الفصل السادس

5.6K 206 9
                                    

ازيكم عاملين ايه
جاهزين ؟؟؟؟
يلا نبدأ

دخل وليد وخلفه شاهستا وبعدما دخلوا تذكر وليد أنه قد نسي أمر البضاعة والصبية في الخارج، فضرب على رأسه هاتفًا: اخ، نسيت ، خليكي أنتِ قاعدة هنا وانا هروح بس بره احاسب وامشي الناس، مش عارف انا متلخفن ليه؟؟؟!
ابتسمت في خجل وهتفت: خد راحتك
ذهب وليد. بينما شاهستا قامت من مكانها وبدأت في أخذ جولة داخل المحل تنظر إلى الاسعار والملابس... وعقب ربع ساعة عاد وليد وفي يده عصير القصب الطازج، اقترب منها وهتف باسمًا: اتفضلي
مدت يدها إليه تأخذ منه العصير في ابتسامة بسيطة: شكرًا.
ثم تحركت بضع خطوات وجلست على الأريكة التي كانت داخل المحل، تحرك وليد بعدها وجلس على الكرسي الذي كان أمامها.
وبعدما جلس هتفت هي: حسبت الناس وكله تمام؟؟
رد ناظرًا إلى الأرض: اه الحمدلله كله تمام ، اهو زي ما أنتِ شايفة الشباب بتعلق الهدوم وبتنظمها
يقول ذلك وهو يشير بيده تجاه الشباب الذين كانوا يحملون الملابس من العربة ثم يضعونها في المحل
_ جميل... قولي انا ممكن ابدو فضولية شويه بس هو المحل ده بتاعك؟
هتف وهو يهز رأسه نافيًا: لا مش بتاعي هو بتاع والدي وانا بشتغل معاه
_ اه، اصل انا لقيت مرة في الجيزة محل اسمه الوليد ولقيت حاطط نفس اليفته اللي انتوا حاطينها بره قصاد المحل بتاعكم، بس عشان كده سألت
_ اهاا، هو بتاعنا فعلا.. بصي احنا عندنا كام فرع كده، فرع في الاسكندرية وده بيديروا لبابا نسايبه وفرع في الجيزة وده بيديره اعز صديق لبابا وفرع في الشرقية بلدي الأصل وده فيه ولاد عمي الكبير هما اللي ماسكين الإدارة، وآخر فرع بقى ده اللي في الحي بيديره بابا بنفسه وانا بساعده.
تستمع إليه وهي تشرب العصير، وبعدما انتهى، وضعت هي الكوب على الطاولة هاتفة: اه فهمت.. ثم اطرقت بضع دقائق وتابعت: هو انت من الشرقية؟؟
_ بابا من هناك واتولد هناك، بس انا عمري ما عشت هناك، ديما بروح زيارات.. انا اتولدت هنا.
صمت قليلًا وتابع باسمًا: طبعًا هتقوليلي، اما انت من الشرقية إيه اللي جابك هنا ؟؟

ضحكت بصوت عالي شيء ما، الأمر الذي جعل وليد يخجل وينظر حوله ليرى من سمعها ومن رأى ما حدث من العمال، فهو يخشى على سمعته... ماذا يفعل الشيخ مع تلك الفتاة ؟؟
ولما أحست شاهستا بذلك أسرعت هاتفة في خجل: انا اسفة والله بس خرجت غصبن عني...

ابتسم وهتف: ولا يهمك...
_ ماشي قولي بقى إيه اللي جابك الحي ده؟
لم يفهم وليد لماذا تفعل هي كل ذلك، ولم يكن يود ذلك، أين الأسئلة الفقهية ؟؟ لماذا لم تقم لتختار بلوزة غير التي لم تعجبها؟؟؟ كل ذلك كان يخطر في باله ولكنه لم يجد رد مناسب خوفًا على مشاعرها... لذلك رد بعد بضع دقائق من التفكير: ماما من هنا، وهما اتعرفوا وحوار معرفتهم ده كبير صراحة واتجوزا واختاروا يعيشوا هنا بالاتفاق بينهم يعني.
وكانت تلك الكلمات آخر ما قالها وليد ثم بعدها قام من مكانه هاتفًا: انا هقوم ابص على الشباب اشوف عملوا ايه. وأنتِ بقى المحل محلك، شوفي اللي يعجبك وقيسي وأما تختاري عرفيني... ولم يعط لها فرصة في الرد وأخذ يمشي تجاه الشباب تاركها جالسة مكانها وفي يدها العصير.
فعليًا كان من الصعب عليه أن يفعل ذلك ( يتركها ويذهب) ولكنه كان يخاف أن يضعف أو تسول له نفسه فعل أي شيء يخشاه، فجاهد نفسه وذهب خائفًا من أن تذل عيناه وتطلع عليها دون قصده، ويجد الشيطان الوسيلة التي سيدخل له منها..
             ******
هنا في غرفتها، تجلس على كرسي مكتبها وتضع سماعة الأذن وتستمع إلى الشرح وتدون ما تسمع وتردد حتى تحفظ.. وبينما هي تفعل ذلك فتحت أمها الباب فجأة هاتفة في عجلة: هنا،هنا، انت يا بنتي.
لم تسمع هنا... بسبب سماعة الأذن
صرخت شهد: يا بنتي
فزعت الفتاة والتفتت خلفها في سرعة ناظرة إلى والدتها التي يبدو عليها الحنق وردت: ايه يا ماما خضتيني!!
_ قومي يلا ايدك معايا
قامت هنا بنزع سماعة الأذن وهتفت: ايدي معاكي ازاي يعني..
_ يا بت انهارده الخميس ورجالة أهل الحي كلهم هيجوا يلا عشان نعمل شاي أو قهوة أو نغسل فاكهة نعمل عصير كده
_ والله يا ماما عندي مذاكرة

لم تمر ثوان وكانت هنا قد قامت من مكانها هاتفة: حاضر
وذلك بعدما لاحظت أن أمها ستتحول.. او ستنقض عليها تبرحها ضربًا..
نظرت إليها شهد بعدما قامت متجه ناحية المطبخ: متجيش غير بالعين الحمرا
زفرت هنا بعدما رأت المواعين التي ستقوم بغسلها قبل مجيء الضيوف وهتفت في غيظ: يووووه، والله انتوا بضيعوا مستقبلي كنت بذاكر، وانهارده ضيوف وبكره عندنا عزومة ومش بعيد يباتوا معانا وكل ده من وقتي الثمين، اشهد الله أنني مظلومة في هذا البيت و...

وقبل أن تكمل تجد اصابع يد والدتها قد لحقت بشعرها وتشبثت به هاتفة: تشهدي الله انك اي يا عنيه؟؟
بلعت هنا ريقها وردت في صوت خفيض: إني هغسل المواعين يا ماما، بشهده اني بساعدك اهو يا ست الاكل الله!!
_ اه بحسب... طب يلا يا حلوة على المواعين ، بدل ما اشهد الله أنا اني هرتكب فيكي جناية..

وتزامن مع هذا، صوت جرس الباب يصدح .
اتجهت شهد ناحيته حتى تفتح، بينما هنا زفرت وهي تتمتم في تشنج: يارب خلصني من ام البيت ده بقى، كنت بتنيل اذاكر، بكرة الجمعة وكل العيلة الغتته دي جايه ولا هعرف اذاكر ولا هعرف اسمع طائر الرفراف...
فتحت شهد الباب وجدت هدى وابنتها زينا بجانبها يبتسمان  لها، ابتسمت لهما شهد وهتفت في ترحيب: يادي النور يادي النور، اتفضلوا، اتفضلوا
دخلتا وهتفت هدى: البيت منور بأصحابه يا حاجة.. احنا يا حاجة عارفين إن انهارده يوم أهل الحي هيجتمعوا عندكم، فالبت زينا قالتلي يا ماما هو معقول هنسيب طنط شهد تعمل كل حاجة لوحدها؟؟؟ لا احنا لازم نروح نساعدها
اتسعت شافتاها في ابتسامة عريضة وهي تنظر إلى زينا: حبيبتي يا بنتي يخليكي ليا وما يحرمني منك أبدًا بتفكري ديما كده في طنطك شهد

ردت زينة في رقة: طبعًا اومال ايه يا طنط ده واجب علينا، احنا جيران ولازم نساعد بعض.. وبعدين انا بحبك اصلا وبحب اساعدك..

صاحت شهد في فرحة عارمة: ياختي يحفظك لشبابك تعالي في حضني.
ضمتها إليها شهد وأخذت تقبلها وبينما هي تفعل ذلك، تتمتم زينا: والله  انا مش عاوزة افضل محفوظة لشبابي كتير، انا عاوزة ابنك بقى يخليني مدامه يا حاجة ويحفظني في بيته..
             *****
انتهى وليد من رص البضائع وتدوين الاسعار وكل شيء حتى أن الصبية قد سهوا عنه وذلك لكثرة الزبائن التي تتوافد على المحل.. أما شاهستا فلم ترحل بعد.. كانت تتجول في المحل وتختار ما يناسبها ولما انتبه وليد إليها وأنها حتى الآن مازلت داخل المحل تعجب ولكنه لم يعقب وتركها كما تشاء...
وبعد مرور دقائق يدخل ذلك الذي جاء والضجة معه وهو يصيح في المحل: وحشني يا ويل..
ثم أخذ يقترب منه وهو يفتح ذراعيه له حتى يحتضنه، ابتسم وليد ورد وهو يفتح ذراعيه أيضًا ليستقبل حضن صاحبه: أسر، اسورة حبيبي
توقف أسر ولم يحتضنه ورد في جدية : اسحب اسورة دي حالًا..
ضحك وليد وهتف: تؤ
_ اسحبها بقولك..
رد وليد في برود وهو يبتسم: ما قولنا تؤ
_ يا عم مدلعنيش يا عم يا عم مدلعنيش بقولك... انا اسمي أسر عادي
يسمع وليد منه ذلك الكلام وهو يضحك بصوت أعلى..
ضربه أسر على كتفه وصاح: ماشي، ماشي... بما إني اسورة فأنت ولاء
لم يتمالك وليد نفسه من الضحك، بينما أسر ينظر إليه في استغراب لأنه ظن أنه عندما سيقول له ذلك الاسم سيتضايق... توقف وليد عن الضحك برهة وهتف: ولاء ولاء كل اللي يجيبوا ربنا حلو...
رمقه أسر في غيظ.. بينما وليد يبتسم..
كان أسر معروف بعصبيته  ويمكن أن يستفزه اي شخص بسهولة.. أما وليد فهو على النقيض تمامًا، لذلك لا احد يعلم كيف يتفاهم هذا الثنائي معًا.. ولكن المعروف والمؤكد أن كلاهما لا يرتاح إلا في وجود الآخر، لأنه و ببساطة شديدة كل منهما يحترم الآخر ويقدر طباعه لذلك فإن علاقتهما كانت ناجحة وذلك لأنها كانت تسير في إطار الاحترام والتفاهم.

وبعدما رأى وليد أن صديقه قد غضب امسكه من يده وأخذ يضمه إليه هاتفًا: خلاص متزعلش، انا مش قصدي ازعلك ياض انت عارف اني بحبك اد إيه...
أومأ أسر موافقًا: خلاص سامحتك مانا كمان بحبك..
ابتسم وليد ورد احضني بقى يا اسورة...
ضربه أسر بقوة على كتفه من الغيظ أما وليد لم يهتم بشأن الضربة لأنه في الحقيقة قد هلكه الضحك بسبب تعبيرات وجه صديقه..
وقد جذب ذلك الثنائي الأنظار إليهما فكانت الزبائن ينظرون إليهما ويبتسمون، وكذلك كانت شاهستا تفعل.. ولكنها تعجبت قليلًا.. ذلك وليد الذي كان معها ناظرًا إلى الأرض، يتحدث في هدوء، يعلم حدوده جيدًا، لم يكن وليد نفسه الذي مع أسر الآن، فهو يضحك ويبتسم ويفعل ما يحلو له، إذن الدين ليس كما يفهمه البعض ( البعد عن ملذات الحياة) إنما هو ببساطة ( البعد عن ابواب الشيطان).

وقد لفتت انظارها تلك انتباه أسر الذي سرعان ما رمقها بعين الاعجاب وابتسم .. ثم أمال برأسه قليلًا تجاه صديقه هامسًا وهو يشير إليها بعينه: مين المُزة دي يا وليد؟؟
توقف وليد عن الضحك و ضربه بكوعه بقوة على صدره، الأمر الذي جعل أسر يتأوه..
_ اه، ليه كده يا ويل بس، بنسى إنك شيخ يا اخي اعمل ايه ؟؟؟
_ الموضوع بسيط احترم نفسك وخلي عينك في الأرض ولا انت جاي تطفش الزباين؟؟
_ لا يا عم، انا جاي عاوز قميص قسط على سنة...
نظر إليه وليد في برود ورد: وليه يا أسر تتعب نفسك وتجيب الفلوس ؟؟
_ معاك حق انا صاحبك اصلًا هاته ببلاش.
وهُنا اقتربت شاهستا ناحية وليد وهتفت في هدوء: انا خلاص اخترت عاوزة احاسب عشان امشي

اسرع أسر بالرد: تمام، في هناك اهو الكاشير حاسبي عنده..
_ ماشي..
قالتها ونظرت إلى وليد وهتفت باسمة: انا ماشية
تعجب أسر، حتى وليد نفسه...
ولكنه هم بالرد: تؤمري بأي حاجة تانيه قبل ما تمشي؟؟
_ لا... بس نسيت أسألك الأسئلة بتاعتي بس أتأخر الوقت.. هجيلك يوم تاني.
قالت ذلك وذهبت..
بينما أسر ينظر إليها في إعجاب وهي تمشي وابتسم محدثًا نفسه: يا بركة دعائك اللي جاب ياما.... مش مخطوبة كمان تم فحص ايديها بنجاح ولا يوجد اثر دبله...
ثم أفاق من شروده وهتف: إلا مين دي يا ويل.. وهي زبونه هنا؟؟
انتظر بضع ثوان حتى يجيب عليه وليد ولكنه لم يرد، نظر أسر بجانبه ولم يجد وليد.. أخذ ينظر حوله وجده يقف بعيدًا يتحدث مع صديق لوالده..
                 *****
ومع غروب الشمس، كان عمر يجلس في بلكون غرفته، يمسك في يده تلك السيجارة كعادته... يسمع اغاني حزينة معظمها كانت إنجليزية، يسند رأسه على الكرسي وقد كسى الحزن والخذلان ملامحه، وفي يده الأخرى يمسك صورتها ويطلع عليها..
دخلت منة غرفته وأخذت تبحث عنه.. وهي تنادي اسمه مرارًا وتكرارًا ولكن حالته المزرية لم تسمح له بأن يسمعها، فقد كان في عالم آخر.. قبل أن تمشي سمعت صوت الأغاني، تقدمت ناحية البلكون وهي تطل برأسها لترى اذا موجود هو أم لا... وبالفعل وجدته، لذلك اخذت تفتح الباب.. وبينما هو شارد الذهن غارقًا في آلامه وأحزانه، قد سمع أحدهم يفتح عليه باب البلكون، ألقى نظره بسرعة ليرى من جاء، ليراها مصيبة رأسه وبلاء عقله... وعليه افتعل رد فعل سريع للغاية فقد ألقى الصورة بجانبه ووضع عليها الجاكت الخاص به وتزامن مع ذلك دخول منة التي اول ما دخلت اخذت تعقد ذراعيها أمام صدرها وهتفت في شماتة: انا سمعت انك روحت بيتها انهارده.. العصافير قالتلي.. وقالتلي كمان انك حتى مدخلتش، بس يدوب كنت بتتكلم مع البواب وبعدها مشيت، اي اللي حصل طردك؟؟

رفع إليها عيناه في غيظ ورد: لا.. بس هيدخلني ليه وهو محدش موجود ؟؟ قالي محدش في البيت.. ثم إني عندي فضول اعرف انتي مماشية عصافيرك ورايا ليه؟؟؟
اردفت معللة: الله؟! هو حد بيعرف يسيطر على العصافير يا عمر؟؟ يعني دي طيور حرة بطير وقت ما تحب وفي المكان اللي تحبه بردو..
ابتسم بسمة خفيفة... ثم رد: معاكي حق، بس انا لو شفت العصافير دي تاني طايره ورايا، هقتلها وكده كده انا حر بردو ماهو انا بحب الصيد وهي عصافير ملهاش صاحب محدش هيسأل عليها...

اقتربت منه في هدوء تام، وأمالت رأسها ناحيته وهمست جانب أذنه بنبرة صوت تحمل في طياتها التهديد: لو قتلت العصافير الحرة الضعيفة، هطير وراك الطيور الجارحة بعد كده يا عمر، فامنصحكش أبدًا يعني...

قالت ذلك جانب أذنه ثم أخذت تبتعد عنه في بطء وهي تبتسم ابتسامة صفراء... ثم اخذت السيجارة من يده والقتها من أعلى وهي تردد: متشربش ادامي عشان الرئة عندي مش أحسن حاجة..
نظر إليها في ضيق ثم نظر إلى المكان الذي ألقت منه السيجارة..
استدارت حتى تمشي، ولكنها توقفت لحظة ونظرت إليه تارة أخرى وهتفت: عمر.. انا كمان مش بحب الكدب خالص، انت عارف ده عني، كان من الأولى تقولي أنها جوا ومرضيتش تستقبلك وخلاص انا مكنتش هقول حاجه، ده احنا حتى ولاد عم...
ثم ذهبت.
وبعدما ذهبت قام عمر بإخراج علبة السجائر من جيبه في غيظ، وأخذ يفتحها في سرعة وضيق لدرجة أن معظم السجائر قد وقعت على الأرض. لم يهتم عمر وأمسك بواحدة والمعظم قد وقع ولم يبق سوى القليل في العبلة. وضع التي اخدها بين شفتيه وأخرج الولاعة وأخذ يضغط عليها في سرعة وغضب ثم رماها بعيدًا بقوة وقد اصطدمت في الحائط.. وأخذ يستنشق الدخان وهو يموت غيظًا عندما يتذكر نظرات منة له وتحكماتها فيه هي وعمه...
ثم أخذ يُهدئ من نفسه هاتفًا: ريلاكس  يا عمر هانت هانت
ثم قام بإخراج صورتها مرة أخرى ونظر إلى الصورة وأخذ يحدثها كالمجنون: ارجوكي ردي عليا، ابوس ايدك... والله ما قادر على العقاب ده، انا عارف اني غلطت في حقك بس اما تعرفي السبب هتعذريتي... ثم أخذ يقبل الصورة في بطء شديد، كأنه يتخيلها أمامه... وضمها إلى صدره وهو يردد: وحشتيني.. وحشتيني اوي.
                 ****
اجتمع كبار أهالي الحي في منزل الحاج شعبان وذلك في تمام الساعة العاشرة مساءً وجلس الحاج أمامهم في الكرسي الذي كان يتمركز الغرفة، وأخذوا يقصون عليهم مشاكلهم المختلفة حتى يشير عليهم..

السيدات في الطابق العلوي لا يرتحن ولا يقعدن أبدًا بل كن يسرن في أرجاء الشقة كلها في هرولة.. حيث كانت شهد المسؤولة عن إعداد الشاي. وهدى تقوم بإعداد القهوة لمن لا يحب الشاي، أما زينا فكانت تغسل الفواكه وتنظمها على الاطباق حتى تبدو في شكل جيد، وكانت تقوم بإعداد عصير البرتقال والمانجو و الجوافة بالحليب والجدير بالذكر أن زينا كانت مسؤولة عن الجزء الأكبر فقد كان عملها ثقيل، وكانت تلتفت حولها وتفعل كل ذلك في آن واحد دون أن تتخبط في افكارها، او تنسى اي شيء، والجدير بالذكر أيضًا أنها هي من اختارت أن تفعل ذلك حتى ترى شهد همتها وقدرتها على فعل المهام المتعددة في وقت واحد.
اما هنا فقد كانت تجلس على الأريكة، تنظر حتى ينتهون وتقوم بأخذ العدة إلى أسفل، فهي الآن جالسة حتى ترتاح معللة بأنها قامت بغسل الأطباق ولابد لها من راحة...

وعقب طرح بعض ما الأسئلة على الحاج شعبان قد جاء وليد أخيرًا وفتح الباب وألقى التحية عليهم، وردوا عليه.. وبعدها جلس في احد الجوانب، قريبًا من ناحية والده. وها قد جاء دور الحاج عبدو القماش والد زينا حتى يطرح اسئلته، والتي عرضها بشكل جيد ويود حقًا أن يصل إلى مساعدة حيث هتف:
_ بعد إذن الحاج شعبان، انا والحاج برعي العبودي في خناق وانا مش حابب قطيعة بيني وبينه وكنت جاي انهارده عشان اطرح سؤالي وانتم اللي تحكموا مين اللي غلطان وده كله اهو ادام الحاج برعي عشان يقول وجهة نظره وتحكموا بالعدل..
رد الحاج شعبان: لا لا عيب طبعا لازم تتصالحوا الصلح خير واحنا أهل في الأول وفي الآخر، قول يا حاج عبدو مشكلتك ولازم نلاقي حل

وتزامن مع ذلك إنهاء السيدات من عملهن، وبعدها أسرعت شهد تجاه زينا هاتفة: خدي في ايدك يا زينا الشاي وهنا هتيجي وراكي بالقهوة واندهي وليد يجي ياخد باقي الحاجات

فرحت زينا وردت: حاضر.
ثم عدلت حجابها و تأكدت من أن شكلها يبدو جيدًا، وحملت الصينية التي بها الشاي وأخذت تنزل الدرج في حذر وحرس كبير...

قاطع الحاج برعي الحديث وهتف: مفيش داعي يا حاج عبدو تكبر المواضيع
رد عبدو: لا لازم اكبرها، مش هنفضل كده انا وانت متقاطعين، أدينا اهو ادام أهل الحي كلهم يحكموا علينا، ولا غلط؟؟؟
هتف الجالسون: لا مش غلط طبعا، عين العقل يا شيخ عبدو والله
اخذ شعبان يهدئ الجو بعدما صاح الجميع وأخذت الفوضى تنتشر بينهم هاتفًا بصوت عالي حتى يسمعه الجميع: بااس، هدوء، كله يهدى من فضلكم عشان كله يلاقي وقت يتكلم فيه، يلا يا حاج عبدو ابدأ انت الاول سامعينك...
وتزامن مع ذلك اقتراب زينا التي كانت تحمل الصينية واقتربت من الباب وقبل أن تترك الصينية على أي جانب حتى تطرق الباب، أوقفها صوت والدها الذي كان يهتف بصوت مسموع:
_ من فترة كده يا حاج شعبان، بنتي الوحيدة على أربع ولاد، اتقدملها زينة شباب الحي كله ابن الحاج برعي طبعًا، جالي المحل بتاعي وقالي يا حاج عبدو احنا طالبين أيد بنتك زينا لابننا سعيد، انا فرحت هو انا هلاقي زي سعيد وابوه فين؟؟ وبعدها قبل ما يشرفونا في البيت قالي انت عارف ان الدنيا غلا فأنا كنت عاوز اعرف قبل ما نيجي البيت وكده المهر والحاجات دي فيها أي مشكلة أو شروط ولا هتم حسب الاتفاق؟؟
فأنا رديت قولتله لا فيها شروط طبعا أنا مهر بنتي ميقلش عن ٧٠ الف ج كحد أدنى..

تسمع زينا اللاصقة اذنها على الباب  والحاملة صينية الشاي، في صدمة وهي تفتح فمها لا تصدق ما تسمعه من والدها...

يكمل عبدو: هو زعل مني اوي وقالي مين ليه هو احنا هنتجوز الأميرة ديانا؟؟ بغض النظر عن اني معرفش مين ديانا دي بس انا حسيت بإهانة وقتها.. ورديت قولتله اه بنتي احسن من الست دي بمراحل كمان، وقالي انزل بالسعر، استغربت وقلتله، هو يعني اي انزل بالسعر هو انت بتشتري شقة؟؟؟

وقبل أن يكمل عبدو حديثه، حدثت الفوضى مجددًا في الغرفة، فمنهم من يرى أن الحاج عبدو مخطئ، وكانوا الأغلبية الساحقة والقليل من كان يرى أنه على صواب..
وهم يصيحون: ما تخلو الشباب تتجوز بقى الله، بتصعبوها ليه كده يا حاج عبدو عليهم...
والحاج عبدو كان يصيح محاولًا أن يبرر ويظهر وجهة نظره..
ولم تتوقف تلك الفوضى إلا عندما قام وليد من مكانه وهتف بصوت أعلى من أصواتهم هاتفًا: اهدوا، هدوء من فضلكم، مفيش أي حاجة هتتحل بالشكل ده وبالصوت العالي ده، انتوا بتقطعوا على بعض...
وطبعا الجميع خلاص عرف وجهة نظر الحاج عبدو، ممكن بقى تسمعوا رأي الدين بدل ما كل واحد يطلع بفتوى؟؟؟
هتفوا: قول يا شيخ وليد، فتح الله عليك..
جلس وليد تارة أخرى وتنهد حتى يقول لهم...

وأخذت زينا تتنهد في خوف مصحوب بقلق وهي تستمع لفتوى حبيبها في أمر زوجها.
كم هو صعب!!
هتف وليد: ذات يوم، خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الناس ونصحهم ألا يغالوا في مهور النساء، وبيّن لهم ان المغالاة في المهور لو كانت مكرمة في الدنيا أو الآخرة لفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه صلى الله عليه وسلم ما أعطى أحدا من نسائه ولا أخذ لبناته إلا شيئا قليلا.
فقامت إليه إحدى النساء وقالت في شجاعة: يا عمر يعطينا الله وتحرمنا، أليس الله سبحانه يقول (وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) والقنطار هو المال الكثير. فأدرك عمر صواب قول المرأة وحسن استشهادها بالآية الكريمة، فرجع عن رأيه، وقال: أصابت امرأة وأخطأ عمر..
أما زيادة أن امرأة اعترضت عليه، فقال عمر: أصابت امرأة وأخطأ عمر. فلها طرق لا تخلو من مقال، منها: طريق أبي يعلى وفيها مجالد بن سعيد، قال الإمام أحمد: يرفع كثيراً مما يرفعه الناس ليس بشيء، وقال ابن معين: لا يحتج به، وقال البخاري: ضعيف.
ومنها: طريق عند ابن المنذر وفيه قيس بن الربيع، وقد تكلم فيه غير واحد كالبخاري وابن مهدي وابن معين، وذكره البخاري في الضعفاء، وقال النسائي: متروك الحديث. ورواها أيضاً أبو حاتم البستي في مسنده من طريق أبي العجفاء، قال البخاري: في حديثه نظر. قال العلامة محمد بن إبراهيم: إن طرق القصة لا تخلو من مقال فلا تصلح للاحتجاج.  والله أعلم. واذا اختلف الفقهاء في حديث المرأة التي وجهت كلامها إلى بن الخطاب، فإن القرآن لا يكذب والآية التي جاءت تقول ذلك نصًا، فهناك بالفعل من هو قادر على دفع المهر كله ومن هو قادر على أن يكتالها بالذهب.. فلا يصح التعميم. وعليه إذا رفض الوالد، فعليك انت يا حاج برعي ببدء البحث عن أسرة أخرى تتقبل وتوافق ولكن لا يصح أن تجبره يوافق ولا يصح أن تقاطعه لأنه طلب مهر أكبر..
ثم تنهد ووجه كلامه إلى الحاج عبدو وهتف: وانت يا حاج عبدو، إذا كنت ترى أن نجله زينة شباب الحي فلا حرج عليك أن تحاول أن تتفق معه وكل شيء يحدث بالتراضي بينكما، لأنه ربما تجد من يكتال ابنتك بالذهب ولكن من الصعب ان تجد من يجعلها جوهرة ويعاشرها بالمعروف..
والله أعلم.
بعدما انتهى وليد من كلامه ، همّ الجميع بالتصفيق الحار وأخذوا يهتفون بقوة: الله اكبر، يسلم فمك يا مولانا، الصلح خير يا اخونا وحاولوا تتراضوا
وبالفعل قام عبدو من مكانه وبرعي أيضا وحضنا كل منهما الآخر، اما شعبان كان ينظر إلى ابنه في فخر وإجلال يرى نتيجة زرعته..
ولم ينه تلك اللحظة السعيدة سوى صوت اشياء تقع وتتحطم أمام باب الغرفة ويعقبه صوت انثى تصرخ...

ركض وليد مهرولًا واتبعه والده،.. وفتح الباب ليرى ماذا حدث، وعندما فتحه وجد زينا تقف مكانها مازلت في أثر الصدمة لا تصدق أن الشخص الوحيد الذي دق له قلبها، ربما يكون السبب الرئيسي في زواجها، هل هو لهذه الدرجة لا يراها ولا يشعر بها؟؟؟!.
الاكواب تحت قدميها محطمة وقد نالت قدميها من شدة حرارة الشاي جانب، فقد حرقت تلك السخونة جزء من ظهر قدميها.. ولكنها لا تعي ولا تهتم بحرق ذلك الجزء لأنها تسمع الآن صوت تحطم قلبها الذي احترق بنيران ضعفها وقلة حيلتها....
ليست قادرة على أن تبوح له صارخة احبك ولا اود غيرك...
ينظر إليها وليد هاتفًا: أنتِ كويسة؟؟ آنسة حصلك حاجة؟؟؟ الازاز عورك او حاجه ؟؟

لا تنظر إليه،لا ترد،لا تتحرك،هي الآن حتى لم تكن في عالمه، ربما لا تسمعه..
لا يعرف وليد ما الذي يمكنه فعله، فهو يرى أن قدميها قد أصيبت، لذلك اسرع وهو ينادي : ماما، يا ماما..

تاركًا شعبان ينظر إليها في تعجب لا يعرف لماذا تقف هكذا دون أن تنطق بأي كلمة ولا يعرف لماذا أوقعت الصينية..
             ******
نسلط الضوء على ڤيلا أخرى لم نتحدث عنها قبل، ڤيلا تبدو في غاية الروعة والجمال وكانت ڤيلا السيد علي السيستاني، ومع هدوء الليل، تنزل شاهستا الدرج في هدوء وهي ترتدي ملابس النوم، وبينما هي تنزل تردد: أمير.. أمير، انت فين؟؟
يخرج لها فتى عريض المنكوبين وطويل، ويبدو على ملامحه الجدية، واقفًا أمامها وهي يرتدي بنطال قصير ( شورت) ولا يرتدي أي شيء فيما يخص الجزء العلوي من جسده...
نزع الفتى سماعة الأذن ونظر إليها وهتف: نعم
ردت باسمة: وحشتني..
_ وانتي كمان يا روحي بجد
قالها واقترب منها وقبّلها من خدها
هتفت هي: عملت أيه في الجيم انهارده ؟؟
اقترب منها وأخذ يلمس بيده شعرها هاتفًا: ولا اي حاجه عادي زي كل يوم، بس إيه رأيك في عضلاتي؟

نظرت إليه في اعجاب وأخذت تقترب منه وهي تلمس عضلات كتفيه وهتفت: قمر...
_ بجد ؟؟؟ عجبوكي؟؟
_ اه بجد، تحفه.
اقترب منها فجأة وحملها بين ذراعيه وهي تضحك بصوت عالي وأخذ هو يردد: تعالي بقى عشان مستحلفلك... ثم أخذها ودخل الغرفة..
           ******
بس كده متنساش تقول رايك وتوقعاتك واتفاعل اذا عجبك البارت
سلمى خالد احمد #

















الجعة يشوبها الأخلاق Where stories live. Discover now