PRINCE OF THE NIGHT || ATEEZ...

By Lilas_psh23

76K 5.2K 35.4K

|مكتملة| |قيد التعديل| من قال أن الرّقص وسط حلقة النّيران يحرق؟ ربمّا يجعلك فقط تزداد اشتعالاً وجموحًا.. ال... More

[The Extremists are back]
٠٠| حرب العصابات انبلَجت.
٠١| عليكَ اللّعنة جونز.
٠٢| كيفَ ستُلملمُ آثارَها الأن؟
٠٣| الفضول قتل القطّة.
٠٤| العقدَة تتشابكُ أكثر.
٠٥| انزاح القناع.
٠٦| ابر القشّ تلسع.
٠٧| وقعت المُعضلة.
٠٨| بيتٌ جديد.
٠٩| مهزلة مع آل باركر.
١٠| جثة.. بلا رأس.
١١| اقتفاء المشاكل.
١٢| وليمَة عزاء (١).
١٣| وليمَة عزَاء (٢).
١٤| تهديدات صريحة.
١٥| والجة العرين.
١٦| غريب أيها الأشقر.
١٧| ممدد.
١٨| هذّب حواسك.. الخونَة في كل مكان.
١٩| توجس وارتياع.
٢٠| الفأس وقَعت والرّأس انقسَم.
٢١| أدهَم.
٢٢| ميثاق سينسِف كل شيء.
٢٣| المستنقَع لا يهواه غير كائناته.
٢٤| كلنَا خونَة في نقطة ما.
٢٥| زائغَة وسطَ المعمَعة.
٢٦| الانتصَار هو حماقَة عدوكَ.
٢٧|عرِين الذّئاب يرّحب بالمتطفلّين.
٢٨| في حضورِ الدّهمَاء.
٢٩| شَرخ في الأفئدَة.
٣٠| آثار ذكرى.
٣١| عِتاب منفصِم.
٣٢| ملاك.. بجنَاحٍ واحد.
٣٣| تمهيدٌ للجزاء.
٣٤| اختبار تقييم.
٣٥| في غمار الموت.
٣٦| نبشٌ بين صفَحات المَاضي.
٣٧| خط أحمر.
٣٨| الجانب المتوارِي.
٣٩| هفوة جسيمة.
٤٠| نكران.
٤١| صفعَة الحقيقَة.
٤٢| خدعَة الشّيطان.. ليليث.
٤٣| أَخدَع أم أُخدَع؟
٤٤| صدِيق الطّفولة لم يكن سيئًا.
٤٥| انتِكاسَة الشّيطان.
٤٦| اللّعب بين القطبَين.
٤٧| شفاه مباغتة.
٤٨| اضطـراب.
٤٩| أفواه مكمّمة.
٥٠| حقيقَة مزيّفة.
٥١| آيروس وسايكي.
٥٢| المتطرّفون.
٥٣| آيروس أخطأ مجددًا.
٥٤| تأجج الجمرة.
٥٥| على شفا الضّمور.
٥٧| الحَمقى فقَط من يندفِعون.
٥٨| لا واحِد ولا اثنان.. زمنُ الصّفر قد حان.
٥٩| ديباجة الدنّاسة.
٦٠| لنشتعل اللّيلة.
٦١| الأوروبوروس.
٦٢| الصّبوة في محيطه.

٥٦| أمير اللّيل.

986 60 891
By Lilas_psh23

إيمـا:

لا أدري حقا كيف وجدتُ نفسي أركب المقعد الخلفي للسيارة وأساير هاتين المجنونتين فيما هما مقدمتان على فعله!!

مجددًا أنا أنساق خلف المتاعب وهذه المرّة ليس بسبب ييرون فقط.. بل المدعوة ليليث أيضًا.

إلى الأن أحاول استكشاف شخصيتها والتي من الواضح أنها معقدّة جدًا، لن تخدعني بقناعها الزّائف هذا.. وكما قلت الذين يشبهون آركيت هم الأخطر حتمًا.

أشعر أنها تواري خلفها الكثير من الأسرار والخفايا، استنادا على تحذيرات آيزك بشأنها، حتى حديث آركيت وكريستيان عنها وانتهاءً بتحذير أليكساندر الصارم بعدم الشعور بالفضول نحوها.

ليته فقط يعرف ما يحدث الأن.. سيجن جنونه حتمًا.

قشعريرة انسلّت بعظامي وقلبي خفق باضطراب لمجرّد تذكره، وتذكر ما حدث قبل قليل.

ما كان ذلك؟!

عند التّفكير في الأمر، يبدو وكأنه أشبَه بالحلم، ليس كابوسًا لكن شيئًا بعيدًا كلّ البعدِ عن الحقيقَة، لدرجَة لا يمكنني استيعَابها. رفعتُ يدي أحدّق قي أناملي وأنا أتذكّر تلكَ الرجفَة والشعورَ الساحقَ بين عظامِي الذي يلحقها.

ملمَس شعره الأملَس الذي احتكَ بوجنتِي، صدرهُ الصّلب الذي احتوانِي، أنفاسه المحتدَمة التي ضرَبت بشرَة عنقي وجعلت من رجفتِي تزداد، كلهَا كانت مشاعر ضربتني للتو فقط، كلها أشعر بها الأن وكأنها تحدُث مجددًا.

شئتُ أم أبيت، أنكرتُ أم اعترَفت.. كل شيء كان حقيقيًا.

حقيقيًا بشكلٍ مؤلم، بشكلٍ يناقضُ كلّ صفاتي ومبادئِي ورغباتِي نحوَهم، يكسِر الصورَة التي قضيتُ سنين مديدَة من حياتِي في محاولَة خلقِها. تلكَ المشاهِد تتداخل مع القديمَة المناقضَة لها وتسبب صداعًا يكاد يفجر رأسي.

شتانَ ما بين خارجي القانون الذي عرفتهم قبلاً وكانوا السببَ في تدمير حياتِي وخرابها، ونشوئي بعقدَة من كل شيء، شتان بينهم وبين من عانقني منذ دقائِق، بين من أعيش حولهم، بين شقيقي. وكأن الاسم كان يجمعهم فقط.

لكن_ لا يمكنُني، أنا فقط لا يمكنني فهم نفسي وما يحدث لي ومن حولي، التشتت والضياع الذي أصابني اليوم يجعلني أرغب في الهروب من كل هذا. ترك كل شيء والعيش حياةً مسالمَة دون أن احتكَ بأي بشرٍ بعد اليوم.

لكنّها مجرّد أمنيَة.. أشبَه بالمستحِيل. من يعلَق في الوحل يستَحيل عليه الإفلاتُ منه دون أثرِه على الأقل.

"كما قلتُ سابقا.. أرغب ببعض المرح، قتلني الملل طيلة فترة مكوثي بين تلك الجدران المقرفة."

أعادني صوت ليليث إلى الواقع حيث كانت تجيب على أسئلة ييرون الفضولية كعادتها وهي تدير المقود بيد واحدة والأخرى تدخن بها ثم تخرجها عبر النافذة لتنفض سيجارتها.

"جدران مقرِفة!!" تمتمت ييرون بين شفتيها. "لكن لا لا توجد جدران مقرِفة داخل ذلك المكَان المتطور، إلا إذا_" أجَل وهو نفسُه ما يدور داخل ذهني.

"هل تقولين بأنك كنتِ داخل زنزانة؟ سجن؟" سألت بترقب وكدتُ أصفع رأسها لسؤالها الساذج هذا، هل عليها إطلاق كل ما بعقلها على لسانها؟

من الواضحِ ذلك إن كانت هي من احتجزوها في ذلك الاشتباك، لكن السّؤال المحيّر هنا هو: لماذا تمّ إطلاق سراحها بكل هذه السّهولة؟ تتجول بأريحيَة دون مراقبَة، بل وتلقي الخطابات المحفزَة، وأعظمها تحتكُ بالأعضَاء الأهم في العصابَة!!

أليسَت عدوًا؟ ألم تحاوِل إيقاعَهم في فخٍ وتُسقِطهم؟ لماذا يتصرّفون الأن وكأنَها واحدَة منهم؟! هل تمّ إغراؤها بالنّفيس لتنضَم إليهم وتخونَ عصابَتها السّابقَة؟!

هناكَ حلقَة مفقودَة في موضوعِها.

أطلقت ليليث ضحكة صغيرة من ثغرها وهي تجيب: "أجل، كان الوضع مملاً جدًا لولا الزيارات المستكشفة علي."

رغم ظهور فضولي حول جملتها المريبة إلا أنني قمعته وأديتُ دور المستمع فقط لأني أعلم أن هناك من لا يستطيع كبح فضوله أبدا.

"أي زيارات؟"

"القائد بعظمته لم يبخل علي بظهوره لي في كل وقت، لقد كان كريمًا رغم أنه كان يمنع الزيارة علي." شعرت بابتسامتها تتسع بسبب نبرة صوتها: "لكن آركيت وكريستيان أيضا لم يمنعا أنفسهما من إرضاء فضولهما اتجاهي وتسللا عدة مرات إلي." ضربت المقود بكفها وهي ترخي جسدها أكثر على الكرسي: "وعلي الإعتراف، هذان الولدان حقًا ممتعان ومسليان."

ولدان؟!

هي لم تقل شابين، هل هذا يعني أنها تكبرهما؟ رغم أنها لا تبدو كذلك، قد أبدو أنا أكبر منها بسبب نظارة بشرتها وملامح وجهها المتناسقة والجميلة.

وكلامها الأن يؤكّد ردة فعل أليكساندر كلمَا جاء أحدهم بسيرتِها، لم يترك أحدًا يدخل عليها أو حتى يخرِج سيرتها بين لسانه حتى لو بالخَطأ. ثمّ فجأة يُخرجها للعالَم كفردٍ من الجميع. بالتأكيد، هناك شيء يحدُث بين هاذين الإثنين.

"لماذا تفعلين هذا؟"

لم أتوقع هذا، لم أتوقع أن لساني سيعرب عن رغبته وينطق من تلقاء نفسه وردة فعلهما لم تساعد، إذ يبدو بأنهما نسيتا وجودي من الأصل.

عيناها الزرقاوتان حدقتا بي من المرآة الأمامية. "أفعل ماذا؟"

"مالذي ستستفيدينه من سحبنا معك إلى هناك؟ قلتِ إنك تشعرين بالملل، حسنا كنت قادرة على الذهاب وحدك، أنتِ حتى لم ترينا إلا اليوم، مالذي يجعلكِ موقنَة أننا لن نفسِد خططكِ؟" ألقيتُ بسيل أفكاري دفعة واحدة وترقبت رد فعلها بتمعن.

"أنا لن أفعَل، خصّي نفسكِ وحدكِ بالحديث." عليّ لكمُ وجهها اليوم وكسرُ أسنانِها لأنها لا تكف عن إزعاجي بكلماتها. وكأنها انقلبَت علي مرة واحدَة.

تجاهلتها -مؤقتًا- أعود بانتباهي إلى من تمسكُ بالمقوَد وتفاجأت بأن زرقاوتاها تحطان علي، من خلال المرآة الأماميَة. وهذه النظرَة، قط لم تعجِبني وجعلتني دون أن أدرك، أبتلع ضمئي.

أبعدت عيناها عني تعود للطريق. "أنتما فتاتان مميزتان في العصابة نسبة إلى علاقاتكما مع كبار أفرادها، وذات الشيء ينطبق علي الأن، لذا لما نشكل حلفا نحن الثلاثة؟ من غير العادل أن أحاط بالرّجال فقط أثناء عملي لذا كان هدفي الأول إيجاد من أستطيع التسكع برفقتهن.. وأنتما اختياري الأن." رفعت عيناها مجددا إلي وشدت على حروفها: "أؤمن بأن النساء هن من يصنعن التغيير.. ومن يدري ما قد نفعله نحن هنا."

هذه المرأة!!

تفكيرها مختلف.. وغريب.

إنها تؤمن بالنساء وقوتهن، وكما تبدو أنها لعوبة وجامحة إلا أنها تفضل النساء على الرّجال فيما يتعلق الأمر بإثبات النفس والذات.

رغم ذلك، مجددًا لا أراه كسببٍ مقنعٍ لتأخذنا برفقتها، نستطيع التّسكع داخل المقر.

"لا يحقُ لهم إستثناؤنَا من أي مهمَةٍ فقط لأننا نسَاء، أليس كذلك؟" عادَت نظرتها لي وهذه المرّة تغمِز بتلاعب. وكما توقَعت، نحن نتجِه إلى مكان تلكَ المهمَة، أين يتجِه إليها كلٌ من رين وسام.

وكأنَه ينقصني المشاكِل حتى أتبعها.

"أنا معك." صفقت ييرون مرة تؤكد بثقة لترفع ليليث قبضتها نحوها ما جعل ييرون تتوقف محتارة وهي تبدل نظاراتها بين قبضة ليليث ووجهها ثم أخير رفعت قبضتها وضربت بها الأخرى مومئة.

خيوط الإنسجام بدأت تتشكل.. يا فرحتي.

"ثم أن هناك سببا آخر." استطردت بعد وهلة فأعرتها انتباهي الكامل عاقدة ذراعاي ضد صدري. وييرون سألت: "ما هو؟"

"صديقتكِ قلقة على شقيقها، لذا لا بأس بالإطمئنان عليه. أما أنتِ_" أمالت رأسها عن الطريق وحدقت بها تعطيها ابتسامة جانبية: "لنرى أداء رينيه أيضا."

اتسعت عيناي بقوة واضطربت لجملتها الأخيرة فنقلت نظري إلى ييرون التي كان لها نفس الرد غير أنها لبثت تحدق بريبة وانفعال خامد نحو ليليث.

مالذي تعرفه تحديدا هذه الفتاة؟

لماذا_ وكأنها تنسِب رين إلى ييرون؟! هل ربما علمت بشأنِ أمر تبنيها من قبل عائلتِه ولهذا هي تجعل علاقتهما كخاصتي مع سام؟! لا أدري، لكن جزءً داخلي يضحد هذه النّظريَة. كل ما تقينتُ منه الأن هو أنه علّي الحذرُ عند كل كلمَةٍ تخرجُ من فاهي أمامَها، بل من كل حرف، حركَة أو نظرَة.

"اوه!! أرى أننا وصلنا إلى الهدف." هتفت ليليث بحماس وهي تزيد من سرعة السيارة وللتو انتبهت أننا انحرفنا عن الطريق المستقيم ودخلنا غابة ما نسلك طريقا غير معبد، لذا كانت هناك بعض الاهتزازات الطفيفة داخل السيارة.

فجأة أوقفت ليليث السيارة وقد طلبت مني تمرير الحقيبة التي بجانبي إليها، فعلت ثم حدقت من حولنا بريبة واستغراب لأني لا أرى شيئا هنا غير الأشجار الباسقة التي تحيط بنا من كل شبر.

"هل أنتِ متأكدة؟" رغم أنني همست إلا أنها التقفت همسي وأجابتني: "بالطبع، لكني لن أخاطر بركن السيارة في مكان قريب والكشف عن وجودنا بكل سهولة."

همهمت بفهم وحورت انتباهي إليها مجددا لأجدها قد ارتدت سترة مضادة للرصاص وقد دفعت بواحدة نحوي فأمسكتها بتردد ونظرت إلى ييرون التي قد بدأت ترتديها بالفعل.

هل هي جادة؟

أخذت ليليث مسدسا تتفقده وأعقبت: "ابقيا بالقرب مني والتزما بكل كلمة أوجهها نحوكما." دسته في جيب بنطاله الخلفي قبل أن تحمل واحدا أخر وهنا جاء صوت ييرون التي أخذت تفعل المثل: "سأحاول، لكن لا أضمن لكِ ذلك."

شبح ابتسامة طفيفة احتل ثغر ليليث قبل أن تعض شفتها في تعبير متحمس وهذا بالذات غير مبشر بالخير.

أنا حرفيًا علقتُ مع أكثرِ مجنونتان، متهورتَان في العالم.

نظرتُ إلى السترة في يدي ثم إلى الحقيبة الممتلئة بالأسلحة والتي لا فكرة لدي من أين أحضرتها، تنفست بعمق أعطي لنفسي الثقة والإذن بالحديث: "أنا لن أذهب."

توقف صوت الأسلحة عندما جمدت حركتهما ثم رفعتا كلتا رأسيهما نحوي بنظرات استنكار واضحة.

"ماذا؟"

تنهدت بعمق أضع السترة فوق المقعد بجانبي ثم أعقبت نحوها ببرود: "لن يكون سام مسرورا بتواجدي هنا وبتعريض نفسي للخطر لذا لن أذهب." لست مستعدة لأن يغضب علي أكثر فأنا بالكاد أحاول إيجاد طريقة لشرح سوء الفهم الذي حصل بيننا.

سيجَنُ جنونُه إن رآني داخل المكان.

تفاجأت باتساع ابتسامة ليليث نحوي وهي ترفع حاجبا باهتمام قبل أن تخفض رأسها وتتابع تلقيم سلاحها، خرج صوتها لا مباليا: "كما تريدين. ستبقين هنا إذا وسأترك معك الحقيبة والسترة في حال عثروا عليك."

أومأت بصمت ثم نظرتُ إلى ييرون علّها تعدل عن قرارها وتوافقني إلا أنني تفاجأت بالنظرة المستنكرة التي تلقيها علي قبل أن تمتم: "مملة."

خرجت ليليث وأغلقت الباب خلفها فكدت أستغل هذه الفرصة لمحادثة ييرون بسرعة لكنها أسرعت تخرج لتغلق الباب خلفها بقوة.

عادت لتفتح الباب مجددا ثم أطلت برأسها علي وملامح وجهها تلبست السخرية الهازئة وهي تتلفظ: "للتو أدركت سبب بداية انسجامكما مع بعض.. كلاكما مملان." ثم أغلقت الباب بقوة مجددًا.

ما كان هذا؟!

أ لا تزال غاضبة بسببه لدرجة أن أدخلته في جملتها الوحيدة نحوي؟

اللعنة أنا لم أخفي عنها أي أمر لأني تأكدت من مشاعره البارحة فقط.. مالذي تريدني تحديدا أن أخبرها إياه؟

ثم أنني مملَة منذ قرون ليس وكأنها لا تحفَظ عقليتي، إنها أكثر من تدركُ بأنني لستُ انتحارِية مثلها، فلماذا تذكُر الأمر الأن فقط؟!

بعثرت شعري بغضب ثم أرخيت جسدي على المقعد أحدق عبر النافذة.. مالذي أوصلني إلى هنا بحق الإلـٰه؟!

__________

ييرون:

أعترف أن الأمر محمس.. محمس لدرجة شعوري بالأدرنالين يتدفق بأوردتي بكمية ضخمة، ولست أدري ما قد يسكت هذا الحماس غير اتباع ليليث وخطتها.

ربما لم آخذ انطباعا أول جيدا بما فيه الكفاية عنها، لكني أدركتُ أن لها جانبا جامحا مثلي.. تحب المخاطرة وتنساق خلفها بكل طواعية وحب.

ليس أمرا كافيا لحبها أو تقبلها لكني بدأت بالفعل أعجب بطريقة تفكيرها.

لم أفكر يومًا في أنني قد أكون جاهزَة للذهاب في مهمَة، ثم أن كلمات أمي في ذلكَ اليوم كانت شديدَة الوضوح، اضمامنا للعصابَة سيقتصر على تعلم فن الدفاع عن أنفسنا.. لا مهمات. كان هذا شرطَها.

لكن_ الأمر يبدو كتجربَة لذيذَة ومغريَة، لقد كنا داخل الميدان عدة مرات فلا أظن أن هذه المرّة ستشكلُ فرقًا. آمل ذلك.

توقفت خطواتنا حين دوى صوت خفيض إلى مسامعي.. رصاص!!

اختبئت ليليث خلف إحدى الأشجار وأشارت لي خلفها فتبعتها، ألقيت نظرة نحو الأمام حيث يظهر ذلك المبنى في الأفق وكان من الواضح أن صوت الرصاص آت منه.

"اتبعيني، وحاذري في خطواتك."

أومأت تلقائيا رغم أنها لا تراني ثم أخذت خطواتي بسرعة وثبات خلفها نتسلل بين الأشجار وقد كان صوت الرصاص يرتفع بالفعل.

تفاجأنا بانفجار صدح في المكان جعلنا نتوقف مكاننا، حدقت في المبنى بتمعن، لا نار لكن الدخان بدأ يتصاعد في الأعلى.

ابتلعتُ ريقي بوئيدة وحدقت في ليليث التي كانت ترفع رأسها بدورها وقد ألجمتُ لرؤية زاوية ثغرها تتسع قبل أن تطرف نحوي: "لنسرع، الاحتفال في أوجه." ثم إندفعت نحو المبنى بسرعة.

حدقت من حولي بارتباك قبل أن أسارع باتباعها وكما هو متوقع قابلنا مجموعة من المسلحين لم أتدارك حتى وجودهم لأن ليليث أسقطتهم في طرفة عين.

حاولت الرمش بتدارك إلا أنها سارعت بجذبي نتوغل داخل إحدى المداخل وصوت الرصاص كان يرتفع مع تقدمنا في كل خطوة.. كنا نثني جذوعنا ونسير خلف أنابيب معدنية ضخمة مصفوفة في المكان وذلك لأن بعض المسلحين كان يقفون في الساحة أمامنا.

كانت ليليث تأخذ نظرات متقطعة نحوهم ثم تعيد رأسها إلى الخلف، وانتبهت إلى أن شفاهها تتحرك ببطء وكأنها تحسب شيئا ما بفعلتها هذه.

وبالفعل خرج صوتها مفكرًا: "لن ينفع قتلهم جميعا بالرّصاص، سيكون هذا مضيعَةً للذّخيرة فقط." وقبل أن أسألها عن أي شيء تفاجأت بها تضرب رصاصة..

في الهواء!!

اللعنة! مالذي فعلته؟

الخطوات بالفعل صدحت رفقة الصياحات وكلها كانت متجهة نحونا مما جعلني أسلّط بصري نحوها بنظرة 'ماللعنة التي أوقعتنا فيها الأن؟' لكنّها ردتني بابتسامة واثقة رفقة غمزة مستخفة.

عبثت في جيوب بنطالها قبل أن تخرج لي قناعا غريب الشكل يغطي تقريبا الوجه كله مع جزء بارز من ناحية الأنف ويبدو أنه ليسمح لمرتديه بالتنّفس.

سارعت بارتدائه في نفس اللحظة التي بدأ فيها غاز أبيض بالتفشي في المكان بكثافة. طوقت يد ليليث رسغي وجرتني خلفها نسمع صوت خطوات المسلحين من حولنا وهو يصيحون بوجوب ايجادنا.

"حاولي السّير بهدوء." همست نحوي وأخذت تصوب بسلاحها حولنا ونحن نحاول أخذ خطوات هادئة، لكن يبدو أن عددهم كان كبيرا لأني أدركت أن هناك من اقترب منا بالفعل.. لكن ليليث لم تترك الفرصة لهم للوصول لأنها أسقطتهم بطلقاتها الصامتة.

أشارت لي بالركض نحو الأمام وقد تعثرت بفعل إحدى الجثث لأجد نفسي أتوسد الأرض وانزلق المسدس من يدي التي احتكت بالأرضية مسببة ألما طفيفا.. حدقت بصعوبة في السلاح الذي سقط بقربي وحاولت مدّ يدي للوصول إليه لكني تفاجأتُ بحذاء جلدي يدوس على ذراعي.

بل ويضغط بقوة شديدة علي..

رفعت رأسي ناحية المعني وقد ذهلت لرؤية فوهة مسدس تقابلني.. المعني بالأمر كان يضع قبعة رياضية يخفضها تمنعني من اكتشاف ملامح وجهه.

"انهضي." كان صوته مكتوما لأنه يغطي ثغره وأنفه بيده.. يمنع نفسه من استنشاق الغاز.

فكري مليا يا ييرون قبل أن تفقدي حياتك في أي ثانية.

لم أجد خيارا غير ان أرفع القناع بيدي وأدفع بجسدي ناحية قدمه لأعضه وأدخل أسناني بين لحمه، لكني عدت إلى الخلف حين ضربني بقدمه الأخرى في معدتي وجعلني أتقلب للخلف مطلقة آهة عالية.

"اللعنة عليكِ أيتها الصغيرة المتوحشة." تهكم صوته وهو يتقدم نحوي وفي ذلك الوقت قد وجدت يدي طريقها إلى مسدسي الذي كان بجانبي مباشرة.

ولم أتردد في رفعه أمامه ورميه برصاصتين متتاليتين.. في قلبه تماما.

حدقت بذهول في جسده الذي خرّ ساقطا أمامي ومنظر الدّماء القانية التي بدأت تتسرسب في المكان ببطء.

هل قتلته؟

هل فعلت؟!

إن كان كذلك فلما لا مشاعر معينة تختلجني؟ لما لا أشعر بالخوف أو الضيق أو الصدمة أو حتى الذنب؟ لما أشعر بأني مكعب ثلج في هذه اللحظة؟

أليست مرتي الأولى؟

أعني_ داخلي، عقلي كان يصرخُ بأنه قاتل، يستحقُ ذلك فلو لم أضع الرصاصة في قلبه كان ليفعل هو، وهذا ما يسمى بالدفاع عن النفس. حتى وإن لم أقتله، كان لِيقتَل على يد غيري.. أنا لم أفعل شيئًا غير صحيح.

أنا لستُ المخطئَة هنا.

"مالذي فعلته أيتها الحمقاء؟" صوت ليليث اقتحم أذاني ولم أتدارك الأمر حتى وجدتُ نفسي أُُسحب من ياقتي الخلفية.. لا بل أجر لدرجة أن مؤخرتي كانت تحتك بالأرضية الاسمنتية.

وقطعا هذا ليس شعورا مريحا البتة ولا أنصح بتجربته.

دفعتني عند داخل إحدى الأنابيب المعدنية بعد أن دلفت هي وبسلاحها أخذت تتربص بأي حركة من حولنا. وصلني صوتها المهسهس: "هل كان عليك الإطلاق وكشف أمرنا بصوت السلاح؟"

كنت أحاول الجلوس القرفصاء وأنا أمسد مؤخرتي وخلالها رددت بامتعاض جلي: "لا، كان علي انتظاره ليثقب رأسي ويريحك من تذمراتي أليس كذلك؟"

"أجل كان عليكِ ذلك."

حسنا هذه إجابة مستفزة بالنسبة لي، ولو لم يكن الوقت مناسبا لما ترددت في الشجار معها وأخذ شعرها بين يدي.. لكني أحتاجها للبقاء على قيد الحياة.

"إلى متى علينا البقاء هنا؟" سألت بترقب وأنا أنزع القناع ثم أزاول التقاط مسدسي وأشير به إلى المدخل الذي أمامي.

"إلى أن يسقط جميع الذّباب."

هنا علمت أنها حقا لا تقيم أي ذرة اعتبار للرجال.. لكن الذّباب كانت صفة يستحقونها أيضا.

عندما بدأ ذلك الدخان بالتلاشي سحبت ليليث جسدها إلى الخارج ببطء قبل أن تشير إلي بيدها أن أتبعها، لذا فعلت.

وكما قالت، الأجساد أمامنا كانت ساقطة كالذباب الميت فعلا.. لا أدري هل هم ميتين أم أنهم فاقدون للوعي فقط!!

"لنسرع، فهم قادمون." صرخت ليليث بي وراحت تركض لأتبعها دون تردد وقد ظهر بالفعل بعض المسلحين من أحد السلالم يصوبون نحونا، تبادلت ليليث الطلقات معهم وأشارت إلى يسارها. "هناك."

سارعت بخطاي إلى حيث تشير وعندما قابلني إثنان لم أتردد في الإطلاق عليهما وتجاوزهما لكن ما لم أحسب حسابه هو أن يمسك أحدهما بقدمي ليجعلني أقع فوق الأرض متأوهة.

الرصاصة التي مرت بجانبي تماما جعلتني أتيبس مكاني وأبتلع ريقي، ارتخت القبضة على قدمي وإلتفت لأجد ليليث تصوب مسدسها على من كان يمسكني.. الرصاصة فجرت وجهه تماما!!

يا للهول!!

"هيا بنا." ركضت نحو الأمام أما أنا فقد كان وجهي لا زال متصلبا على الجثة التي أمامي لكني تداركت الأمر وأسرعت أقف لأتبعها.

صعدنا الدرج وما إن قابلنا ثلاثة أخرون قضت عليهم وتابعنا الركض فوق المعدن الصدئ للطابق الثاني، الأصوات تكاثفت بشكل ملفت ومثير للريبة بحيث ازداد صوت الرصاص المتقاذف، الخطوات، الصياحات والشتمات.

هل نحن نقترب من موقع تمركزهم؟

توقفت خطواتنا عندما خرج لنا حوالي ستة أو سبعة رجال من العدم وقبل أن تصطادهم ليليث كعادتها، أحدهم سارع بإطلاق رصاصة استهدفت مسدسها وأوقعه من خلف الدرابزين نحو الأسفل.

صدوح صوت خطوات من خلفنا جعلني أسرع بالإلتفات إلى الخلف لأتفاجأ بمجموعة أخرى قد وصلت تصوب أسلحتها نحونا.

كنا محاصَراتان.

"ارميا أسلحتكما وارفعا أيديكما." أحدهم صاح علينا وهو يشير بمسدسه إلى خاصتي، اعتلاني الإرتباك وقد فوضت أمري إلى ليليث استنجد بها في هذا الموقف العسير لأجدها ترفع يديها ببطء وهي تهمس دون النظر إليه:
"ادعّي أنك تضعينه على الأرض."

أدعي؟ كيف علي ادعاء أمر كهذا؟

لم يكن هناك خياران في هذا الموقف غير أن أضعه أم لا؟ فالمذي تقصده تحديدا؟

"ألم تسمعي ما قلته؟"

أخفضت جذعي ببطء أضع المسدس بالأرض وقد تفاجأتُ بأن ليليث أيضا قد انخفضت بجذعها..

لم أتدارك الأمر إلا حين رأيت وابلاً من الرصاص يقذف ناحية الرجال من حولنا، في نفس اللحظة قد أخرجت ليليث مسدسا آخر من جيبها ولم تتردد في اللعب به كالرشاش وثقب أجسادهم من حولنا..

كانت تلعب بالرصاص رفقة تلك الرصاصات القادمة من المجهول..

أخفضت جذعي تماما متمسكة بسلاحي وقد رفعت رأسي أمعن النظر من حولي حتى توقفت عيناي عليه.. سام كان هناك ببندقيته يصوب في اتجاهنا.

"اذهبي إليه.." صاحت ليليث من خلفي متبعة: "وهذه المرة تأكدي من سحق كل من يعترض طريقك، كالحشرات تماما."

رغم أن هذا ليس وقت الشعور بذلك، لكني أشعر بدفعة من الأدرينالين تتدفق عبر كامل أوردتي وتجعل من حماسي في أوجه.

"بالطبع." هتفت وقد إلتقطت مسدسين كانا مرميين بجانبي وأسرعت بالزحف قبل أن أسارع بالنهوض والركض مبتعدة.

خبأت مسدسي للطوارئ ورفعت الأخرين أمامي في حالة ظهور أشخاص أمامي.. كنت قد تعلمت درسي لذا تصويبي كان على الرأس مباشرة ودون تردد.

قابلني الدرج الذي كان من المفترض أن يؤدي بي حيث مكان سام وقد قابلني رجلان في المنتصف وكما قلت لم أتردد في سحقهما كما تقول ليليث.. عندما أنهيت الدرج لاح لي جسد سام الذي كان يجثوا على ركبتيه وبيده بندقيته الطويلة التي لا يزال يطلق بها.

أسرعت عنده وكان قد راح يعاود ملء السلاح بالرصاص في تلك الأثناء طرف نحوي بحدة وبدت ملامحه غاضبة وحانقة جدا. "جديا!! مالذي تفعلانه هنا؟ هل أنتما مجنونتان؟"

قهقهت بتكلف: "ماذا تظن؟"

أغمض عينه اليمنى وهو يخفض رأسه إلى المنظار متمتما: "ليس لدي أدنى شك في هذا." وعاد يطلق مجددًا. راقبت كيف كان يصيب كل شخص في رأسه أو صدره تماما.. رغم أن الأشخاص كانوا يتحركون بسرعة لكنه لم يخطئ ولا مرة.

"هذا مدهش!!" لم أستطع منع صوتي من الانبثاق وأنا أحدق به.

كانت المرة الأولى التي أرى سام يصوب بها إن استثنينا تدريب صباح اليوم.

"غريب!! أين هما؟" حرك رأسه في كلتا الجهتين وبدا لي أنه يبحث عن أحدهم لذا سألت بفضول: "من هما؟"

"المكلّفان بحماية ظهري." لا أدري لماذا عندما نطق بهذه الجملة تهافت إلى عقلي مشهد قتلي لآخر رجلين عند الدّرج.

هل يعقل؟!

أنا حتى لم ألاحظ أن زيهما كان مختلفا عن زي العدو.

يا إلـٰهي!! سيقتلني سام إن علم بالأمر.. لا يجب أن أخبره أبدا.

جفل جسدي عندما قيد ذراعي وجذبني معه للخلف في اللحظة التي قذف فيها مكاننا بالرصاص، سحب بندقيته معه وجرني خلفه نركض في ذلك الرواق.

"هل تخافين المرتفعات؟" فاجأني سؤاله لذا حدقت بمؤخرة رأسه ببلاهة، حتى انخفض بجذعه عندما أنهينا الرّواق وكنا أمام مدخل متصل بالدّرج.

تشدقت عيناي نحو الأسفل أعاين المكان من زاوية معينة في ذلك الوقت سام كان قد حمل شيئا بين يديه بعد أن علق البندقية على كتفه.

كان يبدو كالسّهم وعندما أطلق به نحو الأعلى وقد خرج منه حبل طويل تعلق بقضيب معدني لدرابزين الطابق الأعلى.

الأن فقط وصلني الإدراك بماهية هذا الشيء لكن ذراع سام سارعت تطوق خصري ليلصقني به، وفي ثانية فقط قفز من السور الحديدي نحو الأسفل يجعل من صياحي يعلوا في أصقاع المكان.

هذا جنون!!

"اطلقي نحو الأسفل." صاح في أذني، فما كان مني إلا الإذعان لأمره وأفرغ رصاص المسدسين الذين كنت أصوبهما نحو الأسفل بالفعل.. بالرغم من وضعيتي إلا أني حاولت تصيد أكبر قدر أستطيع رؤيتهم.

كل هذا وصراخي الذي غدى متحمسا يصدح في المكان..

ليليث كانت تساعد من مكانها وهي تركض عبر الرواق بسرعة. بدأ الحبل يسحبنا نحو الأعلى ومن هنا لمحت ليليث قد وصلت إلى المكان الذي قفزنا منه.. وقد حوصرت مجددًا.

عندما وصلنا إلى المكان المنشود قفز سام من الدرابزين وتركني أحاول وزن وقفتي، لكني لم أفلح عندما انتفض جسدي لصوت اشتباك قريب جدا.

"ظننتُ أنكّ أبعدتنا عن الخطر." تذمرتُ في الوقت الذي شدّ فيه يدي وأضحينا نركض عكس صوت الرصاص.. جديا متى سنتوقف عن الركض لأني أنهكتُ بالفعل؟

"لن تصدق من معي." صوت سام جثم على مسامعي وقد التقفت نبرة السخرية من صوته، لم يبدو أنه يحدثني لذا لربما يكلم أحدا في السماعة.

"أنتَ تعرف أكثر مجنونة متهورَة قد تلتقيها في حياتك، وقد انضمت إليها الثّانية." صعدنا الدرج مجددًا وقد أخذ مني سام سلاحي الأخير وهو يطلق على مرات متباعدة.

هل أكسر آماله وأخبره أن شقيقته هنا أيضا؟

هذا سيكون لؤما مني نحو تلك اللعينة التي تستحق، لكن شقيقها هنا لا يستحق أن أقلقه أكثر ممّا هو فيه.. لذا سأخرس.

"أنا في الطابق الثالث." كاد أن يضغط الزناد على أحد ما ظهر لولا انتباهه في آخر لحظة بأن هذا الرجل معه، الرجل أشار بأنه سيذهب إلى الجهة الأخرى حيث الإشتباك فأومأ سام بحزم.

فجأة دوى صوت انفجار عالٍ وكان بإمكاني ملاحظة إحدى جهات المبنى.. تتهدم!!

إذا كان سام هنا؟! فتلكَ الجهة.. رين؟!

يا للهول!!

"مالذي تقوله؟" انتفضت لصياحه بجانبي وهو يحكم الشدّ بأذنه وعيناه مسلطتان على مكان الإنفجار، هسهس بحدة وحروف مشدودة: "ذلك الفاسق."

بعدها دوى صوت انفجار آخر جعل كلانا يلتفت إلى الجهة التي صدح منها والذي كان مكان ليليث تماما.

"سحقا!" سام أمسك رسغي مجددا يجرني خلفه وقد هبطنا الدرج هذه المرة، لحسن الحظ أن المكان لم يكن محاطا بالمسلحين ككل مرة.. أم أنه لسوئه؟

كان يبدو أنه يعلم أين يسير لأنه وصل إلى باب عند أحد أركان الدرج، فتحه ودفعني هناك. "إياك والتحرك من هنا، لن أتأخر." ثم أوصد الباب علي.

رمشت ببطء في محاولة استيعاب ما يحدث الأن؟ هل أوصد الباب في وجهي الأن؟ بل وعلي؟

لما لم يتركني معه؟ هل يظن أن قتلي لأولئك الأشخاص من فراغ؟ أنا حتى قتلت مساعديه واللعنة!!

كانت غرفة مظلمة وحالكة لكن هذا لم يمنعني من استكشافها، أخرجت هاتفي وشغلت إنارته ورحت أتفقدها بهدوء لكني توقفت حين تعثرت بشيء ما.. أخفضت الإنارة للأسفل.

وهنا لم أستطع منع ثغري من إطلاق صيحة عالية وأنا أنظر إلى الدّماء القانية التي يسبح داخلها جسد بوجه مشوه.. لا تستطيع حتى النظر إليه.

أنا لا أخاف ولا أتقزز عادة من هذه المناظر في الأفلام.. لكن كما قلت خلف الشاشة شيء وفي الحقيقة شيء آخر.

إبتعدت عنها ببطء وفزع متكور بمعالم وجهي لكني حاولت الحفاظ على رباطة جأشي وأنا أشكر الإلـٰه داخليا أن إيمـا ليست هنا الأن.. أؤكد أنها كانت لتهز المكان بصوتها ثم تقع فاقدة للوعي بجانبه.

بالحديث عنها، ترى ما أخبارها؟ هل مزالت داخل السيارة؟ هل اكتشفوا أمرها؟ أرجوا أن تكون بخير وإلا سيجن جنون سام.

هذه المرة كنتُ أسير بحذر أكبر وأحسب ألف حساب لأي خطوة أفتعلها حتى وصلت إلى..

إلى ماذا؟!

كان تبدو لي أنها آلات أو معدات مغطاة بقماش كبير ولم أجد مانعا من نزع طرفه وإلقاء نظرة.. أول ما إلتقفته عيناي كان ضوءا خافتا يصدر من أحد المعدّات وبالطّبع كأي شخص فضولي كان ليتفقد الأمر ويرى سبب الضوء وهذا ما فعلته أنا.

ويا ليتني لم أفعل..

حقا كم كرهت رؤية الأرقام التي تتغير بالعدّ التنازلي بسبب كريستيان، كانت فقط أقل من ثلاث دقائق لتنفجر القنبلة ويبدو أنها مصممة ليبدأ المؤقت ما إن يتم لمسها أو شيء من هذا القبيل.

علي الخروج من هذا المكان بسرعة.

أسرعت إلى الباب بعدما تعثرت في الجثة مرة أخرى ورحت أحاول فتحه لكنه كان موصدا بالفعل وهذا الظلام لا يساعد.

الأن فقط تذكرت جملة كان كريستيان يقولها ويكررها دائما. 'لنتخيّل أنكّ عالقة مع قنبلة في مكان ضيّق وستنفجر بعد دقيقتين. لديكِ عقلكِ ودقيقتين فقط في يدكِ لتنجي بنفسك، مالذي ستفعلينه؟'

وكانت إجابتي دائما بسيطة وسهلة. 'سأوفر على نفسي عناء التخيّل.'

أين أنتَ يا كريس الأن؟ أنت لم تخبرني بالإجابة أيها الأحمق.

"النّجدة، هل من أحد هنا؟" صرخت بصخب لا أزال أضرب الباب الحديدي بكل قوتي وأظن أن قبضتي احمرّت من شدّة الألم.

لا أظن أن أحدهم سيسمعني فأصوات الرصاص والإنفجارات تطغى على المكان وصوتي هزيل جدًا مقارنة بكليهما.

تذكرت فجأة هاتفي الذي في يدي ونظرت إلى جهات الإتصال بحيرة وتردد، لا أدري إن كان واحد من الثلاثة بحوزته هاتفه الأن لأنه يبدو أن أجهزة الاتصال والسماعات هي فقط المستعملة في ظروف كهذه.

إيمـا!! مالذي يمكن أن تفعله لي؟

أليكساندر؟ مستحيل، إن لم أمت اليوم في هذا المكان فسأموت على يده.

آيزك؟ حسنا ليس بالإختيار الخطأ، أكره قول هذا لكن لم يبقَ لي سواه، هو من يستطيع الإتصال بأحدهم وجعله ينقذني في أقل من ثلاث دقائق.

لا لحظة!! أظن أنه لم يتبقى سوى دقيقتين.

اللعنة!!

ضغطتُ على اسمه بسرعة وانتظرت بفارغ الصبر إجابته أشعر بأن قلبي سينهد بين قدمي في أي لحظة.

يا إلـٰهي فلتخرجني من هذه المحنة وأعد بأني سأستمع إلى كل كلمة يقولها كريستيان بحرص واهتمام.. لن أتخلف عن أي درس من دروسه بعد الأن.

"هذا الشخص مشغول جدًا لرؤية اتصالك حتى لأنه في مهمة حياة أو موت الأن. مالذي تريدنه يا شبيهة الذكور؟"

لم أتوقع يوما بأني سأسر لسماع هذا اللقب السخيف على لسان قائله.. لكن ها نحن ذا، الحياة تستمر بمفاجأتنا حقا.

"أنا عالقة الأن مع قنبلة، أخبرهم بإرسال المساعدة إلى مكاني." كانت نبرتي سريعة جدا وبان التوتر فيها رغم ذلك هو تعجب يسأل بغباء كان ليجعلني ألكمه لو كان أمامي الأن. "مالذي تقولينه؟"

"أســـرع، بقي أقل من دقيقتين." صرخت وقد لاح الهلع في صوتي هذه المرة وأظن أن هذا جعله يستدرك جدية موقفي لذا أسرع يغمغم بتوتر وحيرة: "ح_حسنا، انتظري قليلاً."

أغلقت الهاتف ورحت أحاول مع الباب مرة أخيرة حتى أنني أطلقت رصاصتين حول القفل لكنه تبين أنه موصد للخارج ولا مجال لفتحه إلا من هناك.

سام!! أيها الأحمق، سيكون موتي تحت ذمتكَ إلى أن تلحقني للجحيم يا عمود الإنارة.

وعلى حين غفلة شعرت وكأن الحياة تتسرسب إلي ببطء ما إن سمعت صوت القفل والباب كان يتزحزح أمامي ليصدر صريره تزامنا مع ترائي عيناي لنور طفيف.

ظننت أنه سام قد عاد إلي أو حتى رين، لكن ابتسامتي تلاشت ما إن قابلتني فوهة مسدس تصوب نحو وجهي مجددًا وخلفها كان شخص بنفس البزة.. بزّة العدّو.

اوه!! هذا لم يكن ضمن الخطّة أبدا.. أبدا.

أمال رأسه إلى الجانب وقد ظهر صوته الساخر: "إذا هذه القطة الصغيرة هي السبب في كل تلك الضجة."

أردت أن أخبره أن هذا الوقت غير مناسب للسخرية لأنه بعد ثوان قليلة جدا سنصبح لحما مشويا أو متفحما لكنه فقط استمر بالحديث وتهديدي بالسلاح.

"أنا لست شريرا لدرجة قتلي للنساء خصوصا الجميلات، بدلا من ذلك أنا أعطيهن خدمات خاصة."

أكاد أستفرغ هنا.

تقدم خطوتين وقد بدأ يخفض سلاحه: "لذا ما رأيك يا صغيرتي بعد الانتهاء من كل هذه الفوضى أن نحظى بب_" كلماته توقفت وعيناي سقطت على رقبته حيث ذلك الخنجر مغروس في حلقه تماما.

تتبعت مسار اليد وإلى صاحبها الذي كانت عيناه علي تماما..

للمرة الألف يفاجؤني بحضوره في الوقت الذي لا أتوقعه البتة.

انتزع الخنجر من رقبة الأخر ويده اليسرى قبضت على رسغي يسحبني معه نركض بأقصى سرعة.. لكني فقط كنت أراقب ظهره وشعره المهتز إثر حركته.

الوخزة في صدري ازدادت.

"لنقفز!!" أفقت على صوته الثابت ولم أكد أستوعب الأمر إلا وأنا أراه يقفز وهو يسحبني معه في نفس وقت صدوح صوت انفجار مدوي خلفنا.

لم أمنع صوتي من الإنفلات وأنا أرى الحمم النارية تنفلت أمامنا وأوقن بأن ضوء اللهب انعكس ضّد مقلتي.. و و_هذا يذكرني بمشهد مألوف..

أين رأيته؟

عندما ظننت بأننا سنهوي إلى الأسفل هذه المرة أنا من أمسكت برسغ رين وتشبثت به وكأن ذلك سيحميني من السقوط..

وبالفعل توقف جسدي عن السقوط واشتدت قبضته على رسغي وعندما رفعت رأسي رأيته يمسك بيده اليمنى قضيب السور الحديدي يتمسك به.

كنا معلقين في الهواء وأي حركة صغيرة قد تتسبب في مقتلنا.

"تمسكي جيدا." رأسه مال إلي وبدت ملامح الألم تتضح على وجهه المتعرق. بدا أنه يقاوم وهو يصدر كلماته نحوي بجهد كبير فما كان مني إلا شد قبضتي على ذراعه.

وهنا فقط انتبهت إلى السائل القرميزي الذي كان يعبر ذراعه نحو ذراعي ببطء وبدرجة لم تجعلني أشعر بالأمر حتى أراه.. كان ينزف.

"استعدي للقفز مجددا." قال بخفوت ثم راح يحرك جسده رواحا وإيابا وفي كل مرة تشتد حركته وتكبر أكثر ولم أفهم ما يحاول القيام به حتى أفلتتني يده.

عندما ظننت بأني سأهوي نحو الأسفل أدركت بأنه رماني إلى الرواق الذي كان في الطابق الأسفل لأني سقطت على مؤخرتي وتقلبت مرتين قبل أن أوقف جسدي.

ولم يستغرق الأمر ثلاث ثوان بعدها ليقفز خلفي ويهبط على ركبتيه ويستند بيده اليمنى على الأرض، ظللت أحدق فيه بتوجس وعدم استيعاب لأنه لم يرفع رأسه بل لبث على وضعيته هذه لثوان، بل وأن يده الأخرى صعدت إلى رأسه يمسكه ويحركه في حركة طفيفة.

وقفتُ ناوية التحرك إليه.. هو لا يبدو بخير. لكنه وقف بسرعة ونظر إلي فتوقفت تلقائيا عن الحركة وكأنه ألقى عليّ بتعويذة شلّت أطراف قدمي.

أطراف شعره الأشعث كانت تلتصق بجبينه المتعرق وصوت أنفاسه كان يصل مسامعي لشدّتها، الخطّ القاني الذي ينتصف وجنته بدأ بالسيلان وتشويه وجهه الوسيم.

"ستعاقبين على هذا." عقِب هذه الجملة صدح صوت انفجار أخر هزّ المكان ولهبت النار من جانبنا.. لكن شعرة لم تهتز من كلينا بل لبثنا نحدق في بعضنا البعض.

أو ربمّا أنا من كنت أغرق في بندقيتيه اللتين انعكس فيهما ضوء اللهب مما جعل من الصعب علي انتزاع نفسي منهما.. بل مستحيل.

يا إلـٰهي لماذا أشعر بأني أُهزم في كل مرة ضدّ عينيه فقط؟

قاطعني اندفاعه نحوي فجأة ليدفعني إلى الجدار وقد حرص على وضع يده لمنع اصطدام ظهري بالحائط وفي نفس اللحظة سمعت صوت طلقة بجانب أذني تماما.

كنت أود الاستدارة لرؤية ما يحدث لكنه لم يسعني الوقت لفعل ذلك لأنه جذبني معه وفي أول رواق أيمن جانبي وقبل ان نتابع توقف يرمي ذراعه ليطلق رصاصتين على من يبدو أنهم كانوا خلفنا.

ثم عدنا نركض مجددا ومجددا.. لكن هناك فرق هذه المرة لم أكن خائفة أو متحمسة كعادتي.. وترى هل هذا بسبب يده التي تشد على خاصتي وتبعث بعظامي راحة غير طبيعية؟

لم أدرك بأنني توقفتُ عن رؤيته كأي شخص آخر حتى الأن. ليس كأخ، ولا كبيطري أحببتُ شغفه، ولا حتى كصديق الطفولَة السابق. الشعور الذي يغلِق على عضلَة قلبي ويقبضها كان أكثرَ من ذلكَ بكثير.. مشاعرَ غريبَة لأول مرّة تستوطنِني بهذه الطّريقَة.

وكأنني أرى رين لأول مرّةٍ في حياتِي.

توقف عند أحد الأبواب ولم يجرب حتى فتحه بيده بل اندفع بقدمه يكسر القفل مرة واحدة ويجرني خلفه، قابلنا درج صغير فدفعني لأنزله أولا وهو خلفي، كانت خطواتنا سريعة وغير مترددة البتة.

عند اللفة التالية فوجئت بيد انتشلتني من مكاني لتطوق رقبتي ثم شعرت بشيء صلب يلامس رأسي، وردة فعل رين الذي أصبح فجأة أمامي جعلتني أشعر بالخطر هذه المرّة.

"ضع سلاحك وإلا ثقبت رأسها الصغير." الصوت الأجش بجانب أذني جعلني أبتلع ريقي بوئيدة وأنا أراقب وجه رين الذي تحور من التفاجؤ إلى البرود والجفاء المعتاد.

بربه!! هل هذا وقت تجشمه المعتاد؟

لم يضع سلاحه كما كنتُ أتوقع بل رفعه نحونا مصوبا وقد استل ببرود: "افعل ما شئت."

لحظة!! ماذا؟

شخر الرجل من خلفي وقد ضغط بسلاحه أكثر على رأسي لدرجة جعلتني أتألم. "حقا!! ألم تكن معك؟"

"لا، ولا يهمني أمرها. اقضي عليها وسأقضي عليكَ خلفها." لم يتردد في ردّه وهذا ما جعل تمثيله متقنا. إنه يحاول الحفاظ على حياتي بالمماطلة لكن إلى متى؟ قد يصدقه هذا الأحمق لكن بطريقة أخرى ويقضي عليّ حقا.

تراجع الرجل للخلف وهو يأخذني معه حينها حدقت برين بعينين زائغتين تطالبان بحل وتفاجأت عندما رفع ظهر كفه الأيمن إلى فمه وعيناه قد أرسلتا رسالة مكنونة.

بالطّبع.. كيف سهوت عن استعمال سلاحي السري؟

في لحظة ما كنت قد هبطت برأسي أجعل من أسناني تخترق بزّته لتصل إلى لحمه وتنغرز فيه أجعل من صرخة قوية تنفلت من فاهه وقد خفت قبضته علي فاستغليت الفرصة لآخذ ذراعه وألويها لأقلب جسده من فوقي وفي تلك اللحظة سمعت صوت طلقتان وانتفض جسده من فوقي قبل أن أطرحه أرضا وتتضرج الدماء من تحت جثته.

قفزت من فوقه نحو رين الذي سارع يركض بالاتجاه المعاكس وقد جاورته بالركض بالفعل.. كان يبدو لي أن سرعته لم تعد كالمعتاد، كما أني لا زلت أستطيع سماع صوت تنفسه المهتاج.

إنه لا يبدو بخير أبدا. ترى أين أصيب بالضّبط؟

توقف جسده لأتوقف خلفه مما جعل جسدي يصطدم بظهره إلا أنه لم يهتم لأنه لم يحرك ساكنا بل بقي على حاله لثوان جعلتني أشعر بالفضول لما يراه، كنت سأتجاوزه لأرى بنفسي لكنه بسط ذراعه أمامي وأعادني خلفه مجددًا وهو ينهرني بغضب: "توقفي مكانك يا مغناطيس المشاكل."

أنا؟ مغناطيس المشاكل ؟!

صحيح أني كذلك، لكني لم أفعل شيئا هذه المرة. هل كنت من حضرت لهذا اللقاء واحتفال الرصاص والإنفجارات هذا؟

وجدتني أضرب ظهره بخفة ولم أتوقع أن يرتد جسده للأمام ويكاد أن يسقط، وازن نفسه وحدق في الأمام بعينيه متسعتين قبل أن ينظر إلي مجددًا.

مالذي فعلته؟

"أمسكوه!!"

تبا الأن أدركت سبب اللقب قبل ثوان.

سارع بجذبي معه نركض وحسب الأصوات خلفنا هناك جمع غفير يتبعنا، أنا أتسبب بالكوارث فعلا.

"أغلقي أنفك." صاح بي ونحن ننعطف إلى اليسار في حين قد أطلق على القارورات المعلقة في الحائط لأسمع صوت تسرب غاز ما.

سددت أنفي وقد تركت يده ليغلق بها أنفه هو الأخر ويتابع ثقب أي قارورة نمر من أمامها.

صوت شرارة طفيف تسلل إلى مسامعي وجعل مني أتوقف فجأة لأستدير للخلف بقلب مقبوض ومضطرب.. عيناي كانتا متمعنتان على المنظر خلفي حتى اشتعل المكان فجأة وانعكس ضوء اللهب ضد مقلتي.. وبعد ثانية واحدة اخترقت حرارة غير طبيعية جسدي واشتعل المكان حرفيا من حولي.

تلك المشاهد انبثقت مع حرارة المكان ونيرانه الملتهبة.

يدي اجتُذِبَت وجسدي عاد للركض لكن دون روح، صوت رين الصارخ كان يبتعد عني شيئا فشيئا ومكانه عادت أصوات أخرى، الأصوات التي تزورني في كوابيسي المدلهمة.

صوت طفولي ينادي ب'أمي أين أنت؟'

كان صوتي!!

فجأة شعرت بقوة هائلة تدفع بجسدي للخلف وبحرارة مهولة تحيط بي.. عقبها تتابعت المشاهد بين عيني.

أنا الصغيرة التي تدور داخل تلك الألسنة الملتهبة وتنادي بأمي، كان صوتها مع صوت الأثاث المحترق وأزيز الخشب الملتهب كل ما أستطيع سماعه..

لكن هناك انبثق صوت من العدم يدخل مجال سمعي..

"ييرون أين أنت؟" صوت طفولي باكي كان خافتا في البداية لكنه كان يتضح مع الوقت حتى ظهر من بين تلك الأنقاض المحترقة..

فتى الوحمة وملاكها الحامي..

"ييرون!!" سارع بخطواته الصغيرة نحوها يحاول اجتذابها معه لكنه لم ينتبه إلى قدمها العالقة تحت الأنقاض ومعها ازداد صوت بكائها وأنينها المتألم..

كان يبكي بدوره معها وهو يحاول بكل قوته إخراج قدمها.. حتى ملابسهما بدأت بالاحتراق بالفعل.

دمعة تسرسبت من وجنتي وأنا أراقب الحقيقة.. الحقيقة التي غابت عن ذاكرتي والتحمت بين صفحات النسيان.. الحقيقة التي دثرها عقلي بكوابيس لا تحمل من الصدق شيئا.

كان فتى الوحمة مجرد طفل بريء وشجاع، نال من البسالة ما لم ينلها بعض أشباه الرّجال. حاول انقاذ صديقته حتى بعد أن شهد موت والده أمامه.

كان فتاي الشجاع والباسل.. رين.

"إنه يؤلِم!! أبعده_ أرجوك." ييرون الصغيرَة لم تكف عن إشعال المكان بصوتِها الباكي ودموعها التي أحرقَت عيناها.

"سأفعل، تحملي قليلاً_ قليلاً فقط." كان صوته خافتًا، متحشرجًا، يخرج من شرخِ حنجرتِه المتألمَة. يحاول دفع الشظايا الملتهبَة عن قدمِها لكنها كانت تلسَعه وتجعل منه يبعد يديه بسرعة يحاول إطفاء أكمامه المحترقة، ودموعه تسقط في صمت.

"إنه_ يحرِق يا رين_ إنه يؤلم جدًا."

دموعي كانت تتسابق فوق وجنتي إثر صرخاتِ نفسي الصغيرَة، وددتُ التقدّم ومساعدتَهما، حمل العبئ عنها أو_ الإحتراق مكانهما، لكنّني كنتُ مجرّد روحٍ بكماء، خرساء ومشلولَة تطوف بين ذراتِ الهواء اللاسع. لا يمكنها غير المشاهدَة متكتفَة اليدَين.

لم أشعر بالعجزِ في حياتي مثلمَا فعلتُ الأن. حتى لو كانَت حلمًا أو ذكرَى، الشعور يبقى ذاته.. مؤلمًا.

تفطّن رين من حوله أخيرًا وعيناه وقعت على شيء ما، قطعَة حديديَة طويلَة لا بد وأنها لأثاثٍ احترق بالفعل، كانت ملتهبَة لأنه بمجرّد أن حملها رماهَا مكانها يتحسّس كفيه بألم.

رأسه اندقَت نحو ييرون.. نحوِي يستنشقُ نفسًا يبدد به دموعه المنساقَة، النظرَة تغيرَت من اللينة الضعيفَة المنهكَة، إلى أخرى انعكسَ فيها وميض اللهب المنفجر، أخرى تبدّد منها الضعف وغدا حزمًا وصرامَة، نظرَة رين الذي أعرِفه. النظرَة التي لا تعترف بمسمى الخوف، النظرة الانتحاريَة المندفعة.

عاد يمسكُ القطعَة وهذه المرّة ملامح وجهِه لم تنكَمش في ألم، وكأنه يحمل صفيحَة ورقٍ. وهنا أدركتُ أن المشاعرَ تبلّدت وماتت، أنه لا يشعر بشيء بعد الأن. لقد أخذ من الحرارَة ما يكفي ليصبح النار نفسها.

دسّ القطعة بين قدمهَا والأثاث وبضربَةٍ واحدةٍ من قدمِه جعله لا يرتفع فقط بل يتحطَم ويتناثر بعيدًا مسرحًا عن_ قدمِي.

سحبها بسرعَةٍ إليه لكنها لم تكن تستطيع السير لذا أسندها بجسده وسارع يبحث عن باب الخروج، ومن سوء حظّه أنه كان موصدًا وجعله يصرخُ بانهيار وغضبٍ مشتعلين أكثر من اشتعال المكان.. لكنه لم يفقد رجاحَة عقله وتعذب معه وبعد وقتٍ عسير فتحه أخيرًا.

شعرتُ بقلبي يسقط مكانه في راحَة بعد أن رأيتُ جسديهما يغادران المكان قبل أن ينفجِر، ينفجِر وأنا لا أزال داخله.

شهقت بذعر وانتفض جسدي لأرفع رأسي بسرعة وأصطدم بشيء ما جعلني أعيد رأسي للخلف متأوهة بألم وقد استقر رأسي فوق شيء طري.. ليس تماما لكن بالنسبة للأرض فهو كذلك.

فتحت عيناي ورفعتهما قليلا ألمح عمودا حديديا فوقي تماما كان ماصطدمت به، فلعنته مجددًا لأشعر باهتزاز الشيء الذي أضع فوقه رأسي.

نظرت إلى يميني وتفاجأت بوجه رين يقابلني ينظر إلي وهو يقهقه بخفوت أدى إلى اهتزاز جسده وقدميه حيث كنت أضع رأسي في حجره.

"لا غيابا عن الوعي ولا حتى استيقاظا منه كالبشر، أخبريني بشيء تستطعين فعله بطبيعية." كان يسخر وهذا واضح تماما، رفعت رأسي هذه المرة ببطء وحذر مسلطة عيناي على المعدن حتى أضحيت جالسة واستدرت برأسي نحوه لأجده ينظر إلي بدوره.

تلكَ العينَان!! البندقُ الناري بهما كان يتمازج ويتلاوح حين ضربتني ذكرى الحلم، عيناه لم تتغير مطلقًا، حتى بعد سنَوات.. إنّه هو، الذي جرنِي من حافَة الهاويَة بكل ما أتيَ له من قوّة.

خانته قواه، لكن لم تخنه بسالتُه وثقتُه. لم يخطّط ولا ثانيةٍ في تركِي، ولم يترّدد في تقديم نفسه للموتِ لأجل ذلك.. كما يفعل دائمًا.

رين، إنه_ هذه المرّة أنا من كنتُ قد رميتُ نفسي نحوَه، أدفِن وجهي بين عظام رقبتِه، أشعر بتصّلب عظامه داخلِي. لكنّه لم يسأل في النّهاية بل فقط ارتفعت ذراعاه تحيطان جسدِي بشكلٍ جعلنِي أشعر بملمس عضلاتِه بظهري.

في صمت.. لم يقل شيئًا ولم ينبِس بحرف، حتى صوتُ أنفاسِه كان صامتًا. يمنحني الرّاحة في الشّعور، في الارتجاف، في كبحِ تلكَ الغصّة.

أسدلتُ جفناي أغرقُ أكثر في الذكرَى الحمراء واترك أثار اهتياج أنفاسي تنطبع ببشرته، لا أريد تركَه وجعله يهوي من بين يدَي، ليس بعد أن أدركتُ ما يعنيه لي، بعد أن أدركتُ الحقيقة الكامنَة التي كنتُ أدثرُها تحت غطَاء الغضب والتّجاهل.

ولربما الكبرياء اللعين.

كانت غشاوَة، كنتُ أنا من ألصقتُها بمحجرَي لتتوارى الحقيقَة عن ظاهرِها، خلقتُ الكذبَة، الترّدد وعشتُ فيهما بتبلّد، لم يكن من الصّعب الإنكار وموجَة الغضَب والإغتياظ دائمًا تدفعكَ لإعطاء ظهركَ للحقيقَة.

لكنني هنا أتوقف، أرفع رايَة الاستسلاَم وأتربَع مكاني. إنه لمنَ المنهِك انتظار شيء تتوق له بتلهُف. ربّما لم يكن علي الانتظَار في المقامِ الأول، ربّما الطريق كانت ممهدَةً لي منذ البدايَة بينما أعطيها ظهرِي، تنتظر قدماي لتخطوا فوقهَا وتؤدي بي إلى مبتغايَ الذي جهلتُ ما هو في البدايَة.

ربمّا كنتُ الخطوَة الأولى منذ البدايَة لتصحيح مسارِ حياتنَا، ولا.. ليس القبطان الذي يدفعُ بدفَة السفينَة في الاتجاه الذي تشتهيه، بل كنتُ البحر بأمواجه المتلاطمَة منذ البدايَة. هادئًا أحيانًا وهائجًا في أغلب الأحيان. ورين كان ذلك القبطان الذي يتحدى المحيط برحابَة صدر وزوايا شفاهه لا تكف عن الميلان في ابتسامَة حماسيَة. شغوفة.

ببساطَة لأن البحر كان شغَفه.

عندما ظننتُ أنني اكتفيتُ من الشعورِ بداخله، أرغمتُ نفسي على الابتعادِ ببطء وثِقل. من الغريب مواجهته، لذا ادعيتُ أن لا شيء حدَث، أنني بخير.

"مالذي حدث وأين نحن؟" قلبت ناظري حول المكان حيث الأنقاض والركام وكان المكان خافت الاضاءة لكن كفيلا بأن نميز ملامح بعضنا البعض.

على الأقل لأميز اللون بعينيه ونظرتَه الخاطفَة.

طال صمتُه يستمِر في التحدّيق بي وكأنه لم يخرج من مستنقَع الرثاء الذي غرقتُ فيه وأغرقتُه معي، بدا مسترخيًا وأفكاره تسبح داخل عقلِه بحريَة، شاردًا في وجهِي وكأنه الملجأ الوحيد لنظراتِه في هذه الثانيَة.

بدت كنظرَة سرميديَة لا نهايَة لها.

"ر_رين!!" ترددتُ في أخذ كفّة الحديث واقتطاعِ خلوتِه، فأسرع ينكِس رأسه للأسفل مشيحًا بنظرته تلك عني. أخذ نفسًا من أعمق صدرِه.

"فقدت الوعي عند حدوث الإنفجار الذي ساقنا إلى هذا المكان_" رفع رأسه وجالت عيناه على المكان من حولنا متبعا: "_المغلق."

مكان مغلق؟ ساقنا إليه الانفجار؟ هل تمّ قذفنا إلى هنا بسببِ ضغطِ الإنفجار؟! إذا لا بد من وجود بابٍ أو على الأقل فتحَة.

"منذ متى وأنا غائبة عن الوعي؟"

لاحظت أنه أمسك كتفه الأيمن يمسح عليه بعصبية غريبة وهو يخفض رأسه قليلا: "لا أدري، ربما عشر دقائق." انكتمت أنفاسه وهو يردف بصوت غريب: "استغليت هذا الوقت وحاولت اكتشاف المكان ويبدو أننا عالقان."

عضضت سفلى شفتي باضطراب واضح، عالقان؟ يبدو أنه لا يعلم أين مكاننا حتى!!

حدقتُ فيه بتمعن أنظر إلى تصرفاته الغريبة، حيث عاد يسند جذعه على الحائط ويرفع رأسه للأعلى مسدلا جفنيه، صوت تنفسه المهتاج كان يصلني وصدره كان يعلو ويهبط باضطراب شديد.

"مالخطب؟ أنتَ لست على ما يرام!!" اقتربت منه قليلاً وقد تسللت يدي تلقائيا لأضعها على جبينه المتعرق، وعندما توقعت بأن أجد حرارته مرتفعة، تفاجأت بالعكس.

بشرته كانت باردة كالثلج!!

أبعدت يدي عنه باستغراب جلي ووجدت نفسي أعدل من جلستي لأضحى قاعدة على ركبتي ويدي راحت تتلمس وجهه البارد، تذكرت خطّ الدماء الذي رأيته من ذراعه اليمنى فرحت أرفع كمه القصير عن كتفه الأيمن.

وهنا اعترتني الصدمة وأنا أنظر إلى ذلك الجرح والدماء التي تغطيه وقد بدأت تجف فوقه، يده اليسرى قبضت على رسغي الأيمن، ورغم كل هذا قبضته لا تزال قوية بالنسبة لي.

رفعت عيناي نحوه فوجدت أنه قد أخفض رأسه قليلاً وهو ينظر إلي بنصف أجفان، صوته خرج ضعيفا ومبحوحا: "توقفي، لقد رأيتِ الكثير بالفعل."

"أنتَ مصاب!!" صرخت بانفعال وقد أبعدت يده عني بقوة وأشرت إلى إصابته بأعصاب متلفة.

انبثقت قهقهة خافة من ثغره المنفرج وقد تقوست عيناه المتعبتان: "هل أنتِ قلقة علي، أم أنني أختلق كل هذا؟"

هذا الأحمق!! هل هذا وقت التفكير بهذا الأمر؟ بالطّبع أنا قلقة.

أي أحد مكاني كان ليفعل.

"هل كانت طعنة خنجر؟" أخفضت رأسي وأصابعي عادت تتلمس الجرح برقة وكأن بين يدي زجاجا هشا أخشى تهشيمه.

لكني دهشت عندما عاد لامساكي وهذه المرة اجتذبني نحوه وكان قد أخفض رأسه تماما نحوي، رمشت ببطء وعدم استيعاب وأنا أحدق في عينيه البندقية التي تطالعني بغرابة.

أسرعت بإشاحة وجهي بعيدا لكنه أمسك بفكي وأعادني إلى جهته، صوته خرج هامسا: "هذا يكفي، انظري إلى عيني."

ارتجفت شفتي مغمضة عيني وقد نفيت برأسي بعناد، عيناه كانت ولا تزال نقطة ضعفي لذا لن أجرؤ.

"سأُقبِلكِ إن لم تفعلي."

فتحت عيناي على مصرعيهما ونظرت له بروع معيدة رأسي للخلف لكنه شد في إحكامي ولم يدعني أتحرك.. اللعنة رغم إصابته لا يزال قويا هكذا.

ثمّ كيف يجرؤ على قولِ شيءٍ جريءٍ كهذا؟ هل يرانِي عاهرتَه ليتجرَأ على تهديدِي بأمرٍ كهذا؟

"أيها المنحرف." همست باقتضاب وقسر بسبب وضعيتي غير المريحة التي يجبرني عليها بينما هو يستند على الحائط مرخيا جسده بكل راحة.

هذا ظلم!!

"أخبريني، مالذي رأيتيه تحديدا؟" قطبت جبيني باستغراب لحروفه المشدودة رغم إنهاك نبرته فأتبع حازما: "فقدتِ الوعي بمجرد رؤيتك للنار ثانية، أنتِ لم تتجاوزي الأمر بعد. مالذي رأيته تحديدا؟"

بل إنه يقصِد تعلقي به في أول ثانيَة من استيقاظِي وكأنني لا أصدق مثولَه أمامي، لكنه فضّل عدم ذكرِ الأمر.

خاضت مقلتي ضد خاصته وقد عاودت تلك المشاهد تتراءى بين عيني، احتدت أنفاسي وأنا أتذكر تلك النيران الملتهبة التي تلتهم كل شيء.. وتلك الطفلة البكاءة ومنقذها الصغير.

كان منظرًا وشعورًا يجرِف نحو الحضيض، يستحِيل أن أنساه.

"الحقيقة.." عضضت سفلى شفتي وأنا أرى ملامح وجهه ترتخي وهو يحاول تدارك كلمتي هامسا بتساؤل: "الحقيقة؟!"

"فتى الوحمة الشجاع الذي أنقذ الصغيرة التي تبحث عن والديها.. رأيتهما." ارتفعت شفتي في ابتسامة صغيرة أراه يرمش ببطء وقد رفع حاجبه قليلاً وهو يتساءل بشك: "ذاكرتك؟ هل عادت؟"

ذاكرتي؟

لحظة!! صحيح لقد أخبرني ذات مرة بأني فقدت ذاكرتي لذا لا أتذكر شيئا عن الحادث وما قبله.

لكنّني لا زلتُ لا أتذكر شيئًا، لقد كانَت هذه المشاهد مجرّد حلمٍ لكنني لا أتذكرّها بحقيقتها. لا أستطيع تذّكر ما حدَث قبلها أو بعدَها، لا أستطيع تذّكر رين في حياتِي السّابقة.

يده هبطت من فكي إلى كتفي يضغط عليه وقد تحدث بجدية ولهفة غريبة: "والداك؟ هل تذكرينهما؟"

والداي؟

زاغت عدستاي في الفراغ من حولنا أحاول عصر ذاكرتي بتركيزٍ هذه المرّة، لقد سهوتُ عن أهمّ الأشخاصِ لأن بعض المتعجرِفين احتلوا كامل ذاكرتِي. ويا آسفاه، أنا لا أفعل، لا أستطيع تخيل شكلِ أي بالِغين بحياتي.

نظرت إليه وقد كان يحدجني بعينين منهكتين لكن هذا لم يمنع من بريق الترقب من الالتماع بهما، نفيت برأسي ببطء فارتخت تعابيره تدريجيا مع ارتخاء قبضته على كتفي حتى سقطت ذراعه.

"تبًا!!" أجفِلتُ لقبضتِه التي ضربَت الأرضيَة تحتنَا، قبل أن يعيد خصلاتِه للخلف في حنقٍ بادٍ. هل أحلقُ بأفكاري بعيدًا إن قلتُ أنه مستَاء لحالةِ ذاكرتِي أكثرَ مني؟

مالذي سيفيدُه تذكرّي لأمر والدَاي؟! صحيح، تأكيد عودَة ذاكرتِي تدريجيًا، مما يعنِي تذكرّه قريبًا. لكن لا يبدو أنني سأفعل.

صحِيح!! هو منزعِج لأنني لا أزال لا أتذكَره، لكن ألا يكفي أنني أتذكرُ حقيقَة ذلكَ اليوم المشؤوم الأن، بل وأدركتُ حقيقَة أنني مدينَة له بحياتِي كاملَة؟

حلّ صمتٌ صاخبٌ بيننا، على حالنا المشتَتة هذه.

لم يقتطعه إلا صوت تنفسه الذي ازداد اهتياجا وذراعه التي صعدت تمسك برأسه.

"هل أنتَ بخير؟ هل سنبقى هنا طويلاً؟" سألت بقلق بيّنٍ وأنا أعتدل في جلستي مقابلا له، لمحته يغمض عينيه ويزم شفتيه بألم واضح وقد خرج صوته منهكا: "لقد أرسلت إشارة إلى آيزك من هاتفك، سيأتون من أجلنا قريبًا."

هذا شبه مطمئن!!

المؤرق في الأمر هو حالته والتي يرفض الحديث عنها ويتظاهر بأنه الرجل الحديدي.. هذا الأحمق يحتاج قبضتي لتأديبه.

عدتُ للخلف أصالِب ذراعَي رغمَ شعورِي بالتوعكِ في معدتِي، أحدق من حولنا. يبدو كمخزن، مخزنٍ ضخم يحوي آلاتٍ ومعدَات نصفُها أصبحَ مجرّد خردَة محترقَة ومتفحمَة تنتشِر في أرضيَته، تحركَت مقلتَي أبحثُ عن مكانٍ يمكن أن يكون الباب.. أعلم أنني لن أضاهِي بحثَ رين في الأمر لكنني فقط لا أستطيع المكوث هكذا والإنتظار، قد ينفجِر المكان فوق رؤوسنَا ونُدفَن تحت الحُطام.

حينَها روحي سوف تلاحِق ليليث حتى مماتِها. سأتكدُ من جعلها تعيشُ معنى الرعبِ والفزعِ والجحِيم في حياتِها.

"لماذا أنتِ بعيدة؟ تعالي واجلسي بقربي." اجتذبني لأغدوا جالسة بجانبه ومستندة بظهري على الجدار.. لكن هذا لم يدهشني بقدر ما دهشت حين هبط بجذعه أمامي ورأسه توسد حجري ليصبح منبسطا كما كنت نائمة بدوري على حجره منذ قليل.. وكأنه عكس الوضعية.

ل_لحظَة!! هذا أسرَع من استيعَابي بمراحِل. منذ متى هو صريحٌ لهذه الدرجَة ولا يأبى إخفاء احتياجِه لي؟ حسنًا، هو صريحٌ دائمًا لدرجَة الوقاحَة.

أطلق آهات قوية عندما حاول بسط قدميه مما جعلني أجفل بتوتر وقد أخذت يدي أضعها على قدمه سائلة بهلع: "مالأمر؟ مالذي يؤلمك؟"

توقف أنينه لأنه كبحه بصعوبة وصدره أخذ يعلوا ويهبط بسرعة وعيناه تحدق ناحية السقف. همس: "إنه مجرد تشنج عضلي؟"

مجرد تشنج عضلي؟ لقد كنت تصرخ وكدت تبكي أمامي يا رجل وتخبرني بأنه مجرد تشنج؟

لا أصدق رغبته في الظهور بمظهر القوي الذي لا يتأثر أبدا.

وضعتُ يدي على جبينه المتعرق وهذه المرة سألت مباشرة: "لماذا بشرتك باردة لهذه الدرجة؟"

عيناه تحولتا إلي وقد ذهلت لرؤية التعبير الساخر الذي لا يزال يستطيع وضعه حتى وهو على وشك الموت. حتى نبرته ورغم تعبها اتضح فيها التهكم: "لا أصدق بأنكِ مغفلة لهذه الدرجة، من الواضح أنني أعاني من مرض أيتها الغبية."

لا ننسى الجملة بحد ذاتها والمشبعة بالإهانات.

إنه في موضع الأن للأسف يجعلني أتنازل عن رغبتي بالرّد واسكاته للأبد. فقط ليكرر إهانتي وهو معافى وسيرى كيف_

اتسعت مقلتي وتأبطت بخاصته وقد عادت بي الذاكرة إلى ذلك اليوم، خرجت الكلمات من ثغري عنوة: " هل تقصد نفس المرض الذي جعلك تسقط مغما عليك في ذلك اليوم، واضطررنا إلى نقلك إلى المستشفى؟"

"شكرًا لتذكيري بذلك اليَوم البائس."

لقد كانت بشرته باردة رغم تعرقه الكثيف وقد شعر بالدوار، وعندما حدثني الطبيب عن حالته قال شيئا عن التشنجات.. لقد كانت نفس الأعراض.

ما هو هذا المرض يا ترى؟

"لكنك لم تق__"

انزاحت عيناه عني ويده صعدت تضغط على كتفه برفق: "كفي عن الثرثرة قليلا أشعر بالصداع."

زممت شفتي بحدة وأنا أتشبث بالصمت لكن سرعانما ما ارتخت تعابيري وأنا أراقب هيئته الراقدة أمامي هذه.. قلبي ينبض بألم عندما أدرك أنه يتألم.

لا يمكِن لأحدٍ لومِي، لم أعتَد على مظهرِه الضعيف والمثيرِ للشفقَة هذا بعد. إن سمعَ ما يدور في رأسي الأن فأقسم بأنه سيلكُم وجهي بما أنه قريب منه.

لكنّني حقًا لا ينتابنِي شعور الخيرِ مع حالتِه هذه، اعتدتُ الشعورَ بالأمانِ معه واعتادَ هو انتشالِي من الحافة مهما بدا الأمر شاقًا عليه، لكن بحالتِه هذه قد يأتِي شخصٌ بمسدسٍ يحوي رصاصتَين فقط.. هو سيفجِر قفصينا الصدريين دون أن نقاومَ حتى.

أريد رين القوّي الأن، المندفِع المتهوِر الذي لا يهابُ شيئًا بل يصافحُ الموتَ برحابَة صدرٍ وابتسامةٍ مستمتِعة وهو يعقِد صفقَة القرن معه. أنا أحتاجُه الأن.

"هل مظهرِي مغرٍ لهذه الدّرجة؟"

ليس لتلكَ الدرجَة حقًا. أعني أنه كذلِك لكن ليسَ وأنتَ تسبحُ في عرقكَ البارد، تصارعُ الألم لتمنع انطباقَ جفنيكَ وتتركني وحيدَة أصارِع شعور الكربِ وحدي. ليسَ حقًا.

حالنَا كان بائسًا إلى هذه الدّرجة.

لم أدرك أن عيناي كانتا متأصلتان بخاصته حتى لمعت خاصته ببريق خفي ونبرته خرجت هادئة: "هل تداعبين شعري؟"

يدي ارتفعت طواعية ودون إذن مني حتى لتستقر أناملي بين خصلات شعره المبعثرة وتتحرك ببطء، عقب ذلك إنسدل جفناه ببطء وبدت الراحة تتسلل إلى ملامح وجهه.

حتى أطراف جسدي فقدتُ السيطرَة عليها في هذه اللّحظَة، ما عادت تستجيب إلا لكلماته.. وكأنَ نبرتَه خدرَت عظامِي وجحفت ردود الفعلِ من جسدي.

وجدت نفسي أغمض عيناي متجاهلة كل تلك الأصوات من الرصاص والإنفجارات واستمتعت فقط بالسكينة الوجيفة التي حلت علينا.. بدت وكأنها سمفونية من الهدوء الصامت والمريح تجول من حولنا وتخلق عالما جديدا، مختلفا وبعيدا عن الحقيقي..

عالم يحتوي كلينا فقط.

لماذا يفعل القدر هذا بي؟

هل مشاعرِي لعبَة مسليّة لهذه الدرجَة؟

أردتُ فقط وقتًا كافيًا بعيدًا عنه وعن طريقِه، أحظى بهدوئي وأضبطُ رجاحَة عقلي.. إن كانت مشاعرِي تنفعِل من اقترابِه فأردتُ رؤيتها مع ابتعادِه. هل ستكون نفسهَا، تخف أم الأسوء.. تشتعلُ أكثر؟

رجوتُ أن ما بيننا مسافَة البلاغَة، ما بينَنا شاهق المعنى ما إن أصعده أنزلِق إلى الواقع المريب. لم أدرِك طوال الوقتِ بأنني منحازَة لوجهه.. لعتمة الليل.

بينمَا هو، كان جبانًا هربَ من اللّيل.. من نفسه دون ترك أثَر، دون أن يُعلق على رقبتِه حتى حبلاً من الشوق، لأنه كان يعود في كل مرّة إلي، ينيرُ العتمَة بالظّلال لا بالشّموع. يمسكُ بيدي، ويقودني خلفَه، في طريقٍ مبهَمٍ كنفسِه تمامًا.

إلى متى سيكون علينا السير هكذا كالعميان؟

ألن تأتي تلكَ اللحظَة التي نلمَح فيها بصيصَ نورٍ يخترقُ الدّهمَاء من حولنَا، ويجعلُ خطواتِنا ثابتَة نحو هدفنَا؟!

فتحت عيناي وأخفضت رأسي إلى يدي اليسرى التي كانت بين قبضته، عندما أبعد يده وجدت أنه دس شيئا ما بكفي..

قلادة؟!

"كانت هدية عيد ميلادك التي لم تدعيني أقدمها إليك." أعدت انتباهي إلى وجهه لكن عيناه لم تكونا علي بل تنظران نحو السقف وهو يتبع: "لم أدرك إلى الأن كيف استطعت أخذها من والدتك في ذلك الظرف."

والدتي؟!

حدقت في القلادة التي تبدو معدنية وذات شكل بيضوي. هذه قلادة والدتي..

والدتِي أنا؟!

"إنها تحوي داخلها صورة تجمع ثلاثتكم." اتسعت عيناي نحوه لأجده قد أخفض نظراته إلي يبتسم بضعف: "يمكنكِ رؤيتهما أخيرا ولربما حينها تستطعين تذكر شكليهما."

عبثت بالقلادة وبالفعل فُتحت لكن لم أستطع لمح شيء بسبب صغر حجم الصورة واضاءة المكان التي لم تساعد. لكني وجدت نفسي أدفعها إلى صدري وقد تسرسبت دمعة من محاجر مقلتي بدون أذني.

أخيرا أستطيع أن أرى كيف كان والداي، أستطيع مقارنة نفسي بهما ومعرفة من أشبه أكثر.. لطالما كنت أفكر، هل أخذت شعري البني من أمي أم أبي؟ هل كانت عيناي واسعتان كخاصة والدتي؟ هل أنا قصيرة كوالدي؟

وغيرها من الأسئلة التي كانت تشغل ذهني لسنوات.. لكني توقفت عن التساؤل منذ زمن.

أرغب في البكاء بصوت عال الأن!!

و.. أرغب في عناقه بقوة.

هذا كثير، رين أيها الوغد مالذي تحاول فعله بي أيها الأحمق؟ هذا كثير لمعرفتِه في لحظَة واحدَة، الجميل والمعروف الذي أسديتَه لي قبل سنوات لن أستطيع دفعَه ولو بروحِي. لماذا تجعلُ من الثِقل يحطُ من كتِفي أرضًا ويجعَل الذنب ينخر كل خليَة من دواخلي اتجاهَك؟!

أنا_ فقط الاستياء ينال مني بسببك، وبسببي، بسبب ظروف لقاءتنا، بسبب كل شيء من حولنا.

"شكرا.." اكتفيت بهذه الكلمة وأنا أسحب ماء أنفي وقد مسحت وجنتي بأصابعي.. لكني تفاجأتُ به يرد بابتسامة: "لا تشكريني.. الأمير هنا لأجل أميرته دائما."

نظرت إليه بغرابة وعدم استيعاب فسخر يبعد خصلة عن جبينه بصعوبة: "ماذا؟ لا تخبريني أنكِ لا تتذكرين هذا اللقب؟ ألم تستعيدي جزءً من ذاكرتك؟"

أي لقب هذا الذي يتحدث عنه؟ ثمّ إنني من الواضح بأنني لم أستعد شيئا غير ما حدث ذلك اليوم، لأنني لا أتذكر والداي.

لكنني أشعر بالفضول الأن حول ما يتحدث عنه.

عندما نفيت برأسي كان سؤالا غير مباشر عن مقصده فضحك بخفوت شديد وبدى وكأن عيناه تجولان داخل ذكرياته حيث يراها بكل تفاصيلها الأن: "'منذ اليوم سأكون أنا أميرة مملكة الحيوانات جميعها وأنت ستكون الأمير.. أميري.' هذه كانت جملتك السخيفة عندما زرنا حديقة الحيوانات لأول مرة."

أميري؟ أنا قلت شيئا كهذا عندما زرت حديقة الحيوانات أول مرة؟

هل كنتُ غبية لهذه الدرجة؟ حسنا.. بالتفكير في الأمر لن أستغرب حدوث شيء كهذا.

لا أصدق نفسي!!

ضحكت بعدم تصديق وسرعانما غدت ضحكات صادقة أخرجتها من أعمق جوفي وتمنيت لو أنني أتذكر كل هذا.. يبدو أن شخصيتي لم تتغير.

كان لا يزال ينظر إلي وشفتيه تكتنفان ابتسامة صادقة متعبة.. أحب هذه الابتسامة.

أميرة مملكَة الحيوانات!! هذا يناسبني تمامًا. أما أميري__ أشعرُ بتوعكٍ داخل معدتِي وباضطرابٍ مفاجئ يتخلل مفاصلِي. هل كنتُ جريئة لهذه الدرجَة؟!

يبدو أن هذا الوغدَ استطَاع أخذَ جزءٍ مني منذ طفولتِه، وحتى الأن هو لا يزال لا يكّف عن سرقَة ما هو ليس ملكَه. هل كانَ سارقًا محترفًا لهذه الدّرجة أم أنني حمقَاء مغفلَة فقط؟

"هل تريد أن نحييه مجددا؟" مازحته بوداعة فرفع حاجبه بلطف نحوي وبدت نظرته تقول 'كما تريدين.'

"ما رأيكَ بهذا؟" حدقت من حولنا: "الأماكن المظلمة دائما ما تجمعنا." قبل أن أعيد رأسي نحوه. "لذا سأسميك بأمير الليل بدلا من أميري فقط، أليس مناسبا؟"

تذكرت جميع لقاءتنا التي انحصرَت في حديقةِ بيتِه، في أماكن دهمَاء، هناك نُسجَت خيوطٌ متينَة من اللّيل الدامِس دون إدراك كلينا.

تغيرت تعابيره إلى الجفاء فجأة وقد تمتم بتسلط: "سخيف!!"

"لماذا؟" نشجت منتحبة وأنا أبوز شفتي أنظر إليه بلؤم، قبل أن أتحدث بعدم اكتراث: "قلت سأسميك هكذا شئت أم أبيت. لا يهمني رأيك."

"لدي فكرة أفضل." قال فجأة فأعرته انتباهي ليتبع ساخرا: "لدي مظهر جذاب يشبه الأمراء إضافة إلا أنه يتم دعوتي بسليل الليل في العصابة، لذا ما رأيك بأمير الليل؟"

كان دوري هذه المرة لأرمقه بفراغ شديد وملامحي كانت ك'هل أنتَ جاد؟' لكنه قابلني بضحكة خافتة وهو يدحرج عينيه باستمتاع.

لم أتمالك نفسي لأني بعد ثانيتين عدتُ أسقط في الأجواء وأنا ألحِقه بقهقهة خافتَة، متينَة أترك أثرها بوجهي.

لا يمكِنني تصديق أنني أخوض معه نقاشًا وديًا لأول مرّة في حياتِي، دون إهانات أو مسبات، رفقة ابتسامة مغازلَة وأجواء دافئة. تحتَ الأنقاض.

"ييرون!!" انخفضت عيني نحوه ألمح ابتسامته تضمحِل ببطء، والكثير من المشاعر تكتنِف عينيه.. نظرَته. كانت هذه المرّة ممتلئة عكس فراغها الدائم. بشيء غريب. "هل تختارينني.. مجددًا؟"

سقطَت خاصتي، ومعها قلبي. أتجمد مكاني مستمرة في خطّ التواصل بيننا لا أكسِره، من شدّة الرّوع والصّدمة.

هذا كانَ سريعًا_ بشكلٍ صادم!! هل هذه قوّة الواقع عن التوقعات والرّغبات. ذو وقعٍ أثقل.. وحقيقي؟ حقيقي جدًا.

أسندتُ ظهري على الجدار خلفي، أرفع رأسي لأواجه السقفَ البائس، أحاول استشعار الكلمات داخلي بهدوء، أتجرعها ببطء لأحاول إدراك مدى حقيقتها، عمقِها وشفافيتِها.

ارتفعَت الكلمات في حلقي، ترغب بالخروج لكني أحاول ابتلاعَها، لكونها تتدفق بسرعة مخيفَة ترغبُ في الخروج والرد على سؤالِه.

شهقتُ هواءً ثقيلاً قبل أن أزفِره، أصابعي تُحكم حول قبضتي في ضعفٍ مشدود، شفتي ترتجِف ما إن وصلت الكلماتُ لحافتِها. ثم خرجَت.

"أنا أفعل_ أختاركَ في كل مرّة ولو كنتَ الخيار الخطَأ، أختاركَ ولو كنتَ مليئًا بالنّدوب والعيوب، أختاركَ ولو كنتَ الخطوط الحمراء التي يهاب الجميع الإقتراب منها، لأن هذه الخطوطَ هي ما شكلت دائرَة أماني في حين كان كل شيء من حولِي مليئًا بالخوف والنيران." أطبقتُ جفناي بأسًى. "أظنني أختار غسق اللّيل على بريق النّهار."

هربَت، أقسم أنها فعَلت_ الكلمَات. أنا لم أخطّط لأي واحدَة، كل ما في الأمر أنني أستمع إلى ما تقوله العضلَة التي تضخ الدّماء بجسدِي الأن، والتي أصبحت تضخ الكلمات من تلقاء نفسها. أنا مجردُ مستمعٍ مثلَه تمامًا.

لكن المصيبَة أنني لا أندَم هنا، ليس بعد إخراجِ كل ما كان يدور داخلِي.. ليس بعد أن اعترَفتُ بمكانتِه بالنسبة لي، بعد أن عرفتُ بمصطلَح الأمان الذي يحيط بي.

الأمان كشخص، لا شعور.

أنا لا أندَم على شيء وضعتُ فيه كل مشاعري الكامنَة، حتى لو كانت مندفِعة. أليس الإندفاع اسمي الثانِي؟ مالذي قد يحدُث أكثر من هذا؟!

يذكرنِي بالأمر في كل حينَ لعشر سنواتٍ قادمَة؟ أدسّ لكمتِي في حلقِه، ليس بالأمر الجَلَل حتى.

"هذا مخِيف!!" صدرَ صوته بنغمَة هادئة يتردد صداها عبر ذرات الهواء القليل حولنَا ويمتزِج بوجوم المكان. "هذه المشاعِر_ كثيرة!!"

كثيرَة؟! ألا يرى أنّه لا يستحِقها، جميعها؟!

لكنّه ليس من يقرّر هنا، أنا من يمنَح هنا وهذا يعتمِد على الشخصِ بحد ذاتِه، وإن انسلَخت كل هذه العواطِف مني مرةً واحدَة فأنا أدرِك شيئًا واحدًا.. أن مستقبِلها يستحِقها.

"أنتِ لن تندمي على هذا؟" صوته هذه المرّة كان حازمًا، جادًا يكسِر لوحَة السّكينَة التي رُسمنَا داخلَها بألوانٍ هادئة.

شخرَة صغيرَة غادرَت صدرِي، هازئة ولا تليق بالأجواء التي نتفننُ في خلقِها وتشكيلِها في كلّ ثانيَةٍ تمضِي. "علي سؤالكَ ذات الشيء."

تحسّس بدنِي لقبضتِه التي احتضَنت كفِي، أصابعُه تتخلل فراغاتِ خاصتِي ويحكُم الشّد عليهَا. "أنتِ لن تتراجعي خطوَة بعد الأن لأنني لن أسمَح لكِ بالانزواء عن عيني يا ييرون. لقد حكمتِ على نفسكِ بالسّير معي على الحافَة والهلاكِ في الجحِيم عند أي نقطَة."

انحرَفت زاويَة شفتِي للأعلى أكثَر، أعطِي لنفسِي الأمان. هل قالَ شيئًا جديدًا؟!

تحركَ جذعِي، رأسي تنتكِس للأسفلُ أصنعُ خطًا وهميًا يربِط مقلتَينا. وكما توقعتُ، البريق الذي يتجزّل بنيتَيه كانَ خافتًا، مرتجفًا ومترقبا يعكِس حركَة بؤبؤيِه. يريدُ الأمان لنفسِه هو الأخَر عبر كلمَتي.

"أنا أهلكُ كل يومٍ منذ رأيتُ فيها وجهك، أنتَ صوتُ نذير الموتِ بنسختِه البشريَة."

العقدَة المؤذيَة بين حاجِبيه انفكَت كما ارتخَت ملامح وجهِه المتصلّبة. لابدّ وأن الأمرَ كان عسيرًا عليه.. كثيرًا كما يقول، لكن الأن_ الأن فقَط بدا وكأنَه استوعَب أخيرًا والتحفَ بدثارِ الإدراك.

أن حوارنا حقيقي وكلماتَنا واقعيَة، تشهدُ لها الأنقاضُ وهذه الأطلال، حتى الظلامُ من حولنا يشهدُ لنا. مدثرين بالندوب والدماءِ بدلَ ثيابنا الممزقة، بغبار وأدخنَة الإنفجار، بآثار النيران. ليسَ مكانًا سيئًا للاعترافِ حتى، أظنه أفضَل من الاستلقاء على شاطئ البحرِ ومغازلَة النّجوم. سيكون ذلكَ مملاً ومبتذلاً بطريقَة فضيعَة.

"أظنّه مثالِي." ارتفعَ حاجبِي لجملتِه أرى تفاحَة آدم خاصتِه ترتفع وتنخفِض بوتيرَة بطيئَة، صوتِ أنفاسِه عادَ يغازِل أذانِي. كانت مهتاجَة بشكلٍ محموم. "الكوارثُ الطبيعيَة هي نذير موتٍ بطبيعتِها. الإنسجامُ مثالي."

سقطَت ملامحِي أستوعبُ الإهانَة المبطنّة لجملتِه. كفي غادرت قبضتَه أشكّل خاصتي وأقبض أصابعِي بقوّة لأوجهَها لوجهِه تمامًا، أتوقف أمام أنفه.

رددت بجفاء: "تنتابني رغبة في في لكمكَ الأن."

الحقير.. إنه على حافَة الموت، ثمّ أ يقابل اعترافِي بإهانَة كهذِه؟ صحِيح أنني مغناطيس مشاكِل، كوارِث طبيعيَة لكن كان عليه على الأقل احترامُ هذه اللّحظَة المقدَسّة التي لا تحدُث إلا مرّة واحدَة في العمر.

"تنتابني رغبة في تقبيلكِ الأن."

لم أتمكن من استدراك جملته لأن ذراعه لفت رقبتي يخفض رأسي نحوه وقد التحمت شفتاه بخاصتي يقبلني بعمق ويجعل مني أرتجف بدهشة وعدم استيعاب.

________

إيمـا:

لا أدري كم من الوقت مضى وأنا أنتظر وحيدة أبدل نظراتي الحذرة حول المكان، لم أستطع الشعور بالرّاحة لثانية واحدة وأنا أحلل كلمات ليليث نحوي آخرها تحذيري من أنهم قد يصلون إلي.

وهذا سلب مني آخر ذرات الرّاحة.

ترى مالذي حدث في الداخل؟! هل هما بخير؟ هل سام بخير؟!

ه_هل آركيت أيضا سيكون على ما يرام؟

لا أنكر شعوري الفزعِ الذي توسدَني حين نطق سام بتلك الجملة 'تمّ الغدر به.'

آركيت ليس من السّهل أن يتم التلاعب به أو غدره، ذلك الشّاب أذكى من رأيت في حياتي.. لابد وأن الأمر أكبر ممّا يبدو عليه بكثير. أعني!! من قد تتملكُه الجرأَة ليعبَث معهم_ معه هو بالذّات؟

أرجوا أن يكون الجميع بخير!!

بقدر رغبتي في اتباع المجنونَتين واستطلاع الأوضَاع إلا أن ردّة فعل سـام توسد فيا خوفًا يفوق رغبتِي بمراحل. أنا سأعرّض نفسي لخطر محتم وهذا لن يرضيه أبدًا.

وأعلم أنه سيشاجرني ولكن سيكون النّصيب الأكبر لـليليث المسؤولة عن الأمر، هو يدرك بأني لست متهورة لهذه الدّرجة. في الحقيقة لست متهورة أبدا لكن خصالِي بدأت تُركَن في الزاويَة في الآونة الأخيرة.

بتُّ لا أدرك ما صارت عليه نفسي في ظلّ هذه الأوضاع!!

زفرتُ بملل شديد وأنا أقلب عيناي على المكان للمرة الألف، لكن جسدي تجمد إثر صوت هاتفي الذي اهتز بجيبي الخلفي، لوهلة نسيت بأني أحضرته معي.

أخرجته من الجيب وحدقت بتمعن في الاسم الذي يلمَع في الشّاشة.. اسمُه الذي غيرتُه إلى 'الوغدِ الأشقر المتعجرِف'

لماذا يتصّل الأن؟ ألم أكن قبل ساعةٍ تقريبًا برفقتِه؟

هذا جعل من الإرتباك يعتريني لمجرّد تذكري له.. مالذي يحدث لي؟ لماذا كل هذا التشتت والإرتباك؟ أنا عادة لا أحتاج إلى تجهيز ردود له فلساني سليط تلقائيا معه فمالمشكلة الأن تحديدا؟

على من أكذِب؟! ما حدَث منذ قليل لا يمكِن تناسيه أو إنكارُه بأي طريقَة.. نظرتِي إليه يستحِيل أن تعودَ كما كانَت.

عندما كدتُ أجيب توقف الإتصال ولم أكد أزفر براحة حتى عاود الرنين مجددًا.. إلـٰهي كم هو مزعج!!

زفير عميق غادرَ صدري تزامنًا مع وضعِ الهاتف بأذني: "ماذا تريد؟" غلفتُ نبرتِي للبرود المقارِب للتململ كعادتِي في الحديثِ معه، أنكرُ كل خوالجي المشتاطَة الأن. وكأنه لم يحدُث شيء.

طال صمته قليلاً قبل أتفاجأ بصوته الصّارم: "أين أنتِ؟"

أين أنا؟! صوتُه جاد؟! ماذا؟! هل ظنّ أن عناقًا صغيرًا بادلتُه إياه يجعلُ منه ولّي أمري ويعلمُ كل خطوَة أخطوهَا؟

"أظن أن هذا ليس من شأنك." لا أنكر بأني حاولتُ استفزازه بنبرتي المتعجبة المصطنعة فسمعت صوت زفرة نفاذ صبره وهو يجيب باحتداد في نبرته: "لا أنصحك بإثارة أعصابي في وقت كهذا بالضّبط." أطلق زفيرا قويا يردف: "أنا سأنفجر في أي لحظة يا إيمـا."

ابتلعتُ ريقي باضطراب شديد، لماذا يقول اسمي هكذا فجأة بلا سابق انذار أو مقدمات؟

ثم ما قصده بسينفجر؟ هل اكتشف أمر غيابنا؟! ألم تخبره ليليث أنها ستعتني بنا؟! إن كان هذا صحيحًا فهو فعلاً يدرِك عقليتَها ودرجَة جنونِها لتقودَنا إلى هنا. وأظن أن هذا ما يحدُث الأن.

ثم__

لا شك في أنه يمر بضغط شديد في ظل الأحداث المتواترة ومع غرقه هناك بين الأوراق دون أن يستطيع فعل شيء.. حسنا فلأتوقف هنا وأسايره في ظل هذه الظّروف.

هذه الظروف فقط..

"مالذي تريده؟" سبحت عيناي نحو الأمام وبدى وكأني التقفتُ حركة خفيفة بين الأشجار، ابتلعتُ ريقي ببطء والعديد من السيناريوهات بدأت تتشكل في مخيلتي.

كلام ليليث يلتَصق بذهني.

"سألتكِ عن مكانك."

حملتُ السترة بين ذراعاي التي أحمل بها الهاتف والأخرى حملت بها الحقيبة لأعلقها فوق كتفي. "لا أظن أن الإجابة ستعجبك." سحبت نفسي خارج السيارة ببطء وحذر لأخذ خطواتي مبتعدة بين الأشجار.

"قطعت اجتماعا مهما في منتصفه لأتصل وفي الأخير تلعبين بأعصابي هكذا؟" علق بتهكم وقبل أن يضيف أي شيء أخر أتبعت مستخفة: "ما رأيكَ أن تسأل ليليث عن الأمر، لست مستعدة لسماع أسطوانة غضبك المتكررة."

لا يعقَل أن تلكَ الطّائشَة تطلق عنانَ جنونِها وأنا الأن من عليهَا تحمل النتائِج.. غضبه.

لعبت عيناي عما حولي وازدردت ريقي بوئيدة حين لا زلت أسمع أصوت خافتة لم أستطع معرفة ماهيتها. "تلك اللعينة لا تجيب على هاتفها، ولماذا تظنين بأني أسألك الأن؟"

توقفتُ مكاني أخفض رأسي نحو الأرض، إذا اتصل بها بالفعل، يبدو أنها وسط حفلة رصاص جاثم لذا لن تجبر نفسها على الرد عليه.. أو أنها تتجاهله عمدا لأنها تدرك جرمها.

ابتسمت بزيف واضح أقلب عيناي على ما حولي: "لا أعلم ما هو هذا المكان بالضّبط، لكن سـام ورين هنا أيضا." لا مفر من إخبارِه، سيعلمُ عاجلاً أم آجلاً، وإن أطربنِي بسمفونيَة كلماتِه العتابيَة اللاّذعة فسأغلق الخطّ في وجهه ببساطة.

كنت أتوقع صراخا غضبا، شتائم أو لعنات قوية لكنه فقط هسهس بصوت حانق: "تلك المتهورة!!"

هذا يؤكد نظريتِي للمرّة الألف حول كونه يعرفها حق المعرفة، يهضِم تفكيرَها.

اتسعت عيناي باضطراب وأسرعت أخفي نفسي خلف جذع الشجرة حين تراءى إلى بصري مجموعة من الرجال قد وصلوا إلى السيارة وأخذوا يفتشونها. "صليني بها في الحال."

"أنا لست معها." راقبتُ بحذر وخوف وأنا أعود للخلف أراقبهم كيف كانوا يفتشون السيارة شبرا شبرا، وبنادقهم الطويلة بين أيديهم كانت أكثر ما يثير هلعي.

"ماذا؟ أين هي؟" بدا الإستنكار يجوب صوته فوجدت نفسي أزفر بسخط قبل أن أتحدث بصوت خافت: "هي وتلك المتهورة قد دخلتا المبنى بالفعل، بينما بقيت داخل السيارة."

أخفضت الهاتف أحاول إلتقاف صوت أحدهم عندما حدّث زميله: "المقعد لا يزال دافئا، لا أظن أنه ابتعد."

اوبس.. هذه الورطة.

أعدت الهاتف إلى أذني ولم أفكر مرتين قبل أن أتحرك بسرعة مبتعدة عن المكان أكثر.

"وحدك؟ أنتِ تمزحين؟ هل أنتِ مجنونة؟"

ألم أقل بأنني لم أسلَم من صرخاتِه؟!

"اصمت وأرحمني من صوتك، لستُ متفرغة للحديث الأن." كنتُ أسمع أصواتهم الخفيضة من بعيد وهذا جعل قلبي ينبض بهلع وارتياع.

وما زاد الطين بلّة هو صوت الرصاص المتقاذف الذي جعل جسدي يتجمد مكانه. أنفاسي اهتاجت والهواء بات ثقيلا من حولي..

لا ليسَ الأن. سام لن يكونَ مسرورًا بهذا، عليّ على الأقل العودَة له قطعَة واحدَة.

"ما هذا؟ أين أنتِ تحديدا؟" صوته كان يحمل بين طياته ملامح قلق التمسته فازدردت ريقي أطلق الرّيح لقدماي نحو المجهول وخرجت الكلمات متلعثمة من ثغري: "ل_لا أعلم، لم أدخل المبنى وها أنا أحوم حوله بين الأشجار بينما هناك من يلاحقني."

شتيمة غادرت فاهه قبل أن أسمع صوت ضجة تصدر من مكانه، وقبل أن يتحدث أحدنا مجددا لم أعي حتى وجدتُ نفسي أنزلق في منحدر صغير وأطلق صرخة عالية.

"اللّعنة!!" كان دوري لألعن هذه المرة بعد أن ضرب الألم مؤخرتي وصعد حتى ظهري، فجاءني صوته المنفعل مجددًا: "انزلقتِ؟ هل أنتِ حمقاء؟ لا استطعين وضع خطوة دو_"

" كلمة أخرى ولا تلمني إذا قطعت الخط في وجهك." حاولت النهوض ببطء وعيني تعلقت بذراعي التي أدمت بسبب احتكاكها بالأرض الجرداء، اللسعة التي شعرت بها جعلتني أئن بخفوت..

هذا ما كان ينقصني!!

"حسنًا، حاولي البحث عن مكان تستطعين الإختباء فيه دون أن تدخلي المبنى.. سأرسل المساعدة." همهمتُ بفهم وحملت هذه المرة الحقيبة دون تلك السترة لأنها كانت ثقيلة وستعيق حركتي.

"لا تصابي بأذى فسـام لن يُسّرَ بالأمر." ختم كلماته بإغلاقه الخط فحدقت بالهاتف لثوان معدودة مفكرة.. سام لن يسر بالفعل بداية من تواجدي هنا نهاية إلى ما أنا عليه.

عليّ ضمّ ليليث إلى قائمة من يجب أن أتجاهل إلى اقتراحاتهم.. لأنّها حتمًا ستكون مجنونة.

صوت احتكاك الأحذية الثقيلة بالعشب وصلني فحملت نفسي وأسرعت بخطواتي أكثر لدرجة تعثري ووقوعي عدة مرات، الهلع بدأ يسيطر علي وبذلك أفقد القدرة على التحكم في نفسي..

لماذا أصبح حمقاء في مواقف ملحمية كهذه؟

وقفتُ للمرّة الألف وأنا أشق طريقي نحو المجهول وعندها صدح صوت الرّصاص مجددًا عقبها صدر صوت خشن في المكان: "توقف مكانك."

هل أصبحت مرئية لهم؟ لا أريد أن أعرف لأني لا أريد أن أستدير.

أتساءل حقا ما فائدة الحقيبة المملوءة بالأسلحة التي أحملها؟

رغم ذلك أنا لم أفكر في لمسها بل تابعتُ الرّكض تباعا لصوت الرصاص الذي ازدادت وتيرته بشكل ملحوظ، ليتني ارتديتُ السترة بدل إلقائها والرّكض بعيدا.

"توقفي مكانك وإلا أطلقت عليك."

يبدو جادًا في تهديده لأني بتُّ أرى الرصاصات تقذف بمحاذاتي لتسبقني مرتطمة في الأشجار، وحينها تأكدت بأنه بالفعل إذا أراد أن يصيبني لفعل ذلك.. أنا فريسة سهلة الاصطياد الأن.

قدماي تلقائيا أبطأتا من الحركة تدريجيا حتى توقفتا.. جمدت مكاني. رغم أن قلبي يصرخ ويندد بالهرب إلا أن عقلي يخالفه بقول أن لا فائدة من الركض واتعاب نفسي فهم ممسكون بي لا محالة.

وعلي التوقف من تلقاء نفسي بدل أن يوقفوني هم بإصابتي.. ذلك سيعزز من العواقب.

رغم أني توقفت، لكني لم أجرؤ على الإلتفات حتى مع سماع خطواتهم الثقيلة التي وصلتني، حتى شعرت بذلك القفاز الخشن يطوق ذراعي ليجعلني ألتفتُ إليهم. قابلتُ وجه المعني المدثر بقناع رمادي كحال بدلته وبذلات الجميع حينها سمعت همسه: "كنت أعلم أنها فتاة."

واو!! اكتشاف مبهر!! هل عليّ التصفيق له؟!

أعطيته نظرة حادة حاولت تلثيمها بالتعالي والاشمئزاز وتدثير شعور الارتياع الذي يسيطر علي.. لا يجب أن أشعرهم بخوفي منهم وإلا من يعلم ما ستكون عليه العواقب.

"دعنا نأخذها رهينة، أراهن أننا سنستفيد منها بطريقة أو بأخرى." نبرة أحدهم الماكرة التي جعلت من الجميع يضحكون بموافقة جعلت مني أقبض أصابعي بشدة أقاوم الرغبة في لحمِ قبضتي في وجهه الكريه وإسقاط أسنانه لينسى كيف يكون الحديث..

ليتهم كانوا فقط دون أسلحة!!

فجأة نزع أحدهم الحقيبة عن ظهري بعنف وفتحها ليحدق بما فيها قبل أن يرفع رأسه إلي ويشخر ساخرا. سحبني الذي كان يقبض على ذراعي معه ووجهني لأسير بجانبه ومن حولنا الرجال وأظن أننا نتجه إلى ذلك المبنى.

غير جيّد.. ليس من المفترض أن أكون هناك لأن الوضع سيزداد تعقيدا وخطورة..

ثمّ أين المساعدة التي كان يتكلّم عنها ذلك الوغد؟

أجفلتُ عندما حطّت ذراع علي لتحاوط كتفي ثمّ أشعر بأحدهم يجتذبني نحوه ليغمغم بجانب أذني: "إذًا كيف وصلتي إلى هنا أيتّها الصغيرة؟"

من الواضح أن هذا الوضيع يحاول الإحتكاك بي لأن يديه تستمران في المسح على جسدي.. المنحرف اللعين.

"ليس من شأنك." نزعتُ ذراعه عني ولويتها خلف ظهره أستمتع داخليا بصوته المتنازع ومظهره الذي يكسر هيبته إلى الأبد، عندما تهاوى إلى سمعي أصوات دفع الزّناد تركته دافعة إياه بعيدًا عني.

نظرت نحوهم بضيق وكأني أرسل لهم رسالة 'ألم تروا أنه لم يكن خطئي؟'

عندها تقدّم اللعين مني مجددا صارخا بحنق وقهر شديدين: "أيتها العاهرة، كيف تجرؤين على مد_"

عندما حاول رفع يده من أجل صفعي، لاحت يدٌ من العدم تمسك رسغه ثم تفاجأت بأحدهم يمسكني ويجذبني خلفه في نفس الوقت.

نظرت إلى ظهره وقد لاح صوته البارد والعميق ليحادث زميله: "دعها، هي ليست هدفنا."

"لكن!! ألم ترى ك_" توقف صوته المزعج حين أجفل مكانه فجأة ويده قبضت على جانب رأسه الذي أحناه قليلاً ببطء.

"علِم." صوته كان رسميًا جدًا ومخالفا لصوته المزعج منذ قليل، سارع برفع رأسه والتنويه على الجميع: "إنهم يحتاجوننا في المبنى الأن."

فجأة تقلّبت حركة الجميع وأضحوا يتحركون بسرعة في اتجاه واحد.. المبنى. أما أنا فقد جرني ذلك الشخص خلفه نبتعد عنهم، وذلك بعد أن حادث أحدهم بسرية تامة.

سرت معه وكان يجتذبني بلطف استغربته إذ أنه لا يضغط على ذراعي، بل ويحذرني من الطريق الوعرة وعند أي شيء قد يعرقلنا إلى أن وصلنا إلى المبنى. رغم ذلك كان صامتا وهادئا بشكل غريب.

ما أجفلنا هو حدوث انفجار مفاجئ جعل من الشظايا تتفجر هنا وهناك فأسرع المعني بإدخالي عبر أحد الأبواب الصغيرة. تابعنا سيرنا منحنيين وقد تفاجأت بنفسي أتبعه طواعية دون أن أجرؤ على التفكير حتى في الهرب.

مالذي قد يضمن لي أنه لن يحبسني أو يأخذني إلى رئيسه؟

أو أسوَء، يأخذنِي إلى مكانٍ منزوٍ عن الأعبن يأخذ حاجتَه مني ويتخلص مني.

توقف أمامي فتوقفت بدوري وقد ابتلعتُ ريقي ببطء أخشى أن ما ببالي قد يحدث تاليا. اجتذب ذراعي وسحبني أمامه ليوقفني في نهاية المسلك الذي كنا نخطوا فيه. "اصعدي عبر ذلك الدرج هناك ستجدين رجالكم." أشار إلى درج حديدي قريب من موقعنا.

م_ماذا؟! لم أستطع كبحَ الصدمَة من التوغل بملامح وجهي، شديدَة.

هل هو يساعدني الأن؟ لماذا قد يفعل شيئا كهذا؟ مالذي قد يستفيده من كل هذا؟

هل هو خائن؟! أو جاسوسٌ من رجالنا كما يقول؟

حسنا فلأترك هذه الأسئلة جانبا لأنه حتما ليس وقتها ولأستغل الفرصة ما دام أنها جاءتني على طبقٍ من ذهب.

لا أعلم عن أسبابه ولا أعرفه حتى لكن اكتفيت بكلمة "شكرا." ألقي عليه نظرة أخيرة قبل أن أسارع بالركض إلى حيث أشار لي أصعد الدرج بسرعة.

عندما التقفت مسامعي صوت الرصاص توقفت مكاني بذعر وأخفضت جذعي أجلس على إحدى الدرجات وأحول عيناي بحذر وتدارك من حولي قبل أن أزحَف ببطء وتدرج تلقائيا أتابع الصعود بهيستيرية هذه المرّة.

تفاجأت بأني وصلت إلى حافة صغيرة تتسع لشخص واحد كما أنه لا يوجد سور هنا ومن الصعب الركض في هذا المكان، بل يجب السير وأخذ الحذر والحيطة عند كل خطوة.

لوهلة شككت في أنه قد خدعني لأني لا أدري إلى أين قد توصلني هذه الطريق.

ورغم كل هذا فلم يكن لدّي أي خيار سوى المتابعة والسّير بحذر على أطراف تلك الحافة.. صوت الرصاص المتقاذف والإنفجارات المتتابعة لا يفيد أبدا في جعلي أسير بهدوء وحذر لأني أجفل في كل مرة.

ذكروني لماذا أنا هنا؟ وبسبب من؟

آه أجل بسبب المدعوة ليليث هذه المرّة. فقط لا أستطيع التخيّل إن وَجدتُ سـام بالمصادفة هنا، ربّما أفضّل أن أصاب على أن ألقاه لأن ذلك سيهون عليه وطأة المفاجأة لأنه حينها لن يلتفت إلى سبب وجودي هنا.. إلى إشعار آخر.

صوت الرصاص هذه المرّة جعلني أتشبث بالجدار الحديدي لأنه يبدو قريبا جدًا، أدعوا الإلـٰه ألا يكونوا تحتي أمام السلالم.

"هناك، إنها فتاة."

تبًا لييرون المنحوسة التي نقلت حظها إلي.

أسرعت بخطواتي متشبثة أكثر وقد أسندت وجنتي وصدري على الجدار، أولي ظهري للجميع بل أجعل نفسي مكشوفة أمامهم.

"توقفي مكانك." صوته كان تحتي تماما وقد أطلق رصاصتين إحداهما أمام رأسي تماما جعلت من صرخة خافتة تغادر فاهي.

نظرت إلى الأمام وقد كانت مسافة حوالي الأربعة أمتار لأصل إلى ممر حديدي عادي محاط بأسوار، ما جعل خيطا طفيفا من الأمل ينير داخلي.. إن ركضت إلى هناك بسرعة فسأختفي عن مجال أنظارهم.

إنها فقط بضعة خطوات..

"قلت توقفي.." الرجل صرخ مجددا وقد أرسل رصاصة أخرى بجانبي وقد أردت الصراخ به ب'دعني على الأقل أخرج من هنا.'

وبدون سابق إنذار نزعت ذراعي عن المسند ودفعت بقدمي إلى الأمام بسرعة أركض وكأنها آخر خطواتي حياتي.

تقنيا، قد تكون كذلك..

الرصاص ازداد من حولي ولوهلة تأكدت من أن إحداها ستصيبني لا محالة، لكني لم أتوقع مطلقا بأن توازني قد يختل وأن جسدي عاد للخلف يهوي نحو الأسفل.

صيحتي هزّت المكان وأنا أرمي بذراعي في كل مكان علني أتشبث بأي شيء لكن دون جدوى.. هنا فقط انتظرت من أي رصاصة أن تخترق جسدي أو أهوي للأسفل.

اليد التي أمسكتني في آخر لحظة جعلت مني أرفع رأسي بصدمة نحو صاحبها وقد اعتلتني الحيرة أكثر ما إن لمحت تلك الخصلة المميزة وملامح وجه صاحبها التي لا تتغير أبدا حتى في أحلك الظروف.

لقد كان هو.. منقذي الدّائم.

"ألم أقل بأني أعشق لعب دور البطل معك.. قطة؟" غمز في نفس اللحظة التي صوّب فيها بسلاحه نحوي وأطلق.

______
يتبع..

السلام عليكم أحبائي يارب تكونوا بخير وعافية ♥️

ومجددا سوري، ام ريلي سوري على التأخير، بس حبيت أني اعملكم فيد وكذا لأنو جاوني كثير أفكار خصوصي مع الكمباك.. بس للأسف اللابتوب ما تصلح.. لا وملفوق كلشي فيه راح حرفيا الذاكرة انمسحت وملفات فوق 7سنين راحت🙂 وفوق كل ذا تكلفو تصليحه تقريبا تكلفة شراء لابتوب آخر.. اند ام فيل لايك 😢😢

لا علينا عوضنا الله ان شاء الله.

المهمزز اني عوضتكم ببارت أطولل من يونهو.. دا احنا تجاوزنا 9000 كلمة 😭

نرجع للبارت.

- رأيكم فيه؟ وأفضل مقطع؟

- أكثر جملة حبيتوها؟

- ليليث ليش اخذت لبنات للمهمة؟ بشو تفكر؟

- ليليث وييرون؟ ليليث وإيما؟ أي تعليق؟

- ييرون لأول مرة قتلت بس ولا كأنو فيها شي 😭😭 لو كنتو مكانها شو يكون شعوركم؟

- يونهو؟ أنا خاقة عليه وربي.. ولسا ما جاي إلا دوره وظهوره.

- ظهور يوسانغ بآخر لحظة؟

- مرض يوسانغ أي اقتراحات؟ لأنو البارت الجاي رح أكشف عنه 🙂

- المومنت بين الييرسانغ 😭😭 ذا البست فور مي فالرواية كلها؟

- الكيس 😭😭

- إيمـا واللحظات المحتدمة 😭

- مين الشخص ذا الي أنقذها؟

- ظهور ساني 😭😭

- البارت الجاي حياخذوا الايمسان حقهم+ لسا ما نتهينا من جو التوليعات والأكشن ترقبوا🔥

في الفصل القادم:

"لستُ من ألدغ من الجحر مرتين، وذلك الفاسق قد أنهيت حياته بكلتا يدي. لم يأتي اليوم الذي قد يطيح بي أحدهم بعد."

"كلنا كان علينا تلويث أيدينا في نقطة ما. إن لم يكن لأننا نريد ذلك.. على الأقل لحماية الأشخاص الذي نحبهم."

"مينغي، امسح هذا المكان من الخريطة بعد دقيقة واحدة."

"جونغ من الأفضل أن تمسح ذلك الهراء الأن وتنفذ بجلدكَ."

"ذلك اللّعين الظالم العنصري، فلتحل عليه مصائب الأرض والسماء أجمعها."

"أجل، نفسه الذي يجعلك تقع بحب كتلة من الكوارث الطبيعية المتجولة."

"جونغ وويونغ.. جهز هاتفكَ لدينا فضيحة لنوثقها."

ألقاكم البارت الجاي بإذن الله.

Continue Reading

You'll Also Like

1K 143 15
أيها الصديق الحنون، متى سآكلك على الغداء؟ أيها العدو المركون، متى تتناولني على العشاء؟ - فائزة بالمركز الثالث بمسابقة النوڤيلا الحرة ٢٠٢٣.
435K 9K 29
وامتلكتها عيون الصقر دي صفحتي الشخصيه يا جماعه واللى هينزل عليها رواياتي كلها
17.4K 280 2
قِيلَ بأَنَّ الحُبَّ أَشَد منظومَة إغواء للهَلاك، منظومَة تُندد بالإبادَةِ القَلبِية، وكما الحُب منظومَة هَلاك؛ فإن العَدَاءَ منظومَة فَسَاد تَشرَع ا...
ROBOT By Ü

Fanfiction

29.1K 2.7K 18
. لو أن الروبوتات نَطقتْ لصاحت -أطفِئوني- . ابتدت 10\3\2018 انتهت 21\8\2021 الساعة 10:10