المُقــدمة

Start from the beginning
                                    

-كنت أعلم إنكِ ستأتي !
أجبته بعفوية :
-وكنت أعلم أنكَ ستراسلني !
اقترب مني خطوة كان صدحها في صدري وقال
-تسمحِ لي أن أخوض بالأمر دون مماطلة ؟!

بادرته وأنا أتمسك بأصبعيه و تلمع الدموع بعيني متوسلة ، خائفة أن أعود لغرفتي وحيدة لا انتظر حتى سماع صوته الذي يؤنس قلبي ، لفظت جملتي بنبرة إمراة فقدت كل شيء ولم يتبقى لها إلا عيونك ؛ بتُ أخشى الأيام بدونك ، أرجوك لا تقف تلك المرة في صف الحياة وتدعمها ! بربك سأسحق ، فلم تُخلق هزيمة أقوى من دُحرغيابك .. رجوته بكل أملي قائلة

-تسمح لي أنا أكون لك وتكون لي ؟!

ساد صمت طويل قالت فيه الأعين ما لم تقل من قبل .. ولأول مرة أشعر بسقيع كفه كأن المكان أصبح لا ينتمي لي ، بات فراغ أصبعه لا يشتهى أصابعي ، ارتجف قلبي حينها رجفة لم اتجرعها إلا مرة واحدة وهي عند موت أمي .. والثانية عندما تابعت تفاصيلك الرافضة لي برعبٍ .

ابتعدت عيونه عني بسهولة تلك المرة وتهتهت الكلمات في حلقه وهو يناديني :
-رسيل !

اقتربت منه أكثر ورأيت علي ملامحه فراق ساطع  .. انبثقت دمعة الحسرة من طرف عيني وأخبرته
-سندع الماضي يرحل بكل أخطائه ، ونسطر بداية قصتنا الجديدة من الآن بشرطٍ ألا يشملها فراق ولا بُعـد .

ثم ترقرقت العبرات من عيوني بسرعة كسرعة نبضات قلبي وأكملت
-أعدني قاسم ، أعدني ألا يعرف البُعد لنا طريق .. تعلم أني سأجن لو رحلت عني .

مسح على شعري كمن يغطى وجه ضحيته بعد ما اغتالها لإنه يخشى رؤية قطرات العتاب بعينها وقال بنبرة باردة كبرودة الطقس
-أنتِ قوية لا يهزمك شيئًا ، أنا أثق بك .

قطم بجملته قلبي كحيوان مفترس لا يرحم ، فلم تجبره عيناي المحمرة على البقاء ، لم يشفق على انتفاضة روحي ، وذعر ملامحي ، لم تهمه يدي المتشبثة به كالغريق الذي يتعلق بطوق النجاة .. بللت حلقي ومسحت وجهي سريعًا وأنا اسأله

-ستسافر !

-أجل ، هذا مستقبلي وأنتِ الذي لم ترغبي في مشاركته .

خرجت نبرة صوتي مبحوحة ، مذبوحة بسكين الفراق :
-سبق و أخبرتك بأني لا استطيع السفر ، لا أرغب أن افارق أبي ، ليس له أحد غيري ، مثلما لم يكن لي غيرك .

استدار بظهره وأفصح بجفاء
-هذه هي الحياة .. لكي تنال شيئًا لابد أن تتنازل عن آخر .
بوخته بنبرة ممزوجة بـ القهروالسخرية
-وها أنا أصبحت كبش الفداء لأحلامك .
-لا تُحملينني عاقبة خيارك !
-لا تضع مبررات لكذبك و الاعيبك !

قال جملته كي يبرئ ضميره من أثم قلبي الذي رافقه لأيامٍ طويلة ، كنت دومًا ما اتجاهل الكتب والروايات التي تتحدث دائمًا عن غدر الرجال ، وضحاياهم المنتشرة بجميع الأركان ، فلم تخلق فتاة لم يخدش قلبها من معشر الرجال ، قيل عنكم أكثركم يخلط السُم بالعسل ولكني معك ظننت إنني خالطت العسل بك فـأحلوت أيامي ، صدقت بك جميع الرجال وكذبت جميع الكتب والكُتاب وها أنا الآن أحصد نتيجة ثقتي وحماقتي معًا !

غوى بـ عصيانه قلبي ❤️‍🔥Where stories live. Discover now