الفصل الحادي عشر

Start from the beginning
                                    

تقطرت عبراتها الغزيرة ولكنها لا زالت تحت تأثير الصاعقة التي فاقت عليها ، حاولت الالتصاق بهِ بآهات الترجي والتوسل عير مُتقبلة فكرة رفضه لها ، حاولت أن تُقبله ولكنه مانع ذلك منعًا تامًا ، صرخت بوجهه وهي تلهث :

-بس أنا بحبك ، متعملش فيا كده ! عمري ما اتخيلت أكون لحد غيرك ، أنت لو زعلان مني في حاجة قولي لي ونصلحها وأنا أوعدك هنفذ كل كلامك بالحرف .. أنا زعلتك في أيه فهمني ؟!

فاض صبره منها ثم قبض على مرفقيها بقوة و رجها أمام عينيه لتفيق من ثورة الجنون التي طاحت بعقلها وقال جاهرًا بقسوة :
-هدير فوقي ! أنتِ كنتِ لي مصلحة وخلاص خدتها ، يعني وجودك على ذمتي ساعة زيادة ميلزمنيش ، افهمي بقا .

جتم جُملته كـ صرير الرياح القوي وهو يطير الكلمات من ثغره ثم رماها بقوة في منتصف الفراش دون أن يلتفت لها مهتمًا أو مُشفقًا على حالتها ، اتجه نحو خزانته وهو يطلق صفير السعادة متجاهلًا أمر الزجاجة التي هشمها بدون مقصد .

•••••••••

قد يتمرد قلب المرء منا على عيشته وأيامه ، و يفر هاربًا من قسوة حياته إلى نعيم المجهول ، ظنًا منه بأنه اكتسب حصانة قوية يمكن أن يواجه بها ما يقابله ويتغلب عليه أيضًا ، ولكن تلك أكبر خديعة للعقل ، من امتلك القوة حقًا فـ الأفضل له أن يغير بها واقعه الحرج لا يهرب منه ! لأن الفرصة الثانية التي يمنحها العقل للقلب الهارب مُرعبة للغاية ، لـ هول ما تُخاطر به تلك المرة ، إنه عُمرك ! .

فاقت " عالية " من نومها على صوت قفل الباب بـ قوة ، كانت راقدة على الأرض بجوار الطاولة الدائرية الصغيرة بالمطبخ ، من كثرة بُكاءها غرقت عينيها في ظلمة النوم كي تستريح قليلًا من نزف الحزن بيهم ، حاولت النهوض بتثاقل وكأن ثقل صخرة فوق جسدها مستندة على أحد المقاعد الخشبية ، أخذت خطوة النهوض منها القليل من الوقت والكثير من الآهات وأنين التوجع .

مجرد ما وقفت على ساقيها لم تتحمل الاستمرار للحظة بل جلست بسرعة على طرف المقعد ممسكة بجنبها الأيمن بقوة فـ لم تستطع تحمل الألم أكثر ، رفعت جفونها الذابلة وأخذت جولة سريعًة في أركان البيت حولها ثم أغمضت جفونها سريعًا كي تمحي ذكراها القاسية .

تمردت على عذابها الجسدي والنفسي ثم وقفت بصعوبة بعد ما تحررت من حذائها المؤلم وبدأت رحلة تجولها بـ الشقة الكبيرة باحثة عن المرحاض ، فارقت المطبخ وسارت جهة اليسار قاطعة الممر الطويل الذي كان يختتم بغُرفته ، اقتربت منها بخوف وهلعٍ إثر أنوارها المتقدة ، وما أن وقفت على أعتابها اندهشت لـ فوضى وعبث الغرفة أمامها ، رمقتها بعيون فاحصة وبعقل يُترجم لها ما تشاهده نافيًا انتماءها لجنس بشري ، فـ كانت الغرفة أشبه بحظيرة للحيوانات .

تنفست الصعداء عندما تأكدت من عدم وجوده بالمنزل ، وأنها ستنعم بالحرية لساعاتٍ مجهولة العدد ، ولكنك إذا نجوت من الغرق سيظل الماء يُخيفك باقي عُمرك .

" غوى بعصيانه قلبي "Where stories live. Discover now