32

7.2K 110 22
                                    

مُذيعنا الصعبّ ، كان متكي على أطراف مكتبه اللي بالقُرب من طاولة البثّ ، فتح الدرج الأول ومن لمح المناديّل المتراكمة والمرتبة بشكل أنيّق ، تراكمت إبتسامات عنيّفة بقلبه قبل ثغره .. لإن هالمناديل تكتم سِره ، وتظهر قلبه
وقبّل تتسلل يده لهالمناديل وصلته رسالة لجواله أنجبّر يأخذه بسببه ، وهالإبتسامات اللي كانت على ثغره من لحظات ، كانت ولاشيء بالنسبة للي بقلبه هاللحين " ياجعل حسّك ما ينقطع يا بُرهان ، هذا اللي تقوله كبيّر بحق الكل وأنا أمك ، حلقة ما تنقص من هيّبتك كثر ما تزيدك حبُور ومهابـة ، إستمر جعل عيني ما تبكيك "
كلمات بسّيطة ، ولكن يااااالله وش كان تأثيرها على بُرهان اللي كان يضحك مع كل كلمة يقرأها
وكأنه هذا اللي يحتاجه من زمان ، هذي أمه اللي يتشّفق عليها ، هذي الكلمات اللي يبيّ يقرأها ويبي يستمتع فيها
وبعد لحظات قليّلة من ضحكاته ، لقى نفسه يسحب مندّيل من العلبة اللي بجنبه ، وأخذ القلم الأسود وبدأ يخطّ بيدينه ، المشاعِر اللي حاصرته هاللحظة واللي زادت وطغت بسبب ضحكاته ولكن هالمرة ماكان مصير هالمنديل مثل بقيّة المناديل اللي بطرف مكتبه ، ما بيكتم اللي بجوفه ولا بيطويه ويتركه للنسيّان؛لأنه وبرغم كل اللي يحصل وبرغم كل التخبطات اللي بصدره واللي من ضمنها " هي تحس بالألفة اللي أحسّها؟ ولا تظن إنها وحدة من بين ملاييّن البشر وبس ؟" " هي تعرف وش هي بقلب الصعّب ولا تحفظي يخليّها تعتبر نفسها غريبة؟"
كانت ملاييّن الأسئلة تدور وتنحصر برأسه ، وبشكل كارثي ، وتخبطاته تجاهها ماكانت بدون سبّب ، كثر ماكان لها أسباب كثيرة وجداً من بينها " بتقبّل بشخص لمح ضعفها؟"
لأن شخصية بُرهـان من لما تغيّرت ماكان يقبّل بقُرب شخص لمح ضعفه ، ولو بيموت من شدّة حبه لها ،فكان خايّف خايف يكون تشبهه بهالطبع !
-
وبغرفة بريّق اللي كانت تحترق من القهر على سريرها ، ومازال جوالها بين يدينها تسترق النظر بدون متعة ، إلا باللحظة اللي لمحت إشعار حسابه ، توترت بشكل كبيّر وأرتجفت خلاياها حتى إنها عدلت جلستها ورتبت شعرها بربكة وهي تستشعر كمية الرهبة بقلبها ، دايّم يزورها هالشعور وبكل مرة يطري له طاري ، ولكن من فتحت الصورة
تحول هالشعور لشعور مُنافي تماماً ، غريّب حيل
دقات قلبها قبل لحظات اللي كانت تحس بإضطراباتها ، كانت ولاشيء عند نبضاتها العنيّفة هاللحظة .. رعشة يدينها وتعرق باطن كفها ، إبتسامتها الخافتة ، الشعور الغريب بأنحاء جسدها

كانت تجذبها الكلمات ، تقربها إليه أكثر ، حتى باتت تشعر بأن يده تكتب رجفة قلبها ، كانت تكتب إبتسامتها أو حتى ضحكتها اللي صدحت بأنحاء الغرفة .. ماكان ودها تفكر بأي شيء ممكن يضيَق صدرها
يكفي إنه لبّى طلبها ، يكفي إنه دقايَق بسيطة تركت فيها تعليقها كان قادر على إطالة النظر لها ، كانت موقنة إنها المقصودة وما يهمّها أي شيء حولها .. بقت الضحكات تتزاحم بكثافة ولساعات طويلة على ثغرها تتأمل الكلام وكأنها هي المقصودة .. وكأن هالسطور إنكتبت برجفة قلبها فعلاً .. وبيدينه المرتعشة على طرف المنديل اللي سكب فيه مُعاناته مع طواريها :
"تجيني في الأغاني
في السوالف
في سؤال الحال "


وباليُوم الجديد ..
وعلى مشارف أحد غُرف البـهاء .. اللي تحتضن جسّده المُرهق والموجوع ، يناظر بلهفة لكايّد اللي جالس بيمينه يحتضن جواله بكفه اليسار، ويضحك بكل هُدوء على نبّرات صوت وهّاج : ياخي قلت لأمي نجي الصبّاح ، تقول بعد العصر
تعرف أمك حليمة
حليمة ناظرت له بنص عينها وهو رفع كتوفه بعشوائية ، ومن ثم ألتفت لأبوه ومن لمح نظراته بلع ريقه بصعوبة "وش هالمشاعر اللي دمرت قلبك يُبةوظهرت بعيونك؟"
تحت تأثير هالنظرات كان وده يقول "تعال ياوهّاجنا" ولكن هاللي بقلبه كان على لسان سلطان اللي قال بصوت مُنهك ولهفته تسابّق بعضها : متى بيجي من جديد؟
ناظره كايّد بإستغراب ، أما حليمة تركت الفنجان من يدها بذهول لأول مرة يرتجي وصاله ، لأول مرة يبي يقرب منه
ولأول مرة يُبوح برغبته في شوفة وهّاج من جديد ، خصوصاً بعد الليّلة اللي تمرد الجرح عليهم
كايّد أرتبك وصد عن أبوه ووقف والتوتر ينهش ضلوعه ، رجع يناظر لأبوه اللي عيونه تنطق وجع وقضّم شفايفه بربكة وضعف وضيَق .. ينادي للنور لأجل ينكسى ظلمة من جديد ؟ يقول أبوك يرجى نظرة من عينك ؟ تجي له .. تجي تزرع إحساس الراحة بصدره ؟ تجي لأجل تعفو عن سنين بائرة صلبة وقليلة عطف وحنيّة ؟ تجي لأجل تكسر مجاديف الظنون وتهدم إحساس الضيّق اللي أنبنى طول السنين ؟

لابد يا سود الليالي يضحك حجاجكWhere stories live. Discover now