20

7.9K 94 12
                                    


وقفت بمكانها وهي تغمض عيونها بِضيق بيّنما هو إستعدل بوقفته على عجل وهو يوقف وراها ويثبّت يدينه بطرف ثوبه الأبيض المُدمر من ليلة البارحة
وبقى صامِت بعد جملته الي رماها على مسامعها
وكأنه ينتظر ردها واللي فعلاً إلتفت له وهي تسبّل أهدابها بإستهزاء دفِين متجاهل تماماً وضعه : خطيت خطوة معك ، ونهاية الخطوة كانت دموع وبكاء ، ظنّك وحدة مثلي بتقصد درب كله وجع ؟ ظنك بكمل هالدرب وأعمي عيني الي تشوف الشوك وتخطي عليه؟
تأملها وهي تِتكلم والواضح إن كلامها كان نابع من ضيقها ووجعها بسبب فعلته الرديئة بها بليلة عمرها ، ولا يلومها ولا حتى له حق يعاتبها على كلامها ، ولكن حتى هو ! محد له حق يعاتبه بسواته
هو كان يصارع الموت بأنفاسه وشلون يبقى معها ؟ وشلون يخليها تعيش أرعب شعور ممكن المرء يعيشه بهالحياة ؟ بأنه يشوف محبوبه يصارع الموت ولا بكفوف يدينه شيء ؟؟
إستنكرت سكُوته ونظرات الضياع الي بعيونه وقبّضت قبضتها بقمع وإمتهان وهي تتنفس بصوت صاخِب وعالي من شدة غضبها هاللحظة ، ليه يلجأ للسكوت وهو يدري إنه فرط فيها ؟ ليه ما يدافع عن نفسه ؟ ليه ما يبرر؟ ميَة ليه إستولت على عقلها هاللحظة إلا إن حاجبها آرتخى بشكل تدرِيجي لما لمحته يسحب كفوف يدينه المُحمرة واللي من شدة وجعه ليّلة البارحة تدمرت هالكفوف وبان آثار الوجع بين عروقها ، سحبها من جِيبه وهو يشبَكها ببعض بطريقة إرتجالية وثبتها قدامه بدون وجهة
وكأنه يحاول يجمع كل طاقته لأجل يحكي ، وكأنه يحاول ينطق بكلمة وحدة تعبر عن حاله هاللحظة ، ولكن كـيف؟ شخص طوال عمره ماعاشر أُنثى
ما كان لطِيف مع هالجنس بعمره ، ما أقترب هالكثر من بنيَة من قبل ، جُل تصرفاته مع أخته كانت صلبة وتحت مُصطلح الجلافة ولكنها أخته ! كانت تفهم إن ورى هالصلابة حنيَة العالمين الكثيفة واللي لو وُزعت على هالأرض لفاضت الحنيَة من جميع دروبها ! ولكن هالكلام ما ينطبَق هاللحظة على دُجى ، لازم يظهر لها هالجانب لعلها تفهمه وتستدرك تصرفاته
رفع رأسه وثبّت عيونه بعيونها ، عيونه العميَقة الي هالمرة تشِي بحزن عميق وقسمات وجهه متوترة وتايّهه رغم ذلك حاول يخفي حالته فقال مُخاطباً قلبها : أنا مِخطي ولكن ...
زمّ شفتيه وكأنه تجرع المُر ولكنه أجبر نفسه على الإكمال : ولكن مستعد أدفع ثمن هالخطأ ، مستعد أتلافاه وأعوض عنه ، لا تقطعي دروبي
عيونها كانت تِراقب ملىء فراغات أصابع يديه ببعض وتتأملها بإحساس غرِيب ، لطالما زارها هالإحساس بسبب فعلته هذي ولكن هالإحساس كان يزاحمه الغضب اللي سبّببه وجعها وقالت : لك قدرة على تلافي هالوجع كله ؟
هز رأسه بإيجاب بعجل وهو ينفض يدينه من بعض ويثبتها خلف ظهره بهدوء ، أبتسمت بسخرية وهي تصد عنه وهو كتم تنهيدته بآسى ، فعلاً شخص مثلها يستحيل يرضى بقُرب شخص سبّب له كل هالأذى ! لذلك ألتزم الصمت للحظات وبعدها قال بنبّرة مُضطربة: لو عالأقل هاليوم إبقي ، لا تضيق صدورهم مع صدورنا
تأجج بداخلها شعور القهر وهي تلتفت عنه وتسارع بخطواتها لبرى هالمكان ، كانت تبيَه يحس بمقدار وجعه لها ، ولو إجتمعت أحزان الدنيا كلها عليه
ماكان لها ذنب لأجل يخليها تتوجع هالوجع معه بأول ليلة ترضى بقُربه لها !
بيَنما هو رفع رأسه وتأمل ظلها اللي يبّتعد عنه بخطوات مُتسارعة ، إضطربت نبّضات قلبه أكثر وأكثر وغمض عيونه بعصبية مُميتة وهو يضرب بكفوفه الجدار بكل غضب لدرجة إنه إستشعر عظامه ترتجف بكفه من شدة الضرب ، ماكان عارف يمسك بزِمام أمور حياته معها ، إذا أوجاعه بعد سنيّن قاتلة قدر وأخيراً يسيطر عليها ، هالغيّهب متى بيقدر يمسك زِمام الأمور معها ؟ بالأحرى متى بيتشجع ويمسك يدها ؟
إستشعر الحريّق اللي بجوفه وهو يخطي الدرب اللي خطته ويخرج من المشغل بخطوات مُختلة غير متزنة وبدأ يتحرى بنظراته عنها ، عقد حواجبه بإهتياج وبَلع ريقه بصعوبة وهو يسارع الخُطى لها ويوقف خلفها مُباشرة ، أسبّل أهدابه بعدم إستيعاب وهو يمسح على وجهه بإستهلال غريب وسِهام عيُونه منغمسّة بتأملها بعدم إدراك ، بذهول،ب حِيرة يظن شيء كان أشبّة بصاعقة دمرت كل خلايا الإستيعاب بدماغه ، وش مقصدها ؟ وش الي تفكر فيه ؟ وش نيتها من هالخطوة ؟
-
وقوفها قدام باب شِقتهم اللي رماها على أعتابها ليلة البارحة بدون يلتفت لها ، ؟ كان ينتظرها تعرقل طريقه وتتجه لأبوها تشكيه ، أو تنهي دربها معه بأكثر قوة رفض ممكنة بهالعالم ، ولكنها تبقى منتظرة على بابه ؟ ماكانت آخر فكرة برأسه ، كانت أصلاً فكرة مستحيلة !
تهادى لمسامعه صُوتها المُنخفض المبحوح من شِدة تجمع مشاعرها بنبرته : ماهو ب لأجلك
لأجل عين فهد ، لأجل ما يذوق مرارة الخيَبة مثل ما ذقتها منك
عضّ على شفتيه حتى إستشعر مرارة الدم بفمه ، الشجاء له نصيّب من قلبه ، فكيف بعد حكيها ؟
قبل ما تلتفت وتصد عنه ، كبّر خطوته وأقترب منها بعجل وهو يفتح لها الباب بالمفتاح الإحتياطي اللي بقى معه ، وهي خطت أول خطاويها للبيت ولكن قبل تدخل إلتفت له وقالت بنبَرة مُنخفضة من شدة قل العشم : أيامي هنا تنّعد على أصابع الكفوف ، ما تناسيت خيبتي ولكن بقطّب جرحي بيديني لأجل ما ينشرخ قلب غيري بسببك ، ولكن لا تظن إن الحقوق بتبقى بيننا ، أنت اللي أخلفتها
ناظرها بهُدوء وهي صدت عنه ودخلت للبيت وهي تدور على الغرفة اللي بتحتويها بأيامها الي بتقضيها هنا ومن فتحت الباب ودخلت للغرفة المنشُودة تأملتها للحظات ودخلت على عجل وهي تقفل الباب ، وبمجرد دخولها ثبّتت يدينها على صدرها اللي حست إنه تقلص من شدة وجعها ، وأسبلت الدمع من عيّنيها بأريحية تامة ،كتمتها لمدة قليلة بس ولكن كتمها كان ضريبته النار اللي تحترق بمحاجرها ، ماكان هذا مُناها ولا مُبتغاها
ولكن من متى الأمور جاءت مثل ما يحبها القلب ؟
إقتربت وهي تسحب العبايَة من على جسدها وترميَها على الأرض بعدم مبالاة ، ولما تعرى فستانها الأبيض من أي حاجز يخفي البيّاض عن مرأ العيون ، تساقط دمعها المالِح على تفاصيله ، ضحكت بمرارة بعز البِكاء وهي تناظره بآسى: تلطخ بيّاضنا بدموعنا ، وش عاد بقى وجع ما ذقناه ؟
سحبَت سحاب الفستان بصعوبة ، وكلفها هالسحاب دقايق طويلة لأجل يخضع لها ، وقبلما يتعرى جلدها من هالفستان لمحت شنطتها البنيّة الكبيرة بجانب الجدار ، تذكرت إن لافي وصَلها للشقة قبل توصل ، وحمدت ربها وهي تقترب وتطلع لها لبّس مريح ، لعل عظامها تستريح بداخله بعد ليلة عن مليون ليلة مُوجعة
بعدما حررت نفسها من تفاصيل الزواج ،بدأت تصلي الصلوات اللي فاتتها بسبب مرضها ، وبعد مدة طويلة من البكاء على أطراف سجادتها غاب عنها وعيّها وغطت بنوم عميَق من شدة وجعها !

بُرهان اللي مازال مِستقر بطرف سيارته وعيونه تراقبّ باب بيتهم بحِيرة وبعشوائية كثيفة !
الحرب المُميتة اللي قضاها قبل ليلة كيف تخلص منها ؟ كيف أصلاً قدر ينفذ منها ؟
المعركة الي كانت بين قلبه اللي تِفتت من لمحها ومن ميَزها من لمعة عيونها بس .. وبيّن عقله اللي نهاه عن البقاء بالمكان هذا ثانية وحدة بس
لإنه يحس بخيانة ذاته لحبه العفيّف!
غمض عيونه بترِجي بأنه يجتمع بهالحب بدون ما يعيش هالحرب من جديد ، الود وده قدر يحكي مع ضرار ويخطي خطوة ويقترب من مُناه اللي لازمه بالسّر شهور طويلة !
أطلق تنهيَدة عميقة وهو يضحك بخفوت لما تذكر اللي قرأه بأحد المقالات
" يحتاج الرجل لدقيقة واحدة ليعشق إمراءة ويحتاج إلى عصور لنسيانها "
والدقيقة هذي كلفته روحه اللي كانت تخصه هو وبس والحين تقسّمت عليهم الإثنين
مسّح على وجهه بإرهاق شديد ونزل من السيّارة وهو يتجهه للبيت ومن خطت خطاويه لداخل البيت إنعقد حواجبه بإستنكار شديد وهو يلمح أمه جالسة على حدود الدرج ويدينها على خدها،عيونها البنيّة تراقب طرف الباب واللي أول ما لمحت دخول بُرهان شهقت بفرحة وهي ترسم إبتسامة عتب على ثغرها
ميّل شفايفه بخفوت وهو يتقدم لها بخطوات هاديّة وعيونه تراقب تصرفاتها الغريبة عليه
ليُصيبه صوتها العاتِب اللي هز أركان العاطِفة الغايّبة بداخله:أنتصف الليّل،ليه متأخر لهالوقت يايمة ،أشغلت بالي يومين غايب؟
بلع رِيقه بصعوبة وهو يرمش بعدم إدراك كان يناظرها بنفس نظرة الإستنكار ،وحتى إن الدهشة تفجرت بجميع تقاسيّم وجهه الأسمر
ومن الشعور الكثيَف اللي سكن روحه هاللحظة أرتجفت خلاياه وزاره الطِفل المتلهف على إهتمام أمه ،جلس جنبها من شدة الرعشة وهو يوضح الثبّات من خارجه بينما داخله يعيش إنهيارات مؤجلة
رجع يناظرها بنفس الهدوء ويقول بصوت خافِت رخيم:كنت تنتظريني ؟
وهي رجعت تِبتسم بخفوت وتمتم بصوت دافِي يشفع لهبّة البرد بهالليلة : إية ،صابني الخوف من أنتصف الليل،وليلتين غايّب،حتى برنامجك ما أنسمع حسّك فيه،عارضين إعادة حلقة
رمش بعدم إتزِان وهو يحس إن السماء صدره من شدة الرحابة هاللحظة ،كان متشفق متلهف على هالمحادثة مع أمه،لأن جل نقاشاته معها ماكانت تتعدى الدقايَق والإختصارات
والأدهى والأمر إنها ولأول مرة تنتظره ، لأول مرة تتفقد حضوره من غيابه،لأول مرة تجافي نومها وتعتكف على باب الإنتظار لجله
هالشيء كوم وإنها عرفت عن برنامجه كوم مُغاير تماما،البرنامج إللي كلما حاول يتطرق له معها يصير معهم حدث ينهاه عنه !
تغلغلت إبتسامات عنيّفة على وجهه لدرجة إنه أشرق من كل جوارحه،وضحت اللهفة بوجهه
وبانت الفرحة بنبّرة صوته اللي قال فيها : كلي عذر يا يمة،والله ورافع سبع لو عندي علم إنك بتنتظريني نفضت يديني من كل هالدنيا وجيتك
إبتسمت والغصّة تقسم روحها لقسمين على حاله اللي تغير كلياً من حس إنها مهتمة فيه وتحاول تداريه،من ليلة المخيم وكيانها منقلب
وروحها ملتهبة،وكأنها راحت هالمخيم لأجل ينقرص قلبها وترجع للواقع ، لأجل تحس إنها أنها طفولة ولدها بعدم إهتمامها فيه،لأجل تكتشف إن ظنها بأنها هي اللي ربت بُرهان خاطئة،الوحدة هي الي ربته
ومن شدة الندم اللي لبسّ قلبها،حلفت إنها لترجع لوعيها ولو إنه الرجوع بعد هالسنيّن كلها مستحيل ،ولكنها بتحاول عشان ولدها
رجعت تسمع كل حلقاته الإذاعية ،من بدايته لآخر لياليه ،ومع كل نبَرة صوت يغيرها تبكي بشدة من ضيقها " أنا ويني عن ضناي ؟"
لذلك أبتسمت بمودة وهي تخفي الندم بقلبها وتقول : لا وأنا أمك ،ولكن كان ودي أنتظرك وأتطمن إنك بخير ،ولكن وين كنت؟
أبتسم لسؤالها وعدل جلسته : الليلة كنت أجهز للبرنامج ، وليلة البارح كانت زواج صاحبيَ وهاج
عقدت حواجبها بضيَق وهي تناظره بعتب : اللي زار مخيمنا مع أهله ؟ ليه ماقلت لي أحضر معك
عيب بحقي وأنا أعرفهم !
ناظرها بصدمة زود على صدماته اللي حضرها قبل لحظات وقال بإستنكار : كنتي بتحضرين لو قلت لك؟
هزت رأسها بإيجاب وهو رمش بغرابة ، يذكر كم الساعات الي أنتظرها لأجل تقتنع تروح معه للمخيم ، والحين هي الي تعرض عليه تروح للفرح ،وش صاير بدنياهم ؟
غلغل يدينه بأطراف دِقنه بريبة ولكنه قال بنبّرة كلها عذر : أعتذر والله ماخطر ببالي إنك بتجين
تنهدت وهزت رأسها بإيجاب وبعدها ربَتت على كتفه وهي تناظره بإبتسامة،ومن وقفت وكانت بتمشي لغرفتها رجعت تلتفت له وتقول : لا تنام دون تصلي الوتر
ألتفت لها وناظرها بخفوت : ما أنام دونها
أبتسمت له بهدوء وكملت خطاويها لغرفتها بينما هو رجع يعدل جلسته وهو يثبت وجهه على ركبته ،ويغمّض عيونه بتفكير عميق ،كيف سؤال عن حاله ، وإنتظار أمه له ممكن يخلق هالشعور الرهيّب اللي يعيشه هاللحظة ؟ ليه الطفل الي بقى متشفق لإهتمامها حظّر هاللحظة لدرجة إن خلاياه للآن تتراقص من فُرط سعادته؟
وش اللي حصل معها ، وش الي تغير ؟
شهد الليّل على إبتسامة تسللت من قلبه الرحب هاللحظة وإستقرت على ثُغره بعدما أيقن إن هالليّلة ليلة خير له

بالجانِب اللي يحتضن دفا جسَد البهُور ، كان مغمض عيُونه بشِدة وهو يجذب شعره الجاف من شدة تجرعه للتراب للخلف بإستياء ، الحين هي بفيّته دون ظلال غيره ، ولكن ليه يحس إنه مكبَل بهالظلال ؟ ومو قادر يقدم خطوة وحدة عشان يعدل اللي خربه بيدينه ؟
رفع رأسه وتأمل باب الغرفة اللي تضم جسدها
وبعد لحظات من التفكيّر الغائر اللي سرق منه مشاعر وألهمه مشاعر واللي زاده إضطراب وقل حيّل وحال ، بدأ يرمي كل السبَ اللي يعرفه على قلبه الي أنفجر بوقت خطأ ، بوقت كلَف هالبنية ليلتها وكلفها ثقتها فيه وحياتها !
ولكن وش بيده ؟ لامنّه من أقترب منها هالقُرب كله
إشتد لجام جروحه وأوجاعه بكل قوة لدرجة إنه في سبيل وجودها إنقطع من جذوره ، وإنتثرت كل هالأوجاع وأحترقت وصارت رماد ! خطوة منها بإتجاهه كلفته كل ذكرياته الموجعة ، وخطوة منه بإتجاهها كلفتها خيبة عميقة !
مسَح على أطراف ذِقنه المنسَق وهو يميّل شفايفه بخُفوت
مسَح على أطراف ذِقنه المنسَق وهو يميّل شفايفه بخُفوت ، همسّ لنفسه بصوت خاِفت وهو يتأمل عروة الباب اللي لامست كفوفها : لِك علي ماعاد أمسك بزِمام الأمور ، لك علي لتكون وجهتي كفوف يدينك !
أسبَل أهدابه وهو يغُمض عيونه للحظات بعدما تِسلل التعب لكل أجزاءه ، ليلتين ماذاق حلاوة النوم ولا إستلذ فيه ، ليلة قضاها يتقلب على جمر القبّر ، وليلة بقى حارِس على بابها لأجل يتطمن عليها
آرخى جسده على الكنبَة العريضة وهو يوجه سِهام عيونه بإتجاه البَاب ويناظره بهدوء ، ماكان عنده القدرة حتى على نزع هالبيَاض من على جلده
ولا حتى قدرة على إستشعار الألم اللي ينبض به عُنقه ولا الألم اللي تتجرعه كفوفه ، كان يحتاج الراحة والشفاء لقلبَه ، لقلبه وبس !


بَبيت فهد اللي الهُدوء يزور أركَانه معاني كانت جالسَة على الكرسي المتحرك ، بيدينها كوب الشاي المُعتاد واللي النعناع يتراقص بأريحية على أطرافه
وقدامها صحن البقلاوة اللي يصاحب كوب الشاي دايماً ، تناظِر من الشبَاك بلا وجهة لحتى أُجبرت على الإلتفات لجوالها اللي صدّحت نبرته بأرجاء المكان !
أخذت الجوال وهي تناظر للرقم الغريب بإستنكار
وألتفت وهي تناظر لخيَال اللي إستقرت بجسدها بجانبها بخفوت
بعدما ردت معاني وصلها صوت إمراءة يوضَح بنبراتها الغلاظة ردت بإرتياب : هلا والله من معي ؟
بعدها كانت ردود معاني مُقتصرة على " إيوة يا هلا كيف أخدمك ؟ إية فهمت عليك ، ياحياك ، تمام بنرد لكم خبر أكيد ، مع السلامة "
ميَلت شفايفها خيال بإستغراب لما قفلت معاني ووضح بتقاسيّم وجهها عدم الإرتياح فسألتها بفضول : علامك ؟ من هذي الي ردودك معها رسمية
معاني ناظرتها بخفوت وهي تترك كوب الشاي بهدوء على حدود الطاولة ، إستعدلت بجلستها وأسبَلت أهدابها وهي تنطق بإبتسامة : والله وكبـرت قرة العيّٰن وصارو يخطبونها
تغيرت ملامح خيال الهاديّة للتهجم والإرتياب الفضيَع اللي أجبر معاني تعقد حواجبها وتقول بإضطراب : علامك ؟ وكأنك سمعتي خبر وفاة مهب خبر تقدم شخص لك
خيال صدت عنها وهي تجمع كفوفها وتضغط عليها بإمتغاظ وبعد لحظات من الصمت قالت بضيق : تعرفين إن ماودي أتزوج بالطريقة ذي
إستنكرت معاني ردها وأبتسمت بسخرية للحظات ، وبعدها تلاشت إبتسامتها وإستعدلت بجلستها وهي تقول : ماودك ترجعين لأرض الواقع يابعد هالعيّٰن ؟ ما قلت لك هاللي تقرينه بالروايات بعيد كل البعد عن ضييَ عينك؟ اتركي الخيال لرواياتك
ولامنك صرتي بالواقع خليك منطقية
تأملت معاني تغضن جبيَن خيال اللي دل على إنزعجها من كلامها مع ذلك
أردفت وقالت بمنطقية : يا بعد هالعين خليك منطقية ولو شوي ، منتظرة رواياتك تتحقق ؟ منتظرة الغريب اللي بهالبيت المجهول الي تحكين عنه يتقدم لك ؟ ولا تعيشين معه قصة حب خارجة عن المألوف ؟ هالحكي كله ماهو إلا خزعبلات مافي منه بالواقع ، لازم تستعدين الرشَاد
تأفتت خيال بعدم إقتناع ، رغم إن حس ضرار إنقطع بعدما إقتربت خطاويها منه مع دجى
إلا إنها مازالت تكن له نفس المشاعر ، ماتغيرت حتى بعدما أكتشفت هويته وإتضحت لها شخصيته ، مازالت متأملة منه يبادلها نفس الشعور ومازالت موقنة إنها بتعيش أحداث هالرواية بحذافيرها ، أو هي متأملة تعيشها وتطلع من إطار واقعها الممل ، لذلك ماردت على معاني ووقفت بإنزعاج
ومعاني تنهدت وقالت بصوت عالي لأجل تسمعها : بعطي خبر لفهد يسأل عنه ، وإن كان رجل طيب وسمعته طيّبة حق عليك تفكرين وتعطين إجابة منطقية ، سمعتي ؟
ما ردت خيال وقفلت الباب بإمتغاظ ، ومعاني ناظرتها بضيَق وألتفت وهي تناظر لكاندي اللي جالسة قدام باب غرفة دُجى ليلتين كاملة ، مو راضية تتزحزح عنها شبَر واحد حتى بعد محاولاتهم
تنهدت بإضطراب وأبتسمت بتثاقُل وهي تتأمل باب غرفة فهد واللي ما يبعد كثير عن كاندي ، ليلتين وهو هادي وأطباعه الرحبة متغيرة ، زواج دُجى ولو إنه راضي عنه إلا إنه كلفه سكينته بهالبيت !

بحُدود مقهى بنيَان كان جالس ضِرار بإرتياب ويدينه تحت خده ويهز نفسه بتوتر ، الشايب أعطاه المخرج ليه يرجع ويفتح الباب من جديد ؟ ليه يدخل نفسه بدروب ماهي بدروبه ؟ وليه يدعس على قلبه ويمشي وكله لأجل كلمته والشيء للي ينقال عنه "رجولة"
جلس عنده بنيّان وهو يبتسم بخفة ويقول : وحيا الله عقيـدنا ، مبطّين عنك لك يومين مختفي
ولا مأخذ دور الشمالي ، اللي من أعرس وحسَه غايب
ضحك كايَد من سمع كلام بنيان وقال بضحكة خافتة : لا يغرك يالجنوبي ، حتى غُصن بنيته ماعاد درى عنها
لافي قرص فخذ كايّد بإنزعاج وهمس له : ماودك تنطم ؟ الحين يقولون أختي ساحرته
كتم ضحكته كايد بصعوبة وهو يرد عليه بنفس الهمس : هذا الحاصل وأنا الصادق
ناظره لافي بإمتغاظ وضرار كان متنرفز وبِشدة
وما أنتبه إلابيد لافي اللي ضربت كتفه بخفة : وين راح بالك؟
ناظره ضرار بحدة ونطق بصرامة : يدك بتنكسر إذا أنمدت من جديد
ناظره لافي بطرف عينه وهو يقول : أنت من صرت عقيد وأنت مسوي نفسك وهَاج النفسية إطلع من هالإطار يا دمعة بلا لمعة
ناظره ضرار بإمتغاظ ولافي ميل شفايفه : أقول مزاجك هذا تتقلب فيه على سريرك مو علينا طال عمرك
وديع اللي كان جالس جنب كايد أشر للافي يسكت لأن هالمرة أول مرة يضيق صدر ضرار ويّوضح هالضيق لهم!
زمّ لافي شفايفه وهو يكتف يدينه وناظر لبّنيان وهو يغير الموضوع : يالجنوبي ، برهان الليلة له بث ؟
هز رأسه بنيان بإيجاب وهو يوزع كأسات الشايي عليهم ويجلس بهدوء : كان بيطير عقله بس لإنه يومين ما نزل حلقة جديدة ، والحين شكله بيعاقب نفسه وماعاد بيبَث حلقات مسجلة أو إعادة أبد ، بعد ساعة بيَبدأ
وديع اللي كانت دقات قلبه مُضطربة ، ويناظر لضرار بترقُب فبعدما إتصل عليه وطلب منه يجي لمقهى بنيَان عشان يجتمع مع العيال إستشعر إن الخوف ينخرع أضلاعه
ومن بيَن سوالف العيال الكثيفة والضحكات العالية ، عّم الصمت أرجاء المكان لما قال ضِرار بنبَرة هادية : ملكتي الإسبوع الجايي
إلتفتو له بنظرات مُضطربة يحوفها الإستنكار الفضيع من دخوله للموضوع بالطريقة هذي
والي أجبرتهم كلهم يلتزمون الصمت ، وماهو من محتوى الخبر ، كثر ما كان إستغرابهم لطريقة بإعلانه ، ليه يبّث خبر ملكته بكل هاليأس والحزن ؟
غشاهم السكون ، وإستاحشت قلوبهم بسبب وجه ضرار المُفطرب إلا من لافي اللي أخذ الموضوع بسخرية مضحكة وقال بضحكة : دمعة بلا لمعة أنت مأخذ أسير الأحزان قدوتك ؟ ماصار له يومين متزوج وتبي تتزوج مثله
شكلكم مأخذين الزواج على إنه قفص ذهبي ، ترى مرده قفص ذهبي ولا فضي يعني أسيرين أنتو فيه
ضرب بنيّان رأس لافي بأصابعه وهو يناظره بضحكة بعدما غيّر هالة الضيّق اللي أحاطت بالمكان بمرحه وقال : تعرف تنطم أنت ؟ولا أعلمك كيف ؟
حك لافي رأسه بوجع وقال بإمتغاظ : غاب وهَاج وطلعو لي خلايفه
هز رأسه بنيّان بآسى وقال وهو يأشر على الفروة الي تعلو أكتاف لافي : والله مو منك من الفروة اللي لابسها بعز الحر
ميَل لافي شفايفه بإزدراء وقال وهو يثبت الفروة على كتوفه أكثر : والله إذا أنت متصالح مع جو الشمال فأنا لا ، الجو بارد وحتى غسل وجيهنا فيه صعبة ياعزتي من له وجهين بس كيف بيغسلها
كتم كايّد ضحكته بصعوبة مُتناسي تمام جملة ضرار بسبب لافي بينما وديع ثبت نظراته على أخوه وقال بهدوء : وش هالزواج المستعجل مانيَب فاهم ، وبعدين من هي بنته ؟ وليه بعد إسبوع بس وين أهلها اللي وافقو بهالسرعة ؟ ومتى لحقت تخطب بدوننا ؟ وليه هالعجلة كلها؟
لافي سكت للحظات وبلحظة وحدة تغيرت ملامحه للجدية وانتشرت الصدمة على وجهه وناظر لضرار بذهول : أخت محمد ؟
سكتو كلهم بإستغراب بسبب هجوم لافي وبسبب تعابير وجه ضرار اللي تغيرت وإضطربت
تنحنح لافي وأستدرك وضعه ورجع يجلس بهدوء ويقول بصوت خافت غُلف بشعور غريب : الله يبارك لكم
إستنكرو كلهم ردة فعله الغريبة واللي تفيرت تماماً من نطق إسم "محمد"
ضرار تنهد وسكت وهو يمسَح على وجهه بقلق قاتِم ، رغم إنه خطى هالخطوة بكامل رضاه ليه الحين عايش ببؤس ؟
ورغم إنه يعرف إن هالزواج مارح يكون مثل أي زواج طبيعي ومجرد دقة صدر وحميَة ليه هالضيَق مخيم على روحه ؟
وقف وهو يستأذن منهم وخرج من المقهى وهم يناظرونه بإستغراب
بينما كايد قال للافي بإستنكار : من محمد اللي تقصده؟
لافي ناظره بإضطراب ثم أبتسم بورطة وقال : صاحب ضرار ، قال لي مرة إنه كان يبي يخطبها بس محمد رفض والحين وافق عشان كذا إستغربت
وقف بنيَان وهو يناظر بإبتسامة لضرار : ومن يناسب عقيدنا ويحق له يرفض ؟سود الله وجههه بس
أبتسم لافي وقال : سود الله وجهه دبل هالكلب
ووديّع كان يراقب خطواته أخوه بإضطراب ، هالضيَق ماهو طبيعي ولكن وش بيده ؟
بينما ضرار إستقرت خطواته قدام البيت المهجور ودخل وهو يقفل الباب المهترئة أطرافه بإنزعاج
تقدم للصالة وهو مشغل فلاش جواله وجلس على الكنبّ وهو يسحب كرتون الشمع ويثبتها بعشوائية على الطاولة راقب إشتعال فتيل الشمع وتنهد وهو يثبَت ظهره على طرف الكنب ويتذكر موقفه مع أبومحمد بعدما ختم كلامه بالرفض
" إستعدل ضرار بجلسته وتهمكت قسمات وجهه بإنزعاج مُميت وهو يسمع أبو محمد يردف ويقول : قل لطلال لو حصل وجاب لهالبيت عريس خسيس من جديد والله لأوريه الويل
وبعد لحظات صمت دامت لفترة قصيَرة إلتفت أبو محمد بصدمة ل كلام ضرار اللي إستغاض وإمتلأ قهر بسبب كلام أبو محمد : أنا ضرار كنت خوي محمد بالسجن ، أنا الي بقيت معه ثلاث سنين أشهر معه وأشرف على أمورع وراحته بنفسي
وأنا هنا جايي أتقدم لأخته لأجل العشرة اللي بيننا
ماني رهن إشارة طلال وأشكاله ، لذلك يا عم أبو محمد الود ودي تقصَر الشر بكلامك ولا تعمنّي مع هالخسيسين أشباه طلال ، وتطيّيب نيتك عني لأني بكون صهرك بالأيام الجاية
عقد أبو محمد حواجبه بإستنكار وضرار أبتسم له بهدوء عكس براكين النار اللي شبّت من ضلوعه حطب واللي أجبرته يحكي حكي ما وده فيه ،ولكن كلام أبو محمد هز أركان هز وأجبره يطلع من إطار الهدوء ، لأن هالحكي خدشّ كبرياءه ، وضرار كان مستعد يعيش باقي أيامه بدون هاللي يسمونه حب ، ولكن لو ينخدش طرف من كبرياءه ما بيقدر يعدي يوم واحد بحياته : إسمعني أنا رجل له برأسه عقل يفكر فيه ويعرف به المنطق السليم ، مانيب بغبي ولا بنص عقل لأجل يجبرني رجل غريب أتزوج بنيتك،جيتك بكامل إرداتي وصحيح المرة الأولى حصلت بعض الأمور الشيَنة ،ولكن هالمرة مامن خوف هالمرة جاي بالطريقة الصح
والمنطق الصح
"أنت رجل أخلاق ورجل ديّن مانيب مستخف بعقلك ولا رح أتزوج بنتك لأجل الي تفكر فيه"
أكمل بغصّة أخفاها بنبرة صوته الغليظة : أنا جايك أكمل نص ديني وجاي أخذ بنتك على سنة الله ورسوله ومستعد أعيَشها بباللراحة اللي تتمناها ،لأجل كذا ياعم إقطع الخرج اللي تقوله لأنه ماهو بحكي ينقال لرجل مثلي "
سكت أبو محمد وحك طرف حاجبه بإحراج بسبب كلام ضِرار واللي أردف وقال : وإن كأنك تظنني لعوب وكذاب فأنا ميثاقي إن ملكتي منها بتكون الإسبوع الجاي ، لك شور ثاني ؟
نزل عيونه أبو محمد للأرض وهو يفرك يدينه بتوتر وبعدها هز رأسه بإيجاب ، لأن كلام بعد كلام ضرار ما ينقال ، وأصلاً ماله وجه يتكلم
لأنه قلَل من قدره وإستنزف رجولته وحميّته وهو يقول إنه صبي ل طلال لذلك إكتفى بهالرد
بيَنما ضرار كتم تنهيدته بصعوبة بالغة ، وعيونه تراقب الظِل اللي يحوف باب المجلس الصِغير إستتشعر الضيق يزيد بصدره ويرتبط أكثر وأكثر فيه غمض عيونه بحسَرة على مشاعره اللي رماها بأقصى قاع وعبر من عليها ولا كأنها وجدت ، وهذا كله بسبيل دمعة بنت أستفزعت فيه وبارته برجولته ولأجل شايّب ماله حيل قلل من قدره ، إستهلك نفسه بهالزواج في سبيل الحِمية اللي يحكون عنها "
رجع للواقع وهو يتأمل الكتاب اليي على مستقر على أطراف الطاولة ، ثبّت يدينه تحت دقنه وهو يستشعر نفسه الحار اللي زفره من صدره ويتمتم بمُنى : لعل بقلبها يبقى لها مكان ، ولعل الدرب بينتهي فيها ، حتى لو تلاحمت أغصاني بأغصان أحد غيرها ، لعل بيوم جذورنا ترتبط من العمق سوى ، يارب بس !

لابد يا سود الليالي يضحك حجاجكWhere stories live. Discover now