الفصل السابع والخمسون "57" ج1

Start from the beginning
                                    

كانت تضغط عليه وتستغل نقطة ضعفه، وهي تعلم أنه إذا قطع وعد أوفى به مهما كانت الأسباب، تعجب من إصرارها لكن حرك رأسه بإيجاب معتقدًا أن هذا كله لربما أن يكون الطعام مثلًا سيء الجودة والصنع..
اصطحبت أسوة يزيد وأبدلت له ملابسه ثم قالت له:-
- خليك مستنيني هنا يا زيدو أجيب حاجة من أوضتي وأرجعلك.
- ماشي يا ويسي مش تغيبي..

بينما مؤمن فنظر للطعام وابتسم لكونها من صنعته له خصيصًا وشرع يأكل بهدوء واطمئنان .. ومع أول لقمة مرت بحلقه أدرك الأمر، وفهم ما كانت ترمي إليه وكأنها تتحداه..
ظلّ يسعل بقوة شديدة .. وذهبت سعادته أدارج الرياح وهو الذي اعتقد أنها فعلت لأجله..
نعم فعلت لأجله لكن مثل البقية قصدًا .. للإيذاء لا أكثر ..
هي قد دست السُم في العسل.
غصة مريرة اضطر لإبتلاعها وواصل الطعام حتى أن وصل إلى مرحلة لا إحتمال بعدها..
سقطت الملعقة من يده، وظلّ جسده ينتفض بشدة وعروق وجهه ورقبته نافرة بجنون..
فك أزرار قميصه العلوية وازداد حدة السعال، ثم جاء يقف ليلوذ بغرفته فرارًا قبل أن يلحظه أحد بعد قد ضاقت أنفاسه..
كان يستند على كل ما يقابله وهو يصلب قامته بصعوبة، لكن خانته قدماه وسقط على أحد الدرجات وهو يتمسك بما بقى من قواه، وضع يده على موضع قلبه والسعال يزداد حدة بينما صدره اختنق حد الموت..
استند على جدار السُلم الحديدي وواصل السير بظهر مُنحني يجر أقدامه وتكبد عناء التحمل متخذًا من كل ما يقابله دعامة..
لكن يبدو أن يد القدر قد سبقت تلك المرة ولا فرار..
وبمجرد أن وصل لباب غرفته سقط هزيلًا ضعيفًا خائر القوة وقد بدى وجهه يُحاكي الأموات دون ريب، لتهوي به الريح في مكانٍ سحيق..

بينما أسوة فولجت للغرفة بخطوات مسرعة لتجذب وشاحها، وقبل أن تضعه على أكتافها، جذب إنتباهها صندوق وردي مستطيل متوسط الحجم أعلى الفراش والكثير من الحلوى الوردية المسمى بعزل البنات تطفو فوقه..
قلبه المكدود يستطيع أن يجعلها فوق السماء، كيف علم أنها تُحب الحلوى القُطنية، هل لاحظ لمعت أعينها حينما رأته أثناء عودتهم من الزفاف.؟!!
نعم شيء يبدو بسيط، لكن تخيّل أن هناك أحدهم يهتم بأدق تفاصيلك، يهتم لأن يجلب لك ما لمعت أعينك عند رؤيته من أجل إدخال السعادة على قلبك فقط، يهتم لأن يعلم ما تُحب وما تحلم به وما تتمنى.

حملت الصندوق واحتضنته لصدرها بقوة وهي مغمضة الأعين وقلبها يدق كأنها امتلكت كنز ثمين، غير أنها فتحت أعينها مسرعة على آخرهم عندم تذكرت أنها فعلت به العكس تمامًا، وضعت له في الطعام ما يبغضه.
وضعت الصندوق على الفراش وأسرعت تركض للخارج لتمنعه من أن يأكل من الطعام كي لا تُحزنه لكن عندما جاءت لتهبط الدرج لفت إنتباهها شيء أمام غرفته النائية.
صاعقة، موجة رعدية هزّت بدنها وعصفت بقلبها حين رأت هذا المشهد أمام أعينها، شعرت وكأنها انفصلت عن الحياة وكأن يد قاسية امتدت لصدرها وامتزعت قلبها، همست في أذنها أن ما تراه مجرد تهيؤات من أثر تلك الكوابيس اللعينة لا أكثر، هو بخير وينتظر في الأسفل على رأس المائدة.
كان عقلها يعمل جاهدًا لإرسال كافة التعليمات لأعضاءها لإعطاء ردة فعل.
بلهفة جسد يُنقذ روحه كانت تهرول نحوه وسبقتها دموعها، سقطت بجانبه على ركبتيها وكافة بدنها يرتعش إرتعاش ورقة رقيقية أسفل الصيّب، حملت رأسه الغارق بعرق بارد وجسده فينتفض بقوة..
نظر داخل أعينها عندما احتضنت رأسه لصدرها، بينما هي فكانت تتأمل وجهه الذي انسحب منه ضوء الحياة بأعين يغشاها الدموع، تذكرت تحذير فردوس لها لكنها ظنت أنه يكرهها فقط لم تدري أنها تُمرضه لتلك الدرجة وتسحب يده إلى الموت..
كانت معقودة اللسان حتى استطاعت أخيرًا النطق بنبرة متقطعة متحشرجة:-
- مكونتش أعرف والله .. كنت بحسبك بس بتكرهها .. مكونتش أعرف إنها بتتعبك، أنا آسفة ... هو .. أنا مقدرش أأذيك...إنت ممكن تصدق إن أأذيك دا روحي فداك والله صدقني..

الصمت الباكيWhere stories live. Discover now