الفصل الثالث و العشرون - ذكريات 3

530 63 5
                                    

الثاني من مارس - كهف جبل عرفين

نظرتُ الى جدران الكهف المعتمة و انا اتلمس برودتها ثم تحركت شفاهي قائلةً

"قَدِمَ والدي الى هذه الغابة قبل ان اولد بأربع سنوات ، اما جدي فقد كان من بغداد ، لكني لم احظى بفرصة رؤيته فقد مات في حلبجة قبل ان اولد ، سكنا هذه الغابة و كنا قنوعين في معيشتنا انا و اخي و امي و ابي الى ان قدم ذلك اليوم .. "

***
~ الماضي ~

ركض فؤاد فرحاً صوب ابيه الذي خرج منتصراً من قتاله مع الذئب ، الا ان هذه الفرحة لم تستمر طويلا ً عندما رأى ابيه يسقط ارضاً.

لقد كان ينزف من قدمه ، بقي فؤاد متجمداً في مكانه لا يعلم ماذا يصنع ، هرعت امه الى ابيه الذي كان مُلقى على الارض يصارع الألم و هي الاخرى لم يكن بيدها شيء لتصنعه.

و في تلك اللحظات الصعبة استذكر محمود شيءً من درس الاسعافات الاولية التي تلقاها في المدرسة ضمن حملة التوعية للتصرف في ازمات الحروب و الحالات الطارئة ، فذهب مسرعاً الى داخل المنزل ليحضر احد احزمة ابيه الجلدية ، قام بلف الحزام حول قدمه ، بضع اصابع فوق مكان العضة لكي يمنع استمرار النزيف.

تعاون كل من محمود و امه لينقلا الاب الى داخل الكوخ ، اما فؤاد فبقي مصدوماً من هول ما يحدث حتى تحولت تعابير الصدمة الى تعابير تنذر بتساقط الدموع كطفل بريء.

لقد كان وقتاً صعباً بحق ، امسكت الام بيد زوجها المصاب و هي تتلو صلواتها ، و في تلك اللحظات قررت ان تذهب الى والدها في المدينة حتى يستأجر طبيباً يأتي لعلاج زوجها.

نهضت و اخبرت محمود ان يبقى بجانب والده و ان يحرص على العناية به الى حين عودتها ، ثم نادت على فؤاد كي تأخذه معها ، لكن حسين امسك بيدها يمنعها من المغادرة ، على الرغم من كونه مغمض العينين الا انه كان لا يزال محتفظاً بوعيه.

-" لا.. لا تذهبي" قال حسين

-" عزيزي ، يجب ان اطلب المساعدة " قالت زوجته

- " احــ احتاجك هنا بجانبي .. المد المدينة بــ بعيدة جداً عنا سيراً " قال حسين متألماً ثم واصل قائلا ً " سأكون بخير "

- " و ماذا عساي ان افعل اذاً ، لا استطيع مشاهدتك و انت تتألم هكذا دون حراك! "

- "بلى يمكنكِ .. احضري قطعة قماش و غطي بها الجرح و سأكون على ما يرام .. أعدك "

لم تكن حاله لتتحسن بهذه البساطة ، اصابته الحمى الشديدة تلك الليلة ، و بقيت حاله تسوء شيءً فشيءً على مدار الايام الثلاثة التي تلت الحادثة.

***

الثاني من مارس - في الكهف

- ".. و لم يفي والدي بوعده لأمي فقد مات في صباح اليوم الرابع ، لقد كانت صدمةً لي و لمحمود و لأمي كذلك ، لقد شعرنا بالعجز و لعل ذلك اليوم هو الذي جعل محمود يقرر ان يكون طبيباً ليعوض عن الشعور بالعجز الذي أصابنا جميعاً ، اما بالنسبة لي فيبدو ان ذلك اليوم هو الذي جعلني امقت هذه الغابة اللعينة "

- " انا آسفة لسماع ذلك ، اتمنى ان تتغمد روحه الرحمة "

- "شكراً لكِ تولين ، اتمنى ذلك ايضاً "

-" و ماذا بشأن امك ؟"

-" بالنسبة لأمي ... بعد موت أبي تغيرت حياتنا الى حدٍ ما و بشكل اصعب قليلا ً ، بدأ جدي بزيارتنا اسبوعياً ليتفقد احوالنا و استمر اخي بالسكن عنده في المدينة لاستكمال دراسته ، اما انا فقد بدأت بتعلم النجارة تحت ارشاد أمي و استمرت الحال هكذا حتى وفاتها قبل ثلاث سنوات و مع وفاتها انقطعت زيارات اخي"

-" و لهذا السبب تحمل مشاعر غير وديّة تجاهه "

لم اقل شيءً و لم اوضح موقفي من كلامها ، فأنا نفسي لا اعرف طبيعة المشاعر التي أكنها لأخي ، الامر ليس بهذه البساطة !

- " هل جربت التحدث معه بهذا الشأن ، فقد يكون لديه اسبابه التي منعته من زيارتك " قالت تولين

- " كلا لم نتحدث بهذا الخصوص .. "

- " فؤاد ، لا تتوقع من محمود ان يتمكن من قراءة افكارك ، احيانا يجب علينا ان نعبر عن مشاعرنا بالشكل  الصحيح حتى نعطي الفرصة للآخرين لأن يفهمونا جيداً "

- " إذن ماذا تقترحين بالضبط ؟ "

ابتسمت تولين قائلةً

" عليكَ ان تعدني بشيء ، إن نجونا من كل هذا ، ستخبر محمود بما تشعر به تجاهه و ستعطيه الفرصة لأن يفسر موقفه "

مشيتُ بخطوات بطيئة صوب مدخل الكهف لأنظر الى مشهد غروب الشمس الذي احاطت به حُمرة السماء ، ثم قلت بصوت مسموع لتولين

" أعدكِ بشيء واحد فقط ، اعدكِ بأننا

بأننا سننجوا ..

لا يزالون احياءOnde as histórias ganham vida. Descobre agora