الثامن والثلاثون

3.3K 163 22
                                    

ازيكم عاملين ايه
جاهزين؟!
يلا نبدأ


_ وليد، أنا كنت عايزة اقولك إن خطوبتي بعد العيد، وكان بس كل هدفي اعزمك عليها

قالتها في هدوء وابتسامة

_ ألف مبروك يا منة، ربنا يتمم على خير وعقبال الفرح والله أحلى خبر سمعته النهاردة.. هو رمضان جاي بالبشاير الحمدلله بركة أيامه
قالها في ابتسامة عريضة

_ الله يبارك فيك.. عن اذنك معطلكش بقى.
قالتها وذهبت..
ابتسم واردف بينه وبين نفسه:
_ الحمدلله بلوة وانزاحت من على قلبي..
                ******
_ أهلا أهلا أهلا، ممثلتنا الجميلة وصلت وأخيرا افتكرت إن ليها أهل..

هتفت ريناد، وهي تقوم من مكانها وتتجه نحو الباب الرئيسي للڤيلا حيث دخول ابنتها شاهستا والتي وصلت للتو.. تخطو شاهستا خطوات سريعة نحو الداخل، وكذلك أمها حتى تقابلتا في نقطة تقع منتصف بهو الڤيلا
_ إيه القرف اللي انتي حطاه على راسك ده؟!
هتفت ريناد وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها
_ طرحة، مفيش قرف ولا حاجه يا مامي، إيه مالك، أول مرة تشوفي طرحة؟!

_ ويا ترى المسلسل البايخ ده خلص ولا قدامه كتير؟؟
_ مامي.. مفيش مسلسل ولا حاجه، أو نقدر نقول إن المسلسل قلب جد، والبطلة حبت البطل واتجوزا..
_ نعم؟! بتقولي إيه يا روح مامي؟!
تحدثت في صوت عالي
_ مامي، أنا جايه النهاردة علشان أقولك إن كل حاجة اتغيرت وأنا خلاص تقبلت وليد واتجوزته وعايزاه واخترته

_ أنا هعتبر نفسي مسمعتش حاجة، أنا كده كده بتكلم مع عيلة مراهقة مجنونة صاحبة قرارات سريعة علشان كده مش هاخد على كلامك يا قلب مامي

_ صدقيني يا مامي، المراهقة دي نضجت خلاص، وقررت تفوق من القرف اللي كانت عايشة فيه
_ قرف؟؟ عايزة تقوليلي إن عيشتك هنا معانا في الڤيلا دي كانت قرف، وعيشتك مع الجربوع الفلاح في المكان القذر اللي عايش فيه ده هي اللي حلوة؟!
هتفت بنبرة صوت حادة

_ لا يا مامي مش قصدي المكان إطلاقا، أنا قصدي الأشخاص، أنا عايشة مع شخص علمني ازاي أكون إنسانة، علمني يعني إيه حنان يعني إيه احترام يعني إيه معاملة وصى بيها ربنا.. مامي إحنا كنا واخدين فكرة وحشة عن رجال الدين، أو المتدينين بصفة عامة، بس فهمت وأدركت إن التعميم في حد ذاته على أي حاجة جهل.. وليد غير تماما، وليد استنى على حقه الشرعي وعلى دخلته عليا أيام ومكنش فارق معاه غير إن نفسيتي تبقى كويسة، وليد قالي كلام حلو وليد عاملني حلو... وليد بيثق فيا، فيا أنا أكتر من أي حد، وليد بيفهمني من قبل ما اتكلم، بيحلل مشاعري وأحاسيسي وبيقدرهم

_ والله؟! دلوقتي مبقاش فيه غير سي وليد بتاعك ده اللي بيفهمك ويقدرك ولاب لاب لاب؟!
صاحت.. وتابعت:
_ اومال عمر كان بيعمل إيه؟! اومال خطتي علشان ترجعي لعمر ليه؟!!
_ علشان كنت متخلفة، كنت مراهقة فعلا على كلامك يا مامي، والله متخلفة، أصل تخيلي واحدة بتجري ورى واحد جرح مشاعرها واحساسها ورماها ورى ضهره وملفش يبص تاني عليها وسابها سنين مقهورة ومكسورة كل يوم وكل دقيقة وكل ساعة تسأل نفسها عملت إيه علشان اتساب؟! عملت إيه علشان يحرجني كده؟! ومع ذلك دورت عليه وحبيت انتقم منه واغيظه علشان يلتفت ليا تاني ويرجعلي علشان ماكنتش قادرة أكمل من غيره، قلت يمكن أما اتخطب لغيره ينتبه ليا تاني، قلت لازم اجيب حقي من منة اللي أنا متأكدة أنها السبب في كسرة قلبي وروحي و...

لم تستطع أن تواصل الكلام وذلك بعدما خانتها دموعها وتراصت على خديها مقاطعة حديثها.. دقيقة وازالت دموعها وواصلت حديثها بنبرة صوت قوية متماسكة واثقة:
_ اعملي مقارنة سريعة كده يا مامي بين عمر ووليد واعرفي الفرق...
عمر اللي سابني ورماني علشان جبان ومفكرش غير في الفلوس، عمر اللي كان بيستغل حبي ليه وكل شوية يقولي هسيبك، عمر اللي كان ممكن يزعقلي وسط الناس أو يعاقبني وميردش عليا بالأيام ويسيب ماسدجاتي متعلقة؟!!
ولا وليد.. وليد اللي متخلاش عني رغم الماضي بتاعي، وليد اللي وقف قصاد منة وعمايلها وقالي اوعي تخافي، وليد اللي حط أسرته في خطر لأجل يبقى معايا ويحميني من شرهم، وليد اللي ولا مرة شك فيا وفي أخلاقي رغم اللي كان عمر بيقوله وكان بيصدقني ببساطة ومن غير مقاوحة، وليد اللي وقف قصاد عيلته علشاني، وليد اللي كان بيحترمني وبيعاملني كانسانة وليد اللي عمره ما طنشني ولا علق ليا رسالة وليد اللي انتشلني من العك اللي كنت عايشة فيه وقالي معايا يلا لطريق الجنة.. وليد كان ولا زال راجل معايا بكل ما تحمله الكلمة من معنى...
مقارنة فاشلة أصلا، وليد مينفعش يتقارن بحد، بحمد ربنا إنه وقع وليد في طريقي حتى ولو صدفة علشان يتغير تفكيري ونظرتي للحياة وانضج وافهم إنه الإنسان من حقه يتعامل كإنسان الإنسان لازم يحس بالأمان والحب والاستقرار والاحترام.. كنت فكرة إن علاقتي مع عمر طبيعية وإنه عادي اللي كان بيعمله معايا، عادي أما يطنشني عادي أما يقلل مني عادي أما يزعقلي، كله يقولي احمدي ربنا عليه ده بيحبك وكنت مبسوطة أوي، لحد أما جيه وليد وصدمني بتعامله ولطفه وفهمني إن لا مش عادي أقبل الإهانة لا مش عادي أقبل أي شخص لمجرد إني بحبه أو لمجرد إنه قالي بحبك، أو لاني نفسي أعيش جو الإرتباط والحب وخلاص على حساب كرامتي ومشاعري، وليد فعلا خلاني أشوف العالم من زاوية تانية واني أدرك إن الأفضل ديما موجود وماينفعش أقبل بقليلي ولا بأي حاجة لأني مش قليلة... أما كنت بعيط عمره ما قالي اكبري بقى وبطلي عياط، لا كان بيمسح دموعي وياخدني في حضنه ويقولي أنا موجود أنا جمبك اوعي تخافي واوعي تعيطي..
بذمتك يا مامي بعد كل اللي قولته عنه ده، مش لو سبته أبقى معتوهة واستاهل اللي يجرالي؟!

أطلقت زفيرًا طويلًا وهتفت:
_ شاهستا أنا سبتك تتكلمي علشان تطلعي اللي جواكي مش اكتر ولكن إنك تفضلي مع وليد ده أمر مستحيل

صاحت في غضب:
_ ليه ليه؟؟؟
_ علشان هو مش مناسب لوضعنا الاجتماعي ولا لشكلنا بين الناس
_ يتحرق وضعنا الاجتماعي على شكلنا اللي بين الناس، أنا أهم حاجة عندي سعادتي وبس

_ بنت، اعملي كنترول على كلامك وركزي إنك بتكلمي مامتك
_ ده اللي عندي يا مامي، جيت بس علشان اعرفكم إن مفيش قوة هتقدر تاخد وليد مني، لأني هدمر أي حد وأي شيء هيقف قصاد سعادتي تاني

أشارت ريناد إلى نفسها واردفت:
_ بتهدديني يا شاهستا؟! بتهددي أمك؟!
_ لا، مقدرش إنتي أمي، ولكن زي ما أنا فاكرة كويس إنك أمي، لازم انتي كمان تفتكري اني بنتك، وكأي أم بتحب بنتها أو ولادها بصفة عامة لازم تشوف إيه بيفرحهم وتعمله مش تبقى سبب في تعاستهم!!

_ شاهستا، وجودك مع وليد غلط كبير
_ انا شيفاه صح
_ انا أمك أنا أفهم عنك، بلاش ترجعي لعمر أدام مزعلك، ولكن وليد بردو لا، يلا اطلقي وخلينا نخلص بقولك
_ لا مش هطلق ده جوزي وقريب هشيل ابنه في بطني..
_ إيه؟! هتعملي إيه؟! لا انتي شكلك اتجننتي خالص وعقلك فوت وبقيتي تخرفي..

قالتها واقتربت منها أكثر جاذبة إياها من ذراعها وتابعت وهي تنظر إلى عينيها في حدة وجدية:
_ انتي خلتيه يلمسك؟! خليتي جوزاك منه حقيقي؟؟؟

تنظر إليها شاهستا في تحدي وهزت رأسها بالإيجاب، ثم تحدثت:
_ اه.. عملت كده

صفعتها أمها على وجهها وتزامن مع ذلك صراخها:
_ وكمان ليكي عين تقوليها في وشي؟؟!

وضعت يدها مكان ما صفعتها والدتها وردت في عدم تصديق:
_ بتضربيني يا ماما؟! ده إنتي عمرك ما مديتي ايدك عليا!! بتضربيني علشان سمحت لجوزي يقرب لي؟! بتضربيني علشان عايزة أعمل لنفسي كرامة واعيش مع إنسان بيقدرني؟! هو ده الغلط اللي ارتكبته من وجهة نظرك؟!!

_ وهكسر راسك كمان لو فكرتي بس تكملي في طريقك ده.. سمعة ومكانة العيلة دي أنا وباباكي فضلنا سنين نبنيها علشان نجوزكم في الآخر لرجال أعمال ولا لناس عليها القيمة، يرفعوا من قدْرنا ونرفع من قدْرهم مش فلاح من حي الجمالية!! لازم علي يجي ويشوف اخرة تربيته ودلعه ليكي، علشان أنا قولتله لا من الأول بس هو اللي أصر إنه يمشّي كلام عيلة زيك مراهقة.

اقتربت منها شاهستا، واضعة وجهها في وجه والدتها وهتفت بشيء من التحدي:
_ لو عايزة تخسريني للأبد قولي لوليد أي حاجة عن الماضي بتاعي.. اوقفي قصاد سعادتي، خليكي في صف منة وعمر، وساعتها بس اوعدك انك مش هتشوفي وشي تاني، أوعدك إنك هترتاحي انتي والجميع من شاهستا للأبد.. قبل ما وليد يتجوز غيري أو يحاول يطلقني علشان السبب ده هكون انتحرت وخلصت وارتاحت

قالتها وذهبت مغاضبة.. ليتبعها صراخ والدتها:
_ شاهستا، انتي ماينفعش تهدديني تهديد زي ده، ما ينفعش تبقي عايزة تسبينا بالبساطة دي، شاهستا اصبري بقولك..

لا فائدة، لأنها لم تتوقف ولم تهدأ خطواتها لحظة واحدة، وفتحت الباب على مصراعيه حتى تخرج، وما إن فتحته حتى وجدت فايز يقف أمام وجهها، تراجعت للخلف في خضة وهتفت في صوت عالي:
_ خضتني..
_ انا آسف بس أنا جيت ارن الجرس لقيتك في وشي.. حضرتك مدام شاهستا؟!
_ أيوة.. ليه، مين حضرتك؟!
_ ممكن آخد من وقتك شوية؟! متقلقيش مش هعطلك
_ مين حضرتك؟!
_ فايز العاصي، المعالج النفسي لمنة مصطفى...
             *******
_ دي عاملة مهببة تعملها يا طارق؟! ده وليد يا أخي ده وليد..
هتف أسر بنبرة صوت تحمل في طياتها اللوم والعتاب موجهًا حديثه لطارق في المدرج قبل بدء المحاضرة
_ ما خلاص بقى يا أسر هو أنا جايلك علشان تقعد تلومني؟! أنا عايز حل علشان وليد يرجع يصالحني تاني ويسامحني ويديني فرصة تانية

_ الفكرة إن وليد على أد ماهو متصالح ومتسامح على أد ما هو صعب يسامح في حقه، فهمت حاجة؟؟
_ لا ايه اللغز ده؟!
_ يعني انت خونته دي خيانة مش دوست على صباع رجله الصغير مثلا!!
_ يا أسر والله العظيم ما بكيفي منة دي هددتني إنها هتبعد عني آية اكتر ماهي كانت بعيدة أصلا وهي بت واصلة وأنا مش ادها يا عم
_ يعني مش علشان الفلوس؟!
_ الفلوس كانت جزء من موافقتي ولكن مش كل، أنا فعلا وافقت خوف اكتر من أي شيء تاني وندمت والله يا أخي ندمان ومستعد أعمل أي حاجة يطلبها بس وليد..
_ طب اسكت وليد جاي علينا اهو

اقترب جهتهما وليد وألقى السلام وذهب بعيدًا عنهما وجلس وحده وأخرج سماعة الأذن ووضعها في هاتفه وأذنه وأخذ يستمتع إلى القرآن الكريم، يراجع الجزء الذي سيتلوه اليوم في الصلاة بالناس

عقد أسر حاجبيه في استغراب وهتف:
_ ايه ده هو قلب عليا أنا كمان ولا إيه؟!
_ اكيد لا هو انت عملتله إيه؟!
_ طب ثواني يا طارق هقوم أشوفه

قالها أسر واتجه نحو وليد وجلس جهته وتحدث:
_ إيه الصمت ده يا وليد؟! انت جيت قعدت لوحدك ليه؟! ما تيجي تقعد معانا

أوقف وليد صوت القارئ وانتبه إلى صديقه ورد:
_ معاكم؟! لا، انا مليش قعود معاكم.. انا هقعد معاك انت بس وأما تبقى لوحدك تعالى أقعد جمبي
_ انت زعلان من طارق ولا إيه؟!
_ على أساس هو مقالكش؟!

تنحنح أسر ورد:
_ صراحة قال.. بس خلاص بقى يا وليد قلبك ابيض يا عم، هو غلط وندمان ورمضان كريم بقى يا ويل

_ لا أنا قلبي اسود مش ابيض
_ اوبا.. لا لا متقولش كده انت زعلان بس
_ زعلان بس؟! انا مقهور يا أسر مقهور أكتر حاجة صدمتني إني بتعامل مع الناس بحسن نية وطيبة وهما مش سالكين حتى لنفسهم

_ وليد...
قالها طارق مطأطأ الرأس خجولًا من صديقه
_ أبعد عني أنا مش عايز اتكلم معاك ولا حتى قادر اسمع صوتك

_ يا وليد لازم نتصافى، لازم نتكلم مش هتفضل تهرب مني كده كتير
_ سمعت يا طارق ولا أقوم واسيب المحاضرة كلها؟!!
رد في نبرة صوت حادة

_ لالا مفيش داعي أنا همشي وهسيبك على راحتك..
قالها ونظر إليه آسفًا وذهب نحو مكانه الأول مرة أخرى..
               *****
لقد تجهزت ولم ينقصها أي شيء سوى مجيئه، كانت تضيء عشرة من الشموع وتضعها حول الطاولة وقد هيئت جو رومانسي هادئ حتى تستقبله، ولم تنس شكلها، فقد اهتمت اليوم بشكلها أكثر من أي شيء آخر، ارتدت فستان قصير للغاية يبدو جذاب وفاتن، وقد نظمت تسريحة شعرها، وكل شيء أصبح على ما يرام.. دقائق وسمعت صوت طرقات الباب، ابتسمت وذهبت لتفتح، أمسكت بمقبض الباب، وقبل أن تفتح تذكرت أنها داخل إحدى غرف الفنادق والتي استأجرتها حتى يظلا وحدهما، لذلك هتفت:
_ مين؟!
_ أنا أمير يا جومانة، افتحي
_ حاضر.. ثواني

قالتها وفتحت، دخل وهو ينظر إليها وأطلق صفيرًا عاليًا في ابتسامة عريضة واردف:
_ إيه الحلويات دي كلها؟!
_ اومال انت فاكر إيه، البنات بس اللي في الموقع هما اللي بيهتموا بنفسهم؟!

ابتسم وهو ينظر إليها في اشتياق وتحدث:
_ لا بصراحة انتي احلى منهم كلهم... مش يلا بينا بقى؟
_ إيه يا أمير هو انت علطول مستعجل كده؟! حاسة إنك بتيجي زي المطالب يلا بينا علشان تلحق تجري
_ خالص يا قلبي صدقيني، بس قوليلي ازاي أقدر أقاوم جمالك ده كله؟!
_ طب أدخل بس الأول، انا محضرالك مفاجأة تحفة
_ مفاجأة إيه؟!

قالها وهو يسير جوارها متجه نحو الداخل، وما إن دخل، حتى وجد ما نظمته، ابتسم واردف:
_ يا سلام على الإحساس والرومانسية يا ناس، شموع وورود إيه كل ده!! لا يا روحي احييكي مجهود رائع وواضح عليه التعب
_ عجبك؟!
_ اوي بجد تسلم ايدك يا قلبي، يلا بقى
_ اصبر يا أمير اصبر

ضم ملامح وجهه في ملل وضيق ورد:
_ حاضر اهو صبرت
_ مش عايز تعرف المفاجأة اللي محضرهالك؟!
_ هو لسه فيه مفاجأة تانية غير دول؟! إيه الدلع ده كله، چوچو مروقة عليا خالص النهاردة
_ طبعا، مفاجآت چوچو مش بتخلص انت عارف
_ طب يلا يا مزة، قولي المفاجأة

ابتسمت ابتسامة عريضة ووضعت يدها على بطنها وتحدثت:
_ أنا حامل..

اختفت معالم الابتسامة تمامًا من على شفتيه ورد في عدم تصديق:
_ نعم؟! بتقولي إيه؟!

تبدلت فرحتها وسعادتها إلى خوف وتوتر، واختفت ابتسامتها وردت:
_ هو إيه اللي إيه يا أمير؟! إيه رد الفعل اللي يكسر النفس ده؟! بقولك حامل تقوم ترد عليا كده؟!
_ حامل إيه وزفت إيه؟! انتي إزاي تعملي عاملة مهببة زي دي!! مش بقولك صغيرة ومحتاجة تكبري!!
تحدث في صوت عالي

لم تصدق ما تسمعه، تكد تهيئ لنفسها أن كل ذلك مجرد كابوس مزعج ومن هول الصدمة لم ترد، وتلعثمت الأحرف بين شفتيها، تابع هو في نفس الحدة:
_ أنا مليش أي علاقة بالطفل ده أنا بقولك اهو
_ إيه؟ يعني إيه؟!
تحدث في صوت خفيض ومضطرب
_ يعني زي ما سمعتي، الهبل ده غلطتك لوحدك اتحملي نتيجتها لوحدك بردو
_ انت بتقول ايه انت؟!
صرخت لما فاض بها وتابعت صريخ:
_ انت بتنكر طفلك؟! انت فاكر إنه مش ابنك وأنا بكدب عليك ولا إيه الهبل ده؟!
_ لا مش بقول إنه ابن غيري، هو ابني عادي وأنا مش عايزه، أنا ماتفقتش معاكي على عيال، انتي اتجننتي!! أنا لسه شاب في مقتبل عمري، عايزة تشيليني الهم بدري وتجبيلي عيال وأبقى مسؤول وكده؟! أنا مفيش واحدة من اللي كنت معاها استجرأت تعمل عملتك دي..

صرخت في غيظ كبير وأخذت تضربه على صدره وتزامن مع ضربها لها، صراخها:
_ انت اهبل ولا إيه اهبل، انت بتشبهني بالبنات السافلة الرخيصة! أنا مش زيهم، فوق يا أمير فوق أنا مراتك مراتك مراتك

_ اوعي ايدك كده بس وبطلي ضرب فيا
قالها وهو يبعد يداها عنه وتابع:
_ حتى لو مراتي، الخلفة المفروض تكون بالاتفاق بينا، عايزين بيبي دلوقتي ولا لا، انتي ماسألتنيش، وعملتي ناصحة وعايزة تحطيني في الأمر الواقع، وفي الحقيقة أنا استاذ ورئيس قسم وأقدر احط الأمر الواقع نفسه قدامي مش هو اللي يحطني فيه..
_ والله ما حصل، أنا كنت باخد موانع، أنا كان كل هدفي إنك تعترف بجوازي منك الأول، يا ترى هروح أعمل عاملة زي دي بمزاجي قبل ما أكون مراتك علني الأول؟!
_ والله؟! اومال الطفل ده جيه ازاي؟! إحنا بنصور فيلم هندي ولا إيه؟!
_ معرفش، ربنا قدر ده قدر إيه هتعترض على قضاء ربنا؟!

_ لا بقولك إيه أنا مش معترف بالكلام ده، مفيش حاجه اسمها كده، في حاجة اسمها عقل وأسباب مش كل أخطأنا وهبلنا نعلقهم على شماعة القضاء والقدر، انتي واحدة عاقلة وواعية وفاهمة إنك مع راجل وممكن يحصل هبل زي اللي حصل ده، يبقى احتياطاتك كلها تتاخد يا مزة، شغل قدّر ولطف ده مش عليا!! نتيجة اهمالك اتحمليها لوحدك اوعي تلومي القدر على غبائك

_ انت بتقول ايه أنا حقيقي مصدومة مش قادرة اصدق إني ماكنتش قادرة اشوفك كده في الأول.. أمير أنا حبيتك بجد، انت ليه بتعمل معايا كده!!

هتفت بقليل من الندم، والدموع

_ بقولك إيه، هو جاري تشغيل وضع يتم احتساء ندم ولا إيه؟! الموضوع مش صعب، روحي نزلي البيبي ده وبس كده

وضعت يدها على بطنها في خوف وردت:
_ أنزله إزاي يعني؟!
_ هو انتي مشغلة وضع عدم الاستيعاب ليه؟! هتنزليه من جوجل بلاي يعني؟! أكيد في مستشفى يعني

هزت رأسها رافضة ثم تحدثت:
_ لا لا مستحيل ده، أنا بخاف من العمليات، انا بترعب البنج، أنا مقدرش أعمل عملية زي دي، حرام عليك شابة في مقتبل عمرها تعمل عملية خطيرة زي دي؟! انت إيه، اتنزعت من قلبك الرحمة!!

أطلق زفيرًا طويلًا وهتف:
_ يا جومانة، العملية دي بقت سهلة جدا دلوقتي وكتير زيك بيقعوا في نفس العبط ده وبيعملوها فامتخافيش العملية بسيطة وأحنا هنروح لأحسن مستشفى ودكتور متخصص وأنا هكون معاكي بنفسي، والموضوع كله مش هياخد نص ساعة أصلا..
_ لا.. انت ابو الطفل ده، وانت اللي المفروض تتحمل النتيجة معايا مش هغامر بحياتي لوحدي
_ مانا مش هعترف بيه يا جومانة
_ الDNA هيثبت إنه طفلك وهيتنسب ليك غصبن عنك
_ ماشي وأنا موافق..

قالها وتمهل قليلًا وأخذ يطوف حولها في هدوء وواصل حديثه:
_روحي قولي إنك اتجوزتي في السر وحملتي من شخص لا معترف بيكي ولا بابنك، أما نشوف مين من أهلك هيقف معاكي؟! يا ترى ابوكي، اللي خدعتيه وقولتيله إنك عند خالتك بايته هناك؟! ولا أمك اللي فهمتيها إنك مسافرة تقضي إجازة الترم مع صحابك؟! ولا أقولك ألجئي لعمك المتخلف، محرم ده باين اللي كان هيقتلك مرة علشان بس شافني نايم في حضنك، ولا سيبك من كل دول روحي لابن عمك الشيخ وليد جوز اختي وقوليله الحقني يا شيخ خليه يكفرك وانتي واقفة ويلقي عليكي الحد..

توقف عن الطوفان حولها وتابع وهو ينظر إليها وهي تبكي بشدة على الحال الذي وصلت نفسها إليه:
_ يلا أنا مستعد للقضايا..

هزت رأسها رافضة لكل ذلك الذي يحدث، لا تصدق ما فعله بها.. تابع:
_ كنت عارف إنك مش هتقدري تعملي كده، أنا مش قصدي حاجة أنا كنت بفكرك، علشان لقيت الجنون راكبك بس، فقلت أنزله..
_ انت ليه مش راضي تعترف بطفلي، ليه بجد؟!
_ علشان أنا مش مستعد لأي اطفال دلوقتي، أنا بالنسبالي الاطفال مسؤولية ومسؤولية كبيرة كمان، وأنا عارف إني شاب مستهتر لسه وعايز يعيش دنيته بالطول و بالعرض، مش عايز أنا اطفال وأسرة ووجع دماغ، وانتي كان لازم تستشريني وكان لازم تاخدي بالك أكتر، بس ما علينا مش هنبص لورا، يلا خدي القرار وخلينا ننزل الطفل ده، وواحدة واحدة عليا، أنا لسه هعترف بيكي ولسه هشوف نفسي إنسان متزوج فاهدي كده عليا وخلي الأطفال دي بعدين

_ تعترف بيا؟! انت.. انت لسه فاكر إننا ممكن نكمل؟!
_ آه وماله يا قلبي، ده غلط هنصلحه ونرجع عادي ولا كأن شيئًا ما حدث..

نظرت إليه وصمتت...
              ******
_ السلام عليكم يا حاج
قالتها عاليا وهي تدخل أحد المحلات
_ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا بنتي، تحبي اجبلك إيه؟!
_ اوزنلي تلاته كليو رز و أربعة كيلو مكرونة قلم
_ من عنيا
_ تسلم يا حاج..

تمهلت دقيقة وتابعت حديثها:
_ إلا قولي يا حاج
_ قولي
_ هو انتوا ساكن هنا في الشارع ده حد معاكم اسمه رأفت المنوفي؟!
_ أعوذ بالله، ليه السيرة اللي تخلي الواحد يفطر وهو صايم دي!!

جحظت عيناها وردت في عدم تصديق:
_ هو للدرجادي سمعته وحشة؟
_ يا بنتي ده بلطجي وحشاش وفي ناس قالت إنه بيتاجر في اللي اللهم احفظنا من هلاكه المخدرات

ضربت بيدها صدرها وتزامن مع ذلك هتافها:
_ يالهوي!! للدرجادي؟!
_ أيوة يا بنتي، غيري السيرة بقى رمضان كريم

قالها وناولها الطلبات، أعطته المال وأخذت مشترياتها وخرجت من المحل في بطء وصدمة وحدثت نفسها متألمة:
_ ياه يا عاليا للدرجادي أمك عايزة تخلص منك؟! حتى لو هتجوزك مجرم زي ده!!
               ******
_ أنا آسف إني معطلك
هتف فايز وهو يجلس على الأريكة في غرفة استقبال الضيوف في ڤيلا شاهستا

_ لا ولا يهمك لسه معايا وقت بس مش كتير لأني لازم أرجع قبل الفطار
_ مش هاخد من وقتك كتير، جاوبي علطول على أسئلتي وأنا هكون شاكر جدا ليكي
_ أسئلة إيه؟!
_ بخصوص منة علشان اقدر اعالجها، انتي طبعا كنتي صاحبتها الانتيم وسبب كبير للي هي فيه وأكيد ع...

قاطعته وتابعت بدلًا منه:
_ أكيد إيه وسبب إيه!! انت حافظ زيهم وخلاص؟!
_ طب فهميني انتي، أنا هنا علشان اسمعك
_صدقني أنا نفسي معرفش هي منة بتتعامل معايا كده ليه، ولا أعرف ازاي علاقتنا وصلت للمرحلة دي.. احنا كنا أكتر من أخوات.. ويعز عليا أقول كنا..

_ انتي كنتي سبب في إن رامي يبعد عن منة؟!
_ والله العظيم أبدا، أنا فعلا مليش أي علاقة بقذراة رامي، هو اللي كان بيعمل حركات غريبة وبيقول كلام اغرب، كان بيتحرش بيا بلسانه ومرة اتجرأ ومد أيده بس أنا ضربته على وشه بالقلم وروحت قولتلها وهو كدبني، وديما كان بيحاول يوقع بيني وبينها وكان بيلعب على الطرفين، منة كانت فكراه بيحبها وهو كان بيخونها مع طوب الأرض، كان هيموت ويرتبط بيا، ولما كنت بقولها الكلام ده كانت بتقولي هو كله دايب في دباديبك انتي ولا إيه! ولما أخيرا صدقتني مرة راح عمل حادثة وغار مات، ومن وقتها وأنا فقدت معاه منة صاحبتي، اتحولت عليا وبقت تكرهني وبعدت عني وكانت شيفاني مصدر تعاستها ولقتها بتتعالج نفسيا وحاجات غربية مش فاهمه حصلت امتى، حاولت كتير ابرر بس والدها كان بيطردني، ومش بس كده، راحت واخدة مني عمر وهي عارفة أنا قد إيه بحبه بجد

كان صامتًا يسمعها ويدون ما تقوله في أوراقه ورد موقفًا إياها:
_ مدام شاهستا، نقلًا عن كلام عمر المرشدي، إنك كنتي ديما بتقارني نفسك بمنة وغالبا بتشكري في نفسك قصادها علشان تبقي الأفضل والأجمل وكده، إيه رأيك في الكلام ده؟!
_ إطلاقا محصلش.. هي اللي كانت بتعمل كده، مرة مثلا لقيت تيشرت حلو اوي وكان بجد عاجبني موت، قولتلها إيه رأيك في التيشيرت ده عليا؟ ردت قالتلي" انتي مفشولة يا شاهستا والتيشرت ده عايز واحدة رفيعة كده وسيمباتيك زيي، وضحكت، فأنا ادايقت وقولتلها أنا مش مفشولة أنا متقسمة ولا علشان انتي فلات شايفة الطبيعي تخان وفشولة؟! زعلت أوي واتأثرت وقالت لي إني بتعمد ديما اجرحها، طب واللي انتي لسه قيلاه يا منة، كريم كراميل يعني ولا إيه؟! عايزة تطلع قلة ثقتها بنفسها عليا وانا مردش.. مش هنكر إني كنت بقول كلام من ده، ولكن والله في إطار ما استقبلت بيه فعلها، وهي ملهاش دعوة بردة فعلي، كل واحد مسؤول عن فعله بس..

_ الغيرة نشأت بينكم من امتى؟!
_ أنا عمري ما غيرت منها، أنا كان عندي ثقة في نفسي رهيبة ومازالت عندي..
_ تقصدي إن هي اللي كانت بتغير منك بس؟!

_ بالظبط، والموضوع ده ظهر من الابتدائية أما باقي الشلة كانت بتتنمر عليها، ونمى في مرحلة الاعدادية، ووصل لأعلى حاجة فيه من توتر وتدهور بينا في ثانوي لحد أما سبنا بعض خالص
_ إيه سبب ثقة شاهستا في نفسها؟! هل الجمال بس؟!

_ هو ليه عامل، ولكن مش كل حاجة طبعا، سبب ثقتي في نفسي اهلي وبالأخص بابي، كان ديما بيقولي إني مليش زي في الدنيا وإن مفيش بنوتة هتقدر تنافسني في أي حاجة، وكان ديما يقولي مفيش إنسان كامل إلا انتي يا شاهستا كاملة مكملة من رقة وجمال ودلع وشطارة الخ.. أنا فخور إنك بنوتي، الكلام ده أنا كنت بسمعه من وأنا عندي اربع سنين تقريبا، خلاص اتغذى بيه عقلي وخد عليه وبقيت اقول إني مليش زي زي ما بابي قالي.. حتى أما كنت اغلط في امتحان وأنا طفلة وارجع اعيط أقوله غلطت في سؤال واحد، كان يرد يقولي أنا متأكد إن الكل عمله غلط علشان انتي مفيش اشطر منك، ذاكري والمرة الجاية هتجيبه صح، وهما بردو مش هيبقوا زيك... كان يخليني أقف قصاد المراية ويقف ورايا ويقولي " بصي لنفسك هنا انتي بنت علي السيستاني، انتي شاهستا علي السيستاني واحدة بس".. مش عارفة اللي كان بيعمله صح ولا غلط، بس ده كان تأثيره عليا إني مش بسمح لأي حد يقلل مني أو يحاول يخليني نكتة القعده لأني كنت بأكله باسناني، وأما كنت اغلط، أعدل بسرعة وأقول أنا وبس اللي هقدر اعمله مفيش شاهستا تاني، وده خلاني اقدر أفكر واركز واحط خطط وانجح فيها لأن مفيش غيري لازم ينجح.. أما كبرت اكتر بقيت أحس إن المفهوم ده ممكن يولد كراهية وحاجات تانية وابتديت أقلل من تعاملي مع الناس على إنهم لو مفيش بينهم أنا مش هينجحوا
_ من كلامك أنا استنتج إنك ليكي تأثير وكبير على منة لأنك شايفة إن مفيش منك
_ لا، كنت بأذي اللي بيحاول يقرب مني بس أو يقلل مني، اما غير كده ماكنتش ابدًا ببدأ، يعني مثلا هي شاطرة في مادة معينة وانا كمان شاطرة خلاص، أما جت قالتلي على فكرة أنا اشطر منك.. لا هنا مش هسكت هقولها أنا اشطر وهقدم أدلة كمان، هي حلوة وأنا حلوة، هي جاية تقولي انا احلى منك، هي أو غيرها بقى، هقولها لا أنا احلى وهقدم أدلة قيس على كده كل حاجة.. طول ما الإنسان في حاله، أنا كمان في حالي، اللي بيحاول يقرب من حالي، بدشمله، وهو ده اللي اتعلمته من صغري..

_ مدام شاهستا، ممكن أعرف ايه علاقة منة بزوجك وليد شعبان؟!
نظرت إليه برهة وصمتت
تابع:
_ مدام!!
_ ولا أي حاجة بتحبه وبتجري وراه ومش هتلحقه أبدا، بس نفسها هيتقطع مش أكتر..
_ وانتي مش حابة إنها تتعالج علشان تبطل تجري ورا زوجك؟!
_ حابة وعلشان كده قبلت اتكلم معاك، أنا نِفسي تتعالج وتحل عني وعن حياتي وبيتي، ولو انت المعالج المختص بتاعها خاف عليها مني بجد، علشان وليد ده خط احمر ومش هسيبه ليها لو اتقطعت قدامي ميت حتة

_ حتى لو وليد نفسه قرر يبقى معاها مثلا؟!

نهضت في سرعة مصاحبة لضيق وغضب مما قاله وردت:
_ قصدك ايه يعني؟!
_ نهائي والله مليش قصد أنا بناقشك عادي
_ لا محدش هيقدر ياخد مني وليد، وليد ده بيموت فيا، سامعني بيموت فيا كده، وعمر قلبه ده ما هيحب غيري، انا واثقة في كلامي، علشان كده خلي مريضتك تبعد عنه، لو ناوية تخف وترجع لصحتها مرة تانية
قالتها ونظرت إلى ساعة يدها وتابعت:
_ للأسف لازم امشي المغرب قرب ووليد مش بيعرف يأكل من غيري أصلا وكده مش هيفطر النهاردة، يرضيك؟!

ابتسم ابتسامة بسيطة ورد وهو ينهض:
_ لا طبعا مايرضنيش، متشكر على إهدار وقتك معايا حتى لو لدقايق معدودة واتمنى إن يكون لينا محادثة تانية في القريب العاجل
_ أكيد..
_ يلا عن اذنك
_ اتفضل..
ذهب، تتبع أثره وتمتمت:
_ هي مسلطاك عليا ولا إيه!! ليلتكم سودا.. وليد ده محدش هيقدر ياخده مني، محدش..

قالتها وأخرجت هاتفها في سرعة وطلبته، لم يرد عليها في الأولى والثانية، مما جعلها ترتعب وتحاول مرات أخرى وظلت تطلب الرقم حتى استقبل المكالمة وهتف:
_ السلام عليكم، ايه يا قلبي خلصتي قعدتك؟!
_ إيه يا وليد انت مش بترد عليا ليه يعني ها؟! معاك إيه ولا مين معطلك عني؟! إيه ميخلكش ترد عليا كده؟!
صاحت..
_ اهدي يا قلبي، كنت بقدم البروجيكت بره وسايب الموبايل وأول ما دخلت والدكتور مشي رديت أهو

وضعت يدها على قلبها بعدما اطمئنت قليلًا وردت:
_ طب يا حبيبي أنا بس خفت عليك قلت جرالك حاجة، يا وليد متقلقنيش عليك بالله عليك بقى..
_ حاضر يا شاهستا أنا آسف مش قصدي والله يا حبيبي اهدي ومتكبريش الموضوع أنا تمام
_ طب بسرعة أرجوك على البيت
_ إيه؟!
هتف متعجبًا
_ أيوة المغرب قرب وانت المفروض تكون في البيت بقى، ولا انا موحشتكش؟! ولا انت عايز تفطر من غيري؟! انا زعلت منك
هتفت بنبرة صوت مضطربة
_ اهدي يا شاهستا اهدي، حاضر هروح أهو حالا، أنا لازم أفطر معاكي طبعا، اومال هفطر مع مين يعني؟! هاجي اخدك
_ لا لا مفيش داعي أنا جاية روح انت وغير هدومك وارتاح أنا عايزاك ترتاح خالص من المشوار وتنام ساعة كمان، علشان بعد الفطار فيه دلع بقى، دلوعتك ناوية تعملك ليلة النهاردة هتحلف بيها..

ابتسم ابتسامة عريضة وتحمس للغاية ورد:
_ بجد يا دلوعة؟!
_ أيوة يا قلب الدلوعة، هو أنا ليا غيرك ادلعه واريحه!!
_ بصي انا هطير على البيت حالا والله وهفضل مستني المغرب بس، انتي فين كده؟!
_ أنا في العربية يا حبيبي قربت أنا أصلا مقعدتش كتير سلمت عليهم وقولتلهم سلام وليد وحشني
_ قلب وليد.. كنت ناوي اجي اسلم عليهم و..
_ مرة تانية يا حبيبي بقى، يلا بقولك محضرالك مفاجأة، أهلي ولا المفاجأة؟!
_ ده سؤال يا شاهستا؟! المفاجأة طبعا...
               ********
_ انتي مين؟!
هتفت سيدة غريبة وذلك عندما فتحت باب منزلها، ووجدت عاليا الطارقة

_ أنا عاليا.. ممكن آخد من وقتك شوية وهفهمك أنا هنا ليه؟
_ مش عارفه يعني.. متعودتش أدخل حد غريب البيت وكده..
_ حقك.. بصي أنا عارفة إنك طليقة رأفت و...
_ أنا مش عايزة حد يجبلي سيرة البني آدم ده، إذا كان بني آدم أصلا مش شيطان
_ طب ارجوكي بس خليني اتكلم معاكي لمدة دقيقة
_ انتي تبعه صح؟! جاية تأذيني مش كده؟!
هتفت في خوف
_ لا لا، اهدي اهدي أنا بس شكلي هكون ضحية زيك، الراجل ده اتقدملي وأنا كنت بسأل عنه علشان اشوف أوافق ولا ولا وجيت أسألك بس عن أسباب الطلاق وعنه هو شخصيا مش أكتر
_ طب ووصلك الجواب؟! اعتقد وصل، انتي ممكن تعاشري الشيطان ولا تعاشريش رأفت، ودي النصيحة الأولى والأخيرة اللي ممكن اقدمهالك، أنا بتعالج نفسيا وجسديا من بعد الطلاق اللي نولته بعد مرار طافح..
_ للدرجادي؟! ليه كده! هو بيعمل ايه بالظبط؟!
_ مجرم مجرم مجرم، بشع ابعدي عني وماتجبليش سيرة الإنسان ده تاني

تجمدت عاليا مكانها، وتملكها الرعب والذعر..
              ******
فتح وليد باب شقته معتقدًا أن الطارق زوجته، ولكنه تفاجأ عندما فتح، بوجود والديه وأخته، تعجب بعض الشيء واردف مستفسرًا:
_ بابا، ماما، هنا!! إيه المفاجأة الجميلة والغريبة دي؟! خير؟ حصل حاجة ولا إيه؟؟

ردت شهد في ابتسامة عريضة:
_ مفيش يا حبيبي بس قولنا نيجي نفطر معاك انت ومراتك مرة في شقتك قبل ما رمضان يخلص..

ابتلع ريقه مندهشًا مما قالته أمه وذلك لأنه لا يوجد طعام في الشقة.. ورد في توتر وبنبرة صوت مضطربة:
_ اه طبعا.. بس.. أصل يعني...هو
_ إيه يا وليد مش عايزانا نفطر معاك ننزل؟!
رد والده
_ لا لا طبعا يا بابا مش قصدي يا حبيبي، بس شاهستا عملت زيارة النهاردة لأهلها وماعملتش أكل وكنا معتمدين على إننا هناكل عندكم

قالها في ابتسامة عريضة ساذجة
_ آه.. مش مهم يا حبيبي نجيب الاكل اللي أنا عملته تحت وناكل مع بعض هنا ومرة تانية ناكل من أيديها
_ أكيد.. اتفضلوا ماخدتش بالي أنكم لسه على الباب، آسف تأثير الصيام بس مع الدراسة كله عمل ميكس ودخل في بعضه

دخلوا جميعهم غرفة السفرة وجلسوا على الكراسي وذلك لأن موعد آذان المغرب قد اقترب للغاية، نظرت شهد إلى هنا واردفت:
_ انزلي اغرفي وحطي الأكل على الصينية الكبيرة وتعالي

_ يا ماما مش قادرة انزل تاني
ردت في ضيق
_ يلا يا بت، أومال أنا اللي هنزل؟! خلي عندك دم
_ يوه بقى
قالتها وهي تقوم من على كرسيها الخاص في ضجر، ليتبعها صوت وليد وهو يقول:
_ اجي أشيل معاكي؟!
_ لا، خليك انت أنا عايزة أتكلم معاك
ردت شهد
_ خير يا أمي؟!
_ قوم معايا، علشان منزعجش ابوك قاعد بيدعي
_ وأنا كمان عايز ادعي
_ قوم بقولك قوم
_ حاضر

نهضا كلًا منهما وخرجا إلى الصالة، وما إن خرجا، حتى وقفت شهد جهته موجهة حديثها إليه:
_ هو إحنا هنشوفلك عيل امتى؟!
_ يا ماما يا حبيبتي انتي مستعجلة على إيه؟! لسه بدري خلي بس شاهستا تتخرج الأول، علشان متتعبش في حمل ودراسة مع بعض حرام
_ هو إيه اللي ماتتعبش هي مراتك دي إيه بسكويت مسقي في شاي!! باللمس مراتك دي باللمس.. وبردو مش من حقها تاخد موانع وتحرمك من الخلفة
_ يا حبيبتي هي مش بتاخد موانع ولا حاجة
_ مين اللي قالك؟!
_ أنا عارف، صدقيني مش بتاخد حاجة، هو بس ربنا لسه مأذنش
_ ماشي يا خويا أما نشوف آخرة ثقتك فيها..
قالتها وتركته وذهبت عائدة إلى غرفة السفرة، وعاد هو الآخر، دقائق وقد جاءت هنا والطعام ووضعته على السفرة وأخذ الجميع يدعي قبل الافطار، وبينما هم منسجمون في الدعاء والتضرع، سمعوا صوت أنثوي ناعم ينادي في رقة و دلال:
_ ليدو.. ليدو.. انت فين يا بيبي؟!

تنحنح وليد وأخذ يفرك لحيته هاربًا من نظرات الجميع له وبالأخص والده، الذي سرعان ما توقف عن التضرع والدعاء ونظر إليه في اندهاش، فشل وليد في أن يهرب من نظراتهم إليه ومن ضحكات أخته لذلك تحدث في جدية:
_ شاهستا بتنادي على حد اسمه ليدو، اللي اسمه ليدو يرد يا جماعة، ماينفعش كده، مين ليدو ده؟!
ولم يسلم أيضًا من نظراتهم التي ازدادت بالاندهاش والتعجب مما قاله توًا.. دخلت تلك التي وضعته في ذلك الموقف، وتزامن مع دخولها، هتافها:
_ بقى انت هنا وسايبني ادور عليك بره و..
توقفت عن كلامها وذلك بعدما رأت أسرته ينظرون إليها، ابتسمت لهمم وتحدثت:
_ السلام عليكم يا جماعة، منورين والله البيت بيتكم

قالتها وجلست جوار زوجها وما إن جلست حتى اقتربت من أذنه هامسة:
_ في إيه يا وليد، هما مالهم؟!
_ مش عارف تنحوا ليه!! اخدوا وضع الصدمة، معاهم حق بردو انتي إيه الطريقة اللي اتكلمتي بيها دي؟!
_ وأنا أعرف منين يعني إن أهلك عندك؟! أنا بدلع جوزي براحتي ...
             ******
كانت تجلس في غرفتها بالأخص على سريرها تبكي حظها وغبائها مدركة أخيرًا حجم الكارثة التي وصلت لها والخطأ الذي ارتكبته في حق نفسها أولًا قبل الجميع، كانت تضع يدها على بطنها والدموع تنهمر من عينيها، تحدث نفسها:
_ ليه عملت فيا كده يا أمير ليه؟؟ ليه ده انا كنت فكراك العوض.. كنت فاكرة إن الدنيا أخيرا ضحكت لي وادتني راجل بحبه والشغل اللي كان نفسي فيه، وأخيرا طفل من حبيبي.. ليه الفرحة مش بتكمل؟! ليه الدنيا مستخسرة ومستكترة عليا أعيش وسط أحلامي!! ليه؟ ليه؟؟ ليه احلامي في ثانية بقت أشبه بالمستحيل بعد ما كانت بتتحقق قصاد عيني!! ليه؟! ليه؟؟ ليه يا دنيا ليه؟! ليه يا أمير ليه؟؟..
وهكذا ظلت تلقي اللوم على الدنيا والقدر تارة وعلى أمير تارة أخرى وسط دموع تسيل في قهر ويأس وقلة حيلة..
              *****
_ الحمدلله
هتف شعبان، وقام من مكانه وتابع:
_ هنزل اجهز علشان جاي التراويح معاك النهاردة يا وليد، عايز وأنا واقف في الصف وراك، أبقى فخور جدا إن ابني الإمام.. أبقى سعيد إن زرعتي واقفة قصادي، واقعد أقول للكل الإمام الشاب ده ابني..

ابتسم وليد ونهض في سرعة متجهًا نحو والده وانكب مقبلًا يده ثم تحدث:
_ مش طالب غير رضاك عليا وفخرك بيا، ربنا يقدرني ويعلي من شأني وقدري علشان أفضل مخليك فخور بيا علطول، ربنا يقدرني علشان أقدر اردلك ولو جزء صغير من تعبك عليا وتربيتك ليا..

جذبه والده إلى صدره واحتضنه بشدة واردف:
_ انت الولد الصالح اللي هسيبه في دنيتي يدعيلي لعل دعاؤه يكون سبب في دخولي الجنة..

_ خلاص بقى علشان هعيط وربنا
قالتها شهد محاولة ألا تبكي

_ لا لا اوعي تعيطي خلاص يا شهد انتي ما بتصدقي!!
قالها شعبان مازحًا
_ أخص عليك يا حاج أنا حساسة
_ طب يلا يا حساسة لينا شقتنا علشان نسيب الواد يجهز
_ يلا
_ نورتونا والله ابقوا عدوها
قالتها شاهستا وهي تسير خلفهم حتى الباب
_ إن شاء الله بس المرة الجاية هندوق أكلك انتي يا شاهستا
ردت شهد
_ يارتني ما اتكلمت
تمتمت شاهستا
خرجوا، وغلق وليد الباب وما إن غلقه، حتى قفزت على ظهره شاهستا واضعة ذراعيها حول عنقه وتحدثت:
_ وحشتني ياض
_ ياض!! يعني بعد المشهد الدرامي بتاعي أنا وبابا ده، وهو بيقولي انت امام عظيم و زرعتي و أملي وبتاع، تيجي انتي تقوليلي ياض!!
_ أنا مليش دعوه بأفورة أبوك، انت البيبي بتاعي واقولك ياض براحتي
_ طب انزلي من على ضهري بعد اذنك بس، علشان أنا بيبي ومش قادر اشيلك هاهاها
_ دمك سم يا وليد متهزرش تاني
_ حاضر، أنا بقول كده بردو

ابتسمت تاركة ظهره وشأنه، واردفت وهي تقترب منه:
_ هات بوسة
_ شاهستا انتي كويسة؟! لا حول ولا قوة إلا بالله هرمونات الساعة ١٢ طفحت بدري
_ هات بوسة بقولك

تراجع إلى الخلف في حذر من جنانها وتزامن مع رجوعه هتافه:
_ استهدي بالله يا اخت شاهستا بالله عليكِ، أنا لازم أقوم أراجع الربع الأخير من الجزء واشرب زنجبيل علشان صوتي ميروحش وأنا بصلي واستحمى واظبط حالي، وطبعا مش عايز أقولك على الفرق اللي بين صلاة المغرب والعشاء كبير ازاي!! تحسي إنهم عايزين يأذنوا مع بعض..

_ أنا مليش دعوة بكل الحوارات دي يا ابن عمي، طلبي بسيط، بوسني أنا لست خطيئة أنا مراتك

ضحك من طريقتها ثم تصنع الجدية:
_ اومال بقى فين مكسوفة بتاعت زمان ولا سبني دلوقتي يا وليد نفسيتي يا وليد
_ كل ده بخ
_ بخ؟! بت يا شاهستا قعدتك في الحي بوظت لسانك، فين شاهستا الكيوت!! ارجعي بنت من التجمع تاني
_ والله يا وليد انت تخلي الصخرة تنطق ببرودك ده، مش هتقدر تحول بنت كيوتة زيي لواحدة تانية!! نسخة تانية لم افضل أن أراني فيها قط يوما ما، انت صانع المعجزات يا قلبي
_ الحمدلله، هذا من فضل ربي، اسمحيلي بس يا مدام بعد اذنك اروح اخلص اللي واريا أحسن لو اتأخرت المسؤول اللي في المسجد هيدشملني؟! واوعدك نخلص صلاة واروقلك بقى يا بت انتي يلي مش لاقية حد يلمك
_ يعني انت اخترت الآخرة؟!

هز رأسه مؤكدًا في أسف ثم رد:
_ متاع الدنيا قليل، المال والبنون زينة الحياة الدنيا
_ يعني وسوستي الشيطانية فشلت؟!
_ للأسف.. آه، إيماني أقوى..
_ خد بالك، ده مش أدائي الحقيقي أنا عندي وسوسة أعلى وأكبر بس أنا اللي سيباك بمزاجي
_ وأنا عارف والله، وربي عارف، سبيني بقى..
قالها وركض قبل أن تذل قدماه ويضعف..
_ ولا يا وليد خد يالا..
  قالتها وركضت خلفه..
             *****
_ شيفاكي بتلبسي كده على فين يا غندورة؟!
هتفت هدى وهي تحدث ابنتها زينة الواقفة أمام المرآة تعدل حجابها، لترد زينة:
_ رايحة أصلي، إيه ممنوع ده كمان؟!
_ ويا ترى رايحة أنهي مسجد؟!
هتفت أمها في خبث

التفتت إليها زينة وذلك بعدما انتهت من ارتداء الحجاب وردت:
_ المسجد اللي بصلي فيه طول عمري يا أمي
_ آه.. ما تغيريه المسجد ده
_ لا، اتعودت عليه
_ قولتيلي.. طب بصي بقى يا قلب أمك أي هبل وعبط من اللي كنت بسمع عنهم دول هولع فيكي حية، انتي بقيتي زوجة لواحد تاني، فاهمة ولا مش فاهمه؟!
_ فاهمة يا أمي فاهمة.. وبعدين دي صلاة يعني هعمل إيه في بيت ربنا؟!
_ قولي لنفسك.. روحي يمكن تتوبي رمضان ده وتبطلي أعمالك القذرة

قالتها وذهبت، تتبع أثرها زينة وتمتمت في غيظ:
_ والله يا ماما انتي لو تشوفيلك سفرية يومين تلاته عند حد من ولادك الصبيان وتحلي عني هيبقى أحسن
               *****
دخلت شاهستا المسجد وهي تخطو خطوات سريعة نحو الداخل أكثر وذلك لأنها تأخرت قليلًا على موعد الدرس وما إن وصلت إلى حيث يجلسن الفتيات والمعلمة حتى وجدتهن بدأن بالفعل ألقت التحية وجلست بجانب احداهن واردفت معتذرة:
_ أنا آسفة بس ماقدرتش اجي بدري اكتر من كده
_ ولا يهمك يا حبيبتي، إحنا لسه أصلا في بداية الدرس، انتي اسمك إيه؟!
_ شاهستا
_ ماشي يا شاهستا أهلا بيكي في مجموعتنا المتواضعة
_ أنا اللي اتشرفت اكتر

ابتسمت لها المعلمة وتابعت حديثها:
_ كنا بنقول إيه قبل مجيء شاهستا؟
_ كنا بنقول إن ربنا بيسمع دعاؤنا وتضرعنا وبيقبل التوبة عن عباده
ردت احداهن
_ اه تمام، احسنتِ
ردت المعلمة ثم واصلت حديثها وهي توجهه بالأخص إلى شاهستا:
_ كنا يا شاهستا بنفسر بعض الآيات من سورة النمل واللي هنسمعها النهاردة بصوت الشيخ القارئ وليد، علشان كده احنا بنفسر الآيات علشان تكون سهلة وبسيطة أما نسمعها بتتلى ونقدر نندمج مع القارئ ونتدبر ما يقول
_ تمام
ردت في ابتسامة
_ يقول الله عز وجل في سورة النمل
أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (62) ..التفسير:
ينبه تعالى أنه هو المدعو عند الشدائد ، المرجو عند النوازل ، كما قال : ( وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه ) [ الإسراء : 67 ] ، وقال تعالى : ( ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ) [ النحل : 53 ] . وهكذا قال هاهنا : ( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ) أي : من هو الذي لا يلجأ المضطر إلا إليه ، والذي لا يكشف ضر المضرورين سواه .
قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا وهيب ، حدثنا خالد الحذاء ، عن أبي تميمة الهجيمي ، عن رجل من بلهجيم قال : قلت : يا رسول الله ، إلام تدعو ؟ قال: " أدعو إلى الله وحده، الذي إن مسّك ضر فدعوته كشف عنك ، والذي إن أضللت بأرض قفر فدعوته رد عليك ، والذي إن أصابتك سنة فدعوته أنبت لك..

_ ربنا سميع ومجيب يا فتياتي، ربنا وحده قارد يحللك مشكلة انتي واقعة فيها، قادر يسهل أمورك وحياتك، بستعجب الناس اللي بتطلب من غيرها وهو رب الكون موجود سامع وعالم وبصير، اوعي تترددي ترفعي ايدك في أي وقت ليه وتدعيه باللي نفسك فيه واللي يخطر في بالك ديما

قاطعتها شاهستا مستفسرة:
_ هو ربنا ممكن يستجيب ويغفر لحد عمره ما كان كويس، أو عمره ما عمل حاجة صالحة في حياته؟!
_ طبعا، ربنا عارف إن الإنسان ضعيف وخطاء وذلك لقوله تعالى " وخُلِق الإنسان ضعيفا"
احنا مش ملايكة يا شاهستا إحنا في طبعنا الضعف والميل للشهوات وملذات الدنيا، ولكن ربنا بيحب التوابين وده أكده أكتر من مرة في مواضع مختلفة في القرآن وآيات مختلفة بردو. حبيبتي، النفس اللوامة هي من أحب الأنفس إلى الله وذلك لأن
النفس اللوامة التي تلوم عند التقصير وتحاسب عند الإخلال بالتكاليف والواجبات الشرعية أو عند الوقوع في الأخطاء والمعاصي، لذلك هي من أفضل الأنفس عند الله لأنها تعمل كرقيب على الإنسان حتى لا يقع في المعاصي وتلوم صاحبها وتشعره بالذنب عندما يخرج عن دائرة الصواب إلى دائرة الانحراف وتعتبر بمثابة الناهي عن الخطأ والمرشد إلى الصواب.
طول ما نيتك موجودة، طول ما شعورك بالذنب ملازمك، ده كبير عند الله، ربنا شايفه وعالم بيه وانتي بتأجري عليه.. جددي نيتك انتي يا حظك في شهر فيه الحسنة بعشرة أمثالها، تخيلي الخير الواحد مضروب في عشرة!! ده خاب وخسر من أدركه رمضان ولم يدركه فعلا..
وإلى هنا وقد انتهى كلام المعلمة وذلك بعدما سمع الجميع المؤذن يقيم الصلاة، واعدتها بأن تكمل لها الحديث في وقت لاحق وقمن جميعهن حتى يصطفين ليصلين
              ****
_ أنا لسه نفسي اتعرف على عريسك اللي هتتخطبيله بعد العيد ده
قالها فايز وهو يسير بجانب منة في الشارع حيث قررا أن يسيران قليلًا مع هدوء الليل، لترد عليه:
_ هو مسافر بس، لكن اوعدك أول ما يجي هعرفك عليه
_ طب اسمه حتى..
نظرت إليه في استغراب وهتفت:
_ هتعمل ايه باسمه؟!
_ ها!! يعني.. قلت أما أعرف عادي
_ وانت كمان يا فايز مش ناوي ترتبط؟!
_ لا
رد في سرعة كأنه محضر إجابته
_ ليه؟! انت لسه متأثر باللي حصلك من صاحبك وحبيبتك؟!
_ هو انتي شايفة إن اللي حصل لي كان بسيط؟!
_ لا طبعا، بس شايفة إنك لازم تكمل وتقوم وتعدي، هتفضل موقف حياتك علشان واحدة قذرة ماتستهلش؟!

اطرق... ثم تحدث عقب مرور دقائق:
_ وانتي، يا ترى نسيتي خلاص اللي حصلك من صاحبتك الانتيم؟!
نظرت إليه فجأة غير متوقعة هذا السؤال وردت:
_ آه نسيت وباخد حقي ، أنا مش هفضل ابكي على الاطلال كتير، أنا واحدة بكت لحد أما اكتفت لدرجة إن دموع عينيها مابقتش موجودة وعلشان كده مابقتش اعرف اعيط تاني، خلصت كل كل دموعي...
              ******
ومع اقتراب الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، كان وليد يجلس على الكرسي في غرفة نومه يتلو القرآن في هدوء، وكذلك شاهستا كانت تجاوره وهي تتلو نفس السورة وكلما تعثرت في فهم آية معينة، سألته عنها، وهو كان بجيبها بكل حب وسعادة.. مر على ذلك الحال نصف ساعة على الأقل، حتى سمعت شاهستا صوت نزول الأمطار، ركضت نحو البلكون وأخذت تهتف في فرحة عارمة:
_ الله الله مطر.. مطر يا وليد مطر
_ طب ادخلي ليجيلك برد إحنا مش ناقصين، أنا مينفعش يجيلي برد هخنف وأنا بقرأ القرآن ماينفعش.

دخلت وأخذت تتحدث وهي تتوسل له وتقفز قفزات متتالية كالطفل الصغير:
_ بليز يا وليد أرجوك، أرجوك ننزل نتمشى في المطر وحياتي عندك وحياتي
_ شش بس ولا كلمة، مطر إيه اللي انزل فيه، اقعدي ساكتة، أنا جسمي بياخد برد من أقل حاجة
_ بقولك وحياتي عندك، علشان خاطري، تقل يا وليد والبس حلو وخلاص يلا بقى بالله عليك
_ لا يعني لا قولا واحدا وبطلي بقى شغل الاطفال ده، وأنا أما بقول حاجة مش برجع فيها...

وعقب مرور ربع ساعة، كان يقف وليد مع شاهستا في الشارع وهو يرتدي معطفًا طويلًا ويضع طاقية من الصوف الثقيل على رأسه ولم ينس أن يرتدي كل ما في الخزانة تحت المعطف كي لا يمسه الصقيع، أما هي فلم ترتدي سوى فستانها الخفيف وفوقه معطفًا عاديًا، وما إن نزلا حتى تحدث هو في ضيق:
_ تعالي نتنيل نتمشى بره الحي علشان مش ناقص وجع دماغ
_ أنا كنت هقول كده بردو، تعالى نتمشى في حتة بعيدة وتعزمني على نكتة جديدة
_وخلي حساب الضحكة عليكي علشان مش معايا فكة هاهاها
_ لا انت مسكر أوي الفترة دي يا ليدو
هتفت ساخرة منه
_ شكرا شكرا.. أنا مش همشي كل ده على رجلي يا بت انتي، لو عايزة نتمشى بره الحي يبقى نركب عربية لحد أما نخرج، والمرادي بقى كلمتي مش هترجع أبدًا.. ثواني هطلع أجيب مفاتيح عربية بابا من فوق
_ تعالى هنا انت ما هتصدق تمشي!! خد دي مفاتيح عربيتي أنا
قالتها وهي تمسكه من ذراعه حتى لا يهرب
زفر في ضيق وهتف:
_ حطي المفاتيح في جيبي انا مش جرئ كفاية أطلع أيدي من جيبي واخدها منك
_ اهو يا حججو اما نشوف حججك هتخلص امتى!!
قالتها ووضعت المفاتيح في جيبه وسارا حتى ركبا السيارة وما إن ركبا حتى غلق وليد النافذة التي تجاوره، بينما شاهستا تركتها وقاد السيارة وأثناء السير كانت شاهستا تغني وتهز أكتافها في رقة وسعادة، تنظر من النافذة من آن لآخر لتضع يدها تحت المطر وتحدثت:
_ الله الله على فرحتي بجد، بحقق احلامي كلها، وخرجت مع شريكي نتمشى بعد منتصف الليل تحت المطر.. I did it
كان وليد يضحك من طريقتها تارة ويضحك لأنه أسعدها بأقل شئ تارة أخرى
تابعت حديثها:
_ وليد
_ نعم
_ بحبك
ابتسم وتابع القيادة
_ يا وليد
_ يا نعم
_ بحبك
ابتسم بشكل أكبر
_ يا وليد يا شعبان.. يا وليد يا شعبان.. يا وليد يا ايه؟! يا شعبان
_ يا نعمين
_ بحبك
ضحك..
صاحت في حماس وجنان:
_ وليد يا ابن عمو شعبان
_ الله جرا إيه يا مجنونة عمال أقول نعم
رد مازحًا
_ بحبك وربي بحبك
ضحك هذه المرة بشكل أكبر لأنها قلدته في طريقة حديثه تمامًا
اقتربت منه وامسكته من ذراعه واسندت رأسها إلى كتفه
_ يا دلوعة هعمل حادثة
_ بحبك أعمل إيه بحبك
_ بتحبيني تموتيني يعني ولا إيه؟!
_ آه عادي ومن الحب ما قتل
_ يا سلام!!
_ وحياة عبد السلام هاهاها
_ نننني سكر يا بت
_ طلعالك يا قلبي

قالتها وفجأة دون مقدمات حاوطت عنقه بذراعيها وأخذت تُقبّله من خده مرات عديدة وسريعة
كان يحرص على أن يقود بشكل سليم خائفًا من حدوث أي حادث أو ما شابه واردف:
_ يا مجنونة يا مجنونه، سيبي يا بت هدخل في الحيطة
لم تتوقف.. بل ظلت تقبله وهي تردد:
_ بحبك بحبك بحبك بحبك

ضحك فهو في الحقيقة لم يستطع في أي مرة أن يقاوم جنانها أو يأخذه على محمل الجد
_ خدي بالك بقى يا حبيبي، إن الدم عندي هيضرب في نفوخي وهنساق ليكي وهسيب العربية تسوق نفسها لأقرب حيطة دلوقتي
_ لا خلاص كله إلا عربيتي
قالتها وابتعدت عنه وتصنعت الأدب
تابعت في حزن:
_ وبعدين أنا بعمل كل ده بسببك انت، انت اللي حرمني منك
_ أنا اللي حرمك مني؟!
_ أيوه
_ كدابة اوي، ده أنا لازق فيكي هو بقيت بشوف ولا بقعد مع حد غيرك!!
_ مش كفاية بردو... ثم إنه بطل ظلم بقى يا أخي، مش بسيبك تروح الجامعة؟!
_ لا والله كتر خيرك
_ ايوه كتر خيري طبعا ده أنا زوجة ديمقراطية جدا وبسيبك تتعلم وتدرس
_ مش عارفين نودي جمايلك فين والله، يلا انزلي بعدنا كتير أهو عن الحي

نزلا الاثنان من السيارة وما إن نزلا ورأت شاهستا أن لا أحد يوجد في الشارع، ركضت مبتعدة عنه عدة خطوات وهي تغني تحت المطر:
_ أنا نفسي أطير، فرحانة جدا وده احساس خطير
_ بس يا حبيبي بطلي غنى صوتك وحش والجيران ملهمش ذنب
_ خليك في حالك يا عدو الفرحة والنجاح يا حقود، هفضل أغني رغم أنف الحاقدين

قالتها وواصلت غنائها وضحكها والذي لم يكن مبالغ فيه، وركضت جهته تارة أخرى  وتابعت: فرحانة بيك، نفسي أفضل قصادك واقولك بحبك كتير وده مش كلام
_ يا سلام ؟!
_ أنا جاية اغرق عنيك اهتمام

ضحك وضمها إلى صدره مقبلًا رأسها، ثم أسند ذقنه إلى رأسها وتحدث:
_ ربنا ما يحرمني من وجودك أبدا ويطول في عمرك ويبارك في صحتك ويحفظك ليا يا رفيقة دربي

احتضنته بقوة وهتفت:
_ وليد أنا والله بحبك
_ وأنا بموت فيكي، وعمري ما هقدر اتخيل حياتي من دونك، شاهستا انتي الونس، أنا ببقى مطمن لأنك موجودة، أما الدنيا بتبقى صعبة ومكلكعة بقول لنفسي متخافش شاهستا موجودة وحضنها ملجائك الوحيد بردو موجود..
قالها وأمسك كف يدها وسار بجانبها وتابع:
_ يلا نتمشى زي ما كان نفسك وبعدها نرجع نتسحر في الحسيني تحفة بجد
_ يلا
قالتها وسارت بجانبه متشبثة بأصابع يده واردفت بعد حين:
_ وليد غنيلي بليز واحنا ماشيين كده في الهدوء والجمال ده
_ حاضر.. استني أفكر أغني إيه.. خلاص عرفت
قالها وتنحنح يستعد للغناء ثم بدأ بالفعل يغني:
_ فديتك روحي يا روح الفؤاد، هواك ملاك برغم البعاد، فأنت شطري بكل المداد، شريكة عمري، في أسري وقهري
في خطوي وصبري بدربِ الجهاد..
أخذ يعيد المقطع نفسه، وتوقف ناظرًا إلى عينيها ممسكًا بيديها وتابع: يا بسمة روحي في وجه السجون، يا نسمة ليلي طويل السكون يا رسمة نور كبدرٍ تكون، يا خير العطايا في وجه الرزايا خُطاكِ خطايا.. يا زوجي المصون..

ابتسمت ابتسامة عريضة وهي تستمع إليه وكل أذن صاغية، تابع وهو يشير بعينه ويده إلى ملامح وجهها وابتسامتها الجميلة:
أيا وجه صبحٍ يبثّ الهيام، وخيرًا يهلّ كقطر الغمام..
و حبًا يزيح هموم الظلام، بقلب صبور، وروحٍ تفور بنثر الزهور وفيض السلام..

احتضنته وظلت دقيقة داخل حضنه ثم تشبث كل منهما في يد الآخر وتابع هو وهما يركضان في خفة وفرحة:
تمرّ السنينَ وراء السنين، وصبركِ يبعث فيا اليقين، يهدهد روحي بذاك الحنين، بقيدٍ سيُكسر وسجن سيُقهر وبيت سيُعمر.. بشملٍ متين!
تركتكِ قصرًا في وجه الخطوب، خطوبًا تزلزلُ عصفًا تجوب فكنت الصباح بهذه الدروب، رعيتِ البنين بنهجٍ أمين و كنت السكينة  لهذه القلوب..
توقف عن الغناء واردف:
_ شكلنا توهنا يا دلوعة
_ عادي براحتنا، أنا عايزة أتوه معاك ولو واقدر اخدك ونهرب من الدنيا كلها ونصنع احنا دنيا جديدة مفيهاش غيرنا إحنا وحبنا هعمل كده..
قالتها ونظرت إلى السماء وواصلت حديثها وهي معلقة بصرها لتلك النجوم:
_ وليد.. أنا انهي نجمة فيهم؟!

نظر إلى السماء وابتسم ثم اردف:
_ ولا واحدة فيهم.. شاهستا أنا مش شايفك نجمة من دول، دول كتير ومهمشين ومحدش يعرفهم، يعني اما بنبص في السما بنشوف نجوم كتير عادي بيتنسو ومحدش بيعرف يحددهم ولا ليهم قيمة عند البعض.. إنتي بالنسبالي سيدتهم وملكتهم، انتي الشمس اللي منورة الدنيا وحياتي، الشمس النجمة المميزة اللي الجميع عارفها، الشمس رمز التفاؤل وإشارة كبيرة لفرصة تانية ويوم جديد.. كل واحد عنده شمسه الخاصة بيه وانتي.. وانتي شمسي يا شاهستا..
             *****
استغلت أن جميع قد نام و ارتدت ملابس الخروج وأخذت تلتفت حولها حتى تتأكد أن والديها نائمان ولم يستيقظ أحدهما، وعندما تأكدت أن كل شيء على ما يرام قادت سيارتها وهي تحدث نفسها أثناء القيادة:
_ خلاص يا جومانة متخافيش بقى العملية هتبقى بسيطة محدش بيموت في عملية إجهاض يعني ده الطب تقدم جدا يا بنتي
قالتها وصمتت تطمن قلبها وروحها بذلك الصمت الذي يشوبه نيران عجزها.. مرت نصف ساعة على الأقل حتى وصلت إلى الشقة الخاصة بأمير دون ڤيلته وصفت سيارتها ودخلت المصعد الكهربائي.. دقائق معدودة ووصلت الشقة ضغطت على الجرس مرة تلو الأخرى لتسمع صوت أنثوي يأتي من الداخل:
_ مين قليل الذوق ده اللي جاي في وقت متأخر كده؟!
ثم تسمع الصدمة الأكبر وهو صوت أمير وهو يرد على الفتاة:
_ ده اكيد الدليفري اللي طلبت منه جيه، هروح افتح

دقائق مرت عليها كسنة وهي تقف وسط ذهولها وصدمتها، لتكتمل الصدمة وتقحمها الصدفة التي أتت بها إلى هنا وذلك بعدما فتح لها زوجها وهو يرتدي ملابس خفيفة للغاية ويبدو أنه كان في وضع حرج للغاية، تفاجأ عندما رآها وتراجع خطوات للخلف، وتحدث:
_ جومانة؟!!
             ******
أنا قلت الكلام ده على الفيس هقوله تاني انا خلصت امتحانات وهرجع احط مواعيد ثابتة تاني لرواية هتبقى ٣ أيام في الأسبوع سبت واتنين وخميس ومعادنا الجاي الاتنين مش السبت لأسباب معينة وده الاسبوع ده بس، ڤوت لأن أنا بتعب في كتابة البارت كتشجيع ليا، وماتنسوش توقعاتكم تكتبوها ليا، وما تنسوش إن باقي فصلين بس ويخلص الجزء الاول إن شاء الله
دمتم بخير
سلمى خالد احمد



الجعة يشوبها الأخلاق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن