء لم يحدث... يمسك سيجارته ويستنشق دخانها في سلام تام ثم يخرجه في سلام تام أيضًا ويردد مع الأغنية التي كان يسمعها في تأثر( بتمر ساعات بعد لقانا
والروح لوجودك عطشانة
توحشني عينيك
وبلاقي الدنيا بقت فاضية
مع إن الناس رايحه وجايه
وانا بحلم بيك)
              ******
ومع اقتراب الساعة الحادية عشر قبل منتصف الليل تجلس هنا على سريرها دون وجود أي ضوء في الغرفة وتتحدث في الهاتف مع شخص ما هاتفة بصوت خفيض: اه اخذت بالي من نظراته انهارده، لا احترمي نفسك يا اروى، اه
تقول ذلك وهي تبتسم في فرحة وتسمع ما تقوله صديقتها مما يجعلها تبتسم أكثر..
تكمل أروى: طب والله يا بت يا هنا، الواد طول ماهو قاعد مركز معاكي بشكل، زي ما بقولك كده، كنت عاوزه اقوله ياه يا بني ملقتش غير هنا تحبها؟؟

تتعالى ضحكات هنا وردت: مش عارفه، هيندم والله، ولسه ده انا هنشف ريقه هو أيه فاكرها سايبه؟؟؟!

_ ايوه يا هنون يا جامدة، ايوه بقى..
ربيه متسكتلهوش... بس عارفة يا بت يا هنا
_ إيه ؟؟؟؟
_ متخيلاكم مع بعض بقى في الكوشه الواد طويل بقى وهو شايلك كده وبيلف بيكي ويقعد يقول انك أعظم انتصاراته اللي وصلها بالعافية وانك حلم وحققه وكده بقى زي المسلسلات التركي يا بت...

ارتسمت على شفتيها ابتسامة عريضة لما تسمعه ووضعت يدها على فمها في خجل هاتفة: احترمي نفسك يا اروى  الله.
_ لا انا مش متربية أنتِ عارفة من زمان
تكتم هنا ضحكاتها محاولة بألا تظهر مشاعرها أمامها لذلك ردت: بقولك إيه يا اروى، انا هنام بقى عشان نعست يلا ورانا بكرة دروس ومذاكرة.
ابتسمت اروى وهتفت في خبث: ها، يا بت عليا ؟؟ أنتِ عاوزة تقفلي عشان تروحي تفكري فيه، وتستني النهار يجي عشان تشوفيه في الدرس.. تخيلي الواد مكنش معانا غير في درس التاريخ و الجغرافيا، عرف أنتِ بتاخدي فين باقي المواد ونط، مش بجولك بيحبك يا هنون.. يارب نلبس السواريه قريب...

تحدث هنا حركات عشوائية تعبر فيها عن فرحتها مما تسمعه وعليه هتفت: اتكلي يا اروى بقولك نعسانة... ولم تعطِ لها فرصة لنقل أي شيء لأنها قالت ذلك وغلقت الهاتف. وألقت بجسدها على السرير واحتضنت وسادتها واطلقت العنان لنفسها.. تتخيل أنها حصلت على ٩٥/ في الثانوية العامة والتحقت بكلية الألسن والجميع يفخر بها، وأثناء دخلوها الكلية جاء عامر وتقدم لخطبتها، واخبرها أنه لا يستطيع أن يعيش من دونها...
تتخيل!! نعم دعها تتخيل الجميع يمكنه أن يتخيل ولكن هناك فرق بين الخيال الذي يمكن أن يكون حقيقة في يوم من الايام وخيال المراهقين الذي نسميه بأحلام اليقظة. من ذلك الذي سيتقدم لخطبتها في أولى كلية؟؟ عامر الذي هو في نفس عمرها ؟؟ وماذا سيقدم لها يا ترى؟؟ مصروفه الشهري الذي يأخذه من والده؟؟!
               ******
وفي صباح اليوم التالي، كانت أسرة وليد تجلس على السفرة ويتناولون الطعام في هدوء... ولم يكسر ذلك الصمت سوى  صوت شهد عندما قالت: شعبان انا بقيت ملاحظة إن هنا مش بتذاكر زي الأول.

نظرت إليها هنا في صدمة هاتفة كأنها مظلومة: أنا ؟؟ ليه يا ماما بتقولي كده ليه؟؟ حرام والله انا بذاكر وعندي حلم بسعاله

رمقها شعبان بنظرة حادة وهتف: ششش سيبي امك تكمل.. ثم نظر إلى شهد وتابع: إيه اللي حصل عشان تقولي كده؟؟
اردفت شهد: كل أما اعدي من ادام اوضتها الاقيها بتزن في التليفون ياما صوت الآب شغال على مسلسل، فين بقى المذاكرة دي؟؟؟
ردت هنا مقاطعة دون قصد والدها الذي كان سيتحدث: أنا ؟؟ والله ابدًا، انا بكلم اروى تشرحلي لو في حاجه مش فهماها ،و الآب بجيب من عليه دروس مش فهمتها كويس من المدرسين.

اغتاظ شعبان من فعلها ولكنه لم يقل شيئًا....
تدخل وليد: سبيها يا ماما انا فاضي بليل هقعد معاها كده وهعرف كل حاجة بتذاكر إيه و عارفه ايه وكده، مانا كمان كنت ادبي. ثم نظر إلى هنا وهمس: تمام؟؟
صمتت قليلًا ثم ردت: تمام.

قام شعبان من مكانه وهتف: هقوم اغسل ايدي شبعت...
ثم اعتدل موجهًا كلامه لوليد: انت رايح الجامعة انهارده ؟؟
_ لا يا بابا مفيش محاضرات انهاردة بردو
_ خلاص معلش انزل المحل انت بردو ولا عندك مذاكرة؟؟؟
_ لا يا حبيبي ولا يهمك هاخد كتبي وهذاكر هناك.
_ ماشي يا حبيبي الله ربنا يبارك فيك يا بني ديما
_ امين يا بابا ويخليك لينا.

ذهب شعبان، بينما هنا نظرت إلى أمها وهتفت وهي تلومها: بتحبي ديما كده توقعي بيني وبين بابا مش عارفه ليه؟؟؟
نظرت إليها شهد في عدم تصديق هاتفة: شوف البت؟؟ هو انا درتك يختي؟؟؟ اي أوقع بينك وبين ابوكي دي؟؟
اكتفت هنا بقول ذلك ثم قامت هي الأخرى هاتفة: انا رايحه في داهيه الدرس... وذهبت
نظر وليد إلى أمه وهتف: ماما معلش براحه شويه علىها.. يعني...
_ لا أنا معنديش براحة في التربية والنظام ومفيش براحه على البنات وإلا هتلاقي العار جيه لحد بتنا لازم تعرف أن ليها كبير ممكن يقطع رقبتها انا لا عوزاها تتعلم ولا تتنيل كفاية ثانويه بقى وتقعد تستنى عدلها..

رمت ذلك الكلام كالقنبلة في وجه وليد ورحلت.. وتوقفت أمام غرفتها واستدارت هاتفة: اه صح يا وليد متنساش أن انهارده الخميس يوم اجتماع ابوك بالناس ابقى اقفل المحل بدري عشان تقعد معاهم.
ودخلت الغرفة.
               *****
عمر يسير بجانب كلية الإعلام تجاه اليمين تارة وتجاه اليسار تارة أخرى في توتر وانتظار... ينظر من آن إلى اخر إلى ساعة يده... زفر في ضيق هاتفًا: ردي بقا.. ردي بقا يا شيخة حرام عليكي انا تعبت... بنات تحرق الدم
ولم يستسلم وأخذ يحاول أن يحدثها مجددًا ولكن كالعادة لا رد...
صاح في غضب: مش بتيجي الجامعة ولا بتردي على تليفونات، ولا على مسدجات.. فاكرة نفسك هتهربي مني؟؟؟
ثم أخذ يسير كما هو والأمر يزداد تعقيدًا كلما شعر باهمالها له، ثم توقف فجأة كأن شيئًا ما قد خطر على باله الآن: بس... بسيطة اجيلك البيت أما اشوف هتهربي مني ازاي؟؟!
               ****
يقف وليد مع الصبية العاملين في محل والده وسط الشارع حتى يتأكد بنفسه من استلام البضائع التي قد وصلت للتو وها هي في العربة الآن.
في يده الدفتر والقلم يؤيد ويدون كل شيء ويقوم بحساب الاسعار..
وبينما هو منهمك في عمله، يأتي صوت ناعم خلفه يهتف في رقة: صباح الخير يا شيخ وليد..
التفت ناحية الصوت ليجدها هي التي أنقذها ليلة أمس، وبعدما تعرف عليها، لأنه بالفعل لم يستطع أن ينسى ملامحها التي كانت تتشبث به أثناء الحادث.. سحب عيناه إلى الأرض وهتف: صباح النور يا اخت شاهستا عاملة اي يا ترى انهارده كله على ما يرام ؟؟
_ اه الحمدلله، فاضي شويه نتكلم؟؟

اختفت ملامحه فى خجل ورد بعدما ابتلع ريقه: نتكلم ؟؟؟.. نتكلم في ايه ؟؟
_ البلوزة اللي اشترتها امبارح طلعت ضيقة شوية وكنت عاوزة ابدلها، كمان عندي اسئلة فقهية إلى حد ما كنت هسألك فيها، إذا مش عندك مانع..

شعر بالأحراج ولم يعرف ماذا عليه أن يقول بالضبط ولكنه وجد لسانه ينطلق وحده دون أن يعبر ذلك الكلام على عقله: اللي تشوفيه طبعًا، اتفضلي ادخلي المكان مكانك..

وقبل أن تخطو إلى الداخل كما قال لها، اعترض طريقها هاتفًا : استني نسيت انا اللي همشي الاول وأنتِ تعالي ورايا...

ابتسمت هي وهتفت: اوكيه
دخل وليد وهي تعقبه...
وهناك على أحد الجوانب تقف عيون قد رأت كل ما حدث...

بس كده متنساش تقول رايك وتوقعاتك واتفاعل اذا عجبك البارت عشان اسرع في اللي بعده لان ده تشجيع ليا بجد، وانا فعلا بتعب في البارت

دمتم بخير
سلمى خالد أحمد#











الجعة يشوبها الأخلاق Where stories live. Discover now