الفصل الرابع والثلاثين (المصير)

7 2 0
                                    

تلبْدّت السماء بالغيوم السوداء التي زادت الليلة ظُلمة، تهاطلت الأمطار بغزارة حتى بللت الأرض ومن عليها، وجوهٌ شاحبة من الخوف، قلوب تنبض بسرعة الخيول، وهاتفٌ يهتف إنه المصير.

ظهر رجل طويل القامة يكسوه السواد، شيء في ذاكرة إكليو أخبرته أن هذا الرجل معلمه، أراد النهوض ولكن مادي أوقفته بيدها المرتجفة، أكتفا ذلك الرجل بقول قبل أن يختفي 'لم يحن الوقت بعد' تجمد الأثنان في مكانهما حينما سمعا صوته المخيف وكأنه هزيم الرعد في غلظته، اختفى صوت الجنية مع اختفاء الرجل حاولت مادي مخاطبتها لكن لا مجيب.

عاد الأثنان الى القرية وقلوبهم وجلة من اختفاء سكان هذه المملكة ايضاً، صمتٌ عجيب كسا القرية، مما أكد خوفهم، جلست مادي باكية على الأرض فلا قوة لها على النهوض، بالكاد عرفتهم وأحبتهم والأن هي تفقدهم، قال إكليو بعزم ودموعه تنهمر على خديه الأحمرين من شدة غضبه 'سأعيد الجميع وسأصحح هذا بنفسي'.

عاد الأثنان الى مسكنهما ليتجففا كانت مادي مكتئبة فقام إكليو بكل شيء بتثاقل، أخرج ملابس جديدة الى مادي وقال لها 'هل تريديني أن أغير لكِ؟' نظرت له بازدراء ثم أخذت الملابس وتوجهت الى الغرفة، جهز إكليو مشروبان ساخنان لهما وجلس على الاريكة يفكر، خرجت مادي من الغرفة وجلست بجانب إكليو بدأا يشربان الشاي بصمت، الى أن أعياهما التعب وناما على الأريكة بجانب بعضهم.

استيقظت مادي في الصباح على صوت الأطفال وضحكاتهم، نهضت مسرعة للخارج بكت كطفل ضائع وجد أهله أخيراً، عندما رأت سكان القرية يلعبون ويمرحون بماء المطر المتجمع في حفر متفرقة، شاهد دان بكاء مادي فشعر بالقلق وتوجه مسرعاً إليها، وقال وهو يضع يده على ظهرها ويطبطب عليه كما نفعل للأطفال 'أنت طفل بكاء حقا' ولكن صدمه خروج إكليو المفجوع وبكائه مع ضحكات سعيدة قائلا 'يا إلهي شكراً لك، آه يا لسعادتي' جلس هو الأخر ليبكي بجانب مادي، شعر دان بالحيرة والقلق ومع ذلك ضم الأثنان الى صدره محاولا تهدئتهما.

أدخل دان الأثنان الى منزلهم وجلب لهما كأسا ماء، جلس أمامهم على الارض وهما جلسا على الأريكة يشربان الماء ويمسحان دموعهما، قال دان مبتسماً 'لا أعرف ما جرى لكما ليلة أمس بعد أن تسللتما الى خارج القرية ولكن إذا رغبتم بالحديث فسأسمعكم' قال إكليو بصوت حزين 'لن تصدقنا' فقال دان بمرح 'جرباني' قالت مادي متجاهلة دان 'عندما حاولت استخدام قوة البحر خرج مختار ليمنعني، وقال أنها أخطر مما أتوقع وأن الجواب سيكون عندك، ماذا كان مختار يقصد؟' أجاب عليها إكليو قائلا 'وجدت مخطوطة كتبها الملك عشير بلغة قديمة ولكني فهمتها، كتب فيها أن البحار لعنة وليست نعمة، أستخدمها الملوك لتوحيد ممالكهم ولكن الثمن عظيم، تعبت من التضحية بالأخرين ولذلك سأضحي بنفسي وأختم هذه اللعنة للأبد، و وجدت بعض المقالات كتبت عن اختفاء بعض من الرجال في الجيش بشكل غريب والرابط الوحيد بينهم هو صغر منصبهم وكونهم غير معروفين' قالت مادي بعجب 'كان يضحي بالجنود هذا هو الثمن' فقال إكليو 'أجل' قال دان مقاطعاً حوارهما 'هل تقصدان أسطورة البحار؟' تعجب الأثنان وقالا معاً 'كيف عرفت' ضحك دان ثم قال 'لست أحمق لتلك الدرجة' ثم تابع كلامه 'بما أنكما وجدتما بحر مملكتنا فستتوجهان لمملكة أخرى' قال إكليو 'أجل فكل مرة نجد بحر نكتشف شيء جديد' قال دان 'هكذا إذا' صمت الثلاثة لبرهة ثم قال دان 'الحقيقة ليست جميلة بالكامل ومع ذلك ترغبان بمعرفتها' قالت مادي بعد أن تنهدت 'معرفة الحقيقة ليست مخيفة بقدر الأكاذيب التي نسمعها' قال دان بصوت حنون 'الجميع يكذب' نظرت مادي بحزن الى دان وقالت 'حتى أنت؟' بادلها النظرات ثم قال 'حتى أنت' عاد الصمت ليسود المكان لكن إكليو قاطعه قائلا 'وجهتنا القادمة هي مملكة بحر النار' قال دان 'هذه المملكة حارة كاسمها كونا حذرين هناك' قال له إكليو 'شكراً على التحذير'. غادر دان المكان وتركهما حائران بأمرهما.  

قرر الأثنان البقاء ليومين أخرين حتى يجمعا ما يحتاجان لإكمال الرحلة فالطريق وعرة وجافة الى مملكة بحر النار سيحتاجان الكثير من الماء، الطريق من موقعهم الى وجهتهم يستغرق ثلاث أشهر سيرا على الاقدام بسرعة إكليو وبسرعة مادي نصف سنة، ولكن زعيم القرية عرض عليهم أخذ أحصنة معهم فقلل هذا الوقت لأربعة أشهر بسبب الثقل على الأحصنة من متاعهم.

جهز كل شيء و ودع الفتيان القرية وسكانها بكي الأطفال لفراق مادي فكانت كالأخت الكبرى لهم، ولم يهتم أحد لفراق إكليو لأنه قضا وقته في المنزل يقرأ، توجه زعيم القرية ليودع إكليو قائلا 'خذ هذا الكتاب معك وسجل فيه رحلتك حتى تبقى خالدة كما فعل أجدادنا' أمسك إكليو الكتاب ذو الغلاف الجلدي بالون الأشقر منقوش بالحبر الأسود في وسط الكتاب (رحلة البطل) أبتسم إكليو بحزن ثم قال 'شكرا لك' ودعت مادي سامر ثم توجهت الى دان الذي كان يداعب حصانه قائلة 'شكرا لك على كل شيء دان، كنت أتمنى أن نبقى لوقت أطول ولكن لدينا شيء علينا فعله أتمنى أن نلتقي في القريب العاجل' قالت كلامها بخجل فهذه المرة الأولى لها لتعبر عن مشاعرها الخاصة، نظر دان لها بتعجب ثم قال 'لماذا تودعني؟' فقالت مادي بعجب 'لأننا مغادرون' ضحك دان ثم قال 'ألم أخبرك؟ سأذهب معكم' تعجبت مادي ثم قالت بغضب 'تأتي معنا؟ لماذا؟ هل أنت جاد؟' قال دان بهدوء 'أجل سأذهب معكم ما هي المشكلة؟' فقالت مادي 'أنت ستغادر قريتك وقد لا تعود رحلتنا أخطر مما تتوقع فلماذا ستأتي معنا؟' قال دان بعد أن همهم 'لسبب أريد أن أبقيه لنفسي، فنحن لا نثق ببعض لدرجة أخبار بعضنا أسرارنا ألست محق' أبتسم لها ثم أمسك لجام حصانه وحركه متوجها الى جانب إكليو، وبدأ يحادثه و الأخر ينصت له وهي تراقبهم باستنكار، في النهاية وافق إكليو على مرافقة دان لهم وتوجهوا ثلاثتهم الى مملكة بحر النار…

البحر السابع Where stories live. Discover now