قد لا تعرف أحيانا هل أنت أهل للصراع الذي جُررت إليه فعلا ، وذلك عندما تتكدس الأحداث جميعها لتجد نفسك فجأة في قعر ملحمة سوداء قد لا تنتهي قبل أن تدرك ذلك ..
وها هي الأحداث تتلون بلون أكثر قتامة عن ذي قبل في مدينة كديميس ، فبعد أن مر الزفاف وسيطرت العائلتين على الشاطئ وأصبح ودار الأوبرا ضمن أملاك روز مارتن بالإضافة لتلك المساحات الخضراء الشاسعة التي تحيط بالقصر ، امتلكت الحمقاء بذلك القدرة على إدارة المدينة ، نقلت مكان سكنها أعلى مكان هناك وضربت سورا حوله وشددت الحراسة وكل ذلك بتدبير من ماري الشيطان البريء الذي يدير كل شيء بحذر وخفية ..
وليس هذا أسوأ ما حدث ، فبعد وصول أخبار استهزاء البحارة بروز وليلة الزفاف تلك ، أرسلت عائلة العمدة مساعديهم إلى مطعم جوسيا لتهديد الرجال هناك بعدم المساس بسمعة ابنة عائلة مارتن المبجلين كما نص الخطاب .. وعندها قام أحد الرجال صارخا فيهم :
" ليس مبجلا من سرق من البحّارة شاطئهم ، إنهم سارقون "
ليضيف آخر :
" نعم سارقون خونة "
لتتعالى عبارات الذم من كافّة الرجال هناك وجوسيا وصديقيه يراقبون بحذر فهم يعرفون نهاية الاصطدام بالكلام بين الرجال، غالبا ما يؤول لعراك ولكن لم يلبث الأمر طويلا حتى وقع ذلك الاشتباك بالفعل كما أراد فيليب بالضبط ، فصرخ في بعض رجاله من الموجودين على الفور :
" احمو ممتلكات صديقي يا رجال ، أريدهم مقيّدين "
وبالفعل كانت الأضرار طفيفة قبل أن يتمكّن رجال فيليب ومرتادي المطعم وروبرت بتقييدهم وحبسهم بغرفة روبرت في المطعم ، وعندها صرخ فيليب ذي الرقعة :
" لم نعهد يا رجال على الخونة هنا في هذه المدينة ، لم نعهد على أن يتعالى أحد على البحّارة ملوك البحر ولا على مصادرة حقهم في شواطئهم ، لقد كان بيننا وبين العائلتين بعض من الثقة فاستغلوها وها نحن ندفع ثمن مكاسبهم وندفع ثمن خسارتنا ،ألا ترون سكوتنا عن كل ما يحدث خنوعا وذلا "
ليصيح الرجال بأصوات متفرقة :
"أنت على حق ، سكوتنا خطأ ، ... "
ليتابع فيليب :
" وهاهم الآن يحاولو تصدير أنفسهم للجميع على أنهم لهم الحق بفرض سلطتهم على المدينة ، و مساعديهم أكبر دليل على ذلك ، وهم الآن أسرى لدينا ولنرى ما الذي يستطيعون فعله "
تتعالى صرخات الرجال خارج المطعم بينما يتجمهر بعض الأطفال والمارّة على باب المطعم يتابعون الحدث ، على غرار ما يحدث تختبئ زوجات البحّارة اللواتي كن السبب بإقناع أزواجهن بالعمل ببناء دار الأوبرا وكن ممن تسبب بكل ما حصل ، يعرفن سوء ما بدر منهن ، يقفلن النوافذ بخوف مما يسمعونه من صرخات للرجال بالخارج ..
كانت ماري تراقب بحذر على مقربة من الناس ، شعرت أن فيليب سيحطم آمالها وسيدفع الأمر برمته للهاوية ، ولكل حريص كبوة ، فاندفعت بغضب لتقوم بأغبى شيء قد تفعله ماري الحذرة على الإطلاق ، استدارت وصعدت الدرج حتى وصلت لأعلى المدينة ودخلت في الزقاق متوجهة لمشغل مارجريت حيث توجد مارلين ، كانت عينيها تبحث عنها حتى رأتها تجدل خيطان الصوف ، اتجهت إليها وأمسكت ياقتها وشدتها إليها ثم دفعتها للحائط ..
تفاجأت مارلين من هذه الجرأة وهذا التصرف المباغت ، لتحدث نفسها :
" ما بها هذه المعتوهة ! "
وبلهجة تهديد غاضبة تشبه الهمس قالت لمارلين :
" إن والدك يتدخل فيما لا يعنيه ، أخبريه الليلة ليطلق سراح الرجال وإلا أخبرت المدينة كاملة أنك أنت السبب فيما حدث لفستان زفاف روز ، وأن حقدك وغيرتك منها لأنها أخذت داني منك دفعتك لفعل ذلك "
عندها ضحكت مارلين بصوت مرتفع ، ودفعت ماري بكلتا يديها لتتعثر بكرسي خلفها وتقع على الأرض ، ثم اقتربت منها وبذات الأسلوب قالت لها :
" عزيزتي الصغيرة ماري "
" لا تصفيني بالصغيرة "
" إخرسي عزيزتي ، الجميع يعلم أن هذا العقد الذي ترتديه كان ملكا ل روز مارتن ، كانت ترتديه دائما لتختال فيه ، والآن ترتدينه أنتِ ، عندها سأقول للجميع أنكِ أنتِ من أشرت عليها ببناء دار الأوبرا الذي أفقد معظم البحارة عملهم وشاطئهم ، للحصول على هذا العقد ، أفهمتِ ، ها ؟ ، وليفعل والدي ما يشاء ، إن كان يحمي المدينة من أطماعكم التي ستهدّها يوما ما إن استمرت ، هيا اخرجي من هنا "
جمعت ماري ثوبها بيديها حتى لا تتعثر به بصمت ووقفت وخرجت على الفور ، دون حتى أن تدافع عن نفسها بكلمة ..
أخذت مارجريت نفسا عميقا وهي تتكئ على الحائط تشاهد ما حدث قائلة :
" إذا هذه من كانت السبب مارلين ، تعالي أريد محادثتك "
تبعت مارلين مارجريت لداخل المشغل ، نظرت العاملات لبعضهن باستغراب ، ثم عادت أصوات آلات الخياطة وعاد الجميع لعمله ، ما عدا جولي التي حاولت أن تتبعهما لتسترق السمع بفضول ..
بينما يشتد الصراع في كديميس ، توشك الحرب في تشرا على البدء ..
وافقت تانيا على فكرة جبر ، ليكونوا واضحين أمام الجميع عن سبب مهاجمتهم للمدينة ، تقدمت تانيا وآرتيس حتى منتصف المسافة ، لترسل تانيا صوتها ل إفان الذي تنظر إليه من بعيد :
" إفان ، نحن هنا لتنقذ آرتيس ابنتها كأم ، ولأنقذ أنا سيدي لوتش الذي يسجنه الآن الملك "
تعجب إفان مما قالته فلم يسمع من الملك مثل هذا الشيء ، ولكنه لا يخالف الأوامر مهما كان السبب ، رد عليها هو أيضا :
" أيتها القائد تانيا ، أمرني الملك بقيادة الجيش وقتلك إن قررتِ خيانة المدينة والدفاع عن البشر "
" إفان الملك هو الخائن !، إن كنت تعرف أين هو الآن في ظروف حرب كهذه، فلن أجعل الجيش يتقدم وإن كان مختفيا من القصر والمدينة فلتعلم أنه خائن ، إنه يستغل دماء الحوريات ليأخذ حياتهن ثمنا لتجديد شبابه ، إنه يتجه للمنصة ويضع آريس قربانا عليها الآن "
أطرق إفان قليلا ثم طلب من تانيا الانتظار وسيرد لها جوابا ، وذلك بعد أن رأى أن تلك القوة كلها لا ترغب بالقتال بقدر ما تريد تحرير آريس ولوتش ، وبعث أحدهم بالفعل ليبحث عن الملك ..
يعلم الجميع أنه اليوم الأخير ، وأنها ليلة ظهور القمر ، وأن التأخّر في الحرب سيصنع حربا دموية الجميع فيها أعداء بعضهم عندما يتحوّل بتأثيره لوحوش وضحايا في آن واحد ..
لاحظ إفان إختفاء السانيت ، وتعجب من قدرة هذا الجيش على هزيمتهم ، فهمس لمساعديه :
" ليتأهّب الجيش ، وليعلم الجميع أن البشري هزم السانيت "
وفي لحظات قليلة تأهّبت جيوش الحور ، بينما أعطى إفان أمرا آخرا ليكثّف قائد فرقة محاربة جذور القاع جهوده حتى يستطيع السيطرة عليها ، فنموّها سيصل أوجّه هذه الليلة ، وإن تقاعسا بسيطا قد يجعلها وحشا كاسرا يعتصر كل ذي دم ..
تأخر الجنود الذين أرسلهم إفان عدّة دقائق فأحس بتوتر ، تنظر إليه تانيا من بعيد ببعض الأمل ، ولكنها لا تُظهره حتى لا تظهر أمام مساعدها القديم ضعيفة ..
أتى الجنود بخيبة فقدان الملك على لسان أحدهم :
" سيدي ، القصر فارغ تماما وكأنه مهجور ، بعض الحرس حاولوا منعنا لكي لا نعرف ذلك فأسرناهم ! "
ارتبك إفان ، لا يمكنه الآن أن يتخذ قرارا بجعلهم يدخلون المدينة باحثين عمّا يريدونه ،ولا أن يبدأ حربا قد تودي بحياة الجميع ، إفان من سلالة يميّزها الملك لذكائهم ويوليهم قيادة الجيوش والمناصب ، ولا يمكنه أن يخذله يوما ، حتى إن تطلّب الأمر أن يقتل تانيا ..
ساد هدوء مريب ، فقررت تانيا التحرّك حتى لو كان تحرّكها هذا خطيرا ، فسبحت باتجاه بوابات المملكة ، صرخ جبر :
" تانيـــــــا ، ما الذي تفعلينه "
حاولت آرتيس ردعها بإمساكها من ذيلها :
" ارجعي أيتها الغبية ستموتين "
ولكن تانيا سريعة كالبرق في السماء بظهوره واختفاءه ، رفع إفان يده عندما رآها تتقدم ، أغمض عينيه وأشاح برأسه ، وأنزل يده حتى يقذفها الجنود بالنبال ، آمالا أن تتخطاها بالفعل ، وما إن استدار ومن فوقه تتطاير النبال ، وبلحظة كانت تانيا خلفه ، نسي سرعتها الشديدة في السباحة ، استدار من جديد ، ومنع الجنود من محاولة اعتقالها ، نظر إليها وكانت قد تحاشت تلك النبال ولكنها حصلت على جروح جديدة ، بدت حولها بقعة من الدماء على سطح الماء ، فقال لها مستهزئا :
" هل يستحق ذلك البشريّ كل هذه الدماء التي تتساقط منك الآن "
ولكن تانيا لم تتفوه بكلمة ، اقتربت منه فابتعد قليلا ، إنه ما يزال يهاب قائدته ، اقترب الجنود لحمايته ولكنه طلب منهم البقاء في أماكنهم ، خاطبته تانيا عندها :
" أريد أن أُريك شيئا "
" وما أدراني أنكِ لن تتلاعبي بذاكرتي ، أو حتى تسلبي قدرتي على التمييز "
" ليس لدي ضمانات وأنت تراني خائنة ، ولكن إن فعلت ذلك سيعلم جميع الجنود بذلك بالطبع ولن يعود علي الأمر بفائدة "
تقدم إليها إفان مترددا فوضعت رأسها على مقدمة رأسه ، وبدأت الصور وكل ما رأته تانيا وسمعته بالانسياب ، وخاصة تلك المعلومات التي تفوّه بها مالك القفل للوتش ، ومنصة آريس وكل ما واجهته حتى لحظة خروجها من السجن لتقتل جبر ، ثم توقفت عند ذلك ..
فيما كان قلق جبر يتزايد ، فهمس :
" تسو ، اختبئي والحقي بتانيا "
تجهّزت تسو لتنساب في الماء بهدوء لتلحق بتانيا ، أشار جبر لجيش التنانين حتى يحلّق على مسافة قريبة ليبدو أمر المساس بتانيا حربا حتميّة للحور ، وبالفعل جعلتهم تحركات جيش جبر هذه أكثر حذرا من الاقتراب من تانيا أو محاولة إيذائها ..
يخوض لوتش هو الآخر حربا أخرى ، كان قد بدأ يرى موكب والده ، فحاول تحريك تلك الأشواك لإزالتها عن آريس ، نظر لوجهها وكأنه لاحظ شيئا غريبا فصرخ وقد روّعه ما رأى ..
آريس استفاقت من جديد بعينيها الذهبيتين ، لقد كاد قلبه يسقط من المفاجأة ، كانت تنظر إليه بهدوء وكأنها تحاول تذكّر ما حصل ، فخاطبها بابتسامة بلهاء ليخفي ارتعاده السخيف منها :
" آريس لقد استيقظتِ ! "
" منذ متى وأنا هنا ، أكاد لا أذكر كل شيء "
" أنا سعيدٌ باستيقاظك ، ولكن ليس هنالك وقت لهذا ، أبي الملك توما قادم الآن ولا أعرف سبيلا لإيقافه "
نظرت خلال القفص بعد أن أزالت بعض الأشواك اليابسة لترى جيّدا ، ثم همست للوتش بفكرة :
" فيما أحاول تخليص نفسي حاول أنت أن تزيح الحجارة من القاع لباب المغارة القادمين منها دون أن يلاحظك أحد ،حتى تنمو جذور القاع هناك وتغلق الباب ، ثم حاول الحصول على زهرة المحيط قبل أن يداهمنا القمر الأحمر "
" ولكن.. آريس.. كيف علمتِ بقرب موعد القمر وأنت قد استيقظتِ للتو !؟ "
" ألوان أصابع يدي تتغيّر للأحمر هي الأخرى ، لا أعلم لماذا ،ولكن هذا ما يحصل لي في كل عام "
" ما الذي تريدينه من زهرة المحيط وهي تـ..."
كان أحد الحراس ما زال يبحث عن لوتش ، فاختبأ لوتش في مكان كان قد وجده في الصخور بسرعة ، وعادت آريس تغمض عينيها تمثّل أنها ما زالت نائمة ، وعندما ابتعد قليلا ، نظر لوتش لآريس ، أومأ إليها ببدءه بتنفيذ الخطة ، وبدأت هي بدورها بمحاولة تخليص نفسها ، وتوما وموكبه يتقدمان للمنصة ..
يتـــبـــــــع
آراؤكم الجميلة💙 وتصويتكم💛