30

6.8K 97 53
                                    

فتحت عيونها ومن لمحته صاحب المقهى رمشت بصدمة وناظرته بذهول وهي تقول متحاشية كل صدمتها بوقوفه وراها ، وبخطواته اللي أرعبتها: حسبي الله عليك يا كلب ، ماخاب ظني فيك يومني ظنيت إنك سراق ، من يوم شفت فستاني بيدك وأنت واضح فيك ملامح السرقة
حسبي الله فيك يا قليل المرجلة ، مكانك بالسجن ماهو بين خلق الله ، والله لأوريك
ما أنتظرته يتكلم ولا أنتظرته يتخطى صدمة الموقف ومشت بعجلة وهي تسارع خطواتها وتمشي للبيت ، بينما هو أسبّل أهدابه بصدمة وبذهول دمّر كل مفاهيم الإستيعاب عنده ، "وش صار قبل لحظات؟ ووش اللي ظنته فيني ؟ووش هالشيَرة الي تلطخ بها ثوبك يابنيّان ، خيب الله أفعالك اللي أستنقصت من قدرك ، هذي سوايا تسويّها بنفسك؟"
عض على شفايفه بقهر وهو يلمح طيفها يتلاشى من قدام أنظاره ونزل عيونه وهو يلمح البقلاوة الي تبعثرت على الأرض وهز رأسه بقهر : والله هذي مو بقلاوتك اللي تمرغدت بالتراب ، هذي موية وجهك يا أبو نص عقل ، تلحق بنت عشان تخطبها؟
تأفف بقهر وصد عن البقلاوة المبعثرة ومشى عنها وهو يرجع لمقهاه يجر خطوات القهر من نفسه ، ومن تحسس جيبه العلوي عقد حواجبه وهو يأخذ البقلاوة اللي تخبت بطرفه ، ومن لمحها عقد حواجبه للحظات ثم ضحك بقهر : آه يا بنييييان وش هاللي يصير معك ، أضحكت حتى نفسك عليك

وبوسّط فصل « ثالث ثانوي | علمي »
كان مِتكي بيدينه على طرف الطاولة الخضّراء
ويناظر لمجموعة الكتب حوله بهُدوء ، أول يوم بالدراسة كالعادة مُجرد إستلام كُتب يعرف هالعادة من لما كان بمكانهم يوم من الأيام ، ورغم إن صوت الإنزعاج خُفتت ، وعمّ الصمت أنحاء الفصل إلا إنه هالصمت ما أستثاره أبداً
كان غارق تماماً بتفكيره ، كان يغُوص بأمواج بحرها .. يغوص لين العمق ويطلع من هالموج وهو ناشف قلب وناشف عقل !
ماهو قادر يلقى حل لهالعقدة ، وأول مُعادلة صعبة يعجز عن فك رموزها ، كان يتباهى بأن المعادلات مجرد لعبة بيدينها من سهولته ، ولكن هالمعادلات تركت تباهيّه يتلاشى .. يااااهي صعبة هالدُجى !!
قبل ليالي بس من اليوم ، كان يقول مصير هالعلاقة تنفّك ومصير طاري الموادع يلوح ، ومن بعد إعلانها خوفه منه وهو عاقد النيّة على البُعد " ليه يبقى مع شخص يخاف منه رغم كل اللي سواه له؟" كان هذا السؤال اللي يدور بباله طوال الوقت ! ولكن من فجر هاليوم وهو يعيش شيء مُنافي تماماً للي عاشه من قبل ! قبل ليلة تقول خايّفة ، وفجر اليوم الجديد تتخلى عن دفء الحياة وتلتجىء للبرد لأجل تكون قريبة منه بس ! وش هالخوف الغريب يا دُجى؟
قبل ليالي تتهرب منه وأي درب ينتهي به تتوقف خطاويها عن السعي فيه ! واليوم تدور كل درب يبتدي فيه لأجل تسلكه !

دمّرت كل موازين فهمه ، وتركته أسير لعدم الفهم ، كلما قال " حليت هالمعادلة ، يلاقي إن حله كله خطأ ويعيّد ترتيبها من جد وجديد " وهذا اللي تركه يعيش هالشوشرة من جديد
هذا اللي تركه يبتعد بفكره كلياً عن اللي حوله وبرغم الإزعاج المفجع اللي كان بالفصل واللي أبتدأ بسبب لبسه للثوب الأبيض ، وبسبب زواجه وأسئلتهم اللي ما أنتهت إلا إنه كان بعيد تماماً عنهم .. تممماااماً

وهالهُدوء عمّ بسبب دخول وقاص عليهم ، الإستنكار أجبرهم على السكوت للحظة ماكانو بيعرفونهم بسبب تغيره الكبير ، إلا إن صوته الغليظ مازال نفسه وهو يناظر للطالب اللي جالس بمكانه : ماودك بقهوة بعد ؟
فز الطالب من مكانه بخوف بسبب نظرات وقاص الحادة ، وجلس بمكانه والمكان عمّه الصمت
جلس وقاص بكل هُدوء ، وكانو ينتظرونه يطلع جواله ويعيش بعالمه بعيد عنهم مثلما تعودو على إهماله طوال السنوات اللي درسهم فيها
ولكن هالمرة كان يناظرهم بنظرات ساخرة ، ومن بعدها قال : ودكم أقوم أفتح كتبكم أنا ؟
ناظره خالد بإستنكار وهو يعدل كبّكه اللي مصفوفة حبّات الفضة بكل أنحاء ويقول : عسى ماشر إستاذ وقاص ؟ من أول يوم ناوي تكسر ظهورنا
ميَل شفايفه وقاص بعدم إعجاب وناظره بطرف عينه وقال : إعتدل بجلستك أول شيء ، قبل لأقوم أكسر ظهرك صدق ، وإفتح كتابك وأنت ساكت ياخالد قبل أتوطى ببطنك
ماكان خالد المصدوم وبس ، كانو كل اللي بالفصل مذهولين وجداً ! العلاقة الي كانت بين خالد ووقاص كانت دائماً تدور على إحترام وقاص لخالد بسبب أبوه ، وحتى لو فكر يسخط عليه كان يوضح إنه يمثّل عشان ما تنكسر هيبته قدام طلابه
ولكن هالمرة كانت غير ، لا نظراته ولا أسلوبه يميلون للتمثيّل ، هذا حقيقية فعلاً
وهذا ماهو وقاص الأولي ، هذا تغير وشكله تغير للأسوء والله أعلم !
فتحو الكُتب بصمت تام ، وماكان الصوت المسموع إلا صوت الأكياس المائية اللي نزعوها من على جلد الكتُب ، وصوت تقليب الأوراق على صفحة أول درس
واللي من بعدها قال وقَاص وعيونه تناظر للافي بنظرات غريَبة : إقرأ يا ولد المدير أول فقرة
عقد حواجبه لافي من اللقلب الساخط ووقف من مكانه وهو يقول : إسمي لافي ، وأنا بهالمدرسة ماني ولد المدير ، أنا طالب وبس
إرتسمت ضحكة ساخرة على وجه وقاص وهز رأسه وقال : إسمع ولاتصدق يا طالب ، إقرا إقرا بس ولا تكثر حكي خارج الدرس
ميل شفايفه لافي بإستنكار ، وآرتخى حاجبه بسبب إستفزاز وقاص له بنظراته وبضحكته ومع ذلك رفع الكتاب وبدأ يقرأ بهدوء .. ولكن كان وقاص يوقف له على الكلمة ويزيد من إستفزازه له

لابد يا سود الليالي يضحك حجاجكWhere stories live. Discover now