الفصل الثالث والثلاثون (حقيقة أم كذبة)

7 2 0
                                    

منتصف الليل، لا يُسمع فيه صوت ولا يُرى فيه شيء، فالقمر شعر بالخوف وهرب وترك مسؤولية إنارة السماء للنجوم، و لم تكن أشجع من القمر فتركت المسؤولية للنار لتضيء الدرب، ولكنها ليست أقوى من النجوم فتركت واجبها لعيون البشر الغير معتادة على الظلام، فلم يْرّى أحد ما جرى في غياهيب الظلام…

غادر إكليو ومادي بينما كان الجميع نيام سيرا على الأقدام، الى المجهول، كانت مادي تمسك بيد إكليو وتتبعه لأن عيونها تحتاج وقت أطول من عيون رفيقها لتعتاد على الظلام، بينما كان إكليو وكأنه خُلق في الظلام، وهذا بسبب قوته التي أكتسبها من الجان، فبعد أن يطلب منهم مساعدته يعيرونهم قوته، فيستطيع الرؤية في الظلام. بعد أن اعتادت عيونها على الظلام استطاعت تمييز المكان، كانت صحراء قاحلة ذكرتها بالرؤية التي رأتها، فقد كان المكان مشابها لهذا المكان ونفس الظلام أيضا، بقي فقط أن تمطر السماء، بينما كانوا يسيرون سألته مادي 'إكليو قل الحقيقة، كيف عرفت المكان؟' فقال وهو يسير معطيا مادي ظهره 'قلت لكِ من الكتب' قاطعته مادي قائلة 'لو كان حقا لعرف زعيمهم مكان البحر مسبقا' فقال بنفس النبرة الباردة 'ومن قال أنه لا يعرف' تعجبت مادي ثم قالت 'لو كان يعرف لذهب لأخذه' فقال إكليو 'وماذا سيستفيد منه؟ فهو لن يستطيع تحرير قوته' سكت قليلا ثم تابع 'قد يكون رجلا ضعيف الشخصية، لكنه حكيم وذكي، ذاك الحجر سيجلب الدمار لهم' فقالت مادي 'كيف سيجلب لهم الدمار؟' توقف إكليو فجأة ثم ألتفت الى مادي وقال 'لقد وصلنا'.

في منتصف الخلاء توقف، لم يكن حولهم أي مظاهر للحياة، ولا حتى جبال او هضاب، ارض مستوية قاحلة، تأملت مادي المكان ثم قالت 'وأين هو البحر' قال لها إكليو 'أنتِ أخبريني ألا تشعرين بقوته' صمتت مادي وتأملت وجه إكليو الجاد قائلة 'لا أشعر بشيء......' صمتت لأنها بدأت تسمع صوتاً أنثوي قائل 'أخيراً أحد ما يستطيع سماعي، تعبت من الحديث مع نفسي طوال تلك السنين' صرخت مادي التي لم تعتاد بعد على الأصوات 'من أنتِ' ضحكت صاحبة الصوت وقالت 'ما مشكلتك ألم تأتي للقائي، والأن تسألين من أنا' نظرت الى إكليو الذي كان واقفا أمامها وينظر لها بجدية، ثم تنفست بعمق وحاولت تطمين نفسها ثم قالت 'أريد الحديث معكِ، أين يستقر حجرك بالضبط؟' قالت بملل 'أنه مدفون أسفل الفتى الوسيم' نظرت مادي الى إكليو لثواني ثم قالت 'أبتعد قليلا أيها الوسيم' أبتعد إكليو ثم قامت مادي بالحفر وساعدها إكليو، الى أن وصلوا الى صندوق خشبي مزخرف بالذهب مغلق بقفل من فضة، فقالت مادي 'كيف سنفتحه؟' فقال إكليو 'أعطني إياه' وضع يده على القفل ثم قال 'أفتح' ففتح القفل عرفت مادي أنه استعان بقوة الجان، ثم قالت وهي تفتح الصندوق 'لن أعتاد أبدا على هذا الوضع' أبتسم إكليو ساخرا على مادي التي أخرجت حجرا أخضر غامق لا يُرى شيء من خلاله، فقالت صاحبة الحجر 'أجل يا لقسوة البشر، حُبست هنا داخل هذا الحجر القبيح منذ لا أعلم كم، فقد توقفت عن العد منذ زمن طويل' قالت مادي 'مئة عام بدأ كل شيء منذ مئة عام' فقالت الجنية 'حقاً! ظننت أنه أكثر من ذلك' أغلقت مادي عينيها وأمسكت بالحجر بيديها، لرغبة الانتقال الى البعد الذي تعيش فيه، لكن صرخة الجنية أوقفتها قائلة 'ماذا تفعلين يا حمقاء' فقالت مادي بتعجب 'علي فعل ذلك حتى أحصل على قوتك' فقالت الجنية 'غبية من قال لك ذلك؟ ما ستفعلينه ببساطة هو تدمير العالم الذي انتِ فيه' تعجبت مادي وقالت بانفعال 'ما الذي تقصدينه؟ أرجوكِ أشرحي أكثر' فقالت 'حسناً سأشرح لكِ، لكن أولا أمسكِ بيد الوسيم الذي بجانبك حتى يستطيع سماع صوتي' نظرت مادي الى إكليو ثم قالت له 'أمسك يدي حتى تستطيع سماع صوت الجنية' فقال إكليو 'ألن تذهبي الى بعدها مثل ما فعلتي سابقا؟' فقالت مادي 'لقد منعتني، والأن سنعرف السبب أمسك يدي' أمسك يدها بعدها قالت الجنية 'هل تستطيع سماع صوتي أيها الوسيم' تعجب إكليو ثم قال 'أنثى؟ أليس بحر عشير رجل؟ ذكر التاريخ أنه رجل!' ضحكت الجنية ثم قالت 'جميعنا إناث وهذا لأن البحر أنثى' تعجب إكليو ثم قال 'لكن البحر مذكر' تعجبت الجنية قائلة 'حقاً! لكنه أنثوي جدا ليكون مذكر، فهو مزاجي ولا أحد يستطيع التنبؤ بغضبه، أليس هذا أنثوي؟' ضحك إكليو وقال وهو ينظر الى مادي 'هذا حقا أنثوي' عرفت مادي أنه يقصدها فقالت بانزعاج 'أخبرينا ما كنت تقصدينه' فقالت الجنية بملل 'حسنا سأخبركم' صمتت قليلا وكأنها كانت تعدل من جلستها، ثم قالت 'لكل بحر بعد خاص به، تم صناعته عن طريق البشر، لا أعرف كيف لكن بالنسبة لي ظهر عشير الذي كان حليفا لنا بهذا الحجر، و وجه الى وجهي ونطق ببعض الكلام ثم سُجنت هنا، لا يستطيع أحد الدخول أو الخروج من هذا البعد، ولكي تستطيع الجنية الخروج من هنا علينا وبكل بساطة تدمير هذا البعد' صمتت قليلا للترك المجال للسؤال، فسألت مادي بنوع من الخوف 'التدمير… تقصدين قتل جميع البشر؟' فقالت بمرح 'أجل' ثم تابعت بجدية 'منذ أن أستخدم البشر أميرات الجان السبع، غضب الجان غضباً جما لذلك قرروا الانتقام منهم، عبر تدميرهم' لم تستطع مادي تصديق الأمر أنه تم استغلالها من قبل أمها، فقالت بنوع من النكران 'لكن أمي أخبرتني بشيء مختلف' فقالت الجنية بتساؤل 'أمك ومن هي أمك؟' قالت مادي 'جنية بحر إغريق' ضحكت الجنية بصوت عالي وقالت وهي تحاول التوقف عن الضحك 'مستحيل، أمكِ جنية' فقالت بغضب 'هي من أخبرتني بذلك، فقد حملت بي وأبقتني في جوفها في بعدها، ثم ولدتني وأرسلتني الى خارج البعد' أستمرت الجنية بالضحك، مما زاد من غضب مادي فقال إكليو 'هل يمكنكِ شرح سبب هذا الضحك' توقفت عن الضحك بصعوبة ثم قالت 'لأن الأمر مستحيل، لتو قلت لك أنه لا نستطيع الخروج من هنا، فكيف أخرجت طفلتها؟ إضافة أنه أحد شروط القوة أن تكون الجنية بكر، فكيف تكون حاملا بكِ' غضبت مادي وقالت 'أمي كانت ملكة بحر إغريق، وزوجة حاكمها' قاطعتها الجنية بملل قائلة 'البشر لا تتزوج من الجان' صمت الأثنان ثم قال إكليو 'لماذا؟' فقالت لتشرح لهم الأمر بطريق غير مهذبة 'نحن جميعاً كائنات حية، ولكن من فصيلة مختلفة مثل الكلاب تماما، كلهم كلاب ولكنك لا يمكنك تزويج فصيلتين مختلفتين، هل تعرف السبب؟' فقال إكليو 'لأنهم سينجبون أطفال مشوهين ومصيرهم الموت' فقالت الجنية بعد أن سفقت 'صحيح' بقيت مادي مدهوشة مما سمعت، ولم تستطع نطق كلمة واحدة لكن الجنية تابعت صدماتها قائلة 'لا تثقوا بأحد حتى أنا، قد أنقلب عليكم من أجل الحرية، ثقوا فقط بأحاسيسكم' قالت مادي بينما كانت الدموع تنهمر من عينيها بدون إذن منها 'أنا قد قتلت جميع سكان مملكتي، أنا السبب في موتهم' انزعجت الجنية وقالت 'ولماذا تقولين هذا يا غبية' فقالت وهي تبكي بحرقة 'لقد انتقلت الى البعد الثاني… وبسبب ذلك… مات الجميع…لقد أخبرني…أحد المهاجرين…عن الضوء الذي دمرهم…وعن الرجل الذي أنقذهم…أنا السبب في دمارهم جميعا' بدأت بالنحيب والصراخ ألماً على تلك الأرواح التي سُلبت بسببها، ضمها إكليو الى صدره وقال بنبرة حزينة 'لم تكوني تعرفين حينها، تلك الجنية استغلتكِ، كنتِ حينها مصدومة من كل الحقائق، لقد كان خطأي أني ضغطت عليكِ وقتها، أنا أسف أرجوكِ لا تبكي' بدأ إكليو يشاركها البكاء، فمتى ما بكت مادي بكى هو ايضاً، قاطعت بكائهم الجنية قائلة 'هكذا إذا، لهذا السبب لا أشعر بقوتها في قلادتكِ، لقد تحررت' جعل كلامها كل من مادي و إكليو مصدومين، ثم تابعت كلامها بجدية 'أسمعا أنتما الأثنان، كونا حذرين فتلك الجنية مجنونة، قد تفعل أي شيء لتنتقم من البشر جميعا' قال إكليو وهو يمسح دموعه بكمه 'ألا يوجد طريقة لتخليصكم من سجنكم هذا بدون قتل أحد' تأثرت الجنية بطيب إكليو وقالت 'وسيم ولطيف يا لك من مثالي' ثم قالت بجدية 'لماذا لا تسألانه، الرجل ذو الرداء الأسود' قالت مادي 'وأين نجده' فقالت الجنية بتعجب 'عما تتكلمون أنه خلفكم!' أستدار الأثنان بسرعة ليجدا رجلا يرتدي السواد، ولا بيان شيء من وجهه، مما جعل من مادي ترتعب فكل شيء يسير وفق تلك الرؤية، ومما زاد من خوفها أن السماء أمطرت،حزناً على ذلك الفتى الصغير الذي يحمل مصير العالم على ظهره.

نطق إكليو بتعجب 'معلمي'…

البحر السابع Where stories live. Discover now