2

21.4K 248 241
                                    

أقتربت كل القرب أكثر من الحافة وهي تُتحرر جسدها من ثقلها الشدِيد .. وتترك نفسها للهواء وللـموت .. للشيء اللي تِظنه بينهي عذابها !
حررت جسّدها من ثقلها وتركت روحها للهواء .. لأنها أنتهت رغبتها في الحياة .. للحظة بس
وقبل تكون فرِيسة لشراسة تفكيرها .. إلتفت ذراعيّ وهاج على خصرها بكل قوة وسحبها بإتِجاهه وهو يبتعد عن الحافة ومن شدة سحبه لها سقط على الأرض وهي بجنبه وذراعيه تعصر خصرها بعصبية قامِتة ! يكاد أن يلتهم حنجرته من صلابة الخيّبة
أما شعاع كانت بموقف لا تُحسد عليه .. ثبّت بمكانها بجمود إبتلعت جميع كلمِاتها وكتمت أنينها وصوتها مرت عِدة دقائق وهي بذات المكان .. عاجزة عن الحركة .. عاجزة حتى عن الرِمش أو الكف عن التحديق بالفراغ .. تُداري خيبتها بنفسها .. تتعالى أصوات العتاب والصدمة داخلها " أحترقت دنيّاك .. سقف آمالك وطموحاتك تساوى بالحضيض .. مالك حتى مُتسع تتنفسين فيه .. وكانت نيتك بعد تحرقين آخرتك ؟ كنت ناويه تقتلين نُطفة منك يا شُعاع ؟ كنت ناويه تنتحرين لأجل تخسرين آخرتك مثلما أنتي خاسرة دنّياك ؟
بُترت كلمات العتاب بحلقها وهي تحس بوهّاج يرمِيها من جنبه بعصبية .. وهو يوقف وينفض التراب من على ثوبه .. بدأ يمشي بالمكان بتوتر شديد .. مكتف يدينه وشماغه على كتفه .. وحشرجات شديدة تجُول بقلبه ..يكاد يحترق ويُصبح شعلة ثم يتحول لرماد بسبب الأفكار الي تغزو باله .. وقف بمكانه وهو يناظرها تستعيد توازنها وتقف على قدميّها بشتات وهي تُوزع نظرات الخيبة على أرجاء المكان .. وعاجزة تماماً عن النظر في عينيه .. يكاد يجُن .. وكلما حاول أن ينطق بكلمة واحدة تعود سيل هذه الكلمات بخوف إلى حنجرته ! كيف ينطق بها أصلاً ؟ كيف يقول " وش كانت نيتك يا شُعاع ؟" كان خائف من الإجابة
لما رآها تُحدق بضياع لأسفل التلة العالية وكيف رفعت ذراعِيها وخطت آخر خطوة ركض بأقصى سرعته وهو يحاول إنقاذها .. ولكنه يجهل تماماً من ماذا أنقذها .. من محاولتها للإنتحار ؟ أو من سقوطها المفاجىء ؟
كان يناظرها برجاء .. بأمل .. بعشم
يود أن تنطق بكلام يجعل النار الي تحرق جوفه تبرد وترتاح .. فبرغم ما عانوه في حياتهم لم يتطرقو أبداً لهذه الفكرة أبداً
أغمض عينيه بضياع وهو يتنهد بضيق واجِم بسبب عناقها الكبير له .. نطقت وهي تبلع ريقها وهي تبكي بخوف : وهّاج كنت بموت .. ما أدري شلون زلت رجلي وكنت بطيح من على هالتلة
آرتخى حاجبه من كلامها وهي أردفت ببكاء : كنت بموت بسبب غبائي .. أحسب نفسي طير بجناحين وبطير !
هدأ نفسه .. وإضطراب دقات قلبه الكثيفة بدأت ترجع لمسارها الصحيّح .. الفكرة التي كاد أن يسقط قلبه بسببها كانت خُزعبلات وتراهات من عقله .. وأخته المؤمنة التقيّة لن تئول لهذا الطريق أبداً !
لف ذراعيه حول كتفيّها وهو يتنهد .. ماكانت له نية يفتش بنيتها أو يختبر صدقها من كذبها .. على طول قال : لاتخافين .. صرتي بأمان الحين
أزاحها عنه وهو يمشي وهي بمحاذاته وبعدما ركبت السيّارة إتجه لمقعده وركب وهو ينطلق راجع للبيت !
أماهي كانت تكتم شهقاتها بكل ما أؤتيت من قوة .. نظرات الخيّبة بعيون وهاج كانت قادرة على قتلها بمكانها ! إدعت الخوف من السقوط .. إدعت عكس فعلتها لعل البراكين الي تفجرت بوجهه تُخمد ! كيف تنطق وتقول " كنت بنتحر لأجل ما تعيش بنتي نفس صراعي ؟ كنت بنتحر لأن أبوها شبيه أبونا يا وهاج .. كنت بنتحر لأننا نهان بطريقة مؤذية قادرة على إذلالنا وكسر شخصياتنا .. كنت بنتحر لأن اللي حولي أستغلو ضعف شخصيتي وتسلط أبوي وإحكام قبضته على عنقي وبدؤو يتخذون نفس أسلوبه معي .. كنت بنتحر لأجل مايكون لبنتي أب نفس أبوي يا وهاج"
كانت موقنة إن هالجمل قادرة على جعل وهاج يرتكب جريمة شنيعة في حق " فواز " زوجها !
دقيقة تتُلوها دقيقة أخرى .. طويلة جداً على قلبها .. فطوال ساعتين كانت تكِتم شهقاتها قدر ما تستطيع .. فمن سابع المستحيلات تبُوح بمكنونها .. وهل عندها جراءة ؟
أما وهّاج فمن طبعه الصمت والسُكون .. يعرف بطبيعته الساكِنة وقلة كلامه وحديثه لذلك ماكان مستنكر الوضع تماماً .. إلا لما لاحظ إنها طولت بالجلوس والنظر بسرحان .. لذلك قال بتأفف : شعاع ، لك نية تباتين بالسيارة ؟ ماودك تتوكلين ؟
وعت من سرحانها وأنقطعت دوامة بكاءها الصامتة .. لذلك ناظرته وهو عقد حواجبه بعدم إعجاب : ساعتين تبكين ؟ كل هذا خوف !
رمشت بعدم إتزان وناظرته بهدوء .. ثم هزت رأسها بإيجاب وأنحنت برأسها وهي تفتح الشنطة الصغِيرة .. سحبّت المسبحة السُوداء واللي بطرفّها خرزة مُميزة باللون الذهبّي .. منحوت عليها إسمه «وهّاج» وحاوطت بكفينها عليها وهي ترفعها وتخليها مُوازنة لنظراته .. لحظات معدودة وفتحت كفينها وأبتسمت وهي تمّدها لوهاج وهي تقول : كنت بنساها معي .. هذي هديّة تخرج !
أبتسم للحظة .. ولكن سرعان ما تلاشت إبتسامته وهو يقول : أي تخرج .. باقي شهرين يا شعاع .. والله أعلم أتخرج بعدها ولا تصير هوايّل !
تضايقت وقالت : للمرء نصف ما نطق .. وتفائل خير وبتلقاه !
أخذها من يدينها وهو يهز رأسه بهدوء وبدون ما يتكلم .. وأبتسمت وهي تتأمل نظراته الي تحِكي الإمتنان اللي ماقدر لسانه ينطقه .. أكتفت بنظراته وأستأذنت وهي تنزل من السيارة .. وقفت بمُحاذاة الباب وهي تِلمح شبّاك الدريشة يتقفل .. تنهدت بضيق وهي تمشي بخطوات مُتخاذلة دخلت البيت وأخذت نفس وبدأت تزفره بهدوء .. رفعت أنظارها للشخص الي يتقدم بإتجاهها شدت بأطراف يدينها على شنطتها الوردِية وهي تنزل عُيونها بسرعة " طول عمري كنت أخاف إني بتزوج شخص يشبه أبوي .. خفت دائماً أصير مثل أمي وتنهان وتنضرب وتلتزم الصمت وتتحمل .. ولكن باللحظة ذي فهمت إني من الأساس أخاف إني أشبّه أمي .. وصارت مخاوفي حِقيقة "
وقف قدامها وهو قابض على كفوفه بعصبية : وين كنتي للوقت ذا ؟
نزلت نقابها وهي تناظره وقالت بهدوء : فواز .. قبل لحظات شفتني وأنا أنزل من سيّارة وهاج .. ليه تسأل عن شيء مفروغ منه ؟
رفع حاجبه بعدم إعجاب وقال : تراددين يا شعاع ؟ ماودك تقضبيّن أرضك
تنهدت ورسمت على وجهها إبتسامة هادية وقالت : لا ياعيوني أفا عليك .. بس رأسي يوجعني خلني أدخل وأرتاح
فواز : أول إنطقي وين كنتي ؟ مو قلتي بتروح بيت هلّك ؟ كنت فيه قبل ساعة مع عمي ومالقيتك .. تكذبين علي يا حيوانة ؟
ناظرته بصدمة وكانت بترد بعصبية .. ولكن تمالكت أعصابها .. بالنهاية مارح ينهار من الضرب غيرها .. لذلك قالت : وهّاج كان متضايق ورحت مشوار ساعة معه وجيت .. رضيت ؟
سحب الشنطة من يدها بقوك ورماها عالأرض وقال بعصبية : لا ما رضيت .. ثاني مرة تركبين سيارة سود الليالي من دون علمي أكسر رجولك فهمتي ولا لا ؟
قطّبت حواجبها بإستنكار وقالت : لا تحكي هالحكي عن وهَاج يا فواز .. ومتى ماقال تعالي رحت له .. مهب أنت الي تمنعني من أخوي !
ضحك بسخرية وكتف يدينه وهو يقرب ويناظرها بهدوء : قدّ الحكي الي تقولينه يا شعاع ؟
بلعت ريقها بصعوبة .. هالهدوء كان يتبعه عاصفة ما تبقى ضلع صاحي بجسدها .. لذلك هزت رأسها بالنفي بسرعة .. وهو ناظرها بسخرية ثم مشى عنها .. بلعت غصتها وهي تِحس بدموعها تنزل بعدم وجههة .. تمُرد فواز عليها ماكان بسبب ضعفها .. كثر ماكان بسبب تسلط أبوها عليها ! ما تنسى أبداً لما ضربها أبوها قدام فواز بأول أيام زواجهم وبسبب إنها نست تكتب على كرت الدعوة عائلة أحد أصدقاءه ! ومن بعدها بدأ فواز يفرض نفسه عليها بكل قوة .. بدأ يسيطر على حياتها .. بدأ يهينها بطريقة وحشِية .. وهي وش بيدينها ؟ تحكي وتبُوح وتنقطع رِقاب لاحكت ! ولا تلتزم الصمت وتتحمل وتحذُو حذو أمها ومحد يضيق الكون عليه غيرها .. ! والخيار الثاني كان المُصاحب لحياتها لمدة سنة كاملة من زواجها .. والحين رح تشاركها هالعذاب النُطقة الي بين أحشائها !

لابد يا سود الليالي يضحك حجاجكWhere stories live. Discover now