الفصل السابع و العشرون

594 89 22
                                    

الثاني من مارس - غابة دهوك

إنطلقنا انا و تولين نحو المخيم مباشرةً بعد غروب الشمس ، قاطعَين درباً وعراً وسط الاشجار و الحشائش حتى وصلنا لممرٍ ترابي ضيق كان يسلكه المسافرون في العقود الماضية اما الآن فقد أضحى طريقاً لعربات نقل الخشب ، كنا نسير محاطينِ بالاشجار على جانبي الطريق وسط ظلمة الليل و تحت ضياء القمر الذي كان مرشدنا الوحيد في هذه الرحلة.

كنا نتبادل اطراف الحديث حين إقشعر جسدي فجأة ، كنت أسمع وقع خطوات متجهة نحونا ، سريعة و خاطفة.

" حسناً .. انظر ، انا لست مثالية كما تتخيـ.. "

وضعت يدي على فم تولين لإسكاتها ، ثم اخذت أصغي جيداً محاولا ً تحديد اتجاه الصوت ، لكنه كان في جميع الاتجاهات و بمسافات متباعدة !

و فجأة قفز من بين الاشجار ذئب صغير نحوي بسرعةٍ كبيرة ، و قبل ان تدرك تولين الامر كنت قد ركلته بقوة لأرميه بضعة امتارٍ وسط الحشائش ، نهض الذئب بسرعة و عاود الجري داخل الاشجار المتشابكة.

و كردّةِ فعلٍ لما يجري امسكتُ بذراع تولين و سحبتها بحركة سريعة و مؤلمة قليلا ً لأجعلها تقف خلفي ، ثم اخرجتُ سكين النحت و اخذت اتلفت يميناً و يساراً إستعداداً لما هو أسوء.

لمحتُ غصناً ذو نهاية حادة مُلقاً على الارض ، فأخذته و ناولته لتولين بنظرةٍ جادة كانت كفيلةً بإفهامها انه سيتحتم عليها الدفاع عن نفسها إن تطلب الامر.

كانت الحركة مستمرة و غير متوقعة ، لسببٍ ما كان هنالك شيءٌ غير مألوف ، و لكن لم يكن هنالك وقت للتفكير و الاستنتاج ، ليس في ظل الضغط الذي فرضه هذا الموقف المفاجئ.

تقدمتُ بضع خطواتٍ للامام ، و عندها رأيته يخرج وسط ظلام الليل و من بين الاشجار ، بعينٍ برّاقة اعادتني سنيناً الى الماضي ..

ما الذي يجمعنا بأعدائنا ؟
أهو القدر ام رغبتنا في الانتقام ؟

لقد كان ذئباً كبير الحجم بعينٍ واحدة ، اجل انه الذئب الذي قتل والدي ، و لكن هذه المرة لم يعد ذاك الذئب الصغير ، لقد اصبح كبيراً بالسن ، بطول مترين و كتلة كبيرة تتجاوز كتلة اي ذئب اعتيادي من الفصائل الاخرى.

"تراجعي!" صرخت بتولين

ثم توجهت نحوه حاملا ًسكين النحت بخطواتٍ بطيئة و ثابتة ، بقي الذئب في مكانه مزمجراً بأنيباه ، إقتربت أكثر حتى اصبحت المسافة بيننا لا تتجاوز الخمس امتارٍ ، حينها اخذ يركض نحوي بخطواتٍ أشبه بقفزات قصيرة بكتلته الضخمة ، و في ثواني اصبحت المسافة متراً واحداً فقط ، صوبت على عينه اليمنى محاولا ًاقتلاع ما تبقى من بصره ، و في لحظة الالتحام قفز ..

ماذا لو كان للماضي القدرة على تكرار نفسه؟

انقض الذئب بفكيه ممسكاً بالسكين ، و بحركة سريعة و بالاعتماد على اندفاع جسدينا دفعت بالسكين داخل فمه بقوة محطماً بعضاً من اسنانه حتى دخلت السكين في عمق فمه ، و في تلك اللحظة استند بمخالبه بقوة على صدري و في أجزاءٍ من الثانية و بشكل غريزي تحركت بضع سنتيمات يساراً لأتجنب الاصطدام به لكنها كانت كفيلة بأن تمكنه من غرس مخالبه لتمزيق قطعة من ملابسي بحجم كف يده.

و قبل ان ادرك الامر كانت المسافة بيننا متراً واحداً بشكل تقابل فيه ظهري مع ذيله ، كانت كفّي اليمنى مغطاةً بالدماء ، لم ادرك حينها اكانت دماء يدي التي مزقتها انيابه ام دماء فمه الذي ادخلت سكيني فيه ام كليهما معاً!

إلتفتُ الى الخلف ، كان ذيله منبسطاً ملامساً للأرض دون حركة في حين ان رأسه كان متدلياً من جذعه ، كان يأنُّ ألماً بصوتٍ بالكاد استطعت سماعه و بعد بضع حركات برأسه المتدلي خرجت السكين مغطاةً بالدماء ، و ما ان خرجت حتى استدار برأسه نحوي مزمجراً بما تبقى من اسنانه كما لو ان ما اصابه لم يكن الا خدشاً بسيطاً ، رمقني بنظرة عدائية أعادت الى ذاكرتي الرعب الذي اعتراني ذلك اليوم ، يوم رأيته اول مرة ..

رفع الذئب رأسه و اخذ يصدر صوتَ عواء مدوي ملأ الغابة بأسرها ، لقد كان واضحاً انه ينادي ابناءه لكي يساندوه و يهجموا!

كان من المستحيل عليّ التصدي لهم جميعاً ، لقد كانوا موجودين طيلة الوقت يحيطون بالمكان كأعمدة حلبة المصارعة التي يضعون صورها في المجلات.

لا بد من الهرب

و لكن في اللحظة التي خطرت لدي فيها هذه الفكرة ، التقت عينيّ بعينيها ..

-----------------
لا تنسى التصويت ❤

لا يزالون احياءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن