تستمر الحرب بل وتستشيط بعدما قفز جبر يتفقد جده الملقى على الأرض ،فوجده قد فارق الحياة إثر الصعق الكهربائي الذي تعرّض له ، أزال عنه الدرع محاولا إنعاشه بيأس ، ولكن جلير منعه من الاستمرار بالمحاولة ، تجمع المستشارين الذين يحاربون صفا لصف مع الجنود ، أزالوا الخُوَذ وكذلك فعل الجنود على سفنهم بالتتابع ، جلير :
" كفى يا جبر ، كفى "
" لكنني للتو التقيت به ، وللتو يغادر ، لم نتحدث ! ، لم أسأله بعد عن والديّ بشكل مفصل ، هل تدرك كم كانت هذه الرحلة مصادفة بالنسبة لي لألتقي فردا من عائلتي لأعرف أن لدي عائلة !؟"
" لا شيء مصادفة ، ترحّم على جدك ولا ترهق نفسك باللوم ، نحن في حرب ، وكان جدك يأمل بأن لا يموت على الفراش ، لذلك كان في السابق في مقدمة كل الحروب حتى أصبح طاعنا في السن ، ولكنه في النهاية رآك ، رآى حفيده التائه قائد هذه الحرب ليحمل رايته.. كن فخورا بذلك "
وقف جبر يبتلع حزنه بحزم ، نظر للبحر فأمر جنود التنانين بالاستراحة سابحين على سطح الماء ، مستغلّين بذلك انسحاب الحور في هذه الجولة ..
وقف جلير وجبر وخلفهما بينيت والمستشارين وبعض الجنود الذين غادروا مواقعهم ، ألقى جلير بعض كلمات الوداع على الجد ، ثم دفع الجنود تابوته إلى البحر ليختفي في الضباب الأحمر ..
سادت لحظة صمت قبل أن تصرخ تسو التي كانت تراقب كل شيء بحذر على قمّة الصاري ، فأمر جبر الجميع بالتمركز في أماكنهم من جديد فلا مجال للراحة ، كان الجميع يقف بتأهب يحاولون تفسير ذلك التموّج من الكائنات التي تقترب خلف الضباب الأحمر ، شيء لا يشبه الحور ، أكثر ضخامة وغرابة ..
كان إفان من ضمن القلّة التي تعرف بأمر المسوخ ، فأمر مالكي الأقفال بإرسالهم للحرب بأمر ملكي وكان يملك هذا الحق بغياب لوتش والملك ، وعندما نصّب نوشوك وضعهم تحت تصرّفه ، فلم يتوانا في استخدامهم حتى إذا أنهكهم تدافع باقي جيشه إليهم ليقضي على البشريين وسكان أرض الجحيم ..
عرفهم جبر بعد اقترابهم فعرف ما هم مقدمين عليه ، نظر لبينيت ليعرف أن الحرب الحقيقية بدأت الآن ، فذهب متأهّبا إلى مدفعه ، بينما بفطرة الصيّاد صرخ جبر بأعلى صوته :
" أنزلوا شباك الصيد ، هناك سرب قد اقترب "
لينظر إليه جلير متعجّبا :
" شباك الصيد !؟ ، لم نستخدمها في حرب من قبل ! "
" أليست من سلاسل حديدية "
" بلى .. ولكن "
" إذا سنصطاد الكثير منهم ، لا بد أن نطعم التنانين "
ابتسم الاثنين لبعضهما ، جلير بتعجّب وجبر بثقة ، ثم ذهب جلير ليتأكد من سلامة تطبيق ما أمر به جبر من قبل الجنود ، وأن يتمركز آخرون على المدافع ..
وبالقرب من ساحة الحرب كانت تانيا أخيرا قد تمكّنت من التحدث مع لوتش والإطمئنان عليه ، ولكنها لم تخبر آرتيس بذلك حتى لا تضطر لإخبارها بشيء إن فشلوا بإنقاذ آريس ..
عادت للصخرة وغادرتا بسرعة لتلحقا بدنوا ، حتى وجدتاه يحاول تشتيت الحزام النفطي الأسود ، صعدتا على ظهره بعدما ربتتا عليه قليلا ، فانهالت عليهما مائيات الماوا بسعادة ، وتصكصكت المحّارات وكأنهن يتراقصن ، استمعن إليهن ليعرفا أن دنوا لم يستمع لأوامر التقدم ، أعادت آرتيس الصدف مكانه ، ونظرت لتانيا قائلة :
" وماذا بعد ذلك ؟ ، كيف سنجتاز هذا الحاجز ؟ "
" لا بد من وجود طريقة ما "
" هل تظنين أن هذه المنطقة من البحر قريبة من الجزيرة المخيفة ، الهيلبارك "
" ألست حورية بحر ، كيف لا تعرفي هذه المنطقة ، ثم إن خرافة الهيلبارك قديمة ، إنها جزيرة عادية "
" أنا من موزيريس كما تعلمين ، لم أتجوّل في محيط تشرا من قبل !"
" أما أنا فأعرف كل مسطح مائي ، ما عدا ما يحيط يأرض الجحيم ،كما تعلمين لا رغبة لي بأن أُسلق "
ضحكتا قليلا ولكنهما أطرقتا بعد ذلك تفكران في طريقة لاجتياز ذلك الشيء اللزج ، حتى خطر في بال تانيا تساؤل :
" ماذا لو كانت لفافة الأجناس تحوي الحل !؟ ، وكيف سنعرف ؟! ، سأحدث جبر فأنا أعلم مكانه "
وبالفعل أرسلت صوتها لتقتحم رأس جبر ، وقد كان في خضمّ المعركة :
" جبر .. جبر "
اعتقد جبر أنها آريس ، ولكنه لا يملك القدرة على إرسال صوته أيضا هو فقط يستمع بالرغم من احتدام الحرب ..
" جبر أنا تانيا ، هل لفافة الأجناس تملك حلا لحاجز لزج أسود في البحر "
استمرت تانيا بإرسال صوتها وجبر يشعر بالعجز لعدم القدرة على الرد ، كان تركيزه يضيع في الحرب ، حتى أوقفتها آرتيس قائلة :
" كفي عن هذا فجبر بشري هل نسيتِ؟ ، لا يمكنه إرسال صوته "
لتتوقف بيأس آملة أن يجد طريقة للتواصل معهما
لا تختلف الحروب الناعمة عن تلك المباشرة إن كان كلاهما يقتل على أيّة حال ، فها هي كديميس تشهد بالخفاء حروبا صغيرة أو استفزازات من نوع ما يمارسها بعضهم طمعا في السلطة والزعامة والمال ..
وقف بارتولوميو أمام مجمع مهندسو البناء ، ينظر لعبارته القديمة التي أهداها لصديقه جيفرسون ، المعلّقة في أعلاه :
"وأحيانا ليس من الضروري أن يعبأ العالم كلّه بنا حتى نستمرّ بفعل ما نحب "
دخل لمعمل جيفرسون وكان بعض الرّسامين ومهندسو البناء يرسمون تصميما والبعض يرتّب اللفافات في الرفوف الكثيرة ، وآخرون يزوّدون المحابر بالحبر ، وأحدهم يقدم مشروبا ساخنا ، أمّا جيفرسون فقد كان يمزّق تصميما ما ويرميه جانبا ، فينحني أحدهم ليضعه في القمامة ..
تقدّم إليه بارتولوميو يحيّيه :
" هيه جيفري ، كيف حالك يا عبقري البناء !"
لم يتوقع جيفرسون الذي يناديه جميع من يعمل لديه بسيّدي ، أن يسمع أحدا يناديه جيفري ، فرفع عينيه ، ويرفع يده ليثبّت العدسة الدائريّة ذات السلسلة على عينه وينظر بتمعن للذي أمامه ، وعندما عرفه اعتدل واقفا وبدا عليه السرور والتعجّب :
" هيه بارتو ! هذا غير ممكن ، اشتقت إليك يا رجل "
" وأنا أيضا يا صديقي الرّسّام المبتدئ "
" هه ما الذي تقوله !؟، لقد كنت مبتدأ بالفعل ولكنني اليوم محنّك "
" أوه جيفري اشتقت إليك حقا ولجنونك في تصميم المنازل ورسمها ، هات لأرى كم أصبحت مبدعا كما تقول "
أخذ جيفرسون يتباها برسوماته التي بناها حتى وصل لإحداهن قائلا :
" وهذه لابنة عائلة مارتن ، لقد كان أسرع بناء يتم تنفيذه على الإطلاق ، أنظر هنا كيف استثمرت ميلان الجبل للخلف لأصنع قصرا يُطلّ على المدينة ويتوسّط طريقا للمزارع الخلفية ويطلّ على طريق العربات .."
استمرّ جيفرسون بشرح المخطط ، ولكن بارتولوميو كان ينظر لتصميم القصر بدقة ، حتى تأكد من وجود غرف أسفل القصر ، كالقبو ربما أو كالسجون ، فأراد التأكد متسائلا :
" ما هذه في الأسفل ؟ ،غُرف دون منافذ ! "
" لا ، لا يا صديقي ، هذه زنزانة ، وهنا تمتدّ المداخل السريّة ، أنظر لهذا التصميم ، ألست مبدعا "
" هذا شيء مذهل ! ، ولكن لا أعلم لماذا يرغب أحدهم بكل ذلك في منزله "
" قصره يا عزيزي قصره ، أصحاب الثروات يعانون من الخوف من فقدانها دائما ، فيحاولون حماية أنفسهم من كل من حولهم من الناس "
تحدثا قليلا ، وشربا مع بعضهما بعض الشاي ، ثم استأذن بارتو وأراد الخروج ، وقد حفظ في ذهنه مخطط الأبواب السريّة كاملة ، وتأكد من إمكانية كون روز خطفت مارلين ..
أراد جيفرسون النداء على بارتولوميو لأمر آخر ، ولكنه تراجع في ذلك، وقرر أن يبعث له رسالة بالأمر تلافيا لمواجهة غضبه إن غضب ..
وفي هذه الأثناء كانت ماري ترفع عن الجدار آخر إطار للصور يخصّها ، تنظر بتمعّن للصورة ، هي ووالديها وأخيها الصغير ، تقلّب بصرها في أرجاء البيت الفارغ ، ثم تمسك بيد أخيها وتخرج تغلق المنزل وتضع إطار الصور بين الأغراض وتنطلق لمنزلها الجديد ، وهي تحدّث نفسها :
" سيكون انتقامي من عائلة مارتن والجميع بلا استثناء وخيما ، سأنتقم لكما يا والديّ ! .. "
ثم نادت بصوت مرتفع على السائق المرافق لها :
" أسرع يا هذا ، ما اسمك ؟ "
" جاك سيدتي "
كان جاك قد أثار اهتمام ماري منذ أن بدأ يرافقها بأمر من روز ، ولكنها لا يمكنها أن تظهر ذلك أبدا حتى لا تخسر روز فهي الأهم الآن ..
يتــــــــــبع
آراؤكم الجميلة🌸 وتصويتكم💛