لن تهنأ ما دمت ظالما بلحظات سعادة حقيقية، بل إن وقوعك سيكون في إحداها، وأنت صاخب فرح وتضحك..
تضرب مقدّمة السفينة بجدار جليديّ عالٍ، يمثل نهاية البحث في الشرق عن يوتنهايم، وعندها يقف جميع الأوتغارت ناظرين لبعضهم البعض بخيبة أمل، يضرب جلير يده بأرض السفينة ويكسر قطعة من خشبها، ولكنه أدرك نظرات الجميع إليه فتراجع عن شعوره بالانهيار، ليقف ويعطي أوامره بالعودة والبحث في الشمال..
بينما كانت مارلين تعرض تلك الأوراق التي تدين ماري بسرقة بعض ممتلكات مارتن، تتسع عيناه من الدهشة ويتّجه نحو مارلين ويأخذ الأوراق منها، ثم صرخ بماري بغضب :
" هذه أوراقي، أعرفها جيّدا، وكنت قد اتهمت ابنتي بسرقتها"
ثم اتجه نحو ابنته قائلا :
"أرأيتِ عندما أقول لكِ لا ترافقيها، كان يجب عليكِ الاستماع لي"
ثم قلّب الأوراق الأخرى، وأخذ يمزّقها قائلا :
"وهذه عقودٌ زائفة، سرقتِ بها ممتلكاتي"
فصرخت فيه بحرقة :
" وأنت ماذا سرقت، لقد سرقت كل ما يملك والدي وتجارته، ثم تخلّصت منه في إحدى رحلاتك حتى لا تعيد إليه أمواله، ولم تتحمّل والدتي ذلك فماتت كمدا وقهرا عليه، وبقيت أنا وأخي فريدريك، لقد سرقت مني عائلتي وكان يجب علي الانتقام "
كان مارتن يحاول مقاطعتها ببعض الإهانات :
" هذا ما تقوله سارقة متشردة عندما تدافع عن نفسها.. "
ولكن مارلين تدخّلت فجأة وقالت :
" ما تقوله ماري صحيح! "
نظر الجميع إليها بفضول، فلعل في جعبتها شيء آخر يدين مارتن، فالجميع يكرهه بلا استثناء، ما عدا زوجته التي قالت له تستبق الحدث :
"هيّا مارتن فلنترك هذه المهزلة، ونمضي "
همّت عائلة مارتن بالمغادرة إلا أن مارلين نظرت لجاك وجبر، وقبل أن تتفوّه بكلمة كانا هما وحتى العم فيليب والآخرين قد منعوه من المغادرة، وحتى رجال فيليب منعوا رجاله من مساعدته على المغادرة، وكل ذلك بصمت، ابتلع مارتن ريقه وهو يشعر أن مارلين لديها شيء ما، تبدو من نظراتها متأكدة منه، وعاد بهدوء محاولا إظهار الثبات بين الجميع، فقال لها :
"ما الذي تحاولين قوله؟!، هل تصفينني بالسارق؟!"
ثم توجّه نحو الناس قائلا :
" فتيات صغيرات يبدين رأيهن بي هنا، والناس تسمع وتصدق،. كم هذا مضحك!"
ردت مارلين بثقة وهي تُخرج أوراقا وثّقها نايل، لا يعلم عنها مارتن شيئا، وعلى ظهر الأوراق شرحا لسبب الاحتفاظ بها، ثم قالت له :
" نعم وسيكون مضحكا أكثر بعد أن تسمع هذه الأوراق ماذا تقول!،. وبالمناسبة، تلك الأوراق موثّقة بالختم الضائع "
أثار ذلك فضول جبر بشدة، فاتجه نحو مارلين، وطلب منها أن يقرأه بنفسه، فأعطته الأوراق، وبدأ بقرائتها، كادت ورقة أن تنزلق من بين الأوراق فقالت في نفسها :
" إحذر جبر ستقع بعض الأوراق منك! "
لم تنتبه إلى أن صوتها بالفعل انتقل لداخل رأسه، توقف عن قراءة الورقة ونظر إليها دون أن ينتبه لنفسه ولمن حوله من شدة المفاجأة، وعيناه متسعتان ينظر لمارلين بدهشة، بينما ظن الناس أنه قرأ أمرا مُريبا في تلك الأوراق، وبدأوا بالتهامس في أمر مارتن..
اتجه جبر نحو مارلين بذات الدهشة، بينما ارتبكت هي وبدأت خطواتها بالتراجع للخلف لا إراديا، وعندما وقف أمامها، سألها هامسا :
" قولي لي الحقيقة، هل صوتكِ كان قبل قليل في داخل رأسي؟"
لم تكن تمتلك موهبة الكذب، وبخاصة في موقف متوتر كهذا، لتجيبه وهي مغلقة فمها، تخاطبه كما تخاطبه آريس :
"نعم هذا صوتي، ولكن الناس تنظر إليك الآن، تظاهر أن الدهشة هذه بسبب الورق!"
فقال لها بصوت مرتفع :
" من أين حصلتِ على هذه الأوراق؟!، إنها تدين مارتن بشكل مباشر"
لتتعالى الأصوات :
"هيّا جبر، إقرأ لنا الأوراق، ماذا تحتوي؟!، عن ماذا تتحدث؟!"
كان مارتن يتعرّق بينما الجميع يتحدث ويطالب جبر بإطلاعهم على دليل إدانته..
أمسك جبر بالأوراق، ووقف في المنتصف، ونظر إلى مارلين وطلب منها الوقوف بجانبه، مما أثار غيرة ماري من مارلين، وتمنت لو أنها قتلتها بالفعل..
وبدأ بإطلاعهم على سرقات مارتن وكيفياتها وبأنه استعان بنايل حتى يحتال على الناس و يأخذ تلك الأراضي والبيوت والمحلات بأسعار مخفّضة جدا، وحتى كيف احتال على والد ماري وباتريك عندما بدأ تجارة معه، ثم أشار إلى أن ذلك كلّه وثّقه نايل بنفسه، حتى إن غدر فيه مارتن يضمن فيه أن لا يضيع حقه..
ثم رفع أمامه أوراق الملكيات الأصلية لكل العائلات التي ملك مارتن أملاكها بغير وجه حق، والأثمان الحقيقية والمزيّفة وتفاصيل كثيرة ..
وحتى أن جبرا قرر أن يسمّي تلك العائلات على الملأ، وأخذ يسرد ويسرد أسماء كثيرة ويعدد أملاكها، والعائلات من الرجال والنساء يستمعون وبعضهم ينهار من الفرحة أن عادت إليهم أملاكهم، بينما كان مارتن ينهار من الصدمة، وأخذت يديه بالارتجاف..
وماري وحدها من كانت تنظر لمارتن بلذة الانتقام، استدار صدفة ووجدها تنظر إليه هكذا فجن جنونه، وركض إليها ولطمها على وجهه صارخا بها :
"إلام تنظرين أيتها الخبيثة؟!"
ولكنها برغم ألم تلك الضربة على وجهها ابتسمت قائلة له :
" وأخيرا انتقمت لي ولأبي وأمي وأخي،. انتقمت منك.. انتقمت منكم جميعا"
واختلطت دموعها بالدماء التي سالت من طرف فمها، في نفس اللحظة التي ذكر فيها جبر اسم لوثر وعدد ممتلكاته، مما سبب صدمة للجميع، الأمر الذي بدا جليا أن مارتن استولى فعلا على ممتلكات لوثر كما ادّعت ماري منذ البداية ..
أمسك جاك مارتن وأبعده عن ماري، وكان باتريك وروبرت قد وصلا للمكان وسمعا ما يجري، حتى دمعت عين باتريك برؤية اخته على هذه الحال مع أنه ما زال غاضب منها ، وبأن الحقيقة قد ظهرت وعادت إليهم ممتلكاتهم..
ثم أخرجت مارلين الختم الضائع أمام الجميع وقالت لهم :
"وهكذا اضطررت أن أحتفظ به حتى لا يستطيعا انتزاع ممتلكات أخرى من سكّان المدينة، وتسليمها لهوجا هذه المرة!"
وعندها ظهر غضب الناس على خيانة مارتن لمدينته، وبدأوا بأعلى صوتهم يطالبون بعقابه، نظرت مارلين للعمدة وهو يحاول ترك المكان، وكانت عينيه مضطربتين وبخاصة عندم يُذكر اسم نايل، فصاحت بالرجال أن يمسكوه، وبالفعل أمسكوه، فسألته مارلين بتهوّر وبدافع حاستها السادسة فقط لا غير :
"من قتل نايل؟!، كان نايل خائنا هو الآخر،. ولكننا يجب أن نعلم من القاتل ليُعاقب، لا يُمكن لقاتل أن يبقى حرا طليقا"
كان العمدة خائفا حتى أنه بدأ يتلعثم، فاقترب إليه جبر وقال له :
"من يكتم الحق يُقتل"
وأمسكه من ثيابه يريد تعليقه على نفس المكان الذي عُلّق نايل به، ولكنه صاح :
" مارتن، مارتن هو الذي قتل نايل، لاشتباهه بآنه يريد الغدر به بسبب ضياع الختم "
وبسبب الموقف الصعب الذي كان يشعر به مارتن والضغط النفسي الذي وجد نفسه به، اعترف على نفسه بطريقة غير مباشرة، فصاح مباشرة بمارلين :
" أنت القاتلة، فلو لم تسرقي الختم لما كنت قتلته! "
فنظر إليه الجميع وقد اعترف على نفسه بغضب، فأمسك به جبر وأمسك بماري واتجه نحو العم فيليب ذو الرقعة وطلب منه أن يحكم عليهما بالعقاب المناسب، فنظر إلى ماري وقال لجبر :
"هي زوجتك الآن وأترك لك القرار بشأنها"
فصرخ باتريك فيهم من بعيد :
" زوجة من؟!"
ثم قفز نحو اخته يصيح بها :
" أنت متزوّجة، ما الذي تحاولين فعله!؟"
كانت صدمة الجميع مضاعفة هذه المرة، وبالأخص صدمة جبر..
فركضت هي نحو جبر وتعلقت بذراعه تقول له :
" لم يقصد ما يقوله.. إنه.. "
فنفض يده لتبتعد عنه واتجه نحو باتريك يسأله والجميع يراقب:
"باتريك، ما القصة تكلّم؟"
نظر باتريك نحو صديقه روبرت وكأنه يطلب مساعدة ما، فقد أحس بأنه تورّط،. فلو علم الجميع بمن تزوجت أخته لقتلوها لخيانتها، ولكن جسده فضحه وبدأ بالارتجاف وعينيه معلّقتان بجبر الضخم والمخيف، لينتبه جبر لخوف الصبي وأن هناك أمرا مريبا ما ، فقال له :
" لا تخف تستطيع أن تتكلّم بأمان، أعدك بذلك"
وعلى ظهر دنوا تستلقي آريس في كوخها الذي يغطس تارة في الماء وتارة يرتفع بحسب حركة حوتها الحنون، تستيقظ من غفوة صغيرة، لتنتبه فجأة بأن جيرون غير موجود بجانبها، جن جنونها، فانتبه دنوا لاضطرابها فغطس في الماء حتى تخرج هي من الكوخ مسرعة ترسل صوتها في كل مكان وتنادي بحرقة :
"جيــــرون..جيــــرون"
ثم سبحت نحو الصدفات فطفى دنوا نحو السطح حتى تتمكن الصدفات من التحدث، استمعت آريس لكل الصدفات لم تستمع غير المناغاة التي كان جيرون يطلقها، بحثت وبحثت حتى انهارت وبدأت بالبكاء، استيقظت تسو على صوت نحيبها العالي، فعلمت بأن جيرون مفقود، وعادت لقطيع الماوا وطلبت منهن الانتشار والبحث عن جيرون وكذلك فعلن، ثم أرسلت آريس صوتها لآرتيس وآرتيس حرّكت جميع الحور للبحث عنه حتى وصل الخبر لتشرا وعندها تحرّك لوتش وتانيا وإفان بسرعة ليعلما هل هو اختفاء عادي أم أن أحدهم اختطفه!.
يتبــــــــــــــع