غوى بـ عصيانه قلبي ❤️‍🔥

By Nehal_mostafa

1.5M 90.2K 13.5K

ولأنني امرأة مسرفة في مشاعرها ، أحببتك بقلبي كاملاً دون أن أدّخر منه شيئًا لأيام الحنين والغياب والاحتياج ، ب... More

إهداء
المُقــدمة
الفصل الاول
توقيع الأبطال
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
تنوية
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل الخامس عشر ج ٢
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
حياة
الثامن عشر
التاسع عشر
العشرون
الواحد والعشرون
الثاني والعشرون
الثالث والعشرون
الرابع والعشرون
تنويه
الفصل الخامس والعشرون
اقتباس
السادس والعشرون
السابع والعشرون
الثامن والعشرون ج ١
تنويه
الثامن والعشرون ج٢
دردشة ♥️
التاسع والعشرون ج ١
التاسع والعشرون ج2
الثلاثون
تنويه
اقتباس
المواعيد
الفصل 31
٣٢
الفصل 33
34
تنويه
35
36
تنوييـه
٣٧
تنوييـه
38
٣٩
٤٠
تنويه
41
٤٢
٤٣
٤٤
٤٤ج ٢
٤٥
٤٦
٤٧
٤٨
49
٥٠
تنويه ☀️
٥١
٥٢
٥٣
اقتباس
٥٤
٥٥
٥٦ ج ١
٥٦ ج ٢
٥٧
٥٨
٥٩
٦٠ج١
٦٠ ج٢
الخاتمـة
اقتباس
إهداء
١ج٣
الفصل ٢ ج ٣

٥٩ ج ٢

15.3K 1K 128
By Nehal_mostafa

✨ الفصـل التاسع والخمسـون ✨

~ الجزء الثاني من الفصـل ~

لم يخشى يومًا هول النهايات من كثرة ما عاناه ، كل الذي أثار مخاوفه وحزنه قسوة هذه النهاية أن يبدو الأمر وكأنه مزحة أو حلم بدَّده التيقظ ، يعيشها ككابوس مخيف مُجبر أن يُكملـه لآخره مكبل مقيد الجسد بعجزٍ تام على يمنع هربك منه ..

ربت تمـيم على كتف عاصي وكأنه يواسيـه على فقدانـه لابنـه مستمعًا لحواره مع الطبيب :
-طيب هي كويسـة ؟! في خطر على حياتها !! أنا جاهز أسفـرها حالًا .

رد الطبيب :
-لالا متكبرش الموضـوع يا عاصي بيـه .. المدام بخيـر وهننقلها أوضـة تانيـة دلوقتي ، كام ساعة وهتفوق ، مفيش حاجة تستاهل القلق .. اطمن.

غادر الطبيـب فهتف تميم بحزن :
-ربنـا يعوضك يا عاصي .. شد حيلك .

تبادل كل من رشيد ويونس نظرات الحزن حيث تقدم الأول مواسيـًا :
-متزعلش يا عاصي ، المهم رسيـل بخير ..

مسح على وجهه عدة مرات متقبلًا مصيـره الذي حش جذور قلبـه ، كان للمرة الأولى يعيش معها تفاصيل كونـه سيصبح أبًا لطفل أمه إمرأة عظيمـة مثلهـا ..

خرجت من غرفت العمليـات لتُفرق جمعهم ، مال على السرير المتحرك وأمسك يدها متبعًا خُطى الممرضات .. بلهفة سألهم :
-هي نايمة وهتصحى كويسـة ؟!

-إن شاء الله يا فندم ..

مسح على جبهتها وسألهم :
-أنتوا هتودوها فين ؟!

-هننزلهـا أوضتها تحت ...

دخل معهم المصعـد فسألها بنبرة طفل يخشى فُراق أمه :
-هينفع أقعد معاهـا ؟!

-أيـوة يا فنـدم مفيش مشكلة .. تقدر تقعد جمبها لحد ما تفوق .. هي زي الفـل أصلًا ..

تمتم بعرفان :
-الله يطمنـك ..

وصل مع الممرضـات إلى الغُرفة التي ستمكث بهـا ، فتقدم التمرجي ليحملهـا ويضعها على سـريرها الخاص فأرقفه عاصي بحدة :
-أنت هتعمل أيه ؟!

ثم تقدم بدون تفكيـر وحملها ووضعها برفق تام ، علقت الممرضة المحلول بمكانه و قالت له :
-أول ما المحلول يخلص رن الجرس .. الف سلامة عليها ..

جر المقعد وجلس بجوارها ممسكًا بيدها المُعلقـة بإبرة المحلول ، مال ليطبع العديد من القُبلات فوق يدهـا كأنه يعتذر لها لانه خذلها في حمايتها وحماية صغيـرها .. تأمل تفاصيـل وجهها النائم بشـوق يمزق قلبـه وقال :

-فتحي عينك يا حياة ..

أخذ يتأمـلها بأعين محب مغرم غارق في تفاصيلها تاركًا لقلبه الزمام كي يُخاطبها في منامها متوسلًا إليها :

(خذِني إليكِ أن أردتِ بقاءنا ..
أما الغيـاب بربك سيف يقتلُ !!
لا تتركيني خائبًا وحيدًا لعقارب الزمن السامة أنتظر عودتك
وأنا الذي لا شيء مني أوجعك ..
عودي .. ووعدي لعينيكِ لأبقيك في عيني كأنك واقفة في طرفها حتى أخافُ أن أرمش فأدمعك ! 
بات قلبي على غُربتك غريبًا يبكي دمًا ..
فقلبي لقلبك جوارٍ ، كصلة العين بالرمشِ ..
قلبي يتتوق شوقًا للقاءك ولكني أخشى أن ضممتكِ مرةً من لهفتي تُلاقي مصرعك ، اشتقت لـ عطرك مرةً في ملبسي أو صوتك يغرد حُبًا بمسامعي ..
واللهِ قلبي لا يطيقُ بُعدك
واللهِ نبضك لن يبارحَ أضلعي
لا شيء عندي قد يقال ليصبرني على غيبتك ولكن كل شيء عندي أفتديهِ لأُرجعك
خذني إليكِ ..
وأن نويتِ فراقي خذني
ولو ذكرى جِوارك تصطلي،
وإذا نويتَ فراقنا خذني معك .
أنا الذي بدونك لا شيء يُذكرُ ...)

••••••••

انفلق الصبـاح بعد ليـلة من كثـرة الأتربة التي نُفضت من فوق صناديق الحقائق ظنـوا أنها ستحجب عنهم أشعة الشمس لسنـوات .. خرجت شمس عن صمتها الطويـل منذ رحيلهـم من المشفى فسألتـه :

-تميـم !! هنفضـل نلف كتيـر كده بالعربية ؟!

رد بفتـور :
-مش عايـز أروح ..

أطرقت بحنو مقدرة الحالة التي يُعاني منهـا :
-عايـز تروح فين طيب ..

زفـر باختنـاق :
-مش عارف .. مش عارف يا شمس ..

وضعت يدها على كتفه لتُحسسه بوجودها معـه :
-تحب نروح مكان هادي نفطـر فيـه .. ومنه تفضفض براحتك ..

رد بمـلل يقتـل رغبته بالحيـاة :
-ماليش نفس لأي حاجة ..

تأملته بحيـرة مفكرة كيف يمكنها أن تساعده على تجاوز تلك الفتـرة القاسيـة .. فاقتـرحت قائلة مشيرة على مكانٍ هادئ :
-ممكن تقف هنـا ؟!

تنهد بتعب:
-شمـس ..

بررت طلبـها :
-مش لازم تتكلم على فكرة ، ممكن ننزل وتفضـل ساكت وتبص للنيـل ، وأنا مش هضايقك .. ها ننزل !!

لبى طلبهـا وصف سيارتـه جنبًا ثم هبط منها ووقفت بانتظاره حتى احكم اغلاقها .. اقترب منها وهو يرتدي نظارته السوداء فتلقت قُربه بابتسامـة خفيفة استقبلها بهزة امتنان من رأسه .. تقدم عنهـا خطـوة أثناء سيره فـ طوت المسافة الفاصلة بينهم وهي تسد فراغات يـده بحركة غير متوقعـة اشعلت نيران الاستفهام في رأسـه .. دخل الثنائي معـا للمكان ثم أشارت له على الطاولة :
-نقعد هناك .. على النيـل ..

وافقها الرأي بصمت تمام .. جلس بتراخٍ وهو يلقى المفاتيـح من يـده بدون اهتمـام .. جاء النادل ووضع الدفتـر أمامهم ثم انصرف بهدوء .. ألتزمت شمس الصمت وأخذت تطلع على قائمـة الطلبات لتفسـح له مجالًا من الاختلاء بأفكاره ..

مرت دقائق عديدة حتى قطعت حبل الصمت المتصل بينهم بجملتها :
-هطلبكرفطار على ذوقي !

-افطري أنتِ ..

ردت بعناد :
-لو مش هتاكل أنا كمان مش هاكل .. هااه ؟! ولعلمك أنا هموت من الجوع ، بس براحتك !

رد بإبطاء وبنبـرة يكسـوها الإجبـار :
-تمام .. اللي عايزاه .

أشارت للنادل وألقت عليـه قائمة طلبـاتها مؤكدة على القهـوة بالمذاق الذي يحبذه تمـيم .. انسحب الرجل بهدوء ، وغيرت هي مقعدها لتنتقل للمقعد المجاور له .. طالعها بنظرة سريعـة ولكنها تعمدت أن تطيل الوقت لرؤيتـه .. فسألتـه بصوت خافت :

-تتكلم ! 

هوى في حفـرة الماضي بشرود :
-تعرفي كُنت حساب كُل حاجة ، ومستعد أواجـه أي حاجة وكنت حاسس بسـر كبيـر مداري ورا حيطان القصـر ده ؛ بس اللي مكنتش عامل حسـابه بجـد أن عاصي وعاليـة مايبقوش أخواتي .. فجأة لقيت نفسي وحيد  .. مش متخيـل القصـر من غيرهم يا شمس .

بللت حلقها وهي تُطلعه بعيون يلمع بداخلها الدمع كالنجوم :
-عارفة أنها صعبـة .. بس أنت ليـه افترضت بُعدهم ؟!

-عاصي مش هيقبل يقعد في مكان مش بتاعه بعد ما كُل الورق اتكشف ..

فقاطعته :
-أنت بتحب عاصي يا تمـيم ؟!! يعني أقصد ...

رد متفهمـًا :
-أنا فاهـم تقصـدي أيـه .. للأسف عبلة بفكرها المريض نجحت تبني جسـر طويل ما بينـا ، طلعتني ابن زنـا عشان تكسـرني ، وفهمت عاصي إني عدوه اللي لازم يحطه تحت المراقبة طول الوقت .. ربنا جوانا عداوة وللأسف أحنا عشنا الوهم معاها ..

غمغمت شمس بصوت خفيض :
-دي مستحيل تكون بشـر زينـا .. طيب أنت ناوي على أيه ؟!

-دماغي واقفة مش عارف أفكـر يا شمس .. واللي هيجنني عاصي كان عارف ، وهما الاتنين لعبوها علينـا ..

ثم تنهد بحرقة :
-طيب عاليـة ؟!! أنا مش مصدق إني مش هعرف احضنها تاني !! طيب هي فين أهلها وهتعمل أيـه وهيعيشـوا أزاي ؟!

ساد الصمت بين أفواههم للحظات ولكن عينيهم لم تتوقف بعد .. أخذت تُفكـر بتردد حتى حسمت قرارها لتخبره :
-تمـيم .. في حاجة جيـه الآوان تعرفهـا ..

-حاجة أيه يا شمس ..

-عاصي ... !!

-ماله عاصي يا شمـس ؟!

تكلفت الهدوء وهي تخبره :
-عاصي هو محمد عبدالعظيم .. ابن تحيـة ، تحية عمتي ...

تدفقت الكلمات من عينيـه باسئله جمة حتى راضت فضوله وقالت :
-هحكي لك كل حاجة ....

••••••••

~ عـودة إلى القصـر ~

يقف كريم في شُرفة غُرفتـه يتحدث بالهاتف مع أمه وأختـه هديـر التي أخبرته بنبرة تعني انقضاء الأمر دون نقاش :

-مصاريف جامعتك دفعتها .. والمفروض الميل يكون وصل على موبايـلك .. سافر يا كريم وشـوف مستقبلك ، وأبعد عن فلوس دويدار ، أنا كُنت غلط من الأول لما شغلتك عندهم .. بس أهو بصلح غلطي وأقولك سافر .

وقعت عينـه على نوران التي تجوب ساحة الحديقـة حائرة بنظرة ‏محبطة توضح ما معنى أن ينظر المرء بخيبةٍ لذات الأمور التي حدّق فيها بأمل ..  فقال بتوجـس :
-أنتِ معاكِ حق ، بعد اللي عملتـه خالتك أنا ماليش حق أقعد هنـا .. كُل ده بقا من حق تمـيم ..

أطرقت هديـر بأسفٍ :
-عاصي عامل أيه ؟!

-عاصي مع مراته في المستشفى .. هلبس وأروحلهم ، وهجهز نفسي للسفـر ..

علقت غصـة حُبها لعاصي بحلقها ولكنها تجاهلت صدح قلبها الدامي باسمه وقالت :
-ده أنسب حل .. وأنا وماما هنحصلك على هنـاك ..

كادت أن تنهي مكالمتها مع أخيها ولكنها توقفت فجأة :
-كريم .. استنى ، أنت شوفت الأخبار الصبح ؟!

-لا ماشوفتش حاجة ؟! في أيه !!

فتحت هديـر الحاسوب أمامها وأخذت تقرأ عليـه الأخبار المنتشرة صباح اليوم :
-مزرعة الطريق الصحراوي التابعة لهاشـم مدكور ولعت وبيقولوا أنها اتحولت لخرابة ومحدش عرف يلحقها .. وكمان ده نفس اللي حصل في مصنع ممدوح علم ، والخسارة بالملايين .. معقولة عاصي يكون وراها ؟!

فكر كريم للحظة ثم قال :
-هو فاضي لكل ده ؟!!! بس تصدقي ممكن ، مش دول اللي ورا خطف عاليـة !!

أشادت هدير بإعجاب :
-لو كان عاصي عملها تبقى ضربة معلم بصحيح.. ومتطلعش غيـر منه ...

-لو هو آكيد هنعرف ..
ثم قفل معها المكالمـة ليهرول مسرعًا إلى تلك الفراشة التي تتنقل بعشوائية فوق بساتين قلبـه الذي اتبعه ليعرف ما بهـا .. ارتدى معطفـه الأسود وهبط لعندها ، فأول سؤال أردفه :
-أنتِ بتعملي أيـه هنا الساعة دي !

ردت بقلقٍ وهي ترمي الهاتف من يدها فوق الطاولة :
-شمس وتميـم من إمبارح مختفيين مش بيردوا .. وأنا قلقانة عليها ..

رد بهدوء :
-تميم مش معاها !! قلقانة ليه .. سيبيهم الصدمة على تميم مش سهلة ..

-الله يكون في عونه الصـراحة ..

اقترب منها خطوتين وهو يضع يديه في جيوبه :
-أنتِ نمتي فين النهاردة ؟! قصدي أن مراد لسه فوق ؟!!

-ااه ، لسه مع عاليـة .. وأنا نمت مع البنات لقيتهم خايفين حرام وقاعدين تحت المكتب من الخوف لما سمعوا ضرب النار ، حضنتهم ونمنـا .

تنهد كريم بحزنٍ :
-مظلومين البنـات دول ..

-أوي ..

ساد الصمت بينهم طويلًا ، كل منهما يلقى نظرة سريعة على الآخر ثم يلجأ إلى السمـاء ليُعلق أعينه بها .. حتى تلاقت عيونهم أخيرًا ، فسألتـه نوران بارتباكٍ :
-بتبص لي كده ليـه ؟!

-نوران أنتِ عارفة أنا ماينفعش أقعد هنا بعد اللي حصل ، ووجودي مش لطيف ..

تفوهت بلهفت :
-ليـه !! قصدي يعني أنت مالك بكل اللي حصل ؟!

-ده الصح يا نوران ، كفاية أوي لحد كده ، حتى شغلي في الشركة هسيبـه ..

خفق قلبها بفزعٍ وهي يلقي عليه شظايا الوداع :
-هتروح فين طيب ؟!

-هسـافـر .. ساعات الحياة بتجبرنا على حاجات مش عايزينها ، بس مفيش حل .

احتبست العبرات في عينيها وهي توبخه بحرقة :
-والحـل أنك تهرب وتسافر!! أنتَ كده ناجح ؟! على فكرة بقا الانسان اللي مايعرفش يبني نفسه في البلد دي هيفضل طول عمره فاشـل .. سافر يا كريم عشان أنت بتلجأ للسهل مش عايز تحاول وتنجح ..

ثم وقفت أمامه باعتراض :
-مراد ده مش أخوك ؟!! مسافرش ليه !! بالعكس أهو قدر ينجح ويثبت نفسه في البلد دي ..

رد بيأسٍ :
-الموضوع بالنسـبة لي انتهى خلاص يا نوران .. عشان كده جيت معاكي دوغـري ، وقلت لك أنا عايز أبقى معاكِ ولولا الظروف دي أنا كنت طلبت أيدك من تميم بس أنت مش مريحة قلبي ..

ثم اقترب منها بعيون يملأها الرجاء :
-أنا قلت اللي جوايـا وأنت بتكابري ، أو يمكن حبي ليكِ من طرف واحد .. أنتِ مخلياني تايه ومتكتف مش عارف أعمل أيه ..

خبر رحيله من البيت والبلد كان بمثابة حد السيف الذي بتر تفكيـرها وجعلها تهذي بدون وعي :
-أعمل اللي يريحك يا كريم .. أنا هنجح في البلد دي وهبني نفسي هنا ، مش ههرب زيك ..

ثم اعتصرت قلبها المضطرب :
-وأنت صح ، حُبك من طرف واحد .. أنت كُنت بالنسبة لي صديق بيساعدني ، أنت فهمت كل ده غلط دي مشكلتك ..

أوشك دمع عينيها أن يفضح كذبها ، فألقت على مسامعـه أخر جملة ثم فرت هاربة كالأرنب من أمامه :
-سافر يا كريم ........

••••••••

قيـل على لسان سيدة انعش الحُب قلبها ...
"أدفعُ عُمري بأكمله لشخصٍ أُطلعُه على مخاوفي،
فيأمِّنُها،أُظهرُ له مساوئي، فـ يُجمِّلُها، أبوحُ له بهزائمي، فـ أراني في عينيه مقبولة .. لكُلٍّ مكانٌ في قلبي إلا من يجعلُني أقعُ في حُبِّ نَفْسِي،
فـ له كُلُّ الفؤادِ و نَفْسِي‌."

رفعت عالية جفونها المُحمـلة بصخور من الحزن بعد ليلة طويلة قضتها بنومٍ متقطع بصرخات مدفون بصدر مُراد الذى آنس وحشة ليلتها .. أحست بصقيع جسدها لغيابه عنهـا .. تحسست وجوده بجوارها ولكن بدون جدوى ، ففزعت من نومه تتفوه باسمـه ، فوجدته يهل عليها من الباب حاملًا إفطارها .. هدأ هياج قلبهـا تدريجيـًا عند رؤيته فسألتـه :
-أنت كُنت فين ؟!

ترك المائدة التي بيده على الطاولة :
-جبت لك تفطري .. يالا.

ردت بثقل :
-اجيب نفس منين بس يا مراد ..

جلس بجوارها :
-عالية مش هنوقف حياتنـا على أخطاء الماضي ، اللي حصل حصل ، زعلك هيصلحه !

أجابته بخفوت :
-لا ..

-يبقى اتعلمي تتعاملي مع الصدمات كأنها أمر واقع ، نتقبله بس ميأثرش فينـا بالسلب ..

ثم غيـر مجرى الحوار قائلًا :
-هتقومي تفطري ولا اجيب الأكل هنا وأكلك بالإجبار ؟!!

-خلاص هفطر ..
ثم تراجعت متسائلة :
-حياة عاملة أيه .. وفين عاصي وتميم ؟!

-للأسف حياة خسرت الجنين ، بس آكيد ربنا هيعوضهم خيـر المهم أنها كويسة .. لسـه مكلم عاصي ورد عليا أخوها ..

تفوهت بتأثر يحمل الحزن :
-يا حبيبتي يا حياة... طيب وديني عندهم يا مراد .. أنا مش عايـزة أقعد هنـا تاني .. البيت ده بقا بيخنقني ..

-هوديكي مكان ما أنتِ تحبي .. بس قومي فوقي وخدي شاور وكله هيتحـل .. سهليهـا عشان تسهل .

رمقتـه بأمل :
-هلاقي أمي !! أنا حاسة أنها موجودة وهلاقيها قُريب ..

-هنلاقيها اطمني أنا جمبك .. يلا بقا قومي ...

•••••••

~ عـودة إلى المشفى ~

بصـوت خفيض تحت تأثيـر المخدر الطبي غمغمت حيـاة بضعف :
-عاصي !! عاصي أنا فيـن ..

فزع من الأريكة التي يجلس فوقها باندفاعٍ وفرحة تملأ وجهه وهو يمسـح على شعرها بحنان :
-أنا جمبك أهو .. متقلقيش ..

رفعت عينيهـا لمستواه وسألته :
-أحنـا فين وبنعمل أيه هنـا ؟!

ثم طافت عينيـها محاولة استعياب المكان :
-دي مستشفى !!

جملتها جعلتها تفزع بلهفة وهي تتحسس بطنها :
-عاصي ابني حصله حاجة ..

ثم مررت يدها على بطنها تبحث عن نبضه بقلق :
-عاصي هو مابيتحركش ليـه ؟!! أنا مش حاسـة بوجوده ..

ثم سحبت كفه فوق بطنهـا طاردة جميع الأفكار السوداويـة التي هجمت على رأسها :
-شوف أنتَ كده !! نبض البيبي فين ، حاسس بحاجة ؟!

جلس على طرف مخدعها بعجزٍ يمنعـه من تفجير قنبـلة مثل هذه على رأس إمراة جنت ثمار العشق بأحشائها .. هربت الكلمات من شدقها وهي تتأمله بعينيها الذابلة وبخوف بدأ يبث وميضه بقلبها :

-حبيبي .. أنتَ مخبي عني حاجة ؟! ابننا بخير مش كده ؟! هو كويس طيب .. عاصي اتكلم ..

فتح كفوفها وطبع بداخل كُل واحد منهم قبلة إعتذار ثم رفع عينيـه إليها وقال بحزن وندم:

-شكله مش عايزني أبقى باباه ..

بفاهٍ مزمومٍ وأعين دامعـة ، عارضته مستفهمة :
-ماتقولش كده !! هو بيحبك وكان طول الوقت عايزني أبقى معاك .. أنا واثقة لمـا يجي وتشوفه هــ ....

ثم ابتلعت غصة وجعهـا بسيل منهمر من الدموع الذي صنع من وجنتيها مجرى :
-البيبي نزل ... يعني هو مش موجود في بطني دلوقتٍ !! قول لا .. قولي فهمت غلط ، قولي هو تعب شوية بس لحقناه .. قول أي حاجـة تانية غير أنه مبقاش موجود ..

ثم مررت كفها المرتعش على وجنتـه بترجى :
-عاصي عشان خاطري ما تقولش كده ... أنا كُنت بعد الأيام عشان أحضنه ويكون معايـا .. أنا كنت بختار اسمه معاك امبارح !!

دخلت في حالة اضطراب نفسي وهي تهذي بجنون غير مستوعبة الحدث :
-بس دي غلطتي أنا ؟!! أنا اللي ماينفعش احب ولا اتعلق بحاجة زيادة عن اللزوم .. أنا مش قولت لك قبل كده ، كل حاجة بحبها بتروح مني ؟!! أنا ليـه بيحصل معايـا كده !! يعني خلاص كده !! مش هحس بنبضه ولا شقاوته تاني !! انا ملحقتش أفرح والله .. صورته لسه كانت معايا .. خليتهم ليـه ينزلوا يا عاصي ، ليـه معملوش المستحيل عشان ابني ..

-حياة اهدي اهدي مش كده .. حياتك عندي أهم من كل ده ، وأنا مش عايز اطفال ولا عايز غيرك ..

فـ ضمها لصدره عنوة ‏كأنها بالنسبة له زمنًا كاملاً
‏، وأي شيءٌ أخر مجرد أوقات مستقطعة من العمر .. أخبرها بصوت متهدج :

-أنتِ عندي أهم .. اهدي عشان خاطري ..

صرحت باكية بحرقة تأكلها بأحشائها :
-أنا كنت مستنيـة أخلد بدايـة حبنـا معاه .. كنت عايزه أشوف في عيونه أحلى أيام عشتها جمبك .. كله راح خلاص ..

-بس أنا موجود وجمبك ومش هسيبك .. أهدي عشان خاطري ، أهدي .. اهدي يا حياة مفيش في أيدينا حاجة نعملها ..

جاءت الدكتورة ركضًا إليهم عند رنين جرس الإنذار وهي تفحصها بلهفـه خاصة عندما أحس ببرودة جسدها بين يديه .. وتراجعها للخلف فاقدة الوعي .. وثبت مفزوعًا وهي يسأل الطبيبة :
-هي مالها !!

ردت الطبيبه بسرعة :
-محتاجة حنقة مهدئة حالًا ..

ثم صرخت بالممرضة :
-كلمي دكتور جمال بسـرعة ..

ثم نظرت لعاصي :
-لو سمحت استنى بره ..

بهدوء ‏بدون أي جهد ، او مقاومة، وبشكل مفاجىء ولكنه مريب ومثيـر لخلق الكثيـر من المخاوف ، خرج من الغرفة وهو يراقبها من وراء الزجاج وكأن أحدهم قد سكب الماء على البارود  فتوقف تمامًا عن الاشتعال .. جاء أخوتها إليـه بلهفه فساله رشيد :

-فاقت ؟!

لم يجب إلا بايماءة خفيفة وهو يطالع قلة حيلتها وضعفها وارتعاش شفتيـها بكلمات مزقت قلبـه .. خرج الطبيب من عندها فذهب إليه بذعرٍ :
-هي حصلها أيه يا دكتور..

-هي عرفت أن الجنين نزل ؟!

-للاسف .. معرفتش اخبي عليها ..

-متوقع .. كتيـر من الستات بتدخل في الحالة دي ، مش بتستحمل ، هي نايمة دلوقتِ ، ولما تصحى خليك جمبها هي محتاجة لك أكتر من أي حد .. بعد اذنكم ..

رافق عاصي خُطاه مبتعدًا عن أخوتها وأخذ يطرح عليه العديد من الأسئلة حتى ختمهم بطلبٍ :
-لو سمحت ليـا طلب ..

-طبعا اتفضل يا عاصي بيـه ..

تذكر معاناته مع مهـا قبل ان يخسرها .. مخاوفـه من خِسارته وتعلقها الشديد بذلك الطفل .. قسوة الليلة الماضية التي قضاها متقلبًا في لهب هواجسـه .. فاق على نداء الطبيب:
-عاصي بيه اتفضل ..

رد بثبات :
-كنت عايز حضرتك تعلق لها  pills ..

عقد الطبيب حاجبيه باستغراب :
-ليه ؟! بالعكس دي فرصة كويسـه أنكم تعوضوا الطفل ده عشان تنسى وتطلع من الحالة اللي هي فيها  ..

رد بإصرارٍ :
-معلش يا دكتور .. مش حابب نعيش نفس الوجع تاني ، ولا حابب أطفال الوقت الحال ، فوسيلة منع الحمل أنسب حل ..

-تمام .. مفيش مشكلة ..

اندفع عاصي طالبـًا :
-بس ليـا طلب كمـان !! مش عايزها تعرف ..

ثم برر موقفه للطبيب :
-لحد ما امهد لها الفكرة وزي ما أنت شايف حالتها ، محتاجة ترتاح شوية .. ممكن !! 

-اللي تشوفه ....

•••••••••

-هو أزاي الإنسان المفروض يمسح كل سنين عمره وذكرياتـه من المكان ؟! أزاي ينسى عُمر كامل مش شخص ولا ذكرى سيئة !!

أردفت عاليـة جملتها وهي تجمع ما تحتاجـه من خزانـة ملابسـها خاصـة بعد ما أخبرت مراد بعدم تحملها لهذا المكان وهذه الجدران تضغط على قلبها .. اقترب مراد منها وطبع قُبلة خفيفة على كتفها وقال :

-اللي هيقف في شارع الماضي ، هيفوته جمال العالم بره يا غاليـة ..

دارت إليـه باستغراب :
-غاليـة !! أول مرة تقولي كده ؟!!!

-لأنك كده فعلًا بالنسبـة لي !! غاليـة .. وأغلى حاجة في الدنيـا ..
ثم تعمدت ملاطفة الأجواء كي تتغاضى قليلًا عن حزنها الذي أذبل ملامحها :
-بصرف النظر عن كُل المصايب اللي حصلت دي ، بس أنا مبسوط .. هاخدك في حضني كده ولا عاصي ولا غيره هيفتحوا بؤهم ..

ثم تبسم مجاملة :
-النهاردة بس عرفت معنى " مصائب قوم عند قوم فوائد "

خيم فطر الحزن مرة ثانية على ملامحها ، فانبثقت دمعة واحدة من طرف عينيها وباتت تسرد همها :
-يعني خلاص كده ؟! عاصي وتميـم مش هعرف أشوفهم تاني ؟! منكرش إني شفت قسوة من عاصي بس عمري ما كرهته ولا عرفت .. كنت دايما بشوف فيه الأب اللي لازم يقسى عشان نتربى ..

كفكفت عِبراتها بحزن وخيم :
-ولا في سهر مع تميم ودردشة طول الليل !! أنا كنت مستنة الوضع بيننا يتحسن ، مش يسوء بالطريقـة دي ..

ثم رفعت عينيها الباكية إليه وسألته :
-طيب أنتَ لما تزعلنـي ، أنا هتحامى في مين ، وهشتكيك لمين ...

-بس أنا عمري ما هزعلك يا ستي .. وده وعدي ليكي ..

-مفيش راجل وست مفيش بينهم مشاكل .. واللي يقول غير كده يبقى بيكذب ..

مسك كفوفها بحبٍ :
-وأنا متفق معاكِ .. بس اتأكدي إني عمري ما هزعلك ..

ثم قبل رأسها بحنان وقال :
-هشوف كريم وأرجعلك تكوني خلصتِ .

غادر الغـرفة باحثًا عن كريم حتى وجده بالحديقة يفتش بالهاتف ، جلس على المقعد المجاور له وأخبره :
-أنتَ عارف أن وجودك هنـا مابقاش ينفع .. تعالى اقعد في شقتي لحد ما تشوف هتعمل أيه ..

رد كريم بضيق :
-عارف يا مراد .. وجهـزت حاجاتي وماشي ، مسافر ..

-مسافر فين ؟! من أمتى ده ؟!

ترك كريم هاتفه وانتبه لحواره مع أخيه وأجابه بملل :
-مفيش حاجة اقعد عشانها .. هسافر أمريكا أكمل دراستي واشتغل .. ومش هرجع هنا غير وأنا واقف على رجليـا ..

-ليه يا كريم ؟! ما تيجي وتشتغل معايا ونكبر سوا ؟

جاكر أخيه ممازحًا :
-أنتَ خايف أنافسك ولا أيه ؟!! أطمن كده كده هيحصل ..

ضحك الأخوة معًا ثم سأله مراد باهتمام :
-أنت مقتنع أنك عايز تعمل كده ؟!

تجاهل لصدح مشاعره الرافضه لذلك وقال :
-كده أحسن .....

-آللي يريحك... المهم خالتك مختفية من القصـر وسألت الحرس قالوا انها مشيت بالليل ومن غير عربيـة ولا حاجة ..

رد كريم بامتعاض:
-أعمل أيه يعني ؟!! وبعدين هي عيلة صغيرة يا مراد ؟!! دي عليها جبروت عدى جبروت هتلر ...

-يالا خلي عندك دم .. وانزل دور على خالتك .. وانا هوصل عالية عند عاصي في المستشفى وهنزل ادور عليها ...

ثم أخفض نبرته قائلًا :
-كريم دي خالتك ومن دمنـا ، محدش هنا من دمها عشان يهتم بيها .. لو سمحت قوم شوفها راحت فين .. على الاقل نطمن عليها ياخي .....

لبى طلبه على مضض :
-طيب هدور عليها.. حاجة تاني !

جاءت سيدة بتردد وبعينيها أسرارًا تفيض ، فسألته باضطراب :
-سي مراد ، هو عاصي بيه مش هيجي هنا تاني ؟!

-معرفش والله يا سيدة .. خلي بس بالك من القصـر الفترة دي ..

حكت كفوفها ببعض ويبدو عليها القلق:
-طيب أنا كنت عايزه أشوف عاصي بيه ضروري ..

-خير يا سيدة ؟! في حاجة أقدر أساعدك فيها ؟!

بللت سيدة حلقها الجاف من كثرة التفكير ليلًا :
-تعيش يا سي مراد .. دي حاجة تخص عاصي بيـه ولازم يعرفها بنفسـه ............

يتبع
*********

Continue Reading

You'll Also Like

152K 4.4K 47
كل مايحدث في حياتك لا يشترط أن يكون سيء، بالعكس بعض الأزمات تحدث لكي تعرف من معك ويريد مصلحتك، ومن يعتبرك جسر لهدف معين، هكذا كان الحال مع الأبطال، م...
541K 26.6K 43
ندخل انا وياكم و نفتح الابواب عن حياة أنفال و المطبات الي مرت فيها بحياتها و هل وقفت عند هاي المطبات ولم تكمل حياتها ام هناك شخص أمسك بيدها لكي يكون...
38K 1K 21
#مقدمة : انتقال الفتاة من بيت والدها إلى بيت زوجها المكون من عدة غرف هي المسؤلة عن نظافتهم وتجميلهم أمر صعب ، أن تترك دلال والدها وحنان والدتها وتصبح...
28.1M 1.7M 54
حياةٌ اعيشها يسودها البرود النظرات تحاوطني أواجهُها بـ صمود نظراتٌ مُترفة .. أعينٌ هائمة ، عاشقة ، مُستغلة ، عازفة ! معاشٌ فاخر ، صوتٌ جاهِـر اذاق...