٥٤| تأجج الجمرة.

1K 64 1.1K
                                    

إيمـا:

لطالما أردتُ بعض الراحة.. أردتُ أن أطفئ النور وأنام، لسنة أو سنتين، دون أن يزعجني أحد. ثمّ أستيقظ لأجد وجه أمي الباسم يقابلني، ابتسامتها تلك التي تبعث الحياة في أوصالي وترديني فقط الأسعد.

لكن هذه الراحة لم تأتِ مطلقًا.. تلكَ الأماني التي أملتُ أن تتحقق كانت تزاولني في الأحلام فقط وتجعل مني أتشبث بخيط واهي.

كانت روحي منطفئة وأنا أراقب ذاتي الصغيرة تسير في وسط الشّارع في الظّلمة بلا هوادة. كانت ذكرى لسنوات مضت خلتُ بأني لن أتذكرها مجددا لكن ها هي ذي تعود.

الرّعب الذي عايشته مرّة.. تجسد لي ثانية وفي أكثر الأشكال بؤسا.

لما هذه الذكرى بالذّات؟ لماذا يستحضرها عقلي الأن؟

ظننتُ بأني تجاوزتُ الأمر منذ سنوات، ظننتُ بأني دفنته في أعمق أعماق ذاكرتي!!

"انظري إليها."

همس ذلك الصوت العميق بجانب أذني قبل أن أشعر بثقل رأس يحطُ فوق كتفي.

"أراكِ واقفة هناك."

كلماته كانت تتجسد على الصورة التي أراها، هالة كثيفة من الظّلام تلفني وتجعل من كتفيّ يكادان يغرقان في الأرض مع رأسي من شدة ما كنتُ أنكسهما.

"انظري إليها، شعلة خامدة."

كنتُ في أقصى مراحل اكتئابي في تلك الفترة بالذّات، لكني لم أدرك بأن تلك الهالة تنبعث مني بهذه الطريقة. هل هذا ما جعل الناس ينفرون مني آنذاك؟

هل كنتُ بائسة لهذا الحد؟

ذلك لم يهم كثيرا في هذه اللحظة حتى مع توقفي لأقرفص على الأرض في انتظار شقيقي.. لأن تلك الأصوات جعلتني أتجمد مكاني.

كنتُ بدوري أستمع إليها وأتذكرها جيدًا وكأني سمعتها البارحة فقط، تلك الصرخات، اللعنات، الضحكات والاستهزاءات.. فوضى حرفيا جعلت من رأسي فوضى بدوره.

أنا الصغيرة فعلت ما أتذكر أني فعلته بالضبط.. أغلقت أذناي بيدي ودموعي سالت كأنهار غزيرة وأنا أنفي برأسي، حاولت كتم شهقاتي خوفا، لم أستطع حتى تحريك قدماي والإبتعاد.. جسدي خانني وأبى الركض والفرار ككل مرة.

شلّت حركتي حرفيا من فرط الرّعب.

"كنتِ مجرد روح ضائعة وسط الحشود."

مرّت دقائق شعرتُ بها كالدّهر المنقضي وها هي الأصوات تخمد، حينها وقفتُ بتردد ووجدتني أنا الحقيقية أتبع ذاتي الصغيرة التي سارت ببطء وتردد نحو ذلك المكان المظلم وهي لا تزال تضع يديها على أذنيها وجسدها يرتجف خوفا.

"لم يسمع أحد ذلك الصّوت غيرك."

لا زلت أذكر ذلك الشعور والبرودة التي ضربتني وأنا أسير نحو المجهول والذي بدا قافرا حتى لاح ذلك اللون القاتم تدريجيًا ليجعلها ترفع رأسها ببطء.

PRINCE OF THE NIGHT || ATEEZ [✓]Where stories live. Discover now