بداية جديدة 2

315 51 6
                                    

الأحلام في عقولنا صاخبة ومستحيلة، ولكنها على أرض الواقع هادئة منطقية تأتي بهدوء أكبر  وسلاسة

تدخل مارلين كوخ جبر تحمل بيديها إيديليا بينما يواصل جبر نقل أغراضها وحقائبها إلى كوخه..

أخذت تتفقّد الأغراض وبخاصة تلك التي تركتها آريس وصولجان جبر وبدلته الحربية بعد أن غفت إيديليا لتضعها على سرير صغير كان جبر قد حضّره لها أثناء اعتناء مارجريت بها، فقادتها يدها لتلك الكرات اللتي تغيّر الألوان الخاصة بآريس، ضغطت على إحداها لتعتصر منه لونها الأرجوانيّ، فيبدأ هذا اللون بسبغ شعرها وعينيها وأطرافها ، رأت مارلين انعكاس وجهها على النافذة لتصرخ فزعة، سمعها جبر وهب إليها راكضا، ولكنه عندما رآها أخذ بالضحك وقد علم أنها كانت تعبث بأغراض آريس، وتناول كرة خضراء واعتصرها حتى صبغت لونه بلون أخضر، قائلا لها :

"انظري، لا بأس في ذلك، سيعود كل شيء على طبيعته بعد عدة ساعات من الآن"

كان صوتهما وألوانهما صاخبا لدرجة كافية بأن تجعل إيديليا تصحو وتضحك منهما، فحملتها مارلين واستمرّت بمداعبتها، نظر إليها جبر قائلا :

"طفلة تربي طفلة!"

"هيه!، لست طفلة"

"ولمن هذه السفن الورقية؟! "

" يا إلهي هذه سفني اللتي كنت أطلقها في البحر، كيف حصلت عليها؟!"

"آريس كانت تجمعها من البحر"

"وها هي تعود إلي!"

"وربانها عاد إليكِ أيضا، لقد قرأت الرسائل التي كنتِ ترفقينها مع السفن، عاد إليكِ رغماً عنكِ"

" ماذا تقصد، برغمًا عني ؟!"

" ما رأيكِ بتلك المسرحية التي قمت بها منذ قليل؟! "

" ماذا؟!، هل كان كل ذلك تمثيلا؟! "

" نعم، لقد أخطأت بأمر ما وأردت إصلاحه"

" وما هو هذا الأمر؟ "

" تذكّرت جوسيا منذ زمن بعيد كان يقول للرجال الذين يطلبون نصيحته، أن المرأة تهوى الرفض، لذلك إن أردتها أطلبها على الملأ "

" كنت تقوم بإحراجي عمدا إذا؟ "

" ونجحت الخطة، أليس كذلك؟ ، لقد سعيت إليكِ بكل ما أوتيت من حيلة، فأنتِ شيء ثمين يستحق السعي لأجله "

" لم تقطع البحور السبع لأجلي مثلا، كان موقفا واحدا لا يُذكر بالنسبة إليك"

تنهّد جبر بحزن بدا عليه، ثم قال لها :

" صدقيني صغيرتي مارلين، الأمر بما ينتهي إليه فقط، البداية عمياء، والطريق يبني الخبرة أما ما يبقى معك في النهاية فهو ما يستحق الحفاظ عليه فعلا"

لم تدرك مارلين أن داخلها المتمزّق يمكنه أن يترمم هكذا من جديد، عندما أدركت ربما أنها مهمة عند أحد ما، أمّا جبر فقد أيقن مع الوقت أن آريس كانت توقد شغفه للمغامرة وبفضلها تعرّف على أهله بعدما كان يظن أنه مجرّد صانع سفن، بينما كانت مارلين روحه وحديث نفسه وخباياها، يستطيع أن يضع كل ما تهفو إليه أفكاره بين يديها لتعقّب عليها بكلمات تملأوها الطمأنينة والسكينة، كانت الهدوء الذي يبحث عنه بعد كل تلك المغامرات اللتي خاضها، لينمو حبها في قلبه زهرة زهرة..

كان باتريك كل ذلك الوقت الذي مضى يحاول جاهدا أن يدير إرث أبيه الذي عاد إليه من عائلة مارتن، وبالرغم من أن أخته ماري إلا أنه كان مختلفا عنها بطيبة قلبه، فقد حوّل قصور عائلة مارتن وبيوتها الفارغة لملجأ لؤلئك الذين لجأوا لكديميس، وبذلك لم يبقى مشرّد واحد في الأزقّة، بل وأعاد تأهيل كل شبر للزراعة خلف المدينة قبل الحاجز الذي فرضه جيش هوجا على المدينة، وبذلك خدم الكثير من العوائل بفرص العمل تلك، إلا أن حداثة سنه وحجمه الصغير جعل الكثير من العمّال والرجال لا يطعونه بالقدر الذي يريده منهم ليتم أعماله، وبذلك لجأ إلى جبر وأوكل إليه إدارة كل أعماله، وأصبح بيت جبر يضج بالناس الذين يلجأون إليه على الدوام لينهي خلافاتهم أو ليوكل إليهم المهام، فعمد إلى الاستعانة بجيفرسون ليبني له بيتا أكبر يقع خلف كوخه ويلتصق به، ويكفي ليستقبل عددا أكبر من الناس..

وبسبب انتعاش المدينة من جديد، وافق العم فيليب على إبقاء دار الأوبرا تحت إدارة روز مارتن وزوجها داني، على أن تشمل أيضا عروضا مسرحية، حتى تستعين بقدر أكبر من الأشخاص وتسمح لقدر أكبر منهم بالعمل..

أمّا بارتولوميو فقد أخفى جميع مخطوطاته وكتبه والكتاب الأزرق على وجه الخصوص في بيت جبر، بعدما لاحظ مجموعة من الأشخاص يظهرون من البحر، ويتجهون للمغارة التي وجد بها كل تلك المخطوطات أوّل مرة، وكأنهم يعلمون ما بها ، وأخبر جبرا بالسر الذي يتنبأ بكونه ملك اليوتنهايم وقائد الجيش العظيم للمعركة القادمة وأن الأمر لم ينتهي بعد..

أما ماري فقد استغلّت عبث العاملات باستغراب بعلبة السم اللتي وضعتها سابقا ، وعندما رأتهن، أخذن يقسمن لها بأنهن بريئات، فتتظاهر بأنها تعاطفت معهن وأنها لن تخبر أحدا بما رأته، لتشتري ولائهن بالخوف، ثم تنتقل بنفس التعامل مع الجنود، ليبدأ الجميع بإبداء ولاء مبطّن لها، فهي إما تكتم عنهم خطأ وقعوا به أو خطأ دبرته لهم ليبقى الجميع تحت إمرتها متى أرادت..
و هوجا فصحّته تتدهور وتتراجع تدريجيا وبشكل بطيء، ولا أحد يعلم السبب غير ماري، اللتي اختارت له موتا بطيئا وتظاهرت بدعمه والوقوف معه..

يسبح إفان بتوتر ذهابا وإيابا حتى أثار انتباه تسو التي وقفت تتابعه بحدقتيها تراقبه بحيرة، بينما ينتظر لوتش لعله كان يحمل معه موافقة آريس على طلبه..
وبالفعل خرج لوتش إليه، فسأله إفان على الفور :

"هل وافقت؟!"

فأجابه لوتش :

"على مضض، ليس كرها بك، ولكنه تعلقا بجبر"

"وماذا أفعل الآن إذا؟!"

"اتلو عليها ترنيمة الفراق حتى تبكي، فإن بكت غسلت ما في قلبها، وإلزمها في حزنها حتى تألفك، وأنا سأعد مراسم زفافها وأحلّها من زواجها القديم "

لم يكن إفان ليفكّر أبعد مما أمره به لوتش، غير أن آريس أمضت الليلة تبكي وكأنها بالفعل تغسل من قلبها جبرا وذكرياته، لتستقبل واقعها الذي لم تكن لتراه كما رأته والدتها من قبل..

وأقام لوتش حفلها وتوّجت زوجة لإفان الذي كان خير من يربي جيرون فيما بعد..

وعلى هذه الأحوال مرّت السنوات السبع الطويلات..

يتـــبـــــــع.....

آريس الحورية الهاربةWhere stories live. Discover now