غوى بـ عصيانه قلبي ❤️‍🔥

By Nehal_mostafa

1.5M 90.1K 13.5K

ولأنني امرأة مسرفة في مشاعرها ، أحببتك بقلبي كاملاً دون أن أدّخر منه شيئًا لأيام الحنين والغياب والاحتياج ، ب... More

إهداء
المُقــدمة
الفصل الاول
توقيع الأبطال
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
تنوية
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل الخامس عشر ج ٢
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
حياة
الثامن عشر
التاسع عشر
العشرون
الواحد والعشرون
الثاني والعشرون
الثالث والعشرون
الرابع والعشرون
تنويه
الفصل الخامس والعشرون
اقتباس
السادس والعشرون
السابع والعشرون
الثامن والعشرون ج ١
تنويه
الثامن والعشرون ج٢
دردشة ♥️
التاسع والعشرون ج ١
التاسع والعشرون ج2
الثلاثون
تنويه
اقتباس
المواعيد
الفصل 31
٣٢
الفصل 33
34
تنويه
35
36
تنوييـه
٣٧
تنوييـه
38
٣٩
٤٠
تنويه
41
٤٢
٤٣
٤٤
٤٤ج ٢
٤٥
٤٦
٤٧
٤٨
49
٥٠
تنويه ☀️
٥١
٥٢
٥٣
اقتباس
٥٤
٥٥
٥٦ ج ١
٥٦ ج ٢
٥٧
٥٨
٥٩ ج ٢
٦٠ج١
٦٠ ج٢
الخاتمـة
اقتباس
إهداء
١ج٣
الفصل ٢ ج ٣

٥٩

12.4K 1K 144
By Nehal_mostafa

✨ الفصـل التاسع والخمسون ✨

(29) ج 2

كُل الأشياء التِي أريدها
بشكلٍ ما أو بآخر تُصبح مستحيلة
فالحياةُ تُمسك المرء من قلبِه لا يده  ..

~خُلق القلب عصيًا ..

•••••••

< قبـل بضع ساعات >

-الحيـاة علمتني قبـل ما أحكم على أي حد ، أحط نفسي مكانـه .. وبصراحة لو كنت مكانك ورجعت لقيت أختي المفقودة متجوزة راجل غريب وكمان حامل .. طبيعي مش هبقى مرتاح .

انفـرد عاصي برشيـد أثنـاء انشغال رسيل مع أخيهـا يونس بأحد الغُرف ، وقـرر كسب ثقـته شراءً لخاطر زوجتـه كي تنعم بحيـاةٍ هادئة برفقـة أحبابهـا .. ترك رشيد كأس الشاي من يد فوق المنضدة وقال بجمود :

-كده نبقى متفقين ..

أيده عاصي مُقاطعًا قبل أن يواصل حديثه :
-أحنـا لازم نتفق يا رشيد ، لأن عدونـا واحد ، أنا عارف أن فـريد هو اللي وراء اختفائكم وحاول يخلص منكم ، وحاول يخطف رسيل .. وكمان اللي متعرفهوش هو اللي ورا حادثـة المركب اللي راح فيهـا أبوكم واتنين من العُمال .

انصبت الصدمة بقدمي رشيـد فوثب فجأة ليستوعب ما قاله :
-أنت بتقول أيه ؟!

أجابه عاصي بثقة :
-اللي سمعتـه .. شفت بقا أن عدونـا واحد ويا عالم بيخطط لأي دلوقتي !!

سبـه رشيد في سره وعاد ليجلس مكانه :
-فريد ده لازم يتربى ويدفع تمن عمايله دي كلها ..

عاصي بثبات :
-يبقى نتفق !

< عودة إلى الوقت الحالي >

يقال إنَّ المـرء يموت في نهاية المطاف ، من تراكُمِ الأيّام وقسوتها التي ابتلعها طوال سنوات عمره ..

تحملت عالية على حُطام أيامها الهاويـة فوق رأسهـا وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة بالغة وتقترب من عبلة أكثر وأكثر وبنبـرة أكثـر شراسـة :

-أنا من حقي أعرف مين هي أمي ، انطقي .. قولي أنا مبن وبنت مين .. ؟

ثم اندفعت صارخة بجزعٍ :
-متسكُتيش .. مش وقت سكوت وتعيشي دور الضحيـة .

‏فمن يرسل شخصًا إلى الحزن العميق وتحطيم حياته كيف يبقى كاملًا في حياته دون خوف مما فعل؟!
تقدمت خطوات مراد لعندها كمحاولة فاشلة منه بأن يهدأ جسدها المتقلقل :
-عاليـة ممكن تهدي ..

انضم عاصي إلى مجمعهم تحت تأثيـر صدمته الشديدة :
-وكمان عاليـة مش بنتك !! ومفهماني طول الوقت ده أنهـا بنتك وأنا الشريـر الوحيـد في البيت ده ؟!

فانضم إليـهم تمـيم مشدوهًا مذهولًا :
-يعني عيشتينـا كُلنـا في كذبة السنين دي كلها !! مفهمـة الكل أني ابن زنـا وأنا الوحيد اللي من صُلب شهاب دويدار والوريث الشرعي لكُل ده ؟!! وكمـان أختي طلعت مش أختي ولا هي بنتك أصلا ؟!!

أطلق من شدق ضحكة استهزاء:
-لا وكمـان البيـه الكبيـر المكوش على الليلة دي كلها لا هو ابنك ولا ابن دويدار ؟!!! أنتِ جنسك أيه ؟!

حلـقة من خطايـا الماضي طوقت عبـلة التي تقف مرتعدة تتلقى زعابيب الرياح قبـل أن تستعد لاستقبالها .. وضعت يديهـا على أذنيهـا صارخة كي تفيق من ذلك الكابوس المروع بصرخة هستيرية  :

-كفايـة كفاية بقا .. اخرسوا كُلكم ..

وبختها عاليـة بحقدٍ :
-مفيش مبرر واحد يشفع لك أنك تعملي فينا أحنا التلاتة كده غير أنك ست مريضة ولازم تتعالجي ..

خرجت عبلة عن صمتها باعترافات مرعبـة :
-همـا اللي عملـوا فيـا كده .. لما أبويـا ومراته باعوني لشهاب دويدار وأنا عيلة مش فاهمـة حاجـة .. كُنت كل ليلة بعيش فيلـم رعب لما يتقفل عليـا الباب مع راجل زي شهاب .. في الوقت أن كل اللي في سني بيلعبـوا ويستمتعوا بحياتهم .. أنا كنت بتعذب ...

ثم تحركت لتقف أمام عاليـة مواصلة سرد أحزانها :
-لما ألقى نفسي حامل وأنا عيلة مكملتش الـ١٤ سنـة ، ومن قسوتـه ووحشيتـه معـايـا كان السبب أنه يخليني عقيمـة طول حياتي ، حرمني أكون أم ..

ثم تقطعت الكلمات بفمها وبكفها المرتعش وقفت أمام عاصي باكيـة :
-لما سابني مرميـة في المستشفى وحب عليـا الخياطة بتاعتـه وعاش معاها اللي حرمني منـه .. كان يعاملها هي ست البيت وأنا اللي خدامـة عنده .. كل ده عشان يذل أبويـا اللي خسر كل فلوسه وشغله .. وكمان مش أنا الست اللي تكفي احتياجات رجل زيه !!

حيث أشارت إلى مراد :
-أمك طول الوقت كانت بتشوف نفسها أحسن مني .. عشان هي عندها أم وأنا أمي ماتت .. هي كُل طلباتها مجابة وأنا بنت ضرتها اللي يا تقبل بخدمتهم ياما تتجوز راجل أد أبوها ... كان لازم اكسرها واخليها دايمـا محتاجة لي ..

ثم انشق ثغر الحيـة بضحكة خبيثة :
-وأنا السبب في العداوة اللي بينك وبين عاصي وتميـم .. عشان انت رفضت تكون تحت سُلطتي ومشيت فكان لازم أهدك يا مراد .. بس لما لقيتك بتنجح وبترجع تُقف على رجلك قلت لازم أجوزك عالية .. اللي ماتعرفش تهده صاحبه .. وأهو خيره يُعم على الكُل !

فوجهت أنظارها ناحية عالية المنهارة :
-يعني أنتِ اتجوزتيه بمزاجي أنا ، وبسبب خطتي أنا .. بس طلعتي خايبـة .

فدارت نحو تميـم وأكملت حملة صراخها بوجهه :
-ومش بس كدا .. بعد ما ماتت تحيـة ، فضل يبات في أوضـة لوحده خمس سنين من حزنه عليهـا .. وأنا زيي زي عفش البيت ماليش لازمة ، بقيت أم لطفل وأنا مش عارفة اتعامل معاه ازاي .. بدفع تمن إفلاس ابويا وأنانية شهاب .. لحد بقا ما قابل أمك ، أصله كان غاوي خدامين ..

ثم غرزت سبابته بكتف تميم وأكملت لومـه كأنها تنتقم من أبيه :
-سابني كمان سنين وهو عايش مع أمك في السـر لحد ما رجعت القصر معاه وأنت على كتفها والمفروض اقبل بالذل ده ؟!!!!!

فصاحت معلنـة بحرقة تمزق قلبها إربابًا :
-يعني بصريح العبارة كلنـا كده ضحايا شهاب دويدار ...

قال أحد السلف ناصحًا:
"لا تذهب إلى للبقالة وأنت جائع، ستأخذ الأشياء الخاطئة ."
‏و نفس الشي ينطبق على الحياة ، لا تدخل علاقة وأنت تشعر بالوحدة لقتـل شبح فراغك حتمًا  ستأخذ الشيء الخطأ،
لانك عندما تكون يائسًا ستلتقط أي شيء تريد وليس ما تحتاج .. وهذا ما مارسـه شهاب دويدار على خريطة عمـر تلك الفتـاة التي أخرج منهـا شبحًا مُخيفًا .. جوعـه للانتقام من أبيهـا .. جوعه ليلبي نزواتـه الدنيئة .. جنونه بالمـال وتكوين ثروة طائلة من مصادر غيـر مشروعـة .. جميعها أفعال كانت كافيـة لتحويل ذلك القصر العملاق لقبـر تُدفن به حياة سكانه ....

شدها عاصي إليـه بقوة وسألها بحدة :
-أنا ابن دويدار ولا عبد العظيـم !!

ثم خفض نبـرته ليلتقط أنفاسـه المحملة بالغضب :
-جيه الوقت تكشفي فيه كُل الورق .. اتكلمي .

تدخل فريد مُصفقًا بغل :
-أنا شايف تحلوا مشاكلكم العائليـة دي بينكم ، بلاش فضايح أكتـر من كده ..ميصحش .

ثم تأهب أن يغادر :
-استأذنكم أنا ..

دار عاصي إليـه برياح غضبه وهو يُنادي على سيدة :
-سيدة نادي على الرجالة يجوا يأخدوه في أي داهيـة لحد ما أفوق له ده كمان ..

بنبـرة متحشرجة وسُحب الحزن متقطرة على وجنتيها انفجرت عاليـة متوسلة إليها :

-أعملي حاجة واحدة صح في حياتك وانطقي قولي فين أمي وأبويـا .. أنا بنت مين ؟!

كادت عبلة أن تحضنها بلهفه معلنة :
-بنتي انا .. أنتِ مش بنت حد غيري .. وعاصي كمـ ..

دفعتها عالية بعيدًا عنها برفض قاطع :
-كفاية تمثيـل بقا أنت ما بتزهقيش ؟!!!!!!

عاصي مهدئًا أخته وهو يشيع عبلة بنظرات استنكار :
-سيبيها يا عالية ، هي هتتكلم بس مش دلـ ..

في اللحظة التي انشغل فيهـا الجميع عن الشرارة المتوقدة بين عاليـة وعبلة وثرثرتهم الصاخبـة ، استغل فريد الفرصة ليسحب السكين المتروكة فوق صحن الفاكهـة وهو يشد حياة إليـه عنوة في لحظة غفل فيها الجميع واستغلها خصمهم لصالحه كمحاولة أخيرة لنجاته من براثن الموت ، صرخة قوية تحمل إشارة استغاثـة انطلقت من جوف حياة إثر ملامسة حد السكين لرقبتها ...

‏في لحظة مباغتة اختارت الكلمات الهرب من الأفواه تلاشت الأصوات أصبحت دواخلهم فراغٍ واسع باتساع صدمتهم .. بأعين متسعة تكاد تهرب من الوجوه  من هول ما تراه .. قلة حيلة كانت بسبب الخوف على ألا يصيب حيـاة بمكروه ..

اقترب عاصي خطوة عفوية بانفعال شديدٍ :
-لو لمست منها شعرة هدفنك مكانك ..

بنفس النبرة المرتفعة التي يكسوها الرعب وهو يشد حد السكين على رقبتها .. عج فريـد وهو يدور حول نفسه :
-متقربش ، خطوة كمان وهصفيها قُدامكم  كلكم .

هاجت ثورة الغضب برأس أخوتها فتقدم رشيـد موبخًا :
-سيبها وخلي حسابك مع الرجالة ، بدل ما بتتشطر على الستات ..

قهقهه فـريد بضحكة مستهزئة :
-دي مش أي ست ، دي رسيل بنت المعلم قنديل المصـري .. يعني بنت بمليون راجل !!

ثم لهث قائلًا بوشوشة :
-فاكرة يا رسيل !!

نهره يونس محذرًا بصوتٍ مشحون :
-ورحمة أبويا لو ما سبتها لأقتلك بأيدي يافريد ..

فاندفع تميـم مزمجرًا :
-ولاه سيب السكينة دي !! أنت محدش مالي عينك يعني !! واللي عايزه هنعمله ..

فريد بنبرة المجنون الذي فقد عقله وهو يضم مقبض السكينة ؛ ليقول لاهثًا :
-أيـوة .. كلكم كده هتنفذوا كل اللي أقوله بالحرف .. ده لو تهمكم سلامة الحلوة .. أنا كده كده مبقتش باقي على حاجة .

تلاقت أعينها المتراقصه فوق حد السكين بأعين عاصي المضطربة ، فقرر مُسايسته بدون تفكيـر وهو يناظرها بعجز :
-كل اللي عايزه هيحصل ، وده وعد من عاصي دويدار بس سيبها .. سيبها وخلى كلامك معايا .

فريد مستنصحًا :
-لا أنا مش غبي عشان أبلع الطُعم مرتين ، أنا هوريكم ازاي تلعبـوا عليـا ..

احتدت نبرة عاصى بنفاذ صبـر :
-بقولك سيب الزفت اللي في أيدك ده وخرج حيـاة بره .

طافت عينيه في كل الاتجاهات وهو يتراجع للوراء حيث قال وهو ينهجُ :
-لا .. لسه شُغلي مع بنت عمي مخلصش .. ولا أيه !!
ثم غمغم في أذنيها بجحود :
-الدهب ؛ الدهب فين يا رسيـل ..

فرفع نبرة صوته محذرًا :
-قول لرجالتك بره يوسعوا الطريق .. وأي حركة غدر السكينة هتمشى على رقبتها .. يـــلا !!

حتى هرول كالسكيـر مغمعمًا  :
-عشان تعرفي مفيش مفـر منى لا دنيا ولا أخرة ..

تحرك الحشد متبعًا خطوات فـريد المتراجعة للخلف ، إلا عاليـة التي تمسكت بكف مراد تترجاه ألا يتركها .. وضعت كفها المرتعش فوق فمها وهي تراقب مجانـة فريد التي تخطت الحدود .. أجبر مراد أن يترك كفها البارد ويندفع نحو ذلك المجنون .. ارتفعت عيني عاليـة المحملة بالعتاب واللوم نحو عبلة الجالسة على طرف المقعد مغيبـة عن الصخب الذي يحدث حولها :

-عاجبك !! كل ده بسببك أنتِ ، أهو البيت اللي عشتي عُمرك كله تبني فيه اتهد على رأس الكل وأولهم أنتِ .

ركضت شمس إليها واحتوت كتفيها المنتفضة بشفقة :
-عاليـة مش وقتـه الكلام ده .. أهدي يا حبيبتي !

صرخت عالية بوجهها بعجزٍ :
-خليها تشوف نتيجة أنانيتها وطمعها .. أهو كلنا بندفع تمن أفعالها ..مبسوطة كده ؟! هو ده إللي سعيت له يا عبلة هانم ؟! كُنتِ مستنية تحصدي أيه من الحقد والشر اللي زرعتيه ..

تسلل مراد من بين الحشد المتكتل حول فريد الذي سن أنياب انتقامه على رقبة رسيـل وجهر قائلًا :
-أنت فاكر هتطلع من هنـا على رجليك !! بلاش تزود حسابك وسيبها .. بلاش دم يا فريد وكله هيتحل .

دحرج جسدها من فوق درجات السُلم فألتوت ساقها عقب عنها صرخة قوية منها فتت قلب ورأس عاصي وهي تتشبث بساعد فريد المُتلف حول كتفيها وقالت متألمـة وهي على أبواب الهلع بألا يُصاب جنينها بأذى :
-هقولك مكان الدهب ، بس سيبني يا فريد .. سيبني .

اشتدت قبضتـه عليها وهو يقول بصوت مخيف :
-أنتِ كده كده هتقولي .. وهتيجي معايا .. عاجبك كده !! كل ده أخرة عنادك وتمردك يا بنت المصري .

ثم أشار إلى عاصي محذرًا وهو يتأمل فوهات أسلحة رجاله المحيطة بفريد :
-قولهم ينزلـوا سلاحهم .. وإلا مش هتشوف مراتك تاني ..

خرجت رسيل عن وعيها صارخة بذعر لتستعطفه :
-فريد كفاية .. كفاية غباء وأنانيـة  لحد كده .. أعقل ياخي وبطل تهور !! فكر في فريال أختك ؟!

أخذت يطوف بها حول نفسه برعب وهو يُقر اعترافه :
-أنانية !! أنتِ أخر واحدة تتكلمي عن الأنانيـة .. عشت عمري كله محبتش غيرك وأنت ولا شيفاني ولا عايزة تديني فرصة ورحتي اترميتي في حضن صبي من بتوعنا ..

تقطرت عِبراتها على كفه الذي يحمل السكين وأكمل سرد مبررات أفعاله الدنيئة:
-كنت شغال مرمطون عند قنديل المصري وفي الأخر يرميلي ملاليم كل أخر شهر .. أبويا لما كان بيصارع الموت وأبوكي استخسر فيه يبيع مركبة من بتوعه عشان يسفره يعمل العمليـة .. وفي الاخر اطلع من المولد بلا حُمص !! لا مش أنا يا رسيل اللي يتضحك عليا !

ثم أطلق ضحكة مفعمـة بالشـر :
-جيه وقت سداد ديونكم يا ولاد قنديل المصري .. وأنتِ اللي هتدفعي التمن ده ، زي ما حرقتي قلبي وقررتي تغمضي عينك عن حبي ليكي ، أنا هقتلك ، حتى عشان يبقى لك قبـر ازورك فيه براحتي ..

حملة من المشاعر الثائرة هجمت على القلوب .. ما بين عاصي العاجز عن إحداث أي حركة غير محسوبة فيكون ثمنها روح حيـاته .. وتميـم المهزوز ما بين الحقائق التي رفعت الستائر عنها وأخوته ليست بأخوته ، للتو أدرك حقيقة ثلاثين عامًا من الكذب عاشهم في كنف خداع عبلة .. وإخوتها الذين يشاهدون شبح الموت يحيط بأختهم الكبرى بعجز تام منهم ..

الشخص الوحيـد المتحكم بأعصابه كان مُراد وهو يفحص المكان حوله بعينيه الثاقبـة حتى تلاقت بأعين بحارس كامن خلف الشجرة مُصوبًا سلاحه ناحيته محاولًا إصابة الهدف .. حاوره مراد بعينيه أن ينتظر اللحظة المناسبـة ثم تدخل ليُلاغيه :

-أنت عايز أيه دلوقتي ؟! خلي كلامك معايـا .

رد فريد بنبرة الخوف الساكن بجوفه :
-عربية بالسواق توصلني للمكان اللي هقوله عليـه .. بس هاخد رسيل معايا .

جهر عاصي رافضًا وهو يسحب السلاح من حارسـه ويوجهه نحو فريد  :
-رسيل مش هتخطي خطوة واحدة بره .. وأنت حياتك مش كفاية لـ عمايلك دي يافريد   ..

ضحك فريد بجنون وقال متفاخرًا :
-السلاح معايا وعلى رقبتها .. قبل ما تدوس على زينادك هتلاقيها سافرت تستناني فوق ..

ثم وشوش بأذنها كمجمون ليلى :
-مش كده يا سيلا !!

صرخت بنبرتها المرتجفة وقطرات العرق تتصبب من وجهها بملامح عجوز على أعتاب السبعين  :
-بكرهك .. بكرهك يا فريد .

صرخ فريد بنفاذ صبر :
-فين العربية .. ؟!

تدخل مراد مطاوعًا وهو يقترب منـه بخفة :
-هاتوله عربية يا بني  ..

ثم رفع يديه مستسلمًا :
-هيجيبولك عربيـة ، وهنفذلك طلباتك وو

قاطعه فريد منذرًا :
-متقربش .. خليك مكانك .. ولا حركة بقولكم هدبحها قُدامكم !!

مد عاصي ذراعه أمام مراد ليمنعه من الإقتراب بتلقائية :
-خلاص أهدى .. خلاص يا مراد ، هنفذلك اللي عايزه ..

تمسك مراد بساعد عاصي الممتد أمامه وهو يُطيـل النظر بأعين حياة التي ألتفتت بصعوبة لنظراته المُرشدة بالطريقـة التي تحمي بها نفسها من أذية فريد .. ضم على ذراع عاصي بكفيـه مغيرًا نبرة صوته التي تحولت فجأة وما زالت عينيه متعلقة بعيون حياة المتراقصة حتى دفع ذراع عاصي بكل قوته لأسفل كأنه يُرشد حياة أن تُقلده :

-أنت هتسيب المجنون ده يمشي كلامه علينا! ...

شرعت حياة بتنفيذ أوامر وتسللت أصابعها الرفيعة لتلتف حول معصم يد فريد كوجهـة دفاع عن نفسها في أبعاد حد السلاح الأبيض عنها .. اختلق مراد مشكلة وهميـة مع عاصي ليُشتت انتباه فريـد  ، في تلك اللحظة التي أحست فيها رسيل بارتخاء يده عن عنقها وهي يقول :

-وفروا خلافاتكم العائليـة دي لحد ما امشي صدعتوني ؟!!!

في تلك اللحظة استجمعت رسيل قوتها ليعطي مراد نظرة آمرة للحارس الذي يراقبهم في الخفاء بأن يُطلق رصاصته في نفس الثانية التي تعلقت فيها رسيل بساعد فريد لتخفضه بعيدًا عنها ؛ مع صدى صوت الرصاصة التي امتزجت بصوت صرخة رسيـل التي شدها مراد من كفها لترتمي كالحمامة المذبوحة في حضن عاصي ، استقرت الرصاصة بجمجمة رأس فريد الذي لقي حدفـه في الحال ...

كانت لقاء أرواحهم قبل أجسادهم ، ككرة ملتهبة عانقت ماء البـحر .. رغم شدة العناق إلا أنها بدأت تهدأ وتستكين تدريجيـًا بين يديه التي أسرتها بحضنـه .. مسح على وجهها المتصبب بمياه الفزع :
-أنتِ كويسـة ..

انعقدت حلقة البقية حول فريد الذي التقى بمصيره الذي يستحقـه ، بصق رشيد على جثمانه ثم قال مستنكرًا :

-كان نفسي أخلص عليك بأيدي يا *** ..

تفوه يونس بهدوء ليمارس مهنة المحاماة التي يدرسها :
-كلموا الشُرطة وجهزوا الكاميرات عشان نثبت أنه دفاع عن النفس ..

ثم قال تميـم بهدوء مريب وهو يشير لكبير الحرس :
-نفذ الأوامر بسرعة  ..

خرجت شمس راكضة أثر صوت الرصاص الذي أعجزها عن ممارسة مهمتها لمداواة عاليـة التي غرقت في حالة من الانهيار العصبي المفزعـة ... رفعت حياة مُقلتيها الاتي اعتلاها كرب ثقيل وهي تتمسك ببطنهـا ، فسألها ملهوفة :

-أنتِ كويسـة ؟!

بصمت مُريبة انصب بمقلتيها السابحة بدموع الألم طالعتـه بعجزٍ قفز الرعب بقلبه فكرر سؤاله ملهوفًا :
-حياة !!!! قولي حاسة بأيه ؟!

انكمش قميصه حول قبضـة يدها المتعلقة به كأنه أخر ما تملك بالحياة وهي تُجيب بصوت مشج متهدج :
-عـا صي .. بطنــي .. ابننا ..

ثم انغلقت جفونها وهي تتلوى بوجع صامت بين يديه ، فوقعت أنظاره على القليل من قطرات الدماء الممطرة من رحمـها ، فاتسع بؤبؤ عينيها بصدمة لا توصف :
-حيـاة ..!! ردي عليـا ..

حملها بدون تفكيـر صارخًا باستغاثة :
-هاتـوا عربية بسـرعة ..

اندفعت شمس نحو مراد الواقف في وسط الحادث مستغيثـة :
-مراد ، تعالى بسرعة شوف عاليـة ..

-مالها عالية ؟!!

-تعالى ...
••••••••

استوطن اليأس بقلبهـا إثر أنانيـة عبلة وعدم جوابها على أهم سؤال وأبسط حقوق المرء أن يعرفه " من أنا ؟! " شعرت بأنهـا لا تُريد من الحياة سوى أن تهرب من هذا الشعور القاتل ..  فهو يشبه النار التي تشتعل في جسدها وتلتهم روحهـا .. طاحت يدها بالفازة التي تتوسط المنضدة لينتشر فتات زجاجها مثلمـا تفتت قلب عالية وهي تترجاه تارة وتصرخ بوجهها طورًا :

-أنتِ ساكتـة ليـه ؟!! قولي أي حاجة طيب ؟!! أنا أذيتك في أيه عشان تحرمي طفلة من أهلها !!

ثم جلست أمام ركبتي عبلة المهزوزة وتوسلت إليها :
-طيب ماما عايشـة ولا ماتت !! لو عايشـة قوليلي تلحق تعوضني عن سنين القسوة اللي عشتهم معاكي ..

ثم قبلت يدها بترجى ودموعها التي تغسل وجهها :
-عشان خاطري لو بتحبيني .. والله مش هسيبك ولا هبعد عنك بس مين أمى ..

لم تتفوه عبلة إلا بجملتين كأنها لم تتعلم غيرهم :
-أنتِ وعاصى ولادي ... أنتوا مش ولاد حد تاني !!

ركض مُراد إليها وهو يشاهد موقفهم المثير للقلب والعاطفة ، مكث على ركبتيـه :
-عاليـة، قومي ... مش هتتكلم ، هي لو عايزة تتكلم كانت اتكلمت من زمان !

طالعته بأعينها الذابلة :
-مراد قولها تتكلم .. أنا عايزه أعرف مين هي أمي .. مراد أعمل حاجة لو بتحبني ..

أمسك برسغها ليساعدها على النهوض :
-قومي يا عاليـة مفيش فايدة .. قومي .

تعلقت بملابسـه كالطفلة وهي على أعتاب حالة من الانهيار العصبي :
-أنا عشت أسوأ أيامي في البيت ده !! ومش عايزة اسمع اعتذار من حد ، قولها بس تقولي مين أمي وأنا هسامحها والله ..

لم يجد حلًا سوى حملهـا بين يديه متجهـًا إلى غُرفتـها .. فتدخلت شمس مقترحة :
-هجيبلها مهدئ تاخده عشان تنام ..

مراد باهتمام :
-بسرعة يا شمس .. جسمها كله بيترعش ..

ردت بعجلٍ :
-حاضر حاضر .. هكلم الصيدليـة حالًا ...

انضمت نوران إلى أختها بملامح يخيـم عليها الآسى :
-مسكينـة يا عاليـة ..

تنهدت شمس بحزن :
-وربنـا يستر على حيـاة التانية هي والبيبي ..

حدجت نوران بأعينها الصقـرية عبلة الجالسة مطأطأة الرأس بخزى :
-أهو كله من العجوزة دي !!

زفرت شمس باختناق في وجهها اختها واتجهت ناحيـة الهاتف لتطلب دواء لعاليـة حيث جهرت آمرة قبل أن تتلقى ردًا بالهاتف :
-سيدة اعملي لمون لعاليـة بسرعة ..

ضربت سيدة كف على الآخر :
-كان مستخبي لكم فين كل ده بس ؟!!!!!

~ بالطابق العلوى ~

بنهايـة كُل أزمـة الأشيـاء والشعور بداخل المرء ،  ولم يبقى منه إلا الذكريات المغبرة على رف النسيان الذي تمرر مذاق الحياة بفمه .. يصبح كل شيء باردًا وهادئًا ومُريبًا .. تكاد تكون كالجثة متبلد الأطراف والشعور تستقبل المزيد والمزيد من الصدمات بدون أي رد فعـل ..

شد مُراد الغطاء فوق جسد عالية البارد فتشبثت بيده راجية :
-مراد .. خليك معايـا ..

مال ليطبع قُبلة خفيـفة على جبهتها ليُطمئنها بوجوده :
-جمبك متقلقيش ..

ثم ابتعد عنها وزاح الغطاء ليُعري قدميها وينزع الحذاء منهما برفق وهي تتلوى على مراجل الحزن كأن ما ترقد فوقه جمر مشتعل وليست بقطن .. انتهى مراد من فعله ثم نزع هو الأخر حذائه ورقد بجوارها فتعلقت بعنقه وهي تتمتم :
-يعني أنا ماليش أهل يا مـراد ؟! هعيش طول عمري منسوبة لعيلة أنا مش بنتهم ! أنا ليه بيحصل فيا كل ده ؟!

أخذ يمسح على رأسها كي تهدئ :
-حبيبتي ممكن تهدي ومتفكريش في حاجات سلبيـة ! أنتِ ملكيش ذنب في كل اللي حصل يا عاليـة !

رفعت جفونه المحمرة إليه :
-يعني أنتَ مش هتسيبني بعد اللي عرفتـه !

-وايه يعيبك في كل اللي عرفته أسيبك عشانه !

انخرطت العبرات من مقلتيها و بشفاه مرتعشـة :
-هي عملت فيا كده ليـه ؟! انا أستاهل القسوة دي !

-عالية اهدي أنتِ جسمك كله بترعش !! أهدي وأنا جمبك أهو .. مش هسيبك ..

أطالت النظر بوجهه لتتأكد من وجوده وأنه خير ما أتى بظلمة أعوامها .. أخذت ترتجف وتأن وجعًا حتى طلبت منه بتوسـل ينزف دمعًا :
-ممكن تحضني أوي .. خدني في حضنك يا مراد أنا ماليش غيرك دلوقتِ ..

•••••••

~بالمشفـى ~

حملها بين يديه ودخل استقبال المشفى يُنادي بحنجرته القويـة :
-فين الدكاترة اللي هنـا .. !!

تابعه أخوتها بنفس السرعة التي يسير بها .. تحرك رشيد ناحية الاستقبال مندفعًا:
-اختي حامل وبتنزف ، عايزين دكتور بسـرعة ..

أمسك يونس بكف أخته التي تتضور وجعًا من تقلصات رحمها المميتـة :
-استحملي يا رسيـل ، إن شاء الله مفيش حاجة !

انفجرت صوتها الباكي الممزق من شدة الألم:
-مش قادرة .. وجع فظيع ..

كاد عاصي أن ينفجر بموظفى المشفى إلا أن جاء طاقم التمريض بالسرير المتحرك بعجلٍ ، وضعها فوقه وركضـوا بها ناحيـة غرفة العمليات.. أمسك بكفها ليطمئنها بالمصعد :
-متخافيش .. اهدي اهدي التوتر مش في صالحنا يا حياة ..

ضغطت علي كفه باكيـة وكأنها تفقد روحها :
-ابني يا عاصي .. ابني بيروح مني .. مش قادرة ..

رد ملهوفًا :
-سلامتك أهم .. عشان خاطري اهدي ، مفيش حاجة !أنتِ عندي بالدنيـا ..

ثم نهر طاقم التمريض :
-فين الدكتور اللي هنـا ..؟!

فُتح باب المصعد وأجابته الممرضة بسرعة وهي تركض بالسرير المتحرك :
-جاي حالًا .. لو سمحت ماينفعش تدخل العمليات استناها هنـا ..

انضم إليه رشيد ويونس ركضًا من ناحية السُلم حيث سأله رشيد :
-فين ؟! رسيل خدوها فين ؟!

رد بثقـل وهو يعاصـر نفس الحالة ونفس الألم الذي عاشه من قبـل ، فرغ طاقته المكبوتة وهو يضرب الحائط بقبضـة يده :
-العمليـات .. دخلت جوه .

ربت يونس على كتفه :
-مفيش حاجة ان شاء الله تخرج بالسـلامة هي والبيبي ..

أخذ يجوب المكان بعجز تام وقلة حيلة يعد الدقائق كي تعـود إليـه ‏كي ينظر بعينيها فيستمـد قوته من جديد ليواجه جمة المصائب التي تنتظره .. كي يتقلص إحباطه ويغتال هزائمه ويختفي كُل هذا الظلام بداخله ..

اشتعلت ملامحـه بجمر الغضب الذي توقد بملامحه .. رفع ساعده على الحائط وسند جبهته عليـه وهو يلوم نفسـه التي فشلت أن تحميها .. عن عجزه في تنفيذ وعده لها في ليلة ملأ عطر الحب صدورهم ، فأخذ على عينيها عهدًا عندمـا سألته :
-هل تحبّني ؟!

فطبع وسام العشق بقبلة طويله بين عينيها وقال :
"‏مهمتي في الحياة العيش لأحبك أولاً والحراسة المشددة لقلبك من كل حزن وألم .. لقد تجاوزت فيكِ الحب وأصبحت عاشقًا لكِ "

بعد مرور السـاعـة خرج الطبيب من غُرفـة العمليـات وهو يخلع " الماسك " عن وجهها .. هرول عاصي وأخوتها نحـوه فسأله ملهوفًا :
-مراتي عاملة أيه !

بملامح حزينة أردف الطبيب :
-بنحاول بكل جهدنـا نحافظ على الجنين .. ولازم تبقى تحت الملاحظة والأجهزة الـ٢٤ ساعة الجايين ، واللي عايزه ربنـا هيكون .

عارضـه ملهوفًا :
-دكتور لو الجنين هيأثـر على حياتها نزله ، المهم هي ..

-أنا هتابع الحالة بنفسـي ، واتأكد صحة الأم عندنا أهم .. بعد أذنك .

ركل المقعد المعدني بساقـه وهو يجهر صارخًا معترضًا  :
-ليـه !! ليـه عشان اخد حاجة لازم أخسر حاجة قُدامها !!

ثم لجأ للزجاج الفاصـل بينهم ليُراقب ملامحها النائمة ويترجاها بملامحه المنكسـرة وكأنه يشكو من فكرة غيابها .. هل تعي حجم الألم الذي سيسكنني أن ضب العمر حقائبه معك تلك المرة ، وتلك النظرة المميتة التي سترافقني بقيـة أيامي بعد بُعدم !!  وتلك الدموع التي سترهقني   وكل الليالي المؤلمة التي سأقضيها بدونك ؟! هل تعي ما سأكون عليـه أن غربت شمسك ؟!! ‏"كلما لملم جرح قلبهُ ، زارهُ الألم قديم :

-حيـاة متهزريش .. قومي ، أنا اللي كنت هسيبك ودلوقتي بقولك متسبنيش ؟!!!

••••••
~ عودة للقـصر ~

ضبت عبـلة سنوات عُمرها وهي تدور بتيـهٍ في أرجاء القصر الذي شهد على مُعاناتهـا حتى وقفت أمام صورة شهاب دويدار المُعلقـة على الحائط ، طالعته بأعين يملأها السخط والحقد على حياة سوداوية عاشتها معـه أخذتـه تحاوره كأنه يقف أمامها :

-شفت بنت الـ 14 سنـة عملت فيك أيه ؟!! لعبت بيك الكورة أنت وولادك يا شهاب .. مش أنت اللي فضلت شويـة خادمات عليا ؟! مش أنت اللي حرمتني أكون أم باقي عُمـري ..

هجم شريط الذكريـات على ذهنهـا وهي طفلة تُعاني تحت يده ، بكفوف مكبلة وصرخات مرتفعـة وخوف شنيع يحاصـرها ، تترجاه أن يتركها .. أن يبتعد عنها ، تخبره عن البركان الثائر برحمها ولكنـه لم يهتم ، كان يتجرع كؤوس النبيذ بدون وعي ثم يعـود إليها ليجدد أسوأ كابوس في يقظتهـا .. صرخات لا تعثر استغاثة .. دموع لا تجد مصبًا لمجراها .. آلآم يئست من تعانق الدواء .. خوف يعقبه نوبات هلعٍ لا تصادفها طمأنينة...

جففت عبراتها الجارية وأكملت محاورة صورته :
-قولت لك هاخد حقي منك .. وخدته ، شوفت انتقمت في ولادك ، السنين اللي عشتها متعذبة معاك عيشتهم زيها وهما خايفين ..

خيم فطر قديم من الذكرى على رأسهـا وهي تحاوره :
-أنت حبيت كُل الستات دي ، اشمعنـا أنا كنت بتنتقم مني ؟!

شد رابطة عنقـه وقال بفظاظـة :
-لأنك بنت المحلاوي ..

-تارك مع أبويـا ، ليـه اخلصـه أنا ؟! حرام عليك سيبني في حالي ؟!

أمسك ذراعها بقوة ورجها بعنفوان :
-أنتِ تحمدي ربنا ، لولا عاصي أنا كان زماني خلصت منك .. حظك الحلو خلفتي وأنا مش هربي عقدة نفسية لابني لما يشوف أمه بتتعذب قدام عينه .. عيشي لابنك يا عبلة وارضي .. وبلاش تفتشي في الماضي .

استردت وعيها وهي ترمقه بشماتـة :
-أنتَ اللي عملت فينـا كده .. كُنت مفكر إني هنسى ؟!! خلاص أنا هديت البيت اللي بنيته وفرقت ولادك .. ضيعت كل اللي عشت عشـانه ..

ثم انسحبت بهدوء وهي تغادر القصـر شاردة تائهـة لا ترى أمامها ، ولكن ذاكرتها تتخبط هنا وهنـاك حتى تأرجحت مشاهد الماضي برأسها وهي تقف وراء البـاب تُراقب العلاقة بين زوجهـا والخياطـة التي تدعى " تحيـة " وهي تأخذ مقاساته بشريط القياس ، فدار إليـها وهو يطوق خصرها قائلًا :

-كل ليلة يا تحيـة هتحجج بالمقاسـات عشان أشوفك ..

لتتملص الفتاة الشابة من يده :
-ياخبر يا شهاب بيـه ؟! مايصحش ست عبلة تشوفك !!

-وأنا أعمـل أيـه في قلبي اللي مش عارف يشـوف غيـرك ، تحيـة تتجوزيني !

كان الذعر منعكسًا بعينيها :
-انا مخطوبة لعبد العظيم يا شهاب بيه مش هينفع !!

نهرها بعنفوان وهو يدنوها منه :
-بصي في عيني .. أنا متأكد أنك بتحبيني زي ما بحبك ، مش هينفع تخبي .. تعرفي أنا وقعت بغرامك من أول يوم ، بقيت حابب لبسي كله يبقى تفصيـل أيدك ..

-وأنا كمان حبيتك ياسي شهاب ، وفاهمة نظرتك ليا من أول يوم جيت فيه هنـا .. بس بقول كل ده وهم بقا البيه الكُبرا ده هيبصلك أنتِ .

أطرقت بخجـل وهي تسكر من كلمـاته حتى انفرد الرجل الأربعيني بالفتاة التي لم تكمل العشرين من عمرها حتى هبت صارخة بوجهه :
-تكتب عليـا الأول ....

لقد عقد زمام نواياه فرد مطاوعًا وهي يكمل رحلة امتلاكها :
-هيحصل ...

< عودة للوقت الحالي >

تشبثت عبلة بقلبـها وهي تغادر من بوابـة القصر سيرًا على قدميهـا بصمت مريب لتكمل حلقة استعادة ماضيها الأليـم لتذهب لتلك اللحظة التي جاءت إليهـا "تحيـة" تتوسل إليهـا :
-ست عبلة البيه مسافر وأنا عايزة اكلمه ضروري ؟

ردت عبلة بتوجس :
-ايه اللي بينك وبين البيه يا بت انطقي ..

ردت تحية بخوف :
-شغل ، كان طالب مني شغل ! قوليلي بس جاي أمتى ؟!

وثبت عبلة تتأمل ملامحها المذعورة :
-البيه مش هيرجع قبل سـنة لأنه بيأسس شغل جديد بره مصـر .

لطمت تحيـة على وجهها بندم :
-يانهار أسود ومنيل ..

ثم جلست على ركبتيها تتوسل إليـها :
-انا في عرضك يا هانم ، استري عليـا .. أنا حامل ولازم شهاب باشا يعرف أن اللي في بطنه ده ابنه .. هو وعدني هيرجع من السفر ويكتب عليـا وانا صدقته !! اتصرفي عبدالعظيم لو عرف هيقتلني .. اتصرفوا وخليني أكلم البيه ..

بعد ما وبختها عبلة بأسوأ الكلمات والمصطلحات التي تُقلل منهـا وهددتها أن تفضحها أمـام الجميع وأولهم خطيبها عبدالعظيـم ، نظرت إليها بمكر وهي تقول :
-بس في حل ينقذك من كُل ده .. وأنتِ حُرة يا توافقي يا ترفضي ..

ردت عليها بعجـز وكأنها تتعلق بقشة الغريق :
-انا هنفذ كل اللي تأمريني بيه ، بس استري عليـا ..

جاء اليوم التالي حيث أرسلت عبلة لتحية أن تأتي لعندها وبعد حوار طويل قالت عبلة :
-بصي أنا هساعدك عشان أنتِ بنت غلبانة .. وعشان شهاب دويدار ضحك عليكي واستغلك وأنت زي الهبلة صدقتيه لانه مستحيل يتجوز شغالة عنده ، فوقي لنفسك يابت .. والطفل اللي جاي ملهوش ذنب .. انا هاخدك بعيد عن القصـر وهصرف عليكي لحد ما تولدي ، وهاخد العيل اربيه واكتبه باسم أبوه واقوله أنه ابني ، وأنتِ الداية اللي هتولدك هتصلح غلطتك وأجوزك لعبد العظيم وتسافروا بره .. قُلتِ أيه !

ردت مستنجدة :
-موافقة ..

بعدما خرجت تحية من الغرفـة رن جرس الهاتف الأرضي لتركض إليه عبلة ، إذن بصوت شهاب الذي اتصل ليطمئن على حال القصر فزفت له عبلة ذلك الخبـر التعيس له :
-شهاب أنا حامل ...

رُد إليها وعيها وهي تستريح على أحد المقاعد العامة تلتقط أنفاسها المحترقة فوق سُلم العمر مواصلة استعاد ذكرياتها بعد مرور ثمانية أشهر على اتفاقهـا مع تحيـة .. لقد أزفت ساعة وضعها .. جاءت تهرول إليها برفقة إحدى المولدات التي أسرعت لمساعدة تلك الشابة المتوجعة ، مرت أصعب لحظات على تحية حتى وضعت صغيرها وإذن بصبي يحمل معالم أبيـه .. حملت عبلة الطفل وأشارت للدايـة أن تنفذ اتفاقها مع عبلة وهو إنهاء روح المسكينـة والخلاص منها في الحال .. ثم دخل عبدالعظيم المُرتشي بالأموال الكثيـرة ليُسجل الصغير باسمـه وفي لحظة خروجه من السجل المدني جاءت سيارة بأقصى سرعة لتقضي عليـه وبهذه الطريقة وبمساعدة ابن خالها نفذت عبلة مخططها كما يجب أن يكون ...

"المشاعرُ المكتومة لا تموت أبدًا، إنها مدفونةٌ وهي على قيد الحياةِ وستظهرُ لاحقا بطرقٍ بشِعة ومروعة للعقـل البشري ..".

~عودة إلى القصـر ~

أقبلت شمس نحو غُرفة المكتب التي خرج منهـا تميم فاصطدم الاثنان ببعضهما .. تراجعت شمس مبررة :
-تميم كنت جاية لك ، لازم نتكلم ..

رد بتجاهل:
-بعدين يا شمس ..

-طيب أنتَ رايح فين الوقت ده ؟!

-المستشفى عنـد عاصي ..

همت مقترحة وهي تتبع خُطاه بإصرارٍ :
-هاجي معاك ..

••••••••

~فجـر اليوم التالي ~

حالة من الذعـر والقلق أصابت الجميع ، ما بين تراكض الأطباء وطاقم التمريض نحو غُرفة حيـاة والتساؤلات المتعرية من الإجابة التي اندلعت من فم عاصي ، جعلته يقف مضطربًا مكبل الأيدي ، مال الدنيـا لم يكن كافيـًا ليُردها إليـه ..

يُراقب الازدحام حوله ولكنـه لم يرٍ سواها .. الكثير من الكلمات لا تصف حالتـه ، تاهت الكلمات ببحر حزنه وعجزه ومعاصرته لنفس الألـم من جديد وكأن أعضائه الداخلية باتت ملطخة بالكدمات التي أحدثها الماضي والحاضر على عظامـه ..

جلس على طرف المقعد المعدني عندمـا يأس من جواب الأطباء عليـه دافنًا وجهه بين يديـه باستسلام لمشيئة الأقدار .. متنهدًا بمرارة كأنه يتمنى أن يهرب بعيدًا إلى مكانٍ يجهلونه جميع الناس ومن أوجاعه وماضيـه المُغبـر ..  ومكانٍ خالي لا يضم سواها ..

خرج الطبيب بملامح الحزن والأسف فأسرع الجميع إليـه بلهفة حتى قال متأثرًا :
-للأسف خسرنا الجنين ..

يتبع

******الجزء التاني من الفصـل هينزل متأخر شويـة  ......

Continue Reading

You'll Also Like

646 74 13
و اخفي عنك شيئاً ليس يحكي فاصمت ثم تفضحني عيوني ..... ألا يا عين كنتى بالامس اوفي فمن علمك سرا ان تخوني . ؟ ايمكن للمرء ان يتفوه بالوداع ... وقلبه...
499K 24.7K 41
ندخل انا وياكم و نفتح الابواب عن حياة أنفال و المطبات الي مرت فيها بحياتها و هل وقفت عند هاي المطبات ولم تكمل حياتها ام هناك شخص أمسك بيدها لكي يكون...
1.1M 82.2K 59
تم تغير اسم الرواية من مجنوني الأنباري الى سجين الحب من بين الناس جميعاً، وفي شدة العتمه التي كانت في قلبي عندما غَدُرتُ من الحبيبه والصديق، ولم اعُد...
728K 4.3K 14
رواية جديدة بإذن الله هتنضم لإحدى مؤلفاتي المقدمة ****** هي مغصوبة الحقوق و مُرهفةُ المشَاعِر لتمُر عليها أجمل سنوات عُمرها محرومة بلا ساتِر حرمان من...