.......

872 47 0
                                    

انتقت فستانًا قصيرًا بلون أحمر، لا تحب اللون الأحمر، أختارته لأنه لون الجرأة، إمرأة تقوم بإعداد حفل لطلاقها تستحق أن تتقلد وسام الجراءة.
وضعت فوق شعرها الأسود تاجًا مُرصعًا بأحجار لامعة براقة، أحجار لقيطة لا تنتمي لأي عائلة كريمة، لاكنها لا تهتم، يكفي أنها تؤدي واجبها في عالم الزينة.

لم تعتد وضع مساحيق التجميل، ولا تجيد ما تفعله الفتيات للعناية بأجسادهن، تجهل كيف ترعى أرض أنوثتها الجدباء، وكيف تهدي ثمارها إن أينَعت! دائمًا تشعر أنها مختلفة عمن تلاقيهن من الفتيات، وكأن بداخلها رجلًا لا امرأة، رجل لا يمنحها من صفاته سوى الغلظة والخشونة، حاولت مرارًا أستدعاء الأنثى بداخلها، لكنها لم تستجب لها يومًا؛ فالأموات لا يستجيبون لنداء الأحياء.
أمسكت بشعرة بيضاء أطلّت من بين جاراتها السوداء في محاولة خبيثة لشن غارة على مزاجها الرائق، شعرة لئيمة قادرة على تبديد راحتها يومًا كاملًا، لكن ليس اليوم، لن تسمح لها، ألتفّت الأنامل بقوة حول الشعرة التي تحوي توقيع الزمن، ونزعتها من جذورها في حركة سريعة قاسية، ألقتها أرضًا، ثم خطت بقدميها فوق كل شيء يسلبها سعادتها هذه الليلة.
تذكرت يوم أن كانت طفلة في الثامنة تعتقد أن أفلام الأبيض والأسود ترصد زمنًا يعيش فيه الناس حقيقة في عالم خالٍ من الألوان، لم تكن تنظر للأبيض كرمز للخير والأسود رمز للشر، بل الأبيض هو السعادة، والأسود هو الحزن في أنقى صورهما، يومها تمنت لو عاشت في هذا العالم الصريح الذي لم يتبق من آثاره سوى ذكرى في التلفاز، عندئذٍ لم تكن لتشعر بالتيه والغربة وسط كل هذه الألوان المتناقضة.. كبرت وعرفت أن العالم ليس حزنًا وفرحًا فحسب، هناك حزنًا تشوبه بقايا ضحكة محتضرة، وضحكة تنعكس فوق الثغر والقلب مهموم، هناك سعادة مُجهضة مُتشحة بالسواد، وفرحة خُدج لم يكتب لها أن تكتمل في رحم السعادة قط.

خرجت صاحبة التاج من غرفتها لتستقبل في غرفة الصالون ثمانِ مدعوات من صديقاتها، جميعهن من النساء المتقاربات في العمر، لا تقل صغيرتهن عن الثالثة والعشرين، ولا تزيد كبيرتهن عن الخامسة والثلاثين، أما هيَ فتقف  على الصراط بين الرابعة والعشرين، والخامسة والعشرين.

- خمسة.. أربعة.. ثلاثة.. اثنان.. واحد.

أخرجت صاحبة التاج سلسلة زفير متواترة كافية لأطفاء ثلاثمائة وخمس وستين شمعة! لم تكتف الكعكة لدس هذا العدد الكبير من الشموع فألصقت صديقاتها الشمعات بالطاولة الخشبية الكبيرة.. ثم ألقت بجسدها فوق أحد المقاعد تاركة لهن مهمة تعبئة اطباقهن بما قلت قيمته الغذائية وزادت سعراته الحرارية.
جذبتها إحداهن من ذراعيها، ورفعت أخرى أصوات موسيقى شعبية أهتزت من ذبذباتها الجدران، وقفت، ورقصت، وضحكت، وأكلت، ثم أنفتحَ الباب!
دخلت البيت امرأة خمسينية ترتدي الأسود كأنها في حداد، تطل الدهشة من عينيها القويتين لكنهما تحملان أثرًا للبكاء، أشارت فيما حولها وهي تجيل بأنظارها في وجوه الفتياة تارة، وفي وجه صاحبة التاج تارة أخرى وتتسائل:

- ما هذا؟

ثاني أكسيد الحب Where stories live. Discover now