الفصل التاسع والخمسون (البحر السابع)

4 1 0
                                    

وقفت مبللة بالدماء… دماء أمها… ودماء فتاها… وقفت أمام ممر مضيء يوصل للقمر… وامتزجت الأرض بالدماء… والسماء بالصياح…

مكسورة الظهر، مفتتة القلب، تنوح بلا صوت، وتبكي بلا دموع، عبرت ذلك الجسر المضيء…

وحينما وصلت وضعت يدها على القفل وتوهج الدم في يدها، وتحول الى مفتاح، وأنشق القمر، وفُتح الباب، الى البحر السابع…

ولجت له بخطوات ثقال ومشاعر مختلطة تفكر ماذا لو لم يعد كل شيء، ماذا لو كانت كذبة…

اعتادت على الأبعاد وشكلها لكن هذا كان مختلفاً، فقد انتشرت الخضرة في كل مكان وكأنها دخلت الى حديقة غناء…

انبهرت من كل شيء حتى نسيت حزنها وفقدها…

وبينما كانت تسير متمعنة بجمال كل شيء، إذ بها تتفاجأ بطائر لم ترى له مثيل من قبل كان ضخماً، وذو لون أزرق سماوي وعيناه سوداوان جميلتان إذا تمعنت فيهم قد تجد نفسك غارق في ظلمة الفضاء محاط بنجوم السماء…

همس ذلك الطائر بدون أن يفتح منقاره الفضي الضخم قائلا 'هل أعجبكِ المكان' تعجبت كونه خاطبها وكونها تسمع صوته في عقلها فقالت 'من أنت؟' أجابها 'لا يهم من أكون، أخبريني هل أعجبكِ المكان' قالت في لهفة وعجلة 'أنا… أنا أريد أن' قاطعها ليسألها مجدداً 'هل أعجبكِ المكان' شعرت أن عليها مسايرته في الكلام فقالت بهدوء 'أجل أعجبني' قال وهو يعيد رأسه لحجره ليتابع النوم 'يسعدني سماع هذا' قالت في خوف 'ماذا عن تحقيق أمنيتي؟ والقوة الموعودة!!' لم يجبها فقد عاد للنوم، حاولت ضربه بجسدها ولكن هذا لم يؤثر عليه، بدأت في البحث عن شيء أكبر قد يؤثر عليه ولكنها لم تجد، جلست بجانبه متسخة بالدماء شعرت بالتعب فقد كان ريشه ناعما ومريحا، وكان جسمه دافئا، فغفت بجانبه لم تشعر حينها بنفسها رغم أنها حاربت لكي لا تنام، لكن التعب أعياها…

نظن أننا أقوى من أنفسنا، ولكن دائما ما نُهزم، نملك أنفسا قوية وكل ما علينا هو الانصات لها فهي تعرف الأفضل لنا…

نامت لوقت طويل وحينما أفاقت شعرت وكأن وقتا طويلا مضى، رغم أنه لم يمضي الكثير، فتحت عينيها بتثاقل، زارتها ذكرى عابرة، حينما كانت تنام بجانب إكليو، راودها نفس الشعور تماما…

حينما استعادت وعيها خاطبت الطائر مجددا لكنه مازال نائما، شعرت أن هناك طريق خلفه، فقررت تسلق الطائر والعبور منه، وهذا ما فعلته. كانت خائفة من أذية الطائر ولكنه كان نائما بعمق ولم يعرها أي اهتمام…

 عندما وصلت الى القمة، قمة الطائر، نظرت الى الطريق خلفه، طريق طويل ممتد وينتهي عند بنيان صغير دائري الشكل وكأنه حلقة القمر، مبني من خشب وبتصميم قديم أثري، ومن بعيد بدا جميلا جدا، وشعرت بالرغبة الملحة للذهاب إليه…

قفزت دون أن تشعر بنفسها ولا بالألم، ركضت بسرعة لم تعهدها من قبل، لم تسقط أو تتعب، ولم تطلب وقتا للراحة، ركضت لحظن أمن ركضت لدمعة ساقطة ركضت لأنها لم تملك إلا الركض…

وحينما وصلت الى وجهتها فتحت الباب بهدوء ليقابلها صوت دافئ ولطيف 'آلم يعلموكِ أن تطرقي الباب أولا' شعرت بالخجل وأرادت أغلاق الباب لطرقه فقالت لها 'لا بأس كنت أمازحكِ' وبعد أن دخلت وقابلت ذلك المخلوق البديع بحماله قالت 'مرحباً بكِ في البحر السابع'…

هل تعرف هذا الشعور بدون وصفه؟ أن تصل الى شيء لم تؤمن به قط! ولكنك حاربت بكل قوتك للوصول له؟ رغم أن الجميع أخبرك بحقيقته إلا أنك أنكرت الأمر في قرار قلبك، هذا ما شعرت به مادي حينها وبكيت، هذه المرة لم تبكي فقد أحد أو تبكي سعادة لقاء، بل بكيت لوصولها لشيء لم تؤمن به من قبل…

نهضت البحر من مكانها فقد كانت جالسة على كرسي مقابل الباب بجانبه طاولة دائرية، جلست بجانبها ومهدت رأسها وهي تقول 'لا بأس عليكِ هيا تعالي معي' ساعدتها على النهوض وأجلستها على الكرسي الثاني للطاولة وعادت الى مكانها، ابتسمت لها وقالت 'يا البشر كل مرة أتفاجأ بردة فعل مختلفة' قالت مادي متعجبة وهي تمسح دموعها 'أنا لست الأولى؟' فأجابتها 'ولن تكوني الأخيرة، طالما البحار موجودة' انصتت مادي الى كلامها ثم تابعت البحر 'هناك من تمنى كنزا لا يفنى، ومن تمنى الخلود، أو قوى عظيمة' قالت مادي وما زالت في صدمتها 'وهل أعطيتهم كلهم؟' قالت البحر والابتسامة لم تفارق محياها 'كلا' ثم تابعت كلامها لتجيب على سؤال مادي الذي نطقه وجهها 'هناك اختبار أخير وإن لم يتجاوزه لن يحصل على أمنيته' قامت مادي من مكانها وقالت 'أنا جاهزة لكل شيء' نظرت البحر الى بقع الدماء في ملابسها وجسدها وهمست 'بكل تأكيد' ثم قالت 'دعينا نرى' نهضت من مكانها واتجهت الى جدار المنزل الذي أظهر سبع أبواب بألوان مختلفة باب لونه أسود، وباب لونه أبيض، وباب لونه رمادي، وباب لونه أزرق غامق، وباب لونه أزرق فاتح، وباب لونه أخضر، وباب لونه أحمر.

نظرت لهم مادي بتعجب فهم ذكروها بالبحار السبعة، فقالت لها البحر 'اختاري باب' فسألتها مادي 'هل هذا هو الاختبار؟' فأجابتها 'كلا' تفحصت مادي الأبواب ثم توجهت للباب الأخضر وقالت 'سأختار هذا الباب' فسألتها البحر 'ولماذا هذا' أجابتها 'يذكرني بمملكة رياح البحر، يشبهه بالخضرة' لم تبدي البحر أي ردة فعل ثم قالت 'حسنا أفتحي الباب' فتحت مادي الباب وقد كان أمامها طريق مظلم فقالت لها البحر 'هيا أدخلي' دخلت مادي الى الباب وقبل أن يغلق سألتها 'لم تخبريني ما هو أسمكِ؟ أجابتها البحر 'أسمي هو الأبدية' أغلق الباب ليترك مادي في الظلام الدامس…

البحر السابع Dove le storie prendono vita. Scoprilo ora