الفصل الثامن و العشرون

671 80 24
                                    

الثاني من مارس - غابة دهوك

و في اللحظة التي فكرت فيها بمحاولة الهروب ، التقت عينَي بعينيها ، لكنهما لم تكونا خائفتين ، رأيت الثقة فيهما كما لو لم أرَ مثلها من قبل ، و بسبب ذلك المشهد رغم صعوبة الموقف و رغم الألم في معصمي و كفي ، قررت ان الهرب دونها ليس ضمن خياراتي.

و عندها ترائى أمامي مشهدٌ من الماضي و معه توقف الزمن لثوانٍ ، المشهد الذي جمعني بأبي في اخر محادثة بيننا قبل وقوع الكارثة.

- " هل يمكنني الاحتفاظ بالنحت بعد ان تنهيه يا أبي؟ "
- " ستستحقه بجدارة إن تمكنت يوماً من صيده بنفسك يا بني "

عندها اتخذت قراري ، على كل حال ليس لدي مكان أهرب اليه ، انا من ليس له الا نفسه ، إن كان مقدراً لي الموت اليوم فليكن ، لا فرق عندي بين رصاصة البندقية صباحاً و مخالب الذئاب ليلا ً، أم يوجد فرق؟ ربما ..

ربما الموت في سبيل احدهم هو ما يعطي لمماتنا قيمة.

و للمرة الثانية نادى الذئب على ابناءه بصوتٍ مدوّي ، فاستعددت للقتال بيديّ العاريتين و بكل ما أملك من قوة ، لكن الامر الغريب انه قد مضى وقتٌ ليس بالقليل و لم ينقض عليّ ايٌّ منهم رغم أنّي لا ازال استشعر حركةً ما ، الشعور غير المألوف لا يزال يعتريني و بشكلٍ غير مفهوم.

فجأة تغيرت ملامح الذئب الرمادي من الزمجرة و التحديق بي بعينه البّراقة الى نظرة حيرة و ربما خوف ، لذا حاولت استغلال الفرصة بالتقدم نحوه أكثر بخطوات بطيئة و حَذِرة.

هيّا ايها اللعين أرني ما لديك.

لكنه و بشكل مفاجئ التفت صوب تولين بدلا ً مني!

***

الثالث من مارس - مركز شرطة دهوك

التقط آلند الصورة الثالثة من على المنضدة قبل ان تكمل سولاف قراءتها ، ثم وضعها في الجيب الداخلي لسترته.

" لا علاقة لكِ بهذا لكني أردتُ فقد التأكد من بعض الامور " قال آلند ثم اردف قائلا ً " سيكون لنا لقاءٌ آخر "

ثم اخذ يسير صوب الباب الحديدية ، تحت انظار كاميرا المراقبة و الشخص الذي يجلس خلف الزجاج المظلل ، فتح الباب ثم اغلقه خلفه تاركاً سولاف وحيدةً في غرفة الاستجواب.

-" خذيها الى مشفى خاص و ضعيها تحت المراقبة "

قال آلند مخاطباً امرأة ترتدي الزيّ الرسمي للشرطة ، كانت تبدو في بداية الثلاثينيات من عمرها ، بشعر أشقر ملفوف عند مستوى رقبتها كي لا يعيق حركتها و بشرةٍ بيضاء باهته ذات ملامح اعتيادية غير مميزة.

-" لكن ماذا بشأن أُمها؟ انها في صالة الانتظار"

حدّق آلند بوجه سولاف عبر الزجاج المظلل لبضع ثوانٍ ثم عادَ بنظره نحو الضابطة التي كانت جالسة امام مكتب متصل بجدار الحائط الذي يحتوي على الزجاج المظلل.

لا يزالون احياءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن