.......

313 30 0
                                    

ترك يونس حل العقدة وتوجه الى عقدة أكبر تحتاج إلى معالجة أسرع.
أطبق على شفتيه بعنف كاد يدميهما، ثم قال مُحتدًا:
- ولماذا سأتي بكِ إلى هنا؟ هل جُننتُ لأصطحبكِ معي إلى أي مكان؟ لقد أستيقضت منذ قليل لأجد نفسي فوق الأرض في هذا المكان الغريب.. ثم أستطرد كمن يُطلق سبة:
- معكِ.
الشك الذي حل بعينها كان أبلغ من أي كلمات، هل من المنطقي أن يجهل يونس كيف وصل بهما الحال من بيتهما في كفر الشيخ إلى هذا المكان المقفر؟! إن لم يكن يونس هوَ الفاعل؛ فمن يكون إذن؟!
لا يزال الشك يساورها، حتمًا لديه هدف خفي يسعى من أجله، ماذا يكون يا تُرى؟!
حبال الشك كانت طويلة بقدر كافٍ لكي تلتف أيضًا حول تلافيف عقل يونس، لعل حواء تتظاهر بالغباء من اجل رغبة خفية في نفسها، لعلها تحاول الأنتقام منه بهذهِ الطريقة، الا تُحمّله مسؤولية فشل زواجهما؟ لربما أختارت هذهِ الطريقة القاسية لتنزل عليه عقابها، تتركه مقيدًا بالأصفاد في مكان مجهول، لو كانت أي أمرأة اخرى لشك في قدرتها على أن تنفذ مثل هذهِ الخطة الرهيبة، لكن حواء ليست كأي أمرأة قابلها، بل ليست كأي أمرأة فوق ظهر الأرض أو في باطنها!
فشل أي حوار يبدأ بأنعدام الثقة، أشار ترمومتر الثقة إلى الدرجة صفر، وذلك عندما أكتشفا أن الحل الوحيد للتخلص من السلسلة الحديدية والأصفاد التي تكبل أقدامهما، هو أن يتسلق أحدهما برميلًا بجوار الصخرة بمساعدة الآخر.
ليحضر المفتاح الذي تبدى طرفه بوضوح من تجويف صغير بأعلى الصخرة؛ أنعكست فوق معدنه أشعت الشمس المتسربة من فتحة الكهف.
أراد يونس أن يكون صاحب السبق إلى المفتاح، إذ إنه رأى ان هذا هو دوره الرجولي الحتمي في مثل هذا الموقف، ولم يكن لديه أدنى رغبة في التخلي عن مسؤولياته، صراع القوة الذي تقحمه فيه الحياة من وقت لآخر تكليف نزل على الرجل وحده، صاحب السبق صاحب الفوز، صاحب الكأس يجب أن يكون رجلًا لا امرأة، هذا هو قانون الحياة في أبسط صوره.
رغبت حواء في أن تكون أول المتحررين؛ إذ إنها لم تكن على ثقة كافية في أن يونس سيحررها بعدما يحرر نفسه من القيد الحديدي أبتداءً، ومن رفقتها انتهاءً.
الا يُحمّلها مسؤولية فشل زواجهما؟ ألا يبغضها لهذا السبب؟ لماذا تصدق إذن بأنه سيسعى لأنقاذها ما إن يتحرر منها؟
قديمًا كان يُنصب في حلبة السباق قصبة، فمن أقتلعها واخذها يُقال عنه:
(احرَز قَصب السَبق)، الآن كل منهما يسعى ليحوز مفتاح السبق.
رفض مساعدتها، وأبت مساعدته، فأضاعا ما يقرب من ساعتين في معاقرة عناد لم تستفق منه حواء إلا على وقع خطوات كائن يتحرك في الجزء المظلم من الكهف، أنتفضت تصيح:
- يونس، ما هذا؟
كان الكهف فارغًا كبطن شحاذ، رأى يونس ان الظلام المخيم على الكهف، والاوهام التي تُعشش في عقول النساء، أتحدا ليصنعا حركة وهمية في عقل حواء، تلذذ يونس بكل حرف وهو يقول بلؤم:
- لا داعي للخوف، لعله مجرد فأر كبير بعض الشيء.
أطلق ضحكة عالية، إذ حاولت عبثًا تسلق البرميل وهي فزعة دون مساعدة؛ فتحدرج فوق أرض الكهف الغير مستوية، وسقطت أرضًا لتضيف إلى جراح قدمها، جرحًا آخر أصاب كبرياءها.
صاحت به:
- أنتَ رجل لا يُطاق.
أنزلت كلمة فأر على رأسها عقوبات قاسية؛ فرفعت راية الأستسلام، وافقت على تثبيت البرميل بيديها ليتولى هو مهمة تسلقه.
فعل يونس وهو يشعر بالغبطة، فما أسعده حين يحطم عنادها على صخرة عناده.
عندما تلقف القفل مفتاحه كان بأنتظارهما مفاجأة جديدة، فجرت أحباطًا متصاعدًا في نفسيهما، القفل المفتوح لم يُطلق سراح كل عُقَد السلسلة الملتفة حول الصخرة، بل حل بعضها فحسب، وظلت البقية حبيسة قفل آخر، بغير مفتاح!
لكن الخبر الجيد ان السلسلة ازدادت طولًا؛ فسمحت لهما بالحركة بحرية أكثر، أول ما فعلاه هو ان توجها إلى فتحة الكهف، يتطلعان بلهفة إلى الخارج.
ظنا على اسوأ تقدير انهما في مكان ما مجهول في كفر الشيخ، على بُعد بعض الكيلومترات من بيتهما، لكن الرمال الصفراء النائمة على امتداد البصر، والجبال والصخور المتناثرة حولهما أصابت عقليهما بزلزال عنيف.
ماذا يفعلان في صحراء شاسعة لا صحراء فيها ولا ماء؟!

ثاني أكسيد الحب Where stories live. Discover now