الثامن والعشرون ج٢

Start from the beginning
                                    

••••••••

بداخل كُل أنثى طفلة صغيرة ، فراشة ، مجرد ما تقع على بستان ورودها تحلق هنا وهناك وكأنها ملكت زمام الحياة ، ومنحت للورد ألوانه .. قضت حياة مع الفتيات ساعات من المرح والسعادة ، أخذت تتنقل معهن في كل مكان وتركض وتمرح وتضحك كطفلة غير مكترثة بالعشرين عام الفارق بينهم .. اقترحت تاليا بحماس :

-حياة ، تعالى نجرب دي كمان .

رمقت حياة لعبة قطار الموت فانقبض قلبها ورفضت رفضًا قاطعًا :
-مستحيل يا حبيبتي ، دي مرعبة أوي ، أحنا خلينا في الحاجات السهلة ، تيجوا نركب العربيات تاني !

تنهدت داليـا بأسف :
-يا خسارة ! بابي لو كان موجود مكنش هيرفض خالص .

انكمشت ملامح حياة بقلق وتمتمت :
-أيه لازمتها السيرة دي دلوقتِ !

-أنتِ بتكلمي نفسك يا حياة !

-هااه لا معاكم ، أنتوا مش جعانين ولا أيه !

قالت حياة جملتها وهي تنكث على ركبتيها كي تبقى في مستواهم ، تمسكت الصغيرة ببنطها وأردفت بعفوية :
-أنا عصافير بطني بتزقزق من الجوع .

قبلت وجنتها بحب :
-يا روحي أنتِ ! هناكل فين بقا ؟

وضعت داليا سبابتها على ثغرها المزموم وأصدرت إيماءة خافتة :
-برجر ..

ولت وجهها لتاليـا :
-توتي موافقة ؟!

ردت بحماس :
-يس !

-اتفقنا ، يبقى برجـر .

ما كادت أن تقف وتستدير خلفها فأرتطمت بجلادها ، بحصنها المنيع ، وسور سجنها ، لحظة توقف فيها الزمن وعقلها عن التفكير ، تصلبت تعابيـر وجهها ، وأصيبت شفتيها بداء الارتعاش ، رفـع حاجبـه بملامحـه الغاضبـة :

-بتتحـديني يا حياة !

تهيج قلبـها بوجوده ، اخذت نفسًا طويلًا مع ابتسامـة مخادعة وقالت ببرود مزيف وقالت بنيرة خافتـة :
-كُنت متأكدة أنك هتيجي !

ثم جهرت بصوتها :
-مش قولت لكم يا بنات أن بابي حنيـن وهيخلص شغله بسرعة ويجي يقضـي معانا اليـوم ! ولا أيه يا بـ.. بـابي !

هلل الفتيات بفرحةٍ وهن يمدحن في ما فعلتـه حياة وكم السعادة البالغة المتدفقة من أعينهـم ، ثرثرتهم العبثـية جعلته يبتلـع ما يرقد على لسانه من شتائم ، لاحظت حياة ملامحه المكتظة بالغضب ، وقالت بقلق :
-مش نفسكـم في فشـار ، يلا نجيـب !

أفشـل مُخططها فـ الفرار منه عندما غرز أنامله في ذراعها المُتعري وقال بجفاء وبنظراته الثاقبة :
-روحوا أنتو هاتوا الفشار يا بنات ..

حدجته بتوجسٍ :
-أروح معاهم !!

ألجمها بنظرة حادة أخرستها ، ركضوا الفتيات نحو بائع الذرة وتركوها لوحدها في مواجهة الأسد ، بللت حلقها الذي جف وقال بتوسل :
-ممكن اتكلم !

" غوى بعصيانه قلبي "Where stories live. Discover now