.......

319 27 0
                                    

جلسة حول نار أوقدها الشيخ انسان فوق الرمال، تهلل وجه النار وهي تمزق الظلام لترمق بلهفة مريديها الثلاثة، سلبت الرياح بردها، وأذاقت الحطب بأسها، ثم عكفت تنصت الى حديث ثلاثتهم، وتسمعهم من هسيسها تَترا.
قال الشيخ:
- إذن أمتنع عن البوح بأسمه وبتاريخ اليوم، وسخَّركما للعمل عنده.. عجيب، لماذا يفعل ذلك؟
- هل تعرفه؟
- من يكون؟
سؤالان يحملان المعنى ذاته وان أختلف صياغتهما، انتظرا بلهفة جواب الشيخ، يثقان ان الغريب يعرف خاطفهما، أو قد يكون هو نفسه من تجرأ على أحضارهما إلى هذا المكان الموحش، لكن لماذا؟ هذا ما يبحثان عنه الآن في جعبة الشيخ أنسان.
القم الشيخ فم النار بقطعة خشب أخذت تلوكها بتلذذ، ثم قال:
- لعلَّه أحد الترابين.
علا وجهيهما إشارة أستفهام كبيرة، قرأها الشيخ وأجاب عليها في الحال:
- الترَّابون يجمعون تراب الركاز، الموجود بالمناطق التي تحتوي على ذرات الذهب هنا في وادي العلّاقي، ثم يبيعونه بأبخس الأثمان لمن يستخلص منه الذهب، أو يتم تهريبه الى بلاد أخرى ليضاف على أنتاجها من الذهب.
بادره يونس بقوله:
- وما قصة التنقيب عن الذهب هنا؟
- القصة يا بني تبدأ وتنتهي بفشل الدولة في أحتواء كنوزها، ووضع المنظومة الصحيحة التي يسير عليها المنقبون ، التنقيب العشوائي هنا في وادي العلّاقي قنبلة توشك ان تنفجر في وجوه الجميع، ذرات الذهب موجودة في المنطقة الرسوبية من الأرض، والأجهزة التي يستخدمها المنقبون سطحية ولا تكشف سوى عن ستين او سبعين سنتيمترًا من السطح، لا يدركون انهم بعملهم العشوائي هذا يمسحون خريطة الوصول الى الذهب الخام في أعماق الأرض.
ثم أستطرد بأنفعال أيقضه اهتمام حقيقي:
- المصيبة الأكبر أن الآليات البدائية التي يستخدمها المنقبون عن الذهب بعضها مواد سامة، قد تتسرب الى التربة ومنها الى المياه الجوفية، ولأنها مناطق شبه معدومة الخدمات سيعود المُنقب ليشرب من نفس الماء الذي سممه! هذا غير انه قد يستنشق مواد سامة أثناء عمله في أستخراج الذهب من الصخور، فالذهب المستخرج من الأرض يكون مخلوطًا ببعض المعادن الأخرى، ويكون الذهب نفسه على هيئة مسحوق، بعد الدق عليه وغربلته يُغسل بالماء، ويصب عليه المُنقب الزئبق أو السيانيد.. فيتجمع الذهب بعضه مع بعض، ثم يحرق في النار حتى يطير الزئبق ويترسب الذهب، وهذهِ عملية خطرة جدًا مع كثرة تكرارها، فالزئبق في هذهِ المرحلة يكون بخارًا يستنشقه المُنقب، وبعضه يتسرب الى المياه الجوفية ويؤثر على آبار الشرب.
ترأس الوجوم أمارات وجهيهما؛ قطع الشيخ انسان حديثه عن المنقبين والذهب ليوصيهما بالشرب من الجَبَنَة التي سيعكف على أعدادها، قام وأحضر من غرفته بالمنجم حبوبًا خضراء، ثم وضعها في اناء صغير وحمصها فوق النار لخمس عشرة دقيقة، أحضر أيضًا مطرقة لطحن الحبوب وأوكل بهذهِ المهمة الى يونس، فعلها بشغف، راقبت حواء النيران تهب من حرارتها الكثير الى الكنكة الممتلئة بالماء المخلوط بالحبوب المطحونة، ترك لها الشيخ مهمة صبها في ثلاثة أكواب صغيرة، وكانت أطيب قهوة تذوقتها في حياتها هكذا أخبرت الشيخ، فقال مبتسمًا:
- إنها كذلك بالفعل.
تلفتت حواء حولها، رأت بعين الخيال وجوهًا متوحشة تنظر اليها بترقب، مستترة بستائر الظلام، القمر غائب عن عيونها هذهِ الليلة، أختلطت خيوط النار الذهبية بالظُلمة؛ فرسمت الرياح الف وجه مرعب من حولها، بادرت الشيخ لترغم عقلها على تجاهل مخاوفها:
- لماذا أخترت هذا العمل المرهق وسط الصحراء؟
ترك الصمت رحاله بجوار النار، وجلس بينهم يراقبهم في شغف، لحضور الصمت قوة عاتية ألجمت لسان ثلاثتهم، حتى قطع الشيخ دابر الصمت بقوله:
- هل تعرفين يا أبنتي ما الفرق بين سمك موسى وسمك أبو سيف؟
هزت رأسها جهلًا في حرج، بادره يونس:
- بالتأكيد لا تعرف، حواء تجهل كل شيء عن البحار وما يسكنها.
لمحت نظرة خاطفة في عين يونس، ألتقطتها وتفحصتها وترجمت معناها، لابد أنه يسخر من جهلها، وكأنها يجب أن تعرف كل شيء يعرفه، وإلا وسِمَت بناقصة العقل كما نعتها ذات شجار، كرهت نظرته، وكرهت وجوده بجوارها في ليل مخيف، وكرهت النار التي أشعلها الشيخ في المنتصف، وأضطرارها لأن تقرب منها كفيها كل حين لتسرق منها بعض الدفء، أقتربت منها مرتين أكثر مما ينبغي فتألمت.. يونس تمامًا كالنار، تقترب منه للحصول على الدفء بغير أحتراس فتحترق.
قال الشيخ أنسان:
- الأول يرقد في القاع ساكنًا، وأحيانًا يغطي جسده بالرمال والطين ولا يبرز منه سوى العينين، يراقب بهما كل شيء، ولا يستطيع أن يؤثر في شيء، أما الثاني فيملك سلاحًا حادًا، طعناته أليمه نافذة، يدافع بها عن نفسه وعن مساحته الخاصة.
ثم أستطرد بعد ثوانِ من الصمت:
- لا أحب أبدًا أن أكون سمكة موسى، وأفضِّل أن أعيش وأموت حاملًا سيف الحق، أدفع بهِ الباطل عن نفسي وأرضي.. أرضنا كنز لا يفنى على الإنفاق، لذلك فالعابثون بها كثر، عروس مشتهاة أختارت عريسها، فحقد جميع الرجال؛ وهبت حياتي لحمايتها وحراستها.. أبحث عن المُنقبين غير الشرعيين المتسللين الى أرض بلادي من حدودها الجنوبية، وأرشد حرس الحدود إليهم.
أطّل الخوف برأسه، هل يتحفَّظ عليهما الشيخ في المنجم ليسلمهما إلى حرس الحدود؟ إن حدث ذلك فستحمل نهايتهما اسوأ سيناريو، لن يصدق أحد أنهما أتيا الى هذا المكان بغير رغبة، وبغير وعي! يبدو ان حضور الخوف كان جليًا، لدرجة أن يلتقطه حدس الشيخ، ثم يؤكد ظنونهما بقوله:
- ولاكون صريحًا معكما لقد أرتبت في أمركما عندما ألتقيت بكما عند الخيمة.. لكن خبرة حياتية بعُمر شعري الأبيض جعلتني أميل الى تصديق أنكما في ورطة، رغم أن حكايتكما عجيبة قد لا يصدقها أحد.
ثم رفع حاجبيه محذرًا بجدية بالغة:
- لكن ان اتضح لي انكما من المنقبين عن الذهب المتجاوزين لكل القوانين والأعراف سأدفع بكما الى نقطة حرس الحدود بنفسي.
رغم التحذير المخيف فأنهما أطمئنا لأن الصدق يثقل كفتهما.
- أخبرتنا يا شيخ ان بالقرب من هنا قرية تحمل أسم الوادي، فهل أنتَ من قرية وادي العلّاقي؟
وهب الله الشيخ صوتًا رخيمًا، وأسلوبَ حكَّاءٍ، وكأنه ينتمي الى عالم خيالي فوق الأكوان، يمر على الدنيا كل بضع سنين عجاف؛ يسقي أبناءها من نبع الحكايات، أتخذت حواء من ذراعيها مسندًا لذقنها، ونظرت اليه تروي ظمأها من حكاية خلبت لبها، وسرقت من عينيها النوم، أجاب الشيخ سؤال حواء باسمًا:
- لا يا أبنتي، أنا من النوبة، هل ذهبتِ اليها من قبل؟
تذكرت الكلمة التي قالها في الصباح (فضّلومي)، بالنوبية إذن! هزت رأسها نفيًا، أردف الشيخ باسمًا:
- الذهب يا ابنتي في اللغة النوبية أسمه نَب، والمكان معروف بأنه أرض الذهب لأحتوائهِ على العديد من المناجم، لذلك سُمي بالنوبة.. النوبة القديمة يا ابنتي كانت أرضًا ساحرة تخلب الألباب، ما ان تخطي فوقها حتى تساوركِ هيبة، وتدرككِ حيرة، وتنقادين الى سحرها طواعية، سحر يبقى للأبد، ويدوم على الأمد، أرضنا حية، تشعر بالسائرين عليها، تُقرب المحبين، تصغي اليهم و تقبل عليهم، أما المطرودون من رحمتها، فتضيق بهم، وتتكبر عليهم وتتجبر.
ثم أستطرد وهو يغرف من نبع الحنين :
- سأوري لكما حكاية أبي الذي أغرقه الحب، ورغم ذلك علمني قيمة الحب.
أطعَم يونس فضوله بالأنصات الى الشيخ، يجذبه حديثه كما تنجذب رفات الحديد منزوعة الأرادة الى مغناطيس قوي؛ فرفرف طائر النوم عن أرضهِ مهاجرًا.
استطرد الشيخ وهو ينظر الى نار تُلهمه بقية الحكاية، وكُل حكاية:
- طواحين الزمن تفعل بنا الأعاجيب، ورغم ذلك نتحمل كل ما تأتي بهِ لأن في وقوفها موتنا وفنائنا، ووحده الأيمان يستطيع مواجهة كل ما تأتي بهِ الطاحونة.. كان أبي في عمر زهور البرية، رجل يلقي الزمن بالمستقبل أمام قدميه، لديه أبن واحد صغير يبني معه المستقبل لبنة لبنة، بعد ان اصاب امي داء اقعدها عن الأنجاب، فكنت أنا الأول والأخير، علمني أصول الصيد والزراعة والتجارة، وأنا بعد لم أبلغ الثانية عشرة!
كان أبي رجلًا يعد أبنه الوحيد ليكون خليفته في أرضهِ وأرض أجداده.. كل شيء يسير بوتيرة هادئة كأن الزمن نسيهم هناك ورحل، لم تكن أحلام أبي عسيرة، كانت بسيطة كبساطة أحاديث أمي وهي تجمع أبنها مع ابناء الجيران حول ضفة النيل في ليالي الخريف، وتقص عليهم قديم الحكايات.
كانت أمي حكّاءة البلدة رغم صغر عمرها، حباها الله خيالًا خصبًا سرق عقول الصغار، وأمسوا أسرى لحكايات الخالة ( سِت الحُسن )، تعاقب النساء أطفالهن إذا ما أخطأوا ب( لن تسمعوا اليوم حكايات ست الحسن )، وما أقساه من عقاب يتنزل على نفوس الصغار.. كل شيء كان يسير بقدر معلوم، يتنبأ ابي بأحداث الغد، لا علمًا بالغيب، بل لأن الحياة كانت ثابتة وكأنها أبدية لا تنتهي.
حتى جاء يوم تسوّرته ظلمات كالحة، وَ سادته رياح عاصفة؛ فتوقفت طاحونة الزمن عن العمل.
أستبد بحواء فضول كبير؛ فأرهفت أسماعها لصوت الشيخ وكأنه الصوت الوحيد المتبقي على ظهر الأرض بعد فناء كل الأصوات.. بادر يونس بالسؤال:
- ماذا تقصد يا شيخ أنسان، ماذا حدث؟
أنقد الشيخ يد النار قطعة خشبية أخرى أكبر من سالفتها، مقابل خدماتها من الحرارة والضوء والهام يكفي لسرد حكايات الأجداد، تلقفتها النار بحبور، ثم قال بصوت يغشاه الضباب:
- كان ذلك في عام الف وتسعمائة وثلاثة وستين، أستيقضنا على أصوات التفجير، دمار وخراب، وهلاك كانوا في أنتظار قريتنا، والقرى المجاورة لقريتنا.. أربعة وأربعون قرية نوبية أغرقتها مياه النيل بعد بناء السد العالي..
كان بناء السد العالي فتحًا على بلادنا، لكن النوبة شريان مصر دفع أهلها من أجله أثقل الأثمان، أربع رحلات من التهجير، أخرها في عام ثلاثة وستين، رفض أبي مغادرة البيت الذي ورثه عن أجداده هرب من الشرطة التي كانت تجلينا عن أراضينا، وتدفعنا صوب وحدات النقل النهري المعدة لنقلنا، والتي تتوقف عند كل قرية وتطلق صافرة بدء عملية التهجير، كانت تلك الصافرة كأصوات القنابل في آذاننا آنذاك.
أستعصم أبي بالزرع والنيل والطمي.. رفض ان يترك التراب الذي أحتضن رفات أمواته.. كانت هناك قصة حب عنيفة، ووفاء أبدي نُسجت منذ الآف السنوات بين النوبي وأرضه، ولم يكن التهجير ليقضي على ذرة واحدة من هذا الحب.
الجميع يصرخ بهِ:
- أرحل معنا، الطوفان قادم.
نظر أبي بأعين رقراقة الى مياه النيل التي لطالما بثها نجواه، وشاركها أفراحه، وغمر بها أتراحه، لا يصدق انها ستثور ضده الآن، لن تقدر المياه على أيذائه، هل يؤذي المحبوب حبيبه؟
رفض مغادرة البيت مع الجميع، ترجته أمي وأستحلفته بالحي الذي لا يموت؛ فخرج معها ومع باقي المهاجرين، لكنه غافلهم في الطريق وعاد مرة أخرى الى البيت، تمسك بشجرة دوم زرعها أجداده في باحته، يسمونها الشجرة التي لا يأكل منها غارسها، لأنها تحتاج أعوامًا طويلة لتطرح ثمرها، كان الأجداد يزرعون الدوم ولا ينتظرون موعدًا لحصاد، يعلمون ان الارواح تنضج ويحصدها الموت أسرع من الوقت الذي يستغرقه ثمر الدوم في النظج فوق الأشجار، يزرع الأجداد ثمر الدوم ليأكل منه الأحفاد.
تمسك أبي بساق شجرة ورثها، وبذراعيه أحتضنها، قرب منها شفتيه وقبلها، ماء عيونه ينهمر بقوة، ومياه النيل تفور بقوة، تشبثت أمي بأبنها الوحيد، ترى أبي بعين الخيال وتبكيه بعين القلب، أظن حتى يومنا هذا انها بقيت معي فقط لتنقذ حياتي لا حياتها، والا لعانقت شجرة الدوم حيث أحتضنها أبي، ولذهبت هناك معه حيث ميراث الأجداد، غمر النيل الرجل الذي أحبه.. والقى الماءان!
نظر الناس الى الوراء، وفي عيونهم الآم وحسرات، غرقت النوبة القديمة، المكان الذي يقرأ الناس عنه في الكتب، ويدرسه التلاميذ في المدارس لم يعد له وجود، دُفن تحت بحيرة السد العالي.
توقف الشيخ قليلًا ثم أستطرد:
- وعدوهم بجنة فوق الأرض، ستعوضهم ما أصاب أرضهم وإرثهم وتراثهم، هُجروا من قراهم، وفسحة من الأمل تطل برأسها على أستحياء، وبعد ساعات طوال من السير والعرق والتعب؛ وجدوا ان الجنة الموعودة لم تكن سوى صحراء كئيبة بور في حضن الجبل، بغير ألوان، أختفى الأزرق والأخضر تمامًا عن الأرض، وأصبح الأصفر هو اللون الوحيد المتبقي من قوس قزح.. اقتُلعوا من جذورهم وزُرعوا في صحراء قاحلة بلا إرث ولا تراث، بيئة طارئة معدومة الخدمات.
أرض لا تُنتج، وإذا انتجت لا تكفي!
الجنة الموعودة كانت وادي جهنم دون النيل، أرض طَفلة، ما أن تشم الماء حتى يتصدع من فوقها البنيان، أخبروهم ان أرض الجديدة ستحمل أسم (نصر النوبة) وستُقسم الى قرى بنفس أسماء القرى في النوبة الغارقة، وكأن هذا كافٍ ليعدوها بديلًا لأرضهم! كرهوا الأسم الجديد والمكان الجديد والسماء التي تظلله، كان كل شيء مختلفًا، لون السحاب، رائحة الهواء، ومذاق الأيام، توقفت بهم طاحونة الزمن هناك في وادي الجحيم، الشريان أصابته جلطة قاتلة، والطبيب غارق في سُبات عميق.
لمعت عيناه بعسل برّاق وهو يختم حديثه قائلًا:
- ظلت أمي سُت الحُسن حتى مماتها، لا تقص على أطفال الجيران سوى حكاية أبي وشجرة الدوم، ونيل فاض، لأرواح أبنائه كان صيّاد، وأرض تخلو من رفات الأجداد.
احترم الصمت حكاية الشيخ؛ فأصدر حكمه بالطاعة له والولاء، دقائق طويلة مرت لا يُسمع فيها سوى أنفاس النيران.
وجد يونس نفسه في حكاية الشيخ، وكأنه أحد أبطالها، بل وكأنه بطلها الوحيد، ذاك رجل عشق النيل، وهو رجل عشق بحيرة البُرُلُّس، عشق أقرب للتقديس، وكلاهما حرمتهما الحياة مما أحبّا، ليته فعل مثل بطل الحكاية وأستمسك بقاربه الخشبي الصغير حتى الموت، مثلما أعتصم بطل الحكاية بشجرة الدوم، لكنه لم يستطع ان يفعل، كان في موت أبيه الضربة القاضية التي أنقضت ظهره.
سألت حواء بصوت شجي وشى بتأثرها:
- قُلتَ ان والدك علمك الصيد والزراعة والتجارة.. إذن في أيهم ترى نفسك يا شيخ انسان؟
- الصيّاد!
بادرها يونس بالجواب؛ فأبتسم الشيخ حتى بدت نواجذه.

كاد ان يستغرق يونس في نوم عميق فوق فراش صغير في حجرة الشيخ، أخبرهم ان اسمه العنجريب، سرير نوبي قديم يصنع من جذوع الشجر لكنه انتبه الى تفصيلة صغيرة طفقت تلح على رأسه كذبابة لزجة، الحجرة تحتوي ثلاثة أسِرّة، لا سريرًا واحدًا!
الم يقل الشيخ انسان انه يحرس المنجم وحده، لمن الفراشان الآخران إذن؟
سحق بكفة ذبابة الافكار التي تحول بينه وبين عالم الأحلام، ووعد نفسه ان يبحث في هذا الأمر في الصباح.
وضعت حواء ستارًا حائلًا بين فراشها وفراش الرجلين، بعدما أفصحا للشيخ عن طبيعة علاقة تجمعهما، لا يزال صوت الشيخ حاضرًا في رأسها وهو يقول:
- الحب يبدأ دومًا بفصل الربيع، ربيع البدايات، وإذا مات بمباركة الطرفين يبدأ عندها ربيع النهايات!
وبهجة الربيع زائفة كلؤلؤة لم تخرج من رحم محارة.
أخذت تستعيد تفاصيل كلماته واحدة تلو الأخرى، وحكايته مرة تلو الأخرى، حتى نجح النوم في الضغط على زِر أيقاف الشريط السينمائي.

ثاني أكسيد الحب Where stories live. Discover now