19

7.1K 114 22
                                    


رغم تزاحم العبّرات بفؤاده وهجوم الليل العنيف على صدره اللي شكّل أوجاع غائرة بروحه إلا إنه هاللحظة تذكرها !
فزت كل شرايّينه هاللحظة ، ونبضات قلبه المُضطربة إزدادت إضطراب بشكل مُفجع ، إلتفت بجسده الثقيّل وهو يسارع خطواته لسيارته ، اللي ركبّها بعجل شديد وتوجه بكل سرعة للبيت اللي يحتضنها ، واللي تركها فيه
موجوعة بأكثر ليلة كان المفروض تفرح فيها ، وتحس بأنها تنافس الغيّم من لطفها !
كان يحس بأن الرجفة اللي بجسده ولا شيء بجانب الرجفة اللي يحس بها بصدره ، نظراتها ليّلة البارحة اللي زادت وجعه وأرهبته أكثر تبادرت لذهنه هاللحظة ، خوفها ورجفتها من وضعه زادت حدة تنفسه ، صدى أنفاسها الضعيفة كانت هاللحظة تِردد برأسه بكل حِنكة وكأنها تقول له " مالك حق تعيّشها الوجع معك،ليه تخطي خطوة بإتجاهها وأنت منت بقد اللهفة اللي تعيّشها"
وصل لحدود المبّنى وبهاللحظة ماكان يدري كيف وصل بسلامته ، كانت أقصى سرعته بقدر الشعور المُضني اللي يعيش بصدره هاللحظة ، نزل بعجل شديد وقبل ما يخطي خطوة ثانية رجع للسيارة بعجلة وهو يفتح الدرج ويخرج منه المفتاح الإحتياطي واللي بعدها رجع يركض للبيت بكل مافيه من رجفة ، فتح الباب بعجل ومن خطت خطاويّه للبيت برد قلبه وهو ينقل نظراته لحال البيّت اللي كان نفس ما تركه ، سرى الجمود بروحه وهو يقترب أكثر ويدور عليها بزوايا هالبيت ولكن هالزوايا تشهد إن غيهب الليل غايّبة عنها ! وإن خطاويها ما عبّرت هالمكان أبدا ً !
خوف رهيّب سكن بكل أطرافه لدرجة إن صلابته المُعتادة بهالأمور تبّخرت ، هو على الله جابّه كل الأوجاع اللي دمّرته ليلة البارحة ، ماعاد عنده قدرة يجابه موادعها باللحظة اللي ظن إنه ألتقى فيها !
مسح على وجهه برجفة وهو يحس بأن الرعب تفجر بصدره " هي وين الآن ، ليه ماهي بوسط هالبيت ؟ "
جن جنُونه وتصاعد الرعب بكل كثافة لصدره لدرجة إنه عجزعن التنفس لبعض الوقت وهو يجذب شعره رأسه للخلف بكل خوف ورعب
ولكن بعد لحظة حاول يسيطر على حاله لأجل يستوعب فداحة أفعاله وش نتايجها
أخذ نفس من وسط صدره وهو يزفره على دفعات وخرج من البيت وهو يسحب جواله من جيبه ، ولكن باللحظة ذي بقى محتار ومتشائم على من يتصل ؟ وبمن ينتخي ؟ رقمها ماهو بعنده
ولو فكر يتصل على فهد وش يقول " دمّرت بنتك ، علمني جاءتك لجل تجبّرها؟"
عيب عليه بحق الحب واللهفة اللي بصدره يحكي هالشطر ، كان ينقل نظراته لأنحاء المبّنى وهو يتذكر وقوفها ليلة البارحة هنا ، ما بباله أي فكرة
جُل الي يفكر فيه إنها راحت لبيت أبوها أو أنتخت فيهم ، ماكان قادر يتصرف ..ولا قادر يفكر بشيء ينقذه من الشعور اللي بيّهلك صدره هاللحظة تمتم بصُوت مبحوح من شدة الخوف عليه " يارب لا يصيّبها وهن، لا يزيد الوجع من ناحيتها"
من بين خواء روحه هاللحظة ، ونظرات الشّاردة اللي تدور بالمكان بلا وجهة ، إنتقلت أنظاره للدور السفلي بمبنّاه واللي يحتضن مشغل عبّق
تسلل رجاء مُميت بصدره وأمل خافِت بأنها رحمت حاله وحنّت عليه وما رجعت لأبوها اللي لو يعرف بهاللي حصل لتكون دُجى محرمة عليه طوال سنين عمره كلها ، لذلك سارع خطواته الخايّبة واللي غلفها بما تبقى من أمل بصدره وهو يقترب من المشغل ويلقي نظرات سريعة لأطراف المكان ، نزل عيونه وهو يراقب يديه اللي ترتعش من شدة رجاءه وخوفه وغمضها بشدة وهو يقول " إن تركتك تصارع هالوجع فهذا عمل يدينك ، وتستاهل تعيش باقي عمرك تصارع لهفتك عليها ، ولكنك بتبقى على أعتابها ليّن يحن قلبها عليك ، مالها مخرج من حياتك ، مالها "
وباللحظة اللي فتح عيونه وأستقرت على عروة الباب ، عقد حواجبه بصدمة بسبب المفتاح اللي بقى على أطرافه
رفع يده وهو يجذب عروة الباب للخلف ومن أنفتح الباب إستقر الذهول بصدره ، الذهول الي عجز يلقى له أي تفسير ، معقولة هي هنا ؟ ومبّناه مازال يحتضن صدرها، إقترب بخطوات سريعة وهو يدخل هالمكان اللي أُعيد ترميمه من جديد ، وبشكل أفضل من السّابق وبدأ يلقي نظراته اللي كلها رجاء على حدوده ومازال يلهث برجاء بأنها تكون هنا .. معه .. برغم كل شيء تبقى معه !
دخل لصالة الإنتظار وللغرفة الي بجنبها ومالقاها
ولما بدأ يتغلغل اليأس لأعماقه لمح طرف باب الغرفة الكبيرة مفتوح ، إقترب بخطوات مُتثاقلة خوفاً من الخيّبة المُرة اللي بتقطع جوفه لو ما لقاها ، ولكن من فتح الباب ، أخذ نفس عميّق أتبعته تنهيييدة صااادرة من جوف صدره وكأنها تعبّر عن كمية الشعور الي تسرب لقلبه هاللحظة
كانت منحنيّة بجسدها الطريي على الكنب الأبيض والي يشارك لون فستانها اللي مازال يكسُو جلدها
ورأسها مُلقي بإهمال على طرف هالكنب وكأنها بغيبوبة عميّقة ، إقترب بخطوات مكسُورة وهو ينحني بجسده ويجلس قدامها ، ومن لمح وجهها اللي مخفيه تفاصيله بسبب الطرحة البيّضاء أنقبض قلبه بشكل مُضني
بقت بوجعها وبفستانها ورجاءها وفرحها هنا ، بالليلة الي كان المفروض تفرح فيها ، زارها مرضها البائس من شدة وجعها ، وش هالحِمل اللي ضفته لأحمالك يا وهّاج ؟
قضم شفايفه بعُنف شديد حتى إستشعر طعم الدم المُر من لاحت له فكرة إنه كان ممكن تغيّب عن وعيها بوسط الشارع ، في ليل ما ينعرف وش بيصير فيه ، كان مُمكن تكون بموضع غير هالموضع اللي لمحها فيه ، كان ممكن تنهار حياته أكثر من كذا بسبب وجعه اللي ماقدر يقبضه وماقدر يأجله مثل اللي قبَله !
داهمه شعور مُهلك أهلك وكسّر كل الضُلوع الغائرة اللي بصدره والي حمّلته هم فوق همه
ومن بين الندم والدم ومرارة الوجع ، رفع كفه وهو يزيّح خصلة شعرها الي تمردت وغزت على حدود وجهها ، ومن بعدها أزاح الطرحة البيّضاء عن وجهها النييّر واللي رغم الضيق الي بين بأطرافه مازال النُور يسكنه ، من بين غُمرة أحزانه هاللحظة ووجعه المتكاثر على أهدابه اللي حتى الرمش بها صار صعب ما يقدر يمنع نفسه عن التدفق بتأملها
والعيّش بين أطراف وجهها،لياليه الماضيّة كان أقصى طموح فيها يجتمع معها ، ويعيش بين أهدابها بدون ما يكون بينهم حاجز الديّن والعُرف
ورغم الوجع اللي نهاه عن تأملها بالليلة اللي إجتمعو فيها ، ما نهى نفسه هاللحظة
وما قدر يمنع مشاعره العنيّفة اللي بدأت تملأ قلبه الفارغ وروحه الخاويّة ، كانت تتدفق بشكل عنيّف ومخيف لدرجة إن رفع يده يتحسس قلبه اللي بدأ ينبّض بشكل مُفجع ولكن بنبضات روحها مختلفة تماماً عن النبّضات اللي تعاني من الوجع ، كانت هالنبّضات تعاني من الحب المكبُوح ، اللي عاشه بسبب نظراتها بسبب وجودها ، بسبب تطلعاته معها ولهفته الواضحة عليه !
كان يتأملها بكثافة وهو يحس بإن في ملامحها ألفة بالغة،كأن الطمأنينةاستعارت وجهها وجعلته بيت لها
وكأن كل فوضى صدره رُتبت ، والحرب المُميتة بقلبه أعلنت الصُلح والإستقرار
ما قدر يكبّح نفسه ، رفع كفينه وهو يمررها على حدود وجهها ، ولما أستشعر الرُطوبة اللي بقت على أطرافه بسبب دمعها ، غمض عيونه بحسّرة مُميتة وهو يتحسّب على وجعه اللي هدم هالليلة من أساسها،ولكن بهاللحظة ماعاد داخله يتسع لهذا الحزن
كان يفيّض بشعور مغاير تماماً ، ماذاق حلاوته ولا مُره بيوم !
وباللحظة اللي فتّح فيها عيونه ، وقف على عجل وهو يرجع بخطواته للخلف وهو مُوقن باللحظة هذي إن ماله حق أبداً بالإقتراب منها ، وهي تعيّش مرضها بسبب وجعه لها
خرج من الغرفة على عجل ، وقفل الباب خلفه
ولكنه جلس بجانبه وهو يسند ظهره على الجدار ويجمع رجلينه وثبّتها بيدينه وهو يسند رأسه على ركُبه ،كان يفكر بكل اللي حصَل معه بدايةً من الشعور اللي حاصره بسبب زواجه من اللحظة اللي لبسّ فيها البياض للحظة الي تفاقم فيها الوجع وعجز يكبحه من لما إستقرت بجنبه ، لشدة وطأه الوجع على روحه اللي أجبره يزور قبّر شعاع ويتقبل موتها بعد خمس سنين ونص من فقدها واللي وعاه وأعطاه الضوء الأخضر عشان يقدر يزور أبوه بعد ست سنين من الجفاء وقل اللقاء
هاللي حصل معه كله ، وكأنه تنبيه لأجل يزيح الذكريات المتراكمة والي مشكلة عقبة مخيفة قدام حياته والي بسببها سقط على وجهه وزحفت هالعقبة وتسربت بكل كثافة لجسده ، كان يظنها بالبداية نهايته ! ولكن الي أيقنه هاللحظة إن هالشيء " بدايته اللي ما بعدها إنهيار أبداً "
البداية اللي عمدها ماهو بوجع ، عمدها ثبّات وثقة
ويدين تربت على كتفه !
هالنهاية ماكانت إلا صفعة على قلبه لأجل تنفض ذكرياته اللي كبّلته وتركته يعيش الحياة أسير لها
ولكنه الآن حُر .. من كل شعور مُر حُر !

وبمكان مُختلف تماماً ، تصدع فيه أصوات الخطوات الصلبّة ، والتحايا العسّكرية المَهيبة
كان واقف بوسط المركز ويدينه تقلب الأوراق بإندماج ، على كتفه رتبة العقِيد اللي أستردها بقوته وحزمّه ! واللي بسببها خسر نص دينه اللي يحبه ، وملأ فراغ هالكسّر نص رجولته أجبرته عليه !
ألتفت وهو يقفل الأوراق ويناظر للملازم ، وبعدها سحب قلمه من جيبه وهو يوقع الأوراق
ناظر لساعته اللي تنبّهه بأنه وقت توقيّعه على وسم العهد اللي قطعه على مسامِع الرِجال ، واللي كلما تناساها يرجع شيء أكبر يذكره بهالعهد
غمض عيونه بضيّق ، ورفع رأسه وللحظات وهو يتأمل نظرات أصحاب الرتب الي أقل منه ، للحظة بدأ يستنكِر الوضع ، هو الي بلّع جمرة سنين طويلة بسبب نظراتهم له بعد حادثة أبوه ، يحلف إنه طوال شغله هنا كان يلقى الإستهزاء متخبّي بعيونهم ، وحكيّهم من خلفه ماهو بقليَل ، وياما وصل لمسامعه بكثرة ، وياما إنقال بحقه إنه عديّم كرامة بعد سوايا أبوه يبقى هنا !
ولكن ضِرار كان أقوى من كلامهم وبقى ثابّت
الأدهى إنه لما ترقّى وصار عقيَد ورتبته أعلى منهم صارت نظراتهم خضُوع وإحترام ، ووجييّهم تنطق له هيّبة والتحايا تنهال عليه بالمكان الي تخطي خطواته فيه ، إشمئز من الوضع وإشتعل صدره نار ، يعني هالوضع بيستمر للأبد؟
أصحاب الرتب والأماكن العاليَة ما يلحقهم آذى لو حصل معهم الي حصل ، والي أقل منهم يتحاسبون حتى بسوايا غيرهم ؟ متى بيّحل العدل ؟
سحّب خطواته من المركز بكل ثُقل وهو يغادره والعِبء ممتلي بصدره ، ولكن مابيده حِيله
أحياناً الظروف أكبر من الرغبة ، بعد دقايّق بسيطة وصل لأعتاب بيت محمد ، تأمله للحظات وهو مِسند رأسه على الدِريكسون بإِنهاك ، الليّل مازار جفنه نوم مازالت شهقات أخت محمد الي تنتخي فيه تخترق رأسه ، ومازال قلبه يردد السطر اللي أنكتب برواية خيال ، وين يختار ؟
وين الوجهة اللي لاقصدها أرتاح خاطِره وأرتاحت رُوحه ؟
وبعد لحظات من وقوفه عند الباب عقد حواجبه وهو يلمح وقُوف بنيّة على حدود الشبّاك وكأنها تِترقب أحد
إستقر الفضول بداخله ففتح باب سيارته ونزل وفي ذات الوقت تقفلت الشبّاك بعجلة وبكل قوة وهذا أجبّره يعقد حواجبه بإستنكار فضيع ، ولكنها لحظات بسيطة بين عقّده لحواجبه وفتح باب بيت محمد
تنسّمع تنهيدة صدره من بين أميال طويلة ، واللي بسببها رفع كفوفه وهو يمسح على وجهه بضيّق ، فهم مقصد حركتها لذلك كمّل خطواته ودخل البيت واللي كان الهُدوء يسكن أطرافه واللي أجبره يوقف بمكانه بربّكة لولا الصُوت الخافِت اللي همسّ من خلفه أرشده ب : أبوي ينتظرك بالمجلس
ومن خطى أول خطواته للمجلس أستوقفته من جديد بصوت مُحمل بكميّة عنيفة من الإحراج المُميت : تكفى لا يعرف بإتصالي فيك ، ما يموت ينغبّن فوق غبنته وعبراته
عضّ على شفايفه وهو يشد قبّضته بقهر بغيض إستقر بصدره ، مو لأنه بهالمككان كثر ما هو لأن بنت بمُقتبل العمر ، بعمر الزهور
تعيّش هالمعاناة واللي ظهرها ما يقدر يتحملها
عايشه بهالإحراج الكثيَف اللي أجبرها خالها عديم الرحمة على عيشها
هز رأسه بإيجاب وهو يدخل يدينه بطرف بدلته الرسميّة ويقول : ماررح ينقال بهالمجلس إلا إني جاي أطلبك على سنة الله ورسوله ، وأكمل الخطوة اللي ما خطيتها المرة اللي راحت لا يلحقك هم !
كتمت غصّتها وهي تثبّت يدينها على حلقها من شدة العبّرات اللي توالت فيه وحست بمرارة الدمع بعيونها ، كان الموت أهون بعيوونها من خطوتها بإتجاه ضرار اللي قللت قيمة نفسها بعيونها ، ولكن أبوها ،نقطة ضعفها !
هي مستعدة إنها تضحي بما تبقى من كبّرياء بحياتها عشانه !
دخل ضِرار للمجلس وهو يلمح أبوها اللي جالس بصدر المجلس وينتظره واللي من دخل قال بترحيب : حيا الله من أقبّل وجاء ، وينك غبت وماعاد إنسمع لك حسّ ، ظنيت إنك هونت
أبتسم ضِرار مجاملة وتقدم له وهو يقبّل رأسه بوقار ويجلس على يمينه وهو يقول : أعتذر منك ياعمي ، ولاهو بيدي
أشغلتني هالدنيا شغل وأهل ، وليلة البارحة كان زواج ولد عمي وأختي وأنشغلت معهم
رفع أبو محمد كفه وهو يضرب كتّف ضرار بهدوء وعلى مُحياه إبتسامة خافتة : مادام ظروف الدنيا الي حدّتك على تركنا ما عليك لوم ، المهم إنك جيت وأنا أبوك ، علمني وش أحوالك يا ..سكت بإحراج من نسيانه لإسمه
ضرار أكمل وهو يبتسم له بعطف و مودة : ضرار ياعم ،والله يبيّض وجهك مثلي ما ينعذر ، ولكن قلبك الكبير يعذر
نكّس أبو محمد رأسه وناظر للفراغ في صمت مُريب وضرار عقد حواجبه بخوف من إنه تعدى حدوده أو إنه قال كلمة أزعجته رغم إنه كان حريّص لأجل كذا قرب منه بخوف وقال بربكة : عسّى ما شر ؟ مثل شرواك ما يِنكس رأسه
-
قال أبو محمد بغربّلة حاول يخفيها ولكن نبرته فضحته وماقدر يمثّل دور السعيد أكثر : مثلي ما يرفع رأسه ، ومثلك ما يجي لحدود هالبيّت لولا إنه إنحد على الجيّة ، منوجع إن بنيتي بتجيك عروسة لأنك منجبر عليها
توسّعت حدقات عيُون ضرار بصدمة بسبَب جملة أبوه محمد الي ألجمته وبقى يناظره بإرتباك من تطرقه للموضوع رغم حرص بنته على عدم معرفته
أكمل أبو محمد بضيّق : واحد برتبتك وعلو منزلتك ليه يقبّل يتزوج أخت سجين عنده وأقل منه؟ ليه يقبّل ببنت ناس على حدود الفقر وهو بيقدر يتزوج بنت ينتثر من جيبها الذهب
ليه يرجع من جديد وهو بيوم ملكته ببنتي أنقبض على أخوها الهارب من السجن بوسط بيته ؟ وبحضور كل العسكر اللي تحت إمرته؟
قاطعه ضِرار بإستنكار غزير فاض بنبرة صوته الغليظة : بس هالكلام ما ينبَطق علي ، أنا ماني برجل كامل والنقص موجود بكل الخليقة ، ولولا ستر ربي كان كلنا بخبّر كان ، لأجل كذا إقطع هالحكي اللي ما ييزيد ولا ينقص من هاللي بيحصل
رفع رأسه أبو محمد وناظر لضرار بنظرة غريبة وقال بنبّرة مضطربة عكسّت غضبه المكبُوح بداخل صدره ، واللي كان من غبنته على بنته وعلى الحياة اللي بتعيشها بسببه ، وبنبرة غريبة تماماً عن هالرجل اللي شيّبه يكسوه الوقار
واللي من دخل ضرار كان بحال والحين بحال مُغاير تماماً : إسمعني زيّن يا إبن الأجواد ، أنا رأس مالي بالدنيا ذي بنتي ، ومانيّب مستعد أعيشها المُر لأجل أريّح بالي ، أنا متأكد إنك جايي تتقدم لها وأنت مقهور لأنك منجبر عليها والله أعلم وش السبب ، ولا منكسر خاطرك عليها وكلك شفقة لأجل أخوها اللي بسجنكم
ولكن الرجل لامنه أنجبر على شيء كرهه ، بنيتي مابيها تذوق الأمّرين بالحياة ذي
مابيها تعانيني وتعاني حياتها معك ، ولو كلفني هالرفض حياتي الي بقت ، علّم اللي لاوي ذراعك عشانها إنك ما تبيها ، ومحد بالدنيا ذي يقدر يجبرك على الزواج من بنيّة ما تبيها ، لأجل كذا يا عقيد إبسط ضلوع قلبك وإنبسط ووسّع صدرك
أنا رجل مانيّب بايع بنتي لأجل كم ريال تكسي جلدها فيها وتعريّها من سعادتها ، رح والله يفتح لك طريقك مالك عندنا بنت لأجل نعطيّك إياها
وعلّم خالها طلال عن كلامي ، لاعاد أشوف خُطاب لبنتي عن طريقه ولا بيشوف الموت مني
إلتزم ضِرار الصمت وكسّاه شُعور مُخزي ومُريع جداً ، كلام أبو محمد كان مثل الصفعة والأهم إنه حقيقي !
-

لابد يا سود الليالي يضحك حجاجكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن