.......

383 31 0
                                    

حملها لمتعلقاتها من مكتبها في الشركة إستعدادًا لمغادرته إلى الأبد، كان قاسيًا، أمّا لملمة أغراضها الشخصية من البيت كان كفتح صندوق بندورا، تفجرت منه كل الطاقات السلبية، وظل الأمل مُقيدًا بالأصفاد.
رفضت أمها أن تعاونها، لربما ضنّت أنها بهذا الرفض ستمارس عليها ضغطًا سيدفعها للعدول عن قرارها!
لم تطلب حواء المساعدة من زميلاتها من جمعية شوارب المرأة العربية رغم علمها أنهن لن يتأخرن عن تلبية حاجتها؛ أرادت أن تنفرد بنفسها داخل صندوق باندورا، للمرة الأخيرة.
مرّت ذاكرتها فوق كل جُرح، وكل كلمة قاسية، فوق كل غضبة، وكل نظرة جافية.
تمسكت بكل ذكرى وقيدتها بعقلها،
تخشى أن تفتلت منها وتنسل هاربة.
ثمة دافع خفي يجعلها تعذب نفسها بأجترار هذه الذكريات المريرة، وكأنها تعني من مازوخية من نوع خاص، تدفعها لأعادة شريط ذكرياتها السيئة بداخل عقلها مرة تلو الأخرى، وتتخيل كل مرة أنها تعيشها للمرة الأولى.
ليس هذا بطبع جديد، بل عادة قديمة لازمتها منذ فقدت أباها في عُمر الثامنة، تعثر في جَلد روحها على لذة فريدة!
سمعت حواء عن نوع من الضفادع يدعى (ضفدع الرعب) يقوم بكسر عضامه بنفسه حتى يستخدمها كأسلحة يدافع بها عن نفسه في أوقات الخطر، دومًا ترى نفسها كضفدع الرعب، تكسر من روحها وطاقتها، وأحلامها، لتستخدمهم في مواجهة غريمها؛ لذلك لم يكن مستغربًا ان تقرر في اللحظة الأخيرة أن تترك كل شيء ورائها، تحررت من كل غرض يلتصق بذكرى تجمعها بيونس، لم تحمل معها وهي تفتح الباب وتغادر البيت للمرة الأخير سوى الألم فحسب، وهل تستطيع العيش بدونه؟!
قبل رحيلها أتت بكل شيء أشتراه لها، تعلم أنه ما اشتراه إلا بأمر من جده، أو بتحريض من أمها، كسرت وهشمت ومزقت، صنعت منهم تل ذكريات في منتصف الردهة، كانت أنفعالاته مكبوتة عندما ألتقته في مكتب الجد سلطان، تُرة هل سيظل محافظًا على أتزانه عندما يرى هدية الوداع الأخيرة، لقد آلمها اليوم بكلماته اللاذعة، فلماذا لا ترد له الصاع صاعين؟
(ما رأيك بدعوتنا بأن تُطلق المرأة شواربها، أو ترتدي واحدًا مستعارًا؟) ..
عثرت بين أغراضها على أستمارة التقدم للجمعية تذيله أجابتها:
-(الشوارب حكر على الرجال! لابد أن واضع هذا القانون رجل، وهذا سببٍ كافِ للثورة ضده.. يُطلق الرجل شاربه دون مُسائلة جمالية أو أخلاقية، فلماذا لا يكون للمرأة نفس الأحقية، حتى إن أستخدمت في ذلك شاربًا مُستعارًا؟!)

ثاني أكسيد الحب Where stories live. Discover now