الفصل الستين (الاختبار الأخير)

4 1 0
                                    

في الظلام نجد الحقيقة… حقيقة أنفسنا المنسية… دموعنا المهجورة… وأحزاننا المتراكمة…

انتظرت حتى تعتاد على الظلام وقتا ليس بطويل، فمن خُلق في الظلام يأنس بالظلام…

مضت في طريقها الذي شعرت أنه مستقيم، ولم تعرف ماذا ينتظرها…

صوت أمها قادم من كل مكان 'لماذا قتلتني أبنتي؟ أردت الأفضل لكِ لقد حاربت الجميع لأجلكِ، لماذا لماذا' أزداد صراخها في كل مرة تكرر الكلمة الأخيرة، أغلقت أذنيها بيديها ولكن الصوت غزا دماغها، توقفت عن الحركة وبدأت بالبكاء أرتجف كل جزء من جسدها، صرخت بأعلى صوتها 'أرجوكِ توقفي' أكبر ذنب بالنسبة للأطفال أذية والديهم أو أحزانهم، ولكن ماذا عن قتلهم وسفك دمائهم، كيف للإنسان أن يعيش بهذا الذنب، كيف لا يموت مكانه ألف مرة بهذا الذنب العظيم…

خارت قواها وكانت على وشك الأغماء من كثر البكاء والصراخ، راجية أمها بالتوقف، صوت أخر غزا قلبها يقول 'لا تنصتي لها' تعجبت مادي وقالت 'من أنتِ؟' هي تألف هذا الصوت ولكنها نسيت من يكون فقالت لها 'أنا أمكِ، نحن متصلتان هل نسيتِ؟' لمعت عيانها ثم قالت 'أجل، أجل، بقوة البحر' ثم عادت أمها لتقول 'لا تنصتي لها أنا هي أمكِ' لم تعرف إذا كانت هي حقا أمها أم مجرد خيال من قلبها ليحميها من عقلها، ولكنها قررت تصديقه والمضي قدما، كان الأمر صعبا عليها فصراخ أمها لم يتوقف، وذلك الصوت من قلبها لم يهدأ، بين هذا وذاك مضت في طريقها…

هدأ كل شيء فجأة وشعرت بضوء غريب قادم من الأمام وظنت أنها النهاية ويا لها من نهاية، عندما وصلت رأت العزيز إكليو في انتظارها، قائلا وسكينة في يده 'إذا أردتِ العبور عليكِ بقتلي' قالت وهي تبكي بانهيار 'يكفيني أن قتلتك مرة لا تجعلني أفعلها مرة أخرى' بكت بحرقة وهي تقول 'لا تجرعني من كأس سمك مرتان يا إكليو' تمسكت به ورمت رأسها في صدره باكية ناحبه، لا تملك الحيلة لفعل شيء، أما هو فبقي جامدا دون حراك ويده ممدودة بالسكينة، رغم معرفتها بالاختبار ولكن الأمر كان صعباً عليها، فكيف تقتله مرتان؟ تقتل من أحب قلبها!! ومن شاركها الحياة والمصير…

نطق صوتا من قلبها مرة أخرى 'لا بأس أنا لن أموت فأنا هنا في قلبكِ' وضعت يدها على قلبها، أبعدت نفسها عن ذلك الجسد البارد ومسكت بيدها الأخرى السكين، وطعنت قلبه مباشرة ودون تردد ولكنها أغلقت عينها حينما تأكدت من وصول السكينة الى قلبه، فهي لا تملك الشجاعة لرؤية عينيه وهي تنطفأ، بعد أن فتحت عينيها لم تجده أمامها وعاد الظلام يغزوا المكان، تابعت طريقها بحزن وانكسار، بات السير متعبا عليها والدموع تنهمر بلا توقف، وأصوات قلبها قد سكنت وكأن قلبها من سكن عن النبض…

مسيرة ليست بطويلة حتى ظهرت لها معركة ليڤ وجوان وصوت غريب يخبرها 'اختاري من يفوز ومن يموت' صدمت لسماعها هذا الكلام, وضعت يدها على فمها تقلبت أمعائها في داخلها حتى استخرجت كل الهواء الساكن في جوفها، فهي لم تأكل شيء أو تشرب شيء من مدة طويلة… قالت تسأل بعد أن سكنت 'هل يمكنني ألا اختار؟' أجابها الصوت بالنفي فسألت 'هل يمكنني أن أختار فوز الأثنان أو خسارتهما؟' أجابها الصوت بالنفي، عادت لبكائها ضمت جسدها بالكامل يا لهذا الاختبار الصعب على قلبها الضعيف، رغم معرفتها بكون جوان قاتلا مجرما إلا أنها لم تستطع كرهه، فهو من أنقذ حياتها، وهو من رباها وأواها، وله الفضل عليها، ومع ذلك ليڤ ساعدهم كثيرا وكان نعم الرفيق لهم، تحب الأثنان سواء ولا يمكنها الاختيار بينهم، عاد الصوت ليسألها 'من تختارين' صرخت بأعلى صوتها 'عليك اللعنة دعني أفكر' أجابها الصوت 'وهل من سبيل للتفكير؟' أنه مثل اختيار أحد الوالدين، أو أن تنحاز لأحد أصدقائك دون الثاني، لكن عليها الاختيار 'صرخت بغضب اختار ليڤ ليفوز' اختيار جوان سيكون خيانة لرفيقها في الحرب حتى وإن لم يعلم هي لا تريد خيانة رفيقها…

بينما كانا يتعاركان ألتوت ساق جوان بدون سبب فضربه ليڤ ضربة أدمته في مكانه…

شاهدت مادي ذلك وهي تبكي وتصرخ غضبا وتلعن الاختبار والبحار السبعة كلهم قالت بغب 'سأنتقم منكم كلكم، أقسم لكم بذلك'…

أمضت بعض الوقت وهي ساجدة على الارض تضربها بيدها تارة وبرأسها تارة أخرى وتشتم وتلعن حتى هدأت قليلا، شعرت بالظلمة قد عادت فتساءلت 'هل هذه ظلمة قلبي؟'…

نهضت من مكانها للتابع الطريق 'من بقي يا ترى' قالت تخاطب نفسها، سيرها لم يكن طبيعيا أبدا فقد كانت كالثمل متعرجة السير تميل لليمن ولليسار وكأنها ترقص أثناء سيرها ظهرها منحني وجسدها منجذب للأرض رافض للنهوض ومتابعة السير…

وصلت للنهاية هذا ما شعرت به وعند الباب وقف حارسا مقابلا للباب ليمنعها من العبور، وحينما رأته اعتدلت في وقفتها وقالت بحزن 'ماذا هل علي قتلك للعبور؟'

أجابها في حنان 'كلا، أنا فقط أريد أن أصارحكِ بمشاعري وأن أسمع منكِ مشاعركِ قبل الفراق'

مواجهة المشاعر ثاني أصعب شيء قد يمر به المرء، قالت ودموعها لا تتوقف عن الانسكاب 'ماذا تريد أن تسمع؟'

تقدم حتى بات قريبا منها وضع يداه على وجهها وبدأ بمسح دموعها بأصابعه أغمضت عينيها، كان من الصعب النظر في وجهه فقالت وهي مغمضة العينين 'أنا أسفة، فأنا لم أحبك قط، لا أعرف كيف أفسر مشاعري، ولكن ذلك الشعور لم يكن حُباً قط، فقلبي الذي تحطم كثيرا لا يمكنه معرفة الحب، ولا الشعور به' فتحت عينيها لتراه قد أختفى، لكنها متأكدة أنها رأت وجهه الباسم قبل أن تفتحهما بالكامل، وضعت يديها على وجهها وخبأته من قسوة هذا العالم بكت وهي تنحب 'أنا أسفة، أنا أسفة' صوت من قلبها نطق 'حتى وإن كرهتني سأضل أحبكِ حتى النهاية'…

اشتعلت القوة في ذلك الجسد الهزيل ضمت قلبها ومزجت ابتسامة شاحبة مع دموعها، مسحت دموعها بكم ملابسها بإصرار، نظرت للباب بعينين غاضبتين وتقدمت حتى فتحته، وحين وصلت للجهة الأخرى وجدت نفسها قد عادت للكوخ مرة أخرى…

البحر السابع Where stories live. Discover now