خطّة

774 67 22
                                    

اقترح العم جوسيا على صديقه بارتولوميو أخذ قسطٍ من الراحة  ، والتوجّه لبيت صديقهما القديم فيليب ، ليجتمعوا سويا لأول مرة منذ زمن بعيد ، فأعلما الجدة بذلك حتى لا تتكبد عناء الصعود للمنارة  لأجلهما ..

كان بيت صديقهما فيليب قد بدأ يتحوّل لبيت مهجور ، نمت الكثير من النباتات الضارة والأشواك على مدخله وفي الساحة الخلفية له ، وماتت النباتات والورود اللتي تحتاج لرعاية ، بعض النوافذ مفتوحة وتتطاير ستائرها لخارج البيت ، كان بيتا مهملا ، أو هكذا أصبح عندما غابت عنه سيّدته، أما الحيوانات فقد كانت الجدة تطعمهم وتخرج رأفة منها عليهم ..

طرق جوسيا الباب عدّة مرات،  فلم يفتح أحد، فهمّ بالرجوع مع صديقه ، فقد يكون قد خرج من المنزل كما اعتقدا، ولكنّ الجدّة كانت قد لحقتهما ، وطلبت منهما الدخول وعدم المغادرة فصديقهما بالداخل ، فهي على معرفة بكل شيء في هذه المدينة، تردد جوسيا قليلا ولكنه امتثل لأمر الجدة ، وقام الإثنان بمحاولة كسر الباب ، ولكنه كان مفتوحا ، فدخلا دون عناء، وهمّا بالبحث عن صديقهما فيليب ذي الرقعة ، ولكنّ صوت أزيز كرسيّ خشبي قادهما إليه بسرعة..

كان يجلس في الطابق العلوي على كرسي زوجته الهزاز ، اللذي كانت تحيك عليه ملابسهم الصوفية ، ويتمايل به للأمام وللخلف ، يغطي وجهه لحية طويلة مهملة ، تتجمد في عينه دمعه يتيمة ، يتناثر الغبار حوله ، ذلك البيت الحيوي قد أصبح كالمقبرة الآن ، لا شيء غير الحزن والأتربة ، وبقايا خيالات في عينيه يتذكر بها الماضي ، وبعض الضعف حاول تغطيته فيما تبقى من ذلك الدخان المحترق في غليونه ، ينفثه ويوجّه لهم الكلام دون أن ينظر إليهم :-

  "كنت زوجا سيئا ، هل تعلمون كم كنت أغيظها دائما بجمال حوريات البحر ، ولكنها كانت دائما ما تشير لعيني المغطاه ،لتضحك مني ، لقد علمت بعدما ذهبت أنها حوريتي اللتي منحت لي دائما ، وكنت مقصّرا معها ، إنها الأجمل على الإطلاق ، كانت تجلس على هذا الكرسي مطولا ، تغزل الصوف وتطلق النكات المضحكة ، كيف تذهب هكذا دونما وداع حتى؟! "

ثنى العم جوسيا جذعه حتى أصبح وجهه بمقابل وجه فيليب ، وعينيه تقابل عينه ، وفيهما من الشدّة والغضب ، ما يجعل فيليب يستفيق من تخيلاته وبعض أحزانه ، فقال له جوسيا وهو يزيح الغليون عن فم فيليب بظهر يده ويوقعه أرضا :

"  وهل ستترك ابنتك للمصير اللذي ذهبت إليه زوجتك لتنعش أحزانك البائسة أكثر ؟"

لم يفهم فيليب الموضوع ، فقاطعته الجدة اللتي كانت تقف على الباب من الخارج تستمع لحديثهم قائلة :

" ابنتك ، ابنتك يا فيليب ، تواجه الموت كل يوم ،تحت تعذيب زوجها وأمه "

ثمّ أدارت ظهرها لتنزل ،وأردفت :

" لا تتصرف برعونة فتجمع البحّارة بأسلحتهم وعصيّهم كعادتك ،ثم تقوم بالهجوم على بيت العمدة ، لتقوم بتضخيم المشكلة أكثر ، كن أكثر حكمة يا بني ، كن أكثر حكمة !  "

آريس الحورية الهاربةWhere stories live. Discover now