الحلقه الثامنة عشر

3.9K 146 21
                                    

الحلقة الثامنة عشر
إن الحب هو الذي يحول المر حلوًا، والتراب تبرًا، والكدر صفاءً، واﻷلم شفاءً، والسجن روضةً، وهو الذي يُلين الحديد، ويذيب الحجر، ويبعث الميت وينفخ فيه الحياة.
جلال الدين الرومي
✨✨✨✨✨✨✨
"هو قلبك ده مدقش باسمي ولو مره ده حتى بيقولوا القلوب عند بعضها... معقول قلبك محسش بقلبي!"
فاجأها بكلماته تلك، لم تتخيل أن تسمع منه ما قال لتوه! كادت تسمع دقات قلبها المتسارعة أثر كلماته، ضغطت شفتيها معًا بارتباك وسحبت يدها من اسفل يده، واستدارت لتهرب من نظراته التي تفتـ ك بقلبها، وقالت بنبرة ساخرة:
-إنت أكيد بتهزر!!!
ضحك بخوف وهو يهز عنقه نافيًا، وقطب جبينه قائلًا بتأكيد:
-لأ مش بهزر... أنا حبيتك يا هبه
رفع كتفيه لأعلى مردفًا:
-معرفش حصل امته وإزاي بس أنا بجد حبيتك وعايز أكمل حياتي معاكِ بشكل طبيعي
أخذت تفرك يدها وهي مطرقة رأسها لأسفل بإحراج شديد وبارتباك، رفعت رأسها لترمقه بنظرة خاطفة ثم زاغت ببصرها عنه وقالت بتلعثم:
-مـ... لـ.. لأ مينفعش ده يحصل أ... أنا مش موافقه
شبك ذراعيه حول صدره وقال برتابه:
-خدي وقتك وفكري أنا مش مستعجل اعتبري أننا مخطوبين واتعرفي عليا من جديد...
رمقته بطرف عينيها ثم نظرت نحو باب الغرفه تتمنى الفرار من هذا الحوار الذي زلـ زل كيانها ودك حصون قلبها، وعندما لاحظ ارتباكها حاول تخفيف الموقف فابتسم مردفًا بمرح:
-دا أنا واد طيب والله ودمي خفيف وأتحب جربيني ومش هتندمي
رمقته سريعًا ثم أشاحت بصرها ولم تُعقب، فحمل الحقيبه قائلًا:
-طيب أنا همشي بقا ونتكلم بعدين
غمز لها قائلًا بابتسامة:
-سلام يا عسل
لم تحرك ساكنًا ولم تنبس بكلمة بل وقفت تنظر لأثره فاتحة فاها بدهشة، مسحت جبينها المتعرق وتمتمت:
-دا باينله إتجنن ده ولا إيه! أو ممكن تكون دي أحلام العصر إلي مبيبقاش ليها تفسير...
حكت رأسها وقالت: بس إحنا لسه الصبح!
نظرت لخزانة الملابس الفارغة ومسحت على شعرها محدثة حالها بتعجب:
-عاوزني أديله فرصه! فجأه كده!
قطبت جبينها ورددت بشدوه:
- يا وقعه مربربه! انا أحسن حاجه أروح أكل...  عشان أحاول أستوعب إلي حصل ده وأشوف هعمل إيه!
__________________________
كانت ترقد على سريرها تعبث بهاتفها المحمول ففتح فؤاد باب الغرفة وأدخل رأسه منه ناظرًا بطريقة مضحكة وقال:
-ممكن أدخل؟
اعتدلت جالسة وقالت بنزق:
-ما إنت دخلت أصلًا...
ضحك بخفوت وهو يدخل للغرفة ويغلق الباب خلفه، فأردفت بتبرم:
-مش عارفه هفضل أعلم فيك لحد امته... يبني فيه حاجه اسمها استئذان يعني خبط على الباب الأول
جلس جوارها على الفراش وقال بسخرية:
-وأنا هفضل أقولك الإستئذان ده مع أي حد غير مراتي لحد امته!
نفخت بنفاذ صبر وقالت:
-اللهم طولك يا روح عاوز إيه يا فؤاد؟
-وراكِ إيه النهارده؟
-ولا حاجه هزاكر شويه
-لأ تزاكري إيه هما يعني إلي زاكروا خدوا إيه قومي إلبسي عشان نخرج مع بعض... أنا قررت أفسحك
تهلل وجهها فرحًا واتسعت عيناها بذهول قائلة:
-وحياة أمك يا فؤاد هتفسحني
فؤاد بابتسامة:
-وحياة خالتك لخليكِ تقضي يوم تحلفي بيه طول حياتك
صفقت بيدها بحـ. ماس وقالت بفرحة:
-فوريره اديني تلت دقايق وهكون جاهزه قبل ما ترجع في كلامك
اقتربت من خزانة ملابسها لتُخرج ملابسها وهو يتابع حركاتها بحب، استدارت تنظر له قائلة:
-يلا قوم إستناني بره عشان ألبس
نهض واقفًا وخرج من الغرفة مبتسمًا دون خوض أي جدال.
وبعد ما يقرب من نصف ساعه وقف جوارها ناظرًا للبحر، يستند على قضبان الحديد التي تحاوط حافتيه، التفت ينظر نحوها فطالعته بابتسامة عذبة ثم أعادت النظر أمامها واختفت ابتسامتها لتحل محلها علامة استفهام وسألته:
"هو إنت ليه صابر عليا لحد دلوقتي.. مع إني مفتكرش إن عمري قولتلك كلمه حلوه تعلقك بيا!"
دنا منها وقال بصوت رخيم:
-أنا مش محتاج منك كلام يا وسام... عينك قالت إلي في قلبك من زمان
تنهدت بعمق وعادت تجلس على المقعد الحجري تُطالع الطريق أمامها بشرود، نظر لها لبرهة كم يتمنى أن تخبره بما يجيش به صدرها! لترتاح فيرتاح خلده، زفر بقـ. وة عله يُخرج إنفعالات قلبه ويُطفئ لهيبه الذي يزداد اشتعـ. ـالًا كلما رأى حالتها تلك، تبعها بهدوء ليجلس جوارها، يطالعها بإشفاق، نظرت له قائلة باقتضاب:
-إنت تستاهل واحده تحبك وتديك كل الحلو إلي في الدنيا... لكن أنا!!!!!
قطع المسافه الفاصلة بينهما وحاوط كتفها بذراعه فسندت رأسها على كتفه وقبضت على كفه الأخر بكفها، كشخص يطلب منك الأبتعاد وهو المتشبث بك، وويضمك بقـ. وة صارخًا اتركني!
التفت حوله يتفقد خلو الطريق وقبل رأسها، قال بحنو:
-الحلو من إيد غيرك مر والمر من إيدك حلو... أنا بحب وسام ومش عايز غيرها...
أغلقت جفونها عندما لامس ذقنه جبهتها، هـ. اجمها خضم من الأفكار لمَ لا تخبره الحقيقة! فكما قال لها مسبقًا هو زوجها وليس مجرد معجب يركض خلفها، نعم زوجها ويحق له أن يعلم! ترددت كثيرًا ثم استجمعت قوتها وقالت:
-أنا كنت رافضه أقولك عن سبب رفضي ليك بس... بس إنت لازم تعرف... وأرجوك تفكر كويس أوي قبل أي قرار وأنا راضيه...
ابتسامة راضية ارتسمت على شفتيه وقال بود:
-أنا إلي راضي ومن قبل ما تحكي...
شددت قبضتها على يده وكأنها ترجوه ألا يتركها وقالت بنبرة مرتعشة وخافته:
-فؤاد أنا... أنا جسمي... جسمي...
برقت عيناها بالدموع التي لم تُطلع عنانها، عادت تتذكر واقعها الأليم وماضيها القاسي، شعر فؤاد بعلو أنفاسها وقلقها الزائد فقرب يدها من شفتيه وطبع على باطن كفها قبلة ودودة ثم أنزل ذراعه الأخر عن كتفها ليحاوط خصرها عله يُطمئنها، وهو يقول بنبرة هادئة:
-اهدي يا وسام
أخذت شهيقًا عميق من أنفها وأخرجت الهواء من فمها لتهدأ، أزاحت ذراعه عنها واعتدلت في جلستها لتستطيع تأمل تأثير كلامها التي ستنطلق به على صفحة وجهه، وقالت بأسى:
-فؤاد... أنا... أنا اتعرضت لحـ. ريق شوه جسمي.. يعني أكتافي ورجلي وظهري و..
طأطأت رأسها لأسفل مردفةً بانكسار:
-أنا بقيت بشعه... إنت مش هتقدر تبصلي يا فؤاد إذا كنت أنا مبقدرش أبص لنفسي... مش هتقدر صدقني عشان كده بقولك إني منفعكش... أنا منفعش حد أصلًا
أطلقت العنان لعبراتها الحارة لتسيل على وجنتيها، فاعتدل في جلسته ومد يده ليقبض على إحدى يديها ويربت عليها بحنو قائلًا:
-وأنا قولتلك إني راضي بأي حاجه وهتفضلي في نظري أحلى وأجمل بنت في العالم... يا وسام أنا بحب قلبك وروحك وملامحك كل حاجه فيكِ ومش مجرد شوية حـ. روق هتبعدني عنك...
أطلق تنهيدة طويلة وقال:
- حبيبتي أنا أهم حاجه عندي أشوف ابتسامتك وضحكتك الحلوه إلي بتنور حياتي... وأي حاجه تانيه مش مهمه
شهقت باكية فأردف بحب:
-لا عشان خاطري بلاش عياط أنا يعز عليا دموعك دي..
أخرج منديلًا من جيبه ومسح دموعها ثم قال مُداعبًا:
-قمر حتى وإنتِ بتعيطي
أخذت المنديل من يده ومسحت دموعها وهي تقول بجدية:
-فكر كويس يا فؤاد أنا مش عايزه أظلمك و..
قاطعها قائلًا بوجوم:
-أفكر في إيه؟ هو إنتِ متخيله إني ممكن أبعد عنك عشان السبب التافه ده! أنا مش هيبعدني عنك إلا الموت يا وسام
-بعد الشر عليك متقولش كده
نهض واقفًا وقال بابتسامة:
-قومي خلينا منضيعش وقت عشان أفسحك وأغديكِ... وعشان كمان عايزك في مشوار كده بتتهربي منه بقالك فتره..
قطبت جبينها باستفهام:
-مشوار إيه ده؟
-هتعرفي بعدين...
نهضت واقفة وتوجها لسيارته، ركبت جواره وانطلق، ساد الصمت بينهما طوال الطريق كل يرمقها بنظرات حائرة بين وهلة وأخرى يتردد أن يسألها عن تفاصيل ما حدث معها فهو يعرف تمام المعرفة أن وراء نظراتها تلك سر أخر أدهى وأمر مما قالت قبل قليل! لكنه ليس بالمكان الملائم سيصبر لكنه حتمًا سيعرفوبما تواريه، مر الوقت وهو يحاول إخراجها من بؤرة أفكارها يمزح معها، يداعبها ويضحكان، وبعدما ذهبا للملاهي وقضيا وقتًا ممتعًا، أخذها لأحد المطاعم ليتناولا الغداء بصحبتها...
______________________
لم تذهب فرح للجامعه في هذا اليوم وأصرت أن تُحضر له الغداء بيدها، ستطبخ له الدجاج مع الملوخية التي علمت من والدته أنه شغوفّ بها، دخلت للمطبخ ووقفت تنظر للخضروات  متمتمة:
-استعنا بالله

رواية وسام الفؤاد لـ آيه شاكر Onde as histórias ganham vida. Descobre agora