أرض الوطن

Start from the beginning
                                    

" أعلم ، ولكن هذا مربك جدا "

" لا بأس ، الجميع يودّ التعرّف إليكِ"

وهكذا استطاع جبر أن يجلب آريس لظهر السفينة الكبيرة ، وسط ترحيب الجميع، فنادى جبر جميع من لم يحضر مناديا :

" هيّا جميعا .. تعالوا إلى هنا "

كان جلير قد حضّر لآريس بطلب من جبر كرسيّا بدولابين كبيرين على جانبيه لتستطيع التحرك ، فأجلسها عليه، بينما هي كانت تتأمّل ذلك القدر الكبير من الأقدام حولها ، كان ذلك غريبا بالنسبة لها ، فقطع جبر شرودها قائلا لها أمام الجميع :

" سأقيم احتفال زواج لي الآن ، من الأفضل أن توافقي على أن تكوني أنتِ العروس ! "

" ماذا ؟ ،هل هذا طلب زواج أم تهديد ! "

" بل هو استجداء مبطّن للسماح لهذا الصيّاد المسكين بأن تدخلي شبكته باختيارك ، بعد أن أعيته محاولات اصطيادك"

" حسن !"

" حسن تعني نعم ؟ "

فابتسمت آريس تضحك على ملامحه ، فابتسم هو الآخر وضج الجميع بالتصفيق ليبدأوا احتفالاتهم، وساقتها النساء لتصنع لها فستانا طويلا يخفي ذيلها كما طلب منهم جبر، ولكنها تحدثت في رأسه غاضبة وهي تختفي عن ناظريه :

" لقد خدعتني جبر ! ، أين هي الفواكهه!؟ "

ليرتفع صوت جبر بالضحك، فنادى بها :

" سأحضّر لكِ طبقا كبيرا منها "

أعادت تلك اللحظات لبينيت ذكرياته القديمة، حيث حفل زفافه حيث كانت فيوليت حبيبته، التي أتقنت كل شيء إلا شيءٌ واحد ، وهو منعه من المغادرة ، وها هو الآن نادم حتى أنه يوقن بأنها سبقته للموت، كان يخمّن مان قبرها ليذهب لزيارته علّه يشعر ببعض الراحة هناك ، علّه يأخذ لنفسه مكانا بجانبها في التراب..

وهناك من بالفعل يقوم بذلك كلما سمحت له الفرصة، كفيليب ، يدخل يتفقدّ ابنته فتتظاهر بالنوم ، يربت على رأسها ويغادر، تنظر من النافذة فتراه يخرج من المنزل، فتتعجّب من خروجه في هذا الوقت ، وترتدي ملابس والدها القديمة وترفع شعرها تخبئه في القبعة وتغطي وجهها بمنديل ، لتبدو وكأنها رجل لن يعرف أحد أنها مارلين، وعلى وجه السرعة تبعت والدها ليصلا إلى المقبرة ، كان فيليب يبكي بحرقة أمام قبر زوجته، لم يكن يبكي فقط ، بل كان يكلمها بكل ما جرى معه :

" كيف أنتِ عزيزتي ، اشتقت لكِ كثيراً ، مارلين الآن نائمة ، أصبحت تشبهكِ كثيرًا، كنت على وشك أن أفقدها هي أيضًا ، لا تخافي ليست هي التي بجانبك، إنها سمكة قرش قمت بدفنها حتى يظن الناس أنها ماتت، لتسلم من الأذى، أشعر بأنني ضعيفٌ جدًا ، ذليلٌ جدًا، لو كنتِ الآن بجانبي لكنتِ ضممتني.. لكنتِ منحتني بعض القوّة "

كانت مارلين تستمع وتبكي، حتى كادت شهقاتها أن ترتفع، فتركت والدها وأخذت تتجوّل بخفية في أزقّة المدينة، ليتناهى إليها صوتٌ ضعيف، وما أن اقتربت حتى بدا أنه من بيت العم بارتو، كان ذلك صوت الجدة، كانت تبكي وتتمتم بصوت منخفض :

" لقد أصبحت أبًا ، كم وددت أن أقولها لك ، لم تعرف بأن لك ابن، بينما كنت تنتظره طويلًا، لماذا تركتني؟، لم تعلم عندما غادرت بأنك أهديتني سنوات من العذاب، التي لم تنته بعد ، كل يوم أنتظر موتي لألحق بك ، ولكن الأيام لا تنتهي ، والذكرى لا تموت "

أشفقت مارلين على حال الجدة لأنها تعيش في الماضي، تتحدث وكأنها مازالت شابّة ، ثم ابتسمت بسخريّة تبعتها دمعة قائلة لنفسها :

" سأشبهكِ حتمًا في يوم من الأيام ، لأنني بدأت مثل هذا الحوار مع نفسي منذ مدة "

ثم غادرت المكان بهدوء ونزلت حيث منزل جبر ، فقد قررت أن تعيد الحياة فيه ، تقتلع النباتات الميتة وتطعم القطط وتنظف الغبار ، لم تودّ أن يتغيّر هذا المكان أو أن يعتق ، تريده كما كان سابقا ، كانت كلّما اقتربت منه ازدادت ضربات قلبها وكأنها سترى جبرا، حتى عندما اقتربت من الباب طرقته وتظاهرت بحمل طبق الطعام الذي حضرته له في آخر مرة، ولكنها تذكّرت عندما اصطدم بها وغادر دون أن ينتبه ، فشعرت كم هي ساذجة حتى أيقظتها من أفكارها صوت القطة لتنتبه لها ولحالة المنزل والنباتات ولحسن الحظ ، لم تكن النباتات بحاجة أكثر من بعض الماء والتقليم، وكانت حالة المنزل رائعة بسبب تفقدها المستمر له ..

جلست على حافّة ذلك الممرّ المائي الذي حفره جبر بين مدخل منزله والبحر لبرهة قبل أن تلمح والدها من بعيد، لتسبقه للمنزل من طريق آخر قبل أن يصل للبيت ويكتشف خروجها من المنزل..

وفي صباح اليوم التالي، كانت أصوات البحّارة تملأ ما تبقّى من الشاطئ، كان فيليب قد استيقظ مبكّرًا وخرج للبحر إثر صراخ أحد الأطفال فور مشاهدته لمجموعة كبيرة من أسماك القرش تقترب من المدينة، ليجتمع عليه أهل المدينة، أصابت فيليب الدهشة من كميّة الأسماك التي امتلأ بها الشاطئ، فسأله جوسيا الذي وصل لتوّه :

" ما الذي يحدث هنا ؟!"

" الشاطئ ممتلئ بالأسماك الكبيرة وحتى الصغيرة ، وهذا غريب !"

" وما تفسيرك لهذا فيليب، هل تظنها تهرب من شيء ما ؟ "

" هذا ما أظنّه، لكن ما هو هذا الشيء العظيم الذي تهرب منه؟!، ما الذي يحصل في عمق البحر؟! "

" ما رأيك؟ ، هل تفكر في رحلة بحريّة "

" إن كنت تريد الذهاب جوسيا فافعل ، سأستغل مع بحّارتي هذه الثروة وأخرج للصيد "

لتضرب كتفه يد من خلفه فجأة، ليتبين أنه بارتو قائلا له:

" سأبحر معك أنا إذا، ما رأيك صديقي ؟"

فضحك جوسيا قائلا :

" كأيّامنا السابقة "

ليوافقه:

" كأيّامنا السابقة .."

يتبـــــــــــــع ...

آراؤكم الجميلة🐟 وتصويتكم💛

آريس الحورية الهاربةWhere stories live. Discover now