الفصل الثاني والخمسون (حكمة وخبث)

5 1 0
                                    

كان الليل مظلما بلا قمر أو نجوم، لكن لا يوجد أعتم من القلوب القاسية التي أذعنت لطمعها بالجاه والقوة.

اختبأوا في عزلة قريبين من قرية الزعيم يراقبون حركات الزعيم فهم مدركون أن البحر مخبأ في مكان أخر، يمكن لمادي الشعور بالبحر إذ كان قريبا منها اكتسبت هذه المهارة من بحر مملكة رياح البحر، بشكل غريزي يمكنها ان تدرك أن البحر بعيد ولكن لا تعرف بأي أتجاه، صمت عم المكان يمكنها أن تدرك أن ليڤ وإكليو يخططان لشيء ما، لكنهم لن يتكلموا مثل ما حدث في قبيلة عذار، ولأنها لم ترغب بأن يخرجوها من الدائرة قالت 'إذا ما الخطة؟' قال إكليو 'نتبع الزعيم حتى يرشدنا للبحر' قال دان 'ألا يمكننا الهجوم عليه وإجباره على الكلام؟' قال ليڤ 'يمكننا' ثم قال إكليو 'ولكن حينها علينا قتله وإلا هاجمنا فهو يعرف وجهتنا' قالت مادي بإصرار 'نحن سندمر العالم لذا لا يهم موت شخص قبل الجميع' قال ليڤ بصوت خالي من المشاعر 'تتحدثين كأمكِ' أجفلت مادي من كلامه ورمقه دان بغضب بينما لم يهتم إكليو وقال 'قد تكونين محقة ولكن تعرفين لا نريد أن نكون مثلهم' فهمت مادي كلام الاثنان وانطوت على نفسها تفكر كيف اصبحت لا تهتم بأرواح الأخرين، حينما تذكر خوفها وحزنها وألمها على سكان مملكتها في يوم كانت لتكون ملكتهم والان هي من أبادتهم ولم تعد تهتم، لا بمشاعرهم ولا بخوفهم، غضب كبير اعتراها، من نفسها الأثمة، الغير مبالية إلا بنفسها، ماذا لو كان عليها قتل إكليو فكيف ستكون مشاعرها!!

نام الجميع بأفكار مختلفة واستطاعت مادي وإكليو سماع شجار دان وليڤ كان همسا ولكنهما عرفا فحواه فهو غاضب لكون ليڤ وقحا مع مادي وطلب منه على شكل تهديد أن يعاملها بلطف او لا يحادثها من الاصل، ليڤ لم يرد عليه فقد كان لديه أمور أكثر أهمية من مجالسة طفل مثله.

مر الاسبوع الأول ولم يتحرك الزعيم من مكانه ففكروا أنه لا يوجد سبب لذهاب الزعيم للبحر، فقرروا صنع السبب.

تفرقوا على شكل مجموعتان ليڤ ومادي وإكليو ودان وكل واحد منهم توجه لقبيلة ما… ذهبت مادي مرتدية زي العرافات فهم يقدسونهن هنا، وكان ليڤ مساعدها مرتديا ملابسا بالية نازعا السلاح ملثما وجهه كما يفعل خدمة العرافات، طلبت الدخول على زعيم القبيلة وتم الترحيب بها كما يليق بعرافة فأجلسوها في المجلس وأحاطوها بكل أنواع الطعام ولكنها لم تلمسه كما يفعلن العرافات فهذه الطريقة المعتمدة لتميز المحتالين، رحب بها الزعيم وقال 'من أنتِ وما سبب قدومكِ' فقالت بصوت عجوز واهن 'أنا العرافة شظية وأتيت لأحذرك' أسم العرافة شظية كالأسطورة فهي لم تخطأ قرأتها قط وكان يحدث كل ما تقوله، تلعثم الزعيم وقال 'مما تحذريني؟' فقالت بصوتها الخبيث 'سيأتيكم رسول من قبيلة جعدان، لا تدخلوه أرضكم فأن فعلت لقطعن رأسك' ثم ضحكت كعجوز ساحرة تليق بمنصبها الخبيث ثم ظهر دخان أعمى الحضور وعندما انقشع كانت العرافة شظية قد اختفت كما شهر عنها.

في مكان أخر كان هناك رجلان يقطعان الصحراء يرتديان عمامة بيضاء وملابس بيضاء وكأنهما رجال دين منزلين رؤوسهم بخشوع، يتمتمون بكلام لا يفهمه أحد غيرهم، الى أن وصلوا الى أعتاب قبيلة ما وقال الحارس 'أهلا بكم يا شيوخنا، ما لوصولكم عندنا؟' قال الشيخ طويل القامة بصوت خاشع 'نحن هنا لنحذركم من خطر قادم يا بني' قال الحارس 'والعياذ بالله' فتح لهم الطريق ليعبروا فالشيوخ لا ينقادون فهم يعرفون طريقهم وكأنهم مرسلين من قوى أكبر من أن يفهمها أحد، وصلوا الى القاعة الكبيرة او مجلس القبيلة لم يدخلوا فهم لا يطئون أرضا بدون إذن، أذن لهم زعيم القبيلة بالدخول فدخلوا وهم يتمتمون ويهمسون بكلمات صعبة الفهم، بعد أن جلسوا بكل أدب وتم ضيافتهم قال الزعيم 'بما أدين بزيارتكم هذه؟' فقال الشيخ طويل القامة 'نحن هنا لنحذركم من شر قادم' فقال الزعيم 'وما هو هذا الشر' كان الزعيم القزم منتفخ البطن واثق من نفسه فقبيلة جعدان مشهورة بين القبائل ويعرف أن خلفه الكثير من الزعماء الذين سينهضون معه، وبعد صمت طويل رفع الشيخ قصير القامة رأسه ونظر ناحية الزعيم وبهدوء قال 'قبيلة رأس' ولم يزد عن كلامه شيء. استأذن الشيخان بالمغادرة رغم أصرار الزعيم ببقائهم ولكن هذه طباعهم لا يسكنون البيوت ومعتزلين عن العالم أجمع وكل ما يفعلونه هو عبادة إلههم، رغم قصر كلامهم إلا أنهم أشعلوا فتيل الحرب بالفعل.

أرسل زعيم قبيلة جعدان رسول الى قبيلة رأس، يعرف الطرفان أنهم في نزاع دائم فقرر إرسال رسول لدعوة زعيم القبيلة لمعرفة ما يخطط له.

وهذا ما جرى:

وصل الرسول الى أعتاب قبيلة رأس وقال 'أنا رسول قبيلة جعدان الى زعيم قبيلة رأس' لم يدخلوه وسأله أحد الحراس عن مبتغاه دون إدخاله وهذه تعتبر إهانة بالغة في أعرافهم مما أغضب الرسول وجعله يعود الى قبيلته بنبأ رفض استقباله.

أزعج هذا زعيم قبيلة جعدان وقال 'الحرب إذا هذا ما تبتغيه أليس كذلك' فأرسل الى الزعيم طالبا الأذن للحرب بعذر إهانة قبيلته بعدم استقبال الرسول، وما إن وصلت رسالته الى الزعيم وقرأها نهض من مكانه متوجها لمكان البحر حتى يستشيرها بأمره فهو لا يفعل شيء بدون العودة لها…

البحر السابع Where stories live. Discover now