لا يوجد هنالك جريمة كاملة ، ولا حدثا ناقصا ، فالأحداث وإن بدت عشوائية لا تحمل معنى ما إلا أنها منطقيّة بالضرورة ، لأن كل شيء في هذه الحياة يحدث لسبب ما ، كحجر قلادة غادرها لينتظر تحت كرسي العربة يد جولي حتى تلتقطه ، وتكشف مؤامرة اختطاف صديقتها ..
تنتظر جولي بفارغ الصبر من الصباح الباكر وصول مارجريت للمشغل ، تحمل بين راحتيها الحجر وكأنه قطعة من الأمل الخالص الذي لا يقدر بثمن إلا رؤية عيني صديقتها ثانيةً ..
ولكن ما لم تتوقعه هو أن ترى جاك قادم إليها من بعيد في هذا الوقت المبكّر ، وما إن قارب على الوصول حتى ابتسم لرؤيتها ، ولكنها لاحظت أن ابتسامته كانت حزينة بعض الشيء ، ولم تعتد أن تراه خارج عمله ، فأثار ذلك فضولها ولكنها انتظرت أن يتكلّم هو في البداية وإلا لم قد يقصد المشغل في هذا الوقت دون العربة والخادمات ؟! ، وعندما اقترب اتكأ بظهره على الجدار أولا ثم ألقى التحيّة :
" صباح الخير يا ذات الرداء الأحمر "
استبغ وجهها بذات لون الرداء :
" صباح الخير ، كيف حالك ؟ "
" لا أعرف ، إنني بخير في هذه اللحظة فقط ، لربما لأنني أحادثك "
صمتا طويلا وعيني جولي تقلّبان الأرض والنمل وحبات الحصى ، حتى قررت سؤاله :
" في هذا الوقت يجب أن تكون بعملك ! "
" لقد طردتني تلك المتعجرفة من العمل "
" روز ؟ "
" وصديقتها "
" ماري ، وما دخلها بك ؟ "
فقال ببعض التلميح والسخرية :
" لا بد أنها تعشقني وشعرت بالغيرة منكِ "
إلا أن جولي أخذت الكلام على محمل الجد :
" هل لأنني ركبت العربة !؟ ، لقد لاحظت وجه ماري عندها ، على كل حال أنا مدينة لك باعتذار ، لقد طُردت من عملك بسببي "
" أوه جولي ، لا تعتذري ، هذا أفضل لي من أن أستمع كل يوم لصوت الصراخ ذاك "
" هل تقصد فتاة الأوبرا ؟! "
ثم ضحكت ، ولكنه فاجأها وغيّر قسمات وجهها عندما قال :
" بل أظنّها فتاة القطط ! "
نظرت إليه بتعجّب ، وكانت مارجريت على مرأى من كليهما ، فنظرت إليه جولي وقالت له بعد أن أخذت نفسا عميقا لتفعل ذلك :
" هل يمكنك أن تقول هذا لسيّدتي مارجريت "
" بالطبع سأفعل أي شيء لأجلك ، لم تبدين دائما مترددة وخائفة !؟ ،خذي نفسا عميقا عزيزتي "
وعندما وصلت مارجريت نظرت إليهما ، فأيقنت أن جولي توصّلت لشيء ما ..
وما إن تحدثت إليهما وشاهدت حجر مارلين ، حتى أقفلت المشغل وأجّلت العمل ، وتحركوا جميعا للمنارة حيث العم بارتو الذي لم ينقطع عن كتبه ومخطوطاته ، جلسوا جميعا ، وأخرج بارتولوميو مخطط القصر ، واتفق الجميع على وضع خطة لإنقاذ مارلين ..
يملك بارتو ومارجريت مخطط القصر بينما يملك جاك دليل وجود أحد ما وتملك جولي دليل الاختطاف ، ولكن جوليان الرجل الذي انضم لفيليب يملك القصة كاملة ، لقد باحت زوجة العمدة لزوجها بكل شيء بعد أن عادا لمنزلهما إثر نقاش حاد ، وكان قد لازم الحراسة أسفل نافذة غرفتهما ، ولكن الرجل لم يستطع المغادرة بهذه السرعة لإخبار فيليب بالأمر ..
أما ماري فقد استطاعت التسلل لقصر والدي روز المغلق بسبب نقل روز لجميع الخدم لقصرها والبحث بين الغرف كما تشاء ، فاستطاعت أن تمتلك ختم مارتن والد روز ، الذي يستخدمه ليثبت ملكيّته على الأوراق الرسمية ، وهذا قد يعادل كل ما أخذته من روز إلى الآن ، كانت تتسلل كلما سنحت لها الفرصة ، وتجهّز أوراقا وصفقات بيع وهميّة باسم روز ، توضح فيها أن روز باعت تلك الأرض أو ذلك المتجر ، وتجعل من المشتري اسما وهميا ، ثم تبرم عقودا بين المشترين الوهميين وبينها ، وتخبئ تلك العقود لديها حتى تثبت بهم ملكيّتها إن تطلّب الأمر ، وبذلك نقلت إليها ما تريده من أملاك دون تورّط اسمها عند عائلة مارتن ، وكان ذلك أكبر انتقام فعلته ماري بحق عائلة مارتن ولكنها لم تكتفِ بذلك ، بل إنها قد أقنعت روز بزيادة عدد حرّاس قصرها معللة ذلك بوجود مارلين في البداية ولكنها بدأت تزرع أفكارا في رأسها حول ضرورة أن تكون هي سيّدة كديميس ، وأن تكون الملكة ، ثم تزرع أفكارا أخرى تزعزع كل ذلك لتفكك علاقتها بوالديها ، فتخبرها بأنهما لن يسمحا لها بفعل ذلك ، لتجعل من والديها أعداء لها ، وروز كالدمية تتحرك كما تريد ماري ، فتزيد أعداد الحرّاس وتتصرف كما تريد دون أن تكترث بأحد ..
ولكن لدى ماري أمر آخر عليها القيام به ، عليها أن تنتقم من جولي لسرقتها جاك منها ، بل إنها تفكر بالانتقام من جاك ، لم تكتفِ بجعل روز تطرده من عمله بالرغم من أنها جلبته من مكان بعيد ، تريده أن يشعر بالألم أكثر..
ليس بالطبع كالألم من ذلك الرمح الذي اخترق جسد لوتش ، شعر بالوهن ولكنه لم يستسلم ، نزع الرمح مستغلا ردع تانيا لهم ، وشاركها القتال ، كانت تانيا تذود عنه دون أن تنتبه إلى أنه قد أصيب ولم يشعرها هو بإصابته ..
أما الملك توما فلمح ابتعاد آرتيس تحت الماء ، فغطس ورائها ورماها برمح غرز في ذيلها ، ولكن جبر رمى بنفسه عليه وضربه بقبضة يده ، ويرمي بصولجانه بعيدا ، ليصرخ فيه وهو يوجه له لكمة :
"تحسبني جبانا كوالدك "
" لا تذكر والدي بسوء يا ذا القشور "
" والدي ووالدك قرابين للبحر يا ابن العم ، ولكن والدي كان سببا لقيام ممالك البحر هذه ، وماذا فعل والدك ، هرب كي لا يُقدّم للبحر " *
" والدي أنجبني كي أدمّر ما بناه والدك ، كي أُنهي مهزلة القرابين "
" بحّار فاشل يريد أن ينهي مملكتي ! ، ستركع يا ذا القدمين "
" والدك امتلك قدمين "
" لا تحاول أيها الأوتغارتيّ أن تتشبه بسيّدك من اليوتنهايم ، السيّادة لنا وأنتم خدم جبناء ، ولن يسرق خادم مني قرباني "
ثم انطلق بعد هذا الجدال والقتال خلف آرتيس يريد انتزاع آريس منها ، فتبعه جبر محاولا مجاراته بسرعة سباحته ، وهو يصرخ بغضب :
" أيّها المتعجرف ، لن تنجو مني "
انتبه لوتش لوالده يتعقّب آرتيس المصابة ، وقد كانت تسبح بصعوبة ، تنزف ببقعة من الدماء تنتشر حولها بالماء وفي يديها آريس ، تقترب من أحد الممرات المائية في أسفل الارتفاع الصخري لتعبره ، فترك تانيا ونزل ليواجه والده ويمنعه من اللحاق بآريس ، وجبر أعاقه بطئ سباحته ، فصرخ بوالده :
" لا تظن أنك ستعبر "
" لوتش أنا والدك ، أريد إنقاذ عروسك من أن يختطفها ذلك البشريّ ، إنها أميرة تشرا "
" وماذا عن أوامرك بقتلي ؟ "
"أنا آمر بقتلك ؟!، أنا والدك يا صغيري ! "
بدى على لوتش اللين عندما رأى ملامح والده الحنونة ، ولكن تانيا صرخت في رأسه :
" لوتش لا تصدقه "
ثم رمت بإحدى الحِراب نحو توما الذي فقد أعصابه بسرعة ، وصرخ بابنه :
" ابتعد عن طريقي أيها القذر العاصي "
ولكن لوتش لم يفعل ، بل اشتبك معه في قتال عنيف ، ولكن الأسوأ هو لحاق حرّاس الملك بآرتيس ، حتى أن أحدهم انتزع منها آريس عائدا بها ، ولكن فجأة اختفى لتطفو وحيدة قبل أن تمسكها يد تسو ! ، كالعادة تتدخل تسو ومائيات الماوا في الوقت المناسب لتحمل إحداهن آرتيس وابنتها آريس ، ولتدافع الأخريات عنهما من الجنود وهن يحاولن الانسحاب نحو النفق الذي تتفحصه في الجانب الآخر عين دنوا الكبيرة بقلق ..
وأخيرا شعر لوتش إثر إصابته بالإرهاق ، حتى أنه ما عاد يستطيع سماع الأصوات ، أو تمييز الصور ففقد وعيه ، كاد أن يقضي الملك عليه ولكن جبرا كان قد وصل بكامل غضبه ، ليضرب توما من الخلف فيستدير متألّماً ويكمل عراكه ..
ابتعدت تانيا سابحة للوراء لتحصل على مساحة من الوقت تتفقد فيها لوتش ، وإذا به يبتعد جريحا نحو العمق مغمض العينين ، ظنّت أنه قد قضى، فنسيت قتالها واتجهت إليه ، ولكن الحرس لحقوا بها وضربها أحدهم بسيفه من الخلف ، لولا أن إفان ظهر فجأة وتصدى له ..
ذهل الجنود لرؤية إفان فهو القائد بعد تانيا ، أمرهم بالابتعاد فاستمعوا لكلامه ، وتركوا تانيا تذهب للوتش وتركوا مائيات الماوا تنقذ آريس ووالدتها ..
صرخ توما بغضب وانفعال بإفان :
" ماذا تفعل ؟ ، كيف تصدر الأوامر من تلقاء نفسك ؟"
" لقد قررنا نحن عرق " الهيدار " أن نعزلك عن الحكم بسبب جرائمك ، وتنصيب ابنك لوتش "
فجن جنون توما ، وبدا عليه التعب فالقمر الأحمر المخمور غادر المنصّة بحركة تلاشٍ فجائية ، وبدت مغادرته سريعة ، فصرخ بإنهاك :
" لا أحد يحق له عزلي ،لا عرق الهيدار* ولا الميتسابا* ، ولا الكرودايا* أيّها الخائن "
وما إن أنهى عبارته حتى ظهر كل رؤوس الأعراق ورجالهم الكبار من ضباب البحر خلف إفان ، بينما صعد جبر للسطح ليتنفس بعض الهواء فظهرت التنانين التي تملأ السماء فرأياه بينيت وجلير ، ونزلا إليه بتنّينهما ، فصرخ بينيت بسعادة :
" ها قد وجدناك "
كان الملك يستشيط غضبا ، فنظر إلى جبر في الأعلى ، قائلا :
" ذلك البحّار القذر هو السبب ، سأقطعك وأطعمك وجبة شهيّة لأسماك البحر "
وبينما جبر يستعد للغطس يتفاجأ بمباغتة توما له من الخلف محاولا خنقه ، ولكنه أمسك برأس توما خلفه وضغط على عينيه بإبهاميه ففقأهما ، فصرخ توما بألم ، وأصبح يصرخ في رؤوس الجميع ذلك الصراخ المزعج القوي ، ويلتف سابحا في كل مكان بقوة وعلى غير هدى ، حتى انغمس دون علمه بجذور القاع ، التي حصلت على وجبة أخيرة لها قبل انحسارها ، اعتصرته حتى سُمع صوت طقطقة عظامه ، وانتشار دمائه كبقعة حوله ، وهكذا انتهت أسطورة الملك توما بموته وإنقاذ آخر قرابينه..
بينما أطلق دنوا صوتاً سعيداً باستعادته أريس ، تناهى لمسامع الجميع حتى الأفق وكأنه بصوته أعلن النهاية ..
ــــــــــــــــــ
*يقصد توما بوالده ، الإنسان الأول وليس والده حقيقة
*الهيدرا : وهم أرقى عرق في تشرا وهم موالون لتوما الملك وإفان منهم
*الميتسابا و*الكرودايا : هما عرقين معارضين للملك ، وأغلب حروبه معهم ، يقطنون بعيدا عن تشرا ، الميتسابا يتميّزون بلون زعانفهم الجوري المخملي كالدم وأحيانا لون شعرهم ك تانيا ، بينما الكوردايا لون أطرافهم وشعرهم تشمل تدرجات الأزرق كلوتش ..
ولم يكن ظهورهم ممكنا في تشرا لولا استعانة إفان بهم ..
يتـــــــــــــــبع
آراؤكم الجميلة👼 وتصويتكم💛