ولأنني امرأة مسرفة في مشاعرها ، أحببتك بقلبي كاملاً دون أن أدّخر منه شيئًا لأيام الحنين والغياب والاحتياج ، بتُ ملازمًا لقلبي كـ نبضه ، أحببتك في زمنٍ كذّبوا الحُب فيه، في وطنٍ يُعارض كُل شُعور، بين أُناسٍ يجهلون العاطفة، أَحببتك على أرضٍ جافّة، تحت...
Oops! This image does not follow our content guidelines. To continue publishing, please remove it or upload a different image.
-أنتِ كويسة ؟
ولت رأسها إليه بعد ما قرأ بعيونها وميض الألفة التي باتت تظلل عليها بقُربه وقالت بصوت خفيض :
-ااه كويسة ..
فتح له الحارس الباب كي يدلف من سيارته ، وما أن تأهب للهبوط تمسكت بكفه بتردد لينتظر ، تراجع عما كان سيفعله وطالعها بحيرة :
-عايزة تقولي حاجة !
هزت رأسها بتوجس ثم بللت حلقها وسألته بوهنٍ :
-أنا لو وثقت فيك ، هتخذلني !
استغرب من قسوة ولين جملتها التي قيلت بنبرة العجز لشخص لا يحترف السباحة فـ نجا من الغرق على ظهر حوتًا ! أ يأمن للبحر الذي كان سيغرقه أم للحوت الذي أنقذه ! أصدر عاصي إيماءة خافتة وقال بهدوء بعد أن استغرق وقتًا طويلًا في التفكير :
-عندك اختيار تاني غير انك تثقي فيـا !
هزت رأسها يمينًا ويسارًا بحسرة وأطبقت جفونها بأسفٍ : -لو كان عندي حل تاني كُنت هختاره !
-أهو السؤال واجابته عندك ..
اكتفى بجملته القصيرة وولى وجهه مغادرًا ، كانت تنتظر منه الكثير من الكلمات التي تهدأ من روعها ، والوعود التي تتكئ عليها الأيام المُقبلة ، ولكن رغم رده الشحيح والفقير من أي عهد إلا أن هناك سيل جارف من الأمان أنصب بصدرها.
رجل مثله اعتاد الصمت ، كانت خطواته أكثر من وعوده وكلماته ، لم يتعلم الثرثرة إلا حدها ولكن في هذا الموقف خصيصًا ارتدى ثوب عاصي دويدار الحقيقي عندما تعلق الأمر بمجده الشامخ ، توقف أمام سيارته ثم أشار لأحد الحُراس أن يفتح لها الباب ، أدلفت من سيارته بتوجس وخطوات مترددة حتى استقرت بجواره تُخاطبه بعيونها الخائفة ، ارتفعت عينيه لأعلى بتباهٍ ثم تعمد أن يُغلغل أصابعه بين فراغات يدها ويضغط عليه بقوة أجبرت كل أنش مرتعب بها أن يسكن ويأنس إجلالًا لهيبته .
تقدمت خطواته بثبات وهيبة وكانت حركتها بمحاذاته تستمد الثقة منه ، دخل من باب القصر بعد ما رحبت به سيدة الخدم وخلفها اثنان من الفتيات لتنفيذ أوامرها ، ما توسط عاصي وحياة ساحة القصر فـ جاءت " عبلة " من الباب الخلفي مُرحبة بسخرية :
-يا أهلا والله ، كويس أن عاصي بيه لسه فاكر أن له بيت يرجع له .
ثم اقتربت منه وتعمدت أن تُعانقه : -ليـك عندي مفاجأة ..
ابتعدت عنه وأخذت تُرمق " حياة " بشماتة : -متأكدة أنه هيفرق في حياتنا كلنـا ..
تحوم الاسئلة والدهشة حولهم وهم يتبادلون الحيرة من طريقة " عبلة " المُثيرة للفضول ، أردف عاصى متسائلًا : -في أيه !
في تلك اللحظة ؛ حل ضباب وجود " هدير " التي قطعت درجات السُلم بهدوء مُرتدية " روبًا " من الحرير باللون الازرق مُرصعًا بالريش ، جاءت من الخلف جاهرة : -وحشتني أوي .
أحست بعناقه كمن يضم جذع شجرة صلبه ، خالية من أي مشاعر ، أطرقت " حياة " وجهها أرضًا باستيحاء ثم أفلتت يده ولكنه لم يمنحها الفرصة لذلك بل تمسك بها أكثر ، وهتف غاضبًا : -سيدة ، أنا مش قلت محدش يدخل البيت ده غير بإذني !
خرجت شمس وتميم من غُرفتهم ، ثم نوران إثر صوت الصخب الذي حل بالوسط ، لم تمهله استكمال زمجرته وقاطعته بعيون التحدي التي لم تترحزح عن " حياة " :
-أنا ما بقتش محتاجة أذن يا عاصي عشان أدخل بيت دويدار ..
جز على فكيه بجزعٍ : -رجعتي هنا ليـه يا هدير !
وضعت يدها على بطنها وقالت بتغنجٍ : -أنا حامل يا عاصي ..
ثم وضعت كفها على وجنته واطلقت تنهيداتها المُنتصرة وأكملت :
-ابنك في بطني ، وبيتنفس حُبك زي ما أنا بتنفسه ، هجيب لك الولد ، الولد اللي هيخرس كُل الناس اللي طمعانة فيك .. حلمي اتحقق خلاص وبقيت شايلة ابنك واسمك لاخر عمري !
ثم سحبت يدها عنه وهي تتفقد ملامح حياة المُرتبكة ، وتحولت نظرات الانتصار بعينها لانتقام ، خشنت نبرة صوتها وقالت بحقد : -دلوقتِ بقا ، وبما أني سيدة البيت فـ من حقي أقول مين يقعد فيه ومين لا ..
وضعت يديها بخصرها وجهرت : -وأنا دلوقتِ اللي بخيرك يا عاصي ما بين ابنك اللي في بطني ووريث آل دويدار وبين اللي جايبها من الشارع دي .
-أنتَ اللي متنساش نفسـك ، أنا اللي مراتك وأم ابنك وعايزة مصلحتك ، الهانم لا هي حامل ولا حاجة ، دي بتخدعك ، أنا روحت المستشفى وشوفت تقايرها بنفسي ، البنت دي كذابة وعايزة تقلبك في قرشين .
صدمة تلو الأخرى لم تكن بحسبانه ، ما لبث أن رمت خيوط شِباك مكرها فوقه ، فأحكمت ربطها بجُملتها الأخيرة التي قالتها بنبرة لاهثة مُبطنة بالغل وهي تتوسله :
ثم شدت يده عنوة ووضعتها على بطنها وأخذت تستعطفه : -ابنك هنا في بطني ، طمنه .. طمنه وقوله إنك مش هتتخلى عنه ولا عن مامته عشان واحدة زي دي .. طلقها عشاننا وعشان حياتنا سوا يا عاصي ...