رحلة العودة 2

425 45 8
                                    

الفراق كلمة قد لا تعني دائمًا قصدها من الحرمان، بل لو جلنا فيها قليلا لرأينا في الفراق رحلة جديدة وقصّة جديدة وأناسًا جددًا، بالرغم من مغامرة الابتعاد عن الوطن إلّا أن اكتشاف الأشياء الجديدة تستحق تلك المغامرة..

وهكذا يستعد جبر وبينيت بسفينته الخشبيّة، وأسطول سكّان أرض الجحيم الأوتغارت لرحلة العودة، بعد أن غادر جميع سكّانها لأول مرة خارجها نحو الحريّة، بنسائهم وأبنائهم وحتى حيواناتهم وما استطاعوا حمله، للبحث عن يوتنهايم، وسط حشد غفير لجميع فصائل الحور ، يتجمهرون عند آخر مدينة قرب تيّارات وممرات طريق العودة وهي مدينة  موزيريس ، يتقدّمهم لوتش وتانيا وآرتيس وإفان وحور تشرا والموزيريسيين ، وبينما تتحرّك السفن مغادرة تتمسّك تسو بآريس بقوّة وتجهش بالبكاء ، بينما تحتضنها هي وتربّت على دنوا سابحة بجانب عينه الضخمة ، وهو يطلق صوتًا حزينًا وكأنه يستجديها عدم تركه والذهاب ، ولكنها في النهاية ودّعتهم وودّعت والدتها، ولحقت بالسفن سابحة نحوهم ..

كانت مائيات الماوا قد استاءت بعدما رأت تسو حزينة لوداعها آريس فاقتربت نحوها لمواساتها ، وهكذا انطلقت الرحلة نحو الوطن ، فبالرغم من أن بحر الحور الصافي هادئ ومسالم ، فعلى الناحيّة الأخرى من عالم البشر سيبدأ شتاء قارص ، ذلك الشتاء الذي غادره جبر من بدايته قبل أربعة أعوام ليلحق بآريس، حيث ابتلعت الأمواج سفينته وأعادتها للشاطئ الصغير بجوار منزله، والآن سيصارع تلك الأمواج مرة أخرى ليعود بحوريّته لوطنه ومدينته  ..

يتنهّد بينيت وهو ينظر لابتعاد ذلك البرج الاسفنجي المتحجّر وسط موزيريس قائلا لجبر بسخرية :

" سأشتاق لسجني !" ثم أطلق ضحكة استهزاء وعاود النظر إليه بالمنظار ، فقال له جبر :

" يشتاق الرجل لمكان عزلته عندما يفقد الناس ! "

فسرح بينيت قليلا ثم ابتلع دموعه قائلا :

" عندما تغادر موطنك، وتمرّ بك السنين لتصبح عجوزًا طاعنا في السن ، فلا يمكنك أن تتوقع أن الجميع سيبقون على قيد الحياة، ذلك السجن أبقاني حيًا ولكنه سيبقيني وحيدًا أيضًا بقيّة حياتي ، سيبقى في داخلي إلى الأبد "

ربّت جبر على كتفيه مخففا عنه :

" لا بد أن تقابل الكثيرين ممن تعرفهم ، فلا يموت الناس دفعة واحدة حتى بالحرب"

ففاجأه بينيت بسؤال :

" وهل ستكون فيوليت بعد تلك السنوات على قيد الحياة ؟ "

" من هي فيوليت! ؟ "

" زوجتي !"

ليسود صمتٌ بينهما بعدما عجز جبر عن مواساته هذه المرة، ثم عاود بينيت النظر بالمنظار والتلويح متظاهرًا بالسعادة بالرحيل..

وفجأة اقتحم صوت آريس رأس جبر قائلة :

" بو، هل أخفتك !؟"

ليبحث عنها في البحر ، وهي تشاهده وتضحك :

آريس الحورية الهاربةWhere stories live. Discover now