📎جبر مغوار البحر

2.3K 157 28
                                    

مرة أخرى يصارع جبر تلك الأمواج العاتية وحده بتلك السفينة التي صنعها بنفسه، ترتطم الأمواج التي تصنعها ذيول الحيتان بقوة لتتبدد على هيكل السفينة الخارجي، صممها جبر لتمتص قوة الموجة التي تواجهها، ألواح من الخشب المثقوب كالغربال تعلو ألواح السفينة العادية، ترتفع عليها منصة القيادة، حبال الأشرعة الغليظة جميعها تمتد لتجتمع في عدة بكرات قوية بجانب الدفة فهو يبحر دون طاقم يساعده في الإبحار والتحكم بأشرعة السفينه ، يتطلب تحريك الدفة جهد رجلين بكل قوتهما، يتوسطهما مدفع يستخدم لإطلاق الشباك، يقف جبر بكل بساطة وبيديه العريضتين يمسك الدفة بيد، ويتحكم بحبال الأشرعة بمقابض البكرات باليد الأخرى ، وتمتد أمامه قاعدة من نحاس لتحمل منظاره اللذي يراقب به البحر ، ترتكز على طاولة خشبية قريبة بحيث يسهل عليه قراءة البوصلة المثبتة عليها، واستخدام الإسطرلاب المخبأ في درج أسفلها، رجل في الثاني والثلاثين من عمره متسع العينين جميل الوجه، ذا لحية كثيفة، ضخم الجثة، دائما ما يحتاج لمن يخيط له ملابسا بحجمه وحتى حذاءا يتناسب وحجم قدميه..
يركب البحر في كل مرة خلف هذه الحيتان، ولكنه لم يكن ليقصد الحيتان في رحلته هذه وفي جميع رحلاتهالسابقة ، بل ما تحميه هذه الحيتان وتدافع عنه، إنها ما يلاحقها منذ أكثر من 15 عاما ،
جميع البحارة يأسوا من محاولات الإمساك بها فتراجعوا منذ زمن بعيد ..

ما عدا جبر، لقد أصبحت شغفه الوحيد وهدفه في كل رحلة أن يمسك بها إنها "آريس" هكذا كان أهل البلدة ينادونها، حورية بيضاء، بشرتها تلمع كالمعدن الطري، شعرها الأبيض يلمع كقماش الساتان بكل ألوان الطيف وذيلها أبيض كالثلج تعلوه زعانف شفافة يتكسر عليه الضوء ليصنع مزيجا من ألوان الطيف ناهيك عن عينيها بلونهما المميز الذهبي، إذا اتكأت على صخرة، تظنها صورة الهلال على البحر، تتحكم بحيوانات البحر عندما تصدر ذلك الصوت من حنجرتها الشبيه بأصوات الحيتان في البحر، أو حتى صوت الناي، صوت مرتفع وعميق يشبه الصدى، سحر تجمع في حنجرتها، لا تتقن الكلام، ولكنها تسحر الجميع بغنائها ..
وبخاصة جبر، حتى أصبحت هي نفسها تشعر بالملل في ذلك اليوم الذي يغيب عن مطاردتها، فتقترب من الشاطئ قليلا وتغني لتعطيه بصيصا من الأمل، ليخرج إليها من جديد، فتنادي الحيتان والدلافين لحمايتها وتبدأ بالقفز تارة والإختباء تارة أخرى خلف الحيتان وتدور حول السفينة، أصبح جبر لا يعرف ماذا يفعل إنها تستهلك طاقته فقط، وعندما تتعب من اللعب، تقوم بإغاظته فتأمر الدلافين حتى تقوم برش الماء عليه، فتضحك منه وتذهب في عمق البحر..
حتى كاد اليأس أن يصيبه في كثير من الأحيان، ولكن صورة ابتسامتها في رأسه لا تغيب أبدا، بل هي التي تدفعه للإبحار مرة بعد مرة..

وفي أوائل الشتاء كان الإبحار ليصبح نوعا من الانتحار، فتوقف جبر عن مطاردتها فقد كان شتاءً باردا جدا ورياحه الأكثر قوة، فقرر جبر التوقف عن الإبحار فركن السفينة على جانب الشاطئ القريب من كوخه المرتفع عنه قليلا، وثبت حبل المرساة جيدا في الحلقة الحديدية الغليظة ،
وفي كل يوم كانت آريس تتفقد السفينة فتجدها ما زالت مركونة على الشاطئ، تغني قليلا فلا تفلح في تحريكها ولا ترى جبرا، استمرت هذه الحال قرابة شهر ونصف، يسمعها جبر ولكنه يدرك أنها تلهو به وأن مطاردتها ستكون خطرة في هذا الشتاء، ومع مرور الوقت أصبح غناؤها يميل ليكون كنغمة حزينة..
تحرك شوق جبر إليها ولكن بيأس وخيبة أمل في إمساكها..

يتــــــــــبع

تصويتكم 💛 وآرائكم 😊

آريس الحورية الهاربةWhere stories live. Discover now