••••••••

انفلق الصبـاح بعد ليـلة من كثـرة الأتربة التي نُفضت من فوق صناديق الحقائق ظنـوا أنها ستحجب عنهم أشعة الشمس لسنـوات .. خرجت شمس عن صمتها الطويـل منذ رحيلهـم من المشفى فسألتـه :

-تميـم !! هنفضـل نلف كتيـر كده بالعربية ؟!

رد بفتـور :
-مش عايـز أروح ..

أطرقت بحنو مقدرة الحالة التي يُعاني منهـا :
-عايـز تروح فين طيب ..

زفـر باختنـاق :
-مش عارف .. مش عارف يا شمس ..

وضعت يدها على كتفه لتُحسسه بوجودها معـه :
-تحب نروح مكان هادي نفطـر فيـه .. ومنه تفضفض براحتك ..

رد بمـلل يقتـل رغبته بالحيـاة :
-ماليش نفس لأي حاجة ..

تأملته بحيـرة مفكرة كيف يمكنها أن تساعده على تجاوز تلك الفتـرة القاسيـة .. فاقتـرحت قائلة مشيرة على مكانٍ هادئ :
-ممكن تقف هنـا ؟!

تنهد بتعب:
-شمـس ..

بررت طلبـها :
-مش لازم تتكلم على فكرة ، ممكن ننزل وتفضـل ساكت وتبص للنيـل ، وأنا مش هضايقك .. ها ننزل !!

لبى طلبهـا وصف سيارتـه جنبًا ثم هبط منها ووقفت بانتظاره حتى احكم اغلاقها .. اقترب منها وهو يرتدي نظارته السوداء فتلقت قُربه بابتسامـة خفيفة استقبلها بهزة امتنان من رأسه .. تقدم عنهـا خطـوة أثناء سيره فـ طوت المسافة الفاصلة بينهم وهي تسد فراغات يـده بحركة غير متوقعـة اشعلت نيران الاستفهام في رأسـه .. دخل الثنائي معـا للمكان ثم أشارت له على الطاولة :
-نقعد هناك .. على النيـل ..

وافقها الرأي بصمت تمام .. جلس بتراخٍ وهو يلقى المفاتيـح من يـده بدون اهتمـام .. جاء النادل ووضع الدفتـر أمامهم ثم انصرف بهدوء .. ألتزمت شمس الصمت وأخذت تطلع على قائمـة الطلبات لتفسـح له مجالًا من الاختلاء بأفكاره ..

مرت دقائق عديدة حتى قطعت حبل الصمت المتصل بينهم بجملتها :
-هطلبكرفطار على ذوقي !

-افطري أنتِ ..

ردت بعناد :
-لو مش هتاكل أنا كمان مش هاكل .. هااه ؟! ولعلمك أنا هموت من الجوع ، بس براحتك !

رد بإبطاء وبنبـرة يكسـوها الإجبـار :
-تمام .. اللي عايزاه .

أشارت للنادل وألقت عليـه قائمة طلبـاتها مؤكدة على القهـوة بالمذاق الذي يحبذه تمـيم .. انسحب الرجل بهدوء ، وغيرت هي مقعدها لتنتقل للمقعد المجاور له .. طالعها بنظرة سريعـة ولكنها تعمدت أن تطيل الوقت لرؤيتـه .. فسألتـه بصوت خافت :

-تتكلم ! 

هوى في حفـرة الماضي بشرود :
-تعرفي كُنت حساب كُل حاجة ، ومستعد أواجـه أي حاجة وكنت حاسس بسـر كبيـر مداري ورا حيطان القصـر ده ؛ بس اللي مكنتش عامل حسـابه بجـد أن عاصي وعاليـة مايبقوش أخواتي .. فجأة لقيت نفسي وحيد  .. مش متخيـل القصـر من غيرهم يا شمس .

" غوى بعصيانه قلبي "Onde histórias criam vida. Descubra agora