.......

293 31 0
                                    

لم تظن قط ان البيت الذي ودعته منذ أسبوع ستخطه قدماها مرة أخرى جنبًا إلى جنب عدوها، ستعيش معه بمفردها حتى أنتهاء عدتها، ثلاث حيضات متتابعات تمر بهن وهي تعيش وجهًا لوجه مع رجل لا تريده ولا يريدها، كيف ستتحمل ذلك؟
كيف تحافظ على الحدود الفاصلة بين أرضها وأرضه حتى أنتهاء العدة؟
أنغلق باب البيت خلفهما يسد أمامها سُبل الهرب، رجل لا يؤمن بالحب، وأمرأة لا تؤمن بالزواج.
كرهت حواء وجوده كما يكره أي مالك تعدي الآخرين على أرضه، وكره يونس وجودها كما تكره الأسماء تكدير مائها، تمنى كل منها لو يختفي الآخر من البيت الآن وللأبد، تكلم يونس بعد مباراة صامتة تباريا خلالها بالنظرات:
- كما هو واضح للعيان، لا شيء في أيدينا لنفعله، نحن أمام أمر واقع لذلك فلنضع بعض الشروط والقوانين.
لم تستطع حواء أن تمنع بسمة ساخرة قفزة سريعًا إلى ثغرها، وهل يعرف يونس سوى الشروط والقوانين، خرجت من رحم أبلة عِفت وقوانينها الصامتة، لتسقط بين يدي يونس وقوانينه الوجودية، وكأن خرق أي قانون في دستوره يسلبه قطعة من روحه، عليه هذه المرة أن يعي أنها مضطرة لأن تلعب دور شعب كسيح يلبي أوامر طاغية، عبأت رئتيها بالهواء، ووقفت منتصبة القامة تبادره:
- بل يجب عليكَ أنتَ أن تسمع شروطي وقوانيني، في الواقع هو قانون واحد يلخص كل ما اريد قوله..
دنت منه خطوه، رفعت رأسها لتعالج المسافة بين عيونهما، ألقمت عينيه نظرة قاسية وهي تستطرد ببطء أستفزه:
- أنا.. لستُ.. زوجتك.
قالتها متلذذة، وكأنها مررت كلماتها عبر جهاز تقطيع للصوت، فتمكنت أذنا يونس من تحليل كل حرف بشكل دقيق.
دارت على أعقابها لتغادره، وبسمة ثقة تعلو وجهها، بددها يونس على الفور إذ أمسك برسغها، وأدارها ثانية لتواجهه، المعركة لا تنتهي إلا حينما يفرغ الفريقان ما بجعبتهما من حيل دفاعية، ألقم عينيها نفس النظرة القاسية، وأضاف اليها بردًا بدد أشلاء دفء كان لايزال ينازع سكراته الأخيرة، ثم قال:
- ولن تكوني أبدًا.
بهذهِ الكلمات القليلة عرّف كل منهما الآخر الخط الأحمر الذي لا يجب ان يتجاوزه، تجهزت حواء للنوم في غرفة كانا قد أعداها لطفل زار حلمهما يومًا، وتجهز يونس للنوم في غرفة لم يزرها الحب يومًا.
أحس بجفاف حلقه وكأنه هام على وجهه في الصحراء لألف يوم، فأصابها منها الحرارة والتوهان، توجه إلى المطبخ ليبدد الحرارة، إلا ان التوهان أستقر بقلبه قبل رأسه.
أندست حواء في الفراش، يصاحبها كتاب (الف ليلة وليلة).. تركت شهرزاد تنقلها من غرب البلاد إلى شرقها، ومن الشمال إلى جنوبها.. حتى أفزعتها رعدة أصابت النافذة؛ فأنغلقت بقوة عاتية.. قفز قلب حواء يناشدها أن تلجأ لرجل البيت، لكنها قذفته بحجر أخرسه.. دنت من النافذة تحكم أغلاقها وتسدل أمامها الستائر الداكنة.. على ضوء المصباح المجاور لفراشها رأت أنعكاسًا لرأس تمساح فوق الجدار، تجمدت الدماء في أطرافها، أوشكت على أطلاق صرخة ما جرؤ كائن بدائي على اطلاقها.. لولا ان التفتت إلى موضع الظل لتجد ان الستائر المنسدلة قطعت طريق الضوء لتحيك فوق الجدار رأسًا وهميًا؛ فعاد قلبها إلى ضخ الدماء بأنتظام في أطرافها.
سمعت خطوات يونس تتجه صوب المطبخ، فوقفت أمام المرآة تنظر بخبث إلى شعرها الناري، ثم تفتح باب الغرفة وتسير فوق خطواته، تقف على أعتاب المطبخ، تتمنى أن تصيب منه مواضع غضبه.
تجمد يونس، أستقرت نظراته فوق شعر غجري ثائر أصطبغ بأكثر الألوان بغضًا له.. يونس لا يحب اللون الأحمر.

ثاني أكسيد الحب Where stories live. Discover now